Professional Documents
Culture Documents
الحقوق العينية العرفية بين مدونة الأوقاف ومدونة الحقوق العينية وأحكام الفقه المالكي
الحقوق العينية العرفية بين مدونة الأوقاف ومدونة الحقوق العينية وأحكام الفقه المالكي
واحلضاري بشكل عام ،ومن مث حرص الفقهاء على تدبري عقارات األحباس مبا يالئم طبيعتها وأحكام الشريعة اإلسالمية،
وقد كان عقد الكراء من أهم الصيغ اليت يتم هبا استغالل عقارات األحباس ،حيث أدرك الفقهاء منذ وقت مبكر وهم
يواكبون التحوالت اليت يعرفها اجملتمع أن كراء هذه العقارات ينبغي أن حتقق التوازن بني مصاحل احلبس ومصاحل املكرتي،
فمصلحة املكرتي تقتضي متكينه من مدة كافية لالستغالل يتاح له فيها جين مردوديه ما أنفقه من أموال يف هتيئة
وإصالح العني املكرتاة ،وهذا يقتضي أن تكون مدد االستغالل طويلة ومن جهة احلبس فإن مدة كراء عقارته إذا طالت
قد تؤدي إىل إبطاله لبقاء املكرتي مدة طويلة ،مما يؤدي إىل الظن أنه مالك العقار فيضيع احلبس بذلك.
241
احلقوق العينية العرفية
ﺇﺳﻠﻮﺏ APA
مقدمة:
إن طبيعة احلبس يف الفقه اإلسالمي تقتضى دوامه واستمراراه يف أداء دوره االجتماعي واالقتصادي والثقايف
واحلضاري بشكل عام ،ومن مث حرص الفقهاء على تدبري عقارات األحباس مبا يالئم طبيعتها وأحكام الشريعة اإلسالمية،
وقد كان عقد الكراء من أهم الصيغ اليت يتم هبا استغالل عقارات األحباس ،حيث أدرك الفقهاء منذ وقت مبكر وهم
يواكبون التحوالت اليت يعرفها اجملتمع أن كراء هذه العقارات ينبغي أن حتقق التوازن بني مصاحل احلبس ومصاحل املكرتي،
فمصلحة املكرتي تقتضي متكينه من مدة كافية لالستغالل يتاح له فيها جين مردوديه ما أنفقه من أموال يف هتيئة
وإصالح العني املكرتاة ،وهذا يقتضي أن تكون مدد االستغالل طويلة ومن جهة احلبس فإن مدة كراء عقارته إذا طالت
قد تؤدي إىل إبطاله لبقاء املكرتي مدة طويلة ،مما يؤدي إىل الظن أنه مالك العقار فيضيع احلبس بذلك.
241
احلقوق العينية العرفية
مقدمة:
إن طبيعة احلبس يف الفقه اإلسالمي تقتضى دوامه واستمراراه يف أداء دوره االجتماعي واالقتصادي والثقايف
واحلضاري بشكل عام ،ومن مث حرص الفقهاء على تدبري عقارات األحباس مبا يالئم طبيعتها وأحكام الشريعة اإلسالمية،
وقد كان عقد الكراء من أهم الصيغ اليت يتم هبا استغالل عقارات األحباس ،حيث أدرك الفقهاء منذ وقت مبكر وهم
يواكبون التحوالت اليت يعرفها اجملتمع أن كراء هذه العقارات ينبغي أن حتقق التوازن بني مصاحل احلبس ومصاحل املكرتي،
فمصلحة املكرتي تقتضي متكينه من مدة كافية لالستغالل يتاح له فيها جين مردوديه ما أنفقه من أموال يف هتيئة
وإصالح العني املكرتاة ،وهذا يقتضي أن تكون مدد االستغالل طويلة ومن جهة احلبس فإن مدة كراء عقارته إذا طالت
قد تؤدي إىل إبطاله لبقاء املكرتي مدة طويلة ،مما يؤدي إىل الظن أنه مالك العقار فيضيع احلبس بذلك.
241
وبناء على هذين االعتبارين ،ويف إطار املوازنة بني هاتني املصلحتني ،اختلف آراء الفقهاء يف ذلك ،فرأى املالكية
()1
ورأى احلنفية أن األراضي تكرى أن األراضي العارية تكرى ملدة أربع سنوات ،وتكرى الدور واحلوانيت لسنة واحدة
لثالث سنوات( ،)2فيما ذهب الشافعية واحلنابلة إىل جواز كرائها ملدة طويلة وفق شروط معينة(.)3
ومع مرور الزمن وتغري األحوال تعرضت كثري من عقارات األحباس للخراب ،فاحتاجت إىل من يعمرها
ويصلحها ويعيدها إىل دورة اإلنتاج ،وذلك يتطلب إنفاق وتوظيف واستثمار املال ،ومل يعد الكراء ملدة قصرية يفى هبذا
الغرض،سيما والناس يزهدون ىف كراء عقارات األحباس ملدد قصرية ال متكنهم من اسرتجاع ما قد ينفقونه عليها ومن
االستفادة من االستثمارات املالية اليت قد يوظفوهنا يف تلك العقارات ،هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن احملافظة على
أعيان األحباس وضرورة استثمارها وتعمريها إذا خربت واجبة ،فما العمل واحلالة هذه؟
مل يقف الفقه اإلسالمي مكتوف األيدي أمام هذا الواقع ،بل قام بوضع احللول املناسبة من خالل الفتاوى اليت
صدرت عن الفقهاء واليت تعاجل بقاء هذه األعيان صاحلة ألداء دورها احلبسي ابستمرار الريع الذي قرر احملبس التصدق به
يف وجوه اخلري اليت حددها ،واألسلوب الذي كان ممكنا يف ذلك الوقت لتعمري احلبس واستثماره هو الكراء الطويل األمد
أي الكراء مع التبقية ،وهذا األسلوب هو الذي تكفل بتعمري أعيان احلبس واحملافظة عليها ،ولكن املقابل احلصول على
حق القرار يف هذه األعيان ،وقد ترتب عن ذلك إنشاء بعض احلقوق العرفية العينية عليها.
( - )1يقول الربزيل يف نوازله :يف واث ئق ابن العطار الذي جرى به العمل قباالت أرض األحباس ألربعة أعوام وهذا الذي شاهدانه بقرطبة .ودور األحباس
واحلوانيت إمنا تثكرى عاما فعاما وشاهدان ذلك من قضاهتا مبحضر فقهائها مررا (الربزيل ،جامع مسائل األحكام ،حتقيق حممد اهليلة ،دار الغرب اإلسالمي
،2002ج ،5:ص )365:ويقول احلطاب :أما احلبس على املساجد واملساكني وشبههما فال يكريها الناظر ألكثر من أربعة أعوام إن كانت أرضا ،أو أكثر من
عام إن كانت دارا ،وهو عمل الناس ومضى عليه عمل القضاة ،فإن أكرى أكثر من ذلك مضى إن كان نظر على مذهب ابن القاسم وروايته وال يفسخ
(احلطاب ،مواهب اجلليل شرح خمتصر خليل ،ج ،6:ص 74 :وحممد املواق ،التاج واإلكليل ملختصر خليل ،مكتبة النجاح ليبيا ،ج ،6:ص.)74:
( - )2جاء ىف الفتاوى اهلندية (فقه حنفي) :وإن كان مل يشرتط شيئا نقل عن مجاعة من مشاخينا أنه ال جيوز أكثر من سنة واحدة ،قال الفقيه أبو جعفر أان
أجوز يف ثالث سنني وال أجوز يف ما زاد عن ذلك ...ويف غري الضياع يفيت بعدم اجلواز يف ما زاد على سنة واحدة إال إذا كانت املصلحة يف جوازه ،وهذا أمر
خيتلف ابختالف الزمان واملوضع (الفتاوى اهلندية أتليف مجاعة من علماء اهلند ،دار الرتاث العريب بريوت ،ج ،7:ص.)517 :
( - )3وقد عرب ابن قدامة عن موقف احلنابلة من إكراء األرض ملدة طويلة فقال :ما جاز سنة كالبيع والنكاح واملساقاة ،جاز ألكثر منها (ابن قدامة ،املغين،
كتاب اإلجيارات ،دار الفكر ،1897ج ،6 :ص.)11:
242
وعلى الرغم من حرص املالكية واحلنفية على عدم إطالة مدة الكراء ،فإنه أمام هذا الواقع وهذه التحدايت مل
جيدوا بدا من إجازة كراء عقارات األحباس ملدد أطول من شأهنا أن ترغب الناس يف الكراء عوض أن تظل هذه العقارات
عرضة للخراب والبوار ،سيما إذا مل يكن هلا ريع تعمر به( )7وبناء على هذا فقد قال الفقه جبواز متكني مستغل احلبس من
البقاء فيه ما دام مؤداي لثمن الكراء وهو مثن املثل ،ومن هنا نشأت على أعيان احلبس حقوق عرفية عينية رتبتها عقود
الكراء الطويلة ،وهي حقوق أشبه حبق امللكية رتبت على عقارات األحباس .وأهم هذه احلقوق هي اجللسة واجلزاء والزينة
إن احلديث عن هذه احلقوق يتقضى بيان مفهومها وأصل منشئها وجراين العمل هبا يف الفقه املالكي ،ونقتصر
يف هذا املقام على الكالم عن اجللسة واجلزاء والزينة واملفتاح (مبحث أول) وعن كيفية تنظيم هذه احلقوق يف التشريع
املغريب من عهد احلماية إىل مدونة احلقوق العينية ومدونة األوقاف (مبحث اثن).
املبحث األول :مفهوم اجللسة واجلزاء والزينة واملفتاح ونشأهتا وأحكامها يف الفقه املالكي.
نتكلم يف هذا املبحث عن مفهوم كل حق من هذه احلقوق يف (مطلب أول) فيما نتحدث عن نشأة وأحكام
املطلب األول :مفهوم احلقوق العينية العرفية وبيان أوجه التشابه واالختالف بينها
-1مفهوم حق اجللسة:
حق اجللسة :هو حق قرار مستمر مرتب على عقار معد لالستعمال الصناعي أو التجاري بكراء على التبقية.
( - )7فقد أفىت الشيخ عليش جبوار ذلك فقال :وقد أفىت مجاعة من حمققي املتأخرين جبوازه إجازة الوقف املدة الطويلة ملن يعمره وخيتص بزائد غلته إذا مل يكن
للوقف ريع يعمر به ووقعت اإلجازة ابجرة املثل يف وقتها وجرى العمل بفتواهم إىل اآلن مبصر (حممد الشيخ عليش ،فتح العلي املالك يف الفتوى على مذهب
اإلمام مالك ،دار الفكر ،ج ،2:ص.)238:
243
وقد عرفت اجللسة بتعاريف متنوعة حىت إن الشيخ عبد القادر الفاسي قال :إن للناس فيها اصطالحات وقوانني()5؛
بل إن هذا ما دفع بعض الفقهاء إىل ختصيص كتاب كامل عن اجللسة مساه" :إزالة الدلسة عن وجه اجللسة "(.)6
وع موما فإن تعاريف فقهاء املالكية املغاربة للجلسة ال خترج يف جمملها عن كون اجللسة هي متليك منفعة بكراء على
التبقية(.)4
وحق اجللسة يف التعبري املغريب يقابل حق اخللو عند املصريني( ،)9يقول السجلماسي :مسمى اجللسة بفاس هو املسمى
ابخللو مصر ،واحلكم الذي أفىت به الشيوخ يف اخللو موافق ملا يذكر يف اجللسة( ،)8وقد عرف اخللو أبنه" :اسم ملا ميلكه
وغالبا ما يرتتب حق اجللسة على العقارات املبنية املعدة لالستعمال الصناعي أو التجاري ،كالفرن أو الطاحون
فحق اجللسة قد يرتتب على عقارات احلبس ،وقد يرتتب على عقارات الدولة اخلاصة ،وقد يرتتب على العقارات
اململوكة للخواص ،حسبما يفهم من نصوص الفقهاء( .)11ومبا أننا بصدد احلديث عن حق اجللسة الذي يرتتب على
عقارات احلبس فإننا نسوق مثاال للجلسة املرتتبة على عقار احلبس ذكره املهدى الوزاين ونص الغرض منه بتصرف يسري:
اجللسة جرى القضاء فيها من علماء فاس على التبقية وعدم اخلروج إال برضى املكرتي ،فإذا اكرتى شخص حانوات من
انظر احلباس ملدة من عشرة أعوام مثال وانقضت ،وطلبه ابخلروج النقضاء املدة فأىب ،فليس له أن يلزمه ابخلروج منها إال
( - )5السلجماسي ،شرح نظم العمل الفاسي ،طبعة حجرية ،ج ،1:ملزم ،61ص 4:وما يليها ،وبنظام الصفحات ،ج ،1:ص .793:وما يليها
( - )6أنظر حممد التماق الغرانطي ،إزالة الدلسة عن وجه اجللسة ،خمطوط خاص خبزانة املرحوم حممد املتوين.
( - )4انظر تعاريف اجللسة اليت جلبها الدكتور حممد الصويف يف كتابه :احلقوق العرفية العينية اإلسالمية ،دراسة مقارنة بني الفقه املالكي والقانون املغريب ،الطبعة
الثانية لسنة2005 :م ،ص.778-772 :
( - )9انظر تعاريف اخللو اليت جلبها حممد الصويف فر مرجعه السابق ،ص 755 :وما يليها.
( - )8السلجماسي ،شرح نظم العمل الفاسي ،ج ،1:ص 793:وما يليها.
( - )10حممد عليش ،مرجع سابق ،ج ،2:ص ،278:والسلجماسي ،شرح نظم العمل الفاسي ،ج ،1:ج ،1:ص .793:وما يليها.
( - )11السلجماسي ،شرح نظم العمل الفاسي ،ج ،1:ص 793:وما يليها.
244
برضاه؛ ألن العادة ان ذلك على التبقية ،ولكن يبقى فيها بكراء املثل اآلن ال على ما كانت عليه يف املدة األوىل؛ بل على
فحق اجللسة إذن مرتتب على عقار مبين معد لالستعمال الصناعي أو التجاري بناء على كراء على التبقية،
وعموما فإن حق اجللسة ينشأ مبوجب عقد كراء يلتزم صاحبه مبقتضاه أن جيهز احملل الذي اكرتاه مبا يلزمه من
معدات يتطلبها تعمريه ،فإذا أنشأ هذا احلق كان لصاحبه حق التمتع ابحملل املكرتي على وجه دائم يف مقابل أن يؤدي
ب-مفهوم حق اجلزاء:
حق اجلزاء :هو حق قرار مستمر مرتب على أرض فضاء بكراء على التبقية.
فحق اجلزاء هو يف األصل كراء ملدة معلومة ولكنه جرت العادة أن اجلزاء على التبقية واالستمرار وسكنت نفوس
الناس لذلك(.)17
إن حق اجلزاء هو كحق اجللسة إال أنه يقع على األرض الفضاء الرباح اخلالية من البناء كاألرض املعدة للزراعة
فحق اجلزاء يقع على منفعة أرض براح سواء كانت أرضا لألحباس أو للدولة أو يف ملك اخلواص .ولكل منها
أحكام حاصلها :أن اجلزاء املقام على األرض احملبسة على غري معنيني كالفقراء واملساكني أو املساجد أو اليت للدولة ،فإن
الدخول يف عقد جزائها على التأييد ،وعدم أمر الباين أو الغارس أو من دخل من انحيته بقلع بناءه وشجره .خبالف
اجلزاء املقام على األرض اململوكة للخواص أو األراضي احملبسة على معنيني ،فإن الدخول فيها على عدم التأييد والتجديد
( - )12املهدي الوزاين ،شر نظم العمل الفاسي ،طبعة حجرية ،ج ،1:ص.267:
)13(-د .خالد عبدهللا عيد ،مدخل لدراسة القانون ،نظرية احلق ،ج ،2:ص ،138:وزهدي يكن ،الوقف يف الشريعة والقانون ،طبعة دار النهضة العربية،
بريوت لبنان ،1399 ،ص.133:
( - )17وهذا ما ذهب إليه ابن منظور يف جواب له يف املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوى أهل إفريقية واألندلس واملغرب ،للونشريسى ،خرجه مجاعة من
الفقهاء إبشراف الدكتور حممد حجي ،طبعه دار الغرب اإلسالمي ،نشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية للمملكة املغربية1701 .هـ ،1891/ج،5:
ص.39-34:
245
ابملدة املدخول عليها ،فإذا انقضت فلرب األرض أن يبقى الزينة ألجل آخر يتفقان عليه ،أو أيمره بقلع بنائه وشجرة،
يقول الشيخ مياره" :وهلذا جتد الناس يتنافسون يف جزاء املساكني واملساجد ولو أبعلى مثن ويزهدون يف كراء األرض
فحق اجلزاء كما يكون على أرض احلبس أو أرض الدولة يكون على أرض مملوكة للخواص كما جرى العرف
وغالبا ما كان يقع حق اجلزاء يف الواقع العملي على أرض األحباس اليت ال جيين منها احلبس أي فائدة تذكر،
وهلذا يعمد انظر احلبس إىل تعمريها عن طريق كرائها برتتيب حق اجلزاء عليها ،لكي يستثمرها بطريق الزراعة أو البناء.
ويف ذلك يقول املهدي الوزاين" :وكذلك من أخذ أرض احلبس من الناظر أبجرة يف كل سنة إىل مدة وعمرها ببناء أو
غرس وهو اجلزاء وانقضت املدة وأىب أن خيرج منها فال يلزم ابخلروج منها ،ولكن يبقى أبجرة املثل اآلن"(.)16
فصاحب اجلزاء يصبح له حق عيين اثبت عي العني يستطيع التصرف فيه ابلبيع وغريه من أنواع التصرفات(.)14
وحق اجلزاء يف التعبري املغريب يقابله حق احلكر عند املصريني()19وحق اإلنزال عند التونسيني(.)18
ج-مفهوم حق الزينة
( - )15املهدي الوزاين ،شرح نظم العمل الفاسي ،طبعة حجرية ،ج ،1:ص.240:
( - )16املهدي الوزاين ،مرجع سابق ،ج ،1:ص.267:
( - )14حممد الصويف ،مرجع سابق ،ص.628:
( - )19يقول الشيخ عليش متحداث عن هذا احلق :من استوىل عليه يكون عليه جلهة الوقف أجرة للذي يؤول إليه وقف األرض ويسمى عندان مبصر حكرا لئال
يذهب الوقف ابطال (حممد عليش ،مرجع سابق ،ج ،2:ص( .)273:وقد قال ابن عابدين عن احلكر :إنه حق قرار مرتب على األرض املوقوفة إبجازة مديدة
تعقد إبذن القاضى يدفع فيها احملتكر جلانب الوقف مبلغا يقارب ق يمة األرض ،ويرتب مبلغ آخر ضئيل ليستوىف سنواي جلهة الوقف من احملتكر أو من ينقل إليه
هذا احلق ،على أن يكون للمحتكر حق الغرس والبناء وسائر وجوه االنتفاع)( ،ابن عابدين ،منحة اخلالق على البحر الرقائق ،دار الكتاب اإلسالمي ط،2:
ج ،5:ص .220 :وابن عابدين ،رد احملتار على الدر املختار ،ج ،8:ص .)77:وملزيد من التوضيح ينظر حممد الصويف يف مرجه السابق عند حديثه عن شبه
حق اجلزاء حبق احلكر ،صك 633وما يليها.
( - )18اإلنزال ،جرى به العمل يف تونس ،وهو "كراء ارض الوقف عند انعدام النفع هبا كراء مؤبدا ال ينفسخ وال يزيد وإن تغريت األسعار بتطاول األعصار ملن
يبين أو يغرس على بقاء نزله لتحصل بذلك عمارة الوقف بشرط أن يكون مقدار الكراء املرتب ليس دون قيمة املثل حني العقد "(حممد الطاهر السنوسي ،القانون
العقاري ،تونس1344 ،هـ1859/م ،ج ،1:ص ،)183:وملزيد من التوضيح ينظر حممد الصويف يف مرجعه السابق ،عند حديثه عن شبه حق اجلزاء حبق اإلنزال،
ص.632:
246
يقول املهدي الوزاين :الزينة احملدثة الشائعة وهي قدمية مبصر وتسمى ابملفتاح أيضا مأخوذة من اجللسة وانسخة
هلا؛ ألن األصل أن انظر احلبس أو انئب املخزن يبين احلوانيت واألرحية وحنو ذلك ويكريها لرجل إىل مدة معينة ،والعرف
قاض بعدم خروجه إذا انقضت املدة ،بل جتدد له العقدة كلما انقضت املدة ،فإذا دخل هذا املكرتي للحانوت وللرحى
مثال وضع فيها املوازين واملواعني وسائر ما حيتاج إليه مما يتوقف عليه البيع والشراء من ماله اخلاص به ،ويسمى هذا الكراء
على التبقية جلسة كما تسمى تلك احلوائج املوضوعة يف احلانوت أو الرحى جلسة أيضا ،فإذا أراد املكرتي اخلروج منها،
قبض من غريه ماال ومكنه من مفتاحها وابع له به رفع يد التصرف عنها ،وصار هذا املشرتي من املكرتي هو املتصرف
يف منفعتها ال غري ،فهذه حقيقتها واملبيع إمنا هو رفع اليد ال غري(.)20
وقد عرفت املادة 131من مدونة احلقوق العينية يف فقرهتا األوىل حق الزينة الذي يقع على عقارات اخلواص
بقوهلا" :الزينة حق عيين خيول صاحبه ملكية البناء ،الذي شيده على نفقته فوق أرض الغري".
د-مفهوم حق املفتاح:
قال الفقيه سيدي حممد بن أمحد التماق يف أتليفه الذي مساه" :إزالة الدلسة عن وجه اجللسة" ما نصه" :رمبا مسعنا عن
بعض األسواق املغبوطة يف هذه األزمنة كالقيسارية والعطارين أن من تكون بيده احلانوت يبتغي أن يعطيه الداخل برضاه
ما يتفقان عليه فيما بينهما لريفع يده عنها ويسمون ذلك شراء املفتاح من املساكن ،وال مدخل يف ذلك لذي األصل
الذي عقده أوال للساكن أو ذي املنفعة ،وانظر هنا هذا احلادث فهو غري اجللسة على كل حال ،وأتمل هل هو من معىن
اخللو أيضا عند املشارقة أو اخللو قطعا هو كما قرر نظري اجللسة"(.)21
وقد جزم املهدي الوزاين أبن اخللو مبصر هو شراء املفتاح بفاس(.)22
( - )20املهدي الوزاين ،شرح نظم العمل الفاسي ،مرجع سابق ،ج ،1:ص.266:
( - )21املهدي الوزاين ،شرح نظم العمل الفاسي ،مرجع سابق ،ج ،1:ص.264-266:
( - )22املهدي الوزاين ،مرجع سابق ،ج ،12:ص.269:
247
قد التبس مفهوم هذه احلقوق العرفية العينية؛ ألهنا من واد واحد ونظر خلطوط التماس بينها حىت إن الرأي
الغالب يف املغرب يذهب إىل اعتبار اجللسة وال الزينة واخللو واملفتاح مصطلحات لشيء واحد هو حق املنفعة األبدية،
واحلقيقة أنه رغم ما بني حق اجللسة خصوصا وحق الزينة من تشابه إال أنه مع ذلك ال ميكن استعماهلا كمرتادفتني؛ ألنه
إذا صح أن كل حق جلسة هو حق زينة ابلعكس غري صحيح؛ فحق الزينة قد يكون حمله حق اجللسة ،وهذا ما درج
عليه عمل أهل فاس الذين كانوا يعتربون الزينة فرعا من اجللسة ويفرقون بني مالك الرقبة وصاحب اجللسة وصاحب
الزينة.
فصاحب اجللسة يستطيع أن ينشئ على حقه حق زينة حبيث يتجزأ حق اجللسة بني صاحبه من جهة وبني من
وقد حاول الدكتور حممد ابن معجوز التمييز بني هذه املصطلحات فقال بعد أن عرف اجلزاء" :وأما الزينة :فرياد
هبا التجهيزات اليت يقيمها املكرتي يف الدكان أو الفندق أو احلمام الذي يكرتيه على أساس اجللسة من جتهيزات ورفوف
كما يراد ابلزينة أيضا البناء والغرس الذي حيدثه املكرتي ألرض اجلزاء وعلى احلق الذي اكتسبه املكرتي يف
اجللسة واجلزاء.
وغالبا ما تقع هذه األنواع من الكراء على العقارات احملبسة ولكن ال مانع من ان تقع على العقارات اململوكة
ألصحاهبا(.)27
أما املفتاح فهو احلق الذي ينشأ للشخص الذي يكري العقار املبين كالدكان أو احلمام ليستغله على وجه
الدوام .ولتقريب هذه احلقوق من األذهان نقول :لو فرضنا أن شخصا (علي) اكرتى دكاان من األحباس كراء مؤبدا مبائة
درهم يف الشهر ،مث جهزه مبا يلزم لتسيريه من رفوف وخزائن وأصبح يستغله يف جتارب الثياب .ولو فرضنا أنه مبجرد أن
( - )23مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري واحلقوق العينية األصلية والتبعية ،طبعة بدون اتريخ )c /748( ،ص.621:
( - )27وانظر أيضا مأمون الكزبري مرجع سابق ،ص.614:
248
أكرتى الدكان من األحباس أكراه بدوره كراء مؤبدا (خلالد) مبائيت درهم ،مث قام خالد بتجهيز هذا الدكان ابلرفوف
واخلزائن وواجهة وغري ذلك مما يلزم الستغالله مث أكراه بدوره (لزيد) خبمسمائة درهم يف الشهر.
فإن األحباس تبقى مالكة للرقبة فقط أما على فيعترب يف الفرضية األوىل مالكا للجزاء مبا يشتمل عليه من حق
البقاء ،وما جهز به الدكان وحقه يف اإلجتار فيه على الدوام .أما يف الفرضية الثانية فإننا جند هذه احلقوق اليت كانت لعلي
قد تفرقت فأصبح حقه مقتصرا على حق اجللسة أي الكراء املؤبد بينما يكون خالد مالكا للزينة اليت هي التجهيزات
وحق الكراء املؤبد أيضا يف حني إن زيدا يصبح مالكا للمفتاح الذي يتمثل يف الكراء املؤبد.
ونفهم من هذا أنه ميكن أن يكون مالك اجللسة والزينة واملفتاح أو اجلزاء والزينة شخصا واحدا ،...كما ميكن أن
وغالبا ما يكون الكراء الذي يؤد يه األول (أي صاحب اجللسة أو اجلزاء) أقل مما يؤديه املكرتي الثاين (أي مالك
املطلب الثاىن:نشأة وأحكام اجللسة واجلزاء والزينة واملفتاح ىف الفقه املالكى املغرىب
إن نشاة اجللسة واجلزاء والزينة واملفتاح ومايضارعها من احلقوق جتد مصدرها ىف العرف الذى جرى به
العمل بفاس ،قال انظم عمل فاس عطفا على األمور الىت جرى هبا العمل بفاس:
وقد شرح الناظم هذا البيت ،وأطال النفس فيه ،ومما قاله :إنه مما جرى به العمل كون اجللسة واجلزاء على التبقية
وأن لصاحبها يدا يقدم هبا على غريه وأن العادة بذلك جارية بفاس وأن اجللسة واجلزاء من األمور غري املنصوصة يف الفقه
( - )25حممد ابن معجوز احلقوق العينية يف الفقه اإلسالمي والتقنني املغريب ،الطبعة الثانية ،1888- 1718 ،ص.706-705:
249
وغري جارية على املنصوص إال أنه عرف مصطلح عليه إىل أن قال :هكذا أدركنا لوقتنا وما قرب منه ووجدان احلكم به ،مث
جلب بعد ذلك العديد من فتاوى شيوخ وكبار علماء فاس املتأخرين ،وقد قال القاضي ابن سودة يف جواب له بني فيه
العرف اجلاري وما وقع عليه العمل قال فيه :اجللسة جارية جمرى الغرس يف أراضي األحباس وهي على التبقية يف حوانيت
احلبس وقاعات األرحى ،فإذا انقضت املدة اليت وقع العقد عليها ووقع التشاح ألزم ذو اجللسة بكراء وسط على املعروف
وقت النشاح عليها ،وألزم ذو األصل قبوله ،وإن اتفقا على تقومي اجللسة ،قومت قيمة عدده على أهنا تقوم منفصلة عن
األصل ،وإن شاء صاحب اجللسة رفع أنقاضه اليت ال حق لغريه فيها فله ذلك ،وال مقال لرب األصل يف إلزامه املكث
بكراء وسط وال يف تقومي عليه وال قلع؛ ألهنا جارية جمرى األجزية وعقودها ،وال خيفى حكمها اجلاري يف األحباس.
وقال عبد الواحد ابن عاشر :إن اجللسات ال أصل هلا ولكن جرت عادة أهل فاس ابعتبارها واالعتماد عليها،
وذلك ملصلحة ظهرت هلم فيه لصاحب األصل ،وهي أن صاحب اجللسة يلتزم تعمري املوضع ملا فيه من العدة وإن كان
وقد أفىت اإلمام ابن عاشر يف مسألة اجللسة وما يشبهها ابلبطالن واملنع(.)24
وقد سئل الشيخ ابن مياره عن اجللسة اليت جرى هبا عمل الناس يف احلوانيت هل جتوز أم ال؟ فأجاب أبنه مل
يقف على نص يف املسألة ،وأن صورهتا يف العرف الفاسي على وجهني :أحدمها أن يقع العقد على اجللسة املشتملة على
كذا وكذا .واثنيهما أن يقع على اجللسة جمملة ،مث قال :فلو مل يكن إال هذا القدر جلازت األوىل وامتنعت الثانية للجهل
ابملبيع .لكن الضمائر منعقدة على أمور آخر منها أن املقصود األهم للمشرتي بقاء ما مساه مشرتى ابحلانوت على التأييد
ملنفعة صاحب األصل من اعتمار أصله ومن كرائه ،ومنها أن قد تكون اجللسة املبيعة ال مسمى هلا رأسا وكان قصد
املتبابعني ما تقدم من مالزمة املوضع على التأييد والتحجري على صاحب األصل ،إىل غري ذلك من األمور املخالفة
للشريعة مما يقتضي منع بيعها؛ ألن بيعها وسيلة إىل هذه األمور املمنوعة ،ووسيلة احلرام حرام ،وجرى العمل هبا ال
( - )26السلجماسي ،شرح نظم العمل الفاسي ،مصدر سابق ،ص 793 :وما يليها.
( - )24الدسوقي ،حاشية الدسوقي على خمتصر خليل ،ج 3:ص ،733:وانظر أيضا :عمر اجليدى ،العرف والعمل يف املذهب املالكي ،مطبعة فضالة ،احملمدية،
1707هـ 1897م .ص 769:وما بعدها.
250
يبيحها ،وكم من حمرم جرى العمل به ،مث إنه وقع التمالؤ واالصطالح يف هذه األعصار من بعض أصحاب األصول
السيما أهل األحباس أهنم ال خيرجون من عقدوا له يف ذلك إال برضاه؛ ملا رأوا من مصلحتهم يف ذلك ،فهو عندهم على
التبقية؛ وألجل مراعاة التبقية تنافس الناس يف شراء هذه العقد وتوليتها .وإذا كان األصل شراء املنفعة ابلكراء املؤجل
الذي ال نزاع يف جوازه ،مل يضر اعتبار مالحظة التبقية معه؛ بل لو جترد هذا االعتبار وعرى عن العقدة حيث ينصرم
األجل ما ضر أيضا ،وكانت التولية وإعطاء املال على ذلك جائزا ،ملا تقدم أن أصحاب األصول مصطلحون على عدم
إخراج أصحاب العقد لكن إن شاؤوا زادوا عليهم يف الكراء فإن رضوا وإال رفعوا نزاعهم ،فهذه األولوية والتقدمي عىب الغري
بسبب السبق هي املقصودة ،ويبذلون فيها الدراهم لريفعوا نزاعهم ويتوىل الداخل العقد من صاحب األصل ،ولوال رفع
اليد األوىل ما وجد هذا الثاين إىل ذلك سبيال .وإذا كان املقصود رفع اليد مل يضر ما يكتب من خالفة؛ إذ ال يعترب يف
العقود اللفظ املخالف للمقصود كما قاله التازغدري ،كما أنه ال عربة بتعبري املوثق عن اجللسة مباعون احلانوت املشتمل
على كذا وكذا؛ إذ لو كان املاعون منفردا ملا بيع بذلك الثمن وال ما يقاربه(.)29
وقد حذر أمحد ب ن عبد العزيز اهلاليل من امور جرى هبا العمل يف بعض البلدان ومل يظهر ملا مستند فقال ما
نصه " :ومنها مسألة اجللسة واجلزاء ،فهما خمالفتان للشرع ،وعولوا فيهما على جمرد العادة ،واستأنس بعضهم بظواهر ال
تشهد هلم"(.)28
وذكر ابن عابدين من احلنفية نقال عن ابن عبد الرمحن العمادي مفيت دمشق أبن القول ابخللو الذي يقابل
وقد جرت مناظرة بني الفقيهني أيب القاسم التازغدري وأيب حممد عبد هللا بن حممد العبدوسي حول موضوع
اجلزاء ،وقد كان القول النهائي للتازغدري أن اجلزاء حق اثبت جرى به العرف فال جيوز لوكيل السلطان الذي ابع شقصا
( - )29السلجماسي ،شرح نظم العمل الفاسي ،مصدر سابق ،ص 793:وما يليها .وقد جلبنا جواب الشيخ ابن ميارة بتصرف رغم طوله؛ ألنه جامع مانع
للجلسة وما يشبهها وأنواع العقود اجلارية عليها وحقيقتها وما جيوز منها وما ال جيوز.
( - )28أمحد بن عبد العزيز اهلاليل ،كتاب نور البصر على خطبة املختصر ،طبعة حجرية طبعت سنة1303هـ ،ملزم ،12:ص 7:وبنظام الصفحات ،ص.87:
( - )30ابن عابدين ،رد املختار على الدر املختار ،حتقيق :عادل أمحد عبد املوجود دار الكتب العلمية بريوت ،1887ج ،8:ص.35
251
وخالصة أقوال العلماء املغاربة يف مسألة اجللسة واجلزاء وشبههما ،أن كل ذلك ال أصل له يف الشرع ولكن
جرت عادة أهل فاس ابعتبارها واالعتماد عليها ملا راوه من مصلحة فيها وهي عقد كراء على التبقية(.)32
وعموما فالناس يرجون على أعرافهم وعوائدهم والعادة حمكمة وهي إحدى القواعد اليت يبين عليها الفقه(.)33
وقد أفىت علماء املغرب جبواز اجلزاء ،فقال به ابن سراج وابن منظور من علماء الغرب اإلسالمي ونصر الدين اللقاين من
مصر(.)37
تنبيه :البد من اإلشارة إىل أن احلقوق العينية العرفية عموما واملشار إليها أعاله خصوصا تقع أكثر ما تقع على
العقارات املوقوفة وعلى أمالك الدولة اخلاصة ،وإن كان ليس هناك ما مينع من ترتيبها على عقارات اخلواص.
نتحدث يف هذا املبحث عن تنظيم هذه احلقوق يف تشريعات احلماية (مطلب أول) وعن تنظيمها يف مدونة
إن احلقوق العينية العرفية سواء املرتبة على عقارات الدولة أو عقارات اخلواص أو عقارات األحباس ،ظلت
خاضعة لألعراف والعوائد اليت تراعي حفظ مصاحل كل األطراف ،وإذا كانت الدولة واخلواص حيرصون على حفظ ومراعاة
مصاحلهم جتاه أصحاب احلقوق العرفية ،فإن مصاحل األحباس والسيما األحباس العامة مع مرور الوقت تعرضت لكثري
جبملة من النصوص القانونية منذ فجر احلماية يف حماولة إلعادة التوازن ورفع الغنب والضيم واإلجحاف الذي طال عقارات
األحباس العامة ،وكان أهم هذه النصوص الظهري الشريف الصادر بتاريخ فاتح ربيع الثاين 1332املوافق لـ ( 24فرباير
وقد جاء يف ديباجة هذا الظهري ما نصه" :إننا ملا رأينا ما عليه األحباس العامة مبملكتنا الشريفة من الضياع
والتفريط يف هذه األعوام املتأخرة خصوصا فيما يرجع للجزاء واالستئجار واجللسة والزينة وشبهها مما يسمى ابملفتاح
والغبطة والعرق واحلالوة وحنو ذلك ،اقتضى نظران الشريف عرض ذلك على جلنة من العلماء تنظر حقيقة أمرها لينتج ما
يتعني شرعا وعرفا يف شأهنا ،وحتفظ بذلك حقوق األحباس ،وتراعي مصلحة من بيده من عامة الناس ،فاجتمعت اللجنة
املذكورة وتفاوضت مع رجال دولتنا السعيدة ،فاتضح ان احلق واإلنصاف ،زايدة واجب األحباس يف الكراء؛ ألنه مغبون
بال نزاع وال خالف ،كما أن بيع تلك املنافع جائز ألرابهبا حسبما جرى به العرف يف مملكتنا السعيدة ،لكن حيث كان
الناس تسارعوا لشراء منافع أمالك األحباس من غري علم منهم ذلك من الغنب وااللتباس ،وهتافتوا عليها متغافلني عما
يلزمهم من درك عواقبها ،رأينا يف املصلحة املتعينة ،والرفق والشفقة على الرعية ،أن أتمر مبا ال جيحف بعامة الناس وال
وقد أقر الفصل األول من هذا الظهري هذه احلقوق العرفية وثبتها على ما كانت عليه سابقا ملن بيده شيء منها
كما سوغ يف فصله الثاين ملن بيده هذه احلقوق التصرف فيها ابلبيع وحنوه طبق مقتضيات فصول هذا الظهري.
وأما الفصل الثالث من هذا الظهري فقد نظم كيفية اقتسام املتحصل من كراء هذه األمالك اليت ترتب عليها
احلقوق العرفية املشار إليها أعاله فنص على انه " :يقسم الكراء املتحصل من األمالك اليت فيها اجللسة وما عطف عليها
على النسبة اآلتية سبعون ابلباء املوحدة يف املائة ( )%40لصاحب املنفعة والثالثون الباقية ( )%30جلانب احلبس."...
253
فيما صرحت الفقرة األوىل من الفصل السادس على انه ":ال يزاد وال ينقص يف واجب احلبس على النسبة
املتقدمة ،ويستمر العمل بذلك دائما حبيث تكون الثالثون يف املائة هي واجب احلبس من الكراء احلقيقي".
بينما نص الفصل الثامن على تقدير قيمة الكراء احلقيقي بواسطة جلنة كل ثالثة أعوام ،فتقوم اللجنة بتقدير
الكراء احلقيقي ،وذلك فيما يتعلق ابجللسة وما أشبه ذلك من املفتاح والزينة وتقوم بتقدير مثن رقبة البقعة فيما يتعلق
ابجلزاء.
وفيما يتعلق مبا يلزم من الصوائر للبناء واإلصالح يف نفس اجللسة واملفتاح وشبهها .خبالف اجلزاء واالستئجار،
أما الظهري الشريف الصادر بتاريخ 4رمضان 9(1337يوليوز )1816املتعلق بضبط أمر املعاوضات يف
أمالك األحباس الىت عليها املنفعة فقد نص يف فصله الثاين على كيفية هذه املعاوضة حسب النسبة املشار إليها يف ظهري
ومن النصوص اليت وردت فيها اإلشارة إىل احلقوق العينية العرفية ظهري 18رجب لسنة 1333امللغى يف فقرته
العاشرة من الفصل الثامن ،وإن كان هذا الظهري مل يتعرض لتعريف هذه احلقوق وال إىل تنظيمها ،فإنه اكتفى يف الفصل
184ابلقول" :إن احلقوق العرفية اإلسالمية املشار إليها يف الفقرة العاشرة من الفصل الثامن من هذا الظهري تبقى
وقد جعل الفصل العاشر من ظهري 8رمضان 12( 1331غشت )1813بشأن التحفيظ العقاري من ضمن
األشخاص الذين حيق هلم طلب التحفيظ ،املتمتع حبق عيين من احلقوق املتفرعة عن امللكية حسب قواعد الشريعة
كما ان القرار الوزيري الصادر بتاريخ 20رجب 3( 1333يونيو )1815يف فصله 14جيعل ما بني الذين
حيق هلم طلب إقامة رسوم خاصة تكون يف اسم املنتفع ،أو املتمتع ...أو من له حق من احلقوق العرفية اإلسالمية كاجلزاء
254
وذلك بقصد التسجيل القانوين للحقوق العينية أو التكاليف العقارية اليت ميكن أن تنشأ على ...احلقوق املشار
إليها أعاله.
تنبيه :احلقوق العرفية العينية إذا كانت واردة على عقار حمفظ فالبد من تسجيلها يف رمسه العقاري ليمكن
االحتجاج هبا ضد اجلميع مبا يف ذلك مالك رقبة ذلك العقار نفسه(.)35
وهذا ما كان ينص عليه أيضا الفصل الثاين من ظهري 18رجب 1333امللغى بقوله" :إن ضمان احلقوق
العينية أو التكاليف العقارية ولو بني األطراف ال حيصل إال إبعالهنا عن طريق تقييدها بصفة موجزة يف السجالت
وقد طبق القضاء هذه املقتضيات على احلقوق العرفية العينية ،وبصورة خاصة على حق الزينة ،وهكذا جاء يف
قرار للمجلس األعلى (حمكمة النقض حاليا) ":إن حق الزينة حسب الفصل 9من ظهري 2يونيو 1815يعترب حقا
عقاراي وأن الفصل 184من نفس الظهري عندما نص على أن احلقوق العينية اليت نص عليها الفقه الواردة يف الفصل 9
ومن بينها حق الزينة تبقى خاضعة للقواعد اليت حتكمها ،ال حيدد إال القواعد اجلوهرية ،وعليه فإن احملكمة صادفت
الصواب عندما اعتربت أنه ال ميكن االحتجاج حبق الزينة الذي مل يقع تسجيله يف السجل العقاري"(.)36
وقد كان ظهري 18رجب امللغى ينص على أنه ميكن أن تكون احلقوق العرفية العينية حمال النتفاع يرتتب عليها
كما كان من املمكن أن تكون هذه احلقوق حمال لرهن رمسي تتحمل به وفق ما نص عليه الفصل 159من
هذه هي أهم النصوص العامة واخلاصة اليت تناولت موضوع احلقوق العرفية العينية ،فماذا عما تضمنته كل من
مدونة احلقوق العينية ومدونة األوقاف والنصوص ذات الصلة بشأن هذه احلقوق ذلك ما يعرض له املطلب املوايل.
( - )35انظر مقتضيات الفصلني 66و 64من ظهري التحفيظ العقاري قبل تعديلهما وتتميمهما ابلقانون رقم .17-04
( - )36قرار عدد ،301 :صادر بتاريخ 13ابريل ،1866منشور مبجلة قضاء اجمللس األعلى ،العدد ،8 :يونيو ،1868ص ،57:وقد أشار إليه مأمون
الكزبري يف مرجعه السابق ،ص.161-160:
( - )34ملزيد من اإليضاح ينظر مأمون الكزبري ،املرجع السابق ،ص619:
255
املطلب الثاين :تنظيم احلقوق العينية العرفية يف مدونة احلقوق العينية ومدونة األوقاف
إن مدونة احلقوق العينية رقم 38 .09اليت ألغت ظهري 18رجب قد نصت على احلقوق العرفية اإلسالمية يف
مادهتا التاسعة ( )8بقوهلا" :احلق العيين األصلي هو احلق الذي يقوم بذاته من غري حاجة إىل أي حق آخر يستند إليه.
واحلقوق العينية األصلية هي :حق امللكية؛ حق االرتفاق والتحمالت العقارية؛ حق االنتفاع؛ حق العمري؛ حق
االستعمال؛ حق السطحية؛ حق الكراء الطويل األمد؛ حق احلبس؛ حق الزينة؛ حق اهلواء والتعلية؛ احلقوق العرفية املنشأة
كما نظمت املدونة بعض احلقوق العرفية العينية اليت ترتتب على عقارات اخلواص كحق الزينة الذي مت تنظيمه يف
املواد من 131إىل ،134كما حددت املدة القصوى اليت ال ميكن أن يتجاوزها هذا احلق يف أربعني سنة كما أشارت
أما حق اجللسة وحق اجلزاء وما يشبههم ا من احلقوق العرفية اليت يكون حملها العقارات اململوكة للخواص فلم يتم
تنظيمها.
كما أن املادة الثانية من مدونة احلقوق العينية تبنت نفس ما كان يتبناه الفصل الثاين من ظهري 18رجب
امللغى ،وهكذا جاء يف الفقرة األوىل منها" :إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات اتبعة إلنشائها حتفظ احلق الذي
تنص عليه وتكون حجة يف مواجهة الغري على أن الشخص املعني هبا هو فعال صاحب احلقوق املبينة فيها".
كما أن الفصل 66من ظهري التحفيظ العقاري كما مت تعديله وتتميمه استمر يف النص على أن ":كل حق
عيين متعلق بعقار حمفظ يعترب غري موجود ابلنسبة للغري إال بتقييده ،وابتداء من يوم التقييد يف الرسم العقاري من طرف
يضاف إىل ذلك أن الفصل 64من ظهري التحفيظ العقاري كما وقع تعديله وتتميمه ابلقانون رقم17-04 :
جاء فيه ما نصه ":إن األفعال اإلرادية واالتفاقات التعاقدية ،الرامية إىل أتسيس حق عيين أو نقله إىل الغري أو اإلقرار به
256
أو تغيريه أو إسقاطه ال تنتج أي أثر ولو بني األطراف إال من اتريخ التقييد ابلرسم العقاري ،دون اإلضرار مبا لألطراف
من حقوق يف مواجهة بعضهم البعض وكذا إبمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاهتم"
ومبا ان احلقوق العرفية هي من احلقوق العينية ،فإنه إذا ما تعلق األمر برتتبها على عقار حمفظ فإن الفصلني 66
و 64املشار إليهما أعاله تطبق مقتضياهتما على هذه احلقوق أيضا.
وإذا كانت مدونة احلقوق العينية مل تنص على مكنة ترتيب بعض احلقوق العينية على احلقوق العرفية العينية
كاالنتفاع والرهن الرمسي كما كان ينص على ذلك ظهري 18رجب امللغى يف الفصلني 34و ،159فإن كل من املادة
133واملادة 170من مدونة احلقوق العينية قد نصت على إمكانية ترتيب بعض احلقوق على كل من حق الزينة وحق
اهلواء والتعلية ،وهكذا نصت املادة 133على أنه" :ميكن لصاحب حق الزينة أن يفوت البناء الذي أحدثه وأن يرهنه
ويرتب له أو عليه حقوق ارتفاق يف احلدود اليت جيوز له فيها مباشرة هذا احلق".
فيما نصت الفقرة األوىل من املادة 170على أنه" :جيوز لصاحب حق اهلواء والتعلية أن يفوته أو يرهنه أو يرتب
وإذا كان الفصل 10من ظهري التحفيظ العقاري قبل تعديله وتتميمه ينص على أن املتمتع أبحد احلقوق العرفية
من ضمن الذين حيق هلم طلب التحفيظ ،فإنه بعد التعديل والتتميم هلذا الفصل مبقتضى القانون رقم ،17-04 :اختفت
هذه اإلشارة ،وإن كانت قد متت اإلشارة يف الفقرة الثالثة منه إىل أن من ضمن من حيق هلم طلب التحفيظ :املتمتع أبحد
احلقوق العينية اآلتية :حق االنتفاع ،الكراء الطويل األمد ،الزينة ،اهلواء والتعلية ،احلبس.
فقد ألغى ال تعديل الفقرة الرابعة اليت كانت ختول من يتمتع ابحلقوق املتفرعة عن امللكية وفقا للفقه اإلسالمي
يستفاد من التعديل أن املشرع مل يعد يقرر مجيع احلقوق العينية املتفرعة عن امللكية طبقا لقواعد الشريعة
اإلسالمية وإمنا اقتصر فقط على حق الزينة ،وحق اهلواء والتعلية ،وحق احلبس .أما احلقوق اإلسالمية األخرى كاجللسة
257
واجلزاء واملفتاح وأشباهها ،فلم يعد املشرع يعتد بتقدمي مطلب التحفيظ بشأهنا ،وال مدى قابليتها للتقييد يف الرسم
العقاري.
إن احلقوق العرفية اإلسالمية اليت كانت قائمة قبل دخول مدونة احلقوق العينية حيز التنفيذ( )39هي وحدها اليت
تقبل التقييد(.)38
والتساؤل املطروح هو :هل حيق ملن يتمتع حبق من احلقوق العرفية اليت كنت قائمة بوجه صحيح قبل دخول
مدونة احلقوق العينية حيز التنفيذ طلب إقامة رسوم خاصة تكون يف امسه وذلك بقصد التسجيل القانوين للحقوق العينية
وإذا كانت مدونة احلقوق العينية مل تنظم احلقون العرفية العينية املرتتبة على عقارات األحباس ومل تعرفها ،فإهنا
نصت يف مادهتا األوىل ع لى أن مقتضيات هذا القانون تسري على امللكية العقارية واحلقوق العينية ما مل تتعارض مع
تشريعات خاصة ابلعقار ،وأنه تطبق مقتضيات قانون االلتزامات والعقود فيما مل يرد به نص يف املدونة ،فإن مل يوجد نص
فيه يرجع إىل الراجح واملشهور وما جرى به العمل من الفقه املالكي ،ومبا أن املادة 130من نفس املدونة نصت على
أنه" :تطبق على حق احلبس األحكام الواردة يف مدونة األوقاف" ،فإنه وفقا لكل هذه املقتضيات نعود هبذا الشأن إىل
القانون اخلاص املتعلق ابألحباس واحلقوق العرفية العينية املرتتبة على عقاراهتا ،أي إىل مدونة األوقاف وخصوصا املواد من
103إىل .104وكذا إىل ظهري 24فرباير 1817املتعلق ابجلزاء واالستئجار واجللسة واملفتاح والزينة كما وقع تغيريه
وتتميمه ،والذي أشارت مدونة األوقاف يف مادهتا 166إىل أن أحكامه تبقى سارية املفعول ابلنسبة للحقوق العرفية
املنشأة قبل دخول هذه املدونة حيز التنفيذ على األموال املوقوفة وقفا عاما إىل حني انقضائها وفق أحكام املادة 105
( - )39نصت املادة 8كما سبقت اإلشارة إليه أعاله :ابإلضافة إىل احلقوق العرفية اليت نظمتها على" :احلقوق العرفية املنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا
القانون حيز التنفيذ" .أما اجللسة واجلزاء وشبههما مما مل تنص عليه املادة 8فلم يعد يعرتف هبا بعد دخول املدونة حيز التنفيذ.
( - )38د .عمر أزكاغ ،مستجدات ظهري التحفيظ ،مقال منشور على االنرتنت يوم اجلمعة 30ديسمرب .2011
( - )70كما كان ينص على ذلك الفصل 14من القرار الوزيري الصادر 10رجب 1333موافق 3يونيو 1815بشأن تفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري.
ووفق ما كان ينص عليه كل من الفصل 34والفصل 159من ظهري 18رجب امللغى ،كما سلفت اإلشارة إىل ذلك أعاله.
258
من مدونة األوقاف .وإىل أحكام الفقه املالكي فقها واجتهادا مبا يراعي فيه حتقيق مصلحة الوقف وذلك عندما ال يوجد
ويبدو أن هنا ك انسجاما اتما بني مدونة احلقوق العينية ومدونة األوقاف؛ عندما تبنت كل منهما نفس النهج يف
احلد والتضييق من جمال إنشاء احلقوق العرفية العينية ،حيث نصت املادة 103من مدونة األوقاف يف فقرهتا األوىل على
أنه" :ال جيوز إنشاء أي حق من احلقوق العرفية من زينة أو جلسة أو جزاء أو مفتاح أو استئجار أو غبطة أو عرف أو
فيما نصت الفقرة احلادية عشرة من املادة 8من مدونة احلقوق العينية على أن من ضمن احلقوق العينية
األصلية" :احلقوق العرفية املنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ" .ومبفهوم املخالفة فال عربة ابحلقوق
العرفية اليت قد تنشأ بعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ ،ألهنا غري قانونية ،مبعىن أنه مل يعد هناك جمال إلنشاء حق
اجللسة أو اجلزاء او املفتاح وما يشبههما من احلقوق العرفية العينية اليت مل تذكر ضمن ما نصت عليه املادة 8أعاله بعد
وقد أكدت مدونة احلقوق العينية أن احلقوق العينية العقارية املذكورة يف املادة 8واملادة 10هي على سبيل
احلصر ،وهكذا نصت املادة 11منها على أنه" :ال جيوز إنشاء أي حق عيين آخر إال بقانون".
لكن من خالل املادة 105من مدونة األوقاف يبدو أهنا فقدت بوصلة االنسجام مع املنظومة الفقهية اليت
تستند إليها هذه احلقوق العرفية العينية وهي األحكام والعوائد واألعراف والفتاوى الفقهية لكثري من علماء املالكية اليت
نصت على أن ترتيب هذه احلقوق العرفية على عقارات األحباس هي على وجه الدوام ،وهو الذي مل جيد معه مشروع
احلماية بدأ يف إطار االنسجام مع األعراف والعوائد اإلسالمية من النص عليه يف ظهري 24فرباير 1817يف فصله األول
بقوله" :إن منفعة اجلزاء وما ذكر أعاله ابقية اثبتة على ما كانت عليه سابقا ملن بيده شيء منها على وجه مسلم يف
ذلك".
259
كما أكد على ذلك نفس الظهري يف فصله السادس حيث قال فيه ابحلرف" :ال يزاد وال ينقص يف واجب
احلبس على النسبة املتقدمة ويستمر العمل بذلك دائما حبيث تكون الثالثون يف املائة هي واجب احلبس من الكراء
احلقيقي".
وحفاظا على استقرار املعامالت فإن املنطق ا لقانوين يفرض أن القانون اجلديد واملتمثل يف مدونة األوقاف ال
ينبغي أن يؤثر على املراكز القانونية اليت كانت قائمة قبل وجوده ،فما ابلك واملادة 105منه مل تكتف ابلتأثري على املراكز
القانونية ألصحاب هذه احلقوق ،بل ذهبت مذهبا بعيدا وحجرت كثريا على أصحاب هذه احلقوق وذلك ابإلجهاز
عليها وإلغائها هنائيا مبرور عشرين سنة من دخول مدونة األوقاف حيز التنفيذ ،إذ جاء يف هذه املادة يف فقرهتا األخرية
بعد أن نصت على أسباب انقضاء احلقوق العرفية ما نصه" :كما تنقضي هذه احلقوق يف مجيع احلوال مبرور عشرين سنة
أما املادة 107فقد طمت الوادي على القرى فنصت ابحلرف على أنه" :ال تشمل احلقوق العرفية املنشأة على
أمالك وقفية عامة احلق يف اهلواء ،ويعترب هذا األخري حقا خالصا لألوقاف العامة".
فأين حنن من أن العقد شريعة املتعاقدين اليت أشار إليها لفصل 230من .ق .ل .ع املغريب؟
وإذا كان تربير ذلك حبماية مصلحة األوقاف فإن ذلك ال يقتضي اإلجحاف على من بيده هذه احلقوق ،فكما
جيب احلرص على عدم التفريط يف األحباس ينبغي كذلك احلرص على عدم التفريط ىف األحباس ينبغى كذلك احلرص
على عدم إدخال ما ليس منها فيها ،فمشرع احلماية – وهو يراعي مصلحة األحباس-كأن أرحم أبصحاب هذه
احلقوق من مشرع اليوم ،حيث كان من مجلة ما نص عليه يف ديباجة ظهري 1817ابحلرف ..." :رأينا يف املصلحة
املتعينة والرفق والشفقة على الرعية أن أنمر مبا ال جيحف بعامة الناس وال يبقى فيه غنب جمحف على جانب األحباس".
( - )71تنص الفقرات األوىل من املادة 105على ما يلي" :يعترب سببا النقضاء احلقوق العرفية املنشأة على األمالك الوقفية العامة:
-هالك البناءات أو املنشآت أو األغراس املقامة على هذه األمالك والعائدة إىل صاحب احلق العريف؛
-عدم أداء صاحب احلق العرقي الوجيبة الكرائية ملدة سنتني متتاليني .ويف هذه احلالة نسرتد األوقاف احملل مبنافعه ،ومينح صاحب احلق األسبقية يف كرائه.
-تصفية هذه احلقوق إبحدى الطرق املنصوص عليها يف املادة 106بعده".
260
فكما أن مصلحة األحباس ينبغي أن تراعي وأن يرفع عنها الغنب واإلجحاف كذلك ينبغي مراعاة أصحاب هذه احلقوق
من أن يلحقهم أي شطط أو إجحاف .فقد وازن مشرع احلماية بني املصلحتني بناء على قاعدة ال ضرر وال ضرار.
أما اشرتاط مدونة األوقاف أال تتجاوز مدة هذه احلقوق عشرين سنة من اتريخ دخوهلا حيز التنفيذ – إن مل
تكن قد انقضت هذه احلقوق العرفية العينية قبل ذلك أبحد األسباب اليت ذكرهتا هذه املادة ،أو مل يكن قد مت تصفيتها
قبل هذه املدة أيضا بطريقة من الطرق اليت نصت عليها مدونة األوقاف يف املادة ،)72(106ففيه إجحاف أبصحاب
هذه احلقوق ،إذ األصل يف هذه احلقوق أن تكون على الدوام وملدة غري حمدودة حسب العرف وما جرى به العمل.
ولعل هناك جمموعة من املربرات جعلت مشروع مدونة األوقاف يلجأ إىل احلد من استمرار هذه احلقوق العرفية
إىل ماال هناية ،نظرا ملا تثريه من إشكاالت عملية نتيجة ملا عرفته امللكية وفروعها والقوانني املنظمة هلا من تطورات
وتغريات جذرية قد ال تصمد معها هذه احلقوق العرفية على الطبيعة اليت هي عليها اآلن.
كما أن احلقوق العرفية العينية املرتتبة على عقارات األحباس العامة هي واردة على املنفعة ،وهي قيد خطري يرد
على هذه الع قارات قد يفرغ مفهوم األحباس من حمتواها؛ بل إن هذه احلقوق العرفية العينية هي ملكية تعلو على امللكية
األصلية ،وهي من أثقل القيود اليت ترد عقارات األحباس؛ إذ ابنتزاع حق املنفعة عن هذه العقارات لن تبقى هلا أى
جدوى اقتصادية،ومابقاء رقبة هذه العقارات اتبعة لألحباس يف الواقع العملي إال مظهرا قانونيا معنواي بئيسيا ،أضحت
معه هذه الرقبة اتفهة ال تعود على األحباس إال بعائدات هزيلة ال تتناسب وحجمها وأمهيتها ،وال سيما مع تقاعس إدارة
األوقاف يف تفعيل اآلليات اليت نصت عليها الظهائر الشريفة املنظمة لألحباس ،حىت إن بعض عقارات األحباس ظلت
مكراه مببلغ هزيل وهزيل جدا ال يتجاوز دريهمات معدودة ،مع أن مقتضيات الفصل الثامن من ظهري 1817كما وقع
تغيريه ابلظهري الشريف الصادر بتاريخ 4رمضان 9( 1337يوليوز )1816يوفر آلية ومكنة مهمة لو فعلت ملا صارت
عقارات األحباس املثقلة هبذه احلقوق إىل احلالة املزرية اليت هي عليها اليوم ،فهذا الفصل ينص على تكوين جلنة تعينها
( - )72تنص املادة 106على ما يلي :ميكن تصفية احلقوق العرفية املنشأة على األوقاف العامة وفق إحدى الطرق الثالث اآلتية:
-شراء إدارة األوقاف للحق العريف املرتتب لفائدة الغري؛
-شراء صاحب احلق العريف لرقبة امللك الوقفي؛
-بيع الرقبة واحلق العريف معا عن طريق املزاد وفق أحكام املواد من 60إىل 41من هذه املدونة .وال يلجأ إىل هذه الطريقة إال يف حالة تعذر التصفية ابلطريقتني
السابقتني.
ويف هذه احلالة األخرية ،حيق إلدارة األوقاف مث لصاحب احلق العريف على وجه الرتتيب ضم الرقبة واحلق املنشأ عليها شريطة زايدة نسبة عشرة يف املائة
على الثمن الذي رسا به املزاد.
جيب ممارسة حق الضم املشار إليه أعاله داخل أجل ثالثني ( )30يوما من اتريخ إجراء املزاد.
261
إدارة الوقاف عند االقتضاء تقوم كل ثالثة أعوام بتقدير الكراء احلقيقي وذلك فيما يتعلق ابجللسة وما أشبه ذلك من
املفتاح والزينة وتقوم بتقدير مثن رقبة البقعة فيما يتعلق ابجلزاء املعرب عنه أيضا االستئجار.
واحلالة هذه ،فإن هذه املربرات وغريها تسوغ ملشروع مدونة األوقاف واإلقدام على إعادة االعتبار لعقارات
األحباس املثقة هبذه احلقوق للحد من غلوائها ويف الوقت نفسه لتزويد مؤسسة احلبس بوسائل قانونية حديثة تضمن
احلماية الناجعة لعقاراهتا ،وبنظم تدبريية تيسر حسن استغالهلا والستفادة منها ،وبطرق استثمارية متكنها من املسامهة يف
مشاريع التنمية االقتصادية واالجتماعية ،وتعيد ملؤسسة احلبس دورها الرايدي الذي هنضت به عرب التاريخ.
ولكن الذي قد ال يستسيغه املنطق القانوين السليم هو اختصار املدونة ألجل انقضاء هذه احلقوق يف مدة
( )20عشرين سنة( ،)73فنعتقد أن هذا املسلك غري سليم؛ ألن مدة ( )20عشرين سنة تعترب يف عمر هذه احلقوق مدة
قصرية جدا ،ونعتقد أن أصحاب هذه احلقوق قد حافظوا لنا على عني احلبس واستمرار عطائه لسنوات طويلة ويف
سنوات عجاف زهد الناس فيها عن أمالكهم اخلاصة فباألحرى األمالك احلبيسة ،فكان ينبغي مكافأهتم مبا يتناسب وما
قدموه من خدمة لألحباس ،ال أن يكافؤوا حبرماهنم من هذه احلقوق العرفية املرتتبة هلم على عقارات األحباس بعد عشرين
سنة من دخول مدونة األوقاف حيز التنفيذ.
مع العلم أن املشرع وإن كان قد منع إنشاء هذه احلقوق العرفية العينية ورام القضاء على القائمة منها مبرور
عشرين سنة يف مجيع األحوال ،فإنه عاد يف تناقض صارخ مع هذا املبدأ ليقرر يف الفقرة الثانية من 103من مدونة
األوقاف أنه جيوز وقف أي ملك على األوقاف العامة ،وإن كان مثقال حبق من احلقوق املذكورة.
وقد كان على املشرع املغريب يف مدونة األوقاف أن يسلك على األقل مسلك بعض التشريعات العربية اليت
سبقتنا إىل التحديد يف هذا اجملال مثل التشريع املصري الذي حدد للحكر – وهو يقابل حق اجلزاء عندان-مدة أقصاها
( )40سبعني سنة( ،)77والتشريع األردين الذي جعل أقصاها ( )50مخسني سنة حسب مقتضيات املادة 1251من
القانون املدين األردين.
فالتشريع املغريب خالف حىت مشروع قانون املعامالت املالية العريب املوحد الذي هبط يف املادة 1176بسقف
مدة احلكر فجعله ( )36ستا وثالثني سنة.
بل إن املشرع العريب يف حتديد األجل الذي تنقضي فيه احلقوق العرفية العينية خالف حىت نفسه ،حيث حدد يف
مدونة احلقوق العينية األجل الذي ينقضي فيه حق الزينة-وهو من احلقوق العينية العرفية-يف ( )70أربعني سنة ،وهكذا
نصت الفقرة األوىل من املادة 137على أنه" :جيب أن ال يتجاوز مدة حق الزينة أربعني سنة ،فإذا نص العقد على مدة
أطول أو سكت عن حتديد املدة فإن املدة املعتربة هي أربعون سنة".
( - )73فلو اعتربان أن حتديد هذا األجل هو التزام من إدارة األوقاف على أنه بعد عشرين سنة ستكون قد أهنت مسألة هذه احلقوق إن مل تكن قد انقضت أو
صفيت حسب مقتضيات هذه املدونة قبل ذلك ،فإن املنطق التشريعي كان يقتضي أال يوضع هذا النص يف مدونة األوقاف وإمنا كان ينبغي أن يوضع يف
النصوص التطبيقية هلا.
( - )77حممد سوار ،احلقوق العينية ،شرح القانون املدين األردين ،مكتبة دار الثقافة ،الطبعة األوىل ،اإلصدار الثالث ،1888 :ص.720-718:
262
بل إن مشرع مدونة احلقوق العينية جعل هذا األجل – أي 70سنة -قاصرا على حقوق الزينة اليت تنشأ يف ظل
هذا القانون ،أما حقوق الزينة اليت كانت نشأت قبل هذا القانون فإن املدونة مل متس أو تزحزح املراكز القانونية ألصحاهبا
أو تقيدها مبدة معينة ،مع أن هذه احلقوق مرتتبة على عقارات مملوكة للخواص وهم أحرص الناس على رفع هذا القيد
اخلطري عن ملكياهتم ،وكل ما جاءت به املدونة بشأن احلقوق القائمة هو أنه ليس ملالك حق الزينة يف هذه احلالة أن يبين
من جديد ما تالشى لقدمه أو بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة إال إبذن مالك الرقبة ،وهذا صريح الفقرة الثانية من
املادة 137ونصها" :ال يسري حكم هذه املادة على حقوق الزينة القائمة عند صدور هذا القانون ،غري أنه ليس ملالك
حق الزينة يف هذه احلالة أن يبين من جديد ما تالشى لقدمه أو بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة إال إبذن مالك
الرقبة".
فلو سلك املشرع املغريب يف مدونة األوقاف على األقل ما سلكه يف مدونة احلقوق العينية حلافظ من نوع من
االنسجام يف املنظومة القانونية اليت تؤطر العقار واحلقوق العينية اليت ترتتب عنه سواء كان عقارا مملوكا للخواص أو كان
عقارا لألحباس.
إن ما جاء يف املادة 105من املدونة فيه إجحاف وتضييق مبالغ فيه على أصحاب هذه احلقوق وأصحاب
هذه املراكز القانونية ،ولعل هذا من مجلة األسباب اليت تعيق حىت اآلن خروج مدونة األوقاف إىل حيز التنفيذ ،وما تعليق
تنفيذها على صدور مجيع النصوص الت نظيمية يف أغلب املقتضيات املسطرية إال جلاما يكبح مجاح مدونة األوقاف من
االنطالق ،وحنسب أن أصحاب هذه احلقوق سيسعون بشكل أو آبخر وأبيه وسيلة ممكنة إىل أتخري وعرقلة صدور مجيع
النصوص التنظيمية ،وابلتايل سيسامهون بنصيبهم يف احليلولة دون دخول املدونة حيز التنفيذ؛ ألنه كلما طال أمد تعطيل
املدونة كلما طال عمر هذه احلقوق العينية العرفية.
خامتة
يبدو من مالحظتنا األولية على مدونة األوقاف أن جل قواعدها القانونية من القواعد اآلمرة وهو ما أصبحت به إدارة
األوقاف جتنح إىل التصرف ابعتبارها صاحبة سلطة تفرض شروطها على األطراف املتعاقدة معها؛ بل وجيعل هذه األطراف
املتعاقدة معها تذعن لشروطها ،وهذا يتطلب التفكري مليا يف كيفية توفري احلماية القانونية للطرف الضعيف يف عالقته التعاقدية
معها.
ونعتقد أنه يف ظل عدم دخول مدونة األوقاف إىل حيز النفاذ ستظل النصوص القائمة هي املطبقة على األحباس وهي
نصوص مشتتة بني عدد من الظهائر اليت تصل إىل أكثر من 15ظهريا ،جلها صدر يف بداية احلماية ،ونعتقد أن هذا القصور
التشريعي من مجلة األسباب اليت تعرقل جهود إصالح مؤسسة حلبس؛ ذلك أن هذا اإلصالح ال يتأتى إال إبصالح اجلانب
التشريعي أوال واإلصالح اإلدارى اثنيا واإلصالح التمويلي اثلثا.
وتعترب مدونة األوقاف ىف عمومها خطوة يف االجتاه الصحيح ،ولبنة هامة وأساسية يف درب اإلصالح الشامل ملؤسسة
األحباس ،وهي جهد عظيم مت فيها مجع العديد من القواعد الفقهية يف قالب تشريعي حديث ،إال أهنا يف النهاية هى ككل جهد
تشريعي ال يعدو أن يكون جهدا بشراي يرد عليه اختالف وجهات النظر كما يرد عليه التطوير واإلضافة ،والكمال هلل الواحد
القهار والعصمة لألنبياء ،ويكفي أهنا جتربه مغربية خالصة ال ميلك املرء إال التنويه ابجلهود اخلالصة واملخلصة اليت بذلت فيها،
وكل ما نتمناه هو أن يكتب هلذه التجربة النجاح والتوفيق والسداد وأن تدلل الصعاب وتنفض الغبار الذي تراكم على مؤسسة
احلبس عرب السنني واألعوام بسبب اإلمهال والتسيب وسوء التسيري والتدبري يف بعض األحيان ،ونرجو من هللا أن ترتل أحسن
ترتيل وأن تعيد األمور إىل نصاهبا السليم ،وهللا من وراء القصد وهو اهلادي إىل السبيل والسالم.
263