You are on page 1of 21

‫حلقة بحث في المحاسبة الضريبية والزكاه‬

‫الحسبة‬
‫الدكتوريوسف سعاده‬
‫اعداد الطالب حسني وهبه‬
‫الحسبة‬

‫الحُسبة لغة‪ :‬مشتقة من االحتساب وهو طلب األجر كما في‬ ‫‪‬‬
‫الحديث‪ :‬من صام رمضان إيمانا ً واحتساباً‪ .‬أي طلب األجر‬
‫من هللا تعالى‪0‬‬
‫أما في االصطالح فهي "أمر بالمعروف إذا ظهر َترْ ُكه‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله"‪.‬‬
‫تعريف ‪ :‬نظام الحسبة في الشريعة اإلسالمية بأنه إزالة المنكر إذا ظهر فعله‪،‬‬
‫واألمر بالمعروف إذا ظهر تركه‪ ،‬ويمثل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫بذلك نظاما رقابيا يتكامل مع النظام االجتماعي والسياسي في المجتمع اإلسالمي‬
‫المثالي‪  .‬‬
‫الحسبة في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم‬
‫س َّل َم وهو الذي أنزل هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬عليه هذا‬ ‫ص َّلى هللاُ َع َل ْي ِه َو َ‬
‫إن رسول هللا َ‬ ‫‪‬‬
‫س َّل َم‬‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬
‫القرآن الكريم وهذا الذكر الحكيم ليبينه للناس‪ ،‬فبين بعمله َ‬
‫المتوافر في حياته كلها‪ :‬كيف أنه جاء حقا ً يأمر العالمين بالمعروف‪ ،‬وينهاهم‬
‫حرم عليهم الخبائث‪.‬‬
‫عن المنكر‪ ،‬و ُيحل ُّ لهم الطيبات‪ ،‬و ُي ِّ‬

‫س َّل َم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‪ ،‬وما كانت‬‫ص َّلى هللاُ َع َل ْي ِه َو َ‬


‫فقد كان َ‬ ‫‪‬‬
‫دعوته من أولها إلى آخرها إال أمراً بالمعروف ونهيا ً عن المنكر‪.‬‬

‫وبهذا نفهم المعنى الواسع في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬إذ كل ما أمر‬ ‫‪‬‬
‫هللا به فهو معروف‪ ،‬وأعظم المعروف هو توحيد هللا عز وجل؛ ألنه أعظم مأمور‬
‫به‪ ،‬وكل ما نهى هللا ‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬عنه إما إلزاما ً أو كراهية ‪-‬فهو أيضا ً منكر‪،‬‬
‫وأكبر منكر هو الشرك باهلل عز وجل‪.‬‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعم من الحسبة‪ ،‬فيؤمر بالمعروف وإن لم يترك‪ ،‬وينهى عن المنكر وإن‬ ‫‪‬‬
‫لم يرتكب‪ ،‬كما يفعل الخطباء والعلماء من الحث على فعل الخيرات وترك المنكرات‪ ،‬فتكون الحسبة أخص من‬
‫حيث إنها تتعلق بالمعروف الذي ترك‪ ،‬والمنكر الذي فعل ‪.‬‬

‫المقصود ب المعروف بأنه كل ما عرف في الشرع حسنه‪ ،‬والمنكر هو كل ما عرف الشرع قبحه‪ ،‬وعلى ذلك‬ ‫‪‬‬
‫فاألمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتناول األمور التالية‪ :‬‬
‫‪ -‬األمور الدينية‪ :‬ما أمر هللا به وأمر به رسوله صلى هللا عليه وسلم وأجمع العلماء عليه‪ ،‬أو كان مستحسنا‬
‫شرعا وعرفا ثم تركه شخص‪ ،‬تعين أمره بالمعروف وبيان كونه معروفا ال يجوز تركه‪ ،‬وكذلك من ارتكب‬
‫شيئا من النواهي الشرعية التي جاء بها النص عن هللا وعن رسوله صلى هللا عليه وسلم وأجمع العلماء‬
‫عليه‪ ،‬أو كان مستقبحا شرعا وعرفا وعادة فإنه يتعين اإلنكار عليه وبيان وجه الحق له وتحذيره من مغبة‬
‫ارتكاب النواهي‪ .‬‬
‫‪ -‬األمور العرفية‪ :‬فما استحسنه الناس ولم يكن فيه مخالفة للشرع بأي وجه من الوجوه ثم خالفه شخص‬
‫بالفعل أو الترك فإنه ينكر عليه ذلك حتى لو كان من قبيل العادات التي تدخل تحت قاعدة المباحات‪ .‬وكذلك ما‬
‫استقبح الناس فعله عادة وعرفا ولكن الشرع لم يتعرض له فسكت عنه فإنه يتعين اإلنكار على فاعل لمخالفة‬
‫العادة‪ T‬والعرف الذي ألفه الناس ‪.‬‬

‫ويضيف فضيلة الشيخ محمد حسن الدريعي بأن مسألة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ال تخضع‬ ‫‪‬‬
‫للتذوق والهوى النفسي‪ ،‬وإنما ترتبط بشريعة هللا التي ألزمتنا باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫وأركان الحسبة هم‪:‬‬

‫‪ )1‬مُحتسب‪   ‬‬
‫‪ )2    ‬مُحت َسب عليه‪   ‬‬
‫‪ )3     ‬مُحت َسب فيه‬
‫‪ )4‬احتساب‬
‫فالمحُتسب هو من يقوم باألمر بالمعروف والنهي عن‬ ‫‪‬‬
‫المنكر‪ ،‬وال يشترط فيه إذن من ولي األمر"السلطان" فكل‬
‫مسلم مأمور بتغيير المنكر‪ :‬من رأى منكم منكراً فليغيره‬
‫وهناك آداب للمحتسب من أهمها‪ :‬الرفق في االحتساب‬ ‫‪‬‬
‫ووضعه في موضعه‪ ،‬و‪N‬من اآلداب‪ :‬البدء بالنفس‪ ،‬والبدء‬
‫باألهم‪ ،‬ومراعاة سنة التدرج‪ ،‬والموازنة بين المصالح‬
‫والمفاسد‪ ،‬والصبر واحتمال األذى‪ ،‬والسعي إليجاد البدائل‬
‫اإلسالمية للمنكرات المراد إزالتها ‪0‬‬
‫المحتسب عليه‪ :‬هو من يؤمر بالمعروف و ُي ْنهى عن المنكر‪ ،‬ومن‬ ‫‪‬‬
‫شروطه‪ ،‬أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكراً؛‬
‫وإن لم يكن معصية يحاسب عليها ديانتة‪ ،‬فكل من الصبي والمجنون‬
‫والناسي والجاهل يمنع من المنكر‪ ،‬وإن لم يكن مؤاخذاً به شرعا ً عند‬
‫هللا ‪.‬‬
‫شروط يجب ان تتوفر في المحتسب ان يكون عاقال يميز بين الخير‬ ‫‪‬‬
‫والشر والحالل والحرام‪ ،‬في نفس الوقت ال يكون من أهل والية‬
‫الحسبة حتى يصير بالغا عاقال فبالبلوغ والعقل يكون مكلفا‪ .‬‬
‫‪-‬أن يكون المحتسب مسلما ألن الحسبة تهدف إلى إصالح الناس‬
‫وحماية الدين وال يقوم بهذا إال مؤمن بالدين‪ .‬‬
‫‪-‬العدالة بأن يعمل بما يأمر الناس به ويدعوهم إليه ‪.‬‬
‫المحُتسب فيه‪ :‬هو المنكر الموجود الظاهر للمحتسب بغير‬ ‫‪‬‬
‫تجسس‪ ،‬ويكون مما يعلم أنه منكر بغير اجتهاد‪ ،‬ومن‬
‫شروطه‪ :‬أن يكون موجو‪N‬داً في الحال هو أو مقدماته‪ ،‬أما ما‬
‫فات فليس فيه إال النصح‪ ،‬وأن يكون ظاهراً يراه المحُتسب‬
‫أو يسمعه أو ي ُنقل له نقالً موثو‪N‬قاً‪ ،‬كل ذلك بدو‪N‬ن تجسس‪،‬‬
‫ومن شروطه‪ :‬أن ال يكون مما اختلف فيه من مسائل‬
‫االجتهاد اختالفا ً معتبراً‪ ،‬فال إنكار في مسائل االجتهاد‪.‬‬
‫االحتساب‪ :‬وهو القيام بالحسبة‪ :‬وهو مراتب ولكل مرتبة شروط‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫األولى‪ :‬التغيير باليد وهي أقوى مراتب الحسبة‪ ،‬ومن أهم شروطها‪:‬‬
‫القدرة وعدم ترتب مفسدة أكبر من االحتساب‪.‬‬
‫المرتبة الثانية‪ :‬التغيير باللسان‪ ،‬وإنما ينتقل إليها إذا عجز عن اليد‪.‬‬
‫المرتبة الثالثة‪ :‬اإلنكار بالقلب‪ ،‬وهذا ال رخصة ألحد في تركه‪ ،‬بل‬
‫يجب أن يكون بغض المنكر وكراهيته في قلب كل مسلم‪ ،‬فآخر حدود‬
‫اإليمان هو اإلنكار بالقلب‪.‬‬
‫وحقيقة اإلنكار بالقلب‪ ،‬عدم الرضا بالمنكر ومفارقته والنفور عنه ‪.‬‬
‫يقول الدكتور مناع القطان رحمه هللا إن بعض العلماء يرى أن الحسبة فرض عين‪ ،‬وفرض‬ ‫‪‬‬
‫العين هو ما طلبه الشارع من كل فرد من أفراد المكلفين‪ ،‬وال يجزي قيام مكلف به عن‬
‫آخر‪ ،‬واستدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى‪( :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون‬
‫بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) وجه الداللة عندهم أن من هنا بيانية‬
‫وليس للتبغيض فالمعنى‪ :‬كونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير وتأمرون بالمعروف وتنهون‬
‫عن المنكر‪ ،‬كما في قوله تعالى‪( :‬فاجتنبوا الرجس من األوثان واجتنبوا قول الزور)‬
‫وقال آخرون‪ :‬إن الحسبة فرض كفاية‪ ،‬وفرض الكفاية هو ما طلب الشارع فعله من‬ ‫‪‬‬
‫مجموع المكلفين‪ ،‬ليس من كل فرد منهم‪ ،‬بحيث إذا قام به بعض المكلفين أدى الواجب‬
‫وسقط اإلثم عن الباقين‪ ،‬وإذا لم يقم به أي فرد من أفراد المكلفين أثموا جميعا‪ ،‬وقال‬
‫أصحاب هذا القول‪ :‬إن‪)  ‬ولتكن منكم امه )‬
‫في قوله تعالى (منكم) للتبغيض‪ ،‬وإذا قلنا إن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر من‬
‫فروض الكفاية‪ ،‬وهو الحكم السائد‪ ،‬فإن مسؤولية ذلك تقع على ولي األمر الذي أناط‬
‫اإلسالم به حراسة دين هللا وإصالح شؤون األمة في دينها ودنياها‪ ،‬وهذا هو شأن األمة‬
‫التي تطبق شريعة هللا فيكون فيها من أنواع الواليات والية الحسبة للقيام على األمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ . .‬‬
‫مراتب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫فيقول‪ :‬إن على اآلمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يستحضر في ذهنه تلك‬ ‫‪‬‬
‫الدرجات التي بينها الرسول عليه الصالة والسالم في هذا الباب‪ ،‬حيث قال عليه‬
‫الصالة والسالم‪( :‬من رأى منكم منكر فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم‬
‫يستطع فبقلبه وذلك أضعف اإليمان(‪.  ‬‬

‫فالدرجة األولى هي مهمة الوالة والمسؤولين أي اإلمام ومن ينوب عنه في هذا‬ ‫‪‬‬
‫الباب‬
‫أما الدرجة الثانية‪ :‬فهي للعلماء وطلبة العلم والدعاة والعارفين باألحكام‬ ‫‪‬‬
‫الشرعية‪ ،‬فهؤالء لهم الحق أن يبينوا حكم هللا ولكن باألساليب المرغبة‪ ،‬كل على‬
‫قدر عقله وفهمه‬
‫أما المرحلة األخيرة فهي اإلنكار بالقلب‪ ،‬وهذا لكل مسلم ومسلمة‪ ،‬فإن لم تكن‬ ‫‪‬‬
‫مسؤوال تنفيذيا أو عالما شرعيا وترى أن هذا حرام بحكم فطرتك السليمة وبحكم‬
‫ما تسمعه من الموجهين والمعلمين فموقفك هنا موقف المتألم قلبيا‪،‬‬
‫بعض واجبات المحتسب‬

‫كما يراها ابن تيميه‬ ‫‪‬‬

‫ذلك أن ( الصالة ) هي أعرف المعروف من األعمال ‪،‬‬ ‫‪‬‬


‫وهي عمود اإلسالم و أعظم شرائعه ‪ ،‬وهي قرينة الشهادتين‬
‫‪ ،‬و إنما فرضها هللا ليلة المعراج وخاطب بها الرسول بال‬
‫واسطة ‪ ،‬لم يبعث بها رسوالً من المالئكة ‪،‬وهي آخر‬
‫ماوصّى به النبي صلى هللا عليه وسلم أمته ‪ ،‬وهي‬
‫المخصوصة بالذكر في كتاب هللا تخصيصا ً بعد تعميم ‪،‬‬
‫كقوله تعالى ‪{ :‬والذين يمسكون بالكتاب و أقاموا الصالة} ‪.‬‬
‫االحتساب في المعامالت المحرمة‬

‫وينهى عن المنكرات ‪ :‬من الكذب والخيانة ‪ ،‬وما يدخل في‬ ‫‪‬‬


‫ذلك من تطفيف المكيال و‪N‬الميزان و‪N‬الغش في الصناعات ‪،‬‬
‫والبياعات ‪ ،‬والديانات ‪ ،‬ونحو ذلك قال هللا تعالى ‪{:‬ويل‬
‫للمطففين الذين إذا اكتالو‪N‬ا على الناس يستوفو‪N‬ن ‪ ،‬وإذا‬
‫كالوهم أو وزنو‪N‬هم يخسرون}‪ .‬وقال في قصة شعيب ‪:‬‬
‫{أوفوا الكيل وال تكونوا من المخسرين ‪ ،‬وزنو‪N‬ا بالقسطاس‬
‫المستقيم ‪،‬وال تبخسوا الناس أشياءهم وال تعثوا في األرض‪N‬‬
‫مفسدين}‪.‬‬
‫ويدخل في المنكرات ما نهى هللا عنه ورسوله من العقود‬ ‫‪‬‬
‫المحرمة ‪ ،‬مثل عقود الربا والميسر ‪ ،‬ومثل بيع الغرر‬
‫وكحبل الحبلة ‪ ،‬والمالمسة والمنابذة وربا النسيئة وربا‬
‫الفضل ‪ ،‬وكذلك النجش ‪ ،‬وهو أن يزيد في السلعة من ال‬
‫يريد شراءها وتصرية الدابة اللبون وسائر أنواع التدليس ‪.‬‬
‫فمن ظهر منه شيء من هذه المنكرات وجب منعه من‬ ‫‪‬‬
‫ذلك ‪ ،‬وعقوبته عليها ‪ ،‬إذ لم يتب حتى قدر عليه ‪ ،‬بحسب‬
‫ما جاءت به الشريعة من قتل ‪ ،‬أو جلد أو غير ذلك ‪.‬‬
‫و أما المحتسب فعليه أن يعزر من أظهر ذلك قوالً أو‪N‬‬ ‫‪‬‬
‫فعالً ‪ ،‬ويمنع من االجتماع في مظان التهم ‪ ،‬فالعقوبة‬
‫التكون إال على ذنب ثابت ‪ ،‬وأما المنع واالحتراز فيكون‬
‫مع التهمة ‪.‬‬
‫تغيير المنكر باليد‬
‫وأما التغيير فمثل مارو‪N‬ى أبو داود ‪،‬عن عبدهللا بن عمر‬ ‫‪‬‬
‫‪،‬عن النبي صلى هللا عليه و‪N‬سلم ‪ ((:‬أنه نهى عن كسر سكة‬
‫المسلمين الجائزة بينهم إال من بأس ))‪ .‬فإذا كانت الدراهم‬
‫أو الدنانير الجائزة فيها بأس كسرت ‪.‬‬
‫الثواب والعقاب يكونان من جنس العمل في قدر هللا وفي‬ ‫‪‬‬
‫شرعه ‪ ،‬فإن هذا من العدل الذي تقوم به السماء واألرض ‪،‬‬
‫كما قال هللا تعالى ‪ { :‬إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو‪ N‬تعفو‪N‬ا عن‬
‫سوء فإن هللا كان عفواً قديراً}‪ .‬وقال ‪ {:‬وليعفوا وليصفحوا‬
‫أال تحبون أن يغفر هللا لكم }‪.‬‬
‫الفرق بين الحسبة والقضاء‬

‫صل اإلمام الماوردي الفرق بين الحسبة والقضاء تفصيالً ال بأس أن نورده هنا‪،‬‬ ‫ف َّ‬ ‫‪‬‬
‫يقول‪' :‬إن والية الحسبة تقصر عن والية القضاء من وجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬قصورها عن سماع عموم الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫من الدعاوى في العقود والمعامالت وسائر الحقوق والمطالبات‪ ،‬فليس من وظيفة‬
‫الحسبة أن تسمع الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات' أي‪ :‬أن القضايا‬
‫الحقوقية المتنازع عليها ال تدخل في هذه الشئون التي هي من شئون القضاء‪ ،‬لكن‬
‫عملها في منكر ظاهر فتزيله‪ ،‬أو في حق ثابت فتؤديه‪ ،‬أما ما يحتاج إلى دعاوى‬
‫وما هو موضع تجاحد وتناكر بين األطراف فهذا يرجع فيه إلى القضاء لسماع‬
‫البينات والحكم فيما بين الخصوم‪ ،‬لكن إذا كان حقا ً ثابتا ً فإنه يملكه المحتسب‪.‬‬
‫'الوجه الثاني من الفرق بين الحسبة والقضاء‪ :‬أن موضوع الحسبة هي الحقوق‬ ‫‪‬‬
‫المعترف بها‪ ،‬فال يدخل فيها ما يتعلق بالتجاحد والتناكر '‪.‬‬
‫ثم قال‪' :‬أما زيادتها عن القضاء فمن وجهين أيضاً‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫الوجه األو‪N‬ل‪ :‬التعرض لتصفح ما يؤمر به من المعرو‪N‬ف‬ ‫‪‬‬


‫ويُنهى عنه من المنكر‪ ،‬وإن لم يحضره خصم يستدعي'‬
‫بمعنى‪ :‬أن القاضي ال يبحث عن أية قضية إال إذا جاءه من‬
‫يقول‪ :‬أنا أدعي عندك على فالن‪ ،‬فهذا عمل القاضي‪ ،‬أما‬
‫المحتسب فهو الذي يبحث بنفسه ويتعرف ويتفحص‪ ،‬فإذا‬
‫علم أن رجالً ظلم بناته فلم يزو‪N‬جهن ‪-‬مثالً‪ -‬فإنه يحتسب‬
‫وينكر عليه‪.‬‬
‫صر في حق يتيم ولم يقم بحق الكفالة فإنه يذهب ويحتسب‬ ‫وإذا علم أن رجالً ق َّ‬ ‫‪‬‬
‫عليه‪ ،‬فضالً عما هو من صالحياته األساسية‪ ،‬مثل‪ :‬المعامالت في األسواق وغير‬
‫ذلك مما سنوضحه إن شاء هللا‪.‬‬
‫والمقصود هو‪ :‬إيضاح الفرق‪ ،‬فالقاضي إذا لم يأته المدعي ال يتدخل‪ ،‬هذا بعد أن‬ ‫‪‬‬
‫تقسم الدواوين‪ ،‬لكن المحتسب يتعرض ويسأل وينقب؛ يشم رائحة ويقول‪ :‬ربما‬
‫كان هذا مصنع خمر فيذهب ويستكشف ويغير المنكر‪ ..‬يمشي في الليل فيسمع‬
‫صوت طنبور أو مزمار‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا منكر ويغيره‪ .‬يرى آالت مالهي فال بد أن‬
‫يكسرها‪ ..‬يرى تماثيل ال بد أن يحطمها‪ ،‬وهذا له أصل عظيم جداً‪ ،‬وهو أن النبي‬
‫صلَّى هللاُ َع َل ْي ِه َو َسلَّ َم لما مر بالسوق فوضع يده في الطعام فوجد البلل‪ ،‬فقال‪{ :‬ما‬
‫َ‬
‫هذا يا صاحب الطعام؟! من غش ‪-‬وفي رواية من غشنا‪ -‬فليس منا ‪ ،}  ‬وكان عمر‬
‫‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يفعل ذلك ويدور في األسواق‪ ،‬ويتعرض‪ ،‬ويرى‪ ،‬فهذه وظيفة‬
‫المحتسب ال وظيفة القاضي‪.‬‬
‫ثم قال‪' :‬الوجه الثاني‪ :‬أن للمحتسب من السلطة ما ليس للقضاء؛ ألن‬ ‫‪‬‬
‫الحسبة موضوعه على الرهبة‪ ،‬والقضاء موضوع للمناصفة' هكذا‬
‫تعبيره ونقلها ابن خلدون عنه حرفياً‪.‬‬
‫فالحسبة موضوعه على الرهبة‪ ،‬فهي سلطة تنفيذية ترهب صاحب‬ ‫‪‬‬
‫المنكر‪ ،‬أما القضاء فليس فيه إرهاب من القاضي‪ ،‬بل هناك مناصفة‪،‬‬
‫وعنده ميزان‪ ،‬يسمع من هذا كما يسمع من هذا‪ ،‬ثم يحكم بالحق‪.‬‬
‫أما الوالي أو المحتسب ‪-‬عموماً‪ -‬فإن موضوع عمله هو الرهبة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫قاض وزيادة‪ ،‬فمجرد ما يسمع من أحد‬ ‫وكأنه في هذه الحالة ٍ‬
‫األطراف أنه يشتكي أن منكراً وقع عليه‪ ،‬ينكر ويغير باليد في ٍ‬
‫آن‬
‫واحد معاً‪ ،‬هذا من جهة التفريق بين والية الحسبة وبين والية القضاء‬
‫من الناحية الفقهية‪.‬‬
‫‪‬تم بحمد هللا وشكره‬

You might also like