Professional Documents
Culture Documents
إن الشفعة ابب من أبواب الفقه اإلسالمي املهمة ،وهي أمنوذج لعظمة ذلك الفقه ومشوليته وعدالته ومراعاته
ملصاحل البشر وتوازن أحكامه وفق قواعد متينة متثلت يف هذا الباب منها قاعدة قاعدة ال ضرر وال ضرار حيث الشفعة
شرعت لرفع ضرر الشريك ولكن من غري ضرر ابلبائع واملشرتي،
ومن اجلدير ابلذكر أن الشفعة مل تعرف يف القانون الوضعي إال حديثا ،وأول من أشار إليها هو القانون االسباين
الصادر عام 9881م ،وقد أطلق عليها حق االسرتداد ،وذكر نوعني من حقوق االسرتداد :أحدمها ملصلحة الشركاء،
واآلخر ملصلحة اجلريان ،فثبت بذلك سبق الفقه اإلسالمي العظيم يف هذا القانون الذي يفصل األمر فيكل شركة مشاعة
يقع فيها البيع.
ومبناسبة عقد ندوة احلقوق العينية اليت نظمتها مشكورة كلية الشريعة يف جامعة القرووين مبدينة فاس فبني يدي
أهل االختصاص هذه اجلولة يف أحكام الشفعة من خالل القانون املغريب رقم 81.98املسمى مدونة احلقوق العينية،
والذي خص الشفعة يف الفصل الرابع من الباب الثاين ،وينتظم املواد 313-893؛ حيث تتمحور الندوة حول هذه
املدونة.
وألن عرض مجيع أحكام الشفعة يطول فقد اقتصرت على املهم من أحكامها فيما إخاله حيتاج إليه قارئ مدونة
احلقوق العينية ومن يتناوهلا ابلشرح والتعقيب ،فأذكر املادة املراد التعليق عليها مث أتناول األحكام فاصال بني املادة وبني
شرحي بعنوان التعليق.
املبحث الثاين :أحكام الشفعة التعليق على بعض املواد اخلاصة ابلشفعة من القانون،
عرف احلق العيين أبنه :سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معني على شيء معني فصاحبه يستطيع أن يباشره
دون وساطة أحد.
وهو عالقة حقوقية بني شخص وشيء مادي معني بذاته ختو له سلطة مباشرة عليه وذلك كحق امللكية ،فإنه
سلطة قانونية مباشرة.
ويقابله احلق الشخصي ،وعرف :أبنه مطلب يقره القانون لشخص على آخر ،وذلك كحق كل من املتبايعني
على اآلخر (.)9
وجيب أن نقرر هنا كحقيقة علمية أن تقسيم احلق إىل عيين وشخصي مل يكن معهودا يف الفقه اإلسالمي؛ بل
هو تقسيم درج عليه القانون الوضعي.
وقد انتقد البعض هذا التقسيم ،يقول الشيخ إبراهيم جعفر السقا" :إن تقسيم احلق إىل قسمني :حق عيين ،وحق
شخصي ال وجه له ،وال يوجد فرق بني ما أطلقوا عليه احلق الشخصي ،وما أطلقوا عليه احلق العيين ،وال يوجد فرق بني
املعامالت اليت فرعوها عليها ،فال يوجد فرق بني اإلجارة ورهن العقار ،فكيف جعلت اإلجارة من احلق الشخصي،
وجعل الرهن من احلق العيين ،فحني عرفوا احلق أبنه سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معني على شيء معني مل يفهم
من هذا التعريف مطلقا أن العالقة انشئة بني الشخص والشيء ،بل هي عالقة انشئة بني الشخص والشخص
وموضوعها الشيء ،فالعالقة ما بني شخصني موجودة يف احلق العيين ،وحني عزفوا احلق الشخصي أبنه رابطة بني
شخصني دائن ومدين خيول الدائن مبقتضاها مطالبة املدين إبعطاء شيء أو ابلقيام بعمل أو ابالمتناع عن عمل مل يفهم
منه نفي وجود عالقة بني الشخص والشيء" (.)3
والذي أراه فيما يتعلق ابلتقسيم أنه ال مشاحة يف االصطالح شريطة أال نلغي تقسيمات فقهاء اإلسالم
واصطالحاهتم ،وكما يقول الشيخ أبو سنة" :والشريعة ال تعارض يف هذا االصطالح ألنه جمرد تنظيم ما دام يفصل يف كل
حق حبكم هللا؛ غري أن األقسام اليت ذكرها علماء الشريعة مبنية على اختالف اخلصائص واألحكام الشرعية لكل قسم
وهي وافية ابألغراض القضائية والداينية" (.)8
( )9املدخل إىل نظرية االلتزام يف الفقه اإلسالمي ،ص ،39 .الفقه اإلسالمي وأدلته .4/ 873
( )3جملة البحوث اإلسالمية .371 / 71
( )8جملة اجلامعة اإلسالمية ابملدينة املنورة .99 / 498
412 د .فهد بن عبد الرمحن اليحيي
لتناول مسائل الشفعة البد من الوقوف أوال على النص القانوين كامال من القانون املغريب رقم 81.98املسمى
مدونة احلقوق العينية ،والذي خص الشفعة يف الفصل الرابع من الباب الثاين حيث يشمل الباب الثاين املغارسة واهلبة
والصدقة والشفعة.
املادة 494
الشفعة أخذ شريك يف ملك مشاع أو حق عيين مشاع حصة شريكه املبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات
العقد الالزمة واملصروفات الضرورية النافعة عند االقتضاء.
املادة 492
-شريكا يف امللك املشاع وقت بيع حصة شريكه يف العقار أو احلق العيين؛
-أن يكون اتريخ متلكه للجزء املشاع سابقا على اتريخ متلك املشفوع من يده للحصة حمل الشفعة؛
املادة 492
جيوز ضم حق اهلواء والتعلية إىل ملكية السفل وحق السطحية أو الزينة إىل ملكية الرقبة عن طريق الشفعة فيما
بيع منها ألجنيب.
الشفعة يف احلقوق العينية 412
املادة 492
يتعني على طالب الشفعة إثبات بيع احلصة املطلوب شفعتها .فإذا كان العقار حمفظا يتعني عليه إثبات تقييد
البيع ابلرسم العقاري.
املادة 492
إذا ابع شريك حصته ألجنيب يف ملك مشاع ،فيجب على الشريك أن أيخذ احلصة املبيعة بكاملها أو أن
يرتكها.
إذا تعدد الشفعاء كان لكل واحد منهم األخذ ابلشفعة بقدر حصته يف امللك املشاع يوم املطالبة هبا ،فإذا تركها
البعض ،وجب على من رغب يف الشفعة من الشركاء أخذ احلصة املبيعة بكاملها.
إذا كان املشرتي أحد الشركاء فلكل شريك يف امللك أن أيخذ من يده بقدر حصته يف امللك ،ويرتك للمشرتي
نصيبه بقدر حصته ما مل يعرب عن رغبته يف التخلي عنها.
املادة 492
إذا اختلفت مراتب الشفعاء كان ترتيبهم يف األخذ ابلشفعة على الشكل التايل:
يقدم من يشارك البائع يف السهم الواحد يف املرياث على من عداه ،فإن مل أيخذ انتقل احلق إىل ابقي الورثة مث
املوصي هلم ،مث األجانب .ويدخل كل واحد من هؤالء مع من يليه يف شفعته دون العكس ،ويتنزل املشرتي منزلة البائع،
والوارث منزلة موروثه يف األخذ ابلشفعة.
املادة 492
تكون الشفعة يف العقارات سواء كانت قابلة للقسمة أم غري قابلة هلا ،وتكون يف احلقوق العينية القابلة للتداول.
419 د .فهد بن عبد الرمحن اليحيي
املادة 499
إذا بيعت احلصة اليت جتوز الشفعة فيها عدة مرات قبل انصرام أجل الشفعة ،فللشفيع أن أيخذ من أي مشرت
ابلثمن الذي اشرتى به ويرتتب على ذلك بطالن البيوع الالحقة.
فإذا كان العقار حمفظا فإن احلصة املشفوعة ال تؤخذ إال من يد املشرتي املقيد ابلرسم العقاري.
املادة 233
إذا بيعت احلصة اليت جتوز الشفعة فيها أبمجعها أو أجزاء منها أو عدة حصص شائعة بعقد واحد وجب على
الشريك الراغب يف الشفعة أن أيخذ مجيع املبيع املشاع بينه وبني البائع من يد املشرتي أو أن يرتك اجلميع للمشرتي،
سواء تعلق العقد مبلك واحد أو عدة أمالك مشاعة ،وسواء احتد البائع أو املشرتي أو تعدد ،فال جيوز تبعيض الشفعة إال
إذا رضي املشرتي بذلك.
املادة 231
إذا بيعت أجزاء احلصة بعقود خمتلفة فإن الشفيع خيري بني أن أيخذها بكاملها وبني أن أيخذ أبي عقد شاء
ويدخل معه يف شفعته من قبله من املشرتين.
املادة 234
إذا بيعت احلصة املشاعة يف املزاد العلين وفق اإلجراءات املنصوص عليها يف القانون فال جيوز أخذها ابلشفعة.
املادة 232
ال شفعة فيما فوت تربعا ما مل يكن التربع صوراي أو حتايال .كما ال شفعة يف احلصة الشائعة اليت تقدم يف صداق
أو خلع.
املادة 232
ميكن للمشرتي بعد تقييد حقوقه يف الرسم العقاري أو إيداعها يف مطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة من عقد
شرائه إىل من له حق الشفعة ،وال يصح التبليغ إال إذا توصل به شخصيا من له احلق فيها ،ويسقط حق هذا األخري إن مل
ميارسه خالل أجل ثالثني يوما كاملة من اتريخ التوصل.
الشفعة يف احلقوق العينية 443
يتعني أن يتضمن التبليغ حتت طائلة البطالن بياان عن هوية كل من البائع واملشرتي ،مع بيان عن احلصة املبيعة
ومثنها واملصروفات ورقم الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ أو مراجع عقد التفويت ،فإن مل يقع هذا التبليغ فإن حق
الشفعة يسقط يف مجيع األحوال مبضي سنة كاملة من اتريخ التقييد إذا كان العقار حمفظا أو اإليداع إذا كان العقار يف
طور التحفيظ ،ومبضي سنة على العلم ابلبيع إن كان العقار غري حمفظ.
وإذا مل يتحقق العلم ابلبيع فبمضي أربع سنوات من اتريخ إبرام العقد.
املادة 232
إذا كان العقار يف طور التحفيظ فال يعتد بطلب الشفعة إال إذا ضمن الشفيع تعرضه مبطلب التحفيظ املتعلق
به.
املادة 232
جيب على من يرغب يف األخذ ابلشفعة أن يقدم طلبا إىل رئيس احملكمة االبتدائية املختصة يعرب فيه عن رغبته
يف األخذ ابلشفعة ،ويطلب فيه اإلذن له بعرض الثمن واملصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا مث إبيداعهما يف صندوق
احملكمة عند رفض املشفوع منه للعرض العيين احلقيقي ،وأن يقوم بكل ذلك داخل األجل القانوين وإال سقط حقه يف
الشفعة.
املادة 232
إذا مت الرتاضي على األخذ ابلشفعة أو حكمت هبا احملكمة فإن الشفيع يتملك احلصة املبيعة مع مراعاة
مقتضيات الظهري الشريف الصادر يف 1رمضان 9889 93أغسطس 9198املتعلق ابلتحفيظ العقاري.
املادة 232
إذا أضاف املشفوع منه شيئا يف احلصة املشفوعة من ماله أبن بىن أو غرس فيها فإن قام بذلك قبل إعالن الرغبة
يف األخذ ابلشفعة طبقت األحكام املتعلقة ابلبناء والغرس يف أرض الغري إبذنه أو شبهة ملك ،أما إذا قام بذلك بعد
إعالن الرغبة يف الشفعة فتطبق األحكام املتعلقة ابلبناء والغرس يف أرض الغري دون إذن.
441 د .فهد بن عبد الرمحن اليحيي
املادة 239
ال يلتزم املشفوع منه برد مثار احلصة املشفوعة للشفيع إال من اتريخ املطالبة ابلشفعة.
املادة 213
تبطل التصرفات الناقلة للملكية أو احلق العيين أو املنشئة هلذا احلق اليت أجراها املشفوع من يده على احلصة
املشفوعة إذا تعلقت بعقار غري حمفظ.
املادة 211
-إذا تنازل عنها صراحة بشرط أن حيصل هذا التنازل بعد ثبوت حقه فيها؛
-إذا ابع حصته اليت يشفع هبا ،ولوكان ال يعلم أن شريكه قد ابع حصته قبله.
املادة 214
ال يسقط احلق يف األخذ ابلشفعة مبوت الشفيع وإمنا ينتقل هذا احلق إىل ورثته بنفس الشروط مبا يف ذلك ما
بقي من أجل لألخذ ابلشفعة.
الشفعة يف احلقوق العينية 444
املبحث الثاني :أحكام الشفعة مع التعليق على بعض املواد اخلاصة بالشفعة من القانون
تعريف الشفعة
املادة 494
الشفعة أخذ شريك يف ملك مشاع أو حق عيين مشاع حصة شريكه املبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات
العقد الالزمة واملصروفات الضرورية النافعة عند االقتضاء.
التعليق:
ويف االصطالح الفقهي :هي استحقاق اإلنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشرتيها (.)3
وجند من عرفها بعبارة أدق فقال" :استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض مايل بثمنه
()6
الذي استقر العقد عليه"
شفعة اجلار
املادة 492
-شريكا يف امللك املشاع وقت بيع حصة شريكه يف العقار أو احلق العيين؛
-أن يكون اتريخ متلكه للجزء املشاع سابقا على اتريخ متلك املشفوع من يده للحصة حمل الشفعة؛
التعليق:
يفهم من النص السابق أن اجلار ال شفعة له إذا ابع جاره العقار اجملاور له ما دام غري شريك له.
وهذا القول رواية عن اإلمام أمحد ( )99أخذ هبا اإلمام ابن تيمية ( )93وابن القيم (.)98
ومن أمثلته يف هذا العصر أن يكون لكل واحد بستان أو مزرعة ويكون بينهما بئر أو خزان ماء يستقون منه
مجيعا؛ أو يكون بينهما جدول أو قنطرة أو هنر صغري.
ومن أمثلته املنزالن أو املنازل تكون يف طريق واحد مشرتك بينهم ،أي ليس طريقا عاما؛
ومن أمثلته املصنعان أو املصانع مشرتكة يف خزان وقود أو مولد كهرابئي وحنو ذلك .أدلة القائلني بعدم ثبوت
الشفعة للجار مطلقا:
( )7احلجةة علةى أهةل املدينةة ،8/67املبسةوط ،94/14بةدائع الصةنائع ،3/8مةع أن احلنفيةةة جيعلةون الشةفعة علةى ثةالث مراتةب يف األولويةة :شةفعة الشةريك؛ مث
شفعة املشارك يف حق من حقوق االرتفاق؛ مث شفعة اجلار مةن غةري مشةاركة .وكةذلك القةائلون ابلةرأي األول يقةدمون شةفعة الشةريك علةى غريهةا .انظةر :اإلنصةاف
،6/333الدرر السنية ،3/ 337فتاوى ابن إبراهيم .8/971
( )8املدونة ،994/3بداية اجملتهد ،633/3مواهب اجلليل .398/3
( )1األم ،8/ 4املهذب .778 /3
( )99املغين ،684 /7اإلنصاف .333 /6
( )99اإلنصاف .6/333
( )93الفتاوى ،888/98اإلنصاف ،333 /6االختيارات ص .769
( )98إعالم املوقعني ،989/3وعليه الفتوى يف البالد النجديةة السةعودية كمةا يف الةدرر السةنية ،333-433/3وبةه أخةذت بةه هيئةة كبةار العلمةاء يف السةعودية
بقرارها رقم 44ابألكثرية ،كما يف أحباث هيئة كبار العلماء ،933 /9وعمم هذا القرار على احملاكم كما يف التصنيف املوضوعي لتعاميم وزارة العدل .886 /8
الشفعة يف احلقوق العينية 442
-9عن جابر رضي هللا عنه قال :قضى رسول هللا صلي هللا عليه وسلم ابلشفعة فيما مل يقسم ،فإذا وقعت احلدود
وصرفت الطرق فال شفعة (.)94
-3عن أيب هريرة رضي هللا عنه عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال" :إذا قسمت األرض وحدت فال شفعة فيها" (.)93
ا
وجه االستدالل من احلديثني أن كل منهما أفاد أمرين:
أن ما قسم ال شفعة فيه ،وأن احلدود إذا وجدت بني األمالك فال شفعة.
وكال األمرين متحقق يف ملك اجلار مع جاره فهو مقسوم ال خلطة فيه ،وبني امللكني حدود متيز كال منهما عن
األخر.
ونوقش من وجهني:
الوجه األول :أن النيب صلى هللا عليه وسلم اشرتط هنا تصريف الطرق ،وإذا كان الطريق واحدا أو اشرتكا يف حق
آخر مثله فلم تصرف الطرق حينئذ ويتميز حق كل شريك ،فيبقى حق الشفعة اثبتا (.)96
الوجه الثاين :أن قوله يف حديث جابر" :فإذا وقعت احلدود وصرفت الطرق فال شفعة" مدرج من كالم جابر
رضي هللا عنه (.)97
وأجيب عن هذا الوجه أبن األصل عدم اإلدراج ،ومن ادعى اإلدراج فعليه الدليل (.)98
مع أن حديث أيب هريرة نص عن النيب صلى هللا عليه وسلم بنفس املعىن ،وال حيتمل اإلدراج.
-8أن الضرر الذي شرعت من أجل رفعه الشفعة ال يتحقق بسبب اجلوار لتميز كل ملك عن اآلخر ،لصاحبه حرية
التصرف فيه ،خبالف امللك املشرتك فإن ضرره بدخول شريك يف ذات امللك ال يرتفع إال ابملقامسة ،أو يطلب
الشريك اجلديد املقامسة ،وكال األمرين تنقص به قيمة امللك ،وهذا كله ليس موجودا يف املقسوم كما يف األمالك
املتجاورة (.)91
ويناقش أبن ذلك يقال يف شأن األمالك املتجاورة من غري أن يكون بينهما حقوق مشرتكة؛ فالضرر املشار إليه
واقع ورفعه مشروع.
ا
أدلة القائلني بثبوت الشفعة للجار مطلقا:
-9عن أيب رافع رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا عليه الصالة والسالم" :اجلار أحق بصقبه" (.)39
-3عن الشريد بن سويد رضي هللا عنه قال :قلت اي رسول هللا :أرضي ليس ألحد فيها شرك وال قسم إال اجلوار؟ فقال:
"اجلار أحق بصقبه ما كان" (.)39
-8عن مسرة رضي هللا عنه عن النيب عليه الصالة والسالم قال" :جار الدار أحق ابلدار" (.)33
أن النيب عليه الصالة والسالم جعل اجلار أحق ابلشفعة يف ملك جاره ،يدل عليه ما وقع يف قصة أيب رافع رضي
هللا عنه حني أورد احلديث األول فعن عمرو بن الشريد قال :وقفت على سعد بن أيب وقاص رضي هللا عنه إذ جاء املسور
بن خمرمة فوضع يده على إحدى منكيب إذ جاء أبو رافع موىل النيب عليه الصالة والسالم فقال :اي سعد ابتع مين بييت يف
دارك ،فقال سعد :وهللا ال أبتاعهما ،فقال املسور :وهللا لتبتاعنهما ،فقال سعد :وهللا ال أزيدك على أربعة آالف منجمة
أو مقطعة.
قال أبو رافع :لقد أعطيت هبا مخسمائة دينار ،ولوال أين مسعت النيب عليه الصالة والسالم يقول" :اجلار أحق
بسقبه" ما أعطيتكها أبربعة آالف ،وأان أعطى هبا مخسمائة دينار؛ فأعطاها إايه (.)38
الوجه األول :محل اجلار يف احلديث على الشريك؛ ألن الشريك جماور لصاحبه ،ولذا قيل للزوجة :جارة؛ كما
قال األعشى :أجارتنا بيين فإنك طالقة.
الوجه الثاين :على التسليم أبن اجلار هنا غري الشريك فإن األحقية املقصودة فيه ليست يف الشفعة؛ فإنه مل يصرح
هبا؟ فحملها على الشفعة يفتقر إىل دليل ،واألوىل محلها على ما هو من حقوق اجلار من اإلحسان إليه والرب والصلة.
وقيل أيضا :إن اجلار أحق مبا قرب منه من املرافق اليت ال ملك فيها ألحد كالفناء جبانب داره فهو أوىل به من
غريه.
وقد يرد هذان الوجهان أبن الصحابة رضي هللا عنهم فهموا منه الشفعة للجار غري الشريك كما يف قصة أيب
رافع املذكورة قريبا.
ومي كن االعرتاض على ذلك أبن أاب رافع لوكان فهم منه الشفعة مل يلزمه القبول بدون الثمن الذي عرض عليه؛
ألن الشفعة إمنا يستحق هبا الشريك املبيع ابلثمن الذي بيع به وليس مبا هو دونه ،فغاية ما فيه أنه أخذ بعموم احلديث
وكأنه فهم منه األفضلية فلم يشأ أن يفضل غري جاره ابملبيع وإن مل يعتقد لزومه يف حقه ،وهكذا يقال يف شفعة اجلوار أهنا
مستحبة لكنها ليست الزمة.
على أن القصة ليست صرحية يف أن سعدا وأاب رافع كاان متجاورين من غري شركة بينهما؛ فإن السياق حمتمل
لوجود شركة بينهما إما شركة مطلقة وإما اشرتاك يف بعض احلقوق كالطريق؛ وهو األقرب.
الوجه الثالث :أن اإلطالق يف احلديث غري معمول به اتفاقا وذلك أن يكون اجلار أحق ابلشفعة من الشريك
( ،)33وإذا كان مقيدا بوجه ما فتقييده مبا سيأيت من أحاديث يف اجلار الذي يكون بينه وبني جاره حقوق مشرتكة أويل؛
مجعا بني األحاديث.
-4أن املعىن الذي من أجله شرعت الشفعة متحقق يف شأن اجلار؛ ذلك أن مدار مشروعيتها رفع الضرر ،والضرر واقع
على اجلار بدخول من ال يرضى مبجاورته وسكناه جبانبه ،فتشرع الشفعة هنا رفعا هلذا الضرر كما شرعت يف حق
الشريك (.)36
ونوقش أبنه "ال ضرر وال ضرار" ،فكما يشرع رفع الضرر عن اجلار فكذلك يشرع رفع الضرر عن املشرتي،
والضرر ال يزال مبثله ،فال يزال ضرر اجلار بتسليطه على املشرتي ابنتزاع داره اليت اشرتاها ،وما من دار يف الغالب وإال وهلا
جار ،فال يكاد أحد إذا أن يشرتي دارا إال ويكون معرضا لنزعها منه إذا أراد اجلار ذلك ،وهذا كما أن فيه ضررا على
املشرتي ففيه ضرر على صاحب امللك أيضا ،إذ يكون ذلك سببا يف إعراض البعض عن الشراء منه خشية نقض البيع
من قبل اجلار.
فيبقى رفع الضرر عن اجلار بغري تسليطه على نقض البيع ابلشفعة وإمنا بقي له حق الشفعة فيما إذا كان له حق
مشرتك أو يكون له احلق العام بعدم اإلضرار به (.)37
-9عن جابر رضي هللا عنه قال :قال رسول هللا عليه الصالة والسالم" :اجلار أحق بشفعة جاره ينتظره هبا وإن كان
غائبا إذا كان طريقهما واحدا" (.)38
وجه االستدالل:
أن احلديث أثبت الشفعة للجار إذا كان الطريق مشرتكا بينهما فكذلك تثبت شفعة اجلوار عند وجود االشرتاك
يف حق من احلقوق كالطريق.
-3أن املشاركة يف احلقوق كاملشاركة يف امللك من حيث كثرة املخالطة ووجود الضرر بني الشركاء ،والشفعة إمنا شرعت
لرفع الضرر (.)31
الرتجيح:
هذه األقوال الثالثة يف املسألة طرفان ووسط ،فأوسطهما أعدهلما وهللا أعلم وبه ميكن اجلمع بني األدلة وهو
القول بثبوت الشفعة للجار عند وجود اشرتاك يف حق من حقوق االرتفاق كالطريق واملاء وحنومها ،وكل ما أمكن به
إعمال األدلة دون إسقاط لبعضها كان أوىل ابألخذ به ،ونفي الشفعة عن اجلار مطلقا فيه نوع إضرار به ،وإثباهتا له
مطلقا فيه نوع إضرار جباره وابملشرتي ،فكان يف هذا القول مراعاة للجميع.
ويف القانون املصري إقرار حق اجلار يف الشفعة بشرط أن يكون عقار اجلار املطالب ابلشفعة مالصقا للعقار
املبيع من جهتني ويساوي من القيمة نصف مثن العقار املبيع على األقل.
املادة 492
تكون الشفعة يف العقارات سواء كانت قابلة للقسمة أم غري قابلة هلا ،وتكون يف احلقوق العينية القابلة للتداول.
التعليق:
تضمنت هذه املادة ثبوت الشفعة يف ما ال يقبل القسمة ويف املنقول ومها مسألتان تكلم فيهما الفقهاء واختلفوا
يف ثبوت الشفعة فيهما ،أعرضهما كما يلي:
العقار املبيع إما أن يكون مما يقبل القسمة كالعقار الكبري من أرض أو دار أو مزرعة ،وإما أن يكون مما ال يقبل
القسمة حبيث لو قسم مل يعد كل قسم صاحلا للبيع وحده أو االنتفاع به ،كالعقار الصغري من طريق ضيقة أو بئر أو حنو
ذلك.
فأما ما يقبل القسمة فلم خيتلف أهل العلم يف ثبوت الشفعة فيه (.)89
األقوال يف املسألة:
( )89املغين ، 7/449املبسوط ،94/18هناية احملتاج ،3/916االختيارات ص ،967الفتاوى ،89/889وانظر :اإلمجاع البن املنذر ص .13
449 د .فهد بن عبد الرمحن اليحيي
()84
اختارها ابن وبه قال احلنفية ( )89وهو قول للمالكية ( ،)83وقول للشافعية ( ،)88ورواية يف مذهب احلنابلة
تيمية ( ،)83وهو قول الظاهرية (.)86
-9عن جابر رضي هللا عنه" :أن النيب صلى هللا عليه وسلم قضى ابلشفعة يف كل ما مل يقسم" (.)49
وجه االستدالل:
أن تعليقه ثبوت الشفعة يف الشيء مبا إذا مل يقسم دليل على أن ما ال يقبل القسمة ال جتري فيه الشفعة أصال.
ويناقش أبن هذا استدالل ابملفهوم ،والعموم أقوى منه يف قوله" :كل" الذي يشمل كل شيء مل يقسم بعد؛ مما
يقبل القسمة أو ال يقبلها.
-3أن إثبات الشفعة هنا يلحق الضرر ابلشريك البائع؛ ألنه ال ميكن أن يستقل بنصيبه ابلقسمة ،وقد ميتنع املشرتي
ألجل الشفيع ،ويف كل هذا ضرر على البائع (.)49
ونوقش أبن الشريك إذا طلب املقامسة ومل ميكن قسمة العني؛ فإهنا تباع وجيرب املمتنع على البيع؛ ويقسم الثمن
بينهما (.)43
كما يناقش أبن الضرر ال يلحق ابلبائع ما دام البيع حاصال له؛ فإن الشفعة ال تبطل البيع ،وإمنا تنقل احلق فيه
إىل الشريك.
عموم األدلة املثبتة للشفعة كحديث جابر رضي هللا عنه" :قضى رسول هللا عليه الصالة والسالم يف الشفعة يف كل ما مل
يقسم" (.)48
فإخراج ما ال يقبل القسمة من هذا العموم يفتقر إىل دليل ،وال دليل على إخراجه (.)44
-3أن الشفعة تثبت إلزالة الضرر بدخول شريك ،والضرر متحقق يف هذا النوع من العقار ،بل وأشد مما يقبل القسمة؛
من وجهني:
األول :أن الضرر احلاصل يف ما ال يقبل القسمة ال ميكن إزالته ابلقسمة خبالف ما يقبلها فيمكن إزالته.
الثاين :أن الضرر هنا أكثر بقاء من اآلخر الذي يقبل القسمة (.)43
الرتجيح:
األقرب من القولني وهللا أعلم هو القول بثبوت الشفعة فيما ال يقبل القسمة؛ لعموم األدلة ،ولتحقق علة الشفعة
فيه من إزالة الضرر عن الشريك.
الشفعة يف املنقول
فما كان من العقار فليس مث خالف يف ثبوت الشفعة فيه يف اجلملة ()46؛ وأما املنقول فقد جرى اخلالف يف
ثبوت الشفعة فيه.
أقوال الفقهاء:
قال اإلمام مالك يف املوطأ " :وال شفعة عندان يف عبد وال وليدة وال بعري وال شاة وال يف شيء من احليوان وال يف
ثوب وال يف بئر ليس هلا بياض إمنا الشفعة فيما يصلح أنه ينقسم ويقع فيه احلدود من األرض فأما ما ال يصلح فيه القسم
فال شفعة فيه" (.)34
قال الباجي يف شرحه" :معىن ذلك وهللا أعلم أن ما ينقل وحيول من احليوان والعروض ال شفعة فيه ملا قدمناه من
أن غلبة ثبوت الشفعة معدومة فيه وهذا يف بيعها مفردة وأما إذا كانت تبعا لغريها كالرقيق والدواب لتعمري األرض
واحلائط ففي العتبية من رواية عيسى فيمن اشرتى شقصا من حائط وفيه رقيق ودواب فليأخذه الشفيع مع رقيقه ودوابه
إذا مل يكن
للحائط منهم بد" (.)33
-9عن جابر رضي هللا عنه قال" :قضى النيب عليه الصالة والسالم ابلشفعة يف كل شركة مل تقسم ،فإذا وقعت احلدود
وصرفت الطرق فال شفعة" (.)36
وجه االستدالل:
ونوقش من وجهني:
األول :عدم التسليم أبن احلدود ال تقع يف املنقول ،بل احلدود واقعة يف كل ما ينقسم من طعام أو حيوان أو
عروض أو غريها.
الثاين :على التسليم أبن ذلك خيتص ابلعقار فإنه ال مينع ثبوت الشفعة يف غريه بدليل آخر (.)38
-3عن جابر رضي هللا عنه قال" :قضى رسول هللا عليه الصالة والسالم ابلشفعة يف كل شرك مل يقسم ربعة أو
حائط… احلديث" (.)31
وجه االستدالل:
ويناقش بنحو ما سبق؛ حيث إن عدم ذكر املنقول هنا ال يلزم منه نفي الشفعة فيه إذا ثبتت بدليل آخر أو
دخلت يف العموم ،وذكر غريه ال يقتضي احلصر.
-9عن جابر رضي هللا عنه قال" :قضى رسول هللا صلي هللا عليه وسلم ابلشفعة يف كل شيء"(.)69
-3عن ابن عباس رضي هللا عنهما أن النيب صلي هللا عليه وسلم قال" :الشريك شفيع ،والشفعة يف كل شيء" (.)69
وجه االستدالل:
أن هذه األحاديث جاءت بلفظ العموم "يف كل شيء" فيدخل فيه املنقول ،وإخراجه من هذا العموم يفتقر إىل
دليل.
ونوقش االستدالل هبذه األحاديث أبهنا مرسلة ،فقد رجح األئمة إرساهلا منهم الرتمذي والبيهقي (.)63
-8أن الشفعة شرعت إلزالة الضرر ،والضرر الثابت يف العقار هو بعينه اثبت يف املنقول (.)68
الرتجيح:
كما تقدم يف املسألة قبلها؛ فإن املتأمل للحكمة من مشروعية الشفعة والعلة فيها جيد ذلك متحققا يف الشفعة
يف املنقول كما يف غريه ،وليس مث ما مينع إثبات الشفعة فيه من نص صريح يف ذلك ،أو كان إثباهتا يقتضي ضررا أبحد،
فلما مل يكن فيه ضرر ،وفيه من مصلحة الشريك ما هو ظاهر؛ إذ هو املتضرر من دخول شريك جديد ال يرتضيه ،كان
القول بثبوت الشفعة أقرب القولني مأخذا ،ال سيما وقد عضده العموم يف النصوص السابقة ،وهي وإن كانت معلولة
ابإلرسال؛ غري أهنا ال تنحط عن درجة الرتجيح هبا عند املوازنة بني املرجحات ،وهللا تعاىل أعلم.
املبحث الثالث
املادة 232
ال شفعة فيما فوت تربعا ما مل يكن التربع صوراي أو حتايال .كما ال شفعة يف احلصة الشائعة اليت تقدم يف صداق
أو خلع.
التعليق:
حني يبيع الشريك نصيبه فللشريك اآلخر املطالبة ابملبيع حبق الشفعة ،ولكن ماذا لو تصرف املشرتي ابملبيع ولو
ابلتربع فهل ذلك مسقط للشفعة؟
ليس بني أهل العلم اختالف يف أن تصرف املشرتي ابملبيع بعد مطالبة الشريك ابلشفعة تصرف يف غري حمله فال
ينفذ.
-9أن تكون املطالبة معتربة مبعىن أن هذا اخلالف إمنا جيري يف كل قول على احلال اليت يعتربون املطالبة فيها صحيحة
دون ما وجد فيه ما مينع صحة املطالبة كتأخري الطلب ابلشفعة بعد العلم ابلبيع.
-3أن يكون تصرف املشرتي يف املبيع هببة أو صدقة أو عتق أو وقف (.)64
أما التصرف مبا عدا ذلك من التصرفات كالبيع وحنوه ،فإنه ال يسقط الشفعة ابالتفاق (.)63
( )64ضبطه يف املغىن 7/366بكل تصرف ال جتب به الشفعة ،وهذا على قول عامة أهل العلم ،وإال فاخلالف قائم يف ثبوت الشفعة هبذه األسباب من أسةباب
التملك كما يف املغين ،7/444وبداية اجملتهد .3/338
( )63انظر :الفتاوى ،89/887املغين .7/463
422 د .فهد بن عبد الرمحن اليحيي
آراء الفقهاء:
الرأي األول :أن تصرف املشرتي ال يسقط الشفعة أية كان هذا التصرف.
وهبذا قال مجهور أهل العلم فهو قول احلنفية ( ،)66واملالكية ( ،)67والشافعية ( ،)68وطائفة من احلنابلة (.)61
الرأي الثاين :أن تصرف املشرتي ال يسقط الشفعة ما عدا التصرف فيه ابلوقف فإنه يسقطها.
وهو قول القاضي أيب يعلى من احلنابلة ( )79وشيخ اإلسالم ابن تيمية (.)79
الرأي الثالث :أن تصرف املشرتي يف املبيع هببة أو صدقة أو عتق أو وقف يسقط الشفعة.
وهو رواية عند احلنفية ( ،)73وبه قال احلنابلة يف املشهور من املذهب (.)78
أن يف إثبات الشفعة إضرارا مبن انتقل امللك إليه ،وهو املوهوب له أو املتصدق عليه أو املوقوف عليه أو املعتق
حيث يزول ملكه بغري عوض خبالف التصرف ابلبيع فإنه أيخذه بعوضه (.)74
ويناقش :أبن هذا ليس إضرارا مبن انتقل إليه امللك ابهلبة وحنوها ،إذ هو إبطال هلذه العقود ألنه تبني استحقاق
العني ،وهذا وارد يف مجيع صور اإلبطال كما لو تبني عدم ملكية العاقد هلذه العني أو كوهنا مستحقة يف إرث أو وصية
وحنو ذلك.
دليل القائلني بسقوط الشفعة بتصرف املشرتي ابلوقف دون غريه من التصرفات:
مل أجد هلؤالء دليال منصوصا عنهم سوى أن يستدل هلم أبن الوقف ينتقل به امللك أبدىن األسباب ،فهو كالعتق
يف قوة انتقاله؛ ولذا ينتقل ابلسراية يف ملك الشريك.
األول :أن الوقف أصال مل يصادف ملكا للواقف ،بل تبني مبطالبة الشفيع عدم استحقاق املشرتي له فهو كما
لو وقف ملك غريه.
الثاين :أن القائلني هبذا القول يلزمهم القول ابلعتق وهذا مل ينقل عنهم.
الثالث :أن الوقف ينقض حلق الغري كما لو وقف املريض أمالكه وعليه دين فإنه إذا مات رد الوقف إىل الغرماء
والورثة فيما زاد على ثلثه (.)73
-9أن الشفعة إذا مل تسقط بتصرف املشرتي ابملبيع ببيع وحنوه ،كما تقدم مع إمكان األخذ ابلبيع املتأخر فألن ميلك
فسخ عقد ال ميكنه األخذ به أوىل (.)76
الرتجيح:
األظهر من هذه األقوال هو قول اجلمهور أبن تصرف املشرتي ابملبيع ال يسقط الشفعة أاي كان هذا التصرف وذلك ملا
يلي:
-9أن هذا القول أقرب إىل القواعد املعروفة يف أن التصرف الذي يصادف حمال مستحقا يبطل.
-8أن استثناء بعض التصرفات كالوقف وحنوه مل يظهر دليله ،والقول به قد حيمل على اختاذه حيلة إلسقاط الشفعة،
وهللا أعلم.
املبحث الرابع
املادة 211
-إذا تنازل عنها صراحة بشرط أن حيصل هذا التنازل بعد ثبوت حقه فيها.
التعليق:
جرى اخلالف يف هذه املسألة بني الفقهاء بعد اتفاقهم على إمكانية إسقاط هذا احلق بعد حتقق البيع.
أقوال الفقهاء:
وهذا قول مجهور العلماء من احلنفية ( )78واملالكية ( )71والشافعية ( )89واحلنابلة يف املشهور من املذهب (.)89
القول الثاين :أن الشريك ميلك إسقاط شفعته قبل البيع ويصح منه ذلك.
وهذا القول رواية عن اإلمام أمحد رمحه هللا ( )83ذهب إليها اإلمام ابن تيمية ( ،)88وبه قال الظاهرية (.)84
حديث جابر رضي هللا عنه قال :قضى رسول هللا عليه الصالة والسالم ابلشفعة يف كل شركة مل تقسم ربعة أو
حائط ،ال حيل له أن يبيع حىت يؤذن شريكه ،فإن شاء أخذ ،وإن شاء ترك ،فإذا ابع ومل يؤذنه فهو أحق به (.)83
وجه االستدالل:
أن قوله :فإذا ابع ومل يؤذنه فهو أحق به مفهومه أن البيع إذا وقع بعد استئذان الشريك فال حق له يف الشفعة
(.)86
ونوقش أبن املراد يف احلديث ندب الشريك إىل عرض الشقص املبيع على شريكه قبل أن يبيعه على غريه ،فليس
فيه تعرض إلمكانية سقوط الشفعة يف هذه احلال (.)87
أن إسقاط الشفعة قبل البيع هومن ابب إسقاط احلق قبل وجوبه ،وذلك ال يصح (.)88
الرتجيح:
أتملت هذه املسألة فوجدهتا تندرج ضمن قاعدة مطردة هي إسقاط احلق قبل وجوبه أو وجود سببه ،ومن أمثلتها
التنازل عن املهر قبل العقد ،ومنها التنازل من الورثة عن حقهم فيما زاد على الثلث أي إجازهتم للوصية أبكثر من الثلث
أو لوارث قبل موت املوصي وهلا نظائر أخرى.
ويظهر للناظر أول وهلة أهنا حقوق خالصة ألصحاهبا ،فلهم أن يتنازلوا عنها وال فرق أن يكون ذلك قبل وجوهبا
أو بعده.
ولكن من متع ن يف قواعد الشرع العظيمة اليت جاءت مبصاحل العباد ،ورفعت عنهم احلرج والعنت واملشقة والضرر
خلص إىل املنع يف هذه املسائل.
إذ الشرع املطهر مل يراع الرضى دائما وتنازل املتضرر عن الضرر الواقع عليه؛ بل محاه الشرع حىت من نظرته
القاصرة اليت قد تورده املهالك أو الديون واملطالبات اليت ال قبل له هبا.
فليس يف شرعنا العادل أن الرضا شريعة املتعاقدين كما تنص عليه القوانني األرضية؛ ألن املتعاقدين قد يرضيان ما
حياد هللا ورسوله ،وقد يرضيان ما يفسد اجملتمع ،وقد يرضيان ما فيه ضرر هلما إن عاجال أو آجال.
ولذ ا فإن اإلسالم حرم الراب ومنع الفقري الذي أراد أن يقرتض من الغين ورضي ابلزايدة عليه وتنازل عن حقه يف
أال يؤخذ منه إال قدر ما أخذ ،منعه اإلسالم من ذلك ومحاه يف حال ضعفه وحاجته كيال يؤدي به ذلك إىل فوات
مصاحله ومصاحل من يعول.
وإذا نظران إىل مسألتنا وجدان أن مقتضى القواعد الشرعية أن مينع الشريك من إسقاط حقه يف الشفعة قبل
البيع ملا يلي:
-9أن حق الشفعة إمنا يثبت يف حال البيع ،وأما قبل ذلك فأي حق يسقطه؟ إذ املشرتي الذي قد تنازل الشريك له
هبذا احلق قد يعدل عن الشراء ،وأييت مشرت أخر فهل إذا رجع املشرتي األول مرة أخرى يكون احلق ابقيا له؟.
إن مقتضى القول ابإلسقاط أن ميلك ذلك؛ ألنه حق قد تنازل به صاحبه له ،وهذا مما يوضح بعد هذا القول
عن القواعد.
-3أن القول ابإلسقاط يلزم منه إمكانية إسقاط الشفعة مطلقا مبعىن أن يبقى الشريك بعد إسقاطه ال حق له يف
الشفعة يف أي حال ومع أي شريك.
فإذا علمنا أن هذا اإلسقاط قد يطلب منه يف حال حاجته أو ضعف موقفه ،فمعىن هذا أننا رفعنا عنه احلماية
الشرعية اليت ضمنها له الشرع يف مثل هذه احلال اليت يغيب فيها الشخص عن إدراك مصاحله ال سيما املستقبلية منها،
ويفوته تصور الضرر الذي قد يقع عليه جراء تنازله عن هذا احلق.
فمثال قد يشرتط عليه يف الشركة التنازل عن هذا احلق فيقبل الدخول على ذلك حلاجته ،أو رمبا تنازل عن حق
الشفعة بعد ذلك؛ ولكنه قد يتضرر ضررا كبريا بدخول شريك ال يصلح معه البتة ،أو قد يبتزه الشريك ألمر ما أبن
يهدده ابلبيع على من يعلم سوء عشرته.
()81
وهللا جل وعال قد قال :وإن كثريا من اخللطاء ليبغي بعضهم على بعض
فبني أن الغالب يف الشركاء البغي والتعدي ،ولذا فال ينبغي ترك املسلم حتت رمحة هؤالء اخللطاء.
-8إن القول ابإلسقاط يلزم منه أن يصح التنازل عن كثري من شروط العقود ،وأن يصح أيضا أن يشرتط كل عاقد ما
يشاء ،ومن ذلك الوالء يف العتق لغري املعتق ،ألنه حق تنازل به صاحبه ،ومن صحح اإلسقاط هنا قد يعوزه تلمس
الفرق بني الصورتني أعين صورة أال يكون للشفيع شفعة وأال يكون للمعتق والء.
-4إن التنازل عن احلق قبل ثبوته شبيه برد املوهوب له اهلبة قبل قبضها ،فكما أن املوهوب له ال ميلك اهلبة إال ابلقبض
فال يقبل رده قبل القبض على قول اجلمهور فكذلك هذا احلق ال ميلكه حىت يتحقق له فال يعترب إسقاطه قبل ثبوته
له ،وهللا أعلم.