Professional Documents
Culture Documents
المقدمة
أسباب الكتابة
من املعروف أن يف ديننا دين اإلسالم هناك اخلطابة والتبليغ والدعوة ليكون املخاطب زاد
فيهم إميانا ولو كان الكالم ما يبث أمور اإلسالم تفصيليا ,يف احلقيقة لكل منها متساوي
وقد كثرت آيات ىف القرآن الكرمي الذي يتعلق هبذا وكذا احلديث .قال اهلل تعاىل ادع إىل
سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة وجاداهم بالىت هي أحسن ...وقال رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم خاطب الناس علي قدر عقوهلم ...ويف حديث آخر قال بلغوا عين ولو اية
...
وإن كان متساويا يف احلقيقة ,هلا خصائص اليت يتميز بعضها بعض من أي جهة كانت.
.لذالك لقد أرفنا ما يفرق بينها الذي إن شاء اهلل سبأيت يف السأالت التالية
المسأالت
1
٤ما هي اخلطابة العسكرية ؟
األغراض
2
باب الثاني
البحث
.١خطابة سياسية
يقصد باخلطابة السياسية اخلطبة الىت توجه حكومة الدولة إىل وجهة معينة سواء
.يف عالقتها اخلارجية أو أعماهلا الداخلية
اخلطبة السياسية :مكونات
ليس كل خطبة سياسية مما ينال جناحا و قبوال لدى السامعني ,و كثريا ما ينصت
السامعون احرتاما للخطيب ,و لكنهم غري مقتنعني برأيه ,و جناح اخلطبة يقوم
على اإلقناع و االستمالة ,و هي بوجه عام تعتمد على عملني :تأييد رأى
اخلطيب و هدم األراء املعارضة ,ذلك ألن اخلطيب إذ يزيد رأيه ال يدع جماال
للرأى األخر أن يربز يف ذهن سامعيه بل ينفرهم منه و يطرده عنهم ,و أهم
:قواعد اجلانبني ما يلى
.١على اخلطيب أن يدرس املوضوع الذي يريد أن يتخذه موضوع خطابته ,و
يتعمق يف معانيه ليمكن أن يقدم ملستمعيه شيأ جديدا مقنعا ,مث إن هذه الدراسة
متكنه من الرد على معارضيه و تفجؤهم مببادئ و معان مل ختط بباهلم فال جيدون
قدره على ردها و االعرتاض عليها ,و جيب أن يعد اخلطيب جبانب هذه الدراسة
.عبارات خطبته الىت يوضح هبا األفكار الىت درسها
3
.٢جيب أن يكون مقتنعا باملبدأ الذى يدعو إليه فهذا اإلقناع مينحه حرارة و قوة
يف خطابة و ميده أيضا مبعان جديدة ,مث عليه أن يقدم للناس نفس األسباب الىت
اقتنع هو هبا ,و أن جيمع ىف خطابه – شأن اخلطابة عامة – بني األسباب املقنعة
و األخرى املثرية للعاصفة ,ألنه هبا يشتميل مشاعرهم ,و لكن خماطبة اجلماهري
الىت حتتاج إىل هذه اإلثارة ال تستغىن عن املنطق الذى تعتمد عليه ,و بغري ذلك
يتحمس الناس للخطيب أثناء خطابته ,فإذا انصرفوا من موقفه ال جيدون ىف
.أذهاهنم ما يغذى عاطفتهم فتكون اخلطبة ضعيفة األثر
.٣عليه أيضا أن يدرس أراء معارضيه ليفندها و يضعف تأثريها ,و هو يف هذا
يوازن بني مذهبه ومذهب األخرين املعارضني ,و يبني ما ملذهبه من مزايا و
.منافع عامة للناس وما للمذهب األخر من أضرار و قلة جدوى
و يغتفر للخطيب يف هذا أن يستعمل سخرية قليلة عارضة ,أو يرسل نكتة عابرة
للنيل من خصومه فهذا يكسبه شجاعة يف موقفه و إيهام الناس أن املذهب
املعارض مفروغ من دحضه و قلة نفعه ,و لكن ال جيوز أن يتناول خصومه من
اجلوانب الشخصية أو أن يبحث عن مغامز يف سلوكهم أو تارخيهم فهذا إسفاف
.يزرى باخلطيب نفسه و قد ينتج عكس ما يريد
.٤اخلطيب السياسي ىف أكثر مواقفه كاملناظر قلما يسلم من معارضني ,و قد
يفاجأ مبن يقاطعه يف حديث أو يبدى عليه اعرتاضا ,و هلذا جيب أن يكون رابط
اجلأش ثابت القلب حاضر الذهن فال يتزعزع هلذه املقاطعة ,و رمبا عدل إىل
جانب أخر من احلديث و ترك اعرتاض صاحبه أو رد عليه ردا غري كاف ليشغل
4
الناس حبديثه اجلديد ,و بعبارة أخرى يقابل اهلجوم عليه هبجوم أخر و هذا النوع
.قد يكفى ىف اخلطابة السياسية و لكن ال ينجح ىف اخلطب القضائية
:كذلك جيب أن تتوافر ىف اخلطيب السياسي زيادة على ما تقدم الصفات االتية
األوىل :أن يكون ذا دراية تامة بالقوانني الدولية ,و احلقوق الشخصية و املدنية
ملما بأسرار الدولة الداخلية و اخلارجية و أحواهلا املادية و األدبية لصلة ذلك
حبياة األمة يف صعودها و هبوطها فيتسىن له إظهار العدل و نصرة احلق و إدراك
.الصواب و العمل على ما فيه سعادة األمة
الثانية :أن يكون خملصا ىف حمبة وطنه ,بريئا من كل أنانية و غرض شخصى أو
حتيوز إىل نصرة إنسان أو خذالنه فال يرى إال حياة األمة وال يعمل إال للخري
.احملص
الثالثة :أن حيسن درس األمور الىت يدور عليها البحث و ميعن النظر ىف مجيع
.وجوهها ليكون حكمه على بصرية تامة بعيدا عن اخلطإ و الزلل
الرابعة :أن يكون شجاعا ذا عارضة لسنا بعيدا عن الغضب ليستطيع أن يقوم يف
.وجه معارضيه و يلزمهم احلجة
و من خطبة لإلمام كرم اهلل وجهه يبني أنه ال بد للناس من أمري حيث قال ىف
اخلوارج ملا مسع قوهلم :ال حكم إال هلل ,و لكن هؤالء يقولون :ال إمرة إال هلل,
و إنه ال بد للناس من أمري بر أو فاجر ,يعمل ىف إمرته املؤمن و يستمتع فيها
الكافر ,و يبلغ اهلل فيها األجل ,و جيمع به الفئ ,و يقاتل به العدو ,و تأمن به
.السبل ,و يؤخذ به للضعيف من القوى حىت يسرتح به بر و يسرتاح من فاجر
5
6
.٢الخطابة القضائية
اخلطابة القضائية هي الىت يلقيها وكيل النيابة أو احملامى أمام القضاء إثباتا حلق,
أو تربئه ملتهم ,أو طالبا حلكم ىف أمر من األمور العامة أو اخلاصة ,وهي ختتلف
باختالف احملاكم الىت تلقى هبا ,فقد تكون ىف أمر جناية أو أمر مدىن أو حالة من
األحوال الشخصية,وموقف اخلطيب –احملامى أو وكيل النيابة –خيتلف باختالف
.القضية الىت يتكلم فيها من حيث نوعها وأمهيتها ,واألحداث الىت بنيت عليها
7
من أراء فرعية,كما يلجأ احملامى ىف األحوال الشخسية إىل أقوال فقهاء من
.املذاهب الفقيهة الكثرية الىت ترد ىف القانون
.٣خطب الصلح
يتصل باخلطب القضائية خطب الصلح بني املتخاصمني ,و الغرض األساس منها
هو إصالح ذات بينهم ,وإزالة ما بينهم من إحن و ضغائن ,وهي من اخلطب
القضائية ألن جملس املصاحلة العرىف أو الوسيط بني اخلصوم قد حيكم على أحد
املودة مكان اخلصام ,وهذا العمل و اخلطب الىت تقال فيه ليس شيئا مستحدثا
ولكنه معروف منذ العصر اجلاهلى ,ففى أعقاب احلروب يتوسط بعض الكرباء أو
يتحملون ديات القتلى ,كما فعل هرم ابن سنان و احلارث ابن عوف ىف حرب
.داحث و الغرباء
واستمرت هذه اخلطيب ىف العصر اإلسالمى واألمو ِى ,ألن األسالم يؤثر الصلح
على القضاء ملا فيه من إزالة الشحناء ,وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
متفائال مبتهجا بااحلسن ابن على ويقول إن اهلل سيصلح به بني فئتني من
8
املسلمني ,ومع كل هذا ليس لدينا مأثورات واسعة من خطب الصلح ,والذى
وصل إلينا ليس جاريا على شريطة شراح اخلطب ومؤرخيها من حيث طوله,
فقد ذكر أبو هالل العسكرى أن الناس كانوا إذا خطبوا ىف الصلح بني العشائر
.أطالوا
ومل ترد إلينا خطبة مطولة من هذا النوع .وكان اخلطيب ىف خطب الصلح
وال نزال ىف وقتنا احلاضر حنتاج إىل هذا النوع من اخلطب ونستعمله خصوصا ىف
املنازعات الىت حتدث ىف الريف وبني القبائل ىف صعيد مصر ,وقدجيعل الواعظ
خطيبه إلصالح موضوعا عاما خلطبة اجلمعة حيث يسمعها الكثريون ,وقد تعقد
هلا جمالس خاصة حيضرها بعض الكرباء وبعض رجال احلكومة فيتداول الرأى
وتبحث األحداث أوال مث يأتى دورالوعظ ليلقي نصائحه مدعمة بااألدلة الدينية و
.العقلية
واالجتاح العام ىف خطبته الصلح أهنا تدعو إىل التسامح و العفو وترغب يف الصفح
وعدم اإلنتقام ,كما تنفر من املعارك ومن إراقة الدماء ,وقد يذكر الواعظ ىف
هذاملقام عفو رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عمن أساءو ا إليه من قومه حىت
9
الذين حاربوه ومهوا مرارا بقتله ,وهو يوم الفتح سأل عن عتبة ومعتب ابىن أىب
هلب الذى كان شديد اإليذاء له ,كما يقول مساحمة ابن حنبل كال من املعتصم
ابن عباس والواثق بعد ما ناله من تعذيبهما وسجنهما له مدة طويلة ,وقد يذكر
أن الشخص حني ينتقم من خصمه يشعر بغبطة وقتية مث يؤنبه ضمريه ويلومه على
كما يذكر أن توريث احملبة والوئام بني الناشئني والذرية الربيئة خري من توريث
الشحناء واملطالبة بالثارات ,وحياة األمن والدعة خري من حياة احلروب وطول
.٤الخطابة العسكرية
اخلطبة العسكرية هي اليت يلقيها قواد اجليوش قبل احلرب حيضون فيها اجلند علي
قتال األعداء ،والغاية منها أهناض مهه اجلند ،وإذكاء نار احلماسة فيهم ،وإثارة
النخوة واحلمية واإلقدام ،وهتوين املوت وحتسني التضحية يف سبيل الشرف
والكرامة ،وخطرها عظيم فكثرا ما يتوقف عليها إحراج النصر ،فإن اجلندى إذا
حتمس بقول الرئيس نشط للقتال وجاهد العدو غري مبال باخلطر حىت يفوز
.بإحدى احلنيني الظفر والغنيمة ،او املوت والشهادة
10
األول :أن يستنهض مهة اجلندى بأن يذكره بأن الشهيد ال يقاسي من اآلم
نزع الروح ما يقاسيه غريه بل ينتقل مباشرة بغري حساب إىل أعلى درجات اجلنة
حيث تكون أرواح الشهداء يف جوف الطيور خضر تسبح يف رياض اجلنة مث
.تأوى إىل قناديل معلقة بالعرش
مث يتذكره بأن كل إنسان سيموت عاجال أو آجال والشهيد وحده يتميز بأنه
.يظل حيا يرزق لكن يف اجلنة بدال من الدنيا
الثاين :أن يبغّض إليه العدو وميأل قلبه حنقا عليه ببيان جوره وطعمه يف االحتال
وحب السيادة علي الشعوب ،مث يذل األمر له ببيان ضعف قوته وسهولة
االنتصار عليه ،والفوز بعدده وذخائره بصدق احلملة ،واالستماتة يف القتال
.والثبات يف وجه العدو ثقة با هلل وأمال يف النجاح والظفر
:وهلذه اخلطب ثالثة صفات
األويل :أن يلقيها اخلطيب حبماس عظيم ،وانفعال شديد ليجيز يف نفس
.السامعني ما يف نفسه من الشجاعة واحلمية والنشاط
.الثانية :أن تكون واضحة يدركها اجلند بسهولة
.الثالثة :أن تكون موجزة ألن احلرب ال تدع جماال واسعا
وقد انتخبكم الوليد بن عبد امللك أمري املؤمنني من األبطال عزبانا ،ورضيكم
للملوك هذه اجلزيرة أصهارا وأختانا ،ثقة منه بارتياحكم للطعان ،وإمساحكم
مبجالدة األبطال والفرسان ،ليكون حظه منكم ثواب اهلل علي إعالء كليمته،
11
وإظهار دينه هبذه اجلزيرة ،وليكون مغنمها خالصا لكم من دونه ومن دون
.املؤمنني سواكم ،واهلل تعايل ويل إجتادكم علي ما يكون لكم ذكرا يف الدارين
واعلموا أين أول جميب إيل كا دعيتكم إليه ،وإين عندمتلقي اجلمعني حامل بنفسي
علي طاغية القوم (لذريق) فقاتله إن شاءاهلل فامحلوا معي ،فإن هلكت بعده فقد
كفيتم أمره ،ولن يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه ،وإن هلكت قبل
وصويل إليه فاخلفوين يف عزمييت هذه ،وامحلو بأنفسكم عليه ،واكتفوا املهم من
.فتح هذه اجلزيرة بقتله ،فإهنم بعده خيذلون
وهذه اخلطبة ثرية خبصائص اخلطابة احلرية ،من ناحية التعبري والتصوير
واالستمالة ،وفيها حفر للغرائم بوسائل شيت ،وتبشري بالنصر والغنائم ،ودعوة
.إيل اجلهاد ابتغاء الثواب
.٥الخطب االجتماعية
و هي اخلطبة الىت تلقى يف موضوع يهم اجملتمع و يعود عليه ببعض الفوائدو ,و
من أمثلة ذالك :أن يدعو خطيب القرية النشاء مدرسة أو ناد هبا أو يدعو
شخص يف جمتمع ما إلنشاء دار أمومة تساعد املرأة املوظفة¸أو إنشاء دار لرعاية
املسنني أو إنشاء ناد رياضي يشغل وقت الشباب و يرىب أجسامهم و غرائزهم ,و
.كل هذه إصالحات اجتماعية ,و هذه األعمال كثرية و نشيطة يف البالد الراقية
12
و خطيب املشروع االجتماعي كأى خطيب أخر البد له من درس موضوعه
درسا عميقا جيعله يدرك غايته و فوائده و يدرك ما يستدعيه نظامه و قيامه من
مشاق ,و هبذا يستطيع أن يدفع آراء كعارضيهز
:و لكي ينجح اخلطيب يف موقفه هذا يتبع هذه اخلطوات
.١يقدم ملشروعه مبقدمة مناسبةز
.٢يعرض مزايا مشروعه و فوائده ,وعليه أن يتوسع يف هذا اجلانب و يستقصيه
لريى أن نفعه يعم الفقراء و األغنياء مجيعا ,و يرفع مستوى جمتمعه ,و يسد نقصا
.فيه ,فهذا هو موضوع اخلطبة الذى هو أهم أجزائها
.٣عليه أن يذكر أمثلة هلذا املشروع و نظائر له من مشروعات أخرى كانت
رغم ما كلفت من مشقة و جهد ذات نفع عظيم تنسى مثرته كل ما بذل من
مشقاتز
.٤إعداد العبارات و تنسيق األسلوب و االستشهاد باألحداث و األحاديث و
آيات القرآن مما يدعو له اخلطيب ,ألن إدخال املوضوع االجتماعي يف الدين
جيعل املشارك فيه متطلعا إىل مثوله اهلل و إىل إدراج نفسه ىف سلسلة الصاحلني و
.رجال اإلصالح
.٥من املفيد جدا أن يستأنس اخلطيب بأعمال العظماء و املشهورين يف ميدان
اإلصالح االجتماعي ,و ما أنشؤو من مشروعات كانت يف بدايتها صغرية مث
.منت و صارت ذات نفع عظيم ,و بقيت حتمل ذكراهم و تذكر الناس بأيادهم
13
.٦خطب المحافل
و هي ما يلقى يف حفالت التكرمي ,و التأبني و املدح ,و الشكر ,و خطب
:النكاح ,و سوف نتكلم عن كل نوع بكلمة موجزة و ذالك فيما يلى
-١:خطب التكرمي
و هي الىت تلقى لتكرمي شخص أسدى إىل الناس عمال جليال ,أو كان يف منصب
و أحيل إىل التقاعد أو كان يف سفر فحضر ,إىل غري ذالك من األغراض الىت
تقتضى تكرمي بعض الناس ,و أمهية هذا النوع من اخلطابة ترجع إىل تقدير
أصحاب األعمال اجلليلة و اخلدمات االجتماعية العظيمة حىت هبم يقتدى غريهم,
يف عمل اخلري و الفضائل ,ولكن اخلطيب ىف خطبته هذه عليه أن يراعي األمور
:التالية
أن يتخذ اخلطيب من عمل خاص للمحتفى به حمورا خلطبته فيبني أثر هذا ).أ(
العمل ,و يدعو الناس إىل حماكاته أو إكماله أو ابتداع شيئ مثله فهو هبذا يكرم
مبدأ أو عمال ,و حيفر السامئني لعمل مثله ,و إذا كان للشخص املكرم عدد من
األعمال اجلليلة مر هبا اخلطيب سريعا أو سردها بإمجال مث وقف لدى عمل واحد
:أو اثنني لتحليلهما و بيان آثارمها
يقول الدكتور عبد اجلليل شلىب :وقف مجاعة من اخلطباء يرثون املرحوم الشيخ
حممود شلتوت فتحدث واحد منهم عن كتابه " اإلسالم عقيدة و شريعة" و
شرح منهجه فيه و طريقة عرضه و فهمه األحكام الفقهية ,و حتدث أخر عن
فتاواه و بني ماله فيها من آراء جديدة و كيف هتدى إىل أدلتها ,و عرض بعضا
14
منها فقال إنه ال يوافقه على ما استدل به ,و ال ما انتهى إليه فيها ,و هذا ال يضر
أبدا ,فال يعىن تكرمي الشخص حيا أو ميتا أننا نوافقه على كل رأي له ,و الثناء
على الشخص ىف هذه احلالة أو تكرميه يرجع إىل ما بذل من جهد ,و ما كان له
من ذكاء و صفات علمية و حتليل منهج الشخص الفكري هو نفسه تكرمي و إن
.مل نوافقه عليه
و ذكر ثالث تفسريه ,و رابع درسه الفقه املقارن ,و هكذا كل ذالك حسن و
.مجيل ,و منه خيرج السامعون بفائدة و تبقى بسببه ملن يكرم ذكرى
أن يكون لدى اخلطيب معلومات خاصة عن احملتفى به ,و دراية بأعمال ).ب(
قيمة له فيكشفها أو يكشف ما جيوز التحدس عنه هبا ,فهذا إذا يرفع قدر احملتفى
.به يوجه الناس إىل حماكاته أيضا
قد جينح اخلطيب إىل احلديث عن الوظيفة الىت شغلها احملتفى به ,و أنه حقق ).ج(
.كثريا منها أو قام بكذا و كذا و ينتظر من خلفه أن حيقق ما بقى
قد يبدأ اخلطيب بإلقاء عدد من األسئلة التمهيدية كأن يسال ملاذا حيتفى هبذا )د(
الشخص ؟ وما هى األعمال الىت جعلته موضع تقدير وإجالل ؟ مث يبدأ فيعرض
.أعماله
:مثال خلطبة التكرمي
دخل واعضا قرية أو جمتمعا فوجد الناس يكرمون أحد نواب اجمللس النياىب
لنجاحه ىف اإلنتخاب وهو ليس لديه معلومات وافيه عنه وال كان ىف ذهنه أن
15
خيطب ولكنه وجد امسه يعلن من البو واملكان يفسخ له فوق منصة اخلطابة فماذا
يفعل أو ماذا فعل ؟
:مما يناسب هذا املوقف على سبيل املثال شان يقول
إن املنصب النياىب ,وتبوأ أى شخص مقعدا ىف جملس الشعب ليس أمرا هينا ,إنه
أمر خطري حقا ,ال ترجع خطورته إىل ما يبذل املرشحون من جهد وعرق
ومال ,ال ,وال ترجع إىل أنه منصب خطري يعطى صاحبه حق استجواب الوزراء
والكرباء ,إنه أمر فوق هذا كله ,إنه منصب أمانة ورسالة أكثر مما هو موقف
مادة أيا كان نوع املادة,يكفى من ينجح ىف هذه االنتخابات أنه أحرز الثقة من
أبناء دائرته ,يكفى أهنم رأوه وحده دون اآلخرين موضع ثقتهم وائتماهنم وأنه
اجلدير أن يلقوا بني يديه أمانتهم ومستقبلهم ,لقد وثقوا ىف عقله وتفكريه ,كما
وثقوا ىف أمانته وضمريه ,وىف جرأته ومثابرته وعطفه عليهم وحبه هلم ...هذه
الثقة الغالية هى نفسها تكرمي وتقدير وبقدر ما نوىل نوابنا من ثقة نبىن عليهم
اآلمال ,ونتقدم هلم بكل مطالبنا وحنن واثقون مطمئنون ,ليس هذا املنصب
.تكرميا فقطا ,ولكنه أيضا مسؤلية وجهاد وكفاح لصلح الوطن واألمة مجيعا
سيدى النائب احلرتم ,إننا من قبلنا نصبناك قائدا لنا وإماما رفعناك وتواضعنا ,قد
مناك وتراجعنا ,بقى أن نطلب منك ما أملنا ,وأعتقد أننا وقفنا فيما اخرتنا ,
وهتدينا إىل احلق ىف اختيارنا ,ونسأل اهلل أن يوقفك ىف النهوض مبا يلقى عليك
.من أعباء
16
هبذا خيلص اخلطب نفسه من مسئولية الثناء على مامل يعلم ,وقد حتدث عن
.املنصب أكثر مما حتدث عن شاغله وكالمه مقبول خطبته ناجحة
-٢ :خطبة التأ بني
هى اخلطبة الىت تلقى على قرب الراحل العظيم أو املتوىف العزيز ,أو ىف حفل
.تأبيه ,أو ىف ذكرى وفاته
فيبني اخلطيب عظم الفجيعة فيه ,ويعدد مناقبه ,وجيلى آثاره ,ويواسى أهله
.وأحبابه
واملتبع أن يبدأ اخلطيب مبا يناسب املقام من آيه كرمية أو حديث نبوى ) أ (
شريف أو حكمة أو بيت من الشعر يشسر إىل زوال الدنيا ,وأن ما فيها إىل فناء
,كقوله تعاىل " كل نفس ذائقة املوت " ,كل شيء هالك إال وجهه " كل من
".عليها فان ويبقى وجه بك ذو اجلالل واإلكرام
:وكقول الشاعر
حكم املنية ىف الربيّة جارى #ما هذه الدنيا بدار قرار
:وكقول بعض األدباء
إن احلبيب من األحباب خمتلس #ال مينع املوت بواب وال حرس
#فىت يعد عليه اللفظا والنّفس وكيف يفرح بالدنيا ولذهتا
يبني ما نزل بالناس من حزن وأمل مبوت ذلك اجلليل العظيم وأن املصيبة ) ب (
قد عمت اجلميع لفقده ومل ختص أهله وحدهم
17
يتجه إىل ذكر مناقب املتوىّف وفضائله فيذكرها مث إىل آثاره الىت خلفها ىف ) ج (
.أمته فيبينها ,وأنه قد ترك ذكرا حسنا ولسانا عطرا يتحدث به الناس عنه
يسلى أهله وأقرباءه وذويه ويبني أن الكل يشار كوهنم احلزن ,ويشاطروهنم ) د (
.األسى ,وأهنم ليسوا وحدهم املصابني بل هلم شركاء ىف ذلك
حث السامعني على اقتفاء أثره ,والسري على ) ه (
مث ينتقل من هذا إىل ّ
.مناهجه ,والعمل مبثل ما عمل ,وهبذا خيتم قوله
وألفاظ اخلطابة التأبينية تكون من األلفاظ السهلة وجيب أن يكون ىف نربات
.الصوت ونغماته ما يشعر باحلزن العميق ,ويبىن عن األمل الدفني
ومن أجود ما جاء ىف خطب التأبني ماقاله على بن أىب طالب ىف رثاء أىب بكر
الصديق رضى اهلل عنه إذ وقف يناجيه يوم وفاته وقال " :رمحك اهلل أبا بكر :
كنت و اهلل أول القوم إسالما ,وأخلصهم إميانا ,وأشدهم يقينا ,وأعظمهم
غىن ,وأحفظهم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ,وأعضمهم غىن ,
وأحفضهم على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ,وأحدهبم على اإلسالم
وأمحاهم عن أهله ,وأشبههم برسول اهلل خلقا وفضال وهديا ومستا فجزاك اهلل
عن اإلسالم وعن رسوالهلل وعن املسلمني خريا ,صدقت رسول اهلل حني كذبه
التاس ,وواسيته حني خبلوا ,وقمت معه حني قعدوا ومساك اهلل ىف كتابه صديقا
فقال ":والذى جاء باحلق وصدق به" كنت واهلل لإلسالم حصنا
18
وللكافرين ناكيا مل تضلل حجتك و مل تضعف بصريتك ,و مل جتنب نفسك ...
كنت كما قال رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم ضعيفا يف بدنك قويا يف دينك,
.متواضعا يف نفسك عظيما عند اهلل جليال يف األرض كبريا عند املؤمنني
.٣ :خطب املدح و الشكر
و هي ما تلقى متضمنة ذكر مناقب و صفات املمدوح إعالء لشأنه ,و تشريفا
.له ,أو إلظهار شعوره حنوه ,وما يكنه له إجالل واحرتام
:و املنهج العلمى هلا ما يلى
.١ذكر ما يتحلى به املمدوح من سجايا و صفات و أخالق رفعته إىل هذه
.املنزلة الرفيعة
.٢يبني أياديه البيضاء على اجلماعة الىت يعيش فيها و فضله إن كان له عليها
.فضل
.٣ليس هناك مانع من أن يذكر ش ِرف نسبه و فضل أسرته و كرمها و مكانتها
بني الناس ,هذا إذا كان املمدوح ممن هلم شرف ىف النسب ,فإن كان من
.العصاميني ذكر صفاته الشخصية و أخالقه و منزلته العلمية
و خطب الشكر يسري فيها اخلطيب أيضا على هذا املنهج و يزيد عليها النغمة الىت
غمره هبا املمدوح وقتها ,و أهنا جاءت عفوا من غري طلب و يدعو أخريا لصانع
.اجلميل و صاحب النعمة
.٤ :خطب النكاح
19
هي ما تلقى يف مناسبة عقد القران و النكاح و أكثر ما نستعمله حنن األن بعد أن
يتم عقد القران ليكون هتنئة للزوجني و ألسرتيهما ,و كانوا قدميا يستعملونه قبل
إجراء العقد جيعلونه إعالنا من الزوج و أله ,و رغبة يف األصهار إىل أل الزوجة,
و كانت العادة اجلارية ,أن يطيل اخلاطب و يقصر اجمليب من أل الزوجة ,
واخلاطب أو من ينوب عنه هو الذي يبدأ مث جييب أل اخلطيبة أو ال جيبون ,و
خطبة النكاح يف أيامنا هذه ال مشقة فيها عند من تدرب على اخلطابة ,غري أنه
قد اثر عن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه أنه قال " :ما يتصعدىن كالم كما
تتصعدين خطبة النكاح" وسئل عبد اهلل بن املقفع عن هذاالقول فقال "ما أعرفه
إال أن يكون أراد قرب احلدق من أجواف احلدق و أنه إذا كان جالسا معهم
.كانوا نظراء و أكفاء ,فإذا عال املنرب صاروا كأهنم سوقة و رعية
و قال اجلاحظ "يرجع إىل أن اخلطيب ال جيد بدأ من تزكية اخلاطب فلعله كره أن
ميدحه مبا ليس فيه فيكون قد قال زورا" و مل يرض اجلاحظ هذا التعليل ألن عمر
و أمثاله لك يكونوا ليمتدحوا شخصا إال مبا هو فيه ,و مل يكونوا ليتكلفوا
ذلك ,و هبذا يكون اجلاحظ قد قبل قول ابن املقفع ,و لكن عمر و أمثاله أيضا
مل يكن يرهقهم نظراحلدق من أجواف احلدق ,وال اخلطبة من جلوس فيمن
.يساووهنم
:و يتميزخطب النكاح مبا يأتى
.١.ابتداؤها دائما حبمد اهلل و الثناء عليه
20
.٢الثناء على العروسني مبا فيهما من صفات كرمية و خصال محيدة ,وما هلما
.من أصل كرمي و حسب عظيم
.٣توصية كل من الزوجني باألخر بأن يراعى كل منهما حقوق الزوجية و
واجبتها وأن حيسن العشرة و الصحبة فان الزواج سكن و طمأنينة و مودة و
.رمحة
.٤اإلجياز و القصر إال إذا اقتضى املقام اإلطناب ,و قد كان لبعض اخلطباء
عبارات موجزة يكررها عند احلديث عن الزواج و عقد النكاح كقول احلسن
البصرى بعد محد اهلل و الثناء عليه : :أما بعد فإن اهلل مجع هبذا النكاح األرحام
املنقطعة و اإلنساب املتفرقة ,و جعل ذلك ىف سنة من دينه و منهاج واضح من
أمره ,و قد خطب إليكم فالن و عليه من اهلل نعمة ,و هو يبذل من الصداق
".كذا ,فاستخريوا اهلل وردوا خريا يرمحكم اهلل
و من خطب النكاح املشهورة خطبة أيب طالب عم رسول اهلل صلى اهلل عليه و
سلم عند زواج رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم من السيدة خدجية رضي اهلل
:عنها و فيها يقول
احلمد هلل الذي جعلنا من ذرية احلمد هلل الذي جعلنا من ذرية إبراهيم و زرع "
إمساعيل ,و جعل لنا بلدا حراما ,و بيتا حمجوجا ,و جعلنا احلكام على الناس ,مث
إن حممد بن عبد اهلل ابن أخي من ال يوازن به فىت من قريش إال رجح عليه برا و
فضال ,و كرما و عقال ,و جمدا نبيال ,و إن كان ىف املال قل فإمنا املال ظل زائل و
21
عارية مسرتجعة ,و له ىف خدجية بنت خويلد رغبة و هلا فيه مثل ذلك وما
.أحببتم من الصداق فعلى
و قد كان يقع ىف خطاب النكاح من النوادر املضحكة الشيء الكثري من ذلك ما
أورده صاحب البيان و التبيني من أن مصعب بن حيان قد هتيأ إللقاء خطبة مث
حصر و ارتج عليه و مل جيد شيأ يقوله فقال " :لقنوا موتاكم قول ال إله إال اهلل"
"!فقالت أم الفتاة :عجل اهلل موتك أهلذا دعونك
22
باب الثالث
االستنباط
:قسم العلماء اخلطابة باعتبار موضوعاهتا إىل األنواع األتية
.١خطابة سياسية
.٢خطابة قضائية
.٣خطابة عسكرية
.٤خطب الصلح
.٥خطابة اجتماعية
.٦خطابة حفلية
23