You are on page 1of 37

‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫مفهوم احلاكمية‬
‫يف فكر الشهيد عبد هللا عزام‬

‫نشر واعداد‬
‫مركز الشهيد عزام اإلعالمي‬
‫بيشاور ابكستان‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬

‫* * *‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.net‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬

‫( ‪)0‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫املبحث األول‬
‫(إن احلكم إال هلل)‬
‫إن احلالة اليت تردت إليها البشرية‪ ،‬والدرك الذي انتكست فيه الفطرة اإلنسانية‪،‬‬
‫والفساد الذي ظهر يف الرب والبحر‪ ،‬كل ذلك بسبب اخلروج عن (قاعدة التحاكم إىل كتاب‬
‫هللا)‪ ،‬واألحتكام إىل كتاب هللا ‪ -‬الذي ميلك العالج الوحيد ملا تعانيه البشرية ‪ -‬ليس انفلة‬
‫وال تطوعا‪ ،‬إمنا هو اإلميان‪ ،‬وال إميان مع غيابه‪.‬‬

‫هذه القاعدة اليت ال يكون بدوهنا إميان وال إسالم‪ ،‬وهي وظيفة املسلم األساسية يف‬
‫كل زمان‪.1‬‬

‫وكل كتب األصول تفتح (ابب احلكم واحلاكم) أبن احلاكم هو هللا وحده‪ ،2‬والرسول‬
‫صلى هللا عليه وسلم إمنا حيكم مبا أنزل هللا إليه‪ ،‬سواء كان وحيا متلوا (القرآن الكرمي)‪ ،‬أو‬
‫وحيا غري متلو وهو (السنة الشريفة)‪.‬‬

‫واخلليفة يف الشريعة االسالمية مفوض من قبل األمة اليت ختتاره لتنفيذ الشريعة‬
‫اإلهليه‪ ،‬وال حيق له أبدا أن يضع شيئا يصطدم مع هذه الشريعة‪.‬‬

‫والعلماء هم جمتهدون ابلنظر يف النصوص اإلهلية حملاولة معرفة احلكم الرابين يف‬
‫املشاكل اليت تقع أو تواجه املسلمني يف حياهتم اليومية‪.‬‬

‫واحلكم من هللا (احلكم ) هو اسم من أمسائه‪ ،‬وصفة من صفاته‪ ،‬فمن ادعى احلق‬
‫ابلتشريع مبا يريد إمنا يدعي األلوهيه عمال‪ ،‬ويزاوهلا سلوكا‪ ،‬وإن كان ال ينطق هبا لفظا‪ ،‬وسواء‬
‫كان هذا املدعي هو طبقة من الشعب أو الشعب كله‪ ،‬أو حزب‪ ،‬أو منظمه‪ ،‬أو هيئة‪ ،‬أو‬
‫فرد‪ ،‬فالنتيجة واحدة وهي انتزاع حق هللا يف التشريع للناس‪ ،‬وهذا شرك خيرج أصحابه من‬
‫دين هللا‪.3‬‬

‫‪ 1‬راجع (العقيدة وأثرها يف بناء اجليل) ص ‪94 - 93‬‬


‫‪ 2‬كل كتب األصول تفتح صفحاهتا إبمجاع األصوليني واألئمة القائل‪( :‬أمجع املسلمون على أن هللا هو‬
‫احلاكم وحده) أنظر العقيدة وأثرها يف بناء اجليل (ص‪)104‬‬
‫‪ 3‬عن مقال (ان احلكم اال هلل) يف خضم املعركة ج‪ ،3‬واملوضوع مكرر يف مواضع أخرى من األشرطة‪،‬‬
‫أنظر مثال شريط (الواقع املرير) التآمر العاملي ج‪5‬‬

‫( ‪)1‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫إن التحاكم إىل الكتاب والسنة هو اإلسالم فحسب‪ ،‬وهلذا فالتحاكم إىل كالم‬
‫البشر عن رضى وطاوعية هو خلع لربقة اإلسالم من األعناق‪ ،‬فكل من رضي برتك كالم هللا‬
‫وبتحكيم كالم غريه أو تقدمي كالم أي بشر على القرآن والسنة فالحظ له يف دين اإلسالم‪،‬‬
‫وهذا هو الكفر بعينه ال غبش فيه وال لبس وال خفاء‪.4‬‬

‫والطاغوت هو الطاغوت‪ ،‬عربيا كان أو أمريكيا أو أفغانيا أو روسيا‪ ،‬فالكفر ملة‬


‫واحدة‪ ،‬والذين يشرعون بغري ما أنزل هللا كفار وإن صلوا وصاموا وأقاموا الشعائر الدينية‪،‬‬
‫والقانون الذي حيكم يف األعراض والدماء واألموال هو الذي حيدد هوية احلاكم من حيث‬
‫الكفر واإلميان‪.5‬‬

‫(أم هلم شركاء شرعوا هلم من الدين ما مل أيذن به هللا) ‪( ،‬وال أتكلوا مما مل يذكر اسم‬
‫هللا عيه وإنه لفسق وإن الشياطني ليوحون إىل أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم‬
‫ملشركون)‪.‬‬

‫فطاعة التشريع البشري الوضعي (القوانني الوضعية) مع الرضا القليب هبا شرك خيرج‬
‫صاحبه من امللة‪.6‬‬

‫والذي مل حيكم بدين هللا أو مل يتحاكم إىل شريعة هللا فليس مؤمنا‪ ،‬ومن مل يرض‬
‫حبكم هللا ورسوله فليس مبسلم وإن كان يقيم الشعائر التعبدية‪.7‬‬

‫ومصادر التشريع هي كتاب هللا عز وجل‪ ،‬مث سنة الرسول الكرمي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬مث اإلمجاع‪ ،‬مث القياس‪ ،‬هذه املصادر اليت اتفق عليها العلماء طيلة التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫ومن شرع بغري ذلك فهو كافر خارج من ملة اإلسالم ابتفاق أئمة املسلمني مجيعا‪.‬‬

‫وحق التشريع الذي ينتزعه الطواغيت هو الذي يعطيهم حق ذبح األمم ونزع أمواهلم‬
‫ابلباطل‪ ،‬وفعل كل جرمية‪ ،‬ألن القانون هو الذي حيميهم‪ ،‬ويتكلمون ابمسه‪ ،‬ولذلك تنص‬
‫بعض الدساتري الوضعية يف بالدان أن (احلاكم األول فالن) فوق القانون‪!8‬‬

‫‪ 4‬انظر (العقيدة وأثرها يف بناء اجليل) ص‪106 - 94‬‬


‫‪ 5‬يف خضم املعركة ج‪ 2‬ص‪( 32‬أمريكا وجتارة الدماء)‬
‫‪ 6‬عن مقال (إن احلكم اال هلل) يف خضم املعركة ج‪ 3‬ص‪142‬‬
‫‪ 7‬راجع العقيدة وأثرها يف بناء اجليل ص ‪107‬‬
‫‪ 8‬الرتبية اجلهادية ج‪ 2‬شريط (اجلهاد والسلطان)‬

‫( ‪)2‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫يقول هللا عز وجل يف حمكم كتابه‪( :‬فال وربك ال يؤمنون حىت حيكموك فيما شجر‬
‫بينهم مث ال جيدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)‪.‬‬

‫روى احلاكم يف مستدركه أن سبب نزول هذه اآلية أن يهوداي ومنافقا اختلفا يف‬
‫قضية‪ ،‬فرفع األمر إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فحكم لليهودي‪ ،‬فقبل اليهودي‬
‫ابحلكم ورفض املنافق التحكيم‪ ،‬وقال املنافق‪ :‬بل حنتكم إىل أيب بكر‪ ،‬فحكم حبكم رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فرفض املنافق وقال‪ :‬نذهب إىل عمر‪ ،‬واشتكى اليهودي على املنافق‬
‫لعمر‪ ،‬وقال‪ :‬ذهبنا إىل حممد فحكم يل فرفض احلكم‪ ،‬وذهبنا إىل أيب بكر فحكم يل فرفض‪،‬‬
‫فدخل عمر مث استل سيفه وضرب رأس املنافق‪ ،‬وقال هذا حكم من مل يرض حبكم رسول‬
‫هللا‪ ،‬وأهدر الرسول صلى هللا عليه وسلم دمه‪ ،‬ألن الذي ال يرضى حبكم رسول هللا ليس‬
‫مبسلم ودمه هدر‪.‬‬

‫إن القضية اليت تتكلم عنها اآلية السابقة هي أخطر قضية يف هذا الزمان‪ ،‬وهي قضية‬
‫(احلاكمية املطلقة هلل) فهي قضية عقدية تتصل مبفهوم (ال إله إال هللا)‪ ،‬وليست قضية فقهية‬
‫فرعية يفسق فاعلها‪.9‬‬

‫إن احلكم مبا أنزل هللا هو املدلول العملي الواقعي ل (ال إله إال هللا حممد رسول هللا)‪.‬‬

‫يقول الشهيد سيد قطب رمحه هللا‪ :‬لو شبهنا هذا الدين بقطعة معدنية لكان الوجه‬
‫األول مكتوب عليه (ال إله إال هللا)‪ ،‬والوجه اآلخر مكتوب عليه (التحاكم إىل شرع هللا)‪،‬‬
‫فهما وجهان لعملة واحدة ال ينفصالن وال يفرتقان‪.‬‬

‫فالقضية خطرية جدا يف مفهوم هذا الدين‪ ،‬ألن (ال إله إال هللا) تعين احلكم مبا أنزل‬
‫هللا‪ ،‬وعدم احلكم مبا أنزل هللا نفي األلوهيه يف حياة الناس‪ ،‬وانتزاع حق هللا عز وجل يف تنظيم‬
‫حياة البشر‪ ،‬وادعاء بعض البشر الربوبية على البشر‪.‬‬

‫ولقد فسر هذا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لعدي ابن حامت حينما دخل عليه‬
‫وهو يلبس الصليب‪ ،‬فقال له صلى هللا عليه وسلم (ألق هذا الوثن) فاعترب رسول هللا صلى‬

‫‪ 9‬وقد ختبط يف ذلك مرجئة العصر وجعلوها قضي خالفية‪ ،‬وهذا انبع من فساد أفكارهم القاضية إبخراج‬
‫األعمال ‪ -‬الظاهرة الكفر ‪ -‬من دائرة اإلميان‪.‬‬
‫واحلق أن احلكم بغري ما أنزل هللا والتشريع ابلقوانني الوضعية ومحايتها وجعلها بديلة عن تشريع هللا‪ ،‬يدل‬
‫داللة قطعية على انتفاء اإلميان من قبل فاعلها‪ ،‬وال ميكن أن حتتمل اال الكفر‬

‫( ‪)3‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫هللا عليه وسلم الصليب وثن‪ ،10‬مث قرأ عليه قوله تعاىل‪( :‬اختذوا أحبارهم ورهباهنم أراباب من‬
‫دون هللا واملسيح ابن مرمي وما أمروا إال ليعبدوا إهلا واحدا ال إله إال هو سبحانه عما‬
‫يشركون) ‪ ،‬فدهش عدي من هذا‪ ،‬ألن صورة العبودية اليت نسجت يف ذهنه ختالف هذا‪،‬‬
‫فهي يف ذهنه الركوع والسجود وإقامة الشعائر والطقوس والنذور والقرابني‪ ،‬فقال اي رسول هللا‬
‫ما عبدانهم‪ ،‬قال‪( :‬بلى‪ ..‬أحلوا هلم احلرام وحرموا عليهم احلالل فاتبعوهم‪ ،‬فتلك عبادهتم)‪.‬‬

‫فالعبادة إذن قوانني وشرائع وحترمي وحتليل‪ ،‬فإن كانت هذه القوانني والشرائع من عند‬
‫هللا فالعبودية هلل‪ ،‬وإن كانت هذه القوانني من عند البشر فالعبودية تقع للبشر‪ ،‬ولو صام‬
‫الناس وصلوا وقاموا ابلشعائر الدينية األخرى‪.‬‬

‫فهي واضحة جد الوضوح‪ ،‬وقضية حامسة ال لبس فيها وال غموض وال لعثمة‪ ،‬وقد‬
‫اتفق الفقهاء مجيعا على أن من أحل احلرام فقد كفر‪ ،‬ومن حرم احلالل فقد كفر)‪ ،‬وليست‬
‫القوانني الوضعية إال التحليل والتحرمي واإلابحة واملنع‪( ،‬قل أرأيتم ما أنزل هللا لكم من رزق‬
‫فجعلتم منه حراما وحالال قل ءهللا أذن لكم أم على هللا تفرتون)‪.‬‬

‫فهل أذن لكم هللا ابلتشريع للناس أم أنه حمض افرتاء؟!‬

‫وقد ختم هللا عز وجل اآلية قبل السابقة‪( :‬وما أمروا إال ليعبدوا إهلا واحدا)‪.‬‬

‫فتلقي األوامر والتشريعات من غري هللا عز وجل يتناىف مع توحيد هللا سبحانه‪ ،‬فهو‬
‫املشر ع وحده‪ ،‬وهو الواحد احلكم (ال إله إال هو سبحانه عما يشركون)‪.‬‬

‫يشركون به عباده أبن يطيعوا قوانينهم وينفذوا شرائعهم‪ ،‬وهذا واضح من قوله تعاىل‪:‬‬
‫(إن احلكم إال هلل أمر أال تعبدوا إال إايه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ال يعلمون)‪.‬‬

‫وحرف (إال) إذا سبقها نفي فإهنا تكون للحصر والقصر‪ ،‬أي احلكم هلل وحده‬
‫مقصور وحمصور بيد رب العاملني‪ ،‬وهذا هو الدين احلق‪ ،‬وهذه هي العبادة‪.‬‬

‫وصحابة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فهموا هذه املعاين وكانت واضحه يف‬
‫أذهاهنم‪ ،‬وما كان يدور خبلدهم أن إنساان يؤمن ابهلل راب ومبحمد رسوال ويضع القرآن جانبا‬
‫ويرتضي بعد ذلك حكم البشر‪.‬‬

‫‪ 10‬وبناء على ذلك فمن لبس الصليب فقد كفر‬

‫( ‪)4‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫وعندما كانوا ميرون على قوله تعاىل‪( :‬ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم‬
‫الكافرون)‪ ،‬ما كان يدور خبلدهم أن مسلما يؤمن ابهلل ورسوله مث يقصي شرعه عن منصة‬
‫احلكم‪.‬‬

‫ولذلك عندما تقرأ يف التفاسري جتد كالم ابن عباس أو ابن مسعود أو حذيفة أو‬
‫غريهم رضي هللا عنهم عند تفسريهم ملثل هذه اآلايت يف كتاب هللا يصرفوهنا للقاضي الذي‬
‫جيور يف احلكم‪ ، 11‬أما أن ينفي شرع هللا من احلكم ابلكلية وحيكم يف دماء الناس وأعراضهم‬
‫وأمواهلم قوانني جون وأنطون وانبليون وغريهم مث يبقى يدعي اإلسالم‪ ،‬فهذا مل مير يف ذاكرة‬
‫الصحابة أبدا‪.12‬‬

‫‪ 11‬يشري إىل مارواه احلاكم عن طاووس عن ابن عباس رضي هللا عنهما أنه قال يف قوله تعاىل‪( :‬ومن مل‬
‫حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الكافرون) إنه ليس كفرا ينقل عن امللة‪ ،‬كفر دون كفر ‪ -‬انظر املستدرك‬
‫‪ 313/2‬وقال احلاكم صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪ ،‬وانظر تفسري ابن كثري ‪.- 61/2‬‬
‫وقد وضع الشهيد عبد هللا عزام املقصود من قول ابن عباس وغريه من هذا التفسري‪ ،‬وبني وجه األمر فيه‬
‫واستوفاه من كل وجه ‪ -‬انظر العقيدة وأثرها يف بناء اجليل ص ‪1280132‬‬
‫‪ 12‬واحلق ما قاله الشيخ الشهيد أبن بعض السلف كانوا ‪ -‬عند هذه اآلية ‪ -‬يصرفوهنا اىل القاضي الذي‬
‫جيور يف احلكم ويعدل عن حكم هللا املنصوص عليه يف نظام الدولة اإلسالمية‪ ،‬وذلك ملصلحة أو رشوة‪،‬‬
‫وأن السلف واملتقدمون من علماء هذه األمة مل يتوقعوا أبدا أن اييت مسلم يف آخر الزمان ويقصي شرع هللا‬
‫عن منصة احلكم مث يبقى يف هذا الدين! ويؤكد ذلك ما رأيناه يف شرح العقيدة الطحاوية عند حديثه عن‬
‫هذا املوضوع فقال‪( :‬وإن اعتقد وجوب احلكم مبا أنزل هللا‪ ،‬وعلمه يف هذه الواقعة‪ ،‬وعدل عنه مع اعرتافه‬
‫أبنه مستحق للعقوبة‪ ،‬فهذا عاص ويسمى كافرا كفرا جمازاي أو كفرا أصغر‪ ،‬وإن جهل حكم هللا فيها مع‬
‫بذل جهده واستفراغ وسعه يف معرفة احلكم وأخطأه‪ ،‬فهذا خمطئ له أجر اجتهاده وخطؤه مغفور)‪.‬‬
‫فتأمل كالم شارح الطحاوية عند قوله (يف هذه الواقعة) أي يف قضية أو مسألة واحدة وقعت واعرتضت‬
‫القاضي أو احلاكم لينفذ فيها احلكم عمليا على اجملرم أو العاصي‪.‬‬
‫وقوله (أبنه مستحق للعقوبة) يؤكد ذلك‪ ،‬مث يؤكد هذا املفهوم عند قوله (وان جهل حكم هللا فيها) فتأمل‬
‫كلمة (فيها) فإهنا ختصص حادثة أو قضية‪ ،‬وكذلك قوله (مع بذل جهده واستفراغ وسعه يف معرفة احلكم‬
‫وأخطأه فهذا خمطئ له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور) ‪ -‬انظر (شرح العقيدة الطحاوية ص‪.)364‬‬
‫وهكذا يتبدي لنا واضحا أن شارح الطحاوية ال يتكلم البتة عن احلكام الذين يقصون شرع هللا هنائيا عن‬
‫منصة احلكم ويستبدلونه بشريعة جون وأنطون‪ ،‬مث جيربون البشر أن يتحاكموا اىل هذه احملاكم‪ ،‬بل ومينعون‬
‫عباد هللا أن ينشئوا حماكم حتكم بشرع هللا!‬
‫وذلك ألن حكم هؤالء احلكام واضح يف دين هللا أوضح من أن يلتبس على عامل‪ ،‬فهم كفار خارجون من‬
‫امللة حىت يعيدوا أحكام هللا وشرعه اىل منصة احلكم مرة أخرى‬

‫( ‪)5‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫فبقيت القضية واضحة حامسة يف أذهان علماء السلف واخللف‪ ،13‬وما أصيبت‬
‫األمة اإلسالمية مبصيبة مثل هذه املصيبة‪ ..‬على أن هذه املصيبة ما وقعت هبا األمة‬
‫اإلسالمية إال بعد دخول هوالكو بغداد‪ ،‬مث اجتاح األردن وفلسطني وتوجه حنو الشام‪ ،‬وأراد‬
‫أن يطبق قانون جده جنكيز خان املسمى (ابلياسق) أو السياسات امللكية‪.‬‬

‫ولقد ذكر ابن كثري يف كتابه (البداية والنهاية)‪( :‬من ترك الشرع املنزل على حممد بن‬
‫عبد هللا خامت األنبياء وحتاكم إىل غريه من الشرائع املنسوخة فقد كفر‪ ،‬فكيف مبن حتاكم إىل‬
‫الياسق وقدمها عليه؟! ال شك أن هذا يكفر إبمجاع املسلمني)‪.14‬‬

‫ونص العلماء صراحة على هذا‪ ،‬حىت محل بعضهم الياسق بيده‪ ،‬وقال‪( :‬من حكم‬
‫هبذا الكتاب فقد كفر‪ ،‬ومن حتاكم إليه فقد كفر)‪.‬‬

‫ووضع هوالكو حمكمتني للناس‪ ،‬حمكمة حتكم ابإلسالم‪ ،‬وحمكمة حتكم ابلياسق‪،‬‬
‫فكان الناس ال يرتددون يف احلكم على من ذهب إىل حمكمة الياسق ابلكفر‪.‬‬

‫وقد كان هوالكو أكثر إنصافا من حكام املسلمني اليوم‪ ،‬ألهنم أجربوا الناس على‬
‫التحاكم إىل نظام واحد (احملاكم اليت حتكم بغري شرع هللا)‪.‬‬

‫مث دخل انبليون مصر‪ ،‬وانتدبوا حممد علي ابشا ‪ -‬كعميل للغرب) ليقوم ابإلطاحة‬
‫هبذا الدين ومسخه يف قلوب املسلمني‪ ،‬ويكفر الناس ببطء‪ ،‬وكان له مستشارا فرنسيا امسه‬
‫دكتور ( لوب)‪.‬‬

‫وقد بعث ببعثات إىل فرنسا ليعودوا بعقلية جديدة‪ ،‬وكان ممن أرسل (رفاعة‬
‫الطهطاوي) من علماء األزهر‪ ،‬وعندما وصل فرنسا خلع العمامة واجلبة ولبس الثياب‬
‫اإلفرجنية‪ ،‬وتعلم الرقص‪ ،‬وافتنت ابحلضارة الغربية‪ ،‬وملا عاد إىل مصر ألف كتااب أمساه‪( :‬ختليص‬
‫اإلبريز يف تلخيص ابريس) يعين الذهب املصفى يف تلخيص قصة ابريس‪.‬‬

‫وترمجوا القانون الفرنسي فطبقوه يف حياة الناس‪ ،15‬وتركوا الشعائر واملنابر ألن املساس‬
‫ابلشعائر واملنابر هذا ال يفعله إال أمحق كحكام بالدان‪ ،‬أما اإلجنليز‬

‫‪ 13‬أنظر شريط رقم ‪( 214‬احلاكمية املطلقة‪ /‬سلسلة الرتبية اجلهادية) ج‪11‬‬


‫‪ 14‬البداية والنهاية اجمللد الثالث عشر ص‪118‬‬
‫‪ 15‬أنظر شريط (‪ )60‬من ظالل سورة الرتبية‬

‫( ‪)6‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫والفرنسيون فهم أدهى من أن يثريوا عليهم الشعوب‪ ،‬وغري وا دين هللا تدرجييا‪ ،‬قانون‬
‫العقوابت‪ ،‬والقانون التجاري‪ ،‬والقانوي املدين‪ ،‬وكل القوانني إال األحوال الشخصية املختصة‬
‫ابلزواج والطالق‪ ،‬ألهنم ال يريدون أن يثريوا النصارى الذين يرفضون أن يتحاكموا إىل قوانني‬
‫غري قوانينهم‪!16‬‬

‫وهنجوا هنجا خبيثا لئيما ذكيا حمنكا‪ ،‬وهو تطبيق القانون الفرنسي يف جماالت احلياة‪،‬‬
‫وعدم املساس ابملساجد والشعائر الدينية الظاهرة‪ ،‬ويف ذلك خدعة للدمهاء والعامة وأي‬
‫خدعة؟!‬

‫فكان اإلسالم مثله كمثل ساعة تفككت مجيع قطعها من داخلها وبقيت هبيكلها‬
‫وصورهتا الظاهرية كما هي‪ ،‬فضاع روح هذا الدين وأثره يف العاملني‪ ،‬ومسخ يف نفوس الناس‬
‫ويف تفكريهم‪ ،‬وتبدل هذا الدين جبوهره وحقيقته‪ ،‬وصار صورة من غري حقيقة‪.17‬‬

‫وال يشر ع أحد قانوان من القوانني الوضعيه ويستبدهلا بشرع هللا وقانونه إال ومير يف‬
‫ذهنه أن هذا القانون أفضل من قانون هللا هلذه املرحلة‪ ،‬وهذا كفر بواح ال يشك يف ذلك‬
‫أحد من أهل هذه امللة‪.‬‬

‫ليس هناك أي فرق بني من يقول إن صالة الفجر ثالث ركعات وبني من يقول إن‬
‫حكم القاتل سجن سنة‪ ،‬وليس هناك فرق بني من يقول إن عقوبة الزاين سجن ستة أشهر‬
‫وبني من يقول إن صيا م رمضان حمرم على الناس‪ ،‬وقد أفىت العلماء يف العصر احلاضر يف هذه‬
‫القضية‪ ،‬وممن أفىت بذلك احملدث أمحد شاكر وأخوه حممود شاكر وقاال‪ :‬إن العمل ابلقوانني‬
‫الوضعية كفر بواح ال خفاء فيه وال مداورة‪ ،‬وإن والية القضاء يف ظل القوانني الوضعية ابطلة‬
‫بطالان أصليا ال تلحقه إجازة وال تصحيح‪.18‬‬

‫وعندما كنت أعيش يف مصر ‪ -‬إابن فرتة حتضريي لرسالة الدكتوراة سنة (‪1972‬م)‬
‫واشتدت اخلالفات حول قضية التكفري وتشعبت الفرق وأان أرى الناس يف هذا اخلضم‬
‫املتالطم ‪ -‬شغلتين هذه القضية كثريا‪ ،‬وعكفت على كتب الفقه واألصول ألخرج برأي انبع‬

‫‪ 16‬شريط ‪ 214‬احلاكمية املطلقة‪ /‬سلسلة الرتبية ج‪ 11‬اجمللد الثالث‬


‫‪ 17‬أنظر شريط (‪ )60‬من ظالل سورة التوبة‪ ،‬وشريط (‪ )214‬احلاكمية املطلقة‬
‫‪ 18‬شريط ‪ 214‬احلاكمية املطلقة‪ /‬سلسلة الرتبية ج‪ ،11‬وراجع كتاب (العقيدة وأثرها يف بناء اجليل)‬
‫ص‪ ،118‬وشريط (‪ )60‬من ظالل التوبة‬

‫( ‪)7‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫من أصول هذا الدين ومن هنج سيد املرسلني‪ ،19‬وخالصة ما خرجت به وما فهمته من‬
‫خالل قوله تعاىل‪( :‬اختذوا أحبارهم ورهباهنم أراباب من دون هللا)‪.‬‬

‫إن قضية عبادة الناس للطواغيت يف األرض الذين يشر عون بغري ما أنزل هللا‪ ،‬قضية‬
‫خطرية جدا‪ ،‬إهنا الشرك األكرب الذي خيرج صاحبه من دائرة هذا الدين‪.‬‬

‫وقصة قدامة بن مظعون دليل على خطورة التحليل والتحرمي‪ ،‬وكان قد شرب اخلمر‬
‫يف عهد عمر رضي هللا عنه‪ ،‬فأمر جبلده‪ ،‬فقال ليس لك علي سبيل ألن هللا عز وجل يقول‪:‬‬
‫(ليس على الذين آمنوا وعملوا الصاحلات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا‬
‫الصاحلات مث اتقوا وآمنوا وأحسنوا وهللا حيب احملسنني)‪ .‬فوقف عمر عند هذه اآلية‪ ،‬ومجع‬
‫علماء الصحابة فقال علي رضي هللا عنه‪ ،‬اسأله إن كان يستحل اخلمر فإنه يقتل مرتدا وإال‬
‫جلدانه‪ ،‬فسألوه وقالوا‪ :‬اي قدامه ما حكم اخلمر؟ قال حرام‪ ،‬قالوا‪ :‬إذن فاجلدوه‪.‬‬

‫وروي عن علي رضي هللا عنه أن قوما شربوا ابلشام وقالوا‪ :‬هي لنا حالل وأتولوا‬
‫هذه اآلية‪ ،‬فأمجع علي وعمر على أن يستتابوا فإن اتبوا وإال قتلوا ‪ -‬هكذا أمجع علي وعمر‬
‫حبضور الصحابة ومل يعرف هلما خمالف ‪.20 -‬‬

‫وكما يقول ابن تيمية‪( :‬من استحل النظرة فقد كفر ابإلمجاع‪ ،‬ومن حرم اخلبز فقد‬
‫كفر ابإلمجاع)‪.‬‬

‫فقضية التحليل والتحرمي قضية خطرية جدا‪ ،‬وهذا معىن التشريع‪ ،‬وليس التشريع إال‬
‫حتليل وحترمي يف أي نظام من الدول‪.‬‬

‫فمن يعطي الرخص يف الدولة للخمارات فهو كافر‪ ،‬ولذلك جتدهم يلقون القبض‬
‫على الشباب الذين يكسرون اخلمارات حبجة أهنم ال حيرتمون قانون الدولة! فمن استحل‬
‫احلرام فقد كفر‪ ،‬ومن حرم احلالل فقد كفر‪.‬‬

‫‪ 19‬شرح الشيخ األسباب اليت دفعته إىل هذا البحث يف هذه القضية يف شريط رقم (‪ )56‬وغريه من تفسري‬
‫سورة التوبة‬
‫‪ 20‬راجع شريط (‪ )60‬من ظالل سورة التوبة‪ ،‬وكتاب العقيدة وأثرها يف بناء اجليل ص‪،125 - 124‬‬
‫وهذه الرواية اليت استدل هبا الشهيد ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬أوردها شارح الطحاوية ‪ -‬ايضا ‪ -‬واستدل هبا للرد‬
‫على املرجئة أنظر (شرح العقيدة الطحاوية) ص‪365 - 364‬‬

‫( ‪)8‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫واستحالل الشيء (أي احلكم عليه ابجلواز) قضية ختتلف متاما عن مزاولتها وفعلها‪،‬‬
‫فالذي يشرب اخلمر طيلة حياته ليس بكافر‪ ،‬بينما من قال أن اخلمر جائز وحالل ‪ -‬ولو‬
‫مرة واحدة ولو مل يشرهبا وال مرة واحدة ‪ -‬فهو كافر خارج من امللة‪ ،‬تطلق زوجته وجيب عليه‬
‫جتديد إسالمه من جديد‪.‬‬

‫والذين يشر عون بغري ما أنزل هللا‪ ،‬والذين يتحاكمون إىل هذا التشريع‪ ،‬نستطيع‬
‫أن نوضح موقف هذا الدين منهم ابلتفصيل‪:‬‬

‫أوال‪ :‬احلاكم األول يف الدولة ‪ -‬الذي أيمر ابلتشريع وسن القوانني ‪ :-‬هذا كافر‬
‫خارج من امللة‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬املقننون الذين يقننون القوانني يف هذا التشريع املخالف لشرع هللا‪ :‬هؤالء‬
‫كفرة كالسدنة والكهنة الذين عند الالت والعزى‪ ،‬حىت لو قننوا أو صاغوا مادة قانونية واحدة‬
‫مصادمة لدين هللا‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬جملس النواب أو جملس األمة‪ :‬إذا وافق أو وقع أي واحد ‪ -‬ممن يف داخل‬
‫هذا اجمللس ‪ -‬على قانون واحد أو مادة واحدة حتل ما حرم هللا أو حترم ما أحل هللا خيرج من‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫فمثال لو قالوا حيرم اجلهاد‪ ،‬أو حيرم التجمع يف املساجد‪ ،‬أو حيرم األمر ابملعروف‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬أو يقول‪ :‬املرأة مساوية للرجل يف املرياث‪ ،‬أو ال جيوز الزواج ابلثانية‪ ،‬أو ال‬
‫جيوز الطالق; فمن وق ع على واحدة منها فقد كفر هبذا الدين وخرج من ملة اإلسالم‬
‫واملسلمني‪.21‬‬

‫رابعا‪ :‬املسلمون بشكل عام‪ :‬وأما الشعب فيجب أن يرفض هذه القوانني ولو يف‬
‫قلبه‪ ،‬وكل من حتاكم إليها راضيا فهو كمن يصلي وراء إمام يصلي الفجر ثالث ركعات‪.‬‬

‫ولكن الشعوب اإلسالمية ساخطة غري راضية عن هذه القوانني ‪ -‬غالبا ‪ -‬ولذلك ال‬
‫خيرجون من اإلسالم لرفضهم هلا قلبيا‪ ،‬وهم مضطرون أحياان أن يتحاكموا إليها يف رد‬
‫حقوقهم ورفع الظلم عنهم‪ ،‬وإن كان األستاذ املودودي يقول‪( :‬ألن تذهب حقوقنا وهتدر‬
‫أموالنا خري من أن نصل إىل هذه احملاكم ونرفع إليها شكواان)‪.‬‬

‫‪ 21‬شريط (‪ )60‬من تفسري سورة التوبة‬

‫( ‪)9‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫وأما من يقف من الناس مع الطواغيت ويثبتوهم يف احلكم أو يرشحوهم للحكم‪،‬‬


‫فمن وقف مع حاكم لتثبيته أو ترشيحه للحكم ‪ -‬وهو يعلم أنه لن حيكم بشرع هللا‪ ،‬وأنه‬
‫سيطبق القوانني الوضعية‪ ،‬وذلك من أجل مصلحة دنيويه أو هوى أو شهوة نفس ‪ -‬فإنه‬
‫خيرج من ملة اإلسالم وال يعامل كمعاملة املسلمني‪.‬‬

‫إن كثريا من الشعب الباكستاين الذين وقفوا مع بينظري جهلة ال يعلمون‪ ،‬فهم‬
‫معذورون جبهلهم‪ ،‬ولكن العلماء ال يعذرون أبدا‪ ،‬وكل من وقف مع بينظري أو أيدها وهو‬
‫يعلم أهنا لن حتكم بشرع هللا‪ ،‬وأهنا ستحكم بقوانني وضعية فهو كافر خارج من دين هللا‪ ،‬ولو‬
‫كانوا علماء‪ ،‬ألهنم وقفوا هلوى أو ملصلحة أو لدنيا وهم يعلمون‪.22‬‬

‫وكم ذبح من العلماء‪ ،‬وكم شنق من املصلحني املخلصني الصادقني بفتوى من أمثال‬
‫هؤالء العلماء املأجورين‪ ،‬بل أحياان بفتوى من أكرب شيوخ األرض‪ ،‬كما أفىت شيخ األزهر‬
‫جبواز إعدام سيد قطب‪.23‬‬

‫ولذلك جيب الرتكيز على شرك األحياء أكثر من الرتكيز على شرك األموات!‬

‫إن األمة مبتالة بشرك األحياء‪ ،‬أولئك احلكام الذين يعبدون الناس ألنفسهم‪ ،‬وكثري‬
‫من العلماء وغري العلماء يقفون جبانب هؤالء الطواغيت ويؤيدوهنم‪ ،‬ويتفاخرون ابملناصب‬
‫العليا يف دول هؤالء الطواغيت‪ ،‬وال يعلمون أن ذلك كفر‪ ،‬وأن معظمهم خارج من‬
‫اإلسالم‪!24‬‬

‫فمن رضى ولو بقلبه هبذا التشريع املصادم لشرع هللا فقد كفر‪ ،‬ألنه كما قال رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن‪،‬‬
‫ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن‪ ،‬وليس وراء ذلك مثقال حبة خردل من إميان)‪.‬‬

‫وأما الذي يذهب إىل احملاكم اليت تشرع بغري ما أنزل هللا ليستخلص حقا له ضاع أو‬
‫سرقه سارق ما حكمه؟ األفضل أن ال يذهب إىل هذه احملاكم ولو ضاع حقه‪ ،‬ولكن إذا‬
‫حتاكم إليها ‪ -‬يف هذه احلالة ‪ -‬وال يستطيع أن خيلص حقه إال من خالل هذه احملاكم فليس‬
‫آبمث وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪ 22‬شريط (‪ )214‬احلاكمية املطلقة‪ /‬الرتبية ج‪11‬‬


‫‪ 23‬الرتبية ج‪( 2‬اجلهاد والسلطان)‬
‫‪ 24‬شريط احلاكمية املطلقة رقم ‪ 214‬الرتبية ج‪ ،11‬وراجع شريط رقم ‪ 56‬من ظالل سورة التوبة‬

‫(‪)10‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫خامسا‪( :‬القضاة)‪ :‬الذي ينفذ هذا القانون أو هذا التشريع وهو ال حيبه ويكرهه‬
‫ويتمىن أن يطبق النظام اإلسالمي فهو فاسق وعمله حرام وراتبه حرام‪ ،‬ولكن ال خيرج من‬
‫اإلسالم‪.‬‬

‫سادسا‪( :‬احملامني)‪ :‬احملامي الذي يرافع يف هذه احملاكم الوضعية عمله حرام‪ ،‬وراتبه‬
‫حرام‪.‬‬

‫وأذكر أننا اجتمعنا سبعة من أساتذة كلية الشريعة يف اجلامعة األردنية‪ ،‬ودار بيننا‬
‫نقاش حول عمل احملامي‪ ،‬ووصلوا إىل نتيجة أن عمل احملامي حالل ابلشروط التالية‪:‬‬

‫أ) أن ال يرافع يف قضية يناقض حكمها حكم هللا‪.‬‬

‫ب) أن ال يرافع يف قضية إال وهو يظن أن صاحبها مظلوم‪.‬‬

‫ج) إذا رافع يف قضية وتبني له أن موكله ظاملا أو ليس على احلق جيب عليه أن‬
‫ينسحب أثناء القضية‪.‬‬

‫أما أان فال زلت مطمئن حبرمتها ومتيقن أبن عمل احملاماة يف ظل القوانني الوضعيه‬
‫حرام مطلقا‪.25‬‬

‫سابعا‪( :‬الوزراء)‪ :‬هؤالء ليسوا مشرعني وإمنا هم منفذون‪ ،‬فهم فاسقون ال جيوز هلم‬
‫العمل يف هذا‪ ،‬ورواتبهم حرام‪ ،‬ولكن ال خيرجون من اإلسالم‪.26‬‬

‫احلكم على هؤالء أبعياهنم‪:‬‬

‫(كثري من املسلمني ‪ -‬اآلن ‪ -‬يزاولون هذه األعمال‪ ،‬وواقعني يف هذه املكفرات‬


‫وهم ال يعلمون! وحنن ال نستطيع أن حنكم عليهم ابلكفر‪ ،‬وإذا أردان أن نكفرهم هبذه‬
‫الصفات فإننا حينئذ خنرج (‪ )%80‬من األمة من دين هللا!‬

‫‪ 25‬شريط (‪ )60‬من تفسري سورة التوبة‬


‫‪ 26‬احلاكمية املطلقة‪ /‬سلسلة الرتبية اجلهادية ج‪.11‬‬
‫نالحظ أن الشيخ حرم دخول الوزارة‪ ،‬وأابح الربملان بشروط صعبة وذلك ألن الوزير يتلقى الدستور أو‬
‫التشريع للتنفيذ دون أي حق يف اإلعرتاض‪ ،‬بينما الربملان حيق له أن يعرتض‪ ،‬وكل ما سبق ابلشرط‬
‫األساسي سواء الربملان أو الوزارة وهو أن ال يوقع أو يوافق أو يرضى أبي جزئية مناقضة لشرع هللا وإال‬
‫خرج من امللة‬

‫(‪)11‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫ولكن جيب علينا أن نعلم الناس دينهم‪ ،‬ونبني هلم عقيدهتم‪ ،‬ونوضح هلم هذه‬
‫املكفرات اخلطرية‪ ،‬وبعد أن نقيم عليهم احلجة ونعلمهم هبذه املكفرات عندها من يصر على‬
‫هذه األفعال وهذه األمور فهو كافر خارج من ملة اإلسالم)‪.27‬‬

‫فقضية احلكم والتحاكم إىل غري شرع هللا قضية جد خطرية‪ ،‬وأمر حيدد كفر اإلنسان‬
‫وإميانه به (الشرك األكرب)‪.28‬‬

‫يقول الشهيد سيد قطب عند قوله تعاىل‪( :‬وال أتكلوا مما مل يذكر اسم هللا عليه وإنه‬
‫لفسق وإن الشياطني ليوحون إىل أليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم ملشركون) (األنعام‪:‬‬
‫‪)121‬‬

‫يقول‪ :‬إن الذي حيكم على عابد الوثن ابلشرك ويتحرج من تكفري الذي يتحاكم إىل‬
‫الطاغوت هؤالء ال يقرأون قوله تعاىل‪( :‬وإن أطعتموهم إنكم ملشركون)‪ ،‬والطاعة هنا مبعىن‬
‫العبادة‪.‬‬

‫وحنن نقول وبكل وضوح وصراحة‪ :‬ليس هناك أي فرق بني من يقول صالة املغرب‬
‫أربع ركعات وبني من يقول عقوبة السارق سجن شهران‪ ،‬ال فرق أبدا‪ ،‬هذا أمر رابين حاسم‪،‬‬
‫وهذا أمر رابين حاسم‪ ،‬وهذا تبديل لدين هللا‪ ،‬وهذا تبديل لدين هللا‪ ،‬وليس هناك فرق بني‬
‫الذي يدعي اإلسالم ويذهب يوم األحد للصالة يف الكنيسة مع النصارى وبني مسلم يدعي‬
‫اإلسالم ويتحاكم إىل شريعة وقانون غري شريعة اإلسالم‪.‬‬

‫فهذا هو تفسري قوله تعاىل‪( :‬اختذوا أحبارهم ورهباهنم أراباب من دون هللا)‪ ،‬وتفسري‬
‫قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬أحلوا هلم احلرام‪ ،‬وحرموا عليهم احلالل فاتبعوهم فتلك‬
‫عبادهتم)‪.29‬‬

‫‪ 27‬شريط رقم (‪ )78‬تفسري سورة التوبة‬


‫‪ 28‬قال الشيخ أمحد شاكر‪ :‬وهذا مثل ما ابتلي به الذين درسوا القوانني األروبية من رجال األمم اإلسالمية‬
‫ونسائها ايضا! الذين أشربوا يف قلوهبم حبها‪ ،‬والشغف هبا‪ ،‬والذب عنها‪ ،‬وحكموا هبا‪ ،‬واذاعوها مبا ربوا‬
‫من تربية اساسها صنع املبشرين اهلدامني أعداء اإلسالم‪ ،‬ومنهم من يصرح‪ ،‬ومنهم من يتوارى‪ ،‬ويكادون‬
‫يكونون سواء فإان هلل وإان إليه راجعون ‪ -‬أنظر حاشية شرح العقيدة الطحاوية (ص‪ ،)364‬حتقيق جمموعة‬
‫من العلماء ‪ -‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬الهور‪ /‬ابكستان‬
‫‪ 29‬شريط رقم (‪ )60‬من تفسري التوبة‬

‫(‪)12‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫فالتشريع واحلكم ونظام احلكم قضااي دينية عقدية وليست قضااي سياسية‪ ،‬ولذلك‬
‫كثريا قلت لإلخوة‪ :‬أنتم تركزون على شرك األموات وال تركزون على شرك األحياء‪ ،‬تركزون‬
‫على الذين يذهبون إىل قرب السيد البدوي واجليالين ويتمسحون بقبورهم‪ ،‬وترتكون احلكام‬
‫والطواغيت الذين يعبدون الناس ألنفسهم‪ ،‬ويد عون األلوهية عمليا دون أن يتلفظوا‪.‬‬

‫إن التمسح ابألموات وقبورهم واإلستغاثة هبم قضية قد انتهت لدى املثقفني‪ ،30‬فال‬
‫جتد مثقفا يتمسح بقرب‪ ،‬والقضية األهم اآلن هي قضية تعبيد الناس للحكام والطواغيت‪ ،‬ولو‬
‫كان اجليالين والبدوي عنده جمموعات من الشرطة كبقية احلكام ال يستطيع أحد أن يتكلم‬
‫عن قبورهم والتمسح هبا!‬

‫فال بد أن تركزوا على قوله تعاىل‪( :‬إن احلكم إال هلل) وكثري من الناس يوايل احلكام‬
‫والطواغيت الذين حيكمون بغري شرع هللا‪ ،‬يقفون معهم يف السراء والضراء على احلق والباطل‪،‬‬
‫وال يدري أنه يوايل الكفر‪ ،‬واملصيبة أنك جتده إذا رأى حرزا يف صدر إنسان يصب عليه‬
‫سخطه وغضبه‪ ،‬وال يعلم أنه واقع يف الكفر بسبب رضاه بتشريع غري تشريع رب العاملني‪.31‬‬

‫أمان الكفار يف ظل احلكومات الوضعية‪:‬‬


‫إذا دخل نصراين إجنليزي أو أمريكي أو غري ذلك بالد املسلمني‪ ،‬وأخذ أتشرية‬
‫دخول إىل بلد تسمى إسالمية‪ ،‬فإن هذه التأشرية تعترب أمان على ماله ودمه‪ ،‬وال جيوز ألحد‬
‫اإلعتداء عليه داخل تلك البلد‪ ،‬ألن هذا النصراين الكافر دخل ابسم األمان‪ ،‬ولو كان يعلم‬
‫أن املسلمني سيقتلوه مل يدخل أصال‪ ،‬فقد دخل هذا الكافر ويظن أنه داخل يف أمان‬
‫املسلمني‪.‬‬

‫وهذا احلكم ليس على إطالقه‪ ،‬بل جيوز قتل هؤالء بشرطني أساسيني‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬إذا علمنا أنه يعمل عمال قبيحا يصطدم مع أهدافنا الشرعية كأن‬
‫ينشر النصرانية ‪ -‬مثال ‪ -‬بني املسلمني‪ ،‬أو ينشر الفساد والتخريب أو أي عمل يضر بديننا‬

‫‪ 30‬يقول اإلمام الشهيد يف شريط ‪ 78‬من تفسري سورة التوبة‪ :‬اإلستغاثة ابلقبور كفر خيرج من امللة‪ ،‬وهو‬
‫شرك أكرب‪ ،‬ولكن ال نستطيع تكفريهم أبعياهنم ألهنم جهال‪ ،‬فالبد من البيني هلم أوال وتفهيمهم قبل‬
‫تكفريهم‬
‫‪ 31‬شريط (‪)56‬من تفسري سورة التوبة واملوضوع مكرر يف أماكن متعددة يف أشرطته‬

‫(‪)13‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫وأهدافنا الشرعية‪ ،‬وهذا الضرر حيدده عامل ‪ -‬ثقة ‪ -‬من علماء البلد‪ ،‬وليس على اهلوى‬
‫واجلهل‪ ،‬بل ال بد من استفتاء عامل ثقة هبذا األمر‪.‬‬

‫الشرط الثاين‪ :‬اإلنذار‪ ،‬وهذا الشرط مهم جدا‪ ،‬فإذا أردان قتله ننذره أبن خيرج من‬
‫بالدان أوال‪ ،‬فنقول له مثال‪ :‬عليك أن خترج من بالدان وإال فدمك هدر‪ ،‬حىت يعرف أنه ليس‬
‫آمنا‪ ،‬وحىت ننزع حقه يف األمان‪ ،‬وألنه ليس حمارب‪ ،‬ألن احملارب الذي يشهر سالحه يف‬
‫وجه املسلمني‪ ،‬أو نقول له مثال‪ :‬أخرج من بالدان ألن الذي أدخلك إىل بالدان وأعطاك‬
‫األمان كافر وأمانه غري انفذ‪ ،‬وحنن ال نسمح لك ابلبقاء بيننا‪ ،‬فنحدد له فرتة معينة‪ ،‬فإن‬
‫خرج فقد جنا بنفسه وإال قتلناه ودمه هدر‪.‬‬

‫فاإلنذار شرط أساسي; ألن الكافر يشرتط لقتاله اإلنذار‪ ،‬إما اإلسالم وإما اجلزية يف‬
‫احلالة العادية‪ ،‬فكيف إذا دخل بلد املسلمني ابسم األمان؟! فمن ابب أوىل أن ننذره قبل أن‬
‫نقتله‪.‬‬

‫واحلق أن تنظيم العالقات مع أهل الكتاب ال ميكن تطبيقه إال يف ظل دولة إسالمية‬
‫حتكم بشرع هللا‪.32‬‬

‫دار الكفر ودار اإلسالم‪:‬‬


‫يعر ف اإلمام الشهيد دار اإلسالم أبهنا‪ :‬هي الدار اليت تطبق الشريعة اإلسالمية‬
‫وتنفذ حكم هللا‪ ،‬وتكون حامية للمسلمني وت علن اجلهاد يف سبيل هللا‪ ،‬وتقاتل من أجل‬
‫إنقاذ املسلمني يف األرض‪ ،‬ويكون يف هذه الدار إمام مبايع بيعة شرعيه‪ ،‬يقيم احلدود‪ ،‬وأيمر‬
‫ابجلهاد‪ ،‬ويقسم الغنائم‪ ،‬وحيمي املسلمني‪ ،‬وجياهد إلنقاذهم يف كل األرض‪.‬‬

‫وال بد أن تتبىن هذه الدولة املسلمني يف األرض‪ ،‬وحتمي من يلجأ إليها‪ ،‬ومتنحه حقه‬
‫الشرعي يف اإلقامة داخل البلد وجواز سفر يتنقل به‪ ،‬وميارس مجيع احلقوق فيها‪.‬‬

‫وكذلك ال بد هلذه الدولة أن توايل املسلمني وتعادي الكافرين‪ ،‬فإذا حصل اضطهاد‬
‫ملسلمني يف مكان ال بد أن تتبىن مشكلتهم والذود عنهم‪ ،‬وتنتصر هلم وتقطع مجيع عالقاهتا‬
‫مع تلك الدولة الظاملة أاي كانت‪ ،‬وكذلك جيب أن يكون املسلمون داخل هذه الدار والعلماء‬

‫‪ 32‬شريط (‪ )58‬من تفسري سورة التوبة‬

‫(‪)14‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫حمرتمني مقربني‪ ،‬وأهل الفسق مبعدين خمذولني خمزيني‪ ،‬ال نراهم يف وزارة أو جملس شورى أو‬
‫منصب كبري يف الدولة‪.‬‬

‫وابملقابل فان الدولة اليت ال تتصف هبذا ال نستطيع أن نسميها دار إسالم‪ ،‬ولذلك‬
‫فإن األرض ‪ -‬تقريبا ‪ -‬كلها قد خلت من هذه الدار ‪ -‬اآلن ‪ -‬وال نستطيع أن نعدها دار‬
‫إسالم‪ ،‬وحنن ابنتظار هذه الدولة يف أفغانستان ‪ -‬إن شاء هللا ‪-‬‬

‫ومن املؤسف جدا أن يكون هناك للشيعة دار أيوون إليها وتتبىن مصاحل الشيعة يف‬
‫األرض ‪ -‬وهي إيران ‪ -‬وتدافع عنهم‪ ،‬والشيعة يف األرض يعتربون اآلن إيران هي أمهم‬
‫وقبلتهم‪ ،‬بينما املسلمون من أهل السنه ‪ -‬أهل اإلسالم احلقيقي ‪ -‬فال يوجد هلم دار حىت‬
‫اآلن!‬

‫ويف حالة وجود هذه الدار ‪ -‬دار اإلسالم ‪ -‬عندها جيب على كل مسلم يف األرض‬
‫‪ -‬ال أيمن على دينه ونفسه ‪ -‬أن يهاجر إليها‪.33‬‬

‫حكم الدخول يف الربملان‪:‬‬


‫بعد أن بني اإلمام الشهيد عزام أن احلكم بغري ما أنزل هللا كفر خمرج من املله‪ ،‬وأن‬
‫التشريع ولو مبادة واحدة مناقضة لكتاب هللا وسنة رسوله كفر خيرج عن ملة اإلسالم‪.‬‬

‫وأن من يوافق عليها أو يقرها أو يوقع عليها أو يؤيدها يكفر وخيرج من اإلسالم‪،‬‬
‫بعد هذا نبدأ بعرض رأيه يف الدخول واملشاركة يف الربملاانت يف ظل احلكومات الوضعية‪ ،‬وقد‬
‫أفردان هلذا املوضوع فصال مستقال بسبب كثرة التساؤالت حوله وما أثري أخريا يف العامل‬
‫اإلسالمي حول الربملاانت‪.‬‬

‫سئل اإلمام الشهيد يف عدة أماكن عن حكم املشاركة والدخول يف الربملاانت؟ فقال‪:‬‬
‫الربملان جملس تشريعي‪ ،‬والتشريع بغري ما أنزل هللا كفر خيرج عن امللة‪ ،‬فإذا وافق اجمللس على‬
‫هذا التشريع فهذا أمر خطري جدا على دينهم وعقيدهتم‪.‬‬

‫أما إذا كان دخوهلم يف الربملان بنية معارضة القوانني الوضعية الكافرة والوقوف ضدها‬
‫والوقوف يف وجه الظلم‪ ،‬فهذا أمر ترجحه املصلحة العامة‪ ،‬واإلسالم يف مثل هذه الظروف‬

‫‪ 33‬يف اهلجرة واإلعداد ج‪ - 2‬ص‪2‬‬

‫(‪)15‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫ينظر إىل املصاحل واملفاسد‪ ،‬فينظر أيهما أرجح يف هذا األمر املصلحة أم املفسده‪ ،‬ولكن‬
‫بشرط أن ال يقعوا أو يتعرضوا للحرام‪.34‬‬

‫وجملس النواب ال ندري هل هو مجع انئب أم مجع انئبة‪ ،35‬والنائبة هي املصيبة ألن‬
‫معظمه مصائب‪ ،‬وجملس النواب يف بالدان لعبة يلعب هبا‪ ،‬وكما قال هاشم الرفاعي فيه‪:‬‬

‫ال يفتحون بغري ما هتوى فما‬ ‫ها هم كما هتوى حتركهم دمى‬
‫ليصفقوا إن شئت أن تتكلما‬ ‫إان لنعلم أهنم قد مجعوا‬
‫واآلن صار على يديك منظما‬ ‫فالظلم قبلك كان كما مهمال‬

‫وال حيق ألحد يف جملس النواب أن يوقع أو يصادق أو يوافق على أية جزئية قانونية‬
‫ختالف اإلسالم‪ ،‬فإن وافق على أية جزئية قانونية تصادم اإلسالم خيرج من امللة ‪ -‬مثل قانون‬
‫مساواة الرجل ابملرأة وغريها ‪-‬‬

‫وال بد لكل واحد من أعضاء اجمللس أن يعارض أي جزئية قانونية يف الدولة تصادم‬
‫اإلسالم‪ ،‬فإن مل يعارض ووافق ورضي خيرج من اإلسالم‪.‬‬

‫ال أبس من الدخول يف الربملاانت إن كنا نريد أن ننصر ديننا ودعوتنا من خالله‪،‬‬
‫خبالف جملس الوزراء‪ ،‬ألن جملس الوزراء تنفيذي وال جيوز الدخول فيه‪ ،‬بينما جملس النواب‬
‫هو عب ارة عن مراقبة الدولة‪ ،‬وإبمكانك أن تقول فيه ما تشاء‪ ،‬فهذا ال أبس‪ ،‬بعكس جملس‬
‫الوزراء الذي ينفذ ما يؤمر به‪.‬‬

‫فإن قبلت الدولة أن يكون لنا مراقبون داخل جملس النواب يعارضون ويفضحون‬
‫الدولة أبهنا سرقت وفعلت كذا‪ ،‬والوزير الفالين فعل كذا وسرق كذا‪ ،‬ويفضح اخلياانت‬
‫والرشوة ويطالبون بتنفيذ احلكم ابجملرمني‪ ،‬فهذا ال أبس إن شاء هللا‪.‬‬

‫وعلى كل حال فهذا رأيي‪ ،‬وقد أكون خمطئا يف هذه الفتوى‪ ،‬وقد أكون مصيبا‪ ،‬فإن‬
‫أخطأت فمن الشيطان‪ ،‬وإن أصبت فمن هللا‪ ،‬ونرجو هللا أن يلهمنا احلق وجين بنا الباطل‪.36‬‬

‫خنلص من ذلك أن اإلمام الشهيد جييز الدخول يف الربملان بشروط‪:‬‬

‫‪ 34‬هدم اخلالفة وبناؤها (ص‪)81‬‬


‫‪ 35‬قاهلا الشيخ مستهزءا هبذا اجمللس ومن ينتسب إليه‬
‫‪ 36‬من شريط (‪ )56‬يف ظالل سورة التوبة‬

‫(‪)16‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫‪ )1‬أن يكون الدخول يف الربملان بنية املعارضة للقوانني الوضعية والوقوف ضدها‪.‬‬

‫‪ )2‬أن يكون ذلك ملصلحة شرعية كنصرة الدعوة ومحايتها والدفاع عنها والوقوف‬
‫ضد الظلم وكشف اخلونة واجملرمني واللصوص يف البلد‪ ،‬الذين ميتصون دماء الشعوب‪.‬‬

‫‪ )3‬أن ال يوقع أحد على أية مادة قانونية تعارض شرع هللا ودينه‪ ،‬وتصادم كتاب هللا‬
‫وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإن وقع أو وافق على مادة واحدة كفر ابهلل وخرج من‬
‫امللة‪.‬‬

‫خالصة ما خرجنا به من مفهوم احلاكمية يف رأي االمام الشهيد عزام‪ ،‬نلخصه‬


‫فيما يلي‪:‬‬

‫أ) أن تنظيم حياة البشر وسن القوانني والشرائع حق هللا وحده‪ ،‬ومن انزعه يف هذا‬
‫األمر وشر ع للبشر ولو مبادة واحدة تناقض شرعه ومنهاجه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬فقد انزع هللا يف‬
‫الوهيته وأشرك ابهلل هلل شركا أكرب‪.‬‬

‫ب) وكذلك الذين أيخذون القوانني الوضعية من هؤالء املشرعني واملقننني ويقدموهنا‬
‫للبشر لتحكم فيهم ‪ -‬ولو مادة واحدة ‪ -‬فهؤالء أيضا كفار خارجون عن دين هللا مشركون‬
‫ابهلل‪ ،‬ويعترب هؤالء أيضا منازعني هلل يف ألوهيته‪.‬‬

‫ج) الذين يوافقون أو يوقعون أو يرضون ولو بقلوهبم ابلقوانني الوضعية املناقضة‬
‫لقوانني هللا وشرعه ‪ -‬ولو مادة قانونية واحدة ‪ -‬هؤالء أيضا خيرجون من دين هللا ومن ملة‬
‫اإلسالم‪ ،‬مبجرد املوافقه أو التوقيع أو الرضى القليب‪ ،‬وبناء على ذلك يدخل يف هذا الذين يق‬
‫مسون على احملافظة على الدساتري الوضعية‪.‬‬

‫د) الذين ينفذون هذه القوانني الوضعية املناقضه لشرع هللا سواء كانوا وزراء أو قضاة‬
‫أو غريهم‪ ،‬يعيشون من وراء هذه الوظائف‪ ،‬ولكن قلوهبم غري راضية هبذه القوانني وحيبون‬
‫تطبيق النظام اإلسالمي ويعتربونه األفضل‪ ،‬فهؤالء فساق‪ ،‬عملهم حرام‪ ،‬ورواتبهم حرام‪،‬‬
‫ولكن ال يكفرون‪.‬‬

‫هـ) الشعب‪ :‬إذا اضطر الشعب أن يتحاكم إىل هذه القوانني ليحصل على حقه‬
‫وعلى مظلمته وال يستطيع احلصول عليها إال هبذا ‪ -‬فهذا ال أبس‪ ،‬وليس عليه إمث ‪ -‬مع أن‬
‫عدم الذهاب إليها أفضل ولو ضاع حقه‪ ،‬وهذا كله ابلشرط األساسي‪ ،‬وهو أن يكون‬

‫(‪)17‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫ابغضا هلذه القوانني غري راض عنها وحيب تطبيق النظام اإلسالمي‪ ،‬فإن رضي ولو بقلبه‬
‫يكفر وخيرج من اإلسالم‪.‬‬

‫و) جمرد سن القوانني الوضعية وتقدميها للبشر ليتحاكموا إليها‪ ،‬هذا الفعل كفر ابهلل‬
‫يدل داللة قطعية على انتفاء اإلميان من قلب فاعله‪ ،‬فتحكم بكفره مباشرة فال حيتمل فعله‬
‫إال الكفر‪ ،‬خبالف املنف ذين هلذه القوانني فيشرتط يف تكفريهم حتقق الرضى القليب‪ ،‬وإال‬
‫فهم فساق وعملها حرام‪.‬‬

‫ي) كثري من املسلمني ‪ -‬اآلن ‪ -‬واقعني يف هذه املكفرات وهم ال يعلمون وال ينبغي‬
‫أن حنكم عليهم ابلكفر‪ ،‬إال بعد أن نبني للناس دينهم احلق ونوضح هلم عقيدهتم ونقيم عليهم‬
‫احلجة ألن معظم املسلمني جهلة حبقيقة دينهم وعقيدهتم‪.‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫قاعدة دفع الصائل‬
‫كل دين نزل من السماء جاء للحفاظ على الضرورات اخلمس‪( :‬الدين‪ ،‬العرض‪،‬‬
‫النفس‪ ،‬العقل‪ ،‬املال) ولذا جيب الدفاع عن هذه الضرورات‪ ،‬فشرع اإلسالم دفع الصائل‪.‬‬

‫أ) الصائل على العرض ولو كان مسلما‪ :‬إذا صال الصائل على العرض وجب‬
‫دفعه ابتفاق الفقهاء ولو أدى إىل قتله‪ ،‬ولذا فقد نص الفقهاء على أن املرأة ال جيوز هلا أن‬
‫تستسلم لألسر إذا خافت على عرضها‪.‬‬

‫(‪)18‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫ب) الصائل على النفس واملال‪ :‬فيجب دفعه إبمجاع مجهور الفقهاء‪ ،‬ويتفق مع‬
‫الرأي الراجح يف مذهيب مالك والشافعي‪ ،‬ولو أدى إىل قتل الصائل‪.‬‬

‫ويف احلديث الصحيح‪( :‬من قتل دون ماله فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دمه فهو‬
‫شهيد‪ ،‬ومن قتل دون دينه فهو شهيد‪ ،‬ومن قتل دون أهله فهو شهيد)‪.37‬‬

‫قال اجلصاص بعد هذا احلديث‪( :‬ال نعلم خالفا أن رجال لو شهر سيفه على رجل‬
‫ليقتله بغري حق أن على املسلمني قتله)‪.38‬‬

‫ويف هذه احلالة إذا ق تل الصائل فهو يف النار ولو كان مسلما‪ ،‬وإذا ق تل املظلوم‬
‫فهو شهيد‪.39‬‬

‫وقد يسأل سائل‪ :‬هل جيوز لنا قتل الشرطي املسلم املصلي الصائم العابد إذا جاء‬
‫أيخذان إىل قسم البوليس ‪ -‬كما حيدث يف هذه احلكومات اليت تشرع بغري ما أنزل هللا ‪-‬‬
‫‪40‬؟!‬

‫ولإلجابة على هذا السؤال ال بد من البيان والتوضيح حول هذه املسألة عموما‪.‬‬

‫بعد أن علمنا إمجاع الفقهاء على أنه جيب الدفاع عن العرض‪ ،‬فإننا نستنتج من‬
‫ذلك أنه ال جيوز لك أن تستسلم إلنسان يريد أن يقودك إىل البوليس لينتهك عرضك‪.‬‬

‫فإن كان بعض احلكام يف بالدان يرسلون الشرطة إىل بيوت اإلخوة ليأتوا هبم إىل‬
‫السجن وهناك أيتون بزوجته أو أخته وينتهكون عرضها أمامه‪ ،‬فإنه يف هذه احلالة ال جيوز‬
‫أبدا أن تستسلم هلم حىت املوت‪.‬‬

‫وكذلك إذا جاء الشرطي إىل بيتك يف وهن الليل واقتحم عليك غرفة النوم‪ ،‬فإذا أنت‬
‫تركته يدخل الغرفة وزوجتك يف ثياب النوم وترتكه يكشف غطاءها حبجة البحث عنك‪ ،‬ففي‬
‫هذه احلالة تكون آمثا عند رب العاملني‪ ،‬وجيب أن تقاومه حىت املوت‪ ،‬وجيب عليك دفعه‬
‫ابلكلمة‪ ،‬فإن مل يندفع فالضرب ابلعصا أو قبضة اليد‪ ،‬فإن أىب فكس ر يديه ورجليه‪ ،‬فإن‬

‫‪ 37‬حديث صحيح رواه أمحد وأبو داود والرتمذي والنسائي‬


‫‪ 38‬أحكام اجلصاص (‪)2402/1‬‬
‫‪ 39‬يف اجلهاد آداب وأحكام (ص‪)16‬‬
‫‪ 40‬شريط (‪ )257‬التحريض العاملي والذي صار امسه قاعدة دفع الصائل‬

‫(‪)19‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫أىب فاقتله ودمه هدر‪ ،‬ولو كان هذا الشرطي مسلما قائما صائما عابدا‪ ،‬فإن قتل فهو يف‬
‫النار‪ ،‬وإن قتلت أنت فأنت شهيد‪.41‬‬

‫يقول ابن تيمية‪( :‬واتفق الفقهاء على أنه جيوز قتل املسلم الصائل إذا أراد أن أيخذ‬
‫منك ثالثة دراهم فما فوق) فكيف مبن يريد أن ينتهك عرضك ويسلب دينك وحياربك‬
‫ألنك تقول (ال إله إال هللا)؟! (وما نقموا منهم إال أن يؤمنوا ابهلل العزيز احلميد)‪.‬‬

‫ال بد أن تكون هذه القاعدة واضحة يف ذهن كل شاب مسلم‪ ،‬وخاصة بعد أن‬
‫اشتدت املعركة ضد الشباب املسلم‪ ،‬وقد بدأت بعض الدول العربية توحد أجهزهتا األمنية‬
‫حىت تقتلع جذور الشباب الطيب وتستأصل شأفتهم‪.‬‬

‫وكذلك املرأة إذا حاول اجملرمون أن يلقوا القبض عليها ‪ -‬وهي تعلم أن عرضها‬
‫سيتعرض لإلنتهاك ‪ -‬فال جيوز هلا أبدا أن تستسلم لألسر‪ ،‬وجيب أن تقاوم حىت املوت أبية‬
‫وسيلة أو طريقة‪.‬‬

‫وأما الدفاع عن النفس واملال فكما ذكران فإن مجهور العلماء يرون وجوب الدفاع عن‬
‫النفس‪.‬‬

‫وأما ابلنسبة للدفاع عن النفس فقد ترى الدعوة يف وقت من األوقات عدم املقاومة‬
‫والدفاع ملصلحة تراها‪ ،‬وتكون القيادة حينئذ مسؤولة أمام هللا عن ذلك‪ ،‬إن كانت تريد يف‬
‫ذلك املنع مصلحة شرعية أم ال‪.‬‬

‫أما الدفاع عن العرض فال جيوز أبدا لدعوة أو قيادة حركة إسالمية أن متنع أحدا‬
‫يدافع عن عرضه‪ ،‬ألن الدفاع عن العرض فرض وال يستأذن أحد يف فروض األعيان‪.‬‬

‫جتد احلكام يف بالدان يذحبون أبناء احلركات اإلسالمية‪ ،‬ويعلقون أفذاذها على أعواد‬
‫املشانق‪ ،‬ويزجون ابملسلمني يف غياهب السجون‪ ،‬ويعتدون على كل حرمة وقيمة ومبدأ‬
‫سنوات طويلة‪ ،‬فإذا انتفض هؤالء الشباب واثرت هبم احلمية والغرية اإلسالمية والنخوة‬
‫والرجولة وقاموا يقاومون ويدافعون عن أنفسهم وكياهنم ودينهم املهدد ابلزوال‪ ،‬يتصدى حينئذ‬
‫علماء السالطني املأجورين ويبدأ التشدق ابلكلمات‪ ،‬فيفتون هبؤالء الشباب الطيب أهنم‬
‫متطرفون متشددون‪ ،‬متهورون!‬

‫‪ 41‬كرر الشيخ هذه الفتوى حول حكم قتل الشرطي يف شريط رقم ‪ 82‬من تفسري سورة التوبة‬

‫(‪)20‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫أما اجملرمون من زابنية السلطة الذين يذحبون اجلماهري ويعاملوهنم كالدواب فهؤالء‬
‫مظلومون! وحينئذ أييت التربير للخذالن واجلنب واخلور‪ ،‬فيفيت هؤالء العلماء أبنه ال بد من‬
‫مراعاة اجلو العام واملصلحة العامة!‬

‫إن الذين يكتبون عن التطرف من العلماء إمنا ينفذون مؤامرة عاملية على هذا الدين‪،‬‬
‫ينفذون سياسة أمريكا وبريطانيا‪ ،‬تلك الدول اليت امتألت صحفها ضد التطرف‪ ،‬وكل من‬
‫كتب من العلماء عن التطرف فارموا بقوله عرض احلائط‪ ،‬وهؤالء ‪ -‬غالبا ‪ -‬مأجورين‬
‫للسلطة‪ ،‬ابئعني لدينهم بثمن خبس‪ ،‬وحيثما وجدمت مقاال عن التطرف فابعدوه عن الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وارموه جانبا فهو لغو‪.‬‬

‫(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات واهلدى من بعد ما بيناه للناس يف الكتاب‬
‫أولئك يلعنهم هللا ويلعنهم الالعنون)‪.‬‬

‫قال جماهد‪( :‬يلعنهم الالعنون) أي دواب األرض‪ ،‬يصيبها اجلدب فتلعن علماء‬
‫السوء لكتماهنم اخلري فيصيب املنطقة اجلدب‪.‬‬

‫إن أمثال هؤالء العلماء ‪ -‬الذين يكتمون احلق ‪ -‬هم السبب يف كفر كثري من‬
‫الشباب‪ ،‬وكانوا هم السبب يف كفر أورواب ابلدين كله‪.‬‬

‫كان األوىل بعلماء السالطني يف بالدان اإلسالمية أن يتكلموا احلق أمام طواغيت‬
‫بالدهم‪ ،‬ويقولوا هلم‪ :‬مكانكم قفوا فقد أهلكتم احلرث والنسل‪ ،‬لقد دمرمت كل خضراء‪.‬‬

‫ولوال سكوت هؤالء العلماء عن جرائم حكامهم ما جترأ حكامنا حىت صاروا كأهنم‬
‫آهله يف األرض يعبدون من دون هللا‪.‬‬

‫كيف ال يتبجح هؤالء الطواغيت وأمثال شيخ األزهر ووزير األوقاف جيادلون شااب‬
‫امسه (علي عبد الفتاح) أمام مجع غفري من الناس‪ ،‬وبعد نقاش طويل ومفيت األزهر ووزير‬
‫األوقاف جيادلون ابلباطل ويدافعون عن الظلم واإلجرام‪ ،‬يدافعون عن ظامل أهلك احلرث‬
‫والنسل‪ ،‬أقول‪ :‬بعد هذا النقاش أحرج املفيت أمام هذا الشاب ومل يبق يف كنانته شيء سوى‬
‫أن قال أخريا‪ :‬تقولون جهادا وأمرا ابملعروف وهنيا عن املنكر وحنن نشحد القمح من‬
‫أمريكا؟!‬

‫كيف ال يتبجح احلكام وأمثال هذا املفيت يقول أمام اجلماهري هذا الكالم؟!‬

‫(‪)21‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫ولو عظموه يف النفوس لعظما‬ ‫ولو أن أهل العلم صانوه صاهنم‬


‫‪42‬‬
‫حمياه ابألطماع حىت جتهما‬ ‫ولكن أهانوه وهان ودنسوا‬

‫صيحات يف كل مكان من قبل الطواغيت وأعواهنم‪ :‬إايكم والتزمت‪ ،‬إايكم‬


‫والتطرف‪ ،‬إنتبهوا إىل هؤالء املتطرفني‪ ،‬وأيتون ابملشايخ ليفتوا هلم كيف ميكن مكافحة‬
‫التطرف الديين والوقوف ضد العنف؟! كيف ميكن حماربة اجلهاد؟!‬

‫إن معظم احملاكم اآلن يف أرض الكنانة هتمتها األوىل هي اجلهاد‪ ،‬يعدموهنم على هتمة‬
‫اجلهاد‪ ،‬يزجوهنم يف غياهب السجون! فأي استكبار يف األرض أعظم من هذا؟!‬

‫الفساد أصبح عدال‪ ،‬واجلهاد يصبح خروجا على السلطان ويعترب فاعله جمرما يؤخذ‬
‫عليه ابلنواصي واألقدام‪ ،‬ويساق إىل أعواد املشانق يف كل مكان!‬

‫يكافحون اإلسالم ابسم مكافحة التطرف الديين‪ ،‬وابسم التزمت‪ ،‬والعجيب أهنم‬
‫يرتعدون خوفا من حلية إذا طالت‪ ،‬ومن جلباب إذا سرت عورة امرأة‪ ،‬إهنم يريدون جيال غارقا‬
‫يف مستنقع اجلنس ووحل الرذيلة‪ ،‬تنفيذا للمخططات الرهيبة‪.‬‬

‫والتطرف الديين الذي يعنيه هؤالء الطواغيت وأذانهبم هو اإللتزام بدين هللا عزوجل‪،‬‬
‫فأين التطرف أيها الظاملون؟!‬

‫إن التطرف من الظاملني‪ ،‬إن التطرف من الطغاة‪ ،‬إن التطرف من هؤالء الذين‬
‫يظلمون الناس بغري حق ومل يدافعوا عن دمائنا وأعراضنا ومقدساتنا‪.‬‬

‫وأما هؤالء الشباب الذين يالحقون يف كل مكان‪ ،‬إمنا هم فئة مؤمنة راجعة إىل رهبا‬
‫تريد أن تسرتد بالدها ابجلهاد‪ ،‬من أجل أن حيموا بالدهم من الزحف اليهودي ومن الكفر‬
‫الذي ابتليت به هذه األمة‪ 43‬كيف ال يعم الفقر وتعم اهلزائم واحلكام ال يقربون إال كل فاسق‬
‫وجمرم؟! وال يطاردون إال كل شاب صاحل تقي‪.‬‬

‫إن أسرا بكام لها قد تنصرت يف أايم عبد الناصر لتفر من مطاردة املخابرات يف‬
‫جوف الليل! إن كثريا من الشباب يف بالد املسلمني ألقوا يف (حامض الكربيتيك) فتحولوا‬

‫‪ 42‬شريط (‪ )257‬التحريض العاملي ضد الوجود العريب (قاعدة دفع الصائل)‪ ،‬ومعظم هذا املوضوع مكرر‬
‫يف حماضرات وخطب ودروس الشيخ‪ ،‬أنظر مثال شريط (اجلهاد والسلطان) الرتبية (ج‪)2‬‬
‫‪ 43‬الرتبية اجلهادية ج‪ 2‬ص‪ 130‬شريط (اجلهاد والسلطان)‬

‫(‪)22‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫مباشرة إىل خبار! إن كثريا من أعراض الطاهرات من زوجات إخواننا وبناهتم انتهكت من قبل‬
‫زابنية حكامنا!‬

‫إن البنات املؤمنات الطاهرات يفرض عليها يف ليبيا أن ال تدخل املرحلة الثانوية إال‬
‫بعد أن حتضر املعسكرات الثورية اإلشرتاكية اليت خيتلط فيها الشباب ابلبنات‪ ،‬وت نتهك‬
‫فيها األعراض رمسيا ابسم القانون‪ ،‬وال حيق ألي بنت أن تدخل وظيفة أو حىت تتزوج إال بعد‬
‫أن حتضر هذه املعسكرات‪.‬‬

‫وماذا يقول علماؤان األفاضل ابلقرى الكاملة اليت أبيدت يف العراق على أيدي النظام‬
‫وجرفت ابجلرافات وقتل أهلها ابلغازات؟!‬

‫جرائم يف كل مكان‪ ،‬وانتهاك للحرمات واألعراض‪ ،‬انهيك عن إقصاء هذا الدين‬


‫عن احلكم والتشريع‪ ،‬وبعد هذا يكتب علماؤان عن التطرف؟! أبعد هذا يتهمون هؤالء‬
‫الشباب الطيبني ابلتهور والتطرف؟! فمن إذا املعتدلون؟!‬

‫وال ينتهي عجيب من هؤالء العلماء إذ يتكلمون على هؤالء الشباب ‪ -‬الذين حترروا‬
‫من األسر‪ ،‬وانطلقوا من قيود العبودية يدافعون عن دينهم ‪ -‬مث يسكت هؤالء العلماء عن‬
‫أولئك اجملرمني السفاحني!‬

‫وما أقرب قصة اإلجنليزي ‪ -‬وهو يذبح اإلفريقي ‪ -‬بقصة أولئك العلماء‪ ،‬فبينما‬
‫يذبح ذاك اإلجنليزي أحد اإلفريقيني إذ ع ض أإلجنليزي بيده اليت تذبح‪ ،‬فقال اإلجنليزي‪:‬‬
‫أنظروا إنه متوحش!‬

‫ماذا يقول علماؤان ومباذا يفتون يف حق القذايف الذي ما ترك موحدا إال ووضعه يف‬
‫السجن‪ ،‬والذي كفر ابهلل ورسوله جهارا هنارا‪ ،‬وأنكر املعلومات من الدين ابلضرورة؟!‬

‫ماذا يقول علماؤان حبافظ األسد الذي ق ت ل يف محاة اثنني وأربعني ألفا من‬
‫املسلمني؟!‬

‫ماذا يفيت علماؤان ابلتبجح الذي وصل إليه السجانون يف بالدان‪ ،‬وقد طاف أحدهم‬
‫ذات يوم على الزنزاانت اليت يرزح فيها إخواننا الطيبون‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إن أحد اإلخوة مات هذه‬
‫الليلة من شدة التعذيب‪ ،‬ماذا نفعل؟ قال وبكل صفاقة وتبجح‪( :‬اي أوالد الستني كلب ما‬
‫مات إال واحد‪ ..‬حنودي وشنا فني من الرئيس؟)!‬

‫(‪)23‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫فهل يشك أحد عنده أاثرة من علم أو ذرة من إميان أو اطالع على فقه أن هذا‬
‫جيب قتله؟! ولو كان صائما قائما عابدا‪.‬‬

‫فهل هؤالء متطرفون؟! وهل هؤالء متشددون؟!‬

‫إن اإلستسالم هلذا الظلم خزي يف الدنيا وعذاب يف اآلخرة‪ ،‬ألن الضعف ليس عذر‬
‫بل يستحق صاحبه عذاب النار‪( :‬إن الذين توفاهم املالئكة ظاملي أنفسهم قالوا فيم كنتم‬
‫قالوا كنا مستضعفني يف األرض قالوا أمل تكن أرض هللا واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم‬
‫جهنم وساءت مصريا‪ ،‬إال املستضعفني من الرجال والنساء والولدان ال يستطيعون حيلة وال‬
‫يهتدون سبيال)‪.‬‬

‫فاملعفو عنه فقط األعمى واألعرج واملريض والكبري يف السن والصغري يف السن واملرأة‬
‫ال تعرف الطريق إىل اهلجرة وال تستطيع حيلة وال هتتدي سبيال‪.44‬‬

‫إغتيال‪ 45‬أئمة الكفر والفنت والضالل‪:‬‬


‫بعد أن سرد اإلمام الشهيد حادثتني اثبتتني من سرية الرسول الكرمي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ومها‪:‬‬

‫احلادثة األوىل‪ :‬إغتيال كعب بن األشرف على يد حممد بن مسلمة رضي هللا عنه‬
‫أبمر من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وذلك بسبب كثرة إيذاء كعب لرسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم ونساء املسلمني بلسانه‪.‬‬

‫احلادثة الثانية‪ :‬اغتيال أيب رافع على يد عبد هللا بن عتيك‪ ،‬وكذلك أبمر رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم لشدة عداوته لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم وهلذا الدين‪.‬‬

‫واحلادثتان ‪ -‬كما ذكرت ‪ -‬يف الصحيحني اثبتتان‪.‬‬

‫‪ 44‬شريط (‪ )257‬التحريض العاملي ضد الوجود العريب (قاعدة دفع الصائل)‪ ،‬وهذه أيضا مواضيع مكررة‬
‫يف كثري من أشرطة الشيخ‪ ،‬أنظر مثال الرتبية (ج‪ 2‬ص‪( )99‬اجلهاد والسلطان)‬
‫‪ 45‬أي قتلهم غيلة عن طريق الكمائن ‪ -‬أنظر سلسلة الرتبية اجلهادية (جملد ‪ ،)101/1‬وقال القرطيب‪:‬‬
‫اقعدوا هلم يف مواضع الفرة حيث يرصدون ‪ -‬أنظر اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب (اجمللد الرابع‬
‫ج‪8‬ص‪73‬‬

‫(‪)24‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫فبعد أن سرد اإلمام الشهيد هاتني احلادثتني‪ ،‬قال‪ :‬هذان نصان واضحان قاطعان يف‬
‫داللتهما على أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد أزال من طريق الدعوة رأسني من رؤوس‬
‫الكفر ابلقوة اغتياال‪ ،‬وذلك ألن الصارم ال بد من استعماله إلماطة الرؤوس املدبرة والعقول‬
‫املفكرة اليت تنصب األحابيل والعراقيل أمام هذا الدين‪ ،‬وكعب بن األشرف وأبو رافع من‬
‫زعماء اليهود‪.‬‬

‫وقد قال هللا تعاىل‪( :‬واقعدوا هلم كل مرصد)‪.‬‬

‫قال أبو بكر بن العريب يف أحكامه‪( :‬قال علماؤان‪ :‬هذا دليل على جواز اغتياهلم قبل‬
‫الدعوة ‪ -‬قبل إنذارهم ‪ ،) -‬وكذلك عند قوله تعاىل‪( :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مبثل‬
‫ما اعتدى عليكم)‪ ،‬قال علماؤان‪( :‬هذا دليل على أن لك أن تبيح من أابح دمك وحتل مال‬
‫من استحل مالك)‪.46‬‬

‫واإلغتيال فرض يف القرآن الكرمي بنص اآلية الكرمية‪( :‬واقعدوا هلم كل مرصد) يعين‪:‬‬
‫ختفوا واقعدوا هلم كمينا‪ ،‬هذا يعين أن اإلغتيال فرض ‪ -‬قتلهم غيلة ‪.47 -‬‬

‫واغتيال أئمة الكفر ورؤوسهم املدبرة ضرورة شرعية‪ ،‬ألن هذا الدين جاء لتخليص‬
‫البشرية من نري العبودية‪ ،‬وإلنقاذ العباد من عبادة العباد‪ ،‬وال ميكن أن ختلص الطريق إىل هللا‬
‫وحده من طواغيت يعبدون الناس ألنفسهم ويقفون أمام هذا النور املبني‪ ،‬فسيبقى هؤالء‬
‫الطواغيت يف كل زمان‪ ،‬ولذلك تبقى هذه السنة ‪ -‬سنة اإلغتيال ‪ -‬ضرورة ملحه وإزالة‬
‫رؤوس أئمة الكفر وقادة الفنت حق طبيعي وحكم شرعي رابين اثبت‪ ،‬وضرورة منطقية عقلية‬
‫إلزالة العوائق أمام هذا الدين‪ ،‬ألن هؤالء الطواغيت حائل دون وصول هذا الدين حبقيقته‬
‫للجماهري‪ ،‬ولقد سبب إمهال هذه السنة ‪ -‬اغتيال رؤوس الضالل ‪ -‬وإمهال هذا احلكم‬
‫الشرعي من الظلم الكبري والشر املستطري لألمة اإلسالمية اليت عانت الويالت ودفعت‬
‫الضرائب الفادحة من أعراضها ودمائها وأمواهلا ما ال يعلمه إال هللا‪.‬‬

‫وكان تطبيق هذه السنة النبوية والشرعة اإلهليه بني احلني واآلخر ‪ -‬من قبل أفراد‬
‫يغامرون أبرواحهم وخياطرون أبنفسهم وأمواهلم ختليصا لألمة بكاملها ‪ -‬سببا النتشال األمة‬

‫‪ 46‬يف خضم املعركة (قوائم حممد بن مسلمة)‪ ،‬وكالم ابن العريب نقله الشيخ الشهيد عن كتايب (أحكام‬
‫القرآن ج‪)902/2‬‬
‫‪ 47‬يف الرتبية اجلهادية والبناء (اجمللد األول ص‪ )101‬وقال القرطيب ‪ -‬ايضا ‪ -‬عند هذه اآلية‪ :‬هذا دليل‬
‫على جواز اغتياهلم قبل الدعوة ‪ -‬انظر اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب (اجمللد الرابع ج‪ 8‬ص‪73‬‬

‫(‪)25‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫من حياة السوائم إىل حياة اإلنسان‪ ،‬وانتشلت األجيال من املستنقع اآلسن إىل القمة‬
‫السامقة‪.‬‬

‫ومن األمثلة الرائعة يف هذا الزمان ما فعله سليمان احلليب عندما قتل (كليرب)‪،‬‬
‫فخلص املسلمني من جيش ضخم من الفرنسيني‪.‬‬

‫وكذلك ما فعله أحد املتحمسني يف لبنان عندما ضحى بنفسه فخل صلى هللا عليه‬
‫وسلم هبذه التضحية الناس يف لبنان من شر املارينز وجربوهتم‪.‬‬

‫وأمثلة كثرية جدا رائعة نفذها اجملاهدون األفغان برؤوس الكفر وأئمة الضالل ال‬
‫نستطيع حصرها يف هذه السطور‪.‬‬

‫وهبذا خنلص خبالصة ال بد أن نسري عليها‪ ،‬إن أردان العزة هلذا الدين وأهله‪:‬‬

‫أ) ال بد أن يقف املسلمون مجيعا املوقف الذي تتطلبه عقيدة الوالء والرباء‪ ،‬وال‬
‫يتأرجح جتاه أعداء هللا‪ ،‬وأقلها مقاطعة البضائع األمريكية والروسية واليهودية‪ ،‬واألمريكان هم‬
‫أنصار اليهود وأعواهنم ومؤيديهم ومؤازريهم‪.‬‬

‫ب) أن ترتب قوائم نسميها (قوائم حممد بن مسلمة) تنفذ من خالهلا سنة اإلغتيال‬
‫ألئمة الضالل يف األرض‪ ،‬وندرج عليها سدنة الكفر وأئمة الشرك من الطواغيت يف األرض‪،‬‬
‫الذين ينازعون هللا يف ألوهيته وربوبيته‪.48‬‬

‫وندرج عليها كل يهودي ميد إسرائيل أو يتعاطف معها‪ ،‬وندرج عليها أئمة الكفر‬
‫وزابنية تعذيب البشرية‪ ،‬وندرج عليها زعماء األحزاب امللحدة والعلمانية اليت تتبجح إبحلادها‬
‫ومناوأهتا لإلسالم‪.‬‬

‫وندرج عليها‪ :‬كل من يعلن وقوفه جبانب اليهود ويؤيدهم من أي األصقاع ومن سائر‬
‫البقاع‪.49‬‬

‫على أن تعاملنا مع اجملرمني والكفار وعقاهبم جيب أن يكون حسب درجة إيذائهم‬
‫وبطشهم ابلدعوة اإلسالمية‪ ،‬ألن عقاب اجملرم الذي آذى الدعوة اإلسالمية كثريا ليس‬

‫‪ 48‬أي الذين يعبدون الناس ألنفسهم ويشرعون بغري ما أنزل هللا‬


‫‪ 49‬قوائم حممد بن مسلمة (يف خضم املعركة اجلزء الرابع)‬

‫(‪)26‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫كعقاب اآلخرين‪ ،‬فلكل درجات مما كسبوا من إيذاء املؤمنني والصد عن سبيل هللا‪ ،‬وكذلك‬
‫كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يعامل الذين وقفوا أمام الدعوة اإلسالمية وأمام الذين‬
‫آذوا املؤمنني‪.50‬‬

‫كيما تزول شكوك الناس والتهم‬ ‫أال من فىت يورد اهلندي هامته‬

‫فيا خيل هللا اركيب‪ ،‬واي جند هللا أقبلوا‪ ،‬واي سيوف هللا أبرقي‪ ،‬واي مساء أرعدي‪.51‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫الوالء والرباء‬
‫يقول هللا عز وجل يف حمكم كتابه‪( :‬ال جتد قوما يؤمنون ابهلل واليوم اآلخر يوادون‬
‫من حاد هللا ورسوله ولو كانوا ءابءهم أو أبناءهم أو إخواهنم أو عشريهتم أولئك كتب يف‬
‫قلوهبم اإلميان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات جتري من حتتها األهنار خالدين فيها رضي‬
‫هللا عنهم ورضوا عنه أولئك حزب هللا أال إن حزب هللا هم املفلحون)‪.‬‬

‫‪ 50‬شريط رقم (‪ )70‬من تفسري سورة التوبة‬


‫‪ 51‬قوائم حممد بن مسلمة‪ ،‬ذكرت قاعدة دفع الصائل مفصلة يف مواضيع كثرية من كتب الشيخ وأشرطته‪،‬‬
‫وهنا ذكرهتا خمتصرة من جانب واحد فقط وهو دفع الظلم عن النفس والعرض واملال من قبل من يسمون‬
‫أنفسهم مسلمني يف احلكومات الوضعية يف بالد املسلمني‪ ،‬أما دفع الكفار الصائلني على بالد املسلمني‬
‫فلم أتطرق إليه وميكنك الرجوع إليه يف اماكن كثرية من أشرطة الشيخ وكتبه‬

‫(‪)27‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫مفهوم الوالء والرباء يف االصطالح الشرعي‪:‬‬


‫عقيدة الوالء والرباء‪ ،‬هي عقيدة (ال إله إال هللا) ولن تتحقق هذه الشهادة إال بتلك‬
‫العقيدة ‪ -‬الوالء والرباء ‪ -‬وتعين يف املفهوم اإلصطالحي الشرعي‪ :‬احلب يف هللا والبغض يف‬
‫هللا‪ ،‬احلب لكل مسلم والنصرة لكل مسلم‪ ،‬ودفع الدم رخيصا للدفاع عن اإلسالم وأرضه‪،‬‬
‫وابملقابل العداء للكافرين‪ ،‬وبغضهم‪ ،‬وعدم التشبه هبم‪ ،‬والتربؤ منهم وحماربتهم ومنازلتهم يف‬
‫امليدان الفكري والثقايف والعسكري‪.‬‬

‫ولذلك فالذي يد عي اإلسالم وال يعيش مع املسلمني آالمهم‪ ،‬وال حيب حلبهم‪ ،‬وال‬
‫يبغض لبغضهم‪ ،‬ففي دينه شك ويف عقيدته دخل‪ ،‬وقد يكون خارجا عن إطار هذا الدين‬
‫ابلكلية! ولقد ظهرت هذه العقيدة واضحة وضوح الشمس يف جمتمع املدينة املنورة أايم رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم عندما كان الصحايب يقتل أابه املشرك أو أخاه املشرك تقراب إىل هللا‬
‫عزوجل يف ساحات القتال‪.‬‬

‫ولقد نزلت اآلايت السابقة يف أيب عبيدة رضي هللا عنه عندما قتل أابه يف معركة‬
‫بدر‪ ،‬وهذا يوضح لك القمة السامقة اليت ارتقى إليها هؤالء‪ ،‬من خالل تربيتهم على يدي‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫وعندما قتل حميصة بن مسعود زعيم بين قريظة (ابن شينه) قال له أخوه الكبري ‪-‬‬
‫وكان كافرا ‪ :-‬اي حميصة ما أقسى قلبك‪ ،‬قال حميصة‪ :‬لقد أمرين بقتله من لو أمرين بقتلك‬
‫لقتلتك ‪ -‬يعين لقد أمرين رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بقتله‪ ،‬ولو أمرين بقتلك لقتلتك‪-‬‬

‫فلم تعد مكة أو املدينة أو اجلزيرة العربية أو القرابة هي الرابطة يف هذا اجملتمع‪ ،‬إمنا‬
‫هي العقيدة وحدها بعد أن كانوا غارقني يف احلضيض‪ ،‬متجمعني حول الكأل وداخل السياج‬
‫القبلي‪ ،‬الذي كان يعرب عنه دريد بن الصمة‪:‬‬

‫غويت وإن ترشد غزية أرشد‬ ‫وهل أان إال من غزية إن غوت‬

‫فانتشلهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ووضعهم يف القمة السامقة هلذا الدين‪،‬‬
‫فسادوا العامل به بعد أن صفت النفوس وجتردت من كل احلظوظ الشخصية‪.‬‬

‫إن الصالت يف اجملتمع املسلم قائمة على احملبة واملوده واملواالة والنصرة‪ ،‬وكلها مبنية‬
‫على كلمة التوحيد‪ ،‬فكل من ارتبط هبذه الكلمة فهو أخي أان منه وهو مين‪ ،‬دون وشيجة‬

‫(‪)28‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫أخرى أو رابطة أخرى سواء كان لون جواز سفره كلون جوازي‪ ،‬أو شاهبين يف البشرة أم مل‬
‫يشبهين‪.‬‬

‫الرابطة هي اإلميان‪ ،‬والوشيجة هي التقوى‪ ،‬واهلدف هو اجلنة والغاية هي رضا هللا‬


‫سبحانه‪.‬‬

‫ولقد مر مصعب بن عمري رضي هللا عنه على أخيه الكافر وهو يف يد عبد الرمحن‬
‫بن عوف أسريا‪ ،‬فقال مصعب ش د على أسريك‪ ،‬فقال له أخوه األسري‪ :‬اي أخي أتقول له‬
‫هكذا‪ ،‬فقال مصعب‪( :‬إنه أخي من دونك) (فلما تبني له أنه عدو هلل تربأ منه)‪.‬‬

‫وعندما رأى أعداء هللا أن هذه العقيدة ‪ -‬الوالء والرباء ‪ -‬هي السبب يف جتمع‬
‫املسلمني وقوهتم‪ ،‬بدأوا حياولون جتميع املسلمني حسب اللون أو حسب العرق أو حسب‬
‫األرض أو اجلنس‪ ،‬فظهرت القوميات النتنة اليت تتقزز النفوس من رائحة نتنها‪( :‬ضرب هللا‬
‫مثال للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا حتت عبدين من عبادان صاحلني فخانتامها‬
‫فلم يغنيا عنهما من هللا شيئا وقيل ادخال النار مع الداخلني) (التحرمي‪.)01 :‬‬

‫وبدأت بذور القومية على يد مخسة من الشباب النصارى (انصيف اليازجي‪،‬‬


‫وشاهني مكاريوس‪ ،‬ويعقوب صروف‪ ،‬والبستاين‪ ..‬وغريهم) جيمعون الناس يف مستنقع‬
‫القومية العربية النتنة‪.‬‬

‫ولذا فقد كانت القومية العربية هي السبب يف اهنيار اخلالفة العثمانية على يد‬
‫الشريف حسني وابنه فيصل بعد أن لعب اإلجنليز يف عقوهلم ودخلوا عليهم من هذا الباب‪.‬‬

‫وغرق املسلمون يف هذا الوحل ‪ -‬وحل القومية ‪ -‬ومتزقت األمة شذر مذر على هذا‬
‫األساس‪ ،‬وبدأت احلركات اإلسالمية حتاول جتميع الناس من جديد وأن تنتشلهم من هذا‬
‫الوحل اهلابط إىل قمة هذا الدين السامقة يسرتوحون شذا العطر‪ ،‬إال أهنا مل تستطع أن تصل‬
‫هبم إىل تلك القمة‪ ،‬وال زال كثري من أصحاب الدعوة اإلسالمية متأثرين هبذه القومية‪ ،‬فهو‬
‫مصري يريد أن ينصر اإلسالم يف مصر فقط‪ ،‬وليس له عالقة مبا عداها‪ ،‬وقس عليه بقية‬
‫البالد اإلسالمية‪.‬‬

‫إن عقيدة الوالء والرباء غري واضحه متاما يف أذهان املسلمني‪ ،‬إننا نسعى إلقامة دين‬
‫هللا يف أي مكان وعلى أي أرض‪ ،‬ال بد أن نتحرر من قيود القومية والوطنية‪ ،‬وال بد أن‬
‫ننسى لون جواز السفر لننطلق هبذا الدين حيث كان‪ ،‬حىت نصل إىل جمتمع إسالمي يف أي‬
‫مكان يتجمع الناس فيه‪.‬‬

‫(‪)29‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫حتاب يف هللا مطلق وبغض يف هللا واضح‪( :‬قد كانت لكم أسوة حسنة يف إبراهيم‬
‫والذين معه إذ قالوا لقومهم إان براء منكم ومما تعبدون من دون هللا كفران بكم وبدا بيننا‬
‫وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حىت تؤمنوا ابهلل وحده)‪.‬‬

‫عقيدة الوالء والرباء هي حمبة هللا وحمبة كل شيء حيبه‪ ،‬وأن تبغض كل شيء يبغضه‪،‬‬
‫يقول ابن تيمية‪( :‬ليس للقلوب سرور وال لذة اتمة إال يف حمبة هللا والتقرب إليه مبا حيبه‪ ،‬وال‬
‫ميكن حمبة هللا إال ابإلعراض عن كل حمبوب سواه‪ ،‬وهذه حقيقة ال إله إال هللا‪ ،‬وهي ملة‬
‫إبراهيم اخلليل وسائر األنبياء‪ ،‬أما شقها الثاين حممد رسول هللا فمعناه جتريد متابعة رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم فيما أمر واإلنتهاء عما عنه زجر)‪.‬‬

‫ويف احلديث الصحيح‪( :‬إن من عباد هللا ألانس ما هم أبنبياء وال شهداء‪ ،‬يغبطهم‬
‫األنبياء والشهداء يوم القيامة ملكانتهم من هللا تعاىل‪ ،‬قالوا‪ :‬ختربان من هم‪ ،‬قال‪ :‬هم قوم حتابوا‬
‫بروح هللا على غري أرحام بينهم وال أموال يتعاطوهنا‪ ،‬ووهللا إن وجوههم لنور وإهنم على نور ال‬
‫خيافون إذا خاف الناس وال حيزنون إذا حزن الناس)‪ ،‬وقرأ اآلية‪( :‬أال إن أولياء هللا ال خوف‬
‫عليهم وال هم حيزنون)‪.‬‬

‫ويف الصحيح‪( :‬أوثق عرى اإلميان املواالة يف هللا واملعاداة يف هللا‪ ،‬واحلب يف هللا‬
‫والبغض يف هللا)‪.‬‬

‫ويف الصحيح‪( :‬حقت حمبيت للمتناصحني يف‪ ،‬وحقت حمبيت للمتزاورين يف‪ ،‬وحقت‬
‫حمبيت للمتباذلني يف‪ ،‬املتحابون على منابر من نور يغبطهم مبكاهنم النبيون والصديقون‬
‫والشهداء)‪.‬‬

‫ويف التحريض على هجرة الكفار وعدم السكن معهم ومعاداهتم والوقوف يف‬
‫وجوههم‪ ،‬جاءت آاثر كثرية‪ ،‬منها‪( :‬من جامع املشرك وسكن معه فإنه مثله)‪.‬‬

‫ويقول ابن حزم‪( :‬ولو أن كافرا جماهرا بكفره ‪ -‬مثل حافظ األسد والقذايف وغريهم ‪-‬‬
‫غلب على دار من دور اإلسالم وأقر املسلمني هبا على حاله إال أنه هو املالك هبا واملنفرد‬
‫بنفسه يف ضبطها وهو معلن بدين غري دين اإلسالم لكفر ابلبقاء معه كل من عاونه وأقام‬
‫معه وإن ادعى أنه مسلم)‪.‬‬

‫وعقيدة الوالء والرباء تعين نصرة املسلم يف أي مكان والوقوف معه يف أي أرض إن‬
‫عرفنا أنه على احلق‪ ،‬وهناك صور كثرية تبني غبش هذه العقيدة يف أذهان املسلمني‪ ،‬منها‬

‫(‪)30‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫جتمع الناس حتت راايت وشعارات مرفوعة ابسم الوطن وابسم القوم وابسم اجلنس وابسم‬
‫العلمانية‪.‬‬

‫لكننا نقوهلا ‪ -‬بوضوح ‪ :-‬إن الذين يتجمعون حتت هذه الشعارات الغري إسالمية‬
‫وينافحون عنها خيرجون من دين هللا وهم ال يعلمون‪ ،‬فإن وقفت مع هذه الشعارات ‪ -‬أاي‬
‫كانت وحتت أي اسم كان ‪ -‬وانفحت عنها ودافعت عنها فأنت خترج من دين هللا‪.‬‬

‫فانتبه إىل الراية اليت تنطوي وأتوي إليها‪ ،‬انتبه إىل الناس الذين تدافع عنهم وانظر إىل‬
‫قوله تعاىل ‪ -‬وهو ينادي نوحا عليه السالم ويعلمه ابنقطاع وشيجة الصلة بينه وبني ابنه بعد‬
‫أن طلب من هللا عزوجل أن ينجي ابنه ‪( :-‬قال اي نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غري‬
‫صاحل)‪.‬‬

‫مث انظر إىل نوح ‪ -‬النيب الصاحل ‪ -‬وهو يعلن توبته من هذا اخلطأ الذي زلت به‬
‫قدمه‪( :52‬قال ريب إين أعوذ بك أن أسئلك ما ليس يل به علم وإال تغفر يل وترمحين أكن‬
‫من اخلاسرين)‪.‬‬

‫(وأنتم ال تدركون ضرورة عقيدة الوالء والرباء‪ ..‬هذه العقيدة‪ ..‬وليست العقيدة هي‬
‫أن تعرف أن هللا يف السماء فحسب‪ ،‬أو أن يده ليست كأيدينا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وتقول ‪-‬‬
‫اإلستواء معلوم والكيف جمهول واإلميان به واجب والسؤال عنه بدعة ‪ -‬هذه حنفظها يف‬
‫جلسة واحدة‪.‬‬

‫لكن عقيدة الوالء والرباء اليت تكلف اإلنسان حياته‪ ،‬وهي الباهظة الثمن‪ ،‬منها دفع‬
‫الدماء‪ ،‬فيها أن يقف اإلنسان أمام الدنيا أبسرها‪ ،‬وهو طرف من توحيد األلوهية الذي‬
‫جاءت من أجله األنبياء‪ :‬وهل اإلميان إال احلب يف هللا والبغض يف هللا‪ ..‬من أحب هلل‬
‫وأبغض هلل‪ ،‬وأعطى هلل ومنع هلل فبذلك تنال والية هللا‪ ،‬وال تنال والية هللا إال بذلك )‪.53‬‬

‫إن اآلايت اليت تتكلم عن الوالء والرباء وحمبة املؤمنني ومعاداة الكافرين أكثر من‬
‫اآلايت اليت تتكلم عن أركان اإلسالم اخلمسة‪ ،‬وكل يوم أدرك ضرورة عقيدة الوالء والرباء‪،‬‬
‫وأدرك أن األمم تباع أبشخاص أو شخصا واحدا يستطيع أن يبيع أمة بكاملها‪ ،‬ومن هنا‬

‫‪ 52‬شريط الوالء والرباء‪ /‬الرتبية ج‪6‬‬


‫‪ 53‬كلمات من خط النار األول ج‪( 1‬املؤامرة الكربى) ص‪85 - 84‬‬

‫(‪)31‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫اشرتط العلماء أن يكون رئيس الدولة جمتهدا عاملا فقيها تقيا ورعا يبايعه أربعون على األقل‬
‫من أهل اإلجتهاد ‪ -‬إن وجدوا ‪ -‬والوالء والتقوى ‪ -‬أهل احلل والعقد ‪.54 -‬‬

‫فعقيدة الوالء والرباء هي أول مقتضيات (ال إله إال هللا)‪ ،‬ومن مستلزماهتا اليت ال‬
‫تنفك عنها‪ ،‬وإذا استقرت يف القلوب فال بد أن تتحول إىل أفعال وحركات‪ ،‬ومن مثارها‬
‫عقيدة الوالء والرباء‬

‫اليت ال بد أن تدفع صاحبها إىل احلب يف هللا والبغض يف هللا‪ ،‬حب أوليائه وبغض‬
‫أعدائه‪ ،‬الذي يثمر النماذج من التضحيات واألفذاذ‪.‬‬

‫يقول ابن تيمية ‪ -‬رمحه هللا ‪( :-‬إن حتقيق شهادة أن ال إله إال هللا تقتضي أن ال‬
‫حيب إال هلل وال يبغض إال هلل‪ ،‬وال يوايل إال هلل وال يعادي إال هلل‪ ،‬وأن حيب ما أحب هللا‬
‫ويبغض ما أبغضه هللا‪ ،‬ويوايل املؤمنني يف أي مكان حل وا‪ ،‬ويعادي الكافرين ولو كان أقرب‬
‫قريب)‪.55‬‬

‫وروى الطرباين إبسناد حسن‪( :‬أوثق عرى اإلميان املواالة يف هللا واملعاداة يف هللا‪،‬‬
‫واحلب يف هللا والبغض يف هللا)‪.56‬‬

‫بل والية هللا ال تنال إال ابحلب له والبغض له‪ ،‬ويف هذا ما رواه ابن جرير عن ابن‬
‫عباس رضي هللا عنهما‪( :‬من أحب يف هللا وأبغض يف هللا وواىل يف هللا وعادى يف هللا فإمنا‬
‫تنال والية هللا بذلك‪ ،‬ولن جيد عبد طعم اإلميان وإن كثرت صالته وصومه حىت يكون‬
‫ذلك)‪.57‬‬

‫يقول الشيخ بن عتيق‪( :‬ليس يف كتاب هللا تعاىل حكم فيه من األدلة أكثر وال أبني‬
‫من هذا احلكم ‪ -‬الوالء والرباء ‪ -‬بعد وجوب التوحيد وحترمي ضده)‪.58‬‬

‫‪ 54‬كلمات من خط النار األول ج‪( 1‬املؤامرة الكربى) ص‪72‬‬


‫‪ 55‬أنظر اإلحتجاج ابلقدر البن تيمية (‪)62‬‬
‫‪ 56‬أنظر الطرباين يف املعجم الكبري (‪ ،)11537‬وعند الطيالسي ‪ 378‬وهو يف سلسلة األحاديث‬
‫الصحيحة برقم ‪1728‬‬
‫‪ 57‬أنظر حلية األولياء (‪)312/1‬‬
‫‪ 58‬أنظر الوالء والرباء للقحطاين‬

‫(‪)32‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫وصح عن ابن عمر رضي هللا عنهما أنه قال‪ :‬من بىن أبرض املشركني فصنع نريوزهم‬
‫ومهرجاهنم وتشبه هبم حىت ميوت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة‪.59‬‬

‫يقول ابن تيمية عند هذا القول‪( :‬وظاهر هذا أنه جعله كافرا مبشاركتهم يف جمموع‬
‫هذه األمور)‪.60‬‬

‫ولذا فإن توحيد هللا عز وجل واإلميان بعقيدة الوالء والرباء تقتضي أن تدخل يف‬
‫حزب هللا وتناصر أولياءه‪ ،‬وحتب أن تعيش معهم وتدافع عن دايرهم وجتاهد يف سبيل هللا‬
‫حلماية أعراض املسلمني ودمائهم وأمواهلم‪ ،‬وأن تكره الكفار والعيش معهم‪.‬‬

‫وكما ذكران سابقا ال بد أن تتجاوز احلدود اجلغرافية والزمانية والتعلق ابجلنس واللون‬
‫والعرق والعشرية والصنعة واحلرفة‪ ،‬وال نلتقي كما تلتقي البهائم والسوائم على احلظرية والكأل‪.‬‬

‫وال بد أن ننسى لون جواز السفر‪ ،‬وأن ال تربطنا أرض حمدودة جببال وأهنار وال لغة‬
‫وال قوم‪ ،‬ألن رابطتنا هي الرابطه اإلميانية‪ ،‬والوشيجة هي وشيجة اإلميان‪ ،‬واللقاء على هذه‬
‫العقيدة وحدها‪.‬‬

‫ال ميكن أبدا ملن يؤمن بعقيدة الوالء والرباء أن يدخل يف حزب قومي كالقوميني‬
‫العرب‪ ،‬ولو كان قادته من املتمسلمني‪ ،‬فكيف إذا كانت قياداته ومؤسسيه نصارى كأمثال‪:‬‬
‫أنطوان سعادة‪ ،‬وجورج عبد املسيح‪ ،‬وميشيل عفلق!‬

‫وال ميكن أبدا ملن يؤمن ابلوالء والرباء أن ينطوي يف سلك املاسونية أو أن يكون‬
‫جاسوسا للمخابرات األمريكية أو الروسية‪ ،‬أو أن يكون خمابرات جلهة حتارب اإلسالم‪ ،‬أو‬
‫خمابرات لطاغوت يكيد للحق وحيارب أهله وأولياء هللا‪ ،‬ويوايل الشيطان يف كل مكان‪.‬‬

‫وكيف ميكن أن يكون مؤمنا موحدا من واىل احللفاء وبريطانيا ضد الدولة العثمانية‬
‫اإلسالمية؟!‬

‫ولقد صنعت عقيدة الوالء والرباء مناذج من الصحب الكرام ما حتسبه ضراب من‬
‫اخل يال ذكران مثاال منه‪ ،‬وال ننسى سعد بن أيب وقاص الذي قال يوم أحد‪( :‬وهللا ما حرصت‬
‫على قتل رجل قط كحرصي على قتل عتبه ابن أيب وقاص)‪.‬‬

‫‪ 59‬أنظر الوالء والرباء للقحطاين (‪)274‬‬


‫‪ 60‬أنظر اقتضاء الصراط املستقيم (ص‪)200‬‬

‫(‪)33‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫فأين عقيدة الوالء والرباء من الدول اليت تقف متفرجة جتاه اجلهاد األفغاين وجتاه‬
‫دولتهم‪ ،‬وحنن ال نستغرب أي موقف من هذه الدول جتاه اجلهاد ودولته‪ ،‬ألهنا أنظمة تقوم‬
‫قراراهتا على املوازنة بني املصاحل واملفاسد واملنافع واألضرار‪ ،‬وقد عرب عن هذا لسان وزير‬
‫اخلارجية الربيطانية ردا على األستاذ سعد مجعة عندما قال له سعد‪( :‬حنن أصحاب حق)‪،‬‬
‫قال الوزير الربيطاين‪( :‬إن السياسة ال تعرف حقا وال ابطال‪ ،‬السياسة فيها مصاحل ومنافع)‪،‬‬
‫فهذا هو منطق األنظمة القائمة‪ ،‬خيتلف متاما عن منطق هذا الدين وعن منطق الدولة اليت‬
‫ت قيم أساسها على عقيدة الوالء والرباء‪.61‬‬

‫حترر كامل من قيود الطواغيت‪:‬‬


‫أصبح أمرا بدهيا عند كل من له أدىن معرفة ابإلمام الشهيد أبنه قد امتاز بتحرره‬
‫الكامل من أي قيود تربطه بطاغوت أو حكومة من احلكومات‪ ،‬ولن جتد طيلة حياته كلها‬
‫أنه خضع أو وقع حتت ضغط حاكم أو حكومة‪ ،‬وبقي حريصا أن ال يربطه أي رابط جبهة‬
‫ما‪ ،‬حىت يتمكن من أداء واجبه الشرعي‪ ،‬ويقول كلمة احلق اليت يؤمن هبا دون أن خيشى‬
‫أحدا يف األرض‪.‬‬

‫(وال يغيب عن ذاكريت ذلك الرجل املتورم األنف الذي جاء يوما إىل املكتب‪ ،‬إذ‬
‫كان هذا الرجل مسؤوال كبريا اتبعا إلحدى الدول البرتولية اخلليجية‪ ،‬وجلس مع الشيخ‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أنتم أخذمت إبين وأرغمتموه على اجلهاد فأريد أن حتضره يل فدولتنا تساعد جهادكم‪،‬‬
‫وبدأ يتكلم من علو! وخلع الشيخ نظارته عن عينيه‪ ،‬وقال‪ :‬ماذا تقول؟! ليس ألحد علينا‬
‫منه‪ ،‬حنن أحرار‪ ..‬جئنا من بالدان أحرارا وسنبقى كذلك‪ ،‬حنن جماهدون وكفى‪ ،‬ال نعرف‬
‫أحدا مما تقول‪ ،‬ال أنتم وال دولتكم‪ ،‬ففتح الرجل فاه من هول ما مسع مث انصرف دون كالم‪،‬‬
‫واتصل بسفارة بلده يف إسالم آابد خيربهم مبا مسع‪ ،‬وابلفعل اتصل السفري ابلشيخ ‪ -‬وحنن‬
‫جالسون ‪ -‬يعاتبه على ذلك‪ ،‬فأكد الشيخ أبننا جماهدون جئنا خلدمة هذا اجلهاد‪ ،‬وليس‬
‫ألحد علينا سلطة)‪.62‬‬

‫‪ 61‬عقيدة الوالء والرباء‪ /‬يف خضم املعركة اجلزء الرابع ص‪.36‬‬


‫وموضوع الوالء والرباء مكرر يف أشرطة ومقاالت الشيخ اال أهنا موزعة يف ثنااي األشرطة واملواضيع اليت‬
‫كتبها‪ ،‬أنظر مثال كتاب كلمات من خط النار األول ج‪ 1‬حتت عنوان (احلرب األهلية) ص‪98 - 97‬‬
‫وحتت عنوان (املوامرة الكربى) ص‪72‬‬
‫‪ 62‬اقتبست من كتاب مناقب اإلمام الشهيد عبد هللا عزام‬

‫(‪)34‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫فلنرتك اجملال إلمامنا الشهيد عزام يتحدث فيه عن نفسه جمللة (املغرتب) اليت تصدر‬
‫يف بريطانيا ‪ -‬عندما أجرت معه حوارا يف أوائل سنة (‪1989‬م)‪ ،‬وحتت سؤال وجه إليه عن‬
‫سبب هجوم اإلعالم الغريب عليه شخصيا‪ ،‬قال الشيخ‪( :‬أما كوهنم يهامجونين شخصيا فألهنم‬
‫يعلمون أكثر من غريهم أنه ليس لطاغوت يف األرض سلطة علي‪ ،‬وال تربطين أية مصلحة مع‬
‫أية دولة‪ ،‬حىت مع األردن اليت أمحل جنسيتها‪ ،‬فاألردن مل أدخلها منذ أربع سنوات‪ ،‬ومل أر‬
‫بييت يف عمان وال أهلي منذ هذه الفرتة‪ ،‬وال تستطيع سلطة يف األرض أن تزاول علي ضغوطا‬
‫نفسية أو معنوية أو مادية‪ ،‬حىت ابكستان اليت أعيش فوق أرضها‪ ،‬فلو كشرت عن أنياهبا‬
‫تركنا هلا أرضها ودخلنا داخل أفغانستان‪.‬‬

‫وهم يعلمون أين لو غادرت هذه األرض ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬فسينفض السامر ويتفرق‬
‫اجلمع إال من رحم هللا)‪.63‬‬

‫وأخريا يعلن اإلمام الشهيد براءته من طواغيت األرض وحكامها‪ ،‬وأن قلمه ولسانه‬
‫قد طهرا من مداهنتهم والتزلف هلم‪ ،‬فيقول‪( :‬ووهللا ما مدحت حاكما من احلكام يف يوم من‬
‫األايم‪ ،‬ولساين قد طهر عن هذا واحلمد هلل‪ ،‬وما أخذان من دنيا احلكام شيئا‪ ،‬وال نطمع يف‬
‫دنياهم أبدا‪ ،‬بل وإننا نرتفع عن ذلك‪ ،‬مث وهللا ما خطت يداي سطرا واحدا طيلة حيايت فيه‬
‫مدحا حلاكم من حكام األرض ‪ -‬واحلمد هلل على ذلك ‪.64) -‬‬

‫‪ 63‬من كتاب (سعادة البشرية) حوار مع جملة املغرتب ص‪70 - 69‬‬


‫‪ 64‬أنظر شريط رقم ‪ 72‬من تفسري سورة التوبة‪ ،‬وأما مدحه لضياء احلق فقد مدحه الشيخ ملواقفه جتاه‬
‫اجلهاد األفغاين‪ ،‬على أن هذا املدح كان بعد مقتله‪ ،‬ألن مدح احلاكم بعد مقتله خيتلف متاما عن مدحه يف‬
‫حياته‪ ،‬وكذلك ذكر موقف امللك فيصل جتاه القضية الفلسطينية‪ ,‬فقطع البرتول عن أمريكا ليضغط عليها‬
‫حىت تضغط على إسرائيل لتنسحب من فلسطني‪ ،‬وابلتايل اضطرت أمريكا لقتله‪.‬‬
‫وهذا ليس مدحا ‪ -‬يف احلقيقة ‪ -‬وإمنا هو ذكر مواقف شهد هبا العامل‪ ،‬بل وتعرضوا أصحاهبا للتصفية‬
‫بسبب هذه املواقف‪ ،‬ولذا فال ينبغي إنكارها وجحدها‪.‬‬
‫مالحظة هامة‪ :‬بقي مكتب اخلدمات الذي أسسه الشهيد عبد هللا عزام ينهج هذه السياسة ‪ -‬سياسة‬
‫الرباء التامة من قيود الطواغيت ‪ -‬وقرر تالميذه من بعده السري على هذا املنهج‪ ،‬إال أن الرجل الذي تسلم‬
‫األمور بعد الشهيد عبد هللا عزام يف املكتب سقط يف وسط الطريق يف أحابيل املخابرات السعودية‪ ،‬مع‬
‫بعض املشبوهني واملدسوسني يف بيشاور ‪ -‬ضد كل من حياول أن يسري يف سياسة الشهيد عبد هللا عزام‪,‬‬
‫فدمر مكتب اخلدمات وفرغه من حمتواه‪ ،‬وأضحى صورة فارغة من غري حقيقة إال حقيقة واحدة وهي‬
‫بقاؤه ‪ -‬هبذا الشكل ‪ -‬حىت يدمر ما بناء اإلمام الشهيد وميسح بقية آاثره!‬
‫وهبذا متت املسرحية‪ ،‬واملؤامرات الدولية اليت حيكت منذ زمن بعيد ضد املكتب‪ ،‬الذي كان يعترب منبعا‬
‫إلرهاب الطواغيت وتقويض عروشهم!‬

‫(‪)35‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫مفهوم احلاكمية يف فكر عبد هللا عزام‬

‫وحسبنا الكالم عن أنفسنا‪ ،‬وال حول وال قوة إال ابهلل العلي العظيم‪ ،‬ونستغفر هللا‬
‫عزوجل من تزكية أنفسنا‪ ،‬وسبحانك اللهم وأتوب إليك أشهد أن ال إله إال أنت أستغفرك‬
‫وأتوب إليك‪.65‬‬

‫منرب التوحيد واجلهاد‬


‫* * *‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.net‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬

‫‪ 65‬سعادة البشرية ‪ -‬حوار مع جملة املغرتب ص‪70‬‬

‫(‪)36‬‬ ‫منرب التوحيد واجلهاد‬

You might also like