You are on page 1of 31

‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات‬

‫قبل وبعد االحتالل‬

‫د‪ .‬ابراهيم مياسي‬


‫جامعة اجلزائر‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫التقديم‪:‬‬
‫تعترب الصحراء اإلفريقية الكربى‪ .‬مبا فيها الصحراء اجلزائرية‪،‬‬
‫قلب العامل ملا حتتله من موقع اسرتاتيجي ‪-‬جغرايف ‪-‬وسطي هام‪،‬‬
‫فهي مبثابة جسر عاملي يربط األجزاء املختلفة مشاال وجنوبا‪ ،‬شرقا‬
‫وغربا‪ ،‬هلذا اهتم بها األوروبيون منذ أن خرجوا من قارتهم يف‬
‫العصر احلديث بغية الكشوفات اجلغرافية‪ ،‬ومن ثم التوسع‬
‫االستعماري فيما وراء البحار‪ ،‬وأرادوا خالل القرنني الثامن عشر‬
‫والتاسع عشر امليالديني كشف أسرارها ومعرفة أغوارها‪ ،‬فبدأ‬
‫يتوافد عليها بعض املغامرين األوروبيني ضمن حركة االستكشاف‪.‬‬
‫وذلك أن الصحراء اإلفريقية طيلة قرون عديدة جمهولة لديهم ومل‬
‫يقدم عنها الرحالون القدماء اإلغريق والرومان إال معلومات ضئيلة‬
‫وحمدودة‪.‬‬
‫ومن املعروف أن أول من تعرف عليهم الرحالون العرب املسلمون‪،‬‬
‫الذين ذكروا معاملها وظروفها السياسية واحلضارية يف كتبهم‬
‫)‪(2‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫يف‬ ‫يف القرن العاشر امليالدي والبكري‬ ‫أمــثال ابن حوقل‬
‫)‪(3‬‬
‫خالل القرن الثاني عشر‬ ‫القرن احلادي عشر امليالدي واإلدريس‬
‫امليالدي وكذلك ابن بطوطة الذي توغل داخل السودان يف رحلته‬
‫الثالثة وسجل لنا ما الحظه يف رحلته منها"…فمن أفعاهلم احلسنة‬
‫قلة الظلم‪ ،‬فمنهم أبعد الناس عنه‪ ،‬وسلطانهم ال يسمح أحدا يف‬

‫‪39‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫شيء منه ومنها مشول األمن يف بالدهم‪ ،‬فال خياف املسافر فيها وال‬
‫املقيم من سارق وال غاصــب ومنهم عدم تعرض املال من ميوت‬
‫ببالدهم مــن البيضان)‪.(4‬‬
‫كما قام الرَّحَالة أبو احلسن بن عبد حممد الوزان املعروف يف‬
‫الغرب املسيحي بـ "ليون" اإلفريقي )‪" (LEON L’Africain‬برحلة إىل‬
‫صحراء يف مطلع القرن السادس عشر قدم من خالهلا عدة معلومات‬
‫هامة عن هذه البقاع منها‪:‬‬
‫"الحتمل هذه الصحاري اسم دارج بيننا‪ ،‬بيد أنها تنقسم إىل مخسة‬
‫أقسام‪ ،‬أطلق على كل منها اسم القوم الذين يسكنون فيه‪،‬‬
‫وجيدون وسائل معاشهم…أولئك هم النوميديون الذين ينقسمون إىل‬
‫مخس جمموعات هي‪:‬‬

‫الزناتة‪ ،‬الونزيقبة‪ ،‬الطارقة‪ ،‬اللمتة‪ ،‬والربداوة‪ ،‬وتوجد يف هذه‬


‫املناطق بعض البقاع اليت تتخذ أمساء فريدة بسبب نوعية البالد من‬
‫جودة‪ ،‬أو رداءة‪ ،‬مثل األزواء‪ ،‬اليت عرفت بهذا االسم بسبب عمقها‬
‫وجفافها‪ ،‬وآيري عبارة عن صحراء‪ ،‬و الذي نال هذا االسم بسبب‬
‫عذوبة هوائه املعتدل)‪.(5‬‬
‫أ ما العياشي فقد قام برحلته إىل املشرق ألداء فريضة احلج خالل‬
‫القرن السابع عشر‪ ،‬وقد سلك يف الذهاب واإلياب الطرق‬
‫الصحراوية باملغرب األوسط انطالقا من سجلماسة‪ ،‬وسجل لنا‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫مالحظاته حول هذه املضارب يف كتابه املسمى‪" :‬رحلة العياشي "أو‬


‫" ما ء املوائد" ومنه هذه املقتطفات‪ " :‬ثم ارحتلنا من هناك وبلغنا‬
‫(وادي جري )وهو وادي كبري فسيح ملتف األشجار كثري املرعى‬
‫غامض املسعى‪ ،‬جيتمع إليه سيول من املساحات البعيدة…وميتد‬
‫كذلك إىل ناحية الصحراء واحلمادة متصلة يف جوانبه إىل أن يصل‬
‫أطراف احلماد الكبري الذي بينه وبني سجلماسة‪ ،‬و من هناك‬
‫تنقطع الصحراء إىل أن يصل أول قرية من (توات) فيتعطف ميينا يف‬
‫"‪..‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫مسافة‬ ‫املغرب‬ ‫أودية‬ ‫أطول‬ ‫وهو‬ ‫كثرية‬ ‫رمال‬
‫ومن هذا الوادي وصل الرحالة إىل بين عباس ثم دخل واحات توات‬
‫اليت أفاض يف احلديث عنها‪ ،‬ثم انتقل إىل بلدة املنيعة من قرية والن‬
‫ونزل بها عند الضحى وتسمى أيضا القليعة ‪-‬تصغري قلعة ‪ -‬وهي‬
‫قرية حصينة من حجر صلد يف سفح جبل منقطع عنه‪ ،‬وبها آبار‬
‫كثرية طيبة املاء وخنيل ليس بكثري وهي يف طاعة سلطان واركال‬
‫وبها عامله ومهمته على قدر همّة مستعمله وهو أسود حايف الرجل‬
‫عاري الرأس يف مالءة وسخة ومع ذلك يتحاكم إليه أهل قريته‬
‫ويذعنون ألمره‪ .‬وبهذه القرية كان يرتل الشيخ احلاج اإلبر سيدي‬
‫أبوحفص بن الولي الصاحل سيدي عبد القادر بن حممد سليمان بن‬
‫بومساحة )‪ ،(7‬وله بها زاوية لذلك فهي تعد من عواصم أوالد سيدي‬
‫الشيخ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫وهكذا قدم العياشي معلومات قيمة عن بلدة املنيعة اليت طاملا حبث‬
‫عنها الفرنسيون جلعلها قاعدة هلم يف عمليات التوسع االستعماري‪.‬‬
‫ثم واصل رحلته إىل ورقلة وسوف وطرابلس ومصر وأما يف طريق‬
‫العودة فقد مر بسكرة و األغواط وعني ماضي وغريها‪ ،‬وقد قدم‬
‫أخبار نفسية ومعلومات انفرد بذكرها عن هذا الطريق اجلنوبي‬
‫وعن الصحراء وأخالق الناس و عوائدهم وأحوال العلماء والصلحاء‬
‫وغريها‪.‬‬ ‫والتجارة‬
‫إن الصحراء اإلفريقية قد شهدت خالل العصور الوسطى وبداية‬
‫العصر احلديث مدا إسالميا واسعا عن طريق جتار وسكان املغرب‬
‫العربي وصعيد مصر‪ ،‬ولعب املرابطون واملوحدون دورا هاما وبارزا‬
‫يف نشر الدين اإلسالمي حتى أعماق الصحراء‪ ،‬حيث قامت بها‬
‫مراكز عمرانية وحضارية كبرية أبرزها مدينة متبكتو‪ ،‬وجين و‬
‫غاو‪ ،‬كما قامت بها جمموعات مـــــــن اإلمارات واملمالك‬
‫)‪(8‬‬
‫وأخذت الثقافة العربية اإلسالمية طريقها إىل كل‬ ‫اإلســــالمية‬
‫بالد السودان وبلغت أوج ازدهارها خالل القرن السادس عشر‪،‬حيث‬
‫حسن إسالم الناس وتكاثر علماؤهم وأصبحت املنطقة كلها‬
‫امتدادا طبيعيا للثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬ذلك أن سلطان مملكة‬
‫سنغاري األسقيا حممد قد وجه أسئلة فقهية إىل العالمة حممد بن‬
‫عبد الكريم املغيلي التلمساني لنشر العدل واحلكم بالشريعة‬
‫اإلسالمية على الوجه الصحيح عقائد الناس وأخالقهم وفقا هلذه‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫الشريعة وما تأمر به من أحكام‪ ،‬وكذلك األمر باملعروف والنهي‬


‫عن املنكر‪ ،‬فارحتل املغيلي إىل بالد كاغو واتصل باحلاج حممد‬
‫األول سنة ‪1502‬م وكانت له قبل ذلك عالقات طيبة معه‪ ،‬حيث‬
‫)‪(9‬‬
‫وهو من الكتب‬ ‫ألف له كــتابا به إجابة عن تلك املسائل‬
‫املعروفة عند العلماء ‪"-‬أسئلة األسقيا وأجوبة املغيلي‪" (10).‬‬
‫‪1830‬م**‬ ‫قبل‬ ‫االستكشافية‬ ‫البعثات‬ ‫**أ ‪-‬‬
‫لعبت التجارة دورا كبريا يف ربط العالقات الودية بني هذه املمالك‬
‫وسكان جنوب املغرب العربي‪ ،‬لذلك استهوى هذا النشاط التجاري‬
‫الواسع واملزدهر بالصحراء الدول األوروبية‪ ،‬فعزمت على غزو‬
‫الصحراء واستعمارها‪ ،‬فاهتموا مبعرفة الطرق الصحراوية وتتبع‬
‫منابع األنهار اإلفريقية‪ ،‬كالنيل والنيجر وغامبيا وغريها‪،‬‬
‫وتكونت هلذا الغرض عدة مجعيات جغرافية وعملية تكفلت‬
‫بإرسال البعثات االستكشافية‪ ،‬وحتملت نفقات هذه الرحالت‪.‬‬
‫نذكر من هذه اجلمعيات على سبيل املثال ‪ " :‬اجلمعية اإلفريقية‬
‫‪(The‬اليت تأسست عام ‪1788‬م‪ ،‬وقامت يف‬ ‫)‪Africain Association‬‬

‫البداية بإرسال ثالثة من الرّحالني وهو " هورن مان )‪:(Horn – Men‬‬
‫األملاني و " لوكاس )‪" (Luckas‬و" ليد بارد )‪"(Lund Bard‬يف رحالت‬
‫متتابعة حتت رعايتها ولكنهم ماتوا مجيعا‪ ،‬إما بسبب األمراض أو‬
‫قتلوا‪ ،‬فاجتهت األنظار بعد ذلك إىل نهر غامبيا للشروع يف إرسال‬

‫‪43‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫البعثات من هذه الناحية ألن الربيطانيني قد أسسوا بها بعض‬


‫املراكز التجارية‬
‫كذلك أرسل امليجر" هيوتون" الذي كان قنصال يف مراكش‬
‫فبدأ رحلته سنة ‪1870‬م يف مصب نهر غامبيا وتوغل حنو الداخل ثم‬
‫انقطعت أخباره إىل األبد‪ ،‬لذلك وقع اختيار اجلميع على الرحالة‬
‫الذي كان يعمل‬ ‫)‪" (Mongo Parko‬‬ ‫األسكتالندي " مونغو برك‬
‫طبيبا وكانت املهمة املكلف بها يف هذه الرحلة هو التعرف على‬
‫)‪.(11‬‬
‫مصبه‬ ‫إىل‬ ‫وتتبعه‬ ‫النيجر‬ ‫نهر‬ ‫جمرى‬
‫وصل "بارك" إىل ساحل غامبيا يف جوان ‪1875‬م حيث مكث مخسة‬
‫أشهر يف بيزانيا مع تاجر بريطاني يقيم على الساحل يدعى " ليدلي"‬
‫له صالت حسنة مع بعض جتار الداخل وخاصة الرقيق الذين هلم‬
‫معرفة جيدة باملسالك الصحراوية‬
‫تعلم "بارك" خالل هذه املدة لغة " املاندينغ" وهي إحدى القبائل‬
‫القوية اليت تعيش يف الداخل وتدين بالدين اإلسالمي احلنيف‪ ،‬ويف‬
‫شهر ديسمرب بدأ "بارك" رحلته وقد رافقه دليل وخادم‪ ،‬وكان‬
‫ميتطي حصانا‪ ،‬بينما كان تابعاه ميتطيان محارين‪ ،‬ومحلت‬
‫أمتعتهم على ثالثة محري أخرى‪ ،‬وسلكت هذه الفرقة طريق "‬
‫م إىل ‪":‬‬ ‫‪1796‬‬ ‫بوندو" اليت هي سلطنة "كاسو" ووصلوا يف بداية سنة‬
‫دنيا"‪ ،‬حيث تعرض " مونغو برك "مع مرافقيه إىل هجوم قطاع‬
‫الطرق الذين سلبوا منه مجيع أمتعته مما ثبط عزم تابعيه فقررا أن‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫ال يذهبا معه إىل أبعد من ذلك‬


‫م عزم " بارك" على الوصول إىل نهر النيجر مع‬ ‫‪1796‬‬ ‫ويف مارس‬
‫خادمه و لكنه وقع يف أسر جتار الرقيق فحجزوه مدة تقارب األربعة‬
‫أشهر استطاع بعدها أن يسرق حصانا ويفر به وبعد عدة أيام‬
‫قضاها يف الفيايف اخلالية دخل " بارك" إىل بالد وفرية الغنى‬
‫م إىل‬ ‫‪1776‬‬ ‫ومضيافة وهي سلطنة "البامبارا" ومنها وصل يف جوان‬
‫مدينة " سيغو" اليت يقدر عدد سكانها حبوالي ثالثني ألف ساكن‬
‫واليت اكتشف بها حضارة رائعة أعجب بها‬
‫مل تنل هذه املشاكل والصعوبات من عزمية "بارك" الذي واصل‬
‫رحلته غري أن التعب واملرض والتعرض للصوص جعله يعدل عن‬
‫املضي إىل اهلدف ورجع إىل بالد " املاندينغ "واستقر يف مدينة‬
‫"كاماليا" حتى أفريل ‪ 1797‬م وبها ال حظ عادات وتقاليد"املاندينغ "‬
‫اليت أبهرته‪ ،‬فسجل ثقافتهم وطقوسهم واهتماماتهم‪ ،‬كما سجل‬
‫أيضا كيفية بيع العبيد وتداول الذهب والعاج واجلواهر الثمينة‪،‬‬
‫لذلك حث احلكومة الربيطانية على بسط نفوذها واحتالل هذه‬
‫املناطق وأن تتدخل بقوة يف الصحراء اإلفريقية حتى تستحوذ على‬
‫)‪(12‬‬
‫هذه اخلريات والكنوز‬
‫وبعد سبعة أشهر قضاها يف مدينة "كاماليا" غــادر "بارك" بـــالد"‬
‫املاندينغ" مع قافلة متجهة إىل "غامبيا"‪ ،‬ويف الثاني من شهر ديسمرب‬

‫‪45‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫أحبر هذا املكتشف إىل إجنلرتا‪ ،‬وملا استقر هناك أجنز عمال‬
‫عِلميا قدم فيه معلومات هامة وجديدة حول رحلته املتعلقة باحلضارة‬
‫الصحراوية وإفريقيا واستطاع أن يصحح املفاهيم اخلاطئة العالقة‬
‫يف الذهنية األوروبية عن إفريقيا بكونها بالد الوحوش فقط‪ ،‬و‬
‫أعطى حقائق جغرافية وحضارية عن إفريقيا وسكانها‪.‬‬
‫وقد ترك مؤلف "مونغو بارك" انطباعا حسنا وترك كتابه صدى‬
‫واسعا وشهرة فائقة لدى احلكومات األوروبية وخاصة الفرنسية‬
‫اليت تتابع هذه احلركات عن بعد لتنافس بذلك احلكومة‬
‫واألطماع الربيطانية اليت اتصل الرحالة "بارك" من أجل تدعيم‬
‫مشروعه وتقديم املساعدة األزمة لرحلته الثانية‬
‫وهكذا رجع "بارك" ‘إىل إفريقيا مرة أخرى يوم ‪ 31‬جانفي ‪ 1805‬م‬
‫فانطلق إىل "غامبيا" ومكث بها عدة أسابيع إلعداد الرحلة‬
‫فكانت قافلته هذه املرة أكرب عددا وأكثر استعدادا‪.‬‬
‫أفريل ‪1805‬م غادر" بارك" غامبيا مع صاحبيه ومخسة‬ ‫‪27‬‬ ‫ففي‬
‫وثالثني جنديا لبدأ املغامرات الثانية‪ ،‬فوصلت البعثة إىل "باماكو"‬
‫أوت من السنة نفسها‪ ،‬ولكن تهاطل األمطار‪ ،‬وتفشي‬ ‫‪19‬‬ ‫يف يوم‬
‫األمراض واألوبئة يف صفوف فرقته وموت العديد من رفاقه‪ ،‬جعل‬
‫الرحلة تتعطل بل مل تتم وانقطعت أخباره بعد آخر خطاب له موجه‬
‫إىل زوجته من "سانسانديغ" ليؤكد هلا أن حالته جيدة وبعد‬
‫التحريات اليت قامت بها احلكومة الربيطانية‪ ،‬تبني أن "مونغو‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫)‪.(13‬‬
‫بارك" قد وقع يف كمني قتل على إثره مع من بقي من أصحابه‬
‫توفقت الرحاالت لفرتة طويلة ثم استأنفت من جــديد‪ ،‬فبعد عام‬
‫م جهزت بريطانيا عدة رحالت أخرى الستكشاف الصحراء‬ ‫‪1815‬‬

‫وجمرى نهر النيجر‪ ،‬فانطلقت البعثات من غرب إفريقيا ومشاها‬


‫وشرقها‪ ،‬منها رحلة الدكتور " أودني" ومعه املالزم "كالبرتون "‬
‫والنقيب "ديكسون دينهام"‪ ،‬وكذلك رحلة" ريشارد والندر" الذي‬
‫اكتشف مصب نهر النيجر وخليج " غانا" عن طريق الصدفة‪ ،‬حيث‬
‫وقع " الندر" يف األسر وبيع يف سوق العبيد وسيق إىل باخرة بريطانية‬
‫محلته عرب النهر إىل أن وصل إىل البحر ثم متكن مبساعدة‬
‫الربيطانيني من العتق ودخل إىل إجنلرتا على منت البواخر الربيطانية‬
‫وكتب كتابه الذي نشره سنة ‪1832‬م ‪ ،‬يف ثالثة جملدات‪ ،‬كشف‬
‫فيها عن أسرار جمرى نهر النيجر وبذلك وضع حدا ملشكلة‬
‫)‪(14‬‬
‫اكتشاف النيجر‬
‫لقد اتصلت " اجلمعية اإلفريقية" أيضا يف هذه الفرتة مبغامر مشهور‬
‫"الذي اشتهر برحالته‬ ‫)‪(Gordon Laig‬‬ ‫وهو النقيب " غوردن الن‬
‫االستكشافية و مغامراته داخل إفريقيا‪ ،‬وقد طلبت منه اجلمعية‬
‫أن يلتحق مبدينة "متبوكتو" وينظم إىل رحلة "كالبرتون "املوجودة‬
‫يف "سوكوتو" وينضم إىل رحلة "كالبرتون" املوجودة يف‬
‫"سوكوتو"‪ ،‬لذلك غادر "النغ" لندن سنة ‪1825‬م للوصول إىل‬

‫‪47‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫طرابلس‪.‬‬
‫وبعد دراسة املشروع دراسة مستفيضة انطلق يف شهر جويلية ‪1825‬م‬
‫مع الشيخ "باباني "الذي يتمتع مبركز ديين هام يف طرابلس‬
‫ليحميه من حترشات املعتدين‪ ،‬ويف منتصف الطريق هامجه التوارق‬
‫وجرحوه جروحا بليغة‪ ،‬ونهبوا متاعه لكن الشيخ "باباني "أنقذه من‬
‫اهلالك وأسعفه بعد أن انتقل به إىل قبيلة من أصول عربية‪ ،‬حيث‬
‫مكث "النغ "هناك حوالي ثالثة أشهر‪ ،‬ورغم أنه مل يتماثل إىل‬
‫الشفاء فقد قرر مواصلة الرحلة واالجتاه حنو املدينة "متبوكتو"‬
‫خوفا من األمراض املتفشية بني أفراد هذه القبيلة اليت استضافته‪.‬‬
‫وصل "النغ" إىل مدينة" متبوكتو" ثم غادرها‬ ‫‪1826‬‬ ‫أوت‬ ‫‪18‬‬ ‫ويف‬
‫بسرعة لكو نه مسيحيا غري مرغوب فيه من جهة‪ ،‬واعتقد أنه من‬
‫اجلواسيس الذين يكشفون أسرارهم ويقدمونها لقوات أجنبية‬
‫معادية من جهة أخرى‬
‫وبعد انضمامه للقافلة املغادرة للمدينة وقبل انطالق القافلة قتله‬
‫قائد القافلة اليت خرج معها وأحرق مجيع أوراقه ومذكراته ومل‬
‫)‪(15‬‬
‫و يظهر أن قتله وحرق متاعه كان‬ ‫يصل منها شيء إىل أوروبا‬
‫بسبب اكتشاف مرض "النغ" اخلطري الذي ميكن أن يتفشى وباؤه‬
‫بني مسافري القافلة‪ ،‬لذلك عمل رئيس القافلة على التخلص منه و‬
‫كل ما يتصل به من متاع وأوراق ومذكرات‬
‫وهكذا بقيت مدينة " متبوكتو" جمهولة لدى األوروبيني حتى جاء‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫املغامر الفرنسي "رونيه كاييه )‪" (René Caillé‬الذي كان منذ صغره‬
‫)‪(16‬‬
‫‪.‬ولكن نشأته الفقرية مل‬ ‫شغوفا بالسفر والرحلة والرتحال‬
‫متكنه من حتقيق رغباته‪ ،‬كما أنه مل يتمكن من إمتام تعليمه‪،‬‬
‫فاضطر اضطرارا إىل األشغال من أجل كسب قوته‪ ،‬فامتهن‬
‫اإلسكافية لكنه سرعان ما كره هذا العمل وتركه وسافر إىل‬
‫خارج‪.‬‬
‫ومن أجل تلبية رغابته وهوايته املفضلة قرر السفر سنة ‪1816‬م وغادر‬
‫"متجهة إىل السنغال‬ ‫)‪(La Loire‬‬ ‫بالده على منت باخرة أمسها " اللوار‬
‫ومل يكن ميلك سوى سِتني فرنكا فقط‪ ،‬وقد حاول املشاركة يف‬
‫"يف غرب إفريقيا ولكنه‬ ‫)‪(Gray‬‬ ‫البعثة اليت نظمها النقيب "غراي‬
‫فشل لذلك فأجته إىل "قواد لوب" جبزر األنتيل‬
‫رجع " رونيه كاييه" إىل السينغال ليلتحق بالرحلة‬ ‫‪1818‬‬ ‫ويف عام‬
‫املتوجهة إىل بعثة ‪" :‬غراي" ولكنهم توقفوا يف "باكل" وبقوا يف‬
‫احلصن الفرنسي‪ ،‬وفيما بني سنيت ‪1824‬م و ‪1825‬م قام املغامر‬
‫‪.‬وعاش مدة‬ ‫)‪(17‬‬
‫الفرنسي برحلة عرب الضفة اليمنى لنهر السينغال‬
‫طويلة مع البدو يف هذه املناطق‪ ،‬وتعلم لغتهم وأظهر نوعا من‬
‫االحرتام والتقدير ملعتقداتهم وحفظ بعض آيات القرآن الكريم‪ ،‬ثم‬
‫ادعى أنه من أصل عربي وهو مسلم لكنه وقع يف األسر إثر محلة‬
‫نابليون بونابرت على مصر سنة ‪1798‬م أُخِذ بعدها إىل فرنسا وعتق‬

‫‪49‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫)‪(18‬‬
‫هناك لذلك حياول بعد عتقه أن يعود إىل بالده مصر‬
‫‪1827-‬م بعدة حماوالت‬ ‫‪1825‬‬ ‫قام " كاييه" فيما بعد ما بني أعوام‬
‫للوصول إىل "متبوكتو "رغم أنه مل يتلق أي دعم ال من فرنسا وال‬
‫من إنكلرتا‪ ،‬ورغم ما تعرض له من مصاعب مجة‪ ،‬منها إصابة‬
‫)‪(19‬‬
‫قدميه جبروح أثنته عن السري فبقي يف مدينة"تيمي" حتى شفي‬
‫ويف ‪ 9‬جانفي ‪ 1828‬م انطلق " رونيه كاييه" بعد أن غري اجتاهه حنو‬
‫"جيين" اليت وصلها يوم ‪ 16‬مارس ومنها انتقل عرب النهر إىل "كابرا"‬
‫أفريل‪ ،‬و من ثم هَمَّ بالدخول إىل مدينة‬ ‫‪19‬‬ ‫اليت وصلها يوم‬
‫"تومبوكتو" اليت حل بها يوم ‪ 20‬أفريل ‪ 1828‬ومكث بها أربعة عشر‬
‫يوما‪ ،‬وقد أعجب باملدينة ومبنازهلا وسكانها وتصرفاتهم ودَوّن‬
‫)‪(20‬‬
‫كل ذلك يف مذكراته‬
‫وكان "كاييه" ينوي أن خيرتق الصحراء إىل الشرق حنو مصر‬
‫واحلجاز‪ ،‬ولكن اعرتضت سبيله صعوبات عديدة‪ ،‬فاكتفى‬
‫بالوصول إىل "متبوكتو" ثم العودة" منها إىل طنجة‪.‬‬
‫غادر "كاييه" متبوكتو" يوم ‪ 4‬ماي ‪1828‬م على ظهر مجل مع قافلة‬
‫‪12‬‬ ‫متوجهة إىل املغرب األقصى عرب اجلنوب الغربي اجلزائري‪ ،‬ويف‬
‫أوت وصل إىل مدينة فاس ومنها إىل مدينة مكناس وأخريا إىل‬
‫مدينة الرباط‪ ،‬ويف ‪ 7‬سبتمرب ‪1828‬م استقبله نائب القنصل لفرنسي‬
‫من نفس الشهر أحبر "كاييه" إىل ميناء" تولون"‬ ‫‪27‬‬ ‫بطنجة‪ ،‬ويف‬
‫فرنسا(‪.)21‬‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫وهكذا يعترب "رونيه كاييه" من أوائل املغامرين الفرنسيني الذين‬


‫توغلوا إىل أعماق الصحراء فعربها من السينغال إىل مدينة‬
‫"متبوكتو" ثم عاد عن طريق "توات" و "تافياللت" ومنها إىل فاس‬
‫فالرباط ومنها إىل طنجة‪ ،‬وبذلك قدم إىل املصاحل املهتمة باحتالل‬
‫الصحراء وأدغاهلا املعلومات اجلغرافية والعرقية والثقافية والعادات‬
‫والتقاليد وطرق معيشة السكان وظروف مدنهم وغناها وحصونها‬
‫وكل ما يزيد يف مهام الفرنسيني أقداما لتحقيق أحالمهم التوسعية‬
‫يف القارة اإلفريقية‪ ،‬و قد ساعدت هذه املعلومات فرنسا‬
‫االستعمارية يف رسم اخلطط احلربية للتوسع يف اجلنوب الغربي‬
‫اجلزائري والتوسع يف الصحراء اإلفريقية‪ ،‬وكشف "كاييه" هلا‬
‫أسرار هذه األصقاع اخلفية على األوروبيني‬

‫**ب ‪ -‬البعثات االستكشافية بعد احتالل اجلزائر**‬


‫لقد شجعت رحلة " رونيه كاييه" بريطانيا على أن تعاود اكتشاف‬
‫الصحراء اليت تفصل مشال إفريقيا عن النيجر‪ ،‬فأرسلت سنة‬
‫‪1836‬م الرحالة"جون دافيدوس" من الساحل األطلنطي باملغرب‬
‫األقصى‪ ،‬قاصدا مدينة "متبوكتو" لكنه قتل يف " تندوف" ثم‬
‫أرسلت بعد ذلك مكتشفا أملانيا وهو الرحــــالة الشهري"هــنري‬
‫)‪(22‬‬
‫"الذي تعلم يف جامعة"برلني" وجتول يف‬ ‫)‪(Hernry Barth‬‬ ‫بارث‬
‫ضفيت حوض البحر األبيض املتوسط راجال مما جعله يكتسب‬

‫‪51‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫خربة يف املشي‪ ،‬كما تعلم اللغة العربية‪ ،‬لذلك اتصلت به اجلمعية‬


‫اإلنكليزية من أجل تنظيم جتارة هلا يف السودان والصحراء وخاصة‬
‫‪"(James‬‬ ‫العبيد‪ ،‬وقد رافق "بارث" يف رحلته "جيمس ريشار دسون‬
‫‪24‬‬ ‫"وغادروا طرابلس يوم‬ ‫)‪(Overweg‬‬ ‫)‪Richardson‬و " أوفر وانغ‬
‫مارس ‪1850‬م من أجل الوصول إىل نهر النيجر ‪.‬فوصلوا إىل "بورنو"‬
‫يف جانفي ‪1851‬م وهناك افرتقوا‪ ،‬فقصد "بارث" حبرية "تشاد "‬
‫فوصلها بعد مدة ثم احندر إىل جنوب البحرية عند "يوال)‪،" (Youla‬‬
‫ومنها قام بالدوران حول البحرية وذلك يف دائرة يقدر شعاعها يف‬
‫بعض األماكن بـ‪ 300‬كلم‬
‫وقبل دخول فصل الشتاء اجته "بارث" حنو الغرب فوصل إىل‬
‫"كاسينا" يف بداية السنة املوالية‪ ،‬ثم دخل بعد إىل مدينة‬
‫"كوكوتو" ومنها واصل طريقه غربا حتى وصل نهر النيجر فعربه‪،‬‬
‫ثم اجته مشاال إىل أن دخل مدينة "متبوكتو" يف شهر سبتمرب‬
‫‪1853‬م‪ ،‬ومكث بها مدة مثانية أشهر‪ ،‬ثم غادرها راجعا إىل‬
‫طرابلس عن طريق مغري باجتاه الشمال إىل أن وصل مدينة" ساي"‬
‫‪،‬ثم أخذ الطريق الذي سلكه يف الذهاب إىل "كوكا "ومنها إىل‬
‫‪6‬‬ ‫أوت ‪1855‬م ‪ ،‬ليعود إىل لندن يوم‬ ‫‪28‬‬ ‫طرابلس اليت وصلها يوم‬
‫)‪(23‬‬
‫سبتمرب ‪1855‬م‬
‫وهكذا استطاع "بارث" أن يقدم معلومات دقيقة ومهمة عن‬
‫الصحراء وتشاد حيث جنح يف حتقيق الكثري من املعلومات‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫اجلغرافية واجليولوجية وحتى التارخيية للسكان‪ ،‬كما ساهم يف‬


‫ربط العالقات التجارية بني أوروبا وهذا اجلزء من العامل‪ .‬لذلك‬
‫أعترب "بارث "حبق أكرب املستكشفني العلميني يف القارة السمراء‪.‬‬
‫وقبل وفاته بقليل‪ ،‬أي يف شهر جانفي من سنة ‪1865‬م‪ ،‬كتب مقاال‬
‫يف نشرة اجلمعية اجلغرافية بباريس حث فيها فرنسا على قيام بعمل‬
‫جبّار وواسع يف الصحراء اإلفريقية‪ ،‬وأن تستحوذ على هذه املناطق‬
‫وتربطها باجلزائر‪ ،‬وعليها أن تتفهم عقلية سكان هاته املناطق‬
‫وحترتم معتقداتهم وخاصة الدين اإلسالمي وأن تستعمل معهم‬
‫أساليب متعددة منها حتسن اختيار روادها هلذه املهمة‪ ،‬وأن حتمل‬
‫السيف والبندقية يف يد والكتاب والقلم يف يد أخرى‪ .‬وبذلك‬
‫)‪(24‬‬
‫ميكن هلا أن تتحصل على نتائج باهرة يف هذا امليدان‬
‫ذلك أن الفرنسيني قد أولوا اهتماما كبريا بالصحراء للتعرف على‬
‫خباياها ومنها معرفة الطرق الصحراوية ومسالك القوافل إىل‬
‫)‪(25‬‬
‫‪.‬ففي عام ‪1855‬م قدمت اجلمعية اجلغرافية بباريس‬ ‫السودان‬
‫مبلغا بقيمة ستة آالف فرنك‪ ،‬للذي يقوم برحلة من اجلزائر إىل‬
‫السينيغال أو باالجتاه املعاكس بشرط أن مير مبدينة متبوكتو‬
‫ويأتي مبعلومات دقيقة وجديدة حول القوافل اليت تعرب هذا القفار‪،‬‬
‫ذلك من حيث اجتاهاتها وأهميتها ومواعيد سفرها )‪ ،(26‬وهذا من‬
‫أجل االستحواذ على النشاط التجاري الواسع املزدهر بالصحراء‪،‬‬

‫‪53‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫وتسهيل عمليات تنقل قواتها الغازية للصحراء‪ ،‬ومن خالل البعثات‬


‫االستكشافية واحلمالت العسكرية ودراسة كتب الرحالني‬
‫واملؤرخني املسلمني توصلوا إىل معرفة طرق القوافل الصحراوية‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬طريق مراكش إىل متبوكتو " ومير على تارودانيت‪،‬‬
‫وتارويرت‪ ،‬وتندوف‪ ،‬وخيرتق رمال إيقيدي‪ ،‬وعرق شاش ويتجه إىل‬
‫تاودديين‪ ،‬كما خيرتق اجلوف شرقا مارا بأوتان‪ ،‬وأروان‪ ،‬ليتجه‬
‫إىل متبوكتو‪ .‬وهلذا الطريق فرع من تندوف يتجه إىل اجلرف‬
‫األصفر‪ ،‬وأوقلت العزل‪ ،‬وقرونه‪ ،‬وزمور والقلتة‪ ،‬ومساميت وحاسي‬
‫بوتالن‪ .‬ومن هناك يتجه فرع منه إىل متبوكتو ‪ ،‬وفرع إىل قصر‬
‫الربشان‪ ،‬وعطار‪ ،‬وأوجيفت‪ ،‬وتبورت‪ ،‬على شاطئ احمليط‬
‫األطلسي‪.‬‬
‫‪- -‬ثانيا‪ :‬طريق فاس ومكناس إىل متبوكتو‪ :‬ومير بقصبة املخزن‬
‫وأم دريبينة‪ ،‬ويتبع حوض واد قري إىل إيغلي‪ ،‬ثم حوض الساورة إىل‬
‫توات‪ ،‬وأقابلي‪ ،‬وبئر ترييشومني‪ ،‬وووالن‪ ،‬وعني رنان‪ ،‬مربوك‪،‬‬
‫ومتبوكتو‪ ،‬و هناك طريق آخر خيرج من مراكش ليتصل بهذا‬
‫الطريق يف توات ومير على ممسينة‪ ،‬واملسيرت‪ ،‬واملعسف‪،‬‬
‫وتامنطيط‪ ،‬إىل أقابلي‪ ،‬وبئر ترييشومني‬
‫‪-‬ثالثا‪ :‬طريق وهران وأزيوا إىل متبوكتو‪ :‬ومير على خيثر‪،‬‬
‫ومشرية‪ ،‬وعني الصفراء‪ ،‬وفيقيق‪ ،‬ويتبع جمرى واد زوزفانة إىل‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫إيغلي أين بلتقي بطريق فاس ‪-‬متبوكتو‪ .‬وهناك طريق آخر إىل‬
‫مشرق األول مستقيم‪ ،‬يبدأ من خيثر‪ ،‬إىل البيض‪ ،‬واألبيض سيدي‬
‫الشيخ‪ ،‬واملنقب‪ ،‬وتوات أين يلتقي بطرق وهران‪ ،‬وفاس ومكناس‪،‬‬
‫إىل متبوكتو‬
‫‪-‬رابعا‪:‬طريق مدينته اجلزائر إىل متبوكتو‪ :‬ومير على البليدة‪،‬‬
‫وبوغار‪ ،‬واألغواط‪ ،‬وغرادية‪ ،‬واملنيعة وعني صاحل‪ ،‬وأقابلي‪ ،‬وبئر‬
‫ترييشومني أين يلتقي بطريق توات ‪ -‬متبوكتو‪ .‬وهلذا الطريق فرع‬
‫آخر من عني صاحل إىل بئر عيسو‪ ،‬وتيتيلوست‪ ،‬أين يتفرع إىل‬
‫فرعيني كذلك‪ :‬فرع إىل أقادم‪ ،‬وماو ‪،‬شرق حبرية تشاد‪ ،‬وإىل‬
‫اقادم وكوكا جنوبا‪ .‬وفرع إىل جنوب الغربي حنو أقاديس أين‬
‫يتفرع هو اآلخر إىل فرعني‪ :‬فرع إىل سوكوتو‪ ،‬وفرع إىل كاتسنا‪.‬‬
‫‪-‬خامسا‪ :‬طريق سكيكدة‪ ،‬وقسنطينة إىل أمقيد‪ ،‬واهلقار‪،‬‬
‫ومتبوكتو‪ :‬ومير على باتنة‪ ،‬وبسكرة‪ ،‬وتقرت‪ ،‬وورقلة‪،‬‬
‫والبيوض‪ ،‬وآمقيد‪ ،‬وتيمساو‪ ،‬وايفروان‪ ،‬إىل مربوك‪ ،‬ومتبوكتو‪.‬‬
‫وهلذا الطريق فرع يبدأ من جنوب بسكرة ويتجه إىل وادي سوف‬
‫ومنها إىل غدامس‪ ،‬وغات وحيادو‪ ،‬وبلما‪ ،‬وأقاديم‪ ،‬وماو‪ ،‬وفرع من‬
‫غات‪.‬‬ ‫إىل‬ ‫ثالث‬ ‫وفرع‬ ‫صاحل‪.‬‬ ‫عني‬ ‫إىل‬ ‫البيوض‬
‫سادسا‪ :‬طريق طرابلس إىل متبوكتو‪ :‬ومير على سناون‪ ،‬وغدامس‪،‬‬
‫وتيمياسني‪ ،‬والبيوض‪ ،‬أين يتصل بطريق قسنطينة إىل متبوكتو‪،‬‬

‫‪55‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫وهلذا الطريق فرع من غدامس إىل غات‪ ،‬وبئر عيسو‪ ،‬وأقاديس‪ ،‬ثم‬
‫إىل سوكوتو‪ ،‬وكاتسنا غربا‪ ،‬وإىل أقاديم‪ ،‬وماو شرقا )‪.(27‬‬
‫هذا‪ ،‬ويوجد عدة طرق أخرى منتشرة يف أقصى الصحراء الشرقية‪:‬‬
‫خاصة صحراء ليبيا ومصر‪ ،‬كطريق طرابلس إىل مرزق وجغبوب‬
‫وابن غازي إىل واداي‪ ،‬وطريق أسيوط إىل دار فور بالسودان وغريها‪.‬‬
‫يف املنتصف الثاني من القرن التاسع عشر‪،‬كثف الفرنسيون‬
‫نشاطهم االستكشايف يف الصحراء‪ ،‬فقد قام الضابط"‬
‫"القائد األعلى لدائرة البيض برحلة‬ ‫)‪(De Colombe‬‬ ‫دوكولومب‬
‫استكشافية إىل قصور(قرى) اجلنوب الغربي اجلزائري ‪.‬فبعدما‬
‫"قائد شعبة معسكر يف‬ ‫)‪(Durrieu‬‬ ‫أخذ االذن من اجلنرال "دوريو‬
‫ديسمرب ‪1856‬م ‪ ،‬شرع يف تنظيم رحلته‪ ،‬فاتصل باخلليفة سي محزة‬
‫ولد بوبكر الزعيم الروحي ألوالد سيدي الشيخ‪ ،‬وبعض رجال‬
‫الشعانبة‪ ،‬ليستدل على الطريق األسهل ليعربه إىل اجلنوب‪ ،‬وبعدما‬
‫هيأ فرقته من قناصة الدائرة‪ ،‬حترك املوكب ليسافر يف مستهل‬
‫شهر جانفي ‪1857‬م قصد إكتشاف قصور تينقورارين وتوات‬
‫وتيديكلت اليت وصفها بكونها "جزرا خضراء وسط حميط من‬
‫"‪ ،‬وقد استغرقت هذه الرحلة مخسة وعشرين يوما‪.‬‬ ‫)‪(28‬‬
‫النار‬
‫وبعد هذه الرحلة‪ ،‬وقع االختيار على الشاب املغامر واملوهوب يف‬
‫‪،" (Henri‬ذلك‬ ‫)‪Duveryrier‬‬ ‫التعامل مع الناس وهو "هنري دوفيؤييه‬
‫انه رغم جناح بعثة إمساعيل بوضربة إىل غات‪ ،‬فإن الوالي العام‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫للجزائر مل يطمئن لنتائج هذه البعثة لكون بوضربة عربيا مسلما‬


‫مثلهم وهو يريد أن يعرف رد فعل السكان حني استقباهلم لفرنسي‬
‫(رومي )أجنيب عنهم‪ ،‬لذلك رشح هلذه املهمة الشاب"دوفريييه"‬
‫ليمهد تسرب النفوذ الفرنسي للجنوب كمنطقة تاسيلي وإقليم‬
‫توات‪.‬‬
‫ماي ‪1859‬م وذهب‬ ‫‪8‬‬ ‫بدأ "دوفريييه" رحلته من سكيكدة يوم‬
‫مباشرة إىل بسكرة‪ ،‬عرب قسنطينة وباتنة‪ ،‬ومالبث أن غادرها يوم‬
‫جوان‪ ،‬ليصل إىل قرارة مبيزاب بعد مخسة أيام من السري‪ ،‬ثم‬ ‫‪13‬‬

‫جوان‪ ،‬ليتجه بعد ذلك إىل متليلي‬ ‫‪21‬‬ ‫انتقل إىل غرداية ودخلها يوم‬
‫عَلَّه يلتقي ببعض التوراق ليساعدوه يف زيارة بالدهم‪.‬‬
‫أوت غادر "دوفريييه" مدينة متليلي ليصل يوم فاتح سبتمرب‬ ‫‪28‬‬ ‫ويف‬
‫إىل املنيعة اليت مل ترحب به رغم أنه حيمل رسالة توصية من سي‬
‫محزة قائد أوالد سيدي الشيخ‪ ،‬فاحتجزه السكان بعدما قالوا له‪:‬‬
‫" ولذلك قضى ليلته ببطحاء‬ ‫)‪(29‬‬
‫"هذا املسيحي الكلب‪ ،‬يريد حتفه‬
‫املدينة ثم طُلب منه مغادرة املنيعة قبل طلوع الفجر‪ ،‬فغادرها عن‬
‫متليلي‪.‬‬ ‫إىل‬ ‫الغرب‬ ‫حنو‬ ‫آخر‬ ‫طريق‬
‫رجع " دوفريييه" إىل غرداية ومنها إىل األغواط‪ ،‬قصد التوجه إىل‬
‫اكتشاف قصور توات وبلد التوارق‪ ،‬لكنه مل يطمئن هلذه‬
‫املغامرة‪ ،‬فغري أجتاهه حنو الصحراء الشرقية‪ ،‬فغادر األغواط‬

‫‪57‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫خالل شهر نوفمرب ‪1859‬م‪ ،‬متوجها إىل قرارة‪ ،‬ومنها إىل تقرت‬
‫قليال‪.‬‬ ‫بها‬ ‫ليسرتيح‬ ‫قسنطينة‬ ‫ثم‬ ‫وبسكرة‬
‫عادوا"دوفريييه" رحلته إىل بسكرة يف أول فيفري ‪1860‬م‪ ،‬ثم اجته‬
‫بعد ذلك إىل وادي سوف‪ ،‬ومنه إىل اجلريد يف اجلنوب التونسي‬
‫بعدما طلب من ممثل فرنسا بتونس السيد "فرديناند دو ليسبس ("‬
‫‪(Ferdinand‬توصيات الضرورية لتأمني طريقه بالرتاب‬ ‫‪de Lesseps‬‬

‫التونسي )‪ ،(30‬فاجته إذن إىل قابس عن طريق شط اجلريد‬


‫وقبييلي‪ ،‬ونفزاوة ودوز‪ ،‬وبعد أن أكتشف املنطقة رجع عن الطريق‬
‫أفريل قرر الرجوع إىل‬ ‫‪03‬‬ ‫الشمالي إىل قفصة ثم توزر‪ .‬ويوم‬
‫بسكرة‪ ،‬فسلك ممر شبيكة وتامغزا‪ ،‬ثم اجته بعدها غربا حنو‬
‫‪10‬‬ ‫نقرين‪ ،‬وواحات عني الناقة وسيدي عقبة ودخل بسكرة يوم‬
‫أفريل ‪1860‬م‬
‫بعد هذه الرحلة كلف الوالي العام للجزائر الرحالة"دوفريييه" بأن‬
‫يقوم برحلة إىل التوارق من أجل ربط عالقات جتارية بني فرنسا‬
‫والتوارق‪ ،‬وقدم له الدعم الكايف للقيام بهذه الرحلة‪ ،‬فغادر‬
‫بسكرة خالل شهر جوان ‪1860‬م متوجها إىل مدينة الوادي ومنها إىل‬
‫غدامس مبساعدة الشيخ عثمان ‪-‬أحد أعيان التوارق الدينيني ‪-‬‬
‫وبعض التوارق اآلخرين‬
‫أوت ‪1860‬م ومكث بها مدة‬ ‫‪11‬‬ ‫دخل"دوفريييه" مدينة غدامس يوم‬
‫طويلة يف انتظار وصول توصية قنصل فرنسا بطرابلس‪ ،‬ولذلك بقي‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫يبح ث عن البقايا احلضارية للمنطقة وعلى الرتاث الفكري بها‪،‬‬


‫فوجد عدة آثار رومانية وخملفات ألبراجهم منقوشة على صخورها‬
‫كتابات التينية (رومانية)‪ ،‬ويف ‪ 07‬سبتمرب ذهب "دوفرييه" إىل زيارة‬
‫سي بكاي أب أمحد أصيل متبوكتو‪ ،‬وال ندري من هي هذه‬
‫الشخصية اليت قدم هلا هدية من احلكومة متمثلة يف رداء من نسيج‬
‫صناعي (حولي) وحافظة تبغ من فضة (قابصة)‪ ،‬وأظهر له‬
‫توصية"هنري بارث"‪ :‬ألنه صديق سي بكاي‪ ،‬هلذا عرض عليه زيارة‬
‫متبوكتو )‪ ،(31‬كما كان على اتصال دائم مع زعيم التوارق‬
‫إخينوخن وغريه من الشخصيات منهم قاضي غدامس الذي سلم له‬
‫قصاصة من خمطوط إسالمي له عالقة بغدامس جاء فيه‬
‫‪…":‬توجد غدامس بالصحراء على بعد سبع أيام سري من جبل‬
‫نفوسة‪ ،‬وهي مدينة مجيلة‪ ،‬قدمية ومتوغلة يف اإلسالم‪ ،‬وبها‬
‫مغارات استعملت كسجون يف عهد الكاهنة وهي مغارات رائعة‪.‬‬
‫"ويضيف" أن غدامس مل تكن يف السابق خالية‪ ،‬بل كانت‬
‫أراضيها خصبة و آهلة بالسكان‪ .‬وأنها نقطة هامة للتوجه إىل‬
‫تدميكا وغريها من املناطق السودانية‪ ،‬وأن سكانها برابرة‬
‫مسلمون منحدرة من قبائل المتونة وماسوفا‪ .‬وخيربنا "دوفريبيه" أن‬
‫هذا املقطع من كتاب "الروض املعطار يف أخبار األقطارملؤلفه‪:‬‬
‫عبد النور احلمريي التونسي‪ .‬وقد نسخت هذه النصوص من طرف‬

‫‪59‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫موحليل الغدامسي يف كتابه‪ :‬مناقب الشيخ سيدي عبد اهلل بن‬


‫)‪(32‬‬
‫بوبكر الغدامسي‬
‫ويف األيام األوىل من شهر ديسمرب ‪1860‬م غادر غدامس إىل غاث مع‬
‫توصية الشيخ عثمان وزعيم التوارق إخينوخن اللذين عمال على‬
‫محايته طيلة الرحلة من هجوم السكان‪ ،‬ومن غات جتول يف منطقة‬
‫فزان ثم صعد إىل طرابلس ومنها إىل اجلزائر ليستعد إىل رحلة‬
‫أكرب وأهم‪ ،‬ولكن مرضه الشديد وفقدان ذاكرته أضناه عن‬
‫حتقيق ذلك ‪ ،‬ورغم ذلك فقد قدم معلومات هامة وفيّة حول هذه‬
‫‪ " (Les Touregs‬كما‬ ‫)‪du Nord‬‬ ‫املناطق يف كتابه "توراق الشمال‬
‫هيأ األرضية املناسبة إلجناز معاهدة غدامــــس بني فرنــــسا‬
‫)‪(33‬‬
‫والـــتوارق‬
‫ويف نفس الفرتة أي يف أواخر سنة ‪1860‬م‪ ،‬قام الرائد "كولونيو "‬
‫)‪(Colonien‬واملالزم"بوران )‪" (Borin‬التابعان لدائرة البيض مبحاولة‬
‫فاشلة الكتشاف تينقوراين وتوات‪ .‬فانضما إىل القافلة السنوية اليت‬
‫تنطلق من دائرتي سعيدة والبيض من أجل جلب التمور مقابل بيع‬
‫احلبوب واألغنام‪ .‬وجتتمع كل عناصر هذه القافلة باألبيض سيدي‬
‫الشيخ وتضم حوالي عشرة آالف مجل وأكثر من ثالثة آالف رجل‬
‫)‪(34‬‬
‫وامرأة‪ ،‬وحوالي ستة عشر ألف من األغنام‬
‫حتركت القافلة حنو اجلنوب يف أواخر شهر نوفمرب ‪1860‬م‪ ،‬برفقة‬
‫الفرقة الفرنسية حتت قيادة"كولونيو" لذلك كانت أبواب القصور‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫اجلنوبية تغلق يف وجهها حتى يبتعد "كولونيو "ورفقيه عن أسوار‬


‫القصر‪ ،‬وحني الوصول إىل تيميمون‪ ،‬املركز الرئيسي إلقليم‬
‫تينقورارين‪ ،‬فإن مجاعة القصبة مل تفتح أبوابها للقافلة حتى ابتعد‬
‫الضابطان الفرنسيان إىل مسافة مشي يومني على األقل‪ ،‬حينئذ‬
‫غادرا تيميمون إىل تاوريست ثم بتوات‪ ،‬وقد كان هلما نفس‬
‫االستقبال أينما حال‪ ،‬لذلك قررا أن ال يذهبا أبعد من ذلك‪ ،‬وصعدا‬
‫إىل الشمال راجعني إىل منطلقاتهم‬
‫مل تَكِلْ فرنسا‪ ،‬ومل تَمِل يف الكشف عن أسرار الصحراء‪،‬‬
‫والبحث عن اجملاالت الواسعة فيها‪ ،‬وإجياد طرق جديدة للتجارة‬
‫الفرنسية‪ ،‬حيث أُبرمت يف هذا الصدد معاهدة غدامس بني‬
‫الفرنسيني وزعيم التوارق الشيخ اخيوخن‪ ،‬حيث سارعت فرسا إىل‬
‫ترويض زعماء هذه املناطق باستدعائهم إىل اجلزائر العاصمة وإىل‬
‫باريس‪ ،‬وربط صداقة معهم‪ ،‬لذلك قبل رؤساء التوارق إبرام معاهدة‬
‫نوفمرب ‪1862‬م بغدامس مع البعثة الفرنسية اليت توجهت إىل‬ ‫‪26‬‬ ‫يف‬
‫هناك‪،‬وأهم أعضاء الوفد‪ ،‬على اخلصوص‪:‬‬
‫"‪*-‬مريشار )‪" (Mircher‬قائد سرية األركان‪ ،‬مرافق جنرال الفرقة‬
‫‪.‬‬ ‫العسكرية‬
‫"ونائب حاكم اجلزائر‪.‬‬ ‫)‪(De Martimprey‬‬ ‫"‪*-‬دي مارتيمراي‬
‫‪ ،‬نقيب األركان‪ ،‬منتدب باملكتب‬ ‫بولينياك)‪(De Polignac‬‬ ‫‪*-‬دي‬

‫‪61‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫السياسي للشؤون العربية‬


‫"‪*-‬دي فاتون )‪ ،" (De Vantonne‬مهندس يف املناجم‬
‫"‪ ،‬طبيب عسكري‬ ‫‪*-‬هوفمان)‪(Hoffmann‬‬ ‫"‬
‫‪*-‬إمساعيل بوضربة‪ ،‬مرتجم عسكري‬
‫‪28‬‬ ‫أحبرت البعثة من اجلزائر العاصمة‪ ،‬ونزلت مبناء طرابلس يوم‬
‫سبتمرب ‪1862‬م‪ ،‬وبعد قضاء عدة أيام للتعارف ولتحضري القافلة‪،‬‬
‫أخذت البعثة طريقها إىل غدامس يوم ‪04‬أكتوبر‪ ،‬والتحقت بها يوم‬
‫‪ 21‬من نفس الشهر‪.‬‬
‫و يف ‪ 24‬نوفمرب ‪1862‬م اجتمعت البعثة مع الوفد التارقي املتألف من‬
‫احلاج جابور رئيس قبيلة آمانغازاتن‪ ،‬والشيخ عثمان الزعيم الديين‬
‫ومرابط تيماسنينني‪ ،‬لقبيلة إيفوقاس وعمار احلاج‪ ،‬أخ إخينوخن‬
‫ونائبا عنه‪ ،‬وبعد حمادثات طويلة‪ ،‬وقعت املعاهدة بني الطرفني‪،‬‬
‫ومن أهم بنودها‪:‬‬
‫‪-‬إقرار الصداقة والتبادل املشرتك حلسن النوايا بني السلطات‬ ‫‪1‬‬

‫الفرنسية وخمتلف فروع قبائل التوراق‪.‬‬


‫‪-‬ميكن للتوارق أن ميارسوا جتاتهم بكل حرية لبضائعهم‬ ‫‪2‬‬

‫وبضائع السودان‪ ،‬داخل األسواق باجلزائر‪ ،‬دون أي شرط‪ ،‬ماعدا‬


‫أداء املكوس العادية‪.‬‬
‫‪ -‬يلتزم التوارق بتسهيل ومحاية التجار املفاوضني الفرنسيني‬ ‫‪3‬‬

‫واآلهالي اجلزائريني‪ ،‬املارين عرب مواطنهم وإىل بالد السوادن‪،‬‬


‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫ذهابا وإيابا‪ ،‬وكذلك محاية بضائعهم التجارية‪ ،‬على أن يدفعوا‬


‫حقوق الرسوم‪.‬‬

‫‪-‬تلتزم الوالية العامة للجزائر‪ ،‬وزعماء التوارق‪ ،‬بتحديد الطرق‬ ‫‪4‬‬

‫التجارية املرحبة وفتح السبل للتجارة الفرنسية إىل السودان‪،‬‬


‫وإلثبات حسن النوابا حنو موطن التوارق‪ ،‬فإن ريع هذه التجارة‬
‫ستعود بالفائدة على اجلميع بتحسني أحوال الطرق‪ ،‬وحفر آبار‬
‫جديدة وإصالح ما هو قائم بها‪.‬‬
‫وبعد املوافقة على هذه املعاهدة‪ ،‬وإمضائها من قبل الطرفني‪،‬‬
‫احتفظ كل طرف بنسخة مكتوبة بالعربية وبالفرنسية‪ ،‬لضمان‬
‫)‪(35‬‬
‫‪.‬ثم اردفت هذه املعاهدة ببنود إضافية‪ ،‬خاصة بقبائل‬ ‫تطبيقها‬
‫آزجار‪ ،‬هذا نصها‪:‬‬
‫‪-‬طبقا للتقاليد القدمية املنظمة للعالقات التجارية بني دول مشال‬ ‫‪1‬‬

‫إفريقيا‪ ،‬وخمتلق عشائر التوارق‪ ،‬فإن عائلة الشيخ احلاج إخينوخن‬


‫تبقى مكلفة بضمان آمن كل القوافل اآلتية من اجلزائر‪ ،‬واملارة‬
‫عرب بالد آزجار‪ ،‬وتستمر العالقات التجارية القائمة إىل حد اآلن‬
‫كما هي ما بني عائالت آزجار وخمتلف أعراش الشعانبة وسوف‪.‬‬
‫‪-‬من أجل الضمانات األمنية‪ ،‬تدفع القوافل الفرنسية أو‬ ‫‪2‬‬

‫اجلزائرية الذاهبة إىل السودان‪ ،‬ضريبة للشيخ إخينوخن‪ ،‬أو‬

‫‪63‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫وكالئه‪ ،‬أو ورثائه‪ ،‬على أن حتدد قيمتها فيما بعد‪.‬‬


‫‪-‬تسوى اخلالفات اليت قد حتدث ما بني املتعاملني والوسطاء‬ ‫‪3‬‬

‫التوارق بالود واإلنصاف من طرف الشيخ أو ممثليه مبقتضى‬


‫األعراف املعمولة بها يف البلد‪.‬‬
‫‪-‬يلتزم الشيخ احلاج إخينوخن‪ ،‬والقادة السياسيون اآلخرون لتوارق‬
‫آزجار‪ ،‬عند عودتهم من غاث‪ ،‬بربط عالقات طيبة مع قادة قبيلة‬
‫كلوي‪ ،‬من أجل تهيئة الظروف احلسنة الستقبال املفاوضني‬
‫الفرنسيني واجلزائريني‪ ،‬وكذلك مرور قوافلهم يف آمان عرب بالد‬
‫االيري‬
‫(‪)36‬‬

‫‪" (Gerhard‬‬ ‫‪1867-‬م قام الرحالة" جرهارد رولف‬ ‫‪1862‬‬ ‫وفيما بني‬
‫)‪Rohlfes‬برحالت عديدة لكشف الصحراء‪ .‬ولقد انضم إىل فرقة‬
‫اللفيف األجنيب الفرنسي اليت كانت تعمل يف اجلزائر‪ ،‬وتعلم‬
‫حينذاك اللغة العربية‪ ،‬وبعدها اجته يف البداية إىل املغرب األقصى‬
‫حيث جتّول يف اجلزء اجلنوبي منه فاجته حنو السوس‪ ،‬وبعده إىل‬
‫وادي درعا ومنه تافياللت ثم فيقيق‪ ،‬يف وهران‪ .‬ويف الرحلة الثانية‬
‫فقد انطلق "رولف" من طنجة إىل واد زير عرب األطلس ومن هناك إىل‬
‫وادي الساورة‪ ،‬فايلغي وبين عباس ثم واحات توات وتيديكلت‪،‬‬
‫)‪(37‬‬
‫‪.‬أما يف الرحلة‬ ‫وعني صاحل‪ ،‬ثم غدامس‪ ،‬ومنها إىل طرابلس‬
‫املوالية‪ ،‬فقد انطلق من طرابلس ثم عرب عرق مرزق متوجها إىل‬
‫‪.‬وبذلك يكون "رولف"‬ ‫)‪(38‬‬
‫التشاد ثم إىل بورنو ومنها إىل الغوس‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

‫أول رحالة أوروبي يعرب إفريقيا الغربية من ساحل البحر األبيض‬


‫املتوسط مشاال إىل ساحل غانا جنوبا‪ ،‬ويف سنة ‪1873‬م كشف‬
‫"رولف" بعض الواحات يف صحراء ليبيا‪ ،‬كما قاد سنة ‪1878‬م محلة‬
‫أرسلتها احلكومة األملانية بغرض الوصول إىل واداي‪ ،‬ولكنه مل‬
‫يذهب إىل أبعد من واحة الكفرة‪.‬‬
‫"بلجرينو‬ ‫الدكتور‬ ‫هما‬ ‫إيطاليان‬ ‫ذلك‬ ‫بعد‬ ‫جنح‬ ‫ثم‬
‫ماتوشي ‪"Pellegrino Meteteucci‬واملالزم "الفرنسو ماريا ماساري "‬
‫‪(Alfanso‬يف اجتياز إفريقيا من الشرق إىل الغرب‬ ‫)‪Maria Massari‬‬

‫فخرجا من سواكن إىل كردفان‪ ،‬فواداي‪ ،‬فبورنو‪ ،‬فكانو إىل‬


‫النيجر‪ ،‬وكانا أول أوروبيني يعربان القارة من الشرق إىل الغرب‬
‫مشال خط االستواء‪ .‬وقد أمثرت رحلتهما على نتائج هامة‪ ،‬ألنها‬
‫محلت إىل العامل معلومات مثينة كان اجلميع جيهلها‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫املصادر العدد ‪12‬‬

‫اإلحاالت‬

‫‪- 1‬أنظر ‪ :‬أبو القاسم حممد بن علي املوصلي احلوقلي الـبغدادي (تـ‪367‬‬
‫هـ‪977/‬م)‪،‬املســالك و املمالك واملفاوز واملهالك وذكر األقاليم والبلدان على مر الدهور و‬
‫الزمان‪ ،‬ليدن‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أبو عبيد اهلل بن عبد العزيز البكري (تـ‪ 487‬هـ‪1094/‬م )املغرب يف ذكر‬
‫إفريقيا واملغرب‪ ،‬و هو جزء من أجزاء الكتاب املعروف املسالك واملمالك اجلزائر‬
‫‪1957‬م‬
‫‪ - 3‬أبو عبيد اهلل املعروف بالشريف اإلدريسي (ت‪ 561‬هـ‪1167‬م)‪ ،‬نزهة املشتاق يف‬
‫اخرتاق األفاق‪ ،‬روما ‪1952‬م‪.‬‬
‫‪ - 4‬أبو عبيد املعروف بابن بطوطة (تـ‪ 979‬هـ‪ ،)1377/‬حتفة النظار يف غرائب األمصار‬
‫وعجائب األسفار‪ ،‬مصر ‪ 1958‬م‪.‬ص‪.204- 203:‬‬
‫‪- 5‬أبو احلسن حممد الوزان الزناتي(تـ‪957‬هـ‪1550/‬م)‪ ،‬وصف إفريقيا‪ ،‬ترمجه من‬
‫اإليطالية إىل الفرنسية‪ ،‬ترمجة جديدة اجلنرال أ‪.‬أبيوالر‪ ،‬وترمجه من هذه الرتمجة‬
‫الفرنسية إىل العربية الدكتور عبد الرمحان محيد‪ ،‬الطبعة الثانية بريوت‪1983 ،‬م‬
‫ص‪.41- 40:‬‬
‫‪ - 6‬أنظر د‪.‬موالي بلحميسي‪ ،‬اجلزائر من خالل رحالت املغاربة يف العهد العثماني‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ‪1981‬م ص ‪.67- 66.‬‬
‫‪- 7‬د‪ .‬موالي بلحميسي‪ ،‬اجلزائر من خالل رحالت املغاربة…‪،‬ص ‪.79‬‬
‫‪-8‬د‪.‬عبد القادر زبايدية‪ ،‬مملكة سنغاي يف عهد االسقيني (‪،)1591- 1493‬‬
‫اجلزائر‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ‪1971‬م‪.‬‬
‫‪- 9‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد امللقب بابن مريم‪ ،‬البستان يف ذكر األولياء والعلماء‬
‫بتلمسان‪ ،‬حتقيق حممد بن أبي شنب‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬‬
‫‪1986‬م‪،‬ص‪.256.‬‬
‫‪- 10‬حقق الكتاب وطبعه يف اجلزائر‪ ،‬الدكتور عبد القادر زبايدية‪ ،‬احلضارة العربية‬
‫والتأثري األوروبي يف إفريقيا الغربية جنوب الصحراء‪ ،‬اجلزائر املؤسسة الوطنية‬
‫الصحراء اجلزائرية من خالل االستكشافات قبل وبعد االحتالل‬

.191- 151.‫ص‬،‫ القسم الثاني‬،1989،‫للكتاب‬


11-Elika M'bokoto, Des missionnaires aux explorateurs, les européens en
Afrique Paris, Dans Frank, 1978, p.51
12-- Ibib.,PP.51-52
13- Ibib.,PP.52-53
14- Ibib.,PP.56-59
15- A. Adu Boahen, Britain the sahara, the Wester Sudan, 1788-1861, Oxford,
Clarendon press, 1964, pp.77-89
16- Jacques Boulenger, le voyage de René Caillé à Tombouctou et à travers L’
Afrique (1824-1828),4eme édition,paris,plon,1932,pp I.II.
17- Elika M'Boko, op.cit., p:62
18-Loc.cit.
19-Boulinger, op.cit.,PP:XIV-XV
20-IBD,PP.174-175
21-M'Bokoto, op.cit,p.66
22- Docteur Henri Barth, Voyages et découvertes dans l'Afrique septemtrionale
et Centrale, tome I-II-III, Paris-Bruxelles, A.Bohne, Libraire, 1861.
23- M'bokoto, op.cit, pp 67.68
24-Henri Barth, « Idéés sur les expéditions scientifiques en Afrique »
,in Extrait du bulltin de la societé de geographie, Paris , 1872, pp.10-
19
25- Edourd Blanc « Les Routes de l'Afrique septentrional au saudan « ,
in B.S.G.de Paris tome 11, 1890,pp.177-183
26- A.Bernard & Lacroix, La pénétration saharienne, Alger, Gouvernement
Général de L'Algérie, 1906, pp 13-14
27- E.Blanc, « Les routes de l'Afrique septentrionale au Soudan « , op. cit.,
pp.169-210.
،‫ " طرق القوافل واألسواق التجارية بالصحراء الكربى‬،‫ حيي بوغزيز‬.‫ د‬:‫كذلك أنظر‬
‫ اجلزائر‬،59 ‫ عدد‬، ‫ جملة الثقافة‬،" ‫كما وجدها األوروبيون خالل القرن التاسع عشر‬
.15.‫ص‬،1989
28-M.L.De Colombe, Explorations des Ksours et du Sahra de la privince
d'Oran, Paris, Challamel, 1858,p.10.
29- P.Vuillot, Eploration du sahara Paris; challamel, 1895p.61..
30- Ibib.,P.64
31- (- Henri Duveyrier, Journal de route, Publié et Annoté par Ch.Maunoir et
H Schirmer, Paris Challamel, 1905,192.
32-Ibid.p 199
33- Henri Duveyrier, Les Touareg du Nord, Paris, Challamel,1864, 499
pages.
34- Vuillot, L'exploration du Sahra, pp.70-73

67
12 ‫املصادر العدد‬

35-P.Vuillot, L'Exploration du Sahara, pp.84-85.


36- Ibid.,pp.86-87..

You might also like