You are on page 1of 15

‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .

‬فتيحة فرزوق‬

‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية‬
‫رحلة المقري نموذجا‬
‫أ ‪ .‬فتيحة مرزوق‬
‫‪merzougfatiha@outlook.fr‬‬
‫جامعة اجلياليل بونعامة‪-‬مخيس مليانة‪-‬‬

‫ملخص‪ :‬يهدف امللخص إىل إعطاء صورة واضحة عن احلياة الثقافية يف اجلزائر خالل‬
‫القرن السابع عشر ميالدي‪ ،‬خاصة إذا علمنا أنه بعد استقرار العثمانيني يف البالد تغريت‬
‫مالمح اخلريطة السياسية وما تبعها من تغيريات؛ كانتقال احلواضر العلمية من مدينيت‬
‫تلمسان وجباية أيام حكم الزيانيني واحلفصيني إىل مدن أخرى‪ ،‬حيث أضحت مدينة‬
‫اجلزائر عاصمة اإليالة‪ ،‬فاكتسبت بذلك مكانة علمية ثقافية هامة‪ .‬وها هي الرحالت‬
‫احلجازية تنقل لنا الشواهد احلية عن النشاط العلمي الذي شهده القرن ‪17‬م يف عاصمة‬
‫اإليالة‪ .‬وقد وقع اختيارنا على رحلة املقري كنموذج للزخم الفكري الذي محلته املدينة بني‬
‫طياهتا‪ ،‬وإحصائها لعدد من العلماء والتعريف هبم مثل سعيد قدورة وحممد بن راس‬
‫العني؟ وما جرى بينهما من حماورات علمية مثل تبادل األلغاز‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬احلياة الثقافية‪ ،‬مدينة اجلزائر‪ ،‬ق‪17‬م‪ ،‬الرحلة احلجازية‪ ،‬أمحد‬
‫املقري‪ ،‬سعيد قدورة‪ ،‬األلغاز‪.‬‬
‫‪Résumé :‬‬
‫‪Le résumé de cet article vise à donner une image claire de la vie culturelle dans la‬‬
‫‪ville d’Alger au 17ème siècle. Tout en sachant qu’après la présence des Ottomans dans le‬‬
‫‪pays la carte politique avait changé, et il y avait eu le transfert du savoir des capitales‬‬
‫‪zianide et hafside vers de nouvelles villes. Nous avons choisi le voyage d’Ahmed Al-‬‬
‫‪Maqri comme modèle de l’élan intellectuel qu’il avait créé dans la ville d’Alger, à‬‬
‫‪l’instar de nombreux scientifiques; tels que Said Qaddura, Mohammed bin Ras Al-Ain,‬‬
‫‪ainsi que les débats scientifiques entre eux.‬‬

‫‪115‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫شهدت الفرتة العثمانية بروز العديد من الرحالت احلجازية اجلزائرية اليت أسهم‬
‫أصحاهبا يف نقل ثقافة اجملتمعات وأفكارها من خالل ما سجلوه يف مذكراهتم ومدوناهتم‬
‫عن املدن ومالمح احلياة العامة للساكنة ببيان عاداهتم وتقاليدهم ولغاهتم ونشاطاهتم‬
‫وأحواهلم وعالقاهتم االجتماعية ‪...‬اخل‪ ،‬فغدت مؤلفاهتم بذلك من املصادر األولية اليت‬
‫لعبت دورا حيويا أساسيا يف بناء الواقعة التارخيية‪.‬وتعترب مدينة اجلزائر يف هذا الصدد من‬
‫أبرز املدن اليت حظيت باهتمام هؤالء الرحالة باعتبارها أحد احملطات الرئيسية اليت يكمل‬
‫من خالهلا احلاج طريقه إىل البقاع املقدسة مثلما فعل أمحد املقري عندما قدم من املغرب‬
‫األقصى وهو عازم على أداء مناسك احلج والعمرة‪.‬‬
‫فكيف بدى الوضع الثقايف ملدينة اجلزائر من منظور املقري أثناء تواجده هبا؟‬
‫‪-1‬التعريف بصاحب الرحلة‪:‬‬
‫هو شهاب الدين أيب العباس أمحد بن حممد بن أمحد بن حيىي بن عبد الرمحن بن‬
‫أيب العيش بن حممد أبو العباس املقري التلمساين‪ ،1‬ولد عام ‪986‬ه‪1572/‬م مبدينة‬
‫تلمسان بعدما انتقلت عائلته وأجداده األوائل من بلدة مقرة‪ ،2‬وقد ذكر املقري ذلك‬
‫قائال‪ ... " :‬وتلمسان هذه هي مدينتنا التي علقت بها التمائم‪ ،‬وقد نزلها من سلفنا‬
‫عبد الرحمن بن أبي بكر المقري بن علي صاحب الشيخ أبي مدين الذي دعا له و‬
‫لذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين‪ ...‬وبها ولدت أنا وأبي وجدي و جد جدي وقرأت‬
‫بها ونشأت‪.3...‬‬
‫نشأ املقري بتلمسان وطلب العلم فيها‪ ،‬فتتلمذ على يد أشهر فقهائها وعلمائها يف‬
‫ذلك الوقت ويف مقدمتهم عمه سعيد املقري‪ ،4‬الذي قرأ عليه صحيح البخاري سبع‬
‫مرات و القراءات الست‪ ، 5‬وملا بلغ سن الثالثة والعشرين من عمره تردد على بعض مدن‬
‫املغرب األقصى‪ ،‬فزار فاس ألول مرة عام ‪1009‬ه بعدما حببها إليه عمه ور ّغبه يف أن‬

‫‪116‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫يكمل هبا علومه ومعارفه وحتصيله الذي بدأه يف تلمسان‪ ،6‬فاشتغل فيها بالقراءة وخمالطة‬
‫‪7‬‬
‫شيوخها و علمائها وحضور جمالسهم العلمية‪ ،‬ولقائه بالفقيه إبراهيم بن حممد اآليسي‬
‫الذي أعجب بشخصيته وإصطحبه معه إىل مراكش يف السنة املوالية ‪1010‬ه‪ ،8‬أين‬
‫إ تصل بالسلطان أمحد املنصور الذهبيوتعرفه على العامل املشهور أمحد بابا التنبكيت‬
‫صاحب نيل اإلبتهاج و ابن القاضي وغريمها من علماء مراكش وأدبائها‪ ،‬مث عاد على‬
‫تلمسان سنة ‪1011‬ه‪1597/‬م مكث فيها سنتني وهو عازم على إمتام كتابه روضة‬
‫اآلس العاطرة األنفاس يف ذكر من لقيته من أعالم مراكش و فاس الذي كان ينوي تقدميه‬
‫للسلطان املنصور الذهيب‪ ،‬غري أن هذا األخري تويف قبل عودة املقري إىل فاس سنة‬
‫‪1012‬ه‪.9‬‬
‫مث عاود السفر إىل فاس سنة ‪1013‬ه‪1604/‬م الستكمال تكوينه العلمي‬
‫فيها‪ ،‬كما استطاع تأليف عدة كتب مثل كتاب "أزهار الرياض في أخبار القاضي‬
‫عياض"‬
‫وكتاب "الجنابذ فيمن لقيته من الجهابذ"‪.10‬‬
‫عايش املقري خالل هذه الفرتة أحداثا سياسية بارزة يف تاريخ املغرب األقصى‪ ،‬فبعد‬
‫موت املنصور الذهيب دخلت البالد مرحلة جديدة اتسمت بالصراع و التطاحن حول‬
‫السلطة بني أبناءه الثالثة‪ :‬الشيخ املأمون و أبو فارس عبد اهلل الواثق و زيدان الناصر‪،‬‬
‫هذا األخري الذي استطاع أن يستأثر حبكم فاس وسائر بالد املغرب‪ ،‬خاصة بعدما‬
‫ساءت مسعت أخيه املأمون الذي انتقل إىل العرائش ومنها إىل القصر الكبري أين اختذ‬
‫قراره اخلطري القاضي بتسليم العرائش لإلسبان مقابل إعانتهم له السرتجاع احلكم‪ ،11‬و‬
‫كان يسعى للحصول على فتوى جتيز له ذلك فانقسم الفقهاء بني مبيح له و بني حمرم‬
‫لذلك‪ ،‬وهناك قسم ثالث جلأ إىل االختفاء عن األنظار وكان املقري واحد من هؤالء‬
‫حىت ال جييب على الفتوى‪.12‬‬

‫‪117‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫إالّ أن هذه احلادثة مل تدفع باملقري إىل مغادرة فاس‪ ،‬بل بقي فيها عدة سنوات‬
‫أخرى ترأس فيها منصب اإلفتاء رمسيا بعد وفاة شيخه حممد اهلواري سنة ‪1022‬ه‪.13‬‬
‫قرر املقري رحيل املغرب األقصى بسبب الظروف والتطورات اخلطرية اليت عرفها هذا‬
‫القطر‪ ،‬ومل حيدثنا عن األسباب احلقيقية اليت جعلته يغادر البالد بل اكتفى باإلشارة إليها‬
‫فقط بقوله‪:‬‬
‫" لما قضى الملك الذي ليس لعبيده في أحكامه تعقب أورد وال محيد عما شاءه‬
‫سواه كره ذلك المرء أورد برحلي من بالدي ونقلتي عن محل طارقي وبالدي بقطر‬
‫المغرب األقصى الذي تمت محاسنه لوال أن سماسرة الفتن سامت بضائع آمنة‬
‫نقصا‪ ،‬وطما به بحر االهوال فإستعملت شعراء العبث في كامل رونقه من الزحاف‬
‫إضمارا وقطفا ووقصا‪.14"...‬‬
‫غادر املقري مدينة فاس يف أواخر سنة ‪1027‬ه‪1617/‬م تاركا وراءه زوجته‬
‫وإبنته‬
‫و خزانة كتبه‪ ،‬بعد أن قضى يف بالد املغرب ‪14‬عاما ليتوجه حنو احلجاز لتأدية‬
‫مناسك احلج و العمرة‪ ،‬ويذكر لنا ذلك بقوله‪ ... " :‬ثم إرتحلت بنية الحجاز‪ ،‬و‬
‫جعلت إلى الحقيقة المجاز"‪ ،15‬فركب من ميناء تطوان السفينة اليت عرجت به على‬
‫املدن الكربى كاجلزائر العاصمة و قسنطينة و تونس و سوسة وصوال إىل مدينة‬
‫اإلسكندرية يف شهر مجادى األوىل بعد مواجهة عدة خماطر كأهوال البحر و كذا نشاط‬
‫القراصنة املسيحيني –فرسان مالطة‪-‬عند مرورهم جبزيرة مالطة‪ ،‬و يذكر لنا ذلكقائال‪:‬‬
‫العدو‪ ،‬في الرواح والغدو‪ ،‬الجتيازه على عدة من بالد‬
‫ّ‬ ‫"‪ ...‬مع ترقب هجوم‬
‫الحرب‪ ،‬دمر اهلل سبحانه من فيها و أذهب بفتحها عن المسلمين الكرب ال سيما‬
‫مالطة الملعونة‪ ،‬التي يتحقق من خلص من معرتها أنّه أمد بتأييد إلهي‬

‫‪118‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫ومعونة"‪ ،16‬وقد حدثنا املقري عن فرحته عند وصوله ميناء اإلسكندرية قائال‪... " :‬‬
‫فرأينا البر وكأننا لم نره‪ ،‬وشفيت به أعيننا من المر وحصل بعد شدة الفرح‪ ،‬وشممنا‬
‫من السالمة أطيب األرج‪ ،‬فيالها من نعمة كشفت عن وجهها النقاب‪ ...‬فشفينا‬
‫لرؤيتها من األوجاع‪،17"...‬‬
‫ومنها إىل القاهرة اليت دخلها يف رجب من عام ‪1028‬ه‪ ،‬ويف نفس السنة من شهر‬
‫ذي القعدة توجه صوب مكة و ّأدى العمرة وبقي هناك ينتظر موسم احلج‪ ،‬وبعد أداءه‬
‫توجه إىل املدينة املنورة لزيارة قرب الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪.18‬‬
‫هلذه الفريضة ّ‬
‫عاد املقري من احلجاز إىل مصر يف شهر حمرم من السنة اجلديدة‬
‫‪1029‬ه‪ 1620/‬م حيث تزوج امرأة تنسب إىل عائلة ثرية تدعى عائلة السادة‬
‫الوفائية‪ ،19‬مث ارحتل إىل بالد القدس يف سنة ‪1029‬ه من شهر ربيع األول أين زار‬
‫املسجد األقصى و الصخرة املنيفة و حمل اإلعراج‪ ،‬مث عاود الرجوع إىل القاهرةحيث‬
‫جلس فيها للتدريس يف جامع األزهر الشريف يقرأ طلبته كتاب صحيح البخاري‪ ،‬و مرة‬
‫أخرى الشمائل احملمدية اليت ختمها يف شهر رمضان من سنة ‪1030‬ه‪.20‬‬
‫يكرر السفر من القاهرة إىل احلرمني الشريفني وبني املقدس‬
‫ومنذ ذلك الوقت أخذ ّ‬
‫ودمشق‪ 21‬فكان دخوله إىل مكة مخس مرات يف فرتة مابني‪1028‬ه و‪1036‬ه‪ ،‬أين‬
‫أقام يف املرة الثالثة وق ّدم دروسا عديدة فيها‪ ،‬وزار طيبة سبع مرات فأملى احلديث النبوي‬
‫مبسجدها‬
‫وتعرف على عدد كبري من علمائها فأجازهم وأجازوه‪ ،‬وذكر لنا املقري ذلك بقوله‪:‬‬
‫المسرات وأمليت فيها على قصد التبرك‬
‫"وحصلت لي بالمجاورة فيها –مكة‪ّ -‬‬
‫دروسا عديدة‪،‬‬

‫‪119‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫واهلل يجعل أيام العمر بالعود إليها مديدة‪ ،‬ووفدت على طيبة المعظمة ميمما‬
‫مناهجها السديدة سبع مرات‪ ،‬وأطفأت بالعود إليها ما باألكباد الحرار‪ ،‬وإستضأت‬
‫بتلك األنوار‪،‬‬
‫على في ذلك الجوار‪،‬‬
‫من اهلل به ّ‬
‫وأل ّفت بحضرته صلى اهلل عليه وسلم بعض ما ّ‬
‫وأمليت الحديث النبوي بمرأى منه عليه الصالة والسالم ومسمع‪،22"...‬كما‬
‫استطاع تأليف كتابيه " فتح المتعال في مدح النعال" و " ازهار الكمامة في أخبار‬
‫العمامة ونبذة من مالبس المخصوص باإلسراء والغمامة" عند قربه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪.23‬‬
‫أما بيت املقدس فقد عاد إليه مرة ثانية يف شهر رجب من سنة ‪1037‬ه حيث أقام‬
‫حنو مخس وعشرين يوما قضاها يف التدريس باملسجد األقصى وعند الصخرة حتديدا‪،‬‬
‫وزيارة مقام سيدنا إبراهيم عليه السالم يف مدينة اخلليل‪ ،‬وإجازة أحد العلماء هو حممود‬
‫بن أمحد العماري اخلليلي‪.24‬‬
‫وأما دمشق فقد رحل إليها مرتني‪ ،‬األوىل كانت سنة ‪1037‬ه من شهر شعبان‪،‬‬
‫حيث أقام فيها أربعني يوما يتجول يف أرجاء املدينة ويتعرف على أهلها‪ ،‬كما جلس‬
‫لتدريس " صحيح البخاري " باجلامع األموي حتت قبة النسر بعد صالة الصبح حبضور‬
‫أعيان علماء دمشق‬
‫و مجيع طلبتها‪ ،‬و اجتمعت يوم ختمه األلوف من الناس حىت أن حلقة الدرس نقلت‬
‫إىل وسط الصحن و أيت له بكرسي الوعظ وتكلم بكالم يف العقائد و احلديث مل يسمع‬
‫له نظريه أبدا‪ ،‬وحيدثنا صاحب خالصة األثر عن هذا املشهد بقوله‪... " :‬ونزل عن‬
‫الكرسي فازدحم الناس على تقبيل يده وكان ذلك نهار االربعاء‪ 17‬رمضان سنة‬
‫‪1037‬ه"‪ ،25‬كما عزم على تأليف موسوعته الشهرية " نفح الطيب" نزوال عند رغبة‬
‫أحد تالمذته أمحد بن شاهني و ذلك عندما كان يسرد على علماء دمشق وأعياهنا أخبارا‬

‫‪120‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫عن بالد األندلس‪ ،‬و انتهى املقري من تأليف هذا الكتاب سنة ‪1039‬ه و هو مقيم‬
‫مبصر يومئذ‪.26‬‬
‫أما املرة الثانية فكانت سنة ‪1040‬ه‪ ،‬أين تعلق بأهلها وأنشد فيهم أمجل القصائد‪،‬‬
‫مث عاد إىل مصر حيث طّلق زوجته إذ أن العالقة مل تتوج بالوفاق‪ ،‬خاصة بعد وفاة ابنته‬
‫سنة ‪1038‬ه‪ ،27‬وملا كان ينوي العودة إىل دمشق لإلقامة هبا بشكل دائم لكن عاجله‬
‫ّ‬
‫األجل قبل حتقيق ذلك‪ ،‬فكانت وفاته يف شهر مجادى اآلخرة سنة ‪1041‬ه ودفن‬
‫مبقربة اجملاورين‪.28‬‬
‫ترك املقري ثروة هائلة من املؤلفات يف خمتلف البلدان اليت زارها يف مواضيع عدة‬
‫كاألدب والتاريخ والفقه والعقائد‪ ،‬وحيق للجزائر وملدينة تلمسان خاصة أن تفخراهبذا‬
‫العامل الف ّذ وبأعماله اجلليلة‪.‬‬
‫‪-2‬التعريف بكتاب الرحلة‪:‬‬
‫تعرف الرحلة بعنوان " الرحلة إىل املغرب و املشرق "‪ ،‬وهي عبارة عن خمطوط‬
‫أهدته حفيدة املستشرق الفرنسي جورج ديلفان )‪29 )G.DELPHIN‬إىل السفارة‬
‫اجلزائرية بباريس‪ ،‬ونقل بعد ذلك إىل املكتبة الوطنية اجلزائرية باحلامة حتت رقم ‪.3191‬‬
‫يبلغ عدد أوراق املخطوط ‪ 66‬ورقة‪ ،‬ترتواح مسطرته ما بني ‪ 06‬إىل ‪ 38‬سطرا‪ّ ،‬أما‬
‫قياس الورقة فيبلغ ‪ 21,5‬سم × ‪ 15,3‬سم‪.‬‬
‫املخطوط مبتور األول واآلخر به آثار رطوبة واملياه يف بعض أوراقه‪ ،‬تصعب قراءته يف‬
‫كثري من املواضيع لوجود تشطيبات كثرية‪ ،‬وكتابة صغرية بقلم املؤلف ذاته يدل على أن‬
‫سودة املؤلف لوجود التصحيحات على اهلامش وإعادة التعبري يف‬
‫املخطوط عبارة عن م ّ‬
‫بعض املواضع وتصحيح ما قد كتب‪.30‬‬
‫قام بتحقيق املخطوط الدكتور حممد بن معمر أستاذ التاريخ اإلسالمي جبامعة‬
‫وهران سنة ‪2004‬م‪ ،‬ويعد هذا التحقيق خطوة جديدة يف فهم حياة املقري نشاطه‬
‫الفكري‪ ،‬حيث استوىف احملقق شروط التحقيق الضرورية إذ قام برجراء تصميم جديد يف‬
‫‪121‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫ترتيب املادة إلن املخطوط مبتور البداية والنهاية‪ ،‬فوضع عناوين وأرقاما باإلضافة إىل‬
‫تبويب املنت‪ ،‬وتدبيج مقدمة وافية عن املؤلف وعصره وأسلوب الكتابة ووضع فهارس‬
‫لألعالم واألماكن والبلدان ‪...‬اخل لتسهل قراءته‪.31‬‬
‫حيمل كتاب الرحلة بني طياته معلومات عن حياة املقري الشخصية يف كل من‬
‫تلمسان‬
‫واملغرب األقصى ومصر والشام و بيت املقدس واحلجاز‪ ،‬باإلضافة إىل معاجلة احلياة‬
‫الثقافية و األدبية يف عصره و لعل هذا ما ميّيز الرحلة‪ ،‬إذ أن املقري خص جزء كبري من‬
‫الرحلة للحديث عن نشاطه الفكري والعلمي واتصاله بعلماء وأدباء املغرب واملشرق‬
‫اإلسالميني وما مت من حمادثات بينهم من خالل نظم قصائد شعرية وتأليف مقطوعات‬
‫نثرية وكتابة رسائل بليغة‪ ،‬هذه الكتابات األدبية اليت عاجلت أكثر من موضوع فكانت‬
‫إما يف الوصف أو املدح أو االستضافة أو اإلجازة أو األلغاز أو طلب اإلفتاء أو اإلجابة‬
‫عن األسئلة يف القضايا العلمية‪.32‬‬
‫باإلضافة إىل اهتمامه بالقصائد واملوشحات وهي قصائد تدخل يف الغرض الديين‬
‫كالتوسل ومدح الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أو وصف الشوق إىل البقاع املقدسة‪.33‬‬
‫‪-3‬وصف مدينة الجزائر‪:‬‬
‫يعترب طريق العاصمة من أهم املسالك اليت اختذهتا قوافل احلج القادمة من الغرب‬
‫للوصول إىل غايتهم من الرحلة واليت تتمثل يف أداء مناسك احلج يف بالد املشرق‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فعندما يصل احلاج إىل اجلزائر يبقى عليه اختيار طريقني‪:‬‬
‫أ‪-‬الطريق البحري‪:‬‬
‫‪-1‬من ميناء اجلزائر ليصل إىل ميناء تونس‬
‫‪-2‬أو موانئ أخرى كميناء طربقة أو صفاقص أو سوسة‪.‬‬
‫الربي‪ :‬ويتزوع على ‪ 3‬اجتاهات‬
‫ب‪-‬الطريق ّ‬

‫‪122‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫‪-1‬اجتاه اهلضاب الشمايل‪ :‬وهو الرابط بني فاس وتونس مرورا بوجدة وتلمسان‬
‫ووهران‬
‫واجلزائر العاصمة وقسنطينة وتونس والكاف‪.‬‬
‫‪-2‬اجتاه الواحات األوسط‪ :‬الرابط بني تافياللت جنوب املغرب ونفطة يف جنوب‬
‫تونس‬
‫ومير على أهم واحات اجلزائر كاألغواط وأوالد نايل بسكرة‪.‬‬
‫‪-3‬اجتاه الساحل‪ :‬هذا االجتاه ابتعد عنه احلجاج ألن طرقه صعبة تكثر فيها‬
‫املرتفعات‬
‫وتنقطع كثريا مما يضطر احلجاج إىل التوغل إىل ال ّداخل لتجنب البحر‪.34‬‬
‫يبدوا أن مدينة اجلزائر كانت مقصدا للعديد من الرحالة خالل القرن السابع عشر‬
‫ليبلغوا عن طريقها خمتلف وجهاهتم‪،‬وخنص بالذكر الرحالت املغربية واجلزائرية ألن‬
‫أصحاهبا مل يغفلوا عن تسجيل أحوال املدينة ووصفها وختصيص جزء من سجالهتم‬
‫لتقدمي خنبة من علماءها وأشهرهم فيها ليثبتوا بذلك اإلدعاءات الكاذبة للرحالة واملؤرخون‬
‫الغربيون عندما يتحدثون عن املدينة يف هذه الفرتة فيقدمون األوصاف القاسية والصور‬
‫القبيحة‪ ،‬وإذا وقفوا عند احلياة الثقافية فرهنم خيطأوا بل إهنم يذهبون إىل اإلعتقاد بأن‬
‫السكان حيتقرون العلوم ويكتفون بتعلم القرآن‪.35‬‬
‫ومن هؤالء نذكر ابن زاكور‪ 36‬الذي ق ّدم لنا وصفا للمدينة مبدحها عندما دخل إليها‬
‫علي‬
‫من ّ‬ ‫حبرا سنة ‪1093‬ه‪1683/‬م‪ ،‬واخرتنا بعض املقتطفات نذكر منها‪" :‬وإنه لما ّ‬
‫المولى ذو الفضل السابغ العظيم بدخول مدينة الجزائر ذات الجمال الباهر‪،‬‬
‫وحلول مغانيها النواظر التي غص ببهجتها كل عدو كافر‪...‬إذ هي كما قيل‪:‬‬
‫وكساه حلّة ريشه الطّاووس‬ ‫بلد أعارته الحمامة طوقها‬

‫‪123‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫ما شئت من حدائق كالنمارق وقصور نوع من المحاسن عليها مقصور‪ ،‬والذي‬
‫أعارها ذلك المرأى الجميل‪ ،‬وأصارها فضية الصباح عسجدية األصيل‪ ،‬وألحفها‬
‫بهجة وإشراقا وألبسها نضرة وإيراقا‪ ،‬وأبداها للعيون آنق من جيرون"‪.37‬‬
‫ويالحظ أن علماء العاصمة يف هذا القرن كانوا ّيركزون على تلقني العلوم الشرعية‬
‫أو باألحرى الدراسات القرآنية املتمثلة يف التفسري والقرآءات واحلديث مبا يف ذلك‬
‫اإلثبات واإلجازات‪ ،38‬ويشري ابن زاكور ذلك قائال‪" :‬إلتمست ممن اصطفيت من‬
‫فسوغ لي من إعتمرت‬
‫أولئك األخيار أن يكتب لي من إجازته ما أطاول به األحبار‪ّ ،‬‬
‫بمطافه ما ترشفته من نطافه‪ ،‬وأجاز لي من إهتديت بمناره ما أقبسني أنواره‪ ،‬وقد‬
‫زدت أن أذكر من حالهم في هذه األوراق ما تحسده الجزاهر في األطواق وأنقل‬
‫إثر ذلك إجازة من أجاز‪ ،‬وأباح لي الرواية عنه في الحقيقة والمجاز‪.39"...‬‬
‫‪-4‬نزول المقري بالعاصمة‪:‬‬
‫اختار أمحد املقري اجتاه اهلضاب الشمايل الذي مير على مدينة اجلزائر حيث وصل‬
‫إليها يوم ‪ 25‬من شهر ذي احلجة سنة ‪1027‬ه وأقام مدة قصرية حرص فيها على‬
‫مقابلة أعالمها لتبادل خمتلف املعارف‪ ،‬ومناقشة خمتلف املسائل العلمية املعاصرة اليت‬
‫سامهت يف رسم معامل التأثر والتأثري باآلخر‪ ،40‬فالتقى بعدما جتول يف أرجاء املدينة‬
‫وحتديدا عند رأس تافورة جبماعة من األعيان وما حصل له معهم من حمادثات ومقابالت‬
‫علمية‪ 41‬نذكر منهم؛ مفيت احلنفية اخلطيب حممود بن حسني بن قرمان والشاعر واألديب‬
‫حممد بن راس العني‪ ،42‬وقد تغىن الرحالة ابن زاكور يف حق علماء هذه الفرتة مبا يلي‪:‬‬
‫"غرر أعالم يتجلى بهم اإلظالم وشموس أئمة تنفرج بهم كل غمة وتفتخر أحبار‬
‫هذه األمة من رجال كالجبال وأحبار كاألقمار‪ ،‬طلعوا في بروج سعودها بدورا‬
‫ألبسوها رواء ونور‪ ،‬فإهتديت بأنوارهم السنية إلى قطف ما راق من أنوارهم الجنية‪،‬‬

‫‪124‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫ورتعت في رياض آدابهم فتمتعت‪ ،‬ونهلت من حياض علومهم حتى تضلعت‬


‫وكرعت في أنهار بالغتهم حتى رويت وهصرت من أفنان براعتهم ما هويت‪.43"...‬‬
‫وتبادل حممد بن راس العني نظم الشعر مبناسبة هذا االجتماع مع املقري بقوله‪:‬‬
‫فصارت به تلك المعاهد معمورة‬ ‫خرجنا مع المولى إلى رأس تافورة‬
‫فريد عليه إبن رأس املاء بقوله‪:‬‬
‫قلوب القوم بالجمع مسرورة‬ ‫وما أحد إال إعترته مسرة وكانت‬
‫‪44‬‬
‫مآثرهم بين األكابر مشهورة‬ ‫وجالسنا فيه أناس أفاضل فقلت‬
‫كما التقى بعامل اجلزائر وفقيهها يف عصره سعيد قدورة‪ ،45‬حيث الغز هذا األخري‬
‫رحالتنا يف لفظ القوس نثرا فأجابه‪ ،‬ونذكر من ذلك‪:‬‬
‫سعيد قدورة يكتب إىل املقري ملغزا يف لفظ القوس‪:‬‬
‫" كتب إلى مفتي الجزائر وعالمها وإمامها وخطيبها األخ في اهلل سيدي سعيد‬
‫الشهير بقدورة حفظه اهلل‪ ،‬ملغزا في القوس"‪:‬‬
‫وال معا يسمو على نجم السهى‬ ‫يا بارعا أربى على دوي النهى‬
‫أتى مثنى يا أخا إنتباه‬ ‫لفظ تراه في كتاب اهلل‬
‫في السفر المبرور تشطبه‬ ‫ولم يثن فيه وإصطحبه‬
‫محتفل للنبال والرذال‬ ‫واألصل إن قلبته دل على‬
‫فأجابه املقري مبا نصه‪:‬‬
‫" الحمد هلل الذي ألهما لحل مشكل عرا وأفهما وصلواته على المقرب كقاب‬
‫قوسين النبي العربي ثم الرضى عن صحبه وعترته الفائزين بمزايا إثرته ووارثيه علماء‬
‫‪46‬‬
‫الملة السعداء العاملين الجلة"‬
‫وبعد‪:‬‬

‫‪125‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫" ياصدر الكمال والورع فقد أتانا نظمك الذي عجز عن ألفاظه قاريها‪ ،‬فأسلم‬
‫القوس إلى باريها‪ ،‬وكيف ال وقد رمى عنها‪ ،‬فلم تحط شريد الفهم‪ ،‬وأسهم القلم‪...‬‬
‫الخ"‪.‬‬
‫كما الغزه يف لفظ الصنرب بتسعة أبيات وأجابه بأحد عشر بيتا يف حل هذا اللغز‪.47‬‬
‫وال يفوتنا أن نذكر ما قاله املقري يف مدح مدينة اجلزائر وعلمائها‪:‬‬
‫يا بهجة الجهر طابت منك أزمان‬ ‫جزائر الغرب ال تطرقك أحزان‬
‫فكم عال فيك إسالم وإيمان‬ ‫وزادك اهلل يا أرض الجهاد على‬
‫للنصر والعز في مغناك إدمان‬ ‫وصانك اهلل من كيد العدى وغدا‬
‫علومه أوحد العليا سليمان‬ ‫وزانك اهلل بالشيخ الذي بهرت‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫فلهم على انفرادك بالعلياء إبقان‬ ‫يا ندا قد أقسمت بمعاليك الورى‬
‫إذا تقاعس خالن وإخوان‬ ‫وأنت نعم خليل المرء تعضده‬
‫عن معهد األنس واألحباب قد بانوا‬ ‫فأعذر محبا قصير الباع مغتربا‬
‫‪48‬‬
‫هاج شوق الغريب ا ّلرند والبان‬ ‫وأهنا ودم للمعالي مفردا علما ما‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫إن الرحلة اليت قام هبا املقري إىل مدينة اجلزائر مل تكن جمرد مشاهدات سياحية أو‬
‫صادرة عن حاجة سياسية أو طائفية كما أشار إىل ذلك الدكتور عبد القادر شرشال يف‬
‫مقاله كتاب الرحلة إىل املغرب واملشرق‪ ،‬فهذا احلاج مل يهتم كثريا بوصف ما شاهده من‬
‫مظاهر اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو عمرانية أو طبيعية كوصف اجلبال والشوارع‬
‫واألسواق واحلدائق والساحات العمومية ‪ ...‬اخل‪ ،‬بل رّكز على أهم من ذلك واملتمثلة يف‬
‫مظاهر احلياة العلمية والفكرية فوصفها وصفا ينم عن خربة وثقافة عاليني مل تالحظ عند‬
‫سابقيه من الرحالة‪.‬‬

‫‪126‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫التهميش‪:‬‬
‫‪-1‬حم مد أمني احمليب‪ ،‬خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عشر‪ ،‬ج‪ ،1‬دار صادرة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬بدون تاريخ‪،‬‬
‫ص‪.302‬‬
‫‪ -2‬مقرة‪ :‬وهي مدينة تقع شرق املسيلة‪ ،‬ذكرها ياقوت احلموي يف معجمه " مدينة يف املغرب تقع قريبة من قلعة بين‬
‫محاد‪ ،‬بينها وبني طنجة مثانية فراسخ"‪ ،‬انظر‪ :‬ياقوت احلموي‪ ،‬معجم البلدان‪ ،‬ج‪ ،4‬املطبعة املصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1906‬ص‪.606‬‬
‫‪-3‬أمحد املقري‪ ،‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬جملد‪ ،7‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1968‬م‪ ،‬ص ‪.136-133‬‬
‫‪-4‬هو الفقيه اإلمام العالمة أبو عثمان سعيد بن أمحد املقري‪ ،‬ولد قبل سنة ‪930‬ه‪ ،‬أخذ عن شيوخ تلمسان كأيب‬
‫مالك الونشريسي و غريهم‪ ،‬خترجت على يديه جلة من العلماء منهم؛ سعيد قدورة‪ ،‬وابن أخيه أبو العباس امحد‬
‫املقري وغريهم كثري‪ ،‬توىل منصب اإلفتاء بتلمسان مدة ‪ 60‬سنة‪ ،‬تويف سنة ‪1010‬ه‪ ،‬انظر‪ :‬حممد احلفناوي‪،‬‬
‫تعريف اخللف برجال السلف‪،‬ج‪ ،2‬مطبعة بيري فونتانة‪ ،‬اجلزائر‪1906 ،‬م‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫‪-5‬حممد األمني احمليب‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.303‬‬
‫‪ -6‬أبو العباس أمحد املقري‪ ،‬رحلة املقري إىل املغرب واملشرق‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بن معمر‪ ،‬مكتبة الرشاد للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪-7‬هو العامل املالكي من أكابر األفاضل‪ ،‬جامع للفنون والعلوم الرياضية‪ ،‬اشتغل ببالد سوس من املغرب األقصى مث‬
‫تنقل يف بالد املغرب‪ ،‬فرحل إىل مراكش وأخذ عن علمائها ودخل فاس وأخذ يها عن مجع‪ ،‬رحل إىل املشرق سنة‬
‫‪ 1075‬ه فدخل مصر وأخذ هبا عن مجاعة مث دخل مكة وأقام هبا إىل أن مات سنة ‪1077‬ه‪ ،‬وهو أحد قواد‬
‫السلطان املنصور الذهيب‪ ،‬أنظر‪ :‬العباس بن إبراهيم السماليل‪ ،‬اإلعالم مبن حل مبراكش وأغمات من األعالم‪،‬‬
‫اجلزء‪ ،1‬الطبعة‪ ،2‬املطبعة امللكية‪ ،‬الرباط‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.183،184‬‬
‫‪-8‬أبو العباس أمحد املقري‪ ،‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬جملد‪ ،1‬دار صادر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،1968 ،‬مقدمة احملقق‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪-9‬نفسه‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫‪-10‬مسرية أنساعد‪ ،‬الرحالت احلجازية يف األدب اجلزائري من القرن ‪19-17‬م‪ ،‬الطبعة‪ ،1‬الوكالة اإلفريقية لإلنتاج‬
‫السينمائي و الثقايف‪ ،‬اجلزائر‪2011 ،‬م‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪-11‬أمحد املقري‪ ،‬رحلة إىل املغرب واملشرق‪ ،‬ص‪.7 ،6‬‬
‫‪-12‬أمحد املقري‪ ،‬الرحلة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ -13‬أبو العباس أمحد بن خالد الناصري‪ ،‬االستقصا ألخبار دول املغرب األقصى‪ ،‬حتقيق‪ :‬جعفر الناصري وحممد‬
‫الناصري‪ ،‬القسم‪ ،2‬اجلزء‪ ،6‬دار الكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪-14‬أمحد املقري‪ ،‬نفح الطيب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.13‬‬

‫‪127‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫‪-15‬نفسه‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪-16‬نفسه‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪-17‬نفسه‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪-18‬املقري‪ ،‬الرحلة‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ -19‬عبد الكرمي الفكون‪ ،‬منشور اهلداية يف كشف حال من ادعى العلم و الوالية‪ ،‬حتقيق و تقدمي‪ :‬أبو القاسم سعد‬
‫اهلل‪ ،‬الطبعة‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪1987،‬م‪ ،‬ص‪.224‬‬
‫‪-20‬مسرية أنساعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪-21‬املقري‪ ،‬الرحلة‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪-22‬املقري‪ ،‬نفح الطيب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.57 ،56‬‬
‫‪-23‬مسرية أنساعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪-24‬نفسه‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪-25‬حممد أمني احمليب‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.305‬‬
‫‪-26‬مسرية أنساعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪-27‬املقري‪ ،‬نفح الطيب‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫‪-28‬حممد أمني احمليب‪ ،‬املصدر السابق نفسه‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫‪-29‬هو مستشرق فرنسي‪ ،‬خترج من جامعة باريس قسم اللغات الشرقية‪ ،‬و إنتدب للعمل يف اجلزائر سنة‬
‫‪1881‬م‪،‬فاشتغل كمدرس للغة العربية جبامعة اجلزائر يف القرن ‪19‬م‪ ،‬مث شغل منصب مدير مبدرسة وهران‪ ،‬اهتم‬
‫بدراسة التاريخ و األدب الشعيب اجلزائري‪ ،‬له عدة مؤلفات أمهها؛ تاريخ الباشوات العثمانيني يف اجلزائر من سنة‬
‫‪1515‬م إىل سنة ‪1745‬م‪ ،‬تويف سنة ‪1919‬م‪.‬‬
‫‪-30‬مسرية أنساعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24 ،23‬‬
‫‪ -31‬عبد القادر شرشال‪ ،‬كتاب الرحلة إىل املغرب واملشرق أليب العباس املقري‪ ،‬جملة الفضاء املغاريب‪ ،‬وهران‪ ،‬ماي‬
‫‪2016‬م‪ ،‬ص‪.74‬‬
‫‪-32‬مسرية أنساعد‪ ،‬املرجع السابق نفسه‪ ،‬ص‪.25 ،24‬‬
‫‪– 33‬نفسه‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪-34‬نفسه‪ ،‬ص‪.54 ،53‬‬
‫‪ -35‬موالي بلحميسي‪ ،‬اجلزائر من خالل رحالت املغاربة يف العهد العثماين‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪1981‬م‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪-36‬هو أبو عبد اهلل حممد بن قاسم بن حممد بن عبد الواحد بن أمحد بن زاكور الفاسي مبدينة فاس املغربية يف حوايل‬
‫سنة ‪1665‬م‪ ،‬بدأت بشائر نبوغه مبكرا حيث كان ينظم الشعر اجليد ويقدم على التأليف‪ ،‬حرصعلى أخذ العلم‬
‫من أفواه أشهر علماء عصره ومالزمة حلقات دروسهم واإلرتواء من خمتلف علومهم مثل أبو حفص عمر بن حممد‬

‫‪128‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬
‫الوضع الثقافي بمدينة الجزائر خالل القرن ‪17‬م من خالل الرحالت الحجازية رحلة المقري نموذجا ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ أ‪ .‬فتيحة فرزوق‬

‫بن عبد الرمحن املنجاليت اجلزائري‪ ،‬سعيد بن إبراهيم قدورة اجلزائري‪ ،‬أبو علي احلسن بن مسعود اليوسي‪ ،‬تصدر‬
‫للتدريس بفاس بعدما تفوق على أقرانه يف الكثري من العلوم والفنون‪ ،‬تويف سنة ‪1708‬م وترك آثارا علمية قيمة منها‪:‬‬
‫نشر أزاهري البستان فيمن أجازين باجلزائر وتطوان من فضالء أكابر األعيان‪ ،‬احللة السرياء يف حديث الرباء‪ ،‬الروض‬
‫األريض يف بديع التوشيح ومنتقى القريض‪...‬وغريها كثري‪.‬أنظر‪ :‬ابن زاكور الفاسي‪ ،‬نشر أزاهر البستان فيمن أجازين‬
‫باجلزائر وتطوان من فضالء أكابر األعيان‪ ،‬املعرفة الدولية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر‪ ،2011 ،‬ص‪.25-14‬‬
‫‪-37‬ابن زاكور الفاسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪-38‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬تاريخ اجلزائر الثقايف ‪1830-1500‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ط‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1998‬م‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪-39‬ابن زاكور‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ -40‬ليلى غويين‪ ،‬التفاعل الثقايف بني دول املغرب يف العهد العثماين من خالل الرحالت احلجية اجلزائرية‪ ،‬مذكرة لنيل‬
‫شهادة املاجستري يف التاريخ احلديث‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ ،2‬قسم التاريخ‪2011/2010 ،‬م‪ ،‬ص‪.66 ،65‬‬
‫‪-41‬ابن زاكور الفاسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.41 ،40‬‬
‫‪-42‬املقري‪ ،‬الرحلة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪-43‬هو األديب الرحالة من شعراء اجلزائر العثمانية‪ ،‬كان حيا سنة ‪1058‬ه‪ ،‬اشتهر بشعر اجملون‪ ،‬ومن املتأثرين‬
‫باملدرسة األندلسية يف نظم املوشحات‪ ،‬أنظر‪ :‬أبو القاسم سعد اهلل‪ ،‬تاريخ اجلزائر الثقايف‪ ،‬اجلزء‪ ،2‬الطبعة‪ ،1‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1989 ،‬م‪ ،‬ص‪.267‬‬
‫‪-44‬نفسه‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪-45‬هو أبو عثمان سعيد بن إبراهيم قدورة‪ ،‬مفيت مدينة اجلزائر وفقيهها وعاملها‪ ،‬تونسي األصل جزائري املولد‬
‫واملنشأ‪ ،‬أخذ عن سعيد املقري وغريه‪ ،‬من آثاره شرح الصغرى‬
‫وغريها‪ ،‬تويف سنة ‪1066‬ه‪ ،‬أنظر‪ :‬املقري‪ ،‬الرحلة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫‪-46‬املقري‪ ،‬الرحلة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫‪-47‬نفسه‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪-48‬نفسه‪ ،‬ص‪.74‬‬

‫‪129‬‬ ‫محلة قبس للدراسات االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬المجلد ‪ ،02‬العدد ‪ ، 01‬ص ص ‪ ، 129 - 115‬جوان ‪2018‬‬

You might also like