You are on page 1of 8

‫حاج اسماعيل إسالم‬

‫إنه الشاعر‬

‫وقد فتشُت عن أصحاب دين ‪ ...‬لهم ُنْسك وليس لهم رياء‬


‫فألفيُت البهائم ال عقول ‪ ...‬تقيم لها الدليل وال ضياء‬
‫فإن كان الُّتَقى َبَلها وِعّيا ‪ ...‬فأعيار المذلة أتقياء‬
‫شيخوخة أبي العالء المعري ووفاته‬


‫عاش أبو العالء المعري شيخوخته وهو ما زال في‬
‫بيته‪ ،‬فأصاب جسمه الضعف والعجز‪ ،‬وأصبح غير قادر‬
‫على أداء صالته قائمًا ‪ ،‬وقد مرض قبل وفاته بثالثة‬
‫أيام عن عمر يناهز الثالثة والثمانين عامًا ‪ .‬ودفن‬
‫في المعرة وكان قد اجتمع على قبره ثمانون‬
‫شاعرًا يرثونه تعظيمًا وتقديرًا لدوره في األدب‬
‫وردت روايات عدة في تاريخ وفاته حيث اتفقت‬
‫هذه الروايات على أن وفاته كانت يوم الجمعة من‬
‫شهر ربيع األول للعام ‪ 449‬ه‪ .‬بينما اختلفت هذه‬
‫الروايات في تحديد التاريخ من هذا الشهر‪ :‬فقيل‬
‫إّن ه الثاني وهذا ما ذكره ياقوت أّم ا ابن خلكان فقد‬
‫جمع بين ثالثة تواريخ ورّج ح أن يكون المعري قد‬
‫توفي في واحدة منها‪ ،‬وهذه التواريخ هي‪:‬‬
‫الثاني أو الثالث أو الثالث عشرة من شهر ربيع‬
‫األول‪ ،‬وأيده في هذا القول البغدادي‪ ،‬حيث قال‬
‫إله توفي في الثالث عشرة من هذا الشهر‪ ،‬وثبت‬
‫أن التاريخ الصحيح لوفاته كان يوم الجمعة الثاني‬
‫من شهر ربيع األول‪ :‬ألن الثالث من هذا الشهر كان‬
‫يوم السبت‪ ،‬أقا الثالث عشرة فهو يوم الثالثاء‪.‬‬
‫وبهذا فإن التاريخ الصحيح لوفاة المعري هو يوم‬
‫الجمعة الثاني من شهر ربيع األول للعام ‪ 449‬ه‪.‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫إذ نجده يكثر من استخدام األلفاظ البدوية في‬ ‫بسم الله الرحمان اارحيم‬
‫شعره رغم نشأته الحضرية‪ ،‬كما تأثر المعري أيضًا‬ ‫

‫بالشعراء الجاهليين والقدامى؛ إْذ كان في كثير‬
‫من األحيان ينظم شعره على منوالهم مقلدًا‬
‫إياهم في توليد المعاني والصورة الشعرية فكان‬ ‫من هو أبي العالء المعري ؟‬
‫يكثر من ذكر ووصف النياق والمطايا وما يرتبط‬ ‫

‫بهما من ذكر للسيف والدرع في تشبيه بليغ‬ ‫أبو العالء المعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان‬
‫للحياة والموت‪ ،‬ومنه قوله ‪:‬‬ ‫التنوخي‪ ،‬شاعر وفيلسوف شهير‪ ،‬فقد بصره وهو‬
‫طار النواعُب يوم فاد نواعيا‬ ‫ما زال في الرابعة من عمره نتيجة إصابته بمرض‬
‫‪ ...‬فندينه لموافق ومناف‬ ‫الجدري إال أّن هذا األمر لم يمنعه من تحصيل‬
‫كذلك كان المعري يكثر من ذكر النعام واألرقم‪،‬‬ ‫علمه‪ ،‬وخاصًة أنه نشأ وتربى في بيت كان محبًا‬
‫والقطا‪ ،‬والغراب الذي اتخذ منه رمزًا للتعبير عن‬ ‫للعلم‪ :‬فنظم الشعر مبكرًا ‪ ،‬وسافر إلى بغداد طلبًا‬
‫حاالت الرثاء في قصائده‪ ،‬كقوله‪:‬‬ ‫للعلم‪ ،‬وأصبح من أبرز الفالسفة والشعراء العرب‪.‬‬
‫عاذل إن ُص ٌّم القنا عن نعيه‬ ‫يعتبر المعّر ي من أعظم فحول الشعر‪ ،‬وهو من‬
‫‪ ....‬فوا حسدا من بعده للقنا الصم‬ ‫الشخصيات الفذة والمتميزة في األدب العربي‬
‫بكى السيف حتى أْخ َض ُل الدمع جفته‬ ‫شكّل انقالبًا على التقاليد الثقافية التي كانت‬
‫‪ ....‬على فارس يرويه من فارس الدهم‬ ‫سائدة في عصره‪ ،‬وكان من وضع هذه التقاليد‬
‫كما ترددت مفردات الليل والعتمة والنهار والضوء‬ ‫ورسخها من سبقه من شعراء وأدباء العرب‪ :‬فجاءت‬
‫كثيرًا في شعر المعري نتيجة شدة شعوره المبكر‬ ‫أشعاره تعبيرًا عن تجاربه الخاصة‪ ،‬ومشاهداته في‬
‫بالسواد نتيجة إصابته بالعمى‪ .‬ومن هذه األبيات‪:‬‬ ‫الحياة‪ ،‬وتأمالته في الوجود‪ ،‬وكان لهذه األشعار‬
‫فليت الليالي سامحتني يناظر‬ ‫دور هام في رفعة شأن األدب في الوقت الذي عّم‬
‫‪ ...‬يراك وقن لي بالّض َح ى في األصائل‬ ‫فيه الجهل‪ ،‬وانتشرت فيه الخرافات بين الناس‪.‬‬

‫‪- 12 -‬‬ ‫‪- 1 -‬‬


‫اللغة في شعر أبي العالء المعري‬ ‫مولد ونشأة أبي العالء المعري ‪:‬‬

‬ ‫

‫أثرى أبو العالء المعري إنتاجه األدبي بمفردات‬ ‫ولد أبو العالء المعري في يوم الجمعة من شهر‬
‫اللغة الضخمة التي استمدها من المعجم العربي‪.‬‬ ‫ربيع األول من عام ‪ 363‬هجري‪ ،‬وفقد بصره نتيجة‬
‫وكان يستخدم هذه المفردات بطرق تخدم فنونه‬ ‫إصابته بالجدري كما سبق ذكره في أوائل عام ‪367‬‬
‫األدبية المختلفة سواء النثرية أم الشعرية‪ ،‬وقد‬ ‫هجري‪ ،‬وكان ال يعرف من األلوان إال اللون األحمر‬
‫ساعده على ذلك ذاكرته القوية وشغفه بالقراءة‪،‬‬ ‫ألنه ارتداه أثناء عالجه من مرض الجدري‪ .‬وقد‬
‫واطالعه الواسع‪ ،‬باإلضافة إلى دراسته للعلوم‬ ‫تعايش المعري مع وضعه الجديد‪ ،‬واعتبر فقدان‬
‫اللغوية من نحو وصرف وعروض فكانت ثقافته‬ ‫البصر نعمة من النعم التي يحمد الله عليها فكان‬
‫واسعة وشاملة لجميع سنن اللغة والغريب‬ ‫يمارس حياته بشكل طبيعي يلعب الشطرنج‪،‬‬
‫منها‪ ،‬وقد برزت هذه الثقافة اللغوية بصورة‬ ‫ويشارك أقرانه في المناظرات األدبية‪ ،‬سواء كانت‬
‫واضحة في شعره فقد كان المعري مهتمًا‬ ‫جدية أم هزلية‪ ،‬وترعرع المعري بالمعّر ة مسقط‬
‫اهتمامًا بالغًا باللغة‪ .‬وبارعًا في التعامل مع‬ ‫رأسه‪ ،‬وتولى والده تعليمه اللغة والنحو وحفظ‬
‫مفرداتها‪ ،‬ومنقبًا عن معانيها وأسرارها‪ .‬كما أدرك‬ ‫الحديث النبوي‪ ،‬وانتقل بعد ذلك إلى حلب‪ ،‬وتابع‬
‫المعري أيضًا األساليب البالغية وخفاياها‪ ،‬وقد‬ ‫تعليمه النحوي محمد بن عبد الله بن سعد النحوي‪،‬‬
‫ظهر هذا االهتمام جليًا ‪ .‬في‬ ‫ثّم ارتحل إلى بغداد‪ ،‬وقابل هناك عبد السالم بن‬
‫ديوانه (سقط الزند) الذي تميز بجزالة المعاني‬ ‫الحسين البصري وتزود من علمه‬
‫وفخامة المفردات ومتانة التراكيب والبراعة في‬ ‫

‫النظم وحسن انتقاء األلفاظ والمعاني‪ ،‬وقد غلب‬ ‫شيوخ أبي العالء المعري وتعليمه ‪:‬‬
‫الطابع البدوي على مفردات المعري وأسلوبه‪.‬‬ ‫تلقى المعري بداية تعليمه على يد والده كما‬
‫ومن ذلك قوله ‪:‬‬ ‫سبق ذكره‪ ،‬وقيل إنه نظم الشعر ولم يتجاوز‬
‫جاء الربيع واطباك الفرعي‬ ‫الحادية عشرة من العمر‪،‬‬
‫‪ ...‬واسئلة الفصال حتى القرغى‬
‫‪- 11 -‬‬ ‫
‬ ‫‪- 2 -‬‬
‫من أشهر اشعاره‬ ‫ثّم انتقل بعد ذلك إلى حلب لطلب المزيد من علوم‬

‬ ‫اللغة وآدابها‪ ،‬وهناك التقى نخبة من العلماء‬

‬ ‫الذين تعلموا على يد ابن خالويه‪ ،‬ومنهم‪ :‬محمد‬
‫" من لي أن أقيم في بلٍد "‬ ‫بن عبدالله بن سعد النحوي الذي أخذ منه شعر‬

‬ ‫المتنبي‪ ،‬ويحيى بن مسعر الذي أخذ منه اليسير‬

‬ ‫من علوم السنة‪ ،‬وتنقل بعد ذلك بين طرابلس‬
‫من لي أن أقيم في بلٍد‬ ‫والالذقية وأنطاكية من أجل االستزادة من العلم‪،‬‬
‫أذكر فيه بغير ما يجب‬ ‫وفي عام ‪ 383‬هجري عاد مرًة أخرى إلى بلدته‪،‬‬
‫ُي َظ ُّن بي الُي سر والديانة‬ ‫وظّل فيها خمسة عشر عامًا إلى أن قرر السفر إلى‬
‫والعلم وبيني وبينها ُك ُت ُب‬ ‫بغداد عام ‪ 398‬للهجرة‪ ،‬وفي هذه الفترة لم يأخذ‬
‫كُّل شهوري علي واحدة‬ ‫المعري علمه من أحد‬
‫ال َص َف ٌر ُي تقى وال رجب‬ ‫

‫أقررت بالجهل واّد عى فهمي‬ ‫سفر أبي العالء المعري إلى بغداد‪:‬‬
‫َأ‬ ‫َأ‬
‫قوٌم َف مِر ي و ْم ُر هم َع َج ٌب‬ ‫

‫والحق أني وأنهم هدر‬ ‫قرر أبو عالء المعري السفر إلى بغداد‪ ،‬ومكت فيها‬
‫لسُت نجيبًا وال هم ُن ُج ب‬ ‫قرابة عام وسبعة أشهر طلبًا للعلم واالستزادة‬
‫والحال ضاقت عن ضمهاجسدي‬ ‫منه‪ ،‬وتحقل في سبيل ذلك الكثير من المشاق‬
‫فكيف لي أن يضقه الَّش َج ُب‬ ‫والصعاب‪ ،‬وكانت بغداد في تلك الفترة يحكمها‬
‫ما أوسع الموت يستريح به الجسم‬ ‫العباسيون‪ ،‬وتشهد نهضة علمية واسعة‪ ،‬وازدهارًا‬
‫المعنى ويخفُت الُّل َج ُب‬ ‫في جميع حقول العلم واألدب؛ إذ كانت تضّم في‬
‫أرجائها الكثير من الشعراء واألدباء‪ ،‬ويقصدها‬
‫الفقهاء والمحدثين والفالسفة والمتكلمين‪.‬‬

‫‪- 10 -‬‬ ‫‪- 3 -‬‬


‫من أهم هذه الدواوين تذكرها فيما يأتي‪:‬‬ ‫وكانت تزخر بدور العلم والمكتبات وحلقات الدرس‪،‬‬

‬ ‫ومن الجدير بالذكر أن المؤرخين لم يذكروا إال‬
‫‪ -‬استغفر واستغفري‪ :‬هو ديوان من الشعر يحتوي‬ ‫القليل عن الفترة التي عاشها المعري في بغداد‪،‬‬
‫على قرابة العشرة آالف بيت‪.‬‬ ‫ومن األخبار التي ذكرت أنه كان يقصد المكتبات‬

‬ ‫المعروفة‪ ،‬وكان يشارك أيضًا في مجالس األدب‪،‬‬
‫‪ -‬األلغاز‪ :‬ديوان شعري‬ ‫ومما يدور فيها من مجادالت‪ ،‬ويتردد على‬

‬ ‫المجمعي الفلسفي بدار عبد السالم البصري‬
‫‪ -‬جامع األوزان‪ :‬هو ديوان من الشعر نظم ‪ .‬حسب‬ ‫وسابور بن أردشير‪ ،‬وفي بغداد برزت موهبته‬
‫معنى اللغز وهو يحتوي على تسعة آالف بيت‪.‬‬ ‫النادرة في الحفظ؛ فكان يحفظ كل ما يصل إلى‬

‬ ‫مسامعه‪ ،‬وعلى الرغم من أّن نيته كانت تتجه‬
‫‪ -‬سقط الزند‪ :‬هو ديوان من الشعر نظمه المعري‬ ‫لإلقامة في بغداد إال أنه لم يستحسن العيش‬
‫في بداية عمره وفيه ظهرت براعة المعري في‬ ‫فيها‪ ،‬فغادرها عائدًا إلى بلدته المعّر ة في أواخر‬
‫الشعر‪ ،‬وخاصة في قصائده األولى‪.‬‬ ‫شهر رمضان لعام ‪ 400‬للهجرة‪.‬‬

‬ ‫في طريق عودته بلغه خبر وفاة والدته‪ ،‬فحزن‬
‫‪ -‬لزوم ما ال يلزم ‪ :‬هو ديوان من الشعر نظمه‬ ‫عليها حزنًا شديدًا ‪ ،‬وعّب ر المعري عن هذا الحزن‬
‫المعري حسب حروف المعجم‪ ،‬وكان المقصود من‬ ‫بشدة في قصائده الشعرية وفي معظم رسائله‬
‫هذه التسمية بيان أن الحرف الوارد في قافية‬ ‫المنثورة وكانت هذه األشعار والرسائل خير من عبر‬
‫القصيدة لو تغير ال يخل ذلك في موسيقى‬ ‫عن الحالة النفسية الصعبة التي كان يعيشها‬
‫القصيدة‪ ،‬وبناًء على ذلك ذكر المعري في شعره‬ ‫المعري في تلك الفترة‬
‫الحرف بحركاته األربعة‪ ،‬وهي‪ :‬الضمة والفتحة‬ ‫

‫والكسرة والسكون منظومًا ‪.‬‬ ‫عزلة أبي العالء المعري‬
‫تعرض أبو العالء المعري لمصاعب عّد ة في حياته‬




‫‪- 9 -‬‬ ‫‪- 4 -‬‬
‫مؤلفات أبي العالء المعري‬ ‫عزلة أبي العالء كان أشدها تأثيرًا على نفسه ما‬

‬ ‫لحق به من مشاكل وأذى من الناس؛ مما جعله‬
‫كان أبو العالء المعري معروفًا بغزارة تأليفه فألف‬ ‫يمقت الحياة‪ ،‬ويتخذ قرارًا بعد عودته من بغداد‬
‫في الشهر‪ .‬وعلوم القرآن‪ ،‬والزهد والوعظ واللغة‪،‬‬ ‫بلزوم بيته واعتزال الحياة‪ ،‬والتفرغ للتاليف‬
‫والفلسفة‪ ،‬والنحو‪ ،‬والقوافي والعروض واألنهار‪،‬‬ ‫والتصنيف‪ ،‬وبقي في عزلته هذه حتى مماته‪.‬‬
‫إال أن األكثرية كانت في نعلم الشعر‪ ،‬وكان إنتاجه‬ ‫اجتمعت عوامل عدة ساهمت في اتخاذ المعري‬
‫الشعري واألدبي ما يقارب مئتي كتاب ورسالة‪ .‬ما‬ ‫لهذا القرار‪ ،‬ومنها‪ :‬أن طبعه كان فياًال إلى حّب‬
‫بين نقد وإبداع‪ :‬غير أّن هذا التراث الوفير من‬ ‫الوحدة‪ ،‬وفقده لبصره وهو صغير‪ ،‬ناهيك أيضًا عن‬
‫المؤلفات ضاع ولم يبق منه إال القليل‪ ،‬وكانت‬ ‫فقده لوالديه في أصعب األوقات والظروف‪ ،‬وما‬
‫هناك عوامل عدة ساعدت في إيجاد هذا الكم‬ ‫كان يعانيه من فقر شديد‪ ،‬باإلضافة إلى المعاملة‬
‫الهائل من التأليف عند المعري‪ ،‬ومنها‪ :‬القدرة‬ ‫السيئة التي تلقاها من أهل بغداد‪ ،‬ورغم هذه‬
‫العقلية الفدة‪ ،‬والسرعة النادرة في الحفظ‬ ‫العزلة إال أن بيت المعري كان مقصدًا لطالبي‬
‫والفهم‪ ،‬واعتزال الناس والتفرغ للقراءة والبحث‬ ‫العلم بعد أن انتشرت شهرته العلمية في كل‬
‫والكتابة‪ ،‬عدا عن الثقافة المتنوعة التي كانت بارزة‬ ‫األرجاء‪ ،‬ومن الجدير بالذكر أّن المعري عاش في‬
‫بوضوح وتحل في تراثه األدبي العظيم‪ ،‬مما أهلك‬ ‫هذه العزلة زاهدًا في الحياة يلبس الخشن من‬
‫ليصبح من عظماء األدباء عند العرب‪ ،‬وأن يتبوأ‬ ‫الثياب‪ ،‬ويداوم على الصيام‪ ،‬ويمتنع عن تناول‬
‫مكانة مرموقة بينهم ويصبح تراثه موضع اهتمام‬ ‫لحوم الحيوانات ومنتجاتها من لبن وبيض ليس‬
‫الدارسين في الشرق والغرب‪ ،‬ولقد تنّو ع هذا‬ ‫تدينًا إنما اعتقادًا منه أنه بذلك يجنبها األلم عند‬
‫التراث ما بين كتب‪ ،‬ودواوين شعرية‪ ،‬ورسائل‪.‬‬ ‫الذبح‪.‬‬
‫وسوف نستعرضه دواوين شعره ‪:‬‬ ‫مميزات و خصائص شعره ‪:‬‬

‬ ‫اعتمد أبو العالء المعري في مؤلفاته على التنوع‬
‫في الموضوعات‪.‬فكان منهجه شموليًا في التأليف‬

‫‪- 8 -‬‬ ‫‪- 5 -‬‬


‫مولد ونشأة أبي العالء المعري ‪:‬‬ ‫وكانت فلسفة المعري ونظرته للحياة ظاهرة‬

‬ ‫بقوة في هذه الموضوعات‪ ،‬بحيث استند في هذا‬
‫ولد أبو العالء المعري في يوم الجمعة من شهر‬ ‫التنوع الفكري على ثقافة واسعة ومتنوعة؛‬
‫ربيع األول من عام ‪ 363‬هجري‪ ،‬وفقد بصره نتيجة‬ ‫فعندما بلغ السابعة والثالثين من عمره اختار‬
‫إصابته بالجدري كما سبق ذكره في أوائل عام ‪367‬‬ ‫لنفسه العزلة كمنهج حياة‪ ،‬وجاء هذا القرار بعد‬
‫هجري‪ ،‬وكان ال يعرف من األلوان إال اللون األحمر‬ ‫مدة طويلة من التفكير العميق‪ ،‬وأراد منه المعري‬
‫ألنه ارتداه أثناء عالجه من مرض الجدري‪ .‬وقد‬ ‫الناي بنفسه عن معاركة الحياة والناس ألّن‬
‫تعايش المعري مع وضعه الجديد‪ ،‬واعتبر فقدان‬ ‫االختالط مع الناس ‪ -‬حسب رأيه ‪ -‬يؤدي إلى إفساد‬
‫البصر نعمة من النعم التي يحمد الله عليها فكان‬ ‫العقل وتشويهه بما يعتقده هؤالء الناس‪ ،‬وذهب‬
‫يمارس حياته بشكل طبيعي يلعب الشطرنج‪،‬‬ ‫في نظرته المثالية للحياة والوجود إلى أبعد من‬
‫ويشارك أقرانه في المناظرات األدبية‪ ،‬سواء كانت‬ ‫هذا؛ وذلك عندما اعتبر أن هذه األجسام التي‬
‫جدية أم هزلية‪ ،‬وترعرع المعري بالمعّر ة مسقط‬ ‫تسكنها النفس البشرية سجنًا لها‪ ،‬وأن الوجود‬
‫رأسه‪ ،‬وتولى والده تعليمه اللغة والنحو وحفظ‬ ‫الحقيقي في الحياة هو الوجود الروحي؛ ألّن‬
‫الحديث النبوي‪ ،‬وانتقل بعد ذلك إلى حلب‪ ،‬وتابع‬ ‫باعتقاده أن المشاكل التي يتعرض لها اإلنسان‬
‫تعليمه النحوي محمد بن عبد الله بن سعد النحوي‪،‬‬ ‫في حياته حدثت بسبب توّح د الجسد بالروح ولهذا‬
‫ثّم ارتحل إلى بغداد‪ ،‬وقابل هناك عبد السالم بن‬ ‫يرى العزلة أفضل سبيل للنجاة في الحياة من‬
‫الحسين البصري وتزود من علمه‬ ‫االختالط واأللفة‪ .‬سعى المعري من هذه العزلة‬

‬ ‫بالدعوة إلى إعادة العقل البشري إلى مساره‬
‫شيوخ أبي العالء المعري وتعليمه ‪:‬‬ ‫الفطري وذلك بإعادة المصداقيه إليه‪ ،‬وتحريره‬
‫تلقى المعري بداية تعليمه على يد والده كما‬ ‫أيضًا من األفكار التي اكتسبها من العالقات‬
‫سبق ذكره‪ ،‬وقيل إنه نظم الشعر ولم يتجاوز‬ ‫االجتماعية؛ ألّن هذه العالقات ‪ -‬حسب رأيه تعمل‬
‫الحادية عشرة من العمر‪،‬‬ ‫على إفساد مصداقية العقل ألنها ُت بنى على‬
‫أوهام‬

‫‪- 7 -‬‬ ‫‪- 6 -‬‬

You might also like