Professional Documents
Culture Documents
من املعل وم أَّن املص طلحات حتم ل يف طياهتا محول ًة ثقافي ة تعرِّب عن مض امينها داخ َل احلق ل املع ريف
الذي ُو لدت فيه ،وضمن البيئة الثقافية املنِش ئة هلا ،ومن مث فإّن التعامل معها بالتبسيط أو التحوير
خُي رجها عن داللتها وجيَعلها عرض ًة للتالعب من ك ّل من يبحث حبًث ا غري ج اٍّد ،ويروم من خالله
الوص وَل إىل نت ائج مس َبقة ال تس مح اآللي ات املوض وعية بالوص ول إليه ا ،فلم يكن ب ّد من التكّلم
بلس ان الشرع وبلَغ ة الفق ه؛ لكن يتّم تفس ري املص طلحات على خالف م رِاد واض عيها ،أو املطالب ة
بتمديد صالحياهتا حىت تتداخل مع مفاهيم أخرى ذات استقاللية تاّم ة وداللة خاّص ة ،والتع ّد د يف
استخدام املصطلح يف جماالت خمتلفة يورث الرتاُدف إن اتفقت املعاين ،كما يؤّدي إىل االشرتاك يف
حالة اختالفها ،وهو إمجال ال يتناَس ب مع لغة التخاُطب اليت ُيقَص د منها اإلفهاُم والتبيني.
ومن املصطلحات اليت سعى البعُض إىل جعلها ذاَت داللة مزدَو جة ليتَّم التلطيخ هبا ومنح الشرعية
لقطاعات معّينة وسحبها من أخرى مصطلح البغاة والبغي.
وقد اهُّت َم الفقهاء يف استخدام املصطلح استخداًم ا متحِّي زا ،وهذه هتم ٌة جتَع ل مجي َع فقهاء األّم ة يف
قفص االهتام حىت َم ن وقف منهم ضَّد احلكام ،ومل ير يف وقوفه مناقض ًة للمصطلح ،وال حاجة إىل
إعادة صياغته كما يريد املتحِّم سون للثورات اليت مل تُع د ثورًة على احلكام الَّظَلمة بقدِر ما هي
ثورٌة يف بعض جتّلياهتا على بعض نصوص الشرع وأحكام ه ،وبنفس الطريق ة االنفعالي ة يف اخلروج
على الق وانني ميارس املفِّك رون اخلروَج على املص طلحات الشرعية وإع ادة ص ياغتها وتع يني دالل ة
جديدة هلا؛ لكي تتناسب مع كّل فعل ثورّي يقوم به منفعل أو مظلوم يريُد حَّقه ،وُيعميه طلُب ه عن
الوسائل الشرعّية يف اسرتجاِعه ،ويرى يف انتظار احلكم الشرعّي تفويًتا للفرصة ،فال جيد املفّك ر بًّدا
من ت دارك ه ذه العجل ة إال بالتعام ل مبح اَذرة ونِّد َّي ة م ع مص طلحات الفقه اء ال يت ال تتواف ق م ع
متطَّلبات الثورة توافًق ا من كل الوجوه.
ومع مرارة الواقع وتشُّتت الكلمة وتناقض األحداث واألهداف ووجوِد شبكة من املصطلحات
ذات الدالل ة الس ائلة ال ميِكن ملن يري د البحَث اجلاَّد يف الشرع إال أن حيِّر ر املص طلحات الشرعية
حتري ًر ا تت بني ب ه ح دود اهلل؛ ح ىت ال يتع ّد اها الن اس أو يقربوه ا ،ومن احلدود ال يت تكَّلمت عنه ا
الشريعة ح ُّد البغاة ،فل زم أن نع رَف مع ىن البغي مث البغاة مث طريق ة الشريعة ال يت قررهتا النص وص
الشرعية وفَّس رها العلماء يف التعامل مع البغاة.
وأحكام البغاِة متداوَل ة يف كتب الفقه اإلسالمي كِّلها ،فك ّل مِن اعتىن باألحكام الشرعية العلمية
تناوهلا ،سواء يف التفسري أو يف احلديث أو يف الفقه أو يف السياسة الشرعية والقضاء ،وهي مفَّص لة
تفصياًل كلًّي ا ومبَّينة الشروط يف الكتب؛ لذلك فاالدعاء فيها من السهل االستدراك عليه؛ ألّنه ما
من فقيه مشهور أّلف يف الفقه عموما إال وله رأي مسَّج ل فيها ،وقد أفردها بالكالم.
وق د أفرده ا بعض الب احثني املعاص رين بالت أليف ،فمن أوس ع البح وث ال يت أفردهتا بالت أليف رس الة
ماجس تري مقَّدم ة جبامع ة اإلم ام حمم د بن س عود اإلس المية بعن وان“ :أحك ام البغاة يف الشريعة
اإلسالمية” ملؤلفها أمان اهلل حممد صديق ،وهذا البحث جّي د ،لكنه أِّلف من أجل بيان أحكامها
وما يرتتب عليها ،وليس من أجل الدفاع عن احلكم أو ال رِّد على الدعاوى حوله ،ومع ذلك فقد
تن اول كث ًريا من األحك ام الفقهي ة املتعِّلق ة هبا ،وحنن يف ه ذه الورق ة العلمي ة ن بني مفه وم البغاِة يف
االصطالح الفقهّي ،وهل هو حتّيز للسلطان أم متّس ك بالنصوص الشرعية ،ونرد على الُّش َبه الواردة
فيه ،ونبدأ ببيان املفهوم:
يف هذا املبحث نتناول التعريَف اللغوي واالصطالحي هلذا املفهوم ،وال ش ّك أن تعُّدده يف اإلطالق
الشرعي وتنصيص الفقهاء على هذا التعّد د يدّل بوضوح على عدم التحيز.
البغي لغ--ة“ :التعدي .وبغى الرجل على الرجل :استطال .وبغت السماء :اشتَّد مطرها ،حكاها
أب و عبي د .وبغى اجلرح :ورم وت رامى إىل فس اد .وبغى ال وايل ظلم .وك ّل جماوزة يف احلّد وإف راط
على املقدار الذي هو ح ّد الشيء فهو بغٌي .وبرئ جرحه على بغى ،وهو أن يربأ وفيه شيء من
نغل”([ .)]1وفالن يبغي على الناس إذا َظلمهم وطلب أذاهم .والفئة الباغية :هي الظاملة اخلارجة
عن طاعة اإلمام العادل([.)]2
والبغي في االصطالح الشرعي :مأخوذ من املاّدة اللغوية ،وهو مستخدم يف الشرع ملعاٍن :
اِن ِم ِإ
اإلطالق األول :الظلم ،ق ال س بحانهْ { :ذ َدَخ ُل وا َعَلى َداُو وَد َفَف ِز َع ْنُه ْم َق اُلوا َال َخَتْف َخْص َم
َبَغى َبْع ُض َنا َعَلى َبْع ٍض َف اْح ُك م َبْيَنَن ا ِب اَحْلِّق َو َال ُتْش ِط ْط َو اْه ِدَنا ِإىَل َس َو اء الِّص َر اِط } [ص.]22 :
فك ل من ظلم أو حس د فه و ب اغ ،فظلم ال وايل للن اس يس َّم ى بغًي ا .ومن إطالق البغي مبع ىن الظلم
قولهَ{ :ذِلَك َو َمْن َع اَقَب ِمِبْث ِل َم ا ُع وِقَب ِبِه َّمُث ُبِغَي َعَلْي ِه َلَينُص َر َّنُه الَّل ُه ِإَّن الَّل َه َلَعُفٌّو َغُف وٌر } [احلج:
،]60ومن ه قول ه تع اىلِ{ :إَمَّنا الَّس ِبيُل َعَلى اَّل ِذيَن َيْظِلُم وَن الَّن اَس َو َيْبُغ وَن يِف اَألْر ِض ِبَغِرْي اَحْلِّق
ُأْو َلِئ َك ُهَلم َع َذ اٌب َأِليٌم} [الشورى .]42 :ق ال ابن عطي ة“ :املع ىن {ِإَمَّنا الَّس ِبيُل} احلكم واإلمث
{َعَلى اَّل ِذيَن َيْظِلُم وَن الَّن اَس } أي :ال ذين يض عون األش ياء غ ري مواض عها من القت ل وأخ ذ املال
واألذى باليد وباللسان ،والبغي {ِبَغِرْي اَحلِّق } وهو نوع من أنواع الظلم ،خصه بالذكر تنبيها على
شدته وسوء حال صاحبه ،مث توعدهم تعاىل بالعذاب األليم يف اآلخرة”([.)]3
اإلطالق الث اين :الطائف ة املمتنع ة عن الص لح بع د طلِب ه منه ا ،وه ذا منط وق قول ه س بحانهَ{ :و ِإن
َطاِئَف َت اِن ِم َن اْلُم ْؤ ِمِنَني اْقَتَتُل وا َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا َف ِإن َبَغْت ِإْح َد اَمُها َعَلى اُألْخ َر ى َفَق اِتُلوا اَّليِت َتْبِغي
َح ىَّت َتِف يَء ِإىَل َأْم ِر الَّل ِه َف ِإن َف اءْت َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا ِباْلَع ْد ِل َو َأْقِس ُطوا ِإَّن الَّل َه ِحُي ُّب اْلُم ْق ِس ِط َني }
[احلج رات .]9 :ق ال ابن اجلوزيَ{“ :ف ِإْن َبَغْت ِإْح َد اَمُها} طلبت م ا ليس هلا ومل ترج ع إىل
الصلحَ{ ،فقاِتُلوا اَّليِت َتْبِغي َح ىَّت َتِف يَء} أيَ :تْر ِج ع {ِإىل َأْم ِر الَّلِه} أيِ :إىل طاعته يف الصلح الذي
أمر به”([.)]4
وميكن مالحظُة أم ٍر عند املفّس رين واحملدثني والفقهاء :ففي تناوهلم لآلية ال خيّص ون البغي جبماعة
من الن اس ،وإمنا ك ّل خ روج على س لطان الشريعة ه و بغي؛ فل ذلك ق د تقتت ل طائفت ان من الن اس
وحيّق وص ف البغي هلم ا مجيًع ا ،وال خيّص واح دة دون األخ رى؛ ألن م وجب االقتت ال بينهم ا غ ري
معت رب ش رًعا ،فيلزم ان مجيًع ا بالشرع ،ق ال القرط يب رمحه اهلل“ :ق ال العلم اء :ال ختل و الفئت ان من
املسلمني يف اقتتاهلما ،إما أن يقتتال على سبيل البغي منهما مجيعا أو ال .فإن كان األول فالواجب
يف ذل ك أن ميَش ى بينهم ا مبا يص لح ذات ال بني وُيثم ر املكاّف ة واملوادع ة .ف إن مل تتح اجزا ومل
تصطلحا وأقامتا على البغي ِص ري إىل مقاتلتهما .وأما إن كان الثاين -وهو أن تكون إحدامها باغية
على األخ رى -ف الواجب أن تقاَت ل فئ ة البغي إىل أن تك َّف وتت وب ،ف إن فعلت أص لح بينه ا وبني
املبغي عليه ا بالقس ط والع دل .ف إن التَح م القت ال بينهم ا لشبهة دخلت عليهم ا وكلتامها عن د
أنفسهما حمّق ة ،فالواجب إزالة الشبهة باحلجة النرية والرباهني القاطعة على مراِش د احلّق .فإن ركبتا
منت اللجاج ومل تعمال على شاكلة ما هديتا إليه وُنصحتا به من اتباع احلّق بعد وضوحه هلما فقد
حلقتا بالفئتني الباغيتني”([.)]5
اإلطالق الث الث :الفئ ة املتأِّو ل ة اخلارج ة عن طاع ة اإلم ام ،ويشرتط ألن تك ون باغي ًة أن تك ون
مجاعة ،وأن تكون متأِّو لة تأويال سائغا ،قال املت ويِّل “ :وإمنا اعُترِب ت ه ذه الصفة؛ ألن َمْن خالف
من َغرْي تأويل كان معانًد ا ،وَمْن متّس ك بالتأويل َيْطُلب احلق على اعتقاده فال يكون معان ًد ا ،فيثبت
له نوع حرم ٍة بُس ُقوط الضمان وغريه ،وَم َّث َل التأوي َل احلامل على خمالفة اِإل مام واُخلُر وج عليه مبا
ِض ِض
وقع للذين َخ َر جوا َعَلى علّي َر َي اهلل َعْن ُه حيث اعتقدوا َأَّنه َيْع ِر ف قتَل َة عْثَم ان َر َي اُهلل َعْن ُه
ويقدر علْيِه م ،وال يقتُّص منهم لرضاه بقتله ،ومواطأته إياهم ،ومثل غريه التأويل احلامل على منع
ِض ِنِع
احلق مبا وقع لبعض ما ي الَّز َك اة من أيب بْك ٍر َر َي اُهلل َعْنُه حيث قالوا :أمرنا ب َد ْفع الزكاة إىل َمْن
صَالُتُه َس َك ٌن لنا”([.)]6
وق ال املالكي ة“ :وأم ا أه ل العص بية وأه ل اخلالف لس لطاهنم بغي ا بال تأوي ل فيؤخ ذون بالقص اص
ورد املال قائما كان أو فائتا”([.)]7
وأن تكون يف منعة ،فيحتاج يف كفهم إىل اجليش ،فالواحد واالثنان ال يعَّدان من البغاة؛ ألن املنعة
منتِف ي ة يف حّق هم ا ،ويف حال ة انتفت املنع ة والق وة ص اروا كقط اع الطري ق .واش رتاط املنع ة والق وة
متفق عليه بني الفقهاء([.)]8
األول :أن يكونوا يف منعة ،بأن يكون هلم شوكة بقوة وعدد وُمبطاع فيهم.
الثاين :أن خيرجوا عن قبضة اإلمام العادل إما برتك االنقياد له أو مبنع حق توجه عليهم ،سواء كان
احلق ماليا أو غَريه كحد وقصاص.
الثالث :أن يكون هلم تأويل سائغ([.)]9
ويف التقييد باإلمام العادل دليل على أن غريه ليس كذلك ،وهذا ما ينفي هتمة االحنياز ،بل الفقهاء
مصِّر حون بأّن غَري العادل ال يسَّم ى اخلارجون عليه بغاًة ،وإذا استعانوا بأهل الذَّم ة ال ينتِق ض عه ُد
أه ل الذم ة ،ق ال املواق من املالكي ة“ :وإن ك ان الس لطاُن غ َري ع ادل واس تعانوا بأه ل الذم ة فليس
ذل ك نقًض ا لعهد أه ل الذمة”([ .)]10وسوف نتن اول قض ية حترمي اخلروج وأن مبناه ا ليس هو
مبىن حكم البغاة.
ويف تقييد البغاة بالطائفة املمتنعة واملتأّو لة ما خيرج نوعني من أنواع املعارضة للحاكم:
الن وع األول :معارض ُة قوله الباط ل بالقول ورُّده واالمتناع عنه سواء ِم ن ف رد أو مجاعة ،فهذا ال
يعُّد بغًيا.
والنوع الثاين :معارضُته مع عدم قتاِله ،وذلك بالتزام الّص مت وترك التعّر ض أو املعاونة ،فهذه أمور
ال يتناوهلا الفقه يف أحكام البغاة ،بل هي داخلة يف الّنصح وعَد م الطاعة يف املعصية اجملَم ع عليه عند
الفقهاء.
ال دارس لكتب الفق ه ِجي د أن الفقه اَء يف اس تخدامهم للف ظ البغاة ال حيص رونه يف اخلوارج ،فالبغاة
أعّم من اخلوارج؛ ألّن اخلوارج قد يستحّلون من املسلمني ما ال يستحّله سائر البغاة ،وإن كانت
أحكام البغاة قد تنطبق على اخلوارج ،ومن الفروق بينهم:
أّن اخلوارج يكّف رون مرتكَب الكبرية ،وليس بالضرورة أن يكون البغاة كذلك.
أّن اخلوارج يستحّلون دماء املسلمني وسبَيهم ،وليس بالضرورة البغاة كذلك.
اخلوارج حّث النيب صلى اهلل عليه وسلم على قتلهم وقتاهلم خبالف البغاة.
أّن اخلوارج ترتبط عقيدهتم باخلروج على اإلمام وعلى مجاعة املسلمني ،بينما البغاة قد ال يكون
خ روجهم على اإلم ام وامتن اعهم عن طاعت ه إرادًة منهم لعزل ه أو اعرتاًض ا على إمامت ه ،ب ل ق د
ميتنعون عن طاعِته ألسباب أخرى ومطالب ختّص هم([.)]11
وه ذا التفري ق من الفقه اء ي دّل على أن مص طلح اخلوارج املس تخَد م من أج ل التلطيخ عن د بعض
املعاصرين مل يكن مراًدا عند الفقهاء يف هذا الباب؛ ألنه مصطلح عقدّي ،ويراد من خالله تبيني
خمالفة أهل السنة يف االعتقاد ،وليس بالضرورة أن يكون الباغي خمالًف ا ألهل السّنة يف االعتقاد ،فال
ينسب إىل بدَعة مل يفعلها ،وإمنا ينسب إىل ما يتبنّي به حكم الشرع فيه ،وقد مّر معنا إطالق البغاة
على من خالف علًّيا رضي اهلل عنه بتأويل سائغ ،ومل ينكر إمامته وإمنا امتنع عن طاعته لطلب ح ّق
يراه متعّينا ،وليس خارجيا.
خلص اإلمام القرايف املالكي رمحه اهلل الفروق بينهم ،وما نقله القرايف عن ابن بشري رمحهما اهلل نّص
عليه أهل املذاهب األخرى ،وقد اكتفينا بنقل القرايف لالختصار واجلمع قال“ :قال ابن بشري ميتاز
قتال البغاة على قتال املشركني بأحد عشر وجًه ا :أن يقصد بالقتال ردعهم القهرّي ،ويك ّف عن
م دِبرهم ،وال جيه ز على ج رحيهم ،وال يقت ل أس راهم ،وال تغنم أم واهلم ،وال تس ىب ذراريهم ،وال
يس تعان عليهم مبشرك ،وال ي وادعهم على م ال ،وال تنص ب عليهم الرع ادات ،وال حترق عليهم
املس اكن ،وال يقط ع ش جرهم ،وقت ال احملاربني قت ال البغاة إال يف مخس :يق اتلون م دبرين ،وجيوز
تعم د قتلهم ،ويط البون مبا اس تهلكوا من دم وم ال يف احلرب وغريه ا ،وجيوز حبس أس راهم
الس ترباء ح اهلم ،وم ا أخ ذوه من اخلراج والزك وات ال تس قط عمن ك ان علي ه كالغاص ب”([
.)]12
المبحث الث--الث :ش--روط قت--ال الفئ--ة الباغي--ة بين الحف--اظ على هيبة الدول--ة والتح--رز من دم--اء
المسلمين:
ال يشّك عاقل أن الّنظم اجلاّد ة ال تسمح باخلروج عليها وال وبنقضها وال مبمارسات داخل حدود
سلطتها قد تتناقض مع ِقَيمها ،ودليل ذلك أن دعاَة النُظم الدميقراطية بعد استقرار النظام بأغلبية
مرحيٍة لن يسمحوا حلركات متُّر دية حىت ولو رفعت شعار الشريعة أن تعارضه من وجهة نظرها،
وتّتخذ الوسائل ملعارضتها له بناء على وجهة نظرها دون أي اعتبار ملا هو متاح هلا قانونيا أم ال،
وهم يف ذلك ال يرون أنفَس هم سدنة للنظام وال متحّيزين له على حساب احلرية؛ ألن احلرية مقيدة
بالقانون وباملبادئ الدستورية ،وقد ال ميانعون يف استخدام النظام ألي وسيلة ردع ضد اخلارجني
عليه مبا يف ذلك القتل؛ ألن يف السماح للمعارضة باستخدام وسائل غري مشروعة وتتناىف مع النظام
تضييًعا للنظام وتسويغا للفوض ى ،والنظام اإلس المّي كأّي نظام جاّد ال ميكن أن يؤّي د على قي ام
الدول ة ويطلب نص ب اإلم ام من أج ل انتظام أم ر الن اس مث ال حيوي إج راءات ردعّي ة لتف ادي أّي
خروج عليه بغري حّق ،ومن ّمث شرع قتال الفئة الباغية -وهي املمتنعة -حىت ترجع إىل احلق مبا فيه
طاع ة اإلم ام يف املع روف ،ومن مث ف إن ه ذه الطائف ة إن ُو ج دت وامتنعت عن طاع ة اإلم ام بع د
استقرار احلّق له يف اإلمامة بأحد وسائل االنعقاد فإّن االمتناع عن أداء حّق ه يف الطاعة انطالًقا من
عدم أحّق يته باإلمامة أو عدم االلتزام بقوانني الدولة ،فإن القانون والطاعة ال ميكن أن يعَّلقا ،فال ب ّد
من س يٍف ي أطر على احلّق وحج ٍة تبّين ه ،واللج وء إىل القت ال مل يُك ن حمَّل إش ادة من الفقه اء م ا مل
ُتسَتنفذ الشروط املوِج بة له ،وتقريرها من طرِف الفقهاء يدّل على أهنا راعت جانبني:
وألّن قتال البغاة ال بّد أن يكون بأمر شرعي؛ فإنه ال بّد من توفر الشروط املعَترَب ة شرعا فيه وانتفاء
املوانع ،وهذه الشروط هي:
أوال :أن يكون اإلمام عادال ،ودليل ذلك عدم خروج الفقهاء والعلماء والسلف مع احلجاج ،فال
ُيعان األمري الظامل على القتال ،قال مالك رمحه اهلل“ :إن كان مثَل عمر بن عبد العزيز وجب على
الناس الذُّب عنه ،وأما غريه فال”([.)]13
ثاني--ا :تس ليم أه ل الع دل وذوي ال رأي عدال ة اإلم ام ،ف إذا مل يس ّلموا ل ه باإلمام ة والعدال ة مل تكن
الفئة املمتِنعة عن طاعته باغي ًة ،قال الدردير“ :فشرط اإلمام :تسليُم العدول ذوي الرأي؛ فال يرد
قتال اإلمام احلسِني يزيَد بن معاوية؛ ألّن يزيد مل يسِّلم أهل احلجاز إمامته لظلمه”([ .)]14وقبله
بدر الدين العيين ،فاشرتط عدالة اإلمام([ )]15وهو مفهوم من اشرتاط العدالة يف الطائفة حىت
يصّح تسمية الثانية بالباغية عند الفقهاء.
الثالث--ة :أن يس تتّب األم ر لإلم ام ويعلم أن ه ميكن ه ردعهم بالقت ال ،وإال فال قت ال ،ق ال فخ ر ال دين
الزيلعي احلنفي“ :واملروّي عن أيب حنيفة من لزوم البيت حممول على عَد م اإلمام ،وأّم ا إعانة اإلمام
من الواجب ات عن د الق درة ،وم ا روي عن ابن عم ر م ع مجاع ة من الص حابة من القع ود عن الفتن ة
حممول على أهنم كانوا عاجزين”([.)]16
رابع-- -ا :أن يك ون البغاة خبروجهم مغالبني للس لطة وأن يك ون اخلروج مص حوًبا باملغالب ة أي:
باستعمال القوة ،فإذا كان غ َري مصحوب بالقوة فليس خروًج ا كأن ميتنعوا عن بيعة اإلمام دون
قتاله كما وقع لسعد بن عبادة يف رفضه بيعة أيب بكر رضي اهلل عنه ورجوعه عن ذلك من دون
قتال؛ ألنه مل حيمل سيفا ومل ميتنع من أداء واجب ،قال ابن تيمية رمحه اهلل“ :وإمنا نازع سعد بن
عبادة واحلباب بن املنذر وطائفة قليلة ،مث رجع هؤالء وبايعوا الصديق ،ومل يعرف أنه ختّل ف منهم
إال سعد بن عبادة .وسعد وإن كان رجال صاحلا ،فليس هو معصوًم ا ،بل له ذنوب يغفرها اهلل،
وق د ع رف املس لمون بعَض ها ،وه و من أه ل اجلن ة الس ابقني األولني من األنص ار ،رض ي اهلل عنهم
وأرضاهم”([. )]17
وهك ذا فع ل علي رض ي اهلل عن ه م ع اخلوارج؛ فإن ه مل يق اتلهم يف البداي ة ،ب ل بني أن ذل ك من
حق وقهم فق ال“ :لكم علين ا ثالث :ال مننعكم مس اجد اهلل أن ت ذكروا فيه ا اس م اهلل ،وال مننعكم
الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ،وال نبدؤكم بقتال” ،ويف رواية“ :ال نقاتلكم حىت تقاتلوا”([
.)]18
ويعترب اخلروج بغًيا عند مالك والشافعي وأمحد وأهل الظاهر بشرط استعمال القوة فعاًل ،أما قبل
استعماهلا فال يعترب اخلروج بغًي ا ،وال يعتربون بغاًة ،ويعاملون كما يعامل العاِدلون ولو حتّي زوا يف
مكان وجتّم عوا ،وأبو حنيفة يشرتط العزَم على القتال ،وهو مصَّر ح به عند بعض احلنابلة([.)]19
هذا مع وجوب دعوهتم للّص لح أوال ،وعدم مباغتتهم بالقتال ،وعدم القصد إلفنائهم ،وال جتوز
االس تعانة عليهم بك افر حمارب ،وإج راء أحك ام املس لمني عليهم من إرث وص الة ونف اذ بي ع
ونك اح ،وع دم س يب النس اء والص بيان ،وغ ري ذل ك مما ه و معل وم يف كتب الفق ه ،فليس ت ك ّل
معارضة للحاكم بغًيا يف العرف الفقهّي ،بل البغي هو تكييف ألحِدها ،وبعضها يكون مباًح ا كما
قد يكون ِح رابة حسَب املقصد وطبيعة اخلروج عن القانون.
هذه مسألة منفردة عن البغاة وأحكامهم ،ويدرُس ها الفقهاء من زاوية خمتلفة متاًم ا عن زاوية أحكام
البغاة ،وهي قضّية اخلروج على احلاكم ،فأغلب فقهاء السلف ومن تبعهم من أهل احلديث والفقه
ال حيّبذون اخلروج على احلاكم بالسيف ولو جار وظلَم ظلما ال يصل معه إىل الكفر ،ومبىن هذه
املسألة عندهم ليس هو االحنياز للحاكم أو حّب ه ،بل ينظرون يف املسألة نظرا شرعًّيا يراعي عدة
أمور منها :األدلة الشرعية ومقاصد الشريعة ،ووحدة األمة وعدم تفريق كلمتها ،واملصلحة والنظر
فيها نظرا شرعًّيا بعيدا عن العاطفة واألهواء ،واخلوف من الفتنة.
وإغفال هذه اجلوانب عند الفقهاء مع ظهورها والتنصيص عليها والتصريح هبا واستدعاء عنصر
خارجّي -وهو االحنياز للحاكم احني ازا مطلقا -ال يعدو أن يكون حتليال سياس ًّيا ملواقف ش رعية
وتعامال مع النظر الفقهي بآليات أجنبية عنه ،ودونك -أيها املبارك -األدلة الدالة على ما قلناه:
األدلة الشرعية على حرمة الخروج على الحاكم ما لم يغلب شُّر ه خيَر ه:
فقد وردت نصوص شرعية حترم اخلروج على احلاكم ونزع اليد من الطاعة ،وهي تزيد على املائة،
ونقتصر على بعضها من باب التمثيل:
من ذلك قوله عليه الصالة والسالم« :ستكون أمراء فتعرفون وتنك--رون ،فمن ع-رف ب-رئ ،ومن
أنكر سلم ،ولكن من رضي وتابع» ،قالوا :أفال نقاتلهم؟ قال« :ال؛ ما صلوا»([.)]20
وقال عليه الصالة والسالم« :من كره من أميره شيئا فليصبر ،فإنه من خ--رج من الس--لطان ش--برا
مات ميتة جاهلية»([.)]21
وقد سأل سلمة بن يزيد اجلعفي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال :يا نيب اهلل ،أرأيت إن قامت
علينا أمراء يسألونا حَّقهم ومينعونا حّقنا ،فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ،مث سأله فأعرض عنه ،مث سأله
يف الثانية أو يف الثالثة فجذبه األشعث بن قيس وقال« :اسمعوا وأطيعوا ،فإنم--ا عليهم م--ا حمل--وا
وعليكم ما حملتم»([.)]22
قال أبو عبد اهلل حممد بن علي بن احلسن القلعي الشافعيَ“ :فَه ِذِه اَأْلَح اِديث تدلك على أنه جيب
على املرء كراهة ما أحدثوا من بدعة ،وترك موافقهم على خمالفة السنة ،واالمتناع عن طاعتهم يف
املعصية ،مع االنكفاء عن اخلروج عليهم ،ومالزمة مجاعتهم يف الطاعة ،وامتثال أوامرهم يف املباح،
واالنقياد ألحكامهم يف املعروف ،فيستدمي بذلك سالمة دينه وصالح دنياه وحقن دمه وحفظ ماله
وحياته وعرضه”([.)]23
وق ال مجاهري أه ل الس نة من الفقه اء واحملدثني واملتكلمني :ال ينع زل بالفس ق والظلم وتعطي ل
احلقوق ،وال خيَل ع ،وال جيوز اخلروج عليه بذلك ،بل جيب وعظه وختويفه؛ لألحاديث الواردة يف
ذل ك ،ق ال القاض ي :وق د ادعى أب و بك ر بن جماه د اإلمجاع يف ه ذا ،وق د رد علي ه بعض هم بقي ام
احلسن وابن الزبري وأهل املدينة على بين أمية ،وبقيام مجاعة عظيمة من التابعني والصدر األول على
احلجاج ،وتأول هذا القائل قوله“ :وأن ال ننازع األمر أهله” يف أئمة العدل ،وحّج ة اجلمهور أن
قي امهم على احلج اج ليس جملّر د الفس ق ،ب ل ملا غرّي من الشرع ،وظ اهر من الكف ر .ق ال القاض ي:
وقيل :إن هذا اخلالف كان أوال ،مث حصل اإلمجاع على منع اخلروج عليهم([.)]24
ومثل هذه النصوص كثريٌة ،ولعلك ترى فيها أال يقاَت ل مع احلاكم الظامل ،ومع ذلك يص ّر حون
بعدم اخلروج عليه ،ولو استقصيناها خلرجنا عن موضوع الورقة.
النظر في المصلحة:
كثري من الفقهاء ال يرى اخلروَج على احلاكم الظامل مراعاًة للمصاحل الشرعية ،واليت منها وحدة
األمة واجتماع كلمتها وحفظ شوكتها ،والقتال ُيضعفها ،فبقاء احلاكم على بعض عالته أوىل من
الفتن ة بني الن اس واالقتت ال ،ق ال الط ربي“ :والص واُب أن ال واجب على ك ل من رأى منك ًر ا أن
ينكره إذا مل خيف على نفسه عقوب ًة ال ِقَب ل له هبا؛ لورود األخبار عن النيب صلى اهلل عليه وسلم
بالسمع والطاعة لألئمة ،وقوله صلى اهلل عليه وسلم« :ال ينبغي للمؤمن أن يذل نفس-ه» ،قالوا:
وكيف يذل نفسه؟! قال« :يتع--رض من البالء م--ا ال يطي--ق»([ .)]27[(”)]26وهذا أبو عمر
ابن عبد الرب يقول معلقا على أحاديث الطاعة للحكام وتغيري منكرهم“ :هذا واضح يف أنه ال يلزم
التغيري إال من القوة والعزة واملنعة ،وأنه ال يستحق العقوبة إال من هذه حاله ،وأما من ضعف عن
ذلك فالفرض عليه التغيري بقلبه واإلنكار والكراهة”([.)]28
والغزايل رمحه اهلل يض ع النص ال على الّنص ال يف املس ألة فيق ول“ :ل و تع ّذ ر وج ود ال ورع والعلم
فيمن يتصّد ى لإلمامة وكان يف صرفه إثارُة فتنة ال ُتطاق حكمنا بانعقاد إمامته؛ ألنا بني أن حنرَك
فتنة باالستبدال ،فما يلقى املسلمون فيه من الضرر يزيد على ما يفوهتم من نقصان هذه الشروط
اليت أثبتت ملزية املصلحة ،فال يهدم أصل املصلحة شغًف ا مبزاياها كالذي يبين قص ًر ا ويهدم مص ًر ا،
وبني أن حنكم خبل ّو البالد عن اإلمام وبفساد األقضية وذلك حمال ،وحنن نقضي بنفوذ قضاء أهل
البغي يف بالدهم ملسيس حاجتهم ،فكيف ال نقضي بصحة اإلمامة عند احلاجة؟!”([.)]29
وقال شيخ اإلسالم رمحه اهلل“ :وق ّل من خرج على إمام ذي سلطان إال كان ما توَّل د على فعله
من الشر أعظم مما توّلد من اخلري ،كالذين خرجوا على يزيد باملدينة ،وكابن األشعث الذي خرج
على عب د املل ك ب العراق ،وك ابن املهلب ال ذي خ رج على ابن ه خبراس ان ،وك أيب مس لم ص احب
الدعوة الذي خرج عليهم خبراسان أيضا ،وكالذين خرجوا على املنصور باملدينة والبصرة ،وأمثال
هؤالء ،وغاية هؤالء إما أن يغِلبوا وإما أن يغَلبوا ،مث يزول ملكهم فال يكون هلم عاقبة”([.)]30
وفَّص ل املس ألة تفص يال يف مع رض رِّده على قض ية ت رك علي واحلس ني للقت ال فق ال“ :وإذا ق ال
القائل :إن عليا واحلسني إمنا تركا القتال يف آخر األمر للَعجز؛ ألنه مل يكن هلما أنصار ،فكان يف
املقاتل ة قت ل النف وس بال حص ول املص لحة املطلوب ة .قي ل ل ه :وه ذا بعين ه ه و احلكم ة ال يت راعاه ا
الشارع صلى اهلل عليه وسلم يف النهي عن اخلروج على األمراء ،وندب إىل ترك القتال يف الفتنة،
وإن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،كالذين خرجوا
باحلرة وبدير اجلماجم على يزيد واحلجاج وغريمها .لكن إذا مل يُز ل املنكر إال مبا هو أنكر منه صار
إزالت ه على ه ذا الوجه منك ًر ا ،وإذا مل حيص ل املع روف إال مبنك ر مفسدته أعظم من مص لحة ذلك
املعروف كان حتصيل ذلك املعروف على هذا الوجه منكرا .وهبذا الوجه صارت اخلوارج تستحّل
السيف على أهل القبلة ،حىت قاتلت علّيا وغريه من املسلمني .وكذلك من وافقهم يف اخلروج على
األئمة بالسيف يف اجلملة من املعتزلة والزيدية والفقهاء وغريهم ،كالذين خرجوا مع حممد بن عبد
اهلل بن حسن بن حسني ،وأخيه إبراهيم بن عبد اهلل بن حسن بن حسني وغري هؤالء”([.)]31
ونقل ابن التني عن الداودي قال“ :الذي عليه العلماء يف أمراء اجلور أنه إن قدر على خلعه بغري
فتنة وال ظلم وجب ،وإال فالواجب الصرب”([.)]32
وألن اخلروج على احلاكم دافُع ه األم ر ب املعروف والنهي عن املنك ر فيل زم أن يك ون يف ذل ك على
وصف الشارع يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر ،وتغري املنكر له أربع حاالت:
وق د فّص ل اإلم ام ابن القيم رمحه اهلل حكمه ا تفص يال فق ال“ :فال درجتان األولي ان مشروعتان،
والثالثة موض ُع اجتهاد ،والرابعة حمرمة؛ فإذا رأيَت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان
إنك ارك عليهم من ع دم الفق ه والبص رية ،إال إذا نقلتهم من ه إىل م ا ه و أحّب إىل اهلل ورس وله”([
.)]33
فإذا تأّك د أن اخلروج ال يأيت خبري ،وأنه يؤّدي إىل منكر أعظم منه؛ فإنه ُيَقَّو م عندهم على أنه ش ٌّق
لعص ا ملس لمني ومحل للس يف على األم ة وقت ال فتن ة ،األوىل في ه ال رتك والتعب د هلل س بحانه وتع اىل
والنجاة من دماء الناس وأمواهلم.
وهم حني يق ّر رون ه ذا املع ىن ال خيتلف ون يف وج وب نص ح احلاكم إذا ج ار وظلم؛ وذل ك لألدل ة
ال واردة يف ذل ك ،وإمنا ينك رون خروًج ا ال يتحَّق ق من ه املطل وب ،وال ي دفع الشّر ،أم ا النص ُح
واإلنكاُر فال مينعونه ،قال أبو عمر ابن عبد الرب رمحه اهلل“ :وأما مناصحة والة األمر فلم خيتلف
العلماء يف وجوهبا إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها”([.)]34
وقد قال عليه الصالة والسالم« :إن اهلل يرض--ى لكم ثالث--ا ويس--خط لكم ثالث--ا :يرض--ى لكم أن
تعبدوه وال تش-- -ركوا ب-- -ه ش-- -يئا ،وأن تعتص---موا بحبل اهلل جميع-- -ا ،وأن تناص---حوا من واله اهلل
أمركم ،ويسخط لكم قيل وقال ،وإضاعة المال ،وكثرة السؤال»([.)]35
ق ال الب اجي«“ :أن تناص --حوا من واله اهلل أم --ركم» وه و اإلم ام ونواب ه؛ مبع اونتهم على احلق،
وطاعته فيه ،وأمرهم به ،وتذكريهم برفق ولطف ،وإعالمهم مبا غفلوا عنه من حقوق املسلمني،
وت رك اخلروج عليهم ،وال دعاء عليهم ،وبت أُّلف قلوب الن اس لط اعتهم ،والص الة خلفهم ،واجله اد
معهم ،وأداء الصدقات هلم ،وأن ال يطَر وا بالثناء الكاِذب ،وأن يدَعى هلم بالصالح”([.)]36
وهذا أمر مضت به سنة العلماء ،وجرت به أقالمهم يف القدمي واحلديث ،وليس مما ميكن املزايدة
فيه.
وختاًم ا ،ال بد من التنبيه إىل أن الفقهاء ينطلقون يف موقفهم من احلاكم ومن معارضته من نص وص
ش رعية ،ومن نظرة إص الحية ،تعتم د الفق ه وتس تبِعد العاطف ة ،وت راعي مقاص د الشرع وم آالت
األم ور ،وه ذا ال ذي ينبغي أن حياَك موا إلي ه ،ال أن حياكموا إىل منهجي ة ثوري ة عاطفّي ة ختطب وَّد
اجلم اهري ،وال ت راعي املقاص د .وأك رب دلي ل على ذل ك أن م ا أمجع علي ه الفقه اء من أس باب ع زل
احلاكم -وهو الكفر -ليس موجًب ا للعزل عند هؤالء ما دام احلاكم يطّب ق الدميقراطي َة ،وهذا دليل
على وجود مقّد سات للفكرة من خارج الوسط الشرعي ،وأن ملنتقدي الفقهاء مشارُب ختّص هم
وخمتربات يعرضون عليها أقواهلم ،ال يعنيها كث ٌري مما يراعيه الفقهاء يف نظرهم الفقهي ويف ُبعدهم
الشرعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([ )]8ينظر :بدائع الصنائع للكاساين ( ،)465 /9الشرح الكبري للدردير مع حاشية الدسوقي (
،)140 /4هناية احملتاج ( ،)402 /7املغين ( ،)64 /10الفروع (.)152 /6
([ )]9ينظر :فتح القريب اجمليب يف شرح ألفاظ التقريب (ص.)290 :
([ )]11ينظر :فتاوى ابن تيمية ( ،)58 /35وبدائع الصنائع (.)466 /9
([ )]19ينظر :شرح الزرقاين على املوطأ ( ،)60 /8وهناية احملتاج ( ،)367 /7الشرح الكبري
على املقنع (.)66 /20