You are on page 1of 2

‫أستاذ المادة‪ :‬بلعليــاء محمد‬ ‫‪2021 / 2020‬م‬ ‫السنة الثالثة ( فقه وأصول )‬ ‫محاضرات في الفقه الجنائي‬

‫المحاضرة األولى‪:‬‬
‫مفهوم الجريمة وأساس التجريم والعقاب في الفقه اإلسالمي‬
‫أوال‪ :‬مفهوم اجلرمية والفرق بينها وبني اجلناية‬
‫‪ .1‬تعريف اجلرمية‬
‫أ‪ /‬يف اللغة‪ :‬من اجلرم‪ ،‬وهو مبعىن التعدي والذنب‪ ،‬وجاء يف القرآن اشتقاقات ملادة (جرم) منها قوله تعاىل‪(( :‬وَل َْي ِرمنَّ ُك ْم شنآ ُن‬
‫وت فِيها وَل َْيي)) طه‪ 74/‬وقوله‪(( :‬ي وُّد الْ ُم ْج ِرُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ق ْوم على أََّل ت ْعدلُوا)) املائدة‪ ،8/‬وقوله‪(( :‬إِنَّهُ م ْن َيْت ربَّهُ ُُْم ِرًما فِإ َّن لهُ جهنَّم َل َيُ ُ‬
‫اب ي ْوِمئِ ٍذ بِبنِ ِيه)) املعارج‪ .11/‬فكل هذه اآلايت تدور معانيها حول‪ :‬الذنب واملخالفة‪ ،‬واحلمل على الذنب‪..‬‬ ‫لو ي ْفت ِدي ِمن عذ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فكلمة "جرَية" تطلق على كل عمل خمالف ألمر هللا وُمانب للصواب واحلق والعدل‪.‬‬
‫ب‪ /‬يف االطصلاح‪ :‬قال املاوردي يف األحكام السلطانية هي‪" :‬حمظورات شرعية زجر هللا عنها حبد أو تعزير"‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫‪ -‬حمظورات شرعية‪ :‬احلظر هو املنع والتحرمي من قبل الشارع‪ ،‬ويشرتط لتوافر وصف احملظور الشرعي عدة شروط هي‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون هناك تكليف شرعي‪ ،‬أي أمر أو هني من الشارع للمكلف‪.‬‬
‫‪ -‬أن يصدر عن املكلف سلوك إَيايب خيالف به ما هنى عنه الشرع‪ ،‬أو سلوك سليب خيالف به ما أمر به الشرع‪.‬‬
‫‪ -‬أَل يكون هناك نص يبيح استثناء السلوك املذكور‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتطابق السلوك املرتكب مع السلوك احملظور‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون مصدر احلظر هو الشرع َل العقل‪.‬‬
‫‪ -‬زجر هللا عنها حبد أو تعزير‪ :‬الزجر هو املنع والنهي‪ ،‬وقد تضمن هذا اجلزء من التعريف إشارتني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬تتعلق بلفظ اجلاللة (هللا) وهذا مفاده أن مصادر الزجر يف الشريعة اَلسالمية هي القرآن والسنة أو ما يصدر عن ويل‬
‫األمر (التعازير)‪ .‬اإلشارة الثانية‪ :‬تتعلق بلفظ (احلد أو التعزير)‪ :‬وهذا يدل على أن الزجر عن احملظورات يكون بعقوبة احلد أو‬
‫بعقوبة قصاص أو دية أو بعقوبة تعزيرية‪ .‬ومنه نستطيع إعادة صياغة التعريف كما يلي‪:‬‬
‫"اجلرائم حمظورات شرعية زجر هللا ورسوله و ويل األمر عنها‪ ،‬بعقوبة حد أو قصاص أو تعزير"‪.‬‬
‫‪ .2‬تعريف اجلناية‬
‫أ‪ /‬يف اللغة ‪:‬هي اسم ملا َينيه املرء من شر اكتسبه‪ ،‬فيسمى مكتسب الشر جانيا‪ ،‬والذي وقع عليه الشر ُمنيا عليه‪.‬‬
‫ب‪ /‬يف االطصلاح الشرعي‪ :‬فتستعمل ملعنيني إحدامها عام واآلخر خاص‪:‬‬
‫فاجلناية مبعناها العام ‪:‬هي كل فعل حمرم شرعا سواء أكان يف مال أم نفس‪.‬‬
‫أما اجلناية مبعناها اخلاص‪ :‬فهي‪ :‬كل اعتداء على بدن اإلنسان مبا يوجب قصاصاً أو ماَلً (الدية)‪.‬‬
‫خنلص من هاذين التعريفني إىل ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬اجلناية مبعناها العام َل ختتلف عن معناها اللغوي‪.‬‬
‫‪-‬اجلناية مبعناها العام َل ختتلف عن اجلرَية اصطالحا‪ ،‬فكالمها يطلق على كل ما هو حمرم شرعا‪.‬‬
‫‪-‬بني لفظ اجلناية مبعناها اخلاص ولفظ اجلرَية عموم وخصوص‪ ،‬فاجلناية هي اجلرَية العدوانية على بدن اَلنسان (ابلقتل أو‬
‫اجلرح)‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫أستاذ المادة‪ :‬بلعليــاء محمد‬ ‫‪2021 / 2020‬م‬ ‫السنة الثالثة ( فقه وأصول )‬ ‫محاضرات في الفقه الجنائي‬

‫‪-‬اجلرائم موجبة للحد والتعزير‪ ،‬واجلناية موجبة للقصاص أو الدية‪.‬‬


‫التعريف املختار للجناية هو أهنا‪" :‬االعتداء على بدن اإلنسان مبا يوجب قصاطصاً أو ماالً"‪.‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫‪-‬االعتداء‪ :‬التعدي أي ُماوزة احلق‪ ،‬وخرج بهذا القيد‪ :‬اإلتالف املشروع كالدفاع عن النفس والقصاص إقامة للحدود‪..‬‬
‫‪-‬على بدن‪ :‬خرج بهذا القيد التعدي على األعراض واملمتلكات فال يسمى جناية‪.‬‬
‫واَلعتداء على األبدان قد يكون على النفس (القتل أبنواعه)‪ ،‬وقد يكون على ما دون النفس (اجلراح)‪ ،‬أو على اجلنني‪.‬‬
‫‪-‬اإلنسان ‪ :‬خرج بذلك التعدي على احليوان واجلماد ‪ ،‬فإنه َل يدخل يف ابب اجلناايت‪ ،‬وإمنا يف ابب الضمان‪.‬‬
‫‪-‬قصاطصاً ‪:‬وذلك يف اجلناية العمدية سواء أكانت على النفس أو على ما دونها ‪.‬‬
‫‪ -‬أو ماالً ‪ :‬وهو الدية ‪ ،‬وذلك يف حال اخلطأ أو شبه العمد ‪ ،‬أو يف حال العمد إذا عفا ويل القصاص ‪.‬‬
‫وخرج بهذا القيد احلدود فإنها َل توجب قصاصاً وَل ماَلً ‪ ،‬وإمنا فيها الرجم أو اجللد أو القطع ‪.‬‬
‫خنلص يف األخري إىل أن فقه اجلناايت يقصد به‪" :‬جمموعة القواعد واألحكام املتعلقة ابجلناايت وعقوابهتا"‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬أساس التجرمي والعقاب يف الشريعة اإلسامية‬
‫‪.1‬نظرية الشريعة يف التجرمي‪( :‬أساس اعتبار الفعل جرمية)‪:‬‬
‫جاءت أحكام الشريعة اإلسالمية ‪ -‬يف عمومها‪ -‬لتحقيق مصاحل اخللق‪ ،‬لذا اعتربت كل أمر َل َيقق تلك املصلحة سواء جبلب‬
‫منفعة أو دفع مفسدة َل قيمة له يف نظرها‪ .‬فأساس اعتبار الفعل ‪ -‬أو الرتك‪ -‬جرَية يف الشريعة يرجع إىل ما يف ذلك الفعل ‪-‬أو‬
‫الرتك‪ -‬من ضرر ابجملتمع أبي صورة هتدد سالمته و أمنه و استقراره وعقيدته‪ ،‬وكذا كل ضرر ابلفرد يكون ابلتعدي على مصاحله‬
‫اليت حترص الشريعة على حتقيقها واحملافظة عليها‪ ،‬وهذه املصاحل هي املتعلقة أساسا ابلدين والنفس والعقل والنسل واملال‪ ،‬فكل‬
‫عمل فيه اعتداء على مصاحل األفراد أو فيه إضرار ابجملتمع يعد "جرمية شرعية"‪.‬‬
‫‪.2‬نظرية الشريعة يف العقاب ‪ :‬يالحظ أن األصول اليت تقوم عليها العقوبة يف الشريعة ترجع إىل أصلني أساسيني أو مبدأين‬
‫عامني مها‪( :‬محاية اجملتمع من اجلرَية‪ ،‬واَلهتمام بشخصية اجملرم)‪ .‬وَل جدال يف أن بني املبدأين تضارابً ظاهراً؛ ألن محاية‬
‫اجلماعة من اجملرم تقتضي إمهال شأن اجملرم‪ ،‬كما أن العناية بشأن اجملرم تؤدي إىل إمهال محاية اجلماعة‪.‬‬
‫إَل أن السياسة العقابية يف النظام اإلسالمي قامت ابجلمع بني هذين املبدأين‪ ،‬وذلك حبماية اجملتمع من اإلجرام يف كل األحوال‬
‫مع العناية بشخص اجملرم يف أكثر األحوال‪ ،‬وبذلك تكون الشريعة قد أزالت التناقض الظاهر بني املبدأين‪.‬‬
‫فنجد أن مببدأ محاية اجلماعة على اإلطالق يستوجب تطبيق العقوابت املقررة لكل اجلرائم‪ ،‬فكل عقوبة َيب أن تكون ابلقدر‬
‫الذي يكفي لتأديب اجملرم على جرَيته أتديباً َينعه من العودة إليها ‪-‬الردع اخلاص‪ -‬ويكفي لزجر غريه عن التفكري يف مثلها –‬
‫الردع العام‪ ،-‬فإذا مل يكف التأديب شر اجملرم عن اجلماعة أو كانت محاية اجلماعة تقتضي استئصال اجملرم وجب استئصال اجملرم‬
‫أو حبسه حىت املوت‪.‬‬
‫أما مبدأ العناية بشخص اجملرم فقد أمهلته الشريعة بصفة عامة يف اجلرائم اليت متس كيان اجملتمع؛ ألن محاية اجلماعة اقتضت‬
‫بطبيعتها هذا اإلمهال‪ ،‬واجلرائم اليت من هذا النوع قليلة وحمدودة بطبيعة احلال‪ ،‬وما عدا ذلك من اجلرائم ينظر يف عقوبته إىل‬
‫شخصية اجملرم‪ ،‬تستوجب الشريعة أن تكون شخصية اجلاين وظروفه وأخالقه وسريته حمل تقدير القاضي عند احلكم ابلعقوبة‪.‬‬

‫‪2‬‬

You might also like