Professional Documents
Culture Documents
06/02/2008
د .محمد محمد المفتي
يعود بناء قلعة طرابلس إلى العصر الروماني .وكان يطلق عليها أحيانا إسم لِحصار
واآلن تغلب تسميتها بالسراي ..وقديما كان يحيط بالقلعة خندق متصل بالبحر ،كما
نستشف من تقرير لوفد فرسان القديس يوحنا يقول ’’ :طرابلس صافية االديم و
هواؤها صحي و هي غير معرضة لإلمراض السارية و يبلغ محيط سورها 3728
خطوه ثلثاه يطل على البحر و الثلث األخر يشرف على البحر ,و يحيط بالقلعة خندق
عرضه 44خطوة و عمقه قصبتان ‘‘ .وقد ردم الخندق في أوائل القرن .18
ومدينة طرابلس القديمة ،كانت مدينة مس ّورة ،ذات بوابات ..منها باب المنشية وباب الخندق وباب
البحر وباب زناتة ،والباب الجديد الذي فتح سنة 1870وكانت األبواب تقفل بعد الغروب .وإضافة إلى
ذلك كان للمدينة أبراج أو حصون ،ذكر منها المؤرخون حصون الشعاب والحميدية والكرمة والدباغ
وحصن دار البارود والتراب والهدار وحصن المندريك حيث موقع الفنار .
يصف الرحالة األلماني رولفس طرابلس سنة 1869فيقول ’’ :يحد البحر طرابلس من جهتي الشمال
والشرق وهي على شكل مخمس تقريبا ويحيط بالجوانب الثالثة األخرى سهل من الرمال األسوار منحدرة
ومرتفعة منحدرة ,ولو إنها اآلن تكاد تكون متداعية .في الزاوية الشمالية الشرقية توجد القلعة ...ورغم
أن المدينة تبدو من بعيد وكأنها متماسكة وحصينة إال إنها ليست قوية .والمرفأ الواقع في شرق المدينة
\.]i
محاط بالريف ويسير موازيا للشاطئ‘‘[
وفي خريف 1818مر بطرابلس الرحالة اإلنجليزي جون ليون ،في بداية رحلته إلى مرزق ،وفي
\ منازل كثيرة الستقبال التجار
مذكراته ترك لنا شذرات وصفية للحياة في مدينة طرابلس آنذاك’’ :وهناك
وتسمى فنادق .ولليهود حي خاص بهم ..وهم يحتكرون مختلف السلع ويغنمون من وراء ذلك الكثير ..
ويلبسون عمائم زرقاء .وهناك عدد من المدارس ..لكن اإللمام بالقراءة والكتابة ليس أمرا ضروريا ..
ويشغل المماليك المجلوبين من جورجيا وشركسايا ،أعلى المناصب .ووصل أحد المماليك ويدعى
مراد ريس ،وهو من مواليد اسكتلنده
\ والصورة إلى وظيفة قائد األسطول‘‘.
المرافقة لقرار بخط القبطان مراد إلى
التاجر حسن الفقيه حسن ،وتحته
مدونة يقول فيها حسن الفقيه ’’ :وقع
احساب بيننا وبين محبنا القبطان مراد
رايس وتخالصنا إحنا ويّـاه ،وال بقيت
\ [.]ii
بيننا وبينه ال دعوي وال حجة ‘‘..
\ العامة
ويمضي ليون’’ :والحمامات
موجودة في طرابلس لكنها ال تتميز
بالفخامة ..وأجر الحمام دون صابون
يساوي ما قيمته خمسة بنسات وهو
مبلغ كبير نسبيا .ويرتاد الرجال
الحمامات في الصباح وتأتيه النسوة في
المساء‘‘.
وفي عصر يوسف باشا القرمللي ،م ّر الرحالة اإلنجليزي الشاب آلكسندر ليـنج بطرابلس ،في طريقه إلى
تمبـكتو عاصمة الذهب األسطورية في العصور الوسطي .ولقي ليـنج حتفه في طريق عودته وكان
لوفاته المأساوية انعكاساتها على عالقة القنصل البريطاني مع يوسف باشا والتي أدت بدورها إلى تدهور
العالقات بين بريطانيا والباشا.
يصف ليـنج طرابلس .. ’’ :تقع مدينة طرابلس ,بما خلفها من نخيل باسق وأشجار تين ذات أوراق
عريضة وأشجار التوت والزيتون المنتشرة إلى مسافات بعيدة ,على رقعة من األرض منبسطة قريبة من
حافة الماء .والناظر إليها من البحر يشاهد منظرا رائعا ,تبدو فيه جميلة قوية ومتينة التحصين ,
ويشاهد األعالم القنصلية مرفرفة في الهواء والمآذن الطويلة لمختلف المساجد .ولكن هذه الصورة تتغير
عندما يهبط المرء من السفينة إلى اليابسة ,فالشوارع فيها ضيقة ,و الجدران سيئة البناء يصيبها
التصدع .أما قلعة الباشا ,فهي بانفصالها الكلي عن بقية تحصينات المدينة مصممة كحصن دفاعي ضد
األعداء األجانب والمحليين .غير أن العدو يمكنه بقليل من قطع المدفعية ومعدات المنجنيق أن يحدث فيها
ثغرة .ويمكن االستيالء على طرابلس رغم مظهرها وما فيها من مدافع‘‘.
’’ يمتاز الريف المحيط بطرابلس بالمزروعات الممتدة إلى مسافات واسعة ,وهومقسم إلى بساتين جميلة.
والتربة شديدة الخصب والعطاء نظرا لطبيعة تكوينها من الطفل الممزوج بالرمل ,وتنتج محاصيل القمح
والشعير باإلضافة إلى كل نوع من أنواع الفواكه التي تجود بكميات وفيرة .وهنالك البلح والزيتون والتوت
الذي يفيض بفاكهة كثيرة .وفي كل بستان بئر لري المزروعات ,وتعتبر طريقة سحب الماء من البئر
\
سهلة وفعالة بالعجل والبكرات‘‘.
’’وأكثر ما يلفت النظر فيها أخالق سكانها وعاداتهم فهي تشبه عادات وأخالق األتراك في البلدان األخرى.
وال يصعب على المرء في الشارع مالحظة ما يتميز به الناس من هدوء وحسن سلوك وتصرف ونظام.
وهم يعاملون األجانب بأدب واحترام ولطف .وقد شهدت بنفسي مرحهم الصاخب خالل أعيادهم ,ولكنهم ال
صور سلوكهم كما لو كان متعصبا ضديتسببون في ضرر ألحد .وال بد من القول بأن النقيب اليون قد ّ
المسيحيين .ولكنهم أفضل األتراك وأكثر منهم تسامحا .ومما يدعو لألسف أن معظم المسيحيين المقيمين
\. ]iiiفي طرابلس هم من اللصوص والمجرمين الذين لو كانوا في بلد أوروبي لحلت بهم عقوبة اإلعدام‘‘[
’’ أما تاريخ البالط ومكائده في هذا البلد فيزخر بالقصص ,وقد سمعت خالل إقامتي القصيرة تفصيالت لو
قدمت لقصاص لحاك منها أروع الروايات‘‘.
وفي ما بعد مر بطرابلس الرحالة رولفس إبان العهد العثماني الثاني ،ووصف المدينة أو ما نسميه اليوم
\ السكان في طرابلس حوالي 18000نسمة ويبلغ عدد المدينة القديمة بتفصيل أكبر ،فقدّر..’’ عدد
النصارى بينهم 3000وعدد اليهود .4000وتنقسم المدينة إلى خمس حارات ,اليهود في الحارة
\ كما يشير إلى أن السلطاتالشمالية الغربية ,أما الحارة الواقعة على البحر يسكنها غالبا النصارى‘‘.
كانت قد بدأت ’’ تبليط بعض الشوارع وتزويدها بالفوانيس .ومنذ القدم تمتعت طرابلس بهذا الصيت فقد
وصف ليون اإلفريقي بيوتها بأنها جميلة إذا ما قورنت مع بيوت تونس .وتتألف بيوت المسلمين في
الغالب من طابق واحد مطلية باللون األبيض ,وجميعها ذات سطوح مستوية .وفي وسط كل بيت فناء
كبير ,ومدخله ممر متعرج به مصطبة حجرية حيث يستقبل رب البيت زيارات العمل .وتطل جميع الغرف
على الفناء وهي دائما طويلة وضيقة .وفي كل بيت صهريج ( ماجل ) يجمع فيه من السطح ماء المطر
\
العذب .أما ماء البئر فيستخدم في الغسيل وغالبا في الطبخ‘‘.
ومن األبنية العامة في طرابلس قصر الباشا .وهو مبنى غير منتظم ,خالي من أي فن معماري وهو ثكنة
وسكن للحريم ,ويضم العديد من منازل الموظفين‘‘.
’’ هناك خمس جوامع بالمدينة ،وكنيستان إحداهما كاثوليكية والثانية أرثوذكسية .ولدى الرهبان مدرسة
ألطفال األهالي المسيحيين .ويضم الدير مستشفى .وليس للعثمانيين سوى مستشفى عسكري واحد يقع
خارج المدينة‘‘.
’’ ..وتوجد دكاكين أوربية كبيرة حيث يمكن شراء كل شئ .وهناك شوارع للنجارين والصاغة والسراجين
والحدادين ..الخ .كما توجد ثالث صيدليات .وينعقد أسبوعيا سوقان خارج المدينة وهما سوق الثالثاء
أمام الباب الجنوبي للمدينة وسوق
الجمعة أمام الباب الغربي ويجتمع فيهما
أالف األشخاص من جميع أرجاء اإليالة
،وهذه األسواق في غاية الطرافة .ولم
يعد يباع الرقيق علنا
قد تبدو مدينة طرابلس القديمة اليوم مجرد حارة صغيرة .لكنها بأحيائها الخمسة وأسواقها المسقوفة
ومساجدها ،كانت توفر سكنا لعشرين ألف نسمة .وكان حي باب البحر منطقة للجاليات المسيحية من
طليان ومالطيين ويونانيين ،وبه كانت القنصليات األجنبية.
قد تبدو طرابلس في كتابات الرحالة باردة ودون حياة .لكن من يقرأ يوميات حسن الفقيه حسن الذي
عاصر أواخر العهد القرمللي ،فإنه سيجد فيها شيئا أشبه بالفقرات التلفزيونية أو سيناريو األفالم التي
تنبض بالحياة بكل مظاهرها .والفقرات التالية مختارات من تلك المدونات بأرقامها كما وردت في الكتاب
المحقق .يقول حسن الفقيه حسن:
’’ ..أيضا يوم الخميس ..توجه الرايس محمد قره باش من المحروسة طرابلس غرب إلى بنغازي
\
ومعاه الحاج ابراهيم النوفلي من شان قضية أوجلة ؛ ألنه أخبرونا :ناضوا على عيلة الفضيل .‘‘..
’’ قدموا علينا خياله من غريان وأخبروا سـيدنا – دام عزه – بأن عرب غريان هدت على سيدي على
باي :سـبـيب وتريس ..بشتكوا من الشيخ ومن الكاتب متاعهم الفقيه بلقاسم .وأما الوطن متهني
والسالم‘‘ [[.]1328]iv
’’ أيضا يوم الخميس رفعوا بِـيان [مهر] ولد حواء العلجية من الحصار [القلعة] –– على بنت سيدي
محمد باي قرمانلي بالسانية ,ومشوا معاه مخازنية و 5من خدم سيدنا – دام عزه – ولن معاهم طبالة
وال زمزامات وال غيره ،وذلك ألجل جابوا خبر مسعود بن عامر ونسيبته مسعودة شرتع اللي توفوا في
بـر الحجاز‘‘ [.]1374
’’ اجتمعوا القناصل ..بحوش القنصل الفرنساوي وعملوا ديوان من أجل المراكب التي جاءت من
سكندرية ؛ واخبروا أن في مصر ونواحيها وسكندرية مرض كثير .واتفقوا على تطريد المركب ,وبعده
توجهوا إلى سيدنا جملة إلى الحصار وتكلموا معاه ..وبيتوا [قرروا] :على انه يبغوا يطردوهم على يد
سيدنا‘‘ [.]1375
’’ يوم االثنين قدم علينا رقاص من فزان وأخبرنا :بأن فزان ملكوها أوالد سليمان الذين مع الشيخ عبد
الجليل . ]1379[ ‘‘ ..
’’ أيضا يوم األربعاء قدموا علينا جوز خياله من سيدي على باي وبيدهم جوابات وأخبروا بأنهم وقعت
عندهم عركة وصار الموت من مصراته والساحـل وزليطن وغيره من العربان ..ويبغى الباي بارود ..
ويبغى الناس طبجية ..وربنا يصلح األحوال‘‘ [.]1416
’’سافر الرايس محمود ولد قميرة من محروسة طرابلس غرب إلى بنغازي ,وأرسلنا معاه عدة أوراق إلى
سيدي الباي خليل وإلى أخينا الحاج محمد بيت المال وغيره ,وأرسلنا مع الرايس المذكور عباءة وزنبيل
فلفل من عند بن شوشان إلى بوشناف بن دخيل ,وأيضا مع المذكور ثالثة حوالي [جرود] ..إلى حوش
الرايس عمر يبغوهم للبيع :أما حولي الكشنيلية يبغوا بحقه صابون ,واآلخرين سعر ½ 3يبغوا بيهم
سمن ,والحوالي المذكورين أرسلناهم إلى الحاج حسن الكعامي وكتبنا جواب إليه في تسليم الدراهم التي
\ [.]1452
لنا إلى عبد الرحيم‘‘
’’ يوم الجمعة ع ّيـ ْدنا العيد الكبيرة ,وتوجهنا نحن وجماعة البالد مع سيدي الحاج أحمد بن لطيف شيخ
البالد إلى سيدنا – دام عزه – وع ّيدنا عليه ..ورحنا إحنا والشيخ ورفع الجماعة إلى حوشه وحط لهم
حالوات وقهوة وشربات ,وبعدها توجهنا معاه إلى حوش سي محمد الدغيس وإلى مصطفى قرجي رايس
المرسى والسالم‘‘ [.]1509
’’ يوم األحد أرسلت لنا لال مريومه حريم سيدنا – دام عزه – وذلك مع روزا الذمية تقول :لال تسلم عليك
وقالت لك :فاطمة الخادم التي سابقا هاربة [ ،موجودة] عندها [ ..إن] كان معتوقة أعطيها عتقها وإن
كان هي مملوكة نعطيك ثمنها ؛ فقلنا لها :هي معتوقة لرب العالمين .وبعد ذلك عطينا عتقها بيد شيخ
البالد وأرسلتها لها على يد على الوصيف [الخادم الزنجي] [.]1515
’’يوم السبت ...وبحساب الروم في 28من مايو سنة 1831وقعت فيشطة متاع الراي [ملك]
االنقليــز عند القنصل االنقليز وعمل بدكان جانبوبه الرومي المالطي ثالثة بتاتي شراب وتينده قدام
الدكان ,والبنديرة االنقليزية فوق الدكان ,ونبه القنصل المذكور على جميع النصارى السدتو متاعه :كل
واحد يأخذ بوتيلية شراب ,والذي عنده فاميليه يأخذ على عددهم .وتوجهوا إلى القنصل جميع القناصل
الذين بطرابلس غرب ,وكذلك فيه ناس مسلمين توجهوا إليه وباركوا له وفرح بهم غاية األفراح والسرور
هو وإبنه فادريك وأرسل إلى سيدنا – دام عزه – وطلب منه أربعة مدافع من متاع المحالت ألجل
يضربوهم ,فعطاه سيدنا أربع مدافع بكراريصهم جابوهم إلى البحر قدام الكشك ،جابوهم طبجية القاجيجي
وطلقوهم وروحوا بيهم والسالم‘‘ [.]1308
’’أيضا يوم األحد ...قبل العصر ,توجه محبنا سيدي الحاج محمد بيت المال من محروسة طرابلس غرب
الى بنغازي في سكونة [مركب] قبطان مراد رايس ,وأرسلنا مع محبنا الحاج محمد بيت المال جوزين
دبالج فجرة الى محبنا الحاج حسن لكعامي ..وأعطينا ناولون قمح وشعير ..هذا تمام أمانته – وربنا
يحمله بسالمة – بتاريخ أعاله‘‘.]1355[
’’ وقع عند لال الجهانية مرض كثير – وهي لها أيام وهي مريضة – وحولوها من الحصار [ القـلعة ]
وهي مريضة ,وعيطوا عليها ليلة السبت المذكور وبعده فاقت .ويوم السبت المذكور في ساعتين ونصف
من االثنى عشر ساعة بعد الطناش توفت وسارت الى عفواهلل – رحمة اهلل عليها وعلى جميع المسلمين –
توفت بسانية سيدنا – دام عزة –والحرامات معاها كلهم .ودفنت يوم السبت المذكور أعاله عن العصر في
سيدي الشيخ الشعاب ..محاذية قبة لال حويوة ,وعتقوا عليها عبيد وخدم ..ومشت مخازنية معاها وأهل
البالد ,ومشينا الى سيدنا ..ومشينا مع الجنازة وروحنا قبل المغرب بنصف ساعة‘‘.
’’ ليلة الجمعة 14ربيع أول 1246هـ ،تغيرت القمر نحو ساعتين وبعده انجلت‘‘ [.]1180
’’يوم الثالث عند العصر انزاد فيه وليد الى سيدي إبراهيم باي قرمانلي – يكون بالبركه عليه‘‘ [.]1238
’’ بعثنا مع الرايس عبد اهلل حفيض من محروسة طرابلس غرب الى بنغازي الى سيدي الباي خليل وغيره
:عشرة خوابي زيت ,وكذلك برسيل تمر للباي من عند بن رمضان هدية ..وجوز صناديق متاع منصور
عبيدة‘‘ [ ]v[]1251
تـجــــارة الصحراء
كانت أهم السلع التي قامت عليها تجارة الصحراء ،جلب الرقيق والذهب الى الشمال ،ونقل الملح الى
الجنوب أو بالد السودان (حاليا السودان وتشاد) .وكانت القوافل تعود الى الشمال بالعاج وريش النعام.
وكان الملح سـلعة هامة تصدرها ليبيا الى بالد السودان ،وفي العصور األولى كان يبادل بوزنه ذهبا
أحيانا.
كما كانت هناك مبادالت أقل حجما وربحا ،مثل الصوف والقطران واألغنام والجلود من برقة ،وتمور أوجلة
الشب المستعمل في دبغ الجلود وتثبيت األصباغّ ،ولوز الجبل األخضر ،والتمور الفزانية .ومن سرت
واألدوية .وعبر طرابلس كانت تصدر الى الجنوب مصنوعات مدينة البندقية في إيطاليا ،مثل آنية الزجاج
والنحاس واألسلحة .وعبر ليبيا كانت تصدر المنسوجات المصرية.
ولفترة طويلة ظل الجنوب الليبي أو فزان خاضعا لنفوذ مملكة كانم السودانية المسلمة ،التي امتد نفوذها
الحات الصحراوية ،وتأمين طرق حتى ودان شماال .وكانت دوافع الهيمنة السودانية ،هي السيطرة على الم ّ
القوافل خاصة مع غرب أفريقيا مصدر الذهب آنذاك .وجاءت بداية تحرر فزان على يد أسرة أوالد محمد
المغربية األصل ،الذين أسسوا عاصمتهم في مرزق واستمرت دولتهم إلى عام ،1811حين قتل آخر
سالطينها من قبل المكـني ،قائمقام يوسف باشا القرمللي حاكم طرابلس .وفيما بعد ،في الفترة من
1831الى 1841قاد عبد الجليل سيف النصر ،زعيم قبيلة أوالد سليمان ،حركة تمرد ضد األتراك[.]2
في العصور الوسطى كان ثراء غانا أسطوريا ،وقيل أن أميرها كان يملك قطعة من الذهب وزنها ثالثين
رطال يربط اليها حصانه .وكانت غانا بوابة لعدة إمارات مجاورة أو ’بالد الذهب‘ التي شملت أجزاء من
السنغال ومالي وموريتانيا .لكن القصة التي ألهبت الخيال ،كانت وال شك رحلة ملك مالي منسا موسي الى
الحج ومروره بالقاهرة ،وكان معه مائة حمل من التبر وزن كل حمل ثالثة قناطير.
تجـارة الرقـيق
يقدّر الباحثون أن قرابة 2500عبد كانوا يصلون مرزق سنويا ،إبان حقبة الرقيق .ولدينا شهادات حديثة
نسبيا عن أسواق النخاسة هناك ،سجلها الرحالة أمثال جون ليون[ ]viسنة ،1818وجيمس
ريتشاردسون[ ]viiعام .1845لكن تأسيس الخطوط البحرية بين أوروبا وسواحل غرب أفريقيا أدى الى
تحول تجارة الرقيق بعيدا عن الصحراء ،خاصة مع ازدياد الطلب عليهم في جزر الكاريبي وجنوب
الواليات المتحدة للعمل في مزارع القطن وقصب السكر.
ومع نهاية القرن 18فقدت فزان كثيرا من أهميتها كممر تجاري ،بالنظر الى نضوب تجارتها مع غرب
أفريقيا .وتراجعت قوة وثروة مرزق[ ]viiiوغات وغدامس ،التي كان المثل الشائع فيها ’’ دواء الجرب
القطران ،ودوا الفقر السودان‘‘ .وهكذا ُهجرت واحات وخربت أخرى واختـفت تجمعات سكانية.
ثم جاءت قوانين تحريم الرق الدولية (سنة .)1833ومع ذلك استمر تهريب الرقيق الى السواحل الليبية
حتى بدايات القرن العشرين .وانتقلت تجارة الصحراء ،دون ذهب وال رقيق ،الى أيدي سكان أوجلة مع
الشرق ومصر ،وإلى تجار سوكنة .كما انتعشت الكفرة ،ربما بحكم موقعها في شبكة زوايا الطريقة
السنوسية.
كان الرقيق يجلب من مناطق " برنو " " ,تباو " " ,باغرمي " " ,تيغري " " ,كانو " و" واداي " وغيرها
في مناطق الصحراء جنوبي ليبيا ،أو ما كان يعرف بالسودان الشرقي والغربي ..أو اآلن السودان ،
وتشاد والنيجر ،وكانوا يعرفون بأسماء مناطقهم مثل الباغرمي واالبقرماوي والبرناوي والواداوي .لكن
ليس كل من حمل مثل هذا اللقب ،رقيقا ،بل كان هناك تجار وشيوخ دين من تلك البلدان انتهى بهم
المطاف لالستقرار في ليبيا .وقد اشتهر في طرابلس العديد من تجار الرقيق مثل أبوحميره والشيباني
وبانون والشريف والمدني وبن عصمان األناضولي ومانع الغدامسي .
وكان سعر الرقيق يقيّـم بإحدى العمالت المتداولة أو مقايضة بقيمة جملة من السلع ،ففي عام 1761 م
نجد أن قيمة األمَـة السودانية أحد عشر ماية لاير أو مائة غراف زيت ،أو جمال وثلث .وكانت قيمة
الرقيق تمثل نسبة % 50أو أكثر من القيمة النقدية للقافلة .وفي عام 1852م ،بلغ متوسط سعر العبد
أو األ َم ة الخاليين من األمراض و العيوب في أسواق طرابلس ما بين الستين و المائة والعشرين محبوبا
للذكر ،بينما كان سعر األمَــة 85محبوبا.
كانت رحلة الرقيق عبر الصحراء تجربة بائسة ومحزنة ،كما كانت نسبة الوفيات بينهم عالية بسبب ما
يالقونه من مشاق الطريق أو تعرض قوافلهم للغارات .واألكيد أن التجار كانوا يعاملون العبيد معاملة سيئة
,بضربهم و تعريتهم ,و تجويعهم لغرض التقليل من مصاريف الرحلة .حتى يصلوا إلى مراكز البيع
والراحة في فزان ,و غات ,و غدامس ..و قد أكد مدير غدامس مثال في رسالة ( مؤرخة في 17
ديسمبر )1850بعث بها الى باشا طرابلس أحمد عزات باشا ،يخبره فيها بأنه نبّـه " على جميع التجار
الذين يجلبون العبيد من القبلة إلى طرابلس أو إلى بنغازي أو الى سائر المحالت ..يلزم أن يكون لهم
ترتيب في كيفية الركوب على اإلبل ,وتوفير ما يلزمهم من األكل والشرب وعدم التعرية ".
وعند وصول القافلة الى طرابلس ،يعرض العبيد في السوق ويقوم سماسرة بالمنداة على األمة أو العبد
ذاك ًرا أوصافهما ,مؤكدا خلوهما من األمراض و العيوب .وفي مايو 1848وصلت إلى طرابلس قافلة
من فزان تحمل 500عبدا.
وكانت تجارة الرقيق تد ّر على اإليـالة دخال سنويا كبيرا .هناك رسوم المرور التي تدفعها القوافل التجارية
وقوافل الرقيق في كافة المناطق التي تحل بها مثل مرزق ,وغات ,وغدامس .وعند وصول القافلة إلى
طرابلس تدفع عن الرقيق جمرك لباب المنشية قيمته 9محابيب عن كل عبد ,ثم ثالثة محابيب لجمرك
باب البحر عن العبيد المصدرين من ميناء طرابلس .وفي سنة 1864كان ريع اإليالة 57304 محبوب.
ويسجل حسن الفقيه في يوميته لشهر أبريل 1830م أن لسوق العبيد لِـزمة خاصة به ,وأن للملتزم لاير
دورو من المشترى عن كل رأس عبد يباع .وفي وثيقة تعود إلى سنة ، 1842يشكو فيها مقدموها من
بعض تجار الرقيق بطرابلس الى الوالي محمد أمين باشا ،من الضريبة المقررة على العبيد ،ويقولون :
’’ ..و نحن أناس على باب اهلل المطلوب من حضرتكم السنية أن تعملوا معنا شيئا يناسب في ذلك ألننا
\
فقراء و من خدام الدولة‘‘.
ولم تخلو تجارة الرقيق من مشاكل .فقد يشترط المشتري على البائع أال يدفع الثمن كامال حتى يتأكد من
خلو العبد أو األ َمة من األمراض ,أو حتى تـتـم تجربة العبد أو األمة لمدة معينة .ومن المشاكل أيضا
\ وفيعدم بقاء الرقيق لدى مالكه الجديد .وفي وثيقة تعود إلى تلك الفترة نقرأ شكوى أحد المشترين..’’ :
\ هربت ،فقلت لي الثالث يوم هربت و أتيتك و أنت في سوق الثالث بمحضر جماعة و قلت لك أ َمـتـُــك
لقيتها بقرب زاوية الشيخ الماعزي وعندها دبلجها الذي كانت متحلية بها وقت البيع‘‘.
في تلك الفترة كانت حياة الرقيق بين أسيادهم على درجة طيبة من التسامح وحسن الرعاية .وكان العبيد
يعيشون فرادى أو جماعات في زرائب أو مع أسيادهم .وكانوا يعملون في الزراعة والرعي والصناعة.
بينما تستخدم األمة في األعمال المنزلية كالغسيل والتنظيف والرحى والطهي.
وكان إقتناء اإلماء في البيوت ظاهرة اجتماعية شائعة حتى أنه أصبح في الغالب ال يعقد نكاح إال ويكون
أحد شروطه أمة أو اثـنـتين للعروس .ففي عقد قران حسن بك بن محمد آغا ترجمان كرسي إيالة
طرابلس كان الصداق المعجل ’’ ..زوج أردية حرير بالبوشية و زوج أردية حرير صادة و زوج كرادي و
زوج مراقيم ومرآيات ،وأمة من رقيق السودان‘‘.
وكانت هناك أعراف تنظم عالقة الرقيق بسيده .فإذا اقترف العبد جرما ما ,كالسرقة أو القتل أو غيرها من
األفعال التي يعاقب عليها القانون صار سيده مطالبا .و للسيد الحق في تزويج أمته لمن شاء و في الغالب
يزوجها لعبد يملكه .وللسيد حق التمتع بأمته والتسري بها ,و إذا ما أنجبت له أصبحت أم ولده ,ويكون
شرع ا وعرفًـا أن تعتق .وفي إحدى الوثائق القديمة نقرأ أن فالن ’’ ..بمحروسة طرابلس غرب ً من حقها
أعتق أمته الجنزية ( كذا ) المسمات مسعودة ..أفناوية البلد من رقيق السودان طويلة القامة حالكة
السواد ،وألحقها بأحرار المسلمين فيما لهم وعليهم بحيث ال يكون ألحد عليها سبيل ...رجاء أن
يعـتـق بكل عضو منها عضو منه من النار‘‘ .وقد يتبرع أهل البر واإلحسان بمبالغ من المال كصدقات
لغرض تحرير الرقيق .كما يعتق العبيد صدقة على ميت .وقد يوصي أحدهم بعتق عبده بعد وفاة المالك،
على أن يقوم العبد بخدمة سيده أثناء شيخوخته أو طيلة فترة مرضه حتى مماته.
صـناعات طرابلس
سجـل الرحالة جون ليون أنه ’’ يوجد بالمدينة حوانيت كثيرة ،كما توجد شوارع في سنة ّ 1818
مسقوفة رصت على جانبيها بعض المحال الصغيرة .وهناك يقف المزايدون يبيعون العبيد والسلع ..ويعقد
كل أسبوع سوقان كبيران ،أحدهما يوم الثالثاء في مكان رملي خلف طرابلس ،واآلخر يوم الجمعة على
بعد أربعة أميال من المدينة في حدائق المنشية‘‘.
شملت أسواق طرابلس في القرن الثامن عشر أسواق الخضرة وسوق القزدارة وسوق الصياغة ،وأسواق
البقالين والسراجة والسبابطية والحدادة ،وسوق الرباع وسوق الترك وسوق الحطب وسوق الرقريق
\ عامة ليوم واحد في
وسوق الفنيدقة وسوق الخبز .وكان هناك سوق الجمعة و سوق الثالثاء كأسواق
األسبوع.
وكانت المنسوجات أهم صناعات طرابلس ،فالجرد أو الحولي المصنوع من صوف األغنام ،كان لباس
الرجل الليبي .واشتهرت منطقة الجبل الغربي بصناعة الجرود الرجالية رفيعة الجودة .ولذلك كان الصوف
سلعة هامة ،تجمع في موسم جز األغنام بمكان يعرف برحبة الصوف ،ويباع بمقادير تسمي جزات
وشلوفات وعرائر.
وكان ال ّر دا (جمعها ردية) لباس النساء .وعرفت طرابلس حرفيين مهرة في صناعتها .وأصبح ال يعقد عقد
زواج إال و يشمل المهر عدد من أنواع هذه األردية ،مثال رداءان اثنان حرير و مرقوم ،ردا حب
رمان ،ردا جناح مقنين .وكانت بعض النسوة يقمن بنسج الردية في بيوتهن .
وهيمن الصاغة اليهود على صياغة الذهب والفضة في طرابلس .وتحفل سجالت محكمة طرابلس بقضايا
تلقى الضوء على عالقات الصاغة ومشاكل تلك الصناعة .ففي دعوى سنة ، 1847تقول المدعية
بأنها " ..وضعت نصف رطل فضه لدى الذمي نسيم شحيمة ..على أن يصغ لها شعرية بثالث أواق
وعنابر بثالث أواق وحجابات بوقيتان ومات قبل أن يصوغ لها ذلك .وهي اآلن تطلب خالصها من
َخـلَـف الهالك المدعى عليه ‘‘ . .وطالبت مدعية أخرى المدعى عليه ’’ بأربعمائة قرش وخمسون
قرشا دفعت للمدعى عليه الذمي طيون بن هارون ليصيغ لها زوج دبالج و زوج خراص فضة نقية و الى
\ وكان كافة ما يصنعه الصاغة من حلى ذهبية وفضية يعرض على أمين الصياغة اآلن لم يضع لها ذلك‘‘.
لمراقبته من حيث جودة الصنع و العيار ,و يضع ختمه على ذلك ثم يمنح ورقة تفيد الوزن و العيار.
وفي سنة 1851م تم تقنين أسعار الخبز بحيث أصبح الخبز المحور يزن 320جراما تقريبا ,وخبز
السميد يزن 448جراما تقريبا وخبز الدقيق يزن 480جراما تقريبا ،كل بسعر عشر بارات .كما
وضعت قيم للمكاييل واألوزان.
وعرفت طرابلس حركة تجارية نشطة مع الخارج .ومن اهم السلع المصدرة الى تونس :الشعير
والمصنوعات الحريرية والنطرون والعبيد والفلفل والحلي .وكانت طرابلس تستورد القطران من سوسة
أما البضائع المستوردة من مصر فشملت األقمشة واألرز والفول والقطن والسيوف والطواقي والكركب.
ومن تركيا كان تجار طرابلس يستوردون اللفة والجاوي والحرير والقرنفل والنشادر والخشب والدخان .
وقد اشتهر العديد من التجار األوروبيين في أسواق طرابلس نذكر منهم على سبيل المثال ال الحصر
التاجر المالطي زوزابي فتيين والتاجر السرديني سيتسيوبي انتوبي ,والتاجر االنجليزي هلول ،والنابولي
سنسيتو و التوسكاني جاكمو كربال .وكان أهم ما يصدر من طرابلس إلى أوروبا الشعير والتمر والزعفران
والجلود والزيت.
وما من شك أن استقرار األسواق مرهون باستقرار العملة وقوتها الشرائية .وفي تنبيه عن العملة أصدره
الوالي محمد رائف باشا في 1836م ، حذر فيه من يخالف هذا التنبيه بأقصى العقوبة ’’ :الحمد هلل
هذه صورة تنبيه على السكة نصها هاذا ( كذا ) تنبيه وتوضيح ليعلمه الخاص و العام في مصارفة السكة
متاع طرابلس وغير طرابلس فاألول منها بارة ببارة نحاس وثانيها أي قرش طرابلس متاع يوسف باشا
صرفه بماية بارة نحاس أو فضة ولاير نجيب باشا متاع قرش وربع بماية‘‘.
حتى المدن تفقد وظيفتها ..لها عمر افتراضي ،ويبدو أن مدينة طرابلس ضاقت بسكانها ،الذين انتقل
الكثير منهم إلى المناطق المحيطة :شارع الزاوية وميزران والظهرة والمنشية وزاوية الدهماني ، ..
بعضهم بحثا عن سكن فسيح ،وبعضهم اضطرارا لرخص األرض .ونلمح اإلحساس بأزمة المدينة في
رسالة من إمامي محلتين إلى الوالي العثماني ،محررة في 19مايو سنة 1906لحضرة عالي مقام حامي
الوالية[]ix
يوجد داخل بلدة طرابلس الغرب ست محالت منها الحارة الكبيرة و الحارة الصغيرة خاصة باليهود و
محل سكناهم .محلة باب البحر منذ القديم يسكنها المسلمون و األجانب ،ومحالت البلدية و كوشة
الصفار و حومة غريان يختص بسكناها المسلمون .إال انه لما أنشئت مباني كثيرة خارج المدينة رغب
بعض المسلمين في االنتقال إليها وأجروا المساكن التي كانوا يملكونها داخل المدينة لليهود واألجانب فزاد
بذلك عددهم .ولما اخبرنا الوالة السابقين العظام بان ذلك سبب إلى بقاء المساجد و الجوامع في حالة خلو
و تعطل أصدروا أو أمرهم السامية بأنه حتى ال يسكن في المحلة شخصا غير مرغوب فيه يكون تأجير
المساكن مربوط بعقود تحرر من قبل أئمة المحالت .إال ذلك لم ينفذ و أخذ األهالي في تأجير أمالكهم بال
عقود ويبيعون دون أن يرجعوا أحدا .إن محلتي البلدية و كوشة الصفار متصلتان ببعضهما و تحتويان
على 21مسجدا و 700مسكنا
و كما إن كل مسلم غيور على دينه فاهلل أيضا غيور .إننا نقدم هذه طالبين إجراء األعمال الصالحة على
يديكم وذلك بمنع بيع أمالك المحلتين المذكورتين لليهود واألجانب.
إمام محلة البلدية ( الختم غير مقروء ) ,امام محلة كوشة الصفار :محمد بن موسى‘‘