You are on page 1of 11

‫شبكة الدرة السلمية‬

‫‪www.aldura.net‬‬

‫سيرة الشيخ المعلم المجاهد‬


‫سليمان الباروني‬
‫‪1940 / 1873‬‬

‫الشاعر ‪ ،‬الديب ‪ ،‬المجاهد‬

‫د‪.‬محمد مسعود جبران‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫اسمه ومولده ‪ :‬هو الستاذ الشيخ سليمان بن الشيخ عبد ال الباروني ‪ ،‬وقد رجحت زعيمة‬
‫الباروني في آخر كتاب نشرته ‪ ،‬أن والدها سليمان الباروني ولد سنة (‪ )1290/1873‬في مدينة‬
‫جادو بجبل نفوسة بطرابلس الغرب ‪ .‬وقد كان لهذه المدينة "جادو" التي يتبع معظم سكانها‬
‫المذهب الجتهادي "الباضي" دورها التاريخي في القديم ‪ ،‬حيث كانت في فترات من التاريخ ‪،‬‬
‫العاصمة السياسية ومقر الحاكم لجبل نفوسة ‪.‬‬

‫نشأته ورحلته ‪ :‬في العهد العثماني الثاني قضى الباروني سني طفولته المبكرة والمتأخرة في‬
‫مسقط رأسه وفي قرى الجبل ‪ ،‬وتلقى مبادئ العلوم ‪ ،‬ونصيبا من كتاب ال على مشايخ الوقت‬
‫في تلك المرحلة ‪ ،‬وكان من أبرز أشياخه والده الشيخ عبد ال الباروني ‪ ،‬الذي تعهده بالتوجيه‬
‫والتربية إلى سنة (‪ ، )1305/1887‬حيث أرسله إلى البلد التونسية وإلى جامعها المعمور هناك‬
‫‪ .‬كان نزول الباروني في تونس ‪ ،‬بعد سنوات وجيزة من احتلل فرنسا لها ‪ ،‬فحصلت له ‪-‬‬
‫وكان يعد الخمس عشر من عمره ‪ -‬الصدمة الولى بالستعمار والمستعمرين ‪ .‬والتحق أيضا‬
‫بمعهد الشيخ محمد اطفيش سنة (‪ )1236‬بيزقن من قرى وادي ميزاب في الجنوب الجزائري ‪.‬‬
‫وفي تلك الديار ‪ ،‬عاش الباروني ثلث سنوات موصولة يستقي من ذلك المحيط الصحراوي‬
‫النقي المشبع بالروح الدينية ويكرع من منهل شيخه المشهود له بالتبريز عند علماء وحكام‬
‫المسلمين وغيرهم ‪ .‬وقد درس الباروني على شيخه هذا ‪ -‬فيما نرجح ‪ -‬العلوم الشرعية‬
‫والفنون العربية ‪ ،‬مثل كتاب جامع الوضع والحاشية واليضاح للشماخي ‪ ،‬وكتاب النيل للشيخ‬
‫عبد العزيز الثميني ‪ ،‬وكتاب التوحيد للشيخ أبي عمار الكافي وكتاب معالم الدين للشيخ الثميني ‪،‬‬
‫كذلك تفسير البيضاوي وتفسير الكشاف للزمخشري وهيمان الزاد للشيخ اطفيش ‪ ،‬ونال قسطا‬
‫من العلوم العربية مثل كتاب سعد الدين التفتازاني وغير ذلك من الكتب ‪ .‬كما كانت له رحلة‬
‫إلى مصر عام (‪ ، )1310/1892‬وظل مقيما فيها مدة ثلث سنوات ‪ .‬وفي عام (‪)1316/1898‬‬
‫عاد من وادي ميزاب إلى الجزائر ومنها إلى تيهرت برفقة بعض أصحابه ‪ ،‬وفي تيهرت وقف‬
‫على الطلل واستوقف ‪ ،‬واستعاد ماضي ملوك الدولة الرستمية وما كان لهذه المدينة من تاريخ‬
‫مجيد ‪ ،‬ثم تحول مرة أخرى إلى الجزائر ‪ ،‬ومنها ولى وجهته نحو وطنه ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أساتذته ‪ :‬بالضافة إلى ما تمت الشارة إليه فقد اتصل على المستوى الدراسي التعليمي بالحياة‬
‫التعليمية في جامع الزيتونة وبمناهجه وكتبه وشيوخه المشهورين ‪ ،‬وكان من أظهرهم آنئذ‬
‫الشيخ محمد المكي بن عزوز ‪ ،‬والشيخ عمر بن الشيخ ‪ ،‬والشيخ سالم بو حاجب ‪ ،‬والشيخ‬
‫محمد النجار ‪ ،‬والشيخ عثمان المكي ‪ ،‬والشيخ محمد النخلي ‪.‬‬

‫محنته وسجنه ‪ :‬سبقت وصوله إلى أرض الوطن وشاية تقضي بأنه كان يعمل ضد أمن الدولة‬
‫العثمانية ولفائدة دولة أجنبية ‪ ،‬وأنه يتولى رئاسة جمعية فسادية تسعى لفصل ولية "طرابلس‬
‫الغرب" عن الدولة العلية ‪ ،‬واتهمته عريضة التهام بأنه نصب نفسه سلطانا ‪ ،‬ولقب نفسه بإمام‬
‫المكان المسمى تاهرت ‪ .‬فسجن في البدء مدة شهرين ونسف ‪ ،‬المر الذي أثار ثائرة أهله‬
‫وسكان الجبل عموما ‪ ،‬وحمل السلطات على إطلق سراحه بكفالة ‪ ،‬فعاد إلى مسقط رأسه‬
‫صحبة خمسين فارسا من أعيان مالكية وإباضية الرحيبات ونفوسة وفساطو ‪ ،‬بعد أن برأه‬
‫الستئناف بالكثرية ‪ .‬ولكن لم تمض على إطلق سراحه هذا مدة طويلة ‪ ،‬حتى جاء نقض‬
‫البراءة من دائرة التمييز مع عزل أعضاء المحكمة الذين حكموا عليه بالعفو ‪ ،‬فتم القبض عليه‬
‫من جديد من قبل قائمقام فساطو محمد بك السير الشامي ‪ ،‬الذي هول أمام الحاكمين‬
‫والمحكومين الموقف ‪ ،‬وضخم أحداثه ‪ ،‬حينما اصطحب للقبض على الباروني ما يقرب من‬
‫مائة وثمانين عسكريا ‪ .‬وأصدرت المحكمة بصورة فورية عاجلة حكمها بنفيه لمدة خمس‬
‫سنوات بأرض "برود" أو "بقان" المر الذي أثار ثائرة القبائل والعشائر ‪ ،‬حتى أخذت تهدد‬
‫بالتمرد والحركة ‪ ،‬فاضطرت نيابة اسطمبول العامة إلى إعادة النظر في الحكم بإبقائه مدة سنة‬
‫يقضيها مع المحكوم عليهم بالنفي ‪ ،‬ثم أطلق سراحه وأفرج عنه بكفالة بشرط أن ل تتعدى‬
‫تحركاته أسوار المدينة ‪ ،‬وأن يظل ملحوظا بمراقبة الضابطة ‪.‬‬

‫نشاطاته وأعماله ‪ :‬أفرج عنه بعفو سلطاني عام (‪ ، )1320/1902‬فجدد مع مواطنيه مسجد‬
‫جادو ‪ ،‬وشيد مع والده المدرسة البارونية في يفرن عام (‪ ، )1332/1904‬وكان حريصا على‬
‫أن يسجل في المناسبات المتعاقبة آيات وده ‪ ،‬ودلئل تعلقه بالرابطة العثمانية والشادة بذكرياتها‬
‫‪ ،‬وبخاصة مدح عبد الحميد الثاني والولة والمتصرفين ‪ ،‬فنعم في تينك السنين بالمن وبكبت‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الحاسدين ‪ ،‬المر الذي هيأ له فرصا للتدريس والقراء والوعظ والرشاد ‪ ،‬وتحقيق مسائل‬
‫كتابه الزهار الرياضية ‪.‬‬

‫نصحه والي طرابلس بالسفر إلى مصر أو تونس ‪ ،‬فسافر إلى مصر عام (‪، )1324/1906‬‬
‫وهناك أتيحت له الفرصة للمتزاج بالحياة الثقافية والعقلية ‪ ،‬والفادة من الحركة الدبية‬
‫والفكرية ‪ .‬وقد عقد أيامئذ صلت حميمة مع مشاهير أعلم ذلك المجتمع ‪ ،‬وفي طليعتهم العلماء‬
‫والدباء المبرزون مثل الشيخ طنطاوي جوهري ‪ ،‬ومصطفى لطفي المنفلوطي ‪ ،‬وإسماعيل‬
‫صبري ‪ ،‬وإمام العبد ‪ ،‬وزينب فواز وبرنس القبطي والشيخ المحلوي ‪ .‬كما كانت له صلت‬
‫مع العديد من الجمعيات ‪ ،‬كان أبرزها جمعية مكارم الخلق ‪ .‬وانتمى إلى الحزب الوطني‬
‫الذي كان يرأسه الزعيم الشاب مصطفى كامل ‪ ،‬وعقد علئق صداقة مع أعضائه ورجاله‬
‫البارزين ‪ ،‬وتأثر بنظراته وتقلباته في السياسة ‪ .‬كذلك تأثر بحركة الصلح الديني ‪ ،‬وبخاصة‬
‫دعوة الشيخ محمد عبده ‪ -‬الذي لم تمض على وفاته سنة عند حلوله بمصر ‪ . -‬ولم يقف تفاعله‬
‫مع تلك النهضة الفكرية عند هذا الحد ‪ ،‬بل مضى أشواطا أخرى أبان فيها عن حيويته ومضاء‬
‫عزمه وحبه للثقافة والعلم ‪ ،‬فطبع ضمن دائرة بعث التراث وإحيائه التي كانت من أبرز الجهود‬
‫التي توجهت إليها همم المصلحين والكتاب والدباء ‪ -‬كتاب والده "سلم العامة والمبتدئين"‬
‫ودعمه بشروح وجيزة ‪ ،‬ثم أنشأ مطبعة الزهار البارونية ‪ ،‬التي طبع فيها العديد من الكتب مثل‬
‫ديوان السيف النقاد للحضرمي ‪ ،‬وكتاب وفاء الضمانة بأداء المانة للشيخ محمد اطفيش ‪،‬‬
‫وكتاب المالي والذيل والنوادر للبغدادي ‪ ،‬وحاشية الشيخ السالمي على مسند المام الربيع ‪،‬‬
‫وديوان القلئد الدرية للشيخ التندميرتي ‪.‬‬

‫جريدة السد السلمي ‪ :‬أنشأ الباروني في مصر هذه الجريدة عام ‪ ، 1907‬التي أشار فيها إلى‬
‫بعض أفكاره وآرائه ‪ ،‬وتابع في أنهرها وجوها من النشاطات الفكرية مثل نشاطات الحزب‬
‫الوطني ‪ ،‬وخطبة زعيمه محمد فريد ‪ .‬كذلك عنى على صفحاتها بقضية بلده وبغيرها من‬
‫القضايا ‪ .‬ولئن لم يكتب لهذه الجريدة طول العمر ‪ ،‬إذ لم يصدر منها إل ثلثة أعداد ‪ ،‬إل أنها‬
‫أبرزت بعض ما كان يعتمل في عقله من أفكار إصلحية في الدين والسياسة ‪ ،‬فقد كتب في‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫جريدته مقال حول مفهوم الجامعة السلمية والعوائق المانعة من ظهور هذه الجامعة إلى حيز‬
‫الوجود ‪.‬‬

‫رده الصريح على اللورد كرومر ‪ :‬حيث ألف المعتمد البريطاني في مصر كتابا زيف فيه على‬
‫عادة أهل الهواء الحقائق ‪ ،‬فتصدى له الباروني رادا عن بطلن دعواه ‪ ،‬داعيا إلى إنشاء‬
‫حزب الدفاع عن الدين ‪ .‬والحق أن إقامته في مصر كانت حافلة بالنشاط ‪ ،‬مليئة بالخذ والعطاء‬
‫‪ ،‬وقد حدثنا عن بعض انطباعاته وارتساماته وأعماله في البلد المصرية في أبيات وجيزة في‬
‫جريدته ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬

‫ونلنا العفــــو بعد القتدار‬ ‫ولما أن رجــعنا للـديار‬

‫وجوب البر مع خوض البحار‬ ‫نهضنا للسياحة والتســلي‬

‫رجال العلم كالسد الضواري‬ ‫نزلنا مصر ذات النيل فيها‬

‫وعلم أزهـــري كالدراري‬ ‫فعلم مدرسي فـاق وصفا‬

‫عـــــلنية برابعة النهار‬ ‫وفيها الحر يبدي كل فكر‬

‫وايم ال منبع للفـــــخار‬ ‫بها كل التسامح فهي حقا‬

‫*** *** ***‬

‫رجوع الباروني إلى ليبيا (‪ : )1908‬قام الباروني في أثناء إقامته بمصر برحلة إلى المغرب‬
‫زار فيها عن طريق مالطة ومرسيليا تونس والجزائر ووهران ومدينة تلمسان ‪ .‬عاد بعدها إلى‬
‫مصر وبقي فيها فترة غير طويلة ‪ ،‬حيث انتهت إقامته الثانية بهذه الديار ‪ -‬بكل مظاهرها‬
‫الحيوية سنة (‪ )1326/1908‬أي في العام الذي أعلن فيه عن عودة الدستور العثماني ‪ ،‬وعن‬
‫إعطاء الحريات للعثمانيين ؛ فرجع إلى بلده طرابلس الغرب ‪ ،‬ورشح نفسه للنتخابات ؛ ليكون‬
‫ممثل للجبل الغربي في مجلس المبعوثين ‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الباروني في الستانة ‪ :‬وبالرغم من قيام بعض الصعوبات الدارية والحوائل الجرائية التي‬
‫واجهته ووقفت في سبيله ‪ ،‬فإنه نجح في النتخابات ‪ ،‬وسافر في السنة ذاتها إلى الستانة دار‬
‫الخلفة السلمية يومئذ ‪ ،‬وهناك درس التركية في شهرين بذل فيهما غاية جهده ‪ ،‬وفيها تعرف‬
‫على البارزين من رجال الفكر والسياسة العرب والترك وغيرهم ‪ ،‬وساهم خلل عضويته‬
‫بمشاركته النافعة في أعمال المجلس المذكور ‪.‬‬

‫الباروني ينبه إلى أطماع إيطاليا في ليبيا ‪ :‬قدم الباروني تقريرا سريا أشار فيه إلى أطماع‬
‫ونوايا إيطاليا في احتلل ولية طرابلس الغرب ‪ ،‬ودعا فيه إلى ضرورة حمايتها والدفاع عنها ‪.‬‬

‫الباروني في جمعية التحاد والترقي ‪ :‬وفي هذه الفترة التي كانت تمر فيها تركيا بأدق ظروفها‬
‫التاريخية ‪ ،‬التي تمخضت فيما بعد عن الحداث الكبرى التي أثرت في مجريات المسألة‬
‫الشرقية ‪ ،‬بدأت تظهر صلته مع قادة وأعضاء جمعية التحاد والترقي ‪ ،‬ومع زعماء "منظمة‬
‫تشكيلت مخصوصة" التي لعبت أدوارا بارزة في الحرب الليبية اليطالية ‪ .‬وقد عاد الباروني‬
‫إلى بلده في منتصف سنة ‪ 1911‬بمناسبة وفاة والدته ‪ ،‬ومكث فيها إلى أن نشبت الحرب الليبية‬
‫ضد جحافل اليطاليين الغزاة في أكتوبر (‪. )1329/1911‬‬

‫دور الباروني في الجهاد الليبي ‪ :‬لقد تولى الباروني مهمة مكاتبة الصحافة العربية والغربية‬
‫ومخاطبة الدوائر الرسمية المسؤولة في الخارج بمجريات الحرب الطاحنة وبما تفعله همجية‬
‫إيطاليا بالشعب الليبي من تجريد وتشريد ‪ .‬لقد حمل الباروني في هذا الطور راية الجهاد مع‬
‫أبناء وطنه ‪ ،‬وشارك بسيفه وقلمه في معارك رهيبة ضد المستعمرين المستهينين بحرمة‬
‫الشعوب ‪ ،‬وظل على ذلك الصيال في الدفاع عن حق أمته ‪ ،‬وفي التضحية من أجل الحرية إلى‬
‫أن ملكت عليه القضية الليبية روحه وفكره ‪ ،‬وحسه وشعوره إلى أواخر حياته ‪ .‬فمنذ صدمة‬
‫الحتلل البغيض ‪ ،‬عمل على التعبئة العامة ‪ ،‬وخاض المعارك التي كان من بينها في السنة‬
‫الولى من مراحل الجهاد الليبي معركة الهاني أيام ‪ 25 ،24 ،23‬أكتوبر سنة ‪ ، 1911‬ومعركة‬
‫عين زارة في ‪ 4‬ديسمبر ‪ ، 1911‬ومعركة سيدي سعيد ‪ 28 ، 27 ، 26‬سنة ‪ . 1911‬وأبلى في‬
‫تلك المعارك وغيرها البلء الحسن ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ثم انتظم مع محمد فرحات الزاوي ‪ ،‬عضو بمجلس المبعوثين في قيادة معسكرات الجهاد ‪،‬‬
‫التي كان يرأسها القائد العثماني نشأت باشا ‪ ،‬فأداروها على خير وجه ‪ ،‬إلى حين سفر نشأت‬
‫باشا ‪ ،‬حيث آلت الدارة الكاملة إلى الزعماء الوطنيين ‪ ،‬وكان نت أبرزهم سليمان الباروني ‪.‬‬
‫وعندما أبرمت الدولة العثمانية مع إيطاليا معاهدة أوشي سنة ‪ 1912‬تحت ظروف عصيبة تخلى‬
‫بعض الضباط التراك عن مهامهم في إدارة الحرب والمعسكرات ‪ ،‬كما تخلى كثير من‬
‫الزعماء الوطنيين عن فكرة مواصلة الحرب والجهاد ‪ ،‬تزعم الباروني مع ثلة من الزعماء‬
‫المخلصين أمثال محمد عبد ال البوسيفي ومحمد سوف حركة الرفض لتلك المعاهدة ‪ ،‬وأصر‬
‫على الجهاد ضد الطليان ‪ ،‬وأسس في ذلك التاريخ حكومة أوشكت أن تصل إلى غاياتها في‬
‫العتراف بها وفي نيل ما يسمى "الدارة المختارة" لول المكائد اليطالية التي أحدثت‬
‫النقسامات المؤلمة التي ظهرت في صفوف الزعامة الوطنية ‪ ،‬التي عجلت بنهاية تلك الحكومة‬
‫‪ ،‬وحسمت الصراع فيما بعد لصالح إيطاليا في معركة جندوبة الشهيرة ‪ ،‬وقد وقف الباروني‬
‫تجاه تلك الحداث وقفة عظيمة سجلها له التاريخ ‪ ،‬وأثنى عليها المنصفون من الكتاب‬
‫والمؤرخين ‪ ،‬يقول اليوزباشي محمد إبراهيم المصري "أحد الضباط المساهمين في الكفاح‬
‫الليبي" ‪ :‬وإن المرء ليدهشه في سليمان باشا قوة احتماله للمكاره ‪ ،‬وصبره على الشدائد ‪ ،‬حتى‬
‫إنه في سنة ‪ 1913‬عندما قام بتأسيس الحكومة الوطنية في طرابلس الغرب ‪ ،‬بعد صلح تركيا‬
‫وإيطاليا المعروف ‪ ،‬لم تترك إيطاليا وسيلة إل استعملتها ضده ‪ ،‬فمن السعي إلى تأليب القبائل‬
‫ضده ‪ ،‬إلى اجتذاب بعض ضعاف النفوس بين الزعماء إلى ناحيتها ‪ ،‬إلى حمل فرنسا على منع‬
‫القوافل التجارية بين تونس وطرابلس ‪ ،‬كل هذا وسليمان الباروني يعمل على تذليل تلك العقبات‬
‫‪ ،‬ومحاربة العدو كلما سنحت فرصة للهجوم من أي ناحية ‪ ،‬حتى يئس العدو من النتصار عليه‬
‫بالحيلة أو القوة ‪.‬‬

‫وفي معركة جندوبة سنة ‪ 1913‬تمكن الطليان من النتصار على المجاهدين ‪ ،‬وخضد شوكة‬
‫الباروني وأنصاره وأعضاده ‪ ،‬فهاجر الباروني مع بعض المناضلين إلى تونس ‪ ،‬ومكث مدة‬
‫من الزمن في أحوازها ‪ ،‬حيث انتهت المفاوضة بينه وبين الكونت سفورزا مندوب إيطاليا بشأن‬
‫الدارة المختارة نهاية سلبية ‪ ،‬حتمتها معركة جندوبة ‪ ،‬واستقل باخرة عثمانية من تونس إلى‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لندن ‪ ،‬وقد أجرت معه مجلة "التيمس الفريقية" في لندن مقابلة صحفية ‪ ،‬ابان فيها عن موقفه‬
‫وموقف الجهاد الليبي ‪ ،‬ودفع فيها عن نفسه التهم الباطلة التي روجها خصومه ‪ ،‬واشاعتها‬
‫الجرائد والصحف المغرضة ‪.‬‬

‫الباروني في الستانة من جديد ‪ :‬يظهر أن إقامته لم تطل ‪ ،‬إذ سرعان ما سافر إلى الستانة ‪،‬‬
‫التي احتفت بقدومه ‪ ،‬وأكبرت في شخصه جهاد الشعب الليبي ‪ ،‬فعين عضوا بمجلس العيان ‪،‬‬
‫ومنحه السلطان محمد الخامس لقب الباشوية ‪ ،‬ولم يكن هذا التكريم ليثني من همته ‪ ،‬أو يزين له‬
‫الخلود إلى الراحة ونسيان قضية وطنه المعذب ‪ ،‬بل كان خلل إقامته في الستانة كالصمصام‬
‫الذي اعتاد الضراب فل يهدأ في قرابه ‪.‬‬

‫الباروني في مهمة ‪ :‬أرسلته الحكومة العثمانية سنة ‪ 1914‬إلى منطقة السلوم في مهمة لكسب‬
‫السيد أحمد الشريف في جانب العثمانيين ‪ ،‬ونظرا للختلف القائم في وجهات النظر العثمانية‬
‫والسنوسية حول مسألة حرب النجليز في مصر ‪ ،‬اعتقل السيد أحمد الشريف الباروني ‪ ،‬مدة‬
‫سنة ونصف تقريبا عاد بعدها الباروني إلى الستانة عن طريق النمسا بعد أن أبدع قصيدته‬
‫المشهورة ‪:‬‬

‫شهد الحروب الهائلت‬ ‫هذا هو الشعر الذي‬

‫*** *** ***‬

‫الباروني في طرابلس ‪ : 1916‬وصل إلى طرابلس على ظهر غواصة تحمل منشورا من‬
‫السلطان محمد رشاد الخامس ‪ ،‬يتضمن نداء لسكان الولية ‪ ،‬يؤكد على قوة الدولة العثمانية ‪،‬‬
‫وعلى عزمها على مواصلة الحرب مع حليفتها ألمانيا ‪ ،‬ويثني على بطولة الشعب الليبي‬
‫وصموده ‪ ،‬وفيه أيضا حث على وجوب طاعة حامله سليمان الباروني ‪ ،‬وعلى إدامة الجهاد ‪.‬‬
‫وقد وصل في ‪ 18‬أكتوبر ‪ ،1916‬ومعه الهدايا والوسمة والنياشين للزعماء والرتب للقادة‬
‫والعيان ‪ .‬وقد نزل في مصراتة حيث التقى رمضان السويحلي ‪ ،‬وعلم في اجتماعه به بما كان‬
‫بين مصراتة وورفلة من خلف ‪ ،‬فعمل جادا على إزالته وعلى رأب الصدع بين الطرفين ‪ ،‬ثم‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫توجه إلى العزيزية ‪ ،‬حيث تل في اجتماع كبير المنشور الذي كان يحمله ‪ ،‬فعمت الفرحة‬
‫القبائل التي حضرت تلوته ‪.‬‬

‫الباروني يحقق الوفاق بين الغرماء ‪ :‬لقد صالح الباروني بين ترهونة وورفلة بعد أن أصلح ما‬
‫بين ورفلة ومصراتة ‪ ،‬وخفف حدة النزاع بين السويحلي والسنوسيين ‪ ،‬وسعى ليجاد الحلول‬
‫للمشكلت بين سكان الجبل الغربي ‪ ،‬تلك المشكلت التي طرأت أثناء غيابه عن البلد ‪ ،‬كما قام‬
‫بتنظيمات داخلية ‪ ،‬وذلك بتعيين الرؤساء والقادة والقضاة والموظفين وبنشر المن بين الناس ‪.‬‬

‫الباروني والجمهورية الطرابلسية ‪ :‬لما رجحت الكفة في نهاية الحرب العظمى إلى جانب‬
‫الحلفاء ‪ ،‬وجاءت النباء إلى مصراتة في أوائل شهر نوفمبر سنة ‪ 1918‬بسقوط تركيا واحتلل‬
‫دول الحلفاء لها ‪ ،‬ظهرت إلى الوجود فكرة تأسيس الجمهورية الطرابلسية ‪ ،‬التي اشترك في‬
‫الدعوة إليها سليمان الباروني ‪ ،‬ورمضان السويحلي وعبد الرحمن عزام والمير عثمان فؤاد‬
‫ومختار كعبار ‪ ،‬ونودي للجتماع من أجل المطالبة بها وأبرازها ‪ ،‬واختير الباروني والسويحلي‬
‫والمريض وعبد النبي بلخير أعضاء لهذه الجمهورية ‪ .‬وكان من أهم النتصارات التي حققتها‬
‫الجمهورية توحيد الجبهة الوطنية إلى حين ‪ ،‬وأملت شروطا ومطالب وطنية على الحكومة‬
‫اليطالية ‪ ،‬ومن بينها الحصول على مزايا القانون الساسي ‪ ،‬الذي حقق لليبيين بعض ما كانوا‬
‫يطمحون إليه ‪ .‬لكن سرعان ما دب الشقاق في صفوف الزعماء إلى أن احتدمت حروب ضارية‬
‫مات فيها مئات من الليبيين ‪.‬‬

‫الباروني يغادر ليبيا من جديد ‪ :‬ومهما يكن من أمر ‪ ،‬فإن تلك المآسي الليمة ‪ ،‬والعواثير‬
‫الكثيرة ‪ ،‬جعلته يخرج من بلده مرغما ‪ ،‬فسافر في البدء إلى إيطاليا مستفيدا من لوائح القانون‬
‫الساسي ‪ ،‬ومن صداقاته ببعض الحرار اليطاليين ‪ ،‬ولم يطل المكث فيها ‪ ،‬إذ أخبره أحد‬
‫عارفيه بما يبيت له خصومه ‪ ،‬فسافر إلى "نيس" بفرنسا ‪ ،‬غير أن الحلفاء انتبهوا له وتعقبوه ‪،‬‬
‫فطلبوا من فرنسا أن يحتجز فيها ول يغادرها خاصة للبلدان العربية السلمية ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وهنالك بقي في السر المفروض مدة سنة ونصف تقريبا ‪ ،‬يتجرع مرارة الغتراب ‪ ،‬وعذاب‬
‫فراق الهل والحباب ‪ ،‬مع ما اكتوى به من ضيق ذات اليد ‪ ،‬فقد حرم من مستحقاته ورواتبه‬
‫من تركيا ‪ ،‬بدعوى أنه من السماء التي كانت تلحقها الحكومة الكمالية ‪.‬‬

‫ولم تشأ إرادة ال ‪ ،‬أن تتركه يتقلب في أحضان الغتراب والعسر ‪ ،‬فأسعفته على قنوط منه‬
‫بفرج لم يكن منتظرا ‪ ،‬حيث استجاب صديقه الشريف حسين ملك الحجاز لدعوته ‪ ،‬ومنحه‬
‫الذن للدخول إلى مملكته ‪ ،‬فسافر إليها بقصد الحج عن طريق السكندرية فبيروت ‪ ،‬وفي‬
‫الحجاز التقى الشريف حسين الذي عرض عليه أن يقيم في الحجاز لما له من المكانة عنده ‪.‬‬

‫الباروني في مسقط ‪ :‬سافر الباروني بعد أداء الحج إلى مسقط بالرغم من اعتراض النجليز‬
‫على السلطان تيمور ابن فيصل آل سعيد ‪ .‬واستقبل في تلك الديار استقبال عظيما ‪ ،‬ورحب به‬
‫ترحيبا صادقا ‪ .‬وقد حظي من السلطان تيمور ومن المام محمد بن عبد ال الخليلي بكل تبجيل‬
‫وتكريم ‪ .‬وقد كانت أهم أعمال الباروني هناك إزالة الخلف بين القائم يومئذ بين السلطان‬
‫والمام ‪ ،‬وبث روح الخاء بين الساحل والداخل واطراح ما كان بينهما من عداوة وبغضاء ‪.‬‬
‫وقلده السلطان تيمور بن سعيد الوسام السعيدي ‪ ،‬وعينه المام الخليلي رئيسا لوزارته ‪ ،‬وفوض‬
‫إليه مهمة الرقي بالمامة ‪ ،‬وصار محط ثقة الرجلين ‪ ،‬فأوفد في مسألة المصالحة بين الشريف‬
‫علي بني الحسين ‪ ،‬وبين عبد العزيز بن سعود ؛ ليقاف الحرب الدائرة بينهما في الحجاز ‪ ،‬وقد‬
‫مثلهما خير تمثيل لول الضغوط الستعمارية التي أحبطت تلك الجهود ‪.‬‬

‫الباروني في العراق ‪ :‬بعد أن ألح عليه المرض العضال ‪ ،‬واصطلحت عليه الحمى والملريا ‪،‬‬
‫كاتب ملك العراق فيصل بن حسين ‪ ،‬يطلب منه الذن بدخول العراق ‪ ،‬فأذن له مرحبا ومعترفا‬
‫بصداقته لوالده الشريف حسين ‪ ،‬ومكبرا لشخصيته ‪ .‬ويستنتج من رسائله ‪ ،‬أنه حل بالعراق‬
‫عام ‪ ، 1348/1929‬حيث غمرته من الملك والوزراء والعيان والعلماء أفضال كثيرة ‪ ،‬أسعدته‬
‫وهيأت له فرصا للستشفاء والتداوي والقامة الطيبة في بلد الرافدين ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الباروني مستشارا لسلطان مسقط ‪ :‬في سنة ‪ ، 1938‬وصلته رسالة من السلطان سعيد بن‬
‫تيمور آل سعيد ‪ ،‬يطلب فيها إليه أن يكون مستشارا له في عاصمة الساحل ؛ فوافق لدواع‬
‫أملتها المصلحة الخاصة والعامة ‪ ،‬وغادر العراق ‪ ،‬وعاد من جديد إلى المملكة العمانية ‪ ،‬حيث‬
‫أقام مع أسرته زمنا ‪ ،‬لم ينس فيه أحبابه وإخوانه الليبيين في موطنهم ‪ ،‬لكن ذلك الحنين‬
‫الصادي ‪ ،‬والغرام الغريم لوطانه ودياره ولعشيرته وجيرته كان ‪ -‬كما أبانت اليام ‪ -‬وقدة‬
‫الذبالة التي تكاد تنطفئ ‪.‬‬

‫مرضه ووفاته في بومباي (الهند) ‪ :‬فقد سكنت الحمى عظامه واستحكمت علة ضغط الدم في‬
‫جسده ‪ ،‬المنهك المثقل بالهموم والنفعالت ‪ ،‬وازداد اللم المبرح به في أوائل سنة ‪، 1940‬‬
‫فطلب من السلطان زيارة الهند للعلج ‪ .‬وطال المد بتحقيق الوعد إلى أن أطل يوم ‪ 12‬من‬
‫ربيع الول ‪1359‬هـ ‪ ،‬فانتظم في الوفد الرسمي برئاسة السلطان سعيد للقيام بمهمة عمل‬
‫ولتعاطي العلج ‪ ،‬فبدأت الرحلة لتشق به عباب البحار إلى بداية النهاية ‪ ،‬توجه مع الوفد‬
‫السلطاني إلى كراتشي ‪ ،‬ثم انتهى به المطاف في مدينة بومباي ‪ ،‬وقدر له أن يلفظ أنفاسه‬
‫الخيرة فيها ‪ ،‬ويلقى بعد رحلة حافلة مليئة بالعذب والعذاب وجه ربه الكريم فجر ‪ 23‬ربيع‬
‫الول ‪ / 1359‬مايو ‪1940‬م ‪.‬‬

‫*** *** ***‬

‫المرجع ‪:‬‬

‫‪ -‬الباروني ‪ ،‬آثاره وأدبه ‪ :‬د‪.‬محمد مسعود جبران ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬

You might also like