Professional Documents
Culture Documents
www.aldura.net
اسمه ومولده :هو الستاذ الشيخ سليمان بن الشيخ عبد ال الباروني ،وقد رجحت زعيمة
الباروني في آخر كتاب نشرته ،أن والدها سليمان الباروني ولد سنة ( )1290/1873في مدينة
جادو بجبل نفوسة بطرابلس الغرب .وقد كان لهذه المدينة "جادو" التي يتبع معظم سكانها
المذهب الجتهادي "الباضي" دورها التاريخي في القديم ،حيث كانت في فترات من التاريخ ،
العاصمة السياسية ومقر الحاكم لجبل نفوسة .
نشأته ورحلته :في العهد العثماني الثاني قضى الباروني سني طفولته المبكرة والمتأخرة في
مسقط رأسه وفي قرى الجبل ،وتلقى مبادئ العلوم ،ونصيبا من كتاب ال على مشايخ الوقت
في تلك المرحلة ،وكان من أبرز أشياخه والده الشيخ عبد ال الباروني ،الذي تعهده بالتوجيه
والتربية إلى سنة ( ، )1305/1887حيث أرسله إلى البلد التونسية وإلى جامعها المعمور هناك
.كان نزول الباروني في تونس ،بعد سنوات وجيزة من احتلل فرنسا لها ،فحصلت له -
وكان يعد الخمس عشر من عمره -الصدمة الولى بالستعمار والمستعمرين .والتحق أيضا
بمعهد الشيخ محمد اطفيش سنة ( )1236بيزقن من قرى وادي ميزاب في الجنوب الجزائري .
وفي تلك الديار ،عاش الباروني ثلث سنوات موصولة يستقي من ذلك المحيط الصحراوي
النقي المشبع بالروح الدينية ويكرع من منهل شيخه المشهود له بالتبريز عند علماء وحكام
المسلمين وغيرهم .وقد درس الباروني على شيخه هذا -فيما نرجح -العلوم الشرعية
والفنون العربية ،مثل كتاب جامع الوضع والحاشية واليضاح للشماخي ،وكتاب النيل للشيخ
عبد العزيز الثميني ،وكتاب التوحيد للشيخ أبي عمار الكافي وكتاب معالم الدين للشيخ الثميني ،
كذلك تفسير البيضاوي وتفسير الكشاف للزمخشري وهيمان الزاد للشيخ اطفيش ،ونال قسطا
من العلوم العربية مثل كتاب سعد الدين التفتازاني وغير ذلك من الكتب .كما كانت له رحلة
إلى مصر عام ( ، )1310/1892وظل مقيما فيها مدة ثلث سنوات .وفي عام ()1316/1898
عاد من وادي ميزاب إلى الجزائر ومنها إلى تيهرت برفقة بعض أصحابه ،وفي تيهرت وقف
على الطلل واستوقف ،واستعاد ماضي ملوك الدولة الرستمية وما كان لهذه المدينة من تاريخ
مجيد ،ثم تحول مرة أخرى إلى الجزائر ،ومنها ولى وجهته نحو وطنه .
أساتذته :بالضافة إلى ما تمت الشارة إليه فقد اتصل على المستوى الدراسي التعليمي بالحياة
التعليمية في جامع الزيتونة وبمناهجه وكتبه وشيوخه المشهورين ،وكان من أظهرهم آنئذ
الشيخ محمد المكي بن عزوز ،والشيخ عمر بن الشيخ ،والشيخ سالم بو حاجب ،والشيخ
محمد النجار ،والشيخ عثمان المكي ،والشيخ محمد النخلي .
محنته وسجنه :سبقت وصوله إلى أرض الوطن وشاية تقضي بأنه كان يعمل ضد أمن الدولة
العثمانية ولفائدة دولة أجنبية ،وأنه يتولى رئاسة جمعية فسادية تسعى لفصل ولية "طرابلس
الغرب" عن الدولة العلية ،واتهمته عريضة التهام بأنه نصب نفسه سلطانا ،ولقب نفسه بإمام
المكان المسمى تاهرت .فسجن في البدء مدة شهرين ونسف ،المر الذي أثار ثائرة أهله
وسكان الجبل عموما ،وحمل السلطات على إطلق سراحه بكفالة ،فعاد إلى مسقط رأسه
صحبة خمسين فارسا من أعيان مالكية وإباضية الرحيبات ونفوسة وفساطو ،بعد أن برأه
الستئناف بالكثرية .ولكن لم تمض على إطلق سراحه هذا مدة طويلة ،حتى جاء نقض
البراءة من دائرة التمييز مع عزل أعضاء المحكمة الذين حكموا عليه بالعفو ،فتم القبض عليه
من جديد من قبل قائمقام فساطو محمد بك السير الشامي ،الذي هول أمام الحاكمين
والمحكومين الموقف ،وضخم أحداثه ،حينما اصطحب للقبض على الباروني ما يقرب من
مائة وثمانين عسكريا .وأصدرت المحكمة بصورة فورية عاجلة حكمها بنفيه لمدة خمس
سنوات بأرض "برود" أو "بقان" المر الذي أثار ثائرة القبائل والعشائر ،حتى أخذت تهدد
بالتمرد والحركة ،فاضطرت نيابة اسطمبول العامة إلى إعادة النظر في الحكم بإبقائه مدة سنة
يقضيها مع المحكوم عليهم بالنفي ،ثم أطلق سراحه وأفرج عنه بكفالة بشرط أن ل تتعدى
تحركاته أسوار المدينة ،وأن يظل ملحوظا بمراقبة الضابطة .
نشاطاته وأعماله :أفرج عنه بعفو سلطاني عام ( ، )1320/1902فجدد مع مواطنيه مسجد
جادو ،وشيد مع والده المدرسة البارونية في يفرن عام ( ، )1332/1904وكان حريصا على
أن يسجل في المناسبات المتعاقبة آيات وده ،ودلئل تعلقه بالرابطة العثمانية والشادة بذكرياتها
،وبخاصة مدح عبد الحميد الثاني والولة والمتصرفين ،فنعم في تينك السنين بالمن وبكبت
الحاسدين ،المر الذي هيأ له فرصا للتدريس والقراء والوعظ والرشاد ،وتحقيق مسائل
كتابه الزهار الرياضية .
نصحه والي طرابلس بالسفر إلى مصر أو تونس ،فسافر إلى مصر عام (، )1324/1906
وهناك أتيحت له الفرصة للمتزاج بالحياة الثقافية والعقلية ،والفادة من الحركة الدبية
والفكرية .وقد عقد أيامئذ صلت حميمة مع مشاهير أعلم ذلك المجتمع ،وفي طليعتهم العلماء
والدباء المبرزون مثل الشيخ طنطاوي جوهري ،ومصطفى لطفي المنفلوطي ،وإسماعيل
صبري ،وإمام العبد ،وزينب فواز وبرنس القبطي والشيخ المحلوي .كما كانت له صلت
مع العديد من الجمعيات ،كان أبرزها جمعية مكارم الخلق .وانتمى إلى الحزب الوطني
الذي كان يرأسه الزعيم الشاب مصطفى كامل ،وعقد علئق صداقة مع أعضائه ورجاله
البارزين ،وتأثر بنظراته وتقلباته في السياسة .كذلك تأثر بحركة الصلح الديني ،وبخاصة
دعوة الشيخ محمد عبده -الذي لم تمض على وفاته سنة عند حلوله بمصر . -ولم يقف تفاعله
مع تلك النهضة الفكرية عند هذا الحد ،بل مضى أشواطا أخرى أبان فيها عن حيويته ومضاء
عزمه وحبه للثقافة والعلم ،فطبع ضمن دائرة بعث التراث وإحيائه التي كانت من أبرز الجهود
التي توجهت إليها همم المصلحين والكتاب والدباء -كتاب والده "سلم العامة والمبتدئين"
ودعمه بشروح وجيزة ،ثم أنشأ مطبعة الزهار البارونية ،التي طبع فيها العديد من الكتب مثل
ديوان السيف النقاد للحضرمي ،وكتاب وفاء الضمانة بأداء المانة للشيخ محمد اطفيش ،
وكتاب المالي والذيل والنوادر للبغدادي ،وحاشية الشيخ السالمي على مسند المام الربيع ،
وديوان القلئد الدرية للشيخ التندميرتي .
جريدة السد السلمي :أنشأ الباروني في مصر هذه الجريدة عام ، 1907التي أشار فيها إلى
بعض أفكاره وآرائه ،وتابع في أنهرها وجوها من النشاطات الفكرية مثل نشاطات الحزب
الوطني ،وخطبة زعيمه محمد فريد .كذلك عنى على صفحاتها بقضية بلده وبغيرها من
القضايا .ولئن لم يكتب لهذه الجريدة طول العمر ،إذ لم يصدر منها إل ثلثة أعداد ،إل أنها
أبرزت بعض ما كان يعتمل في عقله من أفكار إصلحية في الدين والسياسة ،فقد كتب في
جريدته مقال حول مفهوم الجامعة السلمية والعوائق المانعة من ظهور هذه الجامعة إلى حيز
الوجود .
رده الصريح على اللورد كرومر :حيث ألف المعتمد البريطاني في مصر كتابا زيف فيه على
عادة أهل الهواء الحقائق ،فتصدى له الباروني رادا عن بطلن دعواه ،داعيا إلى إنشاء
حزب الدفاع عن الدين .والحق أن إقامته في مصر كانت حافلة بالنشاط ،مليئة بالخذ والعطاء
،وقد حدثنا عن بعض انطباعاته وارتساماته وأعماله في البلد المصرية في أبيات وجيزة في
جريدته ،حيث قال :
رجوع الباروني إلى ليبيا ( : )1908قام الباروني في أثناء إقامته بمصر برحلة إلى المغرب
زار فيها عن طريق مالطة ومرسيليا تونس والجزائر ووهران ومدينة تلمسان .عاد بعدها إلى
مصر وبقي فيها فترة غير طويلة ،حيث انتهت إقامته الثانية بهذه الديار -بكل مظاهرها
الحيوية سنة ( )1326/1908أي في العام الذي أعلن فيه عن عودة الدستور العثماني ،وعن
إعطاء الحريات للعثمانيين ؛ فرجع إلى بلده طرابلس الغرب ،ورشح نفسه للنتخابات ؛ ليكون
ممثل للجبل الغربي في مجلس المبعوثين .
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الباروني في الستانة :وبالرغم من قيام بعض الصعوبات الدارية والحوائل الجرائية التي
واجهته ووقفت في سبيله ،فإنه نجح في النتخابات ،وسافر في السنة ذاتها إلى الستانة دار
الخلفة السلمية يومئذ ،وهناك درس التركية في شهرين بذل فيهما غاية جهده ،وفيها تعرف
على البارزين من رجال الفكر والسياسة العرب والترك وغيرهم ،وساهم خلل عضويته
بمشاركته النافعة في أعمال المجلس المذكور .
الباروني ينبه إلى أطماع إيطاليا في ليبيا :قدم الباروني تقريرا سريا أشار فيه إلى أطماع
ونوايا إيطاليا في احتلل ولية طرابلس الغرب ،ودعا فيه إلى ضرورة حمايتها والدفاع عنها .
الباروني في جمعية التحاد والترقي :وفي هذه الفترة التي كانت تمر فيها تركيا بأدق ظروفها
التاريخية ،التي تمخضت فيما بعد عن الحداث الكبرى التي أثرت في مجريات المسألة
الشرقية ،بدأت تظهر صلته مع قادة وأعضاء جمعية التحاد والترقي ،ومع زعماء "منظمة
تشكيلت مخصوصة" التي لعبت أدوارا بارزة في الحرب الليبية اليطالية .وقد عاد الباروني
إلى بلده في منتصف سنة 1911بمناسبة وفاة والدته ،ومكث فيها إلى أن نشبت الحرب الليبية
ضد جحافل اليطاليين الغزاة في أكتوبر (. )1329/1911
دور الباروني في الجهاد الليبي :لقد تولى الباروني مهمة مكاتبة الصحافة العربية والغربية
ومخاطبة الدوائر الرسمية المسؤولة في الخارج بمجريات الحرب الطاحنة وبما تفعله همجية
إيطاليا بالشعب الليبي من تجريد وتشريد .لقد حمل الباروني في هذا الطور راية الجهاد مع
أبناء وطنه ،وشارك بسيفه وقلمه في معارك رهيبة ضد المستعمرين المستهينين بحرمة
الشعوب ،وظل على ذلك الصيال في الدفاع عن حق أمته ،وفي التضحية من أجل الحرية إلى
أن ملكت عليه القضية الليبية روحه وفكره ،وحسه وشعوره إلى أواخر حياته .فمنذ صدمة
الحتلل البغيض ،عمل على التعبئة العامة ،وخاض المعارك التي كان من بينها في السنة
الولى من مراحل الجهاد الليبي معركة الهاني أيام 25 ،24 ،23أكتوبر سنة ، 1911ومعركة
عين زارة في 4ديسمبر ، 1911ومعركة سيدي سعيد 28 ، 27 ، 26سنة . 1911وأبلى في
تلك المعارك وغيرها البلء الحسن .
ثم انتظم مع محمد فرحات الزاوي ،عضو بمجلس المبعوثين في قيادة معسكرات الجهاد ،
التي كان يرأسها القائد العثماني نشأت باشا ،فأداروها على خير وجه ،إلى حين سفر نشأت
باشا ،حيث آلت الدارة الكاملة إلى الزعماء الوطنيين ،وكان نت أبرزهم سليمان الباروني .
وعندما أبرمت الدولة العثمانية مع إيطاليا معاهدة أوشي سنة 1912تحت ظروف عصيبة تخلى
بعض الضباط التراك عن مهامهم في إدارة الحرب والمعسكرات ،كما تخلى كثير من
الزعماء الوطنيين عن فكرة مواصلة الحرب والجهاد ،تزعم الباروني مع ثلة من الزعماء
المخلصين أمثال محمد عبد ال البوسيفي ومحمد سوف حركة الرفض لتلك المعاهدة ،وأصر
على الجهاد ضد الطليان ،وأسس في ذلك التاريخ حكومة أوشكت أن تصل إلى غاياتها في
العتراف بها وفي نيل ما يسمى "الدارة المختارة" لول المكائد اليطالية التي أحدثت
النقسامات المؤلمة التي ظهرت في صفوف الزعامة الوطنية ،التي عجلت بنهاية تلك الحكومة
،وحسمت الصراع فيما بعد لصالح إيطاليا في معركة جندوبة الشهيرة ،وقد وقف الباروني
تجاه تلك الحداث وقفة عظيمة سجلها له التاريخ ،وأثنى عليها المنصفون من الكتاب
والمؤرخين ،يقول اليوزباشي محمد إبراهيم المصري "أحد الضباط المساهمين في الكفاح
الليبي" :وإن المرء ليدهشه في سليمان باشا قوة احتماله للمكاره ،وصبره على الشدائد ،حتى
إنه في سنة 1913عندما قام بتأسيس الحكومة الوطنية في طرابلس الغرب ،بعد صلح تركيا
وإيطاليا المعروف ،لم تترك إيطاليا وسيلة إل استعملتها ضده ،فمن السعي إلى تأليب القبائل
ضده ،إلى اجتذاب بعض ضعاف النفوس بين الزعماء إلى ناحيتها ،إلى حمل فرنسا على منع
القوافل التجارية بين تونس وطرابلس ،كل هذا وسليمان الباروني يعمل على تذليل تلك العقبات
،ومحاربة العدو كلما سنحت فرصة للهجوم من أي ناحية ،حتى يئس العدو من النتصار عليه
بالحيلة أو القوة .
وفي معركة جندوبة سنة 1913تمكن الطليان من النتصار على المجاهدين ،وخضد شوكة
الباروني وأنصاره وأعضاده ،فهاجر الباروني مع بعض المناضلين إلى تونس ،ومكث مدة
من الزمن في أحوازها ،حيث انتهت المفاوضة بينه وبين الكونت سفورزا مندوب إيطاليا بشأن
الدارة المختارة نهاية سلبية ،حتمتها معركة جندوبة ،واستقل باخرة عثمانية من تونس إلى
لندن ،وقد أجرت معه مجلة "التيمس الفريقية" في لندن مقابلة صحفية ،ابان فيها عن موقفه
وموقف الجهاد الليبي ،ودفع فيها عن نفسه التهم الباطلة التي روجها خصومه ،واشاعتها
الجرائد والصحف المغرضة .
الباروني في الستانة من جديد :يظهر أن إقامته لم تطل ،إذ سرعان ما سافر إلى الستانة ،
التي احتفت بقدومه ،وأكبرت في شخصه جهاد الشعب الليبي ،فعين عضوا بمجلس العيان ،
ومنحه السلطان محمد الخامس لقب الباشوية ،ولم يكن هذا التكريم ليثني من همته ،أو يزين له
الخلود إلى الراحة ونسيان قضية وطنه المعذب ،بل كان خلل إقامته في الستانة كالصمصام
الذي اعتاد الضراب فل يهدأ في قرابه .
الباروني في مهمة :أرسلته الحكومة العثمانية سنة 1914إلى منطقة السلوم في مهمة لكسب
السيد أحمد الشريف في جانب العثمانيين ،ونظرا للختلف القائم في وجهات النظر العثمانية
والسنوسية حول مسألة حرب النجليز في مصر ،اعتقل السيد أحمد الشريف الباروني ،مدة
سنة ونصف تقريبا عاد بعدها الباروني إلى الستانة عن طريق النمسا بعد أن أبدع قصيدته
المشهورة :
الباروني في طرابلس : 1916وصل إلى طرابلس على ظهر غواصة تحمل منشورا من
السلطان محمد رشاد الخامس ،يتضمن نداء لسكان الولية ،يؤكد على قوة الدولة العثمانية ،
وعلى عزمها على مواصلة الحرب مع حليفتها ألمانيا ،ويثني على بطولة الشعب الليبي
وصموده ،وفيه أيضا حث على وجوب طاعة حامله سليمان الباروني ،وعلى إدامة الجهاد .
وقد وصل في 18أكتوبر ،1916ومعه الهدايا والوسمة والنياشين للزعماء والرتب للقادة
والعيان .وقد نزل في مصراتة حيث التقى رمضان السويحلي ،وعلم في اجتماعه به بما كان
بين مصراتة وورفلة من خلف ،فعمل جادا على إزالته وعلى رأب الصدع بين الطرفين ،ثم
توجه إلى العزيزية ،حيث تل في اجتماع كبير المنشور الذي كان يحمله ،فعمت الفرحة
القبائل التي حضرت تلوته .
الباروني يحقق الوفاق بين الغرماء :لقد صالح الباروني بين ترهونة وورفلة بعد أن أصلح ما
بين ورفلة ومصراتة ،وخفف حدة النزاع بين السويحلي والسنوسيين ،وسعى ليجاد الحلول
للمشكلت بين سكان الجبل الغربي ،تلك المشكلت التي طرأت أثناء غيابه عن البلد ،كما قام
بتنظيمات داخلية ،وذلك بتعيين الرؤساء والقادة والقضاة والموظفين وبنشر المن بين الناس .
الباروني والجمهورية الطرابلسية :لما رجحت الكفة في نهاية الحرب العظمى إلى جانب
الحلفاء ،وجاءت النباء إلى مصراتة في أوائل شهر نوفمبر سنة 1918بسقوط تركيا واحتلل
دول الحلفاء لها ،ظهرت إلى الوجود فكرة تأسيس الجمهورية الطرابلسية ،التي اشترك في
الدعوة إليها سليمان الباروني ،ورمضان السويحلي وعبد الرحمن عزام والمير عثمان فؤاد
ومختار كعبار ،ونودي للجتماع من أجل المطالبة بها وأبرازها ،واختير الباروني والسويحلي
والمريض وعبد النبي بلخير أعضاء لهذه الجمهورية .وكان من أهم النتصارات التي حققتها
الجمهورية توحيد الجبهة الوطنية إلى حين ،وأملت شروطا ومطالب وطنية على الحكومة
اليطالية ،ومن بينها الحصول على مزايا القانون الساسي ،الذي حقق لليبيين بعض ما كانوا
يطمحون إليه .لكن سرعان ما دب الشقاق في صفوف الزعماء إلى أن احتدمت حروب ضارية
مات فيها مئات من الليبيين .
الباروني يغادر ليبيا من جديد :ومهما يكن من أمر ،فإن تلك المآسي الليمة ،والعواثير
الكثيرة ،جعلته يخرج من بلده مرغما ،فسافر في البدء إلى إيطاليا مستفيدا من لوائح القانون
الساسي ،ومن صداقاته ببعض الحرار اليطاليين ،ولم يطل المكث فيها ،إذ أخبره أحد
عارفيه بما يبيت له خصومه ،فسافر إلى "نيس" بفرنسا ،غير أن الحلفاء انتبهوا له وتعقبوه ،
فطلبوا من فرنسا أن يحتجز فيها ول يغادرها خاصة للبلدان العربية السلمية .
وهنالك بقي في السر المفروض مدة سنة ونصف تقريبا ،يتجرع مرارة الغتراب ،وعذاب
فراق الهل والحباب ،مع ما اكتوى به من ضيق ذات اليد ،فقد حرم من مستحقاته ورواتبه
من تركيا ،بدعوى أنه من السماء التي كانت تلحقها الحكومة الكمالية .
ولم تشأ إرادة ال ،أن تتركه يتقلب في أحضان الغتراب والعسر ،فأسعفته على قنوط منه
بفرج لم يكن منتظرا ،حيث استجاب صديقه الشريف حسين ملك الحجاز لدعوته ،ومنحه
الذن للدخول إلى مملكته ،فسافر إليها بقصد الحج عن طريق السكندرية فبيروت ،وفي
الحجاز التقى الشريف حسين الذي عرض عليه أن يقيم في الحجاز لما له من المكانة عنده .
الباروني في مسقط :سافر الباروني بعد أداء الحج إلى مسقط بالرغم من اعتراض النجليز
على السلطان تيمور ابن فيصل آل سعيد .واستقبل في تلك الديار استقبال عظيما ،ورحب به
ترحيبا صادقا .وقد حظي من السلطان تيمور ومن المام محمد بن عبد ال الخليلي بكل تبجيل
وتكريم .وقد كانت أهم أعمال الباروني هناك إزالة الخلف بين القائم يومئذ بين السلطان
والمام ،وبث روح الخاء بين الساحل والداخل واطراح ما كان بينهما من عداوة وبغضاء .
وقلده السلطان تيمور بن سعيد الوسام السعيدي ،وعينه المام الخليلي رئيسا لوزارته ،وفوض
إليه مهمة الرقي بالمامة ،وصار محط ثقة الرجلين ،فأوفد في مسألة المصالحة بين الشريف
علي بني الحسين ،وبين عبد العزيز بن سعود ؛ ليقاف الحرب الدائرة بينهما في الحجاز ،وقد
مثلهما خير تمثيل لول الضغوط الستعمارية التي أحبطت تلك الجهود .
الباروني في العراق :بعد أن ألح عليه المرض العضال ،واصطلحت عليه الحمى والملريا ،
كاتب ملك العراق فيصل بن حسين ،يطلب منه الذن بدخول العراق ،فأذن له مرحبا ومعترفا
بصداقته لوالده الشريف حسين ،ومكبرا لشخصيته .ويستنتج من رسائله ،أنه حل بالعراق
عام ، 1348/1929حيث غمرته من الملك والوزراء والعيان والعلماء أفضال كثيرة ،أسعدته
وهيأت له فرصا للستشفاء والتداوي والقامة الطيبة في بلد الرافدين .
الباروني مستشارا لسلطان مسقط :في سنة ، 1938وصلته رسالة من السلطان سعيد بن
تيمور آل سعيد ،يطلب فيها إليه أن يكون مستشارا له في عاصمة الساحل ؛ فوافق لدواع
أملتها المصلحة الخاصة والعامة ،وغادر العراق ،وعاد من جديد إلى المملكة العمانية ،حيث
أقام مع أسرته زمنا ،لم ينس فيه أحبابه وإخوانه الليبيين في موطنهم ،لكن ذلك الحنين
الصادي ،والغرام الغريم لوطانه ودياره ولعشيرته وجيرته كان -كما أبانت اليام -وقدة
الذبالة التي تكاد تنطفئ .
مرضه ووفاته في بومباي (الهند) :فقد سكنت الحمى عظامه واستحكمت علة ضغط الدم في
جسده ،المنهك المثقل بالهموم والنفعالت ،وازداد اللم المبرح به في أوائل سنة ، 1940
فطلب من السلطان زيارة الهند للعلج .وطال المد بتحقيق الوعد إلى أن أطل يوم 12من
ربيع الول 1359هـ ،فانتظم في الوفد الرسمي برئاسة السلطان سعيد للقيام بمهمة عمل
ولتعاطي العلج ،فبدأت الرحلة لتشق به عباب البحار إلى بداية النهاية ،توجه مع الوفد
السلطاني إلى كراتشي ،ثم انتهى به المطاف في مدينة بومباي ،وقدر له أن يلفظ أنفاسه
الخيرة فيها ،ويلقى بعد رحلة حافلة مليئة بالعذب والعذاب وجه ربه الكريم فجر 23ربيع
الول / 1359مايو 1940م .
المرجع :