You are on page 1of 13

‫األيام الطرابلسية (الحلقة الثالثة)‪ :‬أيام زمان‬

‫‪06/02/2008‬‬
‫د‪ .‬محمد محمد المفتي‬

‫يعود بناء قلعة طرابلس إلى العصر الروماني‪ .‬وكان يطلق عليها أحيانا إسم لِحصار‬
‫واآلن تغلب تسميتها بالسراي ‪ ..‬وقديما كان يحيط بالقلعة خندق متصل بالبحر ‪ ،‬كما‬
‫نستشف من تقرير لوفد فرسان القديس يوحنا يقول‪ ’’ :‬طرابلس صافية االديم و‬
‫هواؤها صحي و هي غير معرضة لإلمراض السارية و يبلغ محيط سورها ‪3728‬‬
‫خطوه ثلثاه يطل على البحر و الثلث األخر يشرف على البحر ‪ ,‬و يحيط بالقلعة خندق‬
‫عرضه ‪ 44‬خطوة و عمقه قصبتان ‘‘‪ .‬وقد ردم الخندق في أوائل القرن ‪.18‬‬

‫ومدينة طرابلس القديمة ‪ ،‬كانت مدينة مس ّورة ‪ ،‬ذات بوابات ‪ ..‬منها باب المنشية وباب الخندق وباب‬
‫البحر وباب زناتة ‪ ،‬والباب الجديد الذي فتح سنة ‪ 1870‬وكانت األبواب تقفل بعد الغروب‪ .‬وإضافة إلى‬
‫ذلك كان للمدينة أبراج أو حصون‪ ،‬ذكر منها المؤرخون حصون الشعاب والحميدية والكرمة والدباغ‬
‫وحصن دار البارود والتراب والهدار وحصن المندريك حيث موقع الفنار ‪.‬‬

‫يصف الرحالة األلماني رولفس طرابلس سنة ‪  1869‬فيقول‪ ’’ :‬يحد البحر طرابلس من جهتي الشمال‬
‫والشرق وهي على شكل مخمس تقريبا ويحيط بالجوانب الثالثة األخرى سهل من الرمال األسوار منحدرة‬
‫ومرتفعة منحدرة ‪ ,‬ولو إنها اآلن تكاد تكون متداعية‪ .‬في الزاوية الشمالية الشرقية توجد القلعة‪ ...‬ورغم‬
‫أن المدينة تبدو من بعيد وكأنها متماسكة وحصينة إال إنها ليست قوية‪ .‬والمرفأ الواقع في شرق المدينة‬
‫\‪.]i‬‬
‫محاط بالريف ويسير موازيا للشاطئ‘‘[‬

‫وفي خريف ‪ 1818‬مر بطرابلس الرحالة اإلنجليزي جون ليون ‪ ،‬في بداية رحلته إلى مرزق ‪ ،‬وفي‬
‫\ منازل كثيرة الستقبال التجار‬
‫مذكراته ترك لنا شذرات وصفية للحياة في مدينة طرابلس آنذاك‪’’ :‬وهناك‬
‫وتسمى فنادق‪ .‬ولليهود حي خاص بهم ‪ ..‬وهم يحتكرون مختلف السلع ويغنمون من وراء ذلك الكثير ‪..‬‬
‫ويلبسون عمائم زرقاء‪ .‬وهناك عدد من المدارس ‪ ..‬لكن اإللمام بالقراءة والكتابة ليس أمرا ضروريا ‪..‬‬
‫ويشغل المماليك المجلوبين من جورجيا وشركسايا ‪ ،‬أعلى المناصب‪ .‬ووصل أحد المماليك ويدعى‬
‫مراد ريس ‪ ،‬وهو من مواليد اسكتلنده‬
‫\ والصورة‬ ‫إلى وظيفة قائد األسطول‘‘‪.‬‬
‫المرافقة لقرار بخط القبطان مراد إلى‬
‫التاجر حسن الفقيه حسن ‪ ،‬وتحته‬
‫مدونة يقول فيها حسن الفقيه ‪ ’’ :‬وقع‬
‫احساب بيننا وبين محبنا القبطان مراد‬
‫رايس وتخالصنا إحنا ويّـاه ‪ ،‬وال بقيت‬
‫\ [‪.]ii‬‬
‫بيننا وبينه ال دعوي وال حجة ‪‘‘..‬‬

‫\ العامة‬
‫ويمضي ليون‪’’ :‬والحمامات‬
‫موجودة في طرابلس لكنها ال تتميز‬
‫بالفخامة ‪ ..‬وأجر الحمام دون صابون‬
‫يساوي ما قيمته خمسة بنسات وهو‬
‫مبلغ كبير نسبيا‪ .‬ويرتاد الرجال‬
‫الحمامات في الصباح وتأتيه النسوة في‬
‫المساء‘‘‪.‬‬

‫’’والعملة المستخدمة هذه األيام تحتوي‬


‫على ‪ %14‬من وزنها فضة ‪ ،‬وقيمتها‬
‫تنخفض يوما بعد آخر‪ .‬ومن عادة القوم في مناسبات الموت عتق عبد أو إثنين‪ .‬كما توزع األطعمة على‬
‫الفقراء ‪ ..‬وتتباهى كل أسرة باإلنفاق على روح فقيدها‪ .‬وهناك نسوة يتكسبن من الندب والبكاء ودق‬
‫الطبول على الفقيد ويطلقن الصرخات وتستمر األحزان ثالثة أيام‘‘[‪ .]1‬‬

‫وفي عصر يوسف باشا القرمللي ‪ ،‬م ّر الرحالة اإلنجليزي الشاب آلكسندر ليـنج بطرابلس ‪ ،‬في طريقه إلى‬
‫تمبـكتو عاصمة الذهب األسطورية في العصور الوسطي‪  .‬ولقي ليـنج حتفه في طريق عودته وكان‬
‫لوفاته المأساوية انعكاساتها على عالقة القنصل البريطاني مع يوسف باشا والتي أدت بدورها إلى تدهور‬
‫العالقات بين بريطانيا والباشا‪.‬‬

‫يصف ليـنج طرابلس‪ .. ’’ :‬تقع مدينة طرابلس ‪ ,‬بما خلفها من نخيل باسق وأشجار تين ذات أوراق‬
‫عريضة‪  ‬وأشجار التوت والزيتون المنتشرة إلى مسافات بعيدة ‪ ,‬على رقعة من األرض منبسطة قريبة من‬
‫حافة الماء ‪ .‬والناظر إليها من البحر يشاهد منظرا رائعا ‪ ,‬تبدو فيه جميلة قوية ومتينة التحصين ‪,‬‬
‫ويشاهد األعالم القنصلية مرفرفة في الهواء والمآذن الطويلة لمختلف المساجد‪  .‬ولكن هذه الصورة تتغير‬
‫عندما يهبط المرء من السفينة إلى اليابسة ‪ ,‬فالشوارع فيها ضيقة ‪ ,‬و الجدران‪  ‬سيئة البناء يصيبها‬
‫التصدع‪ .‬أما قلعة الباشا ‪ ,‬فهي بانفصالها الكلي عن بقية تحصينات المدينة‪  ‬مصممة كحصن دفاعي ضد‬
‫األعداء األجانب والمحليين‪ .‬غير أن العدو يمكنه بقليل من قطع المدفعية ومعدات المنجنيق أن يحدث فيها‬
‫ثغرة‪ .‬ويمكن االستيالء على طرابلس رغم مظهرها وما فيها من مدافع‘‘‪.‬‬

‫’’ يمتاز الريف المحيط بطرابلس بالمزروعات الممتدة إلى مسافات واسعة ‪ ,‬وهومقسم إلى بساتين جميلة‪.‬‬
‫والتربة شديدة الخصب والعطاء نظرا لطبيعة تكوينها من الطفل الممزوج بالرمل ‪ ,‬وتنتج محاصيل القمح‬
‫والشعير باإلضافة إلى كل نوع من أنواع الفواكه التي تجود بكميات وفيرة‪ .‬وهنالك البلح والزيتون والتوت‬
‫الذي يفيض بفاكهة كثيرة ‪ .‬وفي كل بستان بئر لري المزروعات ‪ ,‬وتعتبر طريقة سحب الماء من البئر‬
‫\‬
‫سهلة وفعالة بالعجل والبكرات‘‘‪.‬‬
‫’’وأكثر ما يلفت النظر فيها أخالق سكانها وعاداتهم فهي تشبه عادات وأخالق األتراك في البلدان األخرى‪.‬‬
‫وال يصعب على المرء في الشارع مالحظة ما يتميز به الناس من هدوء وحسن سلوك وتصرف ونظام‪.‬‬
‫وهم يعاملون األجانب بأدب واحترام ولطف‪ .‬وقد شهدت بنفسي مرحهم الصاخب خالل أعيادهم ‪ ,‬ولكنهم ال‬
‫صور سلوكهم كما لو كان متعصبا ضد‬‫يتسببون في ضرر ألحد‪ .‬وال بد من القول بأن النقيب اليون قد ّ‬
‫المسيحيين‪ .‬ولكنهم أفضل األتراك وأكثر منهم تسامحا‪ .‬ومما يدعو لألسف أن معظم المسيحيين المقيمين‬
‫\‪. ]iii‬‬‫في طرابلس هم من اللصوص والمجرمين الذين لو كانوا في بلد أوروبي لحلت بهم عقوبة اإلعدام‘‘[‬
‫’’ أما تاريخ البالط ومكائده في هذا البلد فيزخر بالقصص ‪ ,‬وقد سمعت خالل إقامتي القصيرة تفصيالت لو‬
‫قدمت لقصاص لحاك منها أروع الروايات‘‘‪.‬‬

‫وفي ما بعد مر بطرابلس الرحالة رولفس إبان العهد العثماني الثاني‪ ،‬ووصف المدينة أو ما نسميه اليوم‬
‫\ السكان في طرابلس حوالي ‪ 18000‬نسمة ويبلغ عدد‬ ‫المدينة القديمة بتفصيل أكبر‪ ،‬فقدّر‪..’’  ‬عدد‬
‫النصارى بينهم ‪ 3000‬وعدد اليهود ‪ .4000‬وتنقسم المدينة إلى خمس حارات ‪ ,‬اليهود في الحارة‬
‫\ كما يشير إلى أن السلطات‬‫الشمالية الغربية ‪ ,‬أما الحارة الواقعة على البحر يسكنها غالبا النصارى‘‘‪.‬‬
‫كانت قد بدأت ’’ تبليط بعض الشوارع وتزويدها بالفوانيس‪ .‬ومنذ القدم تمتعت طرابلس بهذا الصيت فقد‬
‫وصف ليون اإلفريقي بيوتها بأنها جميلة إذا ما قورنت مع بيوت تونس‪ .‬وتتألف بيوت المسلمين في‬
‫الغالب من طابق واحد مطلية باللون األبيض ‪ ,‬وجميعها ذات سطوح مستوية‪ .‬وفي وسط كل بيت فناء‬
‫كبير ‪ ,‬ومدخله ممر متعرج به مصطبة حجرية حيث يستقبل رب البيت زيارات العمل‪ .‬وتطل جميع الغرف‬
‫على الفناء وهي دائما طويلة وضيقة‪  .‬وفي كل بيت صهريج ( ماجل ) يجمع فيه من السطح ماء المطر‬
‫\‬
‫العذب‪ .‬أما ماء البئر فيستخدم في الغسيل وغالبا في الطبخ‘‘‪.‬‬
‫ومن األبنية العامة في طرابلس قصر الباشا ‪ .‬وهو مبنى غير منتظم ‪ ,‬خالي من أي فن معماري وهو ثكنة‬
‫وسكن للحريم ‪ ,‬ويضم العديد من منازل الموظفين‘‘‪.‬‬

‫’’ هناك خمس جوامع بالمدينة‪ ،‬وكنيستان إحداهما كاثوليكية والثانية أرثوذكسية‪ .‬ولدى الرهبان مدرسة‬
‫ألطفال األهالي المسيحيين‪ .‬ويضم الدير مستشفى‪  .‬وليس للعثمانيين سوى مستشفى عسكري واحد يقع‬
‫خارج المدينة‘‘‪.‬‬
‫’’‪ ..‬وتوجد دكاكين أوربية كبيرة حيث يمكن شراء كل شئ‪ .‬وهناك شوارع للنجارين والصاغة والسراجين‬
‫والحدادين ‪ ..‬الخ‪ .‬كما توجد ثالث صيدليات‪ .‬وينعقد أسبوعيا سوقان خارج المدينة وهما سوق الثالثاء‬
‫أمام الباب الجنوبي للمدينة وسوق‬
‫الجمعة أمام الباب الغربي ويجتمع فيهما‬
‫أالف األشخاص من جميع أرجاء اإليالة‬
‫‪ ،‬وهذه األسواق في غاية الطرافة‪ .‬ولم‬
‫يعد يباع الرقيق علنا‬

‫إال إنه يباع في السر‪ .‬وفي طرابلس‬


‫يدفع لشراء سوداء جميلة ‪ 120‬لاير‬
‫ويبلغ سعر الشركسية ‪ 300‬لاير‬
‫ويزيد ‪ ،‬وأما الفتيان السود فيتراوح‬
‫سعرهم بين ‪ 90 – 70‬لاير ‪ .‬وفي العام‬
‫‪ 1850‬بيع ‪ 1500‬رقيقا بقيمة إجمالية‬
‫\‬
‫قدرها ‪ 300,00‬فرنك‘‘‪.‬‬

‫’’ هناك مخفر رئيسي وحراسة جمركية‬


‫وحراسة للسراي‪ .‬ويتولى شيخ البلد‬
‫أعلى دائرة للبلدية ‪ ،‬ورغم أنه ال‬
‫يتقاضى مرتبا إال أنه أغنى رجل في‬
‫طرابلس‪ .‬ويدعى شيخ البلد الحالي على‬
‫\‬
‫القرقني ‘‘‪.‬‬

‫’’وتمتلك جميع األمم األوربية قنصليات‬


‫في طرابلس‪ .‬وأما الجالية األوربية في‬
‫طرابلس فـتعيش على التجارة فقط‬
‫تقريبا‪ .‬وهناك نزل واحد الستضافة‬
‫األوروبيين‘‘‪.‬‬
‫’’ وأما المواصالت البحرية فإنها بصدد التزايد وتزيد عن ‪ 450‬مركبا صغيرا سنويا ‪ ،‬مجموع حمولتها‬
‫حوالي ‪ 30,000‬طن أي ما يعادل حمولة ‪ 12‬من بواخر اللويد األلمانية الشمالية‪ .‬وسلع التصدير‬
‫الرئيسية هي ‪ :‬الحبوب والزيت والفواكه ( التمر ‪ ,‬والبرتقال ‪ ,‬والليمون الحامض ) الفلفل األحمر ‪,‬‬
‫المواشي ‪ ,‬الصوف ‪ ,‬جلود مدبوغة ‪ ,‬السمن ‪ ,‬العاج ‪ ,‬الشمع ‪ ,‬ريش النعام ‪ ,‬غبار الذهب ‪ ,‬الرقيق ‪ ,‬شئ‬
‫من الصمغ العربي ‪ ,‬السنا ‪ ,‬النيلة ‪ ,‬النطرون ‪ ,‬اإلسفنج ‪ ,‬والمصنوعات اليدوية مثل الحصر والسالل‬
‫والسجاد‪ .‬وأما سلع االستيراد فهي قماش الكتان المالطي والمحمودي من انجلترا ‪ ,‬والمناديل ‪ ,‬واألقمشة‬
‫الحريرية والمخملية وخردوات ومواد غذائية والقهوة والسكر وصبغيات وخمر وكحوليات والتبغ والكبريت‬
‫والخشب والمعادن واألسلحة والجلود المصنعة والورق وسلع نورنبرغ ‪ ,‬والبورسالن ‪ ,‬واللؤلؤ الطبيعي ‪,‬‬
‫واللؤلؤ الزجاجي ‪ ,‬والمحلي والفضة (في شكل قطع ‪ 5‬فرنكات ولاير ماريا تيريزيا ) والساعات واألثاث‘‘‪.‬‬

‫قد تبدو مدينة طرابلس القديمة اليوم مجرد حارة صغيرة‪ .‬لكنها بأحيائها الخمسة وأسواقها المسقوفة‬
‫ومساجدها ‪ ،‬كانت توفر سكنا لعشرين ألف نسمة‪ .‬وكان حي باب البحر منطقة للجاليات المسيحية من‬
‫طليان ومالطيين ويونانيين ‪ ،‬وبه كانت القنصليات األجنبية‪.‬‬

‫قد تبدو طرابلس في كتابات الرحالة باردة ودون حياة‪ .‬لكن من يقرأ يوميات حسن الفقيه حسن الذي‬
‫عاصر أواخر العهد القرمللي ‪ ،‬فإنه سيجد فيها شيئا أشبه بالفقرات التلفزيونية أو سيناريو األفالم التي‬
‫تنبض بالحياة بكل مظاهرها‪ .‬والفقرات التالية مختارات من تلك المدونات بأرقامها كما وردت في الكتاب‬
‫المحقق‪ .‬يقول حسن الفقيه حسن‪:‬‬

‫’’ ‪ ..‬أيضا يوم الخميس ‪  ..‬توجه الرايس محمد قره باش من المحروسة طرابلس غرب إلى بنغازي‬
‫\‬
‫ومعاه الحاج ابراهيم النوفلي من شان قضية أوجلة ؛ ألنه أخبرونا ‪ :‬ناضوا على عيلة الفضيل ‪.‘‘..‬‬

‫’’‪  ‬قدموا علينا خياله من غريان وأخبروا سـيدنا – دام عزه – بأن عرب غريان هدت على سيدي على‬
‫باي ‪ :‬سـبـيب‪  ‬وتريس ‪ ..‬بشتكوا من الشيخ ومن الكاتب متاعهم الفقيه بلقاسم ‪ .‬وأما الوطن‪  ‬متهني‬
‫والسالم‘‘ [[‪.]1328]iv‬‬

‫’’ أيضا يوم الخميس رفعوا بِـيان [مهر] ولد حواء العلجية من الحصار [القلعة] –– على بنت سيدي‬
‫محمد باي قرمانلي بالسانية ‪ ,‬ومشوا معاه مخازنية و‪ 5‬من خدم سيدنا – دام عزه – ولن معاهم‪  ‬طبالة‬
‫وال زمزامات وال غيره ‪ ،‬وذلك ألجل جابوا خبر مسعود بن عامر ونسيبته مسعودة شرتع اللي توفوا في‬
‫بـر الحجاز‘‘ [‪.]1374‬‬

‫’’ اجتمعوا القناصل ‪ ..‬بحوش القنصل الفرنساوي وعملوا ديوان من أجل المراكب التي جاءت من‬
‫سكندرية ؛ واخبروا أن في مصر ونواحيها وسكندرية مرض كثير‪ .‬واتفقوا على تطريد المركب ‪ ,‬وبعده‬
‫توجهوا إلى سيدنا جملة إلى الحصار وتكلموا معاه ‪ ..‬وبيتوا [قرروا] ‪ :‬على انه يبغوا يطردوهم على يد‬
‫سيدنا‘‘ [‪.]1375‬‬

‫’’‪  ‬يوم االثنين قدم علينا رقاص من فزان وأخبرنا ‪ :‬بأن فزان ملكوها أوالد سليمان الذين مع الشيخ عبد‬
‫الجليل ‪. ]1379[ ‘‘ ..‬‬

‫’’ أيضا يوم األربعاء قدموا علينا جوز خياله من سيدي على باي وبيدهم جوابات وأخبروا بأنهم وقعت‬
‫عندهم عركة وصار الموت من مصراته والساحـل وزليطن وغيره من العربان ‪ ..‬ويبغى الباي بارود ‪..‬‬
‫ويبغى الناس طبجية ‪ ..‬وربنا يصلح األحوال‘‘ [‪.]1416‬‬

‫’’سافر الرايس محمود ولد قميرة من محروسة طرابلس غرب إلى بنغازي ‪ ,‬وأرسلنا معاه عدة أوراق إلى‬
‫سيدي الباي خليل وإلى أخينا الحاج محمد بيت المال وغيره ‪ ,‬وأرسلنا مع الرايس المذكور عباءة وزنبيل‬
‫فلفل من عند بن شوشان إلى بوشناف بن دخيل ‪ ,‬وأيضا مع المذكور ثالثة حوالي [جرود] ‪ ..‬إلى حوش‬
‫الرايس عمر يبغوهم للبيع ‪ :‬أما حولي الكشنيلية يبغوا بحقه صابون ‪ ,‬واآلخرين سعر ‪ ½ 3‬يبغوا بيهم‬
‫سمن ‪ ,‬والحوالي المذكورين أرسلناهم إلى الحاج حسن الكعامي وكتبنا جواب إليه في تسليم الدراهم التي‬
‫\ [‪.]1452‬‬
‫لنا إلى عبد الرحيم‘‘‬

‫’’‪  ‬يوم الجمعة ع ّيـ ْدنا العيد الكبيرة ‪ ,‬وتوجهنا نحن وجماعة البالد مع سيدي الحاج أحمد بن لطيف شيخ‬
‫البالد إلى سيدنا – دام عزه – وع ّيدنا عليه ‪ ..‬ورحنا إحنا والشيخ ورفع الجماعة إلى حوشه وحط لهم‬
‫حالوات وقهوة وشربات ‪ ,‬وبعدها توجهنا معاه إلى حوش سي محمد الدغيس وإلى مصطفى قرجي رايس‬
‫المرسى والسالم‘‘ [‪.]1509‬‬

‫’’ يوم األحد أرسلت لنا لال مريومه حريم سيدنا – دام عزه – وذلك مع روزا الذمية تقول ‪ :‬لال تسلم عليك‬
‫وقالت لك ‪ :‬فاطمة الخادم التي سابقا هاربة ‪[ ،‬موجودة] عندها ‪[ ..‬إن] كان معتوقة أعطيها عتقها وإن‬
‫كان هي مملوكة نعطيك ثمنها ؛ فقلنا لها‪ :‬هي معتوقة لرب العالمين ‪ .‬وبعد ذلك عطينا عتقها بيد شيخ‬
‫البالد وأرسلتها لها على يد على الوصيف [الخادم الزنجي] [‪.]1515‬‬

‫’’يوم السبت ‪  ...‬وبحساب الروم في ‪ 28‬من مايو سنة ‪ 1831‬وقعت فيشطة متاع الراي [ملك]‬
‫االنقليــز عند القنصل االنقليز وعمل بدكان جانبوبه الرومي المالطي ثالثة بتاتي شراب وتينده قدام‬
‫الدكان ‪ ,‬والبنديرة االنقليزية فوق الدكان ‪ ,‬ونبه القنصل المذكور على جميع النصارى السدتو متاعه ‪ :‬كل‬
‫واحد يأخذ بوتيلية شراب ‪ ,‬والذي عنده فاميليه يأخذ على عددهم‪  .‬وتوجهوا إلى القنصل جميع القناصل‬
‫الذين بطرابلس غرب ‪ ,‬وكذلك فيه ناس مسلمين توجهوا إليه وباركوا له وفرح بهم غاية األفراح والسرور‬
‫هو وإبنه فادريك وأرسل إلى سيدنا – دام عزه – وطلب منه أربعة مدافع من متاع المحالت ألجل‬
‫يضربوهم ‪ ,‬فعطاه سيدنا أربع مدافع بكراريصهم جابوهم إلى البحر قدام الكشك ‪ ،‬جابوهم طبجية القاجيجي‬
‫وطلقوهم وروحوا بيهم والسالم‘‘ [‪.]1308‬‬

‫’’أيضا يوم األحد ‪ ...‬قبل العصر ‪ ,‬توجه محبنا سيدي الحاج محمد بيت المال من محروسة طرابلس غرب‬
‫الى بنغازي في سكونة [مركب] قبطان مراد رايس ‪ ,‬وأرسلنا مع محبنا الحاج محمد بيت المال جوزين‬
‫دبالج فجرة الى محبنا الحاج حسن لكعامي ‪ ..‬وأعطينا ناولون قمح وشعير ‪ ..‬هذا تمام أمانته – وربنا‬
‫يحمله بسالمة – بتاريخ أعاله‘‘‪.]1355[  ‬‬

‫’’ وقع عند لال الجهانية مرض كثير – وهي لها أيام وهي مريضة – وحولوها من الحصار [ القـلعة ]‬
‫وهي مريضة ‪ ,‬وعيطوا عليها ليلة السبت المذكور وبعده فاقت‪ .‬ويوم السبت المذكور في ساعتين ونصف‬
‫من االثنى عشر ساعة بعد الطناش توفت وسارت الى عفواهلل – رحمة اهلل عليها وعلى جميع المسلمين –‬
‫توفت بسانية سيدنا – دام عزة –والحرامات معاها كلهم‪  .‬ودفنت يوم السبت المذكور أعاله عن العصر في‬
‫سيدي الشيخ الشعاب ‪ ..‬محاذية قبة لال حويوة ‪ ,‬وعتقوا عليها عبيد وخدم ‪ ..‬ومشت مخازنية معاها وأهل‬
‫البالد ‪ ,‬ومشينا الى سيدنا ‪ ..‬ومشينا مع الجنازة وروحنا قبل المغرب بنصف ساعة‘‘‪.‬‬

‫’’ ليلة الجمعة ‪ 14‬ربيع أول ‪ 1246‬هـ ‪ ،‬تغيرت القمر نحو ساعتين وبعده انجلت‘‘ [‪.]1180‬‬

‫’’يوم الثالث عند العصر انزاد فيه وليد الى سيدي إبراهيم باي قرمانلي – يكون بالبركه عليه‘‘ [‪.]1238‬‬

‫’’ بعثنا مع الرايس عبد اهلل حفيض من محروسة طرابلس غرب الى بنغازي الى سيدي الباي خليل وغيره‬
‫‪ :‬عشرة خوابي زيت ‪ ,‬وكذلك برسيل تمر للباي من عند بن رمضان هدية ‪ ..‬وجوز صناديق متاع منصور‬
‫عبيدة‘‘ [‪ ]v[]1251‬‬

‫تـجــــارة الصحراء‬

‫حي الغدامسية أكثر األحياء‬


‫لعدة قرون لعب الليبيون دورا هاما في حركة التجارة العابرة للصحراء‪ .‬وكان ّ‬
‫ازدها ًرا ‪ ،‬في تمبكتو عاصمة تجارة الذهب في العصور الوسطي‪.‬‬

‫كانت أهم السلع التي قامت عليها تجارة الصحراء‪ ،‬جلب الرقيق والذهب الى الشمال‪ ،‬ونقل الملح الى‬
‫الجنوب أو بالد السودان (حاليا السودان وتشاد)‪ .‬وكانت القوافل تعود الى الشمال بالعاج وريش النعام‪.‬‬
‫وكان الملح سـلعة هامة تصدرها ليبيا الى بالد السودان‪ ،‬وفي العصور األولى كان يبادل بوزنه ذهبا‬
‫أحيانا‪.‬‬

‫كما كانت هناك مبادالت أقل حجما وربحا‪ ،‬مثل الصوف والقطران واألغنام والجلود من برقة‪ ،‬وتمور أوجلة‬
‫الشب المستعمل في دبغ الجلود وتثبيت األصباغ‬‫ّ‬ ‫‪ ،‬ولوز الجبل األخضر‪ ،‬والتمور الفزانية‪ .‬ومن سرت‬
‫واألدوية‪ .‬وعبر طرابلس كانت تصدر الى الجنوب مصنوعات مدينة البندقية في إيطاليا ‪ ،‬مثل آنية الزجاج‬
‫والنحاس واألسلحة‪ .‬وعبر ليبيا كانت تصدر المنسوجات المصرية‪.‬‬

‫ولفترة طويلة ظل الجنوب الليبي أو فزان خاضعا لنفوذ مملكة كانم السودانية المسلمة ‪ ،‬التي امتد نفوذها‬
‫الحات الصحراوية‪ ،‬وتأمين طرق‬ ‫حتى ودان شماال‪ .‬وكانت دوافع الهيمنة السودانية ‪ ،‬هي السيطرة على الم ّ‬
‫القوافل خاصة مع غرب أفريقيا مصدر الذهب آنذاك‪ .‬وجاءت بداية تحرر فزان على يد أسرة أوالد محمد‬
‫المغربية األصل ‪ ،‬الذين أسسوا عاصمتهم في مرزق واستمرت دولتهم إلى عام ‪ ،1811‬حين قتل آخر‬
‫سالطينها من قبل المكـني ‪ ،‬قائمقام يوسف باشا القرمللي حاكم طرابلس‪ .‬وفيما بعد‪ ،‬في الفترة من‬
‫‪ 1831‬الى ‪ 1841‬قاد عبد الجليل سيف النصر‪ ،‬زعيم قبيلة أوالد سليمان‪ ،‬حركة تمرد ضد األتراك[‪.]2‬‬

‫في العصور الوسطى كان ثراء غانا أسطوريا‪ ،‬وقيل أن أميرها كان يملك قطعة من الذهب وزنها ثالثين‬
‫رطال يربط اليها حصانه‪  .‬وكانت غانا بوابة لعدة إمارات مجاورة أو ’بالد الذهب‘ التي شملت أجزاء من‬
‫السنغال ومالي وموريتانيا‪  .‬لكن القصة التي ألهبت الخيال‪ ،‬كانت وال شك رحلة ملك مالي منسا موسي الى‬
‫الحج ومروره بالقاهرة‪ ،‬وكان معه مائة حمل من التبر وزن كل حمل ثالثة قناطير‪.‬‬

‫تجـارة الرقـيق‬

‫يقدّر الباحثون أن قرابة ‪ 2500‬عبد كانوا يصلون مرزق سنويا ‪ ،‬إبان حقبة الرقيق‪ .‬ولدينا شهادات حديثة‬
‫نسبيا عن أسواق النخاسة هناك ‪ ،‬سجلها الرحالة أمثال جون ليون[‪ ]vi‬سنة ‪ ،1818‬وجيمس‬
‫ريتشاردسون[‪ ]vii‬عام ‪ .1845‬لكن تأسيس الخطوط البحرية بين أوروبا وسواحل غرب أفريقيا أدى الى‬
‫تحول تجارة الرقيق بعيدا عن الصحراء ‪ ،‬خاصة مع ازدياد الطلب عليهم في جزر الكاريبي وجنوب‬
‫الواليات المتحدة للعمل في مزارع القطن وقصب السكر‪.‬‬

‫ومع نهاية القرن ‪ 18‬فقدت فزان كثيرا من أهميتها كممر تجاري ‪ ،‬بالنظر الى نضوب تجارتها مع غرب‬
‫أفريقيا‪ .‬وتراجعت قوة وثروة مرزق[‪ ]viii‬وغات وغدامس‪ ،‬التي كان المثل الشائع فيها ’’ دواء الجرب‬
‫القطران‪ ،‬ودوا الفقر السودان‘‘‪  .‬وهكذا ُهجرت واحات وخربت أخرى واختـفت تجمعات سكانية‪.‬‬
‫ثم جاءت قوانين تحريم الرق الدولية (سنة ‪ .)1833‬ومع ذلك استمر تهريب الرقيق الى السواحل الليبية‬
‫حتى بدايات القرن العشرين‪ .‬وانتقلت تجارة الصحراء ‪ ،‬دون ذهب وال رقيق ‪ ،‬الى أيدي سكان أوجلة مع‬
‫الشرق ومصر‪  ،‬وإلى تجار سوكنة‪ .‬كما انتعشت الكفرة ‪ ،‬ربما بحكم موقعها في شبكة زوايا الطريقة‬
‫السنوسية‪.‬‬

‫كان الرقيق يجلب من مناطق " برنو " ‪ " ,‬تباو " ‪ " ,‬باغرمي " ‪ " ,‬تيغري " ‪ " ,‬كانو " و" واداي " وغيرها‬
‫في مناطق الصحراء جنوبي ليبيا ‪ ،‬أو ما كان يعرف بالسودان الشرقي والغربي ‪ ..‬أو اآلن السودان ‪،‬‬
‫وتشاد والنيجر ‪ ،‬وكانوا يعرفون بأسماء مناطقهم مثل الباغرمي واالبقرماوي والبرناوي والواداوي‪ .‬لكن‬
‫ليس كل من حمل مثل هذا اللقب ‪ ،‬رقيقا ‪ ،‬بل كان هناك تجار وشيوخ دين من تلك البلدان انتهى بهم‬
‫المطاف لالستقرار في ليبيا‪ .‬وقد اشتهر في طرابلس العديد من تجار الرقيق مثل أبوحميره والشيباني‬
‫وبانون والشريف والمدني وبن عصمان األناضولي ومانع الغدامسي ‪.‬‬

‫وكان سعر الرقيق يقيّـم بإحدى العمالت المتداولة أو مقايضة بقيمة جملة من السلع‪ ،‬ففي عام‪ 1761  ‬م‬
‫نجد أن قيمة األمَـة السودانية أحد عشر ماية لاير أو مائة غراف زيت ‪ ،‬أو جمال وثلث‪ .‬وكانت قيمة‬
‫الرقيق تمثل نسبة ‪ % 50‬أو أكثر من القيمة النقدية للقافلة‪ .‬وفي عام ‪1852‬م ‪ ،‬بلغ متوسط سعر العبد‬
‫أو األ َم ة الخاليين من األمراض و العيوب في أسواق طرابلس ما بين الستين و المائة والعشرين محبوبا‬
‫للذكر ‪ ،‬بينما كان سعر األمَــة ‪ 85‬محبوبا‪.‬‬

‫كانت رحلة الرقيق عبر الصحراء تجربة بائسة ومحزنة ‪ ،‬كما كانت نسبة الوفيات بينهم عالية بسبب ما‬
‫يالقونه من مشاق الطريق أو تعرض قوافلهم للغارات‪ .‬واألكيد أن التجار كانوا يعاملون العبيد معاملة سيئة‬
‫‪ ,‬بضربهم و تعريتهم ‪ ,‬و تجويعهم‪  ‬لغرض التقليل من مصاريف الرحلة‪ .‬حتى يصلوا إلى مراكز البيع‬
‫والراحة في فزان ‪ ,‬و غات ‪ ,‬و غدامس ‪ ..‬و قد أكد مدير غدامس مثال في رسالة ( مؤرخة في ‪17‬‬
‫ديسمبر ‪  )1850‬بعث بها الى باشا طرابلس أحمد عزات باشا ‪ ،‬يخبره فيها بأنه نبّـه " على جميع التجار‬
‫الذين يجلبون العبيد من القبلة إلى طرابلس أو إلى بنغازي أو الى سائر المحالت ‪ ..‬يلزم أن يكون لهم‬
‫ترتيب في كيفية الركوب على اإلبل ‪ ,‬وتوفير ما يلزمهم من األكل والشرب وعدم التعرية "‪.‬‬

‫وعند وصول القافلة الى طرابلس ‪ ،‬يعرض العبيد في السوق ويقوم سماسرة بالمنداة على األمة أو العبد‬
‫ذاك ًرا أوصافهما ‪ ,‬مؤكدا خلوهما من األمراض و العيوب‪ .‬وفي‪  ‬مايو ‪ 1848‬وصلت إلى طرابلس قافلة‬
‫من فزان تحمل ‪ 500‬عبدا‪.‬‬

‫وكانت تجارة الرقيق تد ّر على اإليـالة دخال سنويا كبيرا‪ .‬هناك رسوم المرور التي تدفعها القوافل التجارية‬
‫وقوافل الرقيق في كافة المناطق التي تحل بها مثل مرزق ‪ ,‬وغات ‪ ,‬وغدامس‪ .‬وعند وصول القافلة إلى‬
‫طرابلس تدفع عن الرقيق جمرك لباب المنشية قيمته ‪ 9‬محابيب عن كل عبد ‪ ,‬ثم ثالثة محابيب لجمرك‬
‫باب البحر عن العبيد المصدرين من ميناء طرابلس‪ .‬وفي سنة ‪ 1864‬كان ريع اإليالة‪  57304  ‬محبوب‪.‬‬
‫ويسجل حسن الفقيه في يوميته لشهر أبريل ‪1830‬م أن لسوق العبيد لِـزمة خاصة به ‪ ,‬وأن للملتزم لاير‬
‫دورو من المشترى عن كل رأس عبد يباع‪ .‬وفي وثيقة تعود إلى سنة ‪ ، 1842‬يشكو فيها مقدموها من‬
‫بعض تجار الرقيق بطرابلس الى الوالي محمد أمين باشا ‪ ،‬من الضريبة المقررة على العبيد‪ ،‬ويقولون ‪:‬‬
‫’’ ‪ ..‬و نحن أناس على باب اهلل المطلوب من حضرتكم السنية أن تعملوا معنا شيئا يناسب في ذلك ألننا‬
‫\‬
‫فقراء و من خدام الدولة‘‘‪.‬‬

‫ولم تخلو تجارة الرقيق من مشاكل‪ .‬فقد يشترط المشتري على البائع أال يدفع الثمن كامال حتى يتأكد من‬
‫خلو العبد أو األ َمة من األمراض‪ ,‬أو حتى تـتـم تجربة العبد أو األمة لمدة معينة‪ .‬ومن المشاكل أيضا‬
‫\ وفي‬‫عدم بقاء الرقيق لدى مالكه الجديد‪ .‬وفي وثيقة تعود إلى تلك الفترة نقرأ شكوى أحد المشترين‪..’’ :‬‬
‫\ هربت ‪ ،‬فقلت لي‬ ‫الثالث يوم هربت و أتيتك و أنت في سوق الثالث بمحضر جماعة و قلت لك أ َمـتـُــك‬
‫لقيتها بقرب زاوية الشيخ الماعزي وعندها دبلجها الذي كانت متحلية بها وقت البيع‘‘‪.‬‬

‫في تلك الفترة كانت حياة الرقيق بين أسيادهم على درجة طيبة من التسامح وحسن الرعاية‪ .‬وكان العبيد‬
‫يعيشون فرادى أو جماعات في زرائب أو مع أسيادهم‪ .‬وكانوا يعملون في الزراعة والرعي والصناعة‪.‬‬
‫بينما تستخدم األمة في األعمال المنزلية كالغسيل والتنظيف والرحى والطهي‪.‬‬

‫وكان إقتناء اإلماء في البيوت ظاهرة اجتماعية شائعة حتى أنه أصبح في الغالب ال يعقد نكاح إال ويكون‬
‫أحد شروطه أمة أو اثـنـتين للعروس‪ .‬ففي عقد قران حسن بك بن محمد آغا‪  ‬ترجمان كرسي إيالة‬
‫طرابلس كان الصداق المعجل ’’ ‪ ..‬زوج أردية حرير بالبوشية و زوج أردية حرير صادة و زوج كرادي و‬
‫زوج مراقيم‪  ‬ومرآيات ‪ ،‬وأمة من رقيق السودان‘‘‪.‬‬

‫وكانت هناك أعراف تنظم عالقة الرقيق بسيده‪ .‬فإذا اقترف العبد جرما ما ‪ ,‬كالسرقة أو القتل أو غيرها من‬
‫األفعال التي يعاقب عليها القانون صار سيده مطالبا‪ .‬و للسيد الحق في تزويج أمته لمن شاء و في الغالب‬
‫يزوجها لعبد يملكه‪ .‬وللسيد حق التمتع بأمته والتسري بها ‪ ,‬و إذا ما أنجبت له أصبحت أم ولده ‪ ,‬ويكون‬
‫شرع ا وعرفًـا أن تعتق‪ .‬وفي إحدى الوثائق القديمة نقرأ أن فالن ’’‪ ..‬بمحروسة طرابلس غرب‬ ‫ً‬ ‫من حقها‬
‫أعتق أمته الجنزية ( كذا ) المسمات مسعودة ‪ ..‬أفناوية البلد من رقيق السودان طويلة القامة حالكة‬
‫السواد ‪ ،‬وألحقها بأحرار المسلمين فيما لهم وعليهم بحيث ال يكون ألحد عليها سبيل ‪ ...‬رجاء أن‬
‫يعـتـق بكل عضو منها عضو منه من النار‘‘‪ .‬وقد يتبرع أهل البر واإلحسان بمبالغ من المال كصدقات‬
‫لغرض تحرير الرقيق‪ .‬كما يعتق العبيد صدقة على ميت‪ .‬وقد يوصي أحدهم بعتق عبده بعد وفاة المالك‪،‬‬
‫على أن يقوم العبد بخدمة سيده أثناء شيخوخته أو طيلة فترة مرضه حتى مماته‪.‬‬

‫صـناعات طرابلس‬

‫سجـل الرحالة جون ليون‪  ‬أنه ’’ يوجد بالمدينة حوانيت كثيرة ‪ ،‬كما توجد شوارع‬ ‫في سنة ‪ّ 1818‬‬
‫مسقوفة رصت على جانبيها بعض المحال الصغيرة‪ .‬وهناك يقف المزايدون يبيعون العبيد والسلع ‪ ..‬ويعقد‬
‫كل أسبوع سوقان كبيران ‪ ،‬أحدهما يوم الثالثاء في مكان رملي خلف طرابلس‪ ،‬واآلخر يوم الجمعة على‬
‫بعد أربعة أميال من المدينة في حدائق المنشية‘‘‪.‬‬

‫شملت أسواق طرابلس في القرن الثامن عشر أسواق الخضرة وسوق القزدارة وسوق الصياغة‪ ،‬وأسواق‬
‫البقالين والسراجة والسبابطية والحدادة ‪ ،‬وسوق الرباع وسوق الترك وسوق الحطب وسوق الرقريق‬
‫\ عامة ليوم‪  ‬واحد في‬
‫وسوق الفنيدقة وسوق الخبز‪ .‬وكان هناك سوق الجمعة و سوق الثالثاء كأسواق‬
‫األسبوع‪.‬‬

‫وكانت المنسوجات أهم صناعات طرابلس ‪ ،‬فالجرد أو الحولي المصنوع من صوف األغنام ‪  ،‬كان لباس‬
‫الرجل الليبي‪ .‬واشتهرت منطقة الجبل الغربي بصناعة الجرود الرجالية رفيعة الجودة‪ .‬ولذلك كان الصوف‬
‫سلعة هامة ‪ ،‬تجمع في موسم جز األغنام بمكان يعرف برحبة الصوف ‪ ،‬ويباع بمقادير تسمي جزات‬
‫وشلوفات وعرائر‪.‬‬

‫وكان ال ّر دا (جمعها ردية) لباس النساء‪ .‬وعرفت طرابلس حرفيين مهرة في صناعتها‪ .‬وأصبح ال يعقد عقد‬
‫زواج إال و يشمل المهر عدد من أنواع هذه األردية ‪ ،‬مثال‪  ‬رداءان اثنان حرير و مرقوم ‪ ،‬ردا حب‬
‫رمان ‪ ،‬ردا جناح مقنين‪ .‬وكانت بعض النسوة يقمن بنسج الردية في بيوتهن ‪.‬‬

‫وهيمن الصاغة اليهود على صياغة الذهب والفضة في‪  ‬طرابلس‪ .‬وتحفل سجالت محكمة طرابلس بقضايا‬
‫تلقى الضوء على عالقات الصاغة ومشاكل تلك الصناعة‪ .‬ففي‪  ‬دعوى سنة ‪ ، 1847‬تقول المدعية‬
‫بأنها ‪" ..‬وضعت نصف رطل فضه لدى الذمي نسيم شحيمة ‪ ..‬على أن يصغ لها شعرية بثالث أواق‬
‫وعنابر بثالث أواق وحجابات بوقيتان ومات قبل أن يصوغ لها ذلك‪  .‬وهي اآلن تطلب‪  ‬خالصها من‬
‫َخـلَـف الهالك المدعى عليه ‪ ‘‘ . .‬وطالبت مدعية أخرى المدعى عليه ’’ بأربعمائة قرش وخمسون‬
‫قرشا دفعت للمدعى عليه الذمي طيون بن هارون ليصيغ لها زوج دبالج و زوج خراص فضة نقية و الى‬
‫\ وكان كافة ما يصنعه الصاغة من حلى ذهبية وفضية يعرض على أمين الصياغة‬ ‫اآلن لم يضع لها ذلك‘‘‪.‬‬
‫لمراقبته من حيث جودة الصنع و العيار ‪ ,‬و يضع ختمه على ذلك ثم يمنح ورقة تفيد الوزن و العيار‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 1851‬م تم تقنين أسعار الخبز بحيث أصبح الخبز المحور يزن ‪ 320‬جراما تقريبا ‪ ,‬وخبز‬
‫السميد يزن ‪ 448‬جراما تقريبا وخبز الدقيق يزن ‪  480‬جراما تقريبا ‪ ،‬كل بسعر عشر بارات‪ .‬كما‬
‫وضعت قيم للمكاييل واألوزان‪.‬‬

‫الجدول الرسمي لألوزان والمكاييل‬


‫المستعملة إبان العصر التركي‬
‫الهندازة ( ‪ 68‬سم) ‪ ،‬والذراع الع ربي (‬ ‫كيل المنسوجات‬
‫‪ 49‬سم)‪.‬‬
‫ال ذراع الملكي ( ‪ 50‬س م) والحب ل ( ‪70‬‬ ‫كيل األراضي‬
‫ذراع ملكي أو ‪ 35‬مترا)‬
‫تق اس بالجابي ة ( ‪ 1225‬م ترا مربع ا) ‪،‬‬ ‫مساحة األراضي‬
‫والجدولة حوالي ‪ 12‬مترا مربعا‪.‬‬
‫كيل الحبوب وهي المرطه ( ‪ 20‬حوالي‬ ‫كيل الحبوب‬
‫ليتر) والويبـّة وتساوي ‪ 14‬مرطه‪.‬‬
‫الغراف ( ‪ 2‬لتر وثلث) والج رة (ح والي‬ ‫كيل السوائل‬
‫‪ 6‬غراريف أو ‪ 14‬لتر‪.‬‬
‫الوقـّه (كيلو وثلث) والقنطار(‪ 40‬وقة )‪.‬‬ ‫أوزان السوق العادي‬
‫وح دتها الوقي ة ( ح والي‪ 32‬غ رام)‪،‬‬ ‫أوزان العطارة‬
‫والدرهم عشر أوقية أو ‪ 3.2‬غرامات‪.‬‬
‫ام وح دتها الرط ل ويس اوي نص ف كيل و ‪،‬‬ ‫أوزان ريش النع‬
‫وينقسم إلى ‪ 16‬وقية‪.‬‬ ‫والصوف المغزول‬
‫وتك ون بالوقي ة ( ح والي ‪ 30‬غ رام ‪،‬‬ ‫أوزان الفضة والحرير‬
‫والدرهم ويساوي عشر الوقية‪.‬‬
‫وتك ون بالمثق ال (‪ 4.6‬غ رام) والخروب ة‬ ‫أوزان الذهب‬
‫وهي ‪ 1/16‬من الدرهم (خمس غرام)‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫وعرفت طرابلس حركة تجارية نشطة مع الخارج‪ .‬ومن اهم السلع المصدرة الى تونس ‪ :‬الشعير‬
‫والمصنوعات الحريرية والنطرون والعبيد والفلفل والحلي‪ .‬وكانت طرابلس تستورد القطران من سوسة‪ ‬‬
‫أما البضائع المستوردة من مصر فشملت األقمشة واألرز والفول والقطن والسيوف والطواقي والكركب‪.‬‬
‫ومن تركيا كان تجار طرابلس يستوردون اللفة والجاوي والحرير والقرنفل والنشادر والخشب والدخان‪ .‬‬
‫وقد اشتهر العديد من التجار األوروبيين في أسواق طرابلس نذكر منهم‪  ‬على سبيل المثال ال الحصر‬
‫التاجر المالطي زوزابي فتيين والتاجر السرديني سيتسيوبي انتوبي ‪ ,‬والتاجر االنجليزي هلول‪ ،‬والنابولي‬
‫سنسيتو و التوسكاني جاكمو كربال‪ .‬وكان أهم ما يصدر من طرابلس إلى أوروبا الشعير والتمر والزعفران‬
‫والجلود والزيت‪.‬‬
‫وما من شك أن استقرار األسواق مرهون باستقرار العملة وقوتها الشرائية‪ .‬وفي تنبيه عن العملة أصدره‬
‫الوالي محمد رائف باشا في ‪ 1836‬م‪ ،  ‬حذر فيه من يخالف هذا التنبيه بأقصى العقوبة ‪ ’’ :‬الحمد هلل‬
‫هذه صورة تنبيه على السكة نصها هاذا ( كذا ) تنبيه وتوضيح ليعلمه الخاص و العام في مصارفة السكة‬
‫متاع طرابلس وغير طرابلس فاألول منها بارة ببارة نحاس وثانيها أي قرش طرابلس متاع يوسف باشا‬
‫صرفه بماية بارة نحاس أو فضة ولاير نجيب باشا متاع قرش وربع بماية‘‘‪.‬‬

‫متى تصبح المدينة قديمة ؟‬

‫حتى المدن تفقد وظيفتها ‪ ..‬لها عمر افتراضي ‪ ،‬ويبدو أن مدينة طرابلس ضاقت بسكانها ‪ ،‬الذين انتقل‬
‫الكثير منهم إلى المناطق المحيطة‪ :‬شارع الزاوية وميزران والظهرة والمنشية وزاوية الدهماني ‪، ..‬‬
‫بعضهم بحثا عن سكن فسيح ‪ ،‬وبعضهم اضطرارا لرخص األرض‪ .‬ونلمح اإلحساس بأزمة المدينة في‬
‫رسالة من إمامي محلتين إلى الوالي العثماني ‪ ،‬محررة في ‪ 19‬مايو سنة ‪1906‬لحضرة عالي مقام حامي‬
‫الوالية[‪]ix‬‬

‫ما يعرضه عبيدكم‬

‫يوجد داخل بلدة طرابلس الغرب ست محالت منها الحارة الكبيرة و الحارة الصغيرة‪  ‬خاصة باليهود و‬
‫محل‪  ‬سكناهم ‪ .‬محلة باب البحر منذ القديم يسكنها المسلمون و األجانب ‪ ،‬ومحالت البلدية و كوشة‬
‫الصفار و حومة غريان يختص بسكناها المسلمون‪ .‬إال انه لما أنشئت مباني كثيرة خارج المدينة رغب‬
‫بعض المسلمين في االنتقال إليها وأجروا المساكن التي كانوا يملكونها داخل المدينة لليهود واألجانب فزاد‬
‫بذلك عددهم‪ .‬ولما اخبرنا الوالة السابقين العظام بان ذلك سبب إلى بقاء المساجد و الجوامع في حالة خلو‬
‫و تعطل أصدروا أو أمرهم السامية بأنه حتى ال يسكن في المحلة شخصا غير مرغوب فيه يكون تأجير‬
‫المساكن مربوط بعقود تحرر من قبل أئمة المحالت‪ .‬إال ذلك لم ينفذ و أخذ األهالي في تأجير أمالكهم‪  ‬بال‬
‫عقود ويبيعون دون أن يرجعوا أحدا‪ .‬إن محلتي البلدية و كوشة الصفار متصلتان ببعضهما و تحتويان‬
‫على ‪ 21‬مسجدا و ‪ 700‬مسكنا‬
‫و كما إن كل مسلم غيور على دينه فاهلل أيضا غيور‪ .‬إننا نقدم هذه طالبين إجراء األعمال الصالحة على‬
‫يديكم وذلك بمنع بيع أمالك المحلتين المذكورتين لليهود واألجانب‪.‬‬

‫إمام محلة البلدية ( الختم غير مقروء ) ‪ ,‬امام محلة كوشة الصفار‪ :‬محمد بن موسى‘‘‬

You might also like