You are on page 1of 25

‫احلقوق العينية العرفية‬

‫بني مدونة األوقاف ومدونة احلقوق العينية‬


‫ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺪﻭﻧﺔ ﺍﻷﻭﻗﺎﻑ ﻭﻣﺪﻭﻧﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﺔ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻔﻘﻪ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻲ‬
‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻘﺒﺲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫وأحكام الفقه املالكي‬
‫ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻜﺘﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻋﺒﺪﺍﻟﻤﺠﻴﺪ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫ﻉ‪4‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫د‪ .‬عبد اجمليد الكتاين‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫‪2013‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫ﻳﻨﺎﻳﺮ القرويني‬
‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪ :‬الشريعة والقانون جبامعة‬
‫أستاذ‬
‫‪241 - 263‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫‪485463‬‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬
‫ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬ريعة فاس‬
‫ﻧﻮﻉكلية الش‬
‫‪IslamicInfo‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ‪ ،‬ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ‪ ،‬ﺍﻷﻭﻗﺎﻑ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ‪ ،‬ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻲ‪ ،‬ﻋﻘﺪ ﺍﻹﺟﺎﺭﺓ‪،‬‬ ‫مقدمة‪:‬‬
‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﺔ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/485463‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫إن طبيعة احلبس يف الفقه اإلسالمي تقتضى دوامه واستمراراه يف أداء دوره االجتماعي واالقتصادي والثقايف‬

‫واحلضاري بشكل عام‪ ،‬ومن مث حرص الفقهاء على تدبري عقارات األحباس مبا يالئم طبيعتها وأحكام الشريعة اإلسالمية‪،‬‬

‫وقد كان عقد الكراء من أهم الصيغ اليت يتم هبا استغالل عقارات األحباس‪ ،‬حيث أدرك الفقهاء منذ وقت مبكر وهم‬

‫يواكبون التحوالت اليت يعرفها اجملتمع أن كراء هذه العقارات ينبغي أن حتقق التوازن بني مصاحل احلبس ومصاحل املكرتي‪،‬‬

‫فمصلحة املكرتي تقتضي متكينه من مدة كافية لالستغالل يتاح له فيها جين مردوديه ما أنفقه من أموال يف هتيئة‬

‫وإصالح العني املكرتاة‪ ،‬وهذا يقتضي أن تكون مدد االستغالل طويلة ومن جهة احلبس فإن مدة كراء عقارته إذا طالت‬

‫قد تؤدي إىل إبطاله لبقاء املكرتي مدة طويلة‪ ،‬مما يؤدي إىل الظن أنه مالك العقار فيضيع احلبس بذلك‪.‬‬

‫© ‪ 2023‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫احلقوق العينية العرفية‬

‫بني مدونة األوقاف ومدونة احلقوق العينية‬


‫ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ‪:‬‬

‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪APA‬‬

‫وأحكام الفقه املالكي‬


‫ﺍﻟﻜﺘﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻋﺒﺪﺍﻟﻤﺠﻴﺪ‪ .(2013) .‬ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺪﻭﻧﺔ ﺍﻷﻭﻗﺎﻑ ﻭﻣﺪﻭﻧﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﺔ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ‬
‫ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻲ‪.‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻘﺒﺲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ‪ ،‬ﻉ ‪ .263 - 241 ،4‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/485463‬‬
‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪MLA‬‬
‫ﺍﻟﻜﺘﺎﻧﻲ‪ ،‬ﻋﺒﺪﺍﻟﻤﺠﻴﺪ‪" .‬ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﻓﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺪﻭﻧﺔ ﺍﻷﻭﻗﺎﻑ ﻭﻣﺪﻭﻧﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﺔ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻔﻘﻪ‬
‫ﺍﻟﻤﺎﻟﻜﻲ‪".‬ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﻘﺒﺲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔﻉ ‪ .263 - 241 :(2013) 4‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ‬ ‫د‪ .‬عبد اجمليد الكتاين‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/485463‬‬

‫أستاذ الشريعة والقانون جبامعة القرويني‬

‫كلية الشريعة فاس‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن طبيعة احلبس يف الفقه اإلسالمي تقتضى دوامه واستمراراه يف أداء دوره االجتماعي واالقتصادي والثقايف‬

‫واحلضاري بشكل عام‪ ،‬ومن مث حرص الفقهاء على تدبري عقارات األحباس مبا يالئم طبيعتها وأحكام الشريعة اإلسالمية‪،‬‬

‫وقد كان عقد الكراء من أهم الصيغ اليت يتم هبا استغالل عقارات األحباس‪ ،‬حيث أدرك الفقهاء منذ وقت مبكر وهم‬

‫يواكبون التحوالت اليت يعرفها اجملتمع أن كراء هذه العقارات ينبغي أن حتقق التوازن بني مصاحل احلبس ومصاحل املكرتي‪،‬‬

‫فمصلحة املكرتي تقتضي متكينه من مدة كافية لالستغالل يتاح له فيها جين مردوديه ما أنفقه من أموال يف هتيئة‬

‫وإصالح العني املكرتاة‪ ،‬وهذا يقتضي أن تكون مدد االستغالل طويلة ومن جهة احلبس فإن مدة كراء عقارته إذا طالت‬

‫قد تؤدي إىل إبطاله لبقاء املكرتي مدة طويلة‪ ،‬مما يؤدي إىل الظن أنه مالك العقار فيضيع احلبس بذلك‪.‬‬

‫© ‪ 2023‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫احلقوق العينية العرفية‬

‫بني مدونة األوقاف ومدونة احلقوق العينية‬

‫وأحكام الفقه املالكي‬

‫د‪ .‬عبد اجمليد الكتاين‬

‫أستاذ الشريعة والقانون جبامعة القرويني‬

‫كلية الشريعة فاس‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن طبيعة احلبس يف الفقه اإلسالمي تقتضى دوامه واستمراراه يف أداء دوره االجتماعي واالقتصادي والثقايف‬

‫واحلضاري بشكل عام‪ ،‬ومن مث حرص الفقهاء على تدبري عقارات األحباس مبا يالئم طبيعتها وأحكام الشريعة اإلسالمية‪،‬‬

‫وقد كان عقد الكراء من أهم الصيغ اليت يتم هبا استغالل عقارات األحباس‪ ،‬حيث أدرك الفقهاء منذ وقت مبكر وهم‬

‫يواكبون التحوالت اليت يعرفها اجملتمع أن كراء هذه العقارات ينبغي أن حتقق التوازن بني مصاحل احلبس ومصاحل املكرتي‪،‬‬

‫فمصلحة املكرتي تقتضي متكينه من مدة كافية لالستغالل يتاح له فيها جين مردوديه ما أنفقه من أموال يف هتيئة‬

‫وإصالح العني املكرتاة‪ ،‬وهذا يقتضي أن تكون مدد االستغالل طويلة ومن جهة احلبس فإن مدة كراء عقارته إذا طالت‬

‫قد تؤدي إىل إبطاله لبقاء املكرتي مدة طويلة‪ ،‬مما يؤدي إىل الظن أنه مالك العقار فيضيع احلبس بذلك‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫وبناء على هذين االعتبارين‪ ،‬ويف إطار املوازنة بني هاتني املصلحتني‪ ،‬اختلف آراء الفقهاء يف ذلك‪ ،‬فرأى املالكية‬
‫(‪)1‬‬
‫ورأى احلنفية أن األراضي تكرى‬ ‫أن األراضي العارية تكرى ملدة أربع سنوات‪ ،‬وتكرى الدور واحلوانيت لسنة واحدة‬

‫لثالث سنوات(‪ ،)2‬فيما ذهب الشافعية واحلنابلة إىل جواز كرائها ملدة طويلة وفق شروط معينة(‪.)3‬‬

‫ومع مرور الزمن وتغري األحوال تعرضت كثري من عقارات األحباس للخراب‪ ،‬فاحتاجت إىل من يعمرها‬

‫ويصلحها ويعيدها إىل دورة اإلنتاج‪ ،‬وذلك يتطلب إنفاق وتوظيف واستثمار املال‪ ،‬ومل يعد الكراء ملدة قصرية يفى هبذا‬

‫الغرض‪،‬سيما والناس يزهدون ىف كراء عقارات األحباس ملدد قصرية ال متكنهم من اسرتجاع ما قد ينفقونه عليها ومن‬

‫االستفادة من االستثمارات املالية اليت قد يوظفوهنا يف تلك العقارات‪ ،‬هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن احملافظة على‬

‫أعيان األحباس وضرورة استثمارها وتعمريها إذا خربت واجبة‪ ،‬فما العمل واحلالة هذه؟‬

‫مل يقف الفقه اإلسالمي مكتوف األيدي أمام هذا الواقع‪ ،‬بل قام بوضع احللول املناسبة من خالل الفتاوى اليت‬

‫صدرت عن الفقهاء واليت تعاجل بقاء هذه األعيان صاحلة ألداء دورها احلبسي ابستمرار الريع الذي قرر احملبس التصدق به‬

‫يف وجوه اخلري اليت حددها‪ ،‬واألسلوب الذي كان ممكنا يف ذلك الوقت لتعمري احلبس واستثماره هو الكراء الطويل األمد‬

‫أي الكراء مع التبقية‪ ،‬وهذا األسلوب هو الذي تكفل بتعمري أعيان احلبس واحملافظة عليها‪ ،‬ولكن املقابل احلصول على‬

‫حق القرار يف هذه األعيان‪ ،‬وقد ترتب عن ذلك إنشاء بعض احلقوق العرفية العينية عليها‪.‬‬

‫(‪ - )1‬يقول الربزيل يف نوازله‪ :‬يف واث ئق ابن العطار الذي جرى به العمل قباالت أرض األحباس ألربعة أعوام وهذا الذي شاهدانه بقرطبة‪ .‬ودور األحباس‬
‫واحلوانيت إمنا تثكرى عاما فعاما وشاهدان ذلك من قضاهتا مبحضر فقهائها مررا (الربزيل‪ ،‬جامع مسائل األحكام‪ ،‬حتقيق حممد اهليلة‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‬
‫‪ ،2002‬ج‪ ،5:‬ص‪ )365:‬ويقول احلطاب‪ :‬أما احلبس على املساجد واملساكني وشبههما فال يكريها الناظر ألكثر من أربعة أعوام إن كانت أرضا‪ ،‬أو أكثر من‬
‫عام إن كانت دارا‪ ،‬وهو عمل الناس ومضى عليه عمل القضاة‪ ،‬فإن أكرى أكثر من ذلك مضى إن كان نظر على مذهب ابن القاسم وروايته وال يفسخ‬
‫(احلطاب‪ ،‬مواهب اجلليل شرح خمتصر خليل‪ ،‬ج‪ ،6:‬ص‪ 74 :‬وحممد املواق‪ ،‬التاج واإلكليل ملختصر خليل‪ ،‬مكتبة النجاح ليبيا‪ ،‬ج‪ ،6:‬ص‪.)74:‬‬
‫(‪ - )2‬جاء ىف الفتاوى اهلندية (فقه حنفي)‪ :‬وإن كان مل يشرتط شيئا نقل عن مجاعة من مشاخينا أنه ال جيوز أكثر من سنة واحدة‪ ،‬قال الفقيه أبو جعفر أان‬
‫أجوز يف ثالث سنني وال أجوز يف ما زاد عن ذلك‪ ...‬ويف غري الضياع يفيت بعدم اجلواز يف ما زاد على سنة واحدة إال إذا كانت املصلحة يف جوازه‪ ،‬وهذا أمر‬
‫خيتلف ابختالف الزمان واملوضع (الفتاوى اهلندية أتليف مجاعة من علماء اهلند‪ ،‬دار الرتاث العريب بريوت‪ ،‬ج‪ ،7:‬ص‪.)517 :‬‬
‫(‪ - )3‬وقد عرب ابن قدامة عن موقف احلنابلة من إكراء األرض ملدة طويلة فقال‪ :‬ما جاز سنة كالبيع والنكاح واملساقاة‪ ،‬جاز ألكثر منها (ابن قدامة‪ ،‬املغين‪،‬‬
‫كتاب اإلجيارات‪ ،‬دار الفكر ‪ ،1897‬ج‪ ،6 :‬ص‪.)11:‬‬
‫‪242‬‬
‫وعلى الرغم من حرص املالكية واحلنفية على عدم إطالة مدة الكراء‪ ،‬فإنه أمام هذا الواقع وهذه التحدايت مل‬

‫جيدوا بدا من إجازة كراء عقارات األحباس ملدد أطول من شأهنا أن ترغب الناس يف الكراء عوض أن تظل هذه العقارات‬

‫عرضة للخراب والبوار‪ ،‬سيما إذا مل يكن هلا ريع تعمر به(‪ )7‬وبناء على هذا فقد قال الفقه جبواز متكني مستغل احلبس من‬

‫البقاء فيه ما دام مؤداي لثمن الكراء وهو مثن املثل‪ ،‬ومن هنا نشأت على أعيان احلبس حقوق عرفية عينية رتبتها عقود‬

‫الكراء الطويلة‪ ،‬وهي حقوق أشبه حبق امللكية رتبت على عقارات األحباس‪ .‬وأهم هذه احلقوق هي اجللسة واجلزاء والزينة‬

‫وشبهها مما يسمى ابملفتاح والغبطة والعرق واحلالوة وحنو ذلك‪.‬‬

‫إن احلديث عن هذه احلقوق يتقضى بيان مفهومها وأصل منشئها وجراين العمل هبا يف الفقه املالكي‪ ،‬ونقتصر‬

‫يف هذا املقام على الكالم عن اجللسة واجلزاء والزينة واملفتاح (مبحث أول) وعن كيفية تنظيم هذه احلقوق يف التشريع‬

‫املغريب من عهد احلماية إىل مدونة احلقوق العينية ومدونة األوقاف (مبحث اثن)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اجللسة واجلزاء والزينة واملفتاح ونشأهتا وأحكامها يف الفقه املالكي‪.‬‬

‫نتكلم يف هذا املبحث عن مفهوم كل حق من هذه احلقوق يف (مطلب أول) فيما نتحدث عن نشأة وأحكام‬

‫هذه احلقوق يف الفقه املالكي املغريب (مطلب اثن)‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم احلقوق العينية العرفية وبيان أوجه التشابه واالختالف بينها‬

‫أوال‪ :‬مفهوم احلقوق العينية العرفية‬

‫‪ -1‬مفهوم حق اجللسة‪:‬‬

‫حق اجللسة‪ :‬هو حق قرار مستمر مرتب على عقار معد لالستعمال الصناعي أو التجاري بكراء على التبقية‪.‬‬

‫(‪ - )7‬فقد أفىت الشيخ عليش جبوار ذلك فقال‪ :‬وقد أفىت مجاعة من حمققي املتأخرين جبوازه إجازة الوقف املدة الطويلة ملن يعمره وخيتص بزائد غلته إذا مل يكن‬
‫للوقف ريع يعمر به ووقعت اإلجازة ابجرة املثل يف وقتها وجرى العمل بفتواهم إىل اآلن مبصر (حممد الشيخ عليش‪ ،‬فتح العلي املالك يف الفتوى على مذهب‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج‪ ،2:‬ص‪.)238:‬‬
‫‪243‬‬
‫وقد عرفت اجللسة بتعاريف متنوعة حىت إن الشيخ عبد القادر الفاسي قال‪ :‬إن للناس فيها اصطالحات وقوانني(‪)5‬؛‬

‫بل إن هذا ما دفع بعض الفقهاء إىل ختصيص كتاب كامل عن اجللسة مساه‪" :‬إزالة الدلسة عن وجه اجللسة "(‪.)6‬‬

‫وع موما فإن تعاريف فقهاء املالكية املغاربة للجلسة ال خترج يف جمملها عن كون اجللسة هي متليك منفعة بكراء على‬

‫التبقية(‪.)4‬‬

‫وحق اجللسة يف التعبري املغريب يقابل حق اخللو عند املصريني(‪ ،)9‬يقول السجلماسي‪ :‬مسمى اجللسة بفاس هو املسمى‬

‫ابخللو مصر‪ ،‬واحلكم الذي أفىت به الشيوخ يف اخللو موافق ملا يذكر يف اجللسة(‪ ،)8‬وقد عرف اخللو أبنه‪" :‬اسم ملا ميلكه‬

‫دافع الدراهم من املنفعة اليت وقع يف مقابلتها الدراهم"(‪.)10‬‬

‫وغالبا ما يرتتب حق اجللسة على العقارات املبنية املعدة لالستعمال الصناعي أو التجاري‪ ،‬كالفرن أو الطاحون‬

‫أو احلمام أو احلانوت‪.‬‬

‫فحق اجللسة قد يرتتب على عقارات احلبس‪ ،‬وقد يرتتب على عقارات الدولة اخلاصة‪ ،‬وقد يرتتب على العقارات‬

‫اململوكة للخواص‪ ،‬حسبما يفهم من نصوص الفقهاء(‪ .)11‬ومبا أننا بصدد احلديث عن حق اجللسة الذي يرتتب على‬

‫عقارات احلبس فإننا نسوق مثاال للجلسة املرتتبة على عقار احلبس ذكره املهدى الوزاين ونص الغرض منه بتصرف يسري‪:‬‬

‫اجللسة جرى القضاء فيها من علماء فاس على التبقية وعدم اخلروج إال برضى املكرتي‪ ،‬فإذا اكرتى شخص حانوات من‬

‫انظر احلباس ملدة من عشرة أعوام مثال وانقضت‪ ،‬وطلبه ابخلروج النقضاء املدة فأىب‪ ،‬فليس له أن يلزمه ابخلروج منها إال‬

‫(‪ - )5‬السلجماسي‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬طبعة حجرية‪ ،‬ج‪ ،1:‬ملزم‪ ،61‬ص‪ 4:‬وما يليها‪ ،‬وبنظام الصفحات‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪ .793:‬وما يليها‬
‫(‪ - )6‬أنظر حممد التماق الغرانطي‪ ،‬إزالة الدلسة عن وجه اجللسة‪ ،‬خمطوط خاص خبزانة املرحوم حممد املتوين‪.‬‬
‫(‪ - )4‬انظر تعاريف اجللسة اليت جلبها الدكتور حممد الصويف يف كتابه‪ :‬احلقوق العرفية العينية اإلسالمية‪ ،‬دراسة مقارنة بني الفقه املالكي والقانون املغريب‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية لسنة‪2005 :‬م‪ ،‬ص‪.778-772 :‬‬
‫(‪ - )9‬انظر تعاريف اخللو اليت جلبها حممد الصويف فر مرجعه السابق‪ ،‬ص‪ 755 :‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ - )8‬السلجماسي‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪ 793:‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ - )10‬حممد عليش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،2:‬ص‪ ،278:‬والسلجماسي‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬ج‪ ،1:‬ج‪ ،1:‬ص‪ .793:‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ - )11‬السلجماسي‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪ 793:‬وما يليها‪.‬‬
‫‪244‬‬
‫برضاه؛ ألن العادة ان ذلك على التبقية‪ ،‬ولكن يبقى فيها بكراء املثل اآلن ال على ما كانت عليه يف املدة األوىل؛ بل على‬

‫من يقومها به أرابب املعرفة اآلن(‪.)12‬‬

‫فحق اجللسة إذن مرتتب على عقار مبين معد لالستعمال الصناعي أو التجاري بناء على كراء على التبقية‪،‬‬

‫األصل فيه أن صاحب اجللسة ال خيرج من العني إال برضاه‪.‬‬

‫وعموما فإن حق اجللسة ينشأ مبوجب عقد كراء يلتزم صاحبه مبقتضاه أن جيهز احملل الذي اكرتاه مبا يلزمه من‬

‫معدات يتطلبها تعمريه‪ ،‬فإذا أنشأ هذا احلق كان لصاحبه حق التمتع ابحملل املكرتي على وجه دائم يف مقابل أن يؤدي‬

‫عائدات دورية للجهة اليت أكرته(‪.)13‬‬

‫ب‪-‬مفهوم حق اجلزاء‪:‬‬

‫حق اجلزاء‪ :‬هو حق قرار مستمر مرتب على أرض فضاء بكراء على التبقية‪.‬‬

‫فحق اجلزاء هو يف األصل كراء ملدة معلومة ولكنه جرت العادة أن اجلزاء على التبقية واالستمرار وسكنت نفوس‬

‫الناس لذلك(‪.)17‬‬

‫إن حق اجلزاء هو كحق اجللسة إال أنه يقع على األرض الفضاء الرباح اخلالية من البناء كاألرض املعدة للزراعة‬

‫والغرس مثال‪ ،‬وقد يسمى حق اجلزاء أيضا حبق االستئجار‪.‬‬

‫فحق اجلزاء يقع على منفعة أرض براح سواء كانت أرضا لألحباس أو للدولة أو يف ملك اخلواص‪ .‬ولكل منها‬

‫أحكام حاصلها‪ :‬أن اجلزاء املقام على األرض احملبسة على غري معنيني كالفقراء واملساكني أو املساجد أو اليت للدولة‪ ،‬فإن‬

‫الدخول يف عقد جزائها على التأييد‪ ،‬وعدم أمر الباين أو الغارس أو من دخل من انحيته بقلع بناءه وشجره‪ .‬خبالف‬

‫اجلزاء املقام على األرض اململوكة للخواص أو األراضي احملبسة على معنيني‪ ،‬فإن الدخول فيها على عدم التأييد والتجديد‬

‫(‪ - )12‬املهدي الوزاين‪ ،‬شر نظم العمل الفاسي‪ ،‬طبعة حجرية‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪.267:‬‬
‫‪ )13(-‬د‪ .‬خالد عبدهللا عيد‪ ،‬مدخل لدراسة القانون‪ ،‬نظرية احلق‪ ،‬ج‪ ،2:‬ص‪ ،138:‬وزهدي يكن‪ ،‬الوقف يف الشريعة والقانون‪ ،‬طبعة دار النهضة العربية‪،‬‬
‫بريوت لبنان‪ ،1399 ،‬ص‪.133:‬‬
‫(‪ - )17‬وهذا ما ذهب إليه ابن منظور يف جواب له يف املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوى أهل إفريقية واألندلس واملغرب‪ ،‬للونشريسى‪ ،‬خرجه مجاعة من‬
‫الفقهاء إبشراف الدكتور حممد حجي‪ ،‬طبعه دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬نشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية للمملكة املغربية‪1701 .‬هـ‪ ،1891/‬ج‪،5:‬‬
‫ص‪.39-34:‬‬
‫‪245‬‬
‫ابملدة املدخول عليها‪ ،‬فإذا انقضت فلرب األرض أن يبقى الزينة ألجل آخر يتفقان عليه‪ ،‬أو أيمره بقلع بنائه وشجرة‪،‬‬

‫يقول الشيخ مياره‪" :‬وهلذا جتد الناس يتنافسون يف جزاء املساكني واملساجد ولو أبعلى مثن ويزهدون يف كراء األرض‬

‫اململوكة واحملبسة على معينني"(‪.)15‬‬

‫فحق اجلزاء كما يكون على أرض احلبس أو أرض الدولة يكون على أرض مملوكة للخواص كما جرى العرف‬

‫بذلك وأقره الفقهاء‪.‬‬

‫وغالبا ما كان يقع حق اجلزاء يف الواقع العملي على أرض األحباس اليت ال جيين منها احلبس أي فائدة تذكر‪،‬‬

‫وهلذا يعمد انظر احلبس إىل تعمريها عن طريق كرائها برتتيب حق اجلزاء عليها‪ ،‬لكي يستثمرها بطريق الزراعة أو البناء‪.‬‬

‫ويف ذلك يقول املهدي الوزاين‪" :‬وكذلك من أخذ أرض احلبس من الناظر أبجرة يف كل سنة إىل مدة وعمرها ببناء أو‬

‫غرس وهو اجلزاء وانقضت املدة وأىب أن خيرج منها فال يلزم ابخلروج منها‪ ،‬ولكن يبقى أبجرة املثل اآلن"(‪.)16‬‬

‫فصاحب اجلزاء يصبح له حق عيين اثبت عي العني يستطيع التصرف فيه ابلبيع وغريه من أنواع التصرفات(‪.)14‬‬

‫وحق اجلزاء يف التعبري املغريب يقابله حق احلكر عند املصريني(‪)19‬وحق اإلنزال عند التونسيني(‪.)18‬‬

‫ج‪-‬مفهوم حق الزينة‬

‫(‪ - )15‬املهدي الوزاين‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬طبعة حجرية‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪.240:‬‬
‫(‪ - )16‬املهدي الوزاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪.267:‬‬
‫(‪ - )14‬حممد الصويف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.628:‬‬
‫(‪ - )19‬يقول الشيخ عليش متحداث عن هذا احلق‪ :‬من استوىل عليه يكون عليه جلهة الوقف أجرة للذي يؤول إليه وقف األرض ويسمى عندان مبصر حكرا لئال‬
‫يذهب الوقف ابطال (حممد عليش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،2:‬ص‪( .)273:‬وقد قال ابن عابدين عن احلكر‪ :‬إنه حق قرار مرتب على األرض املوقوفة إبجازة مديدة‬
‫تعقد إبذن القاضى يدفع فيها احملتكر جلانب الوقف مبلغا يقارب ق يمة األرض‪ ،‬ويرتب مبلغ آخر ضئيل ليستوىف سنواي جلهة الوقف من احملتكر أو من ينقل إليه‬
‫هذا احلق‪ ،‬على أن يكون للمحتكر حق الغرس والبناء وسائر وجوه االنتفاع)‪( ،‬ابن عابدين‪ ،‬منحة اخلالق على البحر الرقائق‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي ط‪،2:‬‬
‫ج‪ ،5:‬ص‪ .220 :‬وابن عابدين‪ ،‬رد احملتار على الدر املختار‪ ،‬ج‪ ،8:‬ص‪ .)77:‬وملزيد من التوضيح ينظر حممد الصويف يف مرجه السابق عند حديثه عن شبه‬
‫حق اجلزاء حبق احلكر‪ ،‬صك‪ 633‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ - )18‬اإلنزال‪ ،‬جرى به العمل يف تونس‪ ،‬وهو "كراء ارض الوقف عند انعدام النفع هبا كراء مؤبدا ال ينفسخ وال يزيد وإن تغريت األسعار بتطاول األعصار ملن‬
‫يبين أو يغرس على بقاء نزله لتحصل بذلك عمارة الوقف بشرط أن يكون مقدار الكراء املرتب ليس دون قيمة املثل حني العقد "(حممد الطاهر السنوسي‪ ،‬القانون‬
‫العقاري‪ ،‬تونس‪1344 ،‬هـ‪1859/‬م‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪ ،)183:‬وملزيد من التوضيح ينظر حممد الصويف يف مرجعه السابق‪ ،‬عند حديثه عن شبه حق اجلزاء حبق اإلنزال‪،‬‬
‫ص‪.632:‬‬
‫‪246‬‬
‫يقول املهدي الوزاين‪ :‬الزينة احملدثة الشائعة وهي قدمية مبصر وتسمى ابملفتاح أيضا مأخوذة من اجللسة وانسخة‬

‫هلا؛ ألن األصل أن انظر احلبس أو انئب املخزن يبين احلوانيت واألرحية وحنو ذلك ويكريها لرجل إىل مدة معينة‪ ،‬والعرف‬

‫قاض بعدم خروجه إذا انقضت املدة‪ ،‬بل جتدد له العقدة كلما انقضت املدة‪ ،‬فإذا دخل هذا املكرتي للحانوت وللرحى‬

‫مثال وضع فيها املوازين واملواعني وسائر ما حيتاج إليه مما يتوقف عليه البيع والشراء من ماله اخلاص به‪ ،‬ويسمى هذا الكراء‬

‫على التبقية جلسة كما تسمى تلك احلوائج املوضوعة يف احلانوت أو الرحى جلسة أيضا‪ ،‬فإذا أراد املكرتي اخلروج منها‪،‬‬

‫قبض من غريه ماال ومكنه من مفتاحها وابع له به رفع يد التصرف عنها‪ ،‬وصار هذا املشرتي من املكرتي هو املتصرف‬

‫يف منفعتها ال غري‪ ،‬فهذه حقيقتها واملبيع إمنا هو رفع اليد ال غري(‪.)20‬‬

‫وقد عرفت املادة ‪ 131‬من مدونة احلقوق العينية يف فقرهتا األوىل حق الزينة الذي يقع على عقارات اخلواص‬

‫بقوهلا‪" :‬الزينة حق عيين خيول صاحبه ملكية البناء‪ ،‬الذي شيده على نفقته فوق أرض الغري"‪.‬‬

‫د‪-‬مفهوم حق املفتاح‪:‬‬

‫قال الفقيه سيدي حممد بن أمحد التماق يف أتليفه الذي مساه‪" :‬إزالة الدلسة عن وجه اجللسة" ما نصه‪" :‬رمبا مسعنا عن‬

‫بعض األسواق املغبوطة يف هذه األزمنة كالقيسارية والعطارين أن من تكون بيده احلانوت يبتغي أن يعطيه الداخل برضاه‬

‫ما يتفقان عليه فيما بينهما لريفع يده عنها ويسمون ذلك شراء املفتاح من املساكن‪ ،‬وال مدخل يف ذلك لذي األصل‬

‫الذي عقده أوال للساكن أو ذي املنفعة‪ ،‬وانظر هنا هذا احلادث فهو غري اجللسة على كل حال‪ ،‬وأتمل هل هو من معىن‬

‫اخللو أيضا عند املشارقة أو اخللو قطعا هو كما قرر نظري اجللسة"(‪.)21‬‬

‫وقد جزم املهدي الوزاين أبن اخللو مبصر هو شراء املفتاح بفاس(‪.)22‬‬

‫اثنيا‪ :‬أوجه التشابه واالختالف بني احلقوق العينية العرفية‬

‫(‪ - )20‬املهدي الوزاين‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪.266:‬‬
‫(‪ - )21‬املهدي الوزاين‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪.264-266:‬‬
‫(‪ - )22‬املهدي الوزاين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪ ،12:‬ص‪.269:‬‬
‫‪247‬‬
‫قد التبس مفهوم هذه احلقوق العرفية العينية؛ ألهنا من واد واحد ونظر خلطوط التماس بينها حىت إن الرأي‬

‫الغالب يف املغرب يذهب إىل اعتبار اجللسة وال الزينة واخللو واملفتاح مصطلحات لشيء واحد هو حق املنفعة األبدية‪،‬‬

‫واحلقيقة أنه رغم ما بني حق اجللسة خصوصا وحق الزينة من تشابه إال أنه مع ذلك ال ميكن استعماهلا كمرتادفتني؛ ألنه‬

‫إذا صح أن كل حق جلسة هو حق زينة ابلعكس غري صحيح؛ فحق الزينة قد يكون حمله حق اجللسة‪ ،‬وهذا ما درج‬

‫عليه عمل أهل فاس الذين كانوا يعتربون الزينة فرعا من اجللسة ويفرقون بني مالك الرقبة وصاحب اجللسة وصاحب‬

‫الزينة‪.‬‬

‫فصاحب اجللسة يستطيع أن ينشئ على حقه حق زينة حبيث يتجزأ حق اجللسة بني صاحبه من جهة وبني من‬

‫اكتسب حق الزينة من جهة اثنية(‪.)23‬‬

‫وقد حاول الدكتور حممد ابن معجوز التمييز بني هذه املصطلحات فقال بعد أن عرف اجلزاء‪" :‬وأما الزينة‪ :‬فرياد‬

‫هبا التجهيزات اليت يقيمها املكرتي يف الدكان أو الفندق أو احلمام الذي يكرتيه على أساس اجللسة من جتهيزات ورفوف‬

‫وواجهات وغري ذلك مما حيتاج إليه يف تسيريه واستغالله‪.‬‬

‫كما يراد ابلزينة أيضا البناء والغرس الذي حيدثه املكرتي ألرض اجلزاء وعلى احلق الذي اكتسبه املكرتي يف‬

‫اجللسة واجلزاء‪.‬‬

‫وغالبا ما تقع هذه األنواع من الكراء على العقارات احملبسة ولكن ال مانع من ان تقع على العقارات اململوكة‬

‫ألصحاهبا(‪.)27‬‬

‫أما املفتاح فهو احلق الذي ينشأ للشخص الذي يكري العقار املبين كالدكان أو احلمام ليستغله على وجه‬

‫الدوام‪ .‬ولتقريب هذه احلقوق من األذهان نقول‪ :‬لو فرضنا أن شخصا (علي) اكرتى دكاان من األحباس كراء مؤبدا مبائة‬

‫درهم يف الشهر‪ ،‬مث جهزه مبا يلزم لتسيريه من رفوف وخزائن وأصبح يستغله يف جتارب الثياب‪ .‬ولو فرضنا أنه مبجرد أن‬

‫(‪ - )23‬مأمون الكزبري‪ ،‬التحفيظ العقاري واحلقوق العينية األصلية والتبعية‪ ،‬طبعة بدون اتريخ‪ )c /748( ،‬ص‪.621:‬‬
‫(‪ - )27‬وانظر أيضا مأمون الكزبري مرجع سابق‪ ،‬ص‪.614:‬‬
‫‪248‬‬
‫أكرتى الدكان من األحباس أكراه بدوره كراء مؤبدا (خلالد) مبائيت درهم‪ ،‬مث قام خالد بتجهيز هذا الدكان ابلرفوف‬

‫واخلزائن وواجهة وغري ذلك مما يلزم الستغالله مث أكراه بدوره (لزيد) خبمسمائة درهم يف الشهر‪.‬‬

‫فإن األحباس تبقى مالكة للرقبة فقط أما على فيعترب يف الفرضية األوىل مالكا للجزاء مبا يشتمل عليه من حق‬

‫البقاء‪ ،‬وما جهز به الدكان وحقه يف اإلجتار فيه على الدوام‪ .‬أما يف الفرضية الثانية فإننا جند هذه احلقوق اليت كانت لعلي‬

‫قد تفرقت فأصبح حقه مقتصرا على حق اجللسة أي الكراء املؤبد بينما يكون خالد مالكا للزينة اليت هي التجهيزات‬

‫وحق الكراء املؤبد أيضا يف حني إن زيدا يصبح مالكا للمفتاح الذي يتمثل يف الكراء املؤبد‪.‬‬

‫ونفهم من هذا أنه ميكن أن يكون مالك اجللسة والزينة واملفتاح أو اجلزاء والزينة شخصا واحدا‪ ،...‬كما ميكن أن‬

‫تكون اجللسة أو اجلزاء مملوكة لشخص والزينة مملوكة آلخر‪...‬‬

‫وغالبا ما يكون الكراء الذي يؤد يه األول (أي صاحب اجللسة أو اجلزاء) أقل مما يؤديه املكرتي الثاين (أي مالك‬

‫الزينة) كما أن كراء املكرتي الثالث يكون عادة أعلى الكراءين‪.‬‬


‫(‪)25‬‬
‫والفرق الذي بني الكراء األول والثاين يسمى يف العرف‪ :‬الغبطة"‬

‫املطلب الثاىن‪:‬نشأة وأحكام اجللسة واجلزاء والزينة واملفتاح ىف الفقه املالكى املغرىب‬

‫إن نشاة اجللسة واجلزاء والزينة واملفتاح ومايضارعها من احلقوق جتد مصدرها ىف العرف الذى جرى به‬

‫العمل بفاس ‪،‬قال انظم عمل فاس عطفا على األمور الىت جرى هبا العمل بفاس‪:‬‬

‫جرى على التبقية القضاء‬ ‫*****‬ ‫وهكذا اجللسة واجلزاء‬

‫وقد شرح الناظم هذا البيت‪ ،‬وأطال النفس فيه‪ ،‬ومما قاله‪ :‬إنه مما جرى به العمل كون اجللسة واجلزاء على التبقية‬

‫وأن لصاحبها يدا يقدم هبا على غريه وأن العادة بذلك جارية بفاس وأن اجللسة واجلزاء من األمور غري املنصوصة يف الفقه‬

‫(‪ - )25‬حممد ابن معجوز احلقوق العينية يف الفقه اإلسالمي والتقنني املغريب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،1888- 1718 ،‬ص‪.706-705:‬‬
‫‪249‬‬
‫وغري جارية على املنصوص إال أنه عرف مصطلح عليه إىل أن قال‪ :‬هكذا أدركنا لوقتنا وما قرب منه ووجدان احلكم به‪ ،‬مث‬

‫جلب بعد ذلك العديد من فتاوى شيوخ وكبار علماء فاس املتأخرين‪ ،‬وقد قال القاضي ابن سودة يف جواب له بني فيه‬

‫العرف اجلاري وما وقع عليه العمل قال فيه‪ :‬اجللسة جارية جمرى الغرس يف أراضي األحباس وهي على التبقية يف حوانيت‬

‫احلبس وقاعات األرحى‪ ،‬فإذا انقضت املدة اليت وقع العقد عليها ووقع التشاح ألزم ذو اجللسة بكراء وسط على املعروف‬

‫وقت النشاح عليها‪ ،‬وألزم ذو األصل قبوله‪ ،‬وإن اتفقا على تقومي اجللسة‪ ،‬قومت قيمة عدده على أهنا تقوم منفصلة عن‬

‫األصل‪ ،‬وإن شاء صاحب اجللسة رفع أنقاضه اليت ال حق لغريه فيها فله ذلك‪ ،‬وال مقال لرب األصل يف إلزامه املكث‬

‫بكراء وسط وال يف تقومي عليه وال قلع؛ ألهنا جارية جمرى األجزية وعقودها‪ ،‬وال خيفى حكمها اجلاري يف األحباس‪.‬‬

‫وقال عبد الواحد ابن عاشر‪ :‬إن اجللسات ال أصل هلا ولكن جرت عادة أهل فاس ابعتبارها واالعتماد عليها‪،‬‬

‫وذلك ملصلحة ظهرت هلم فيه لصاحب األصل‪ ،‬وهي أن صاحب اجللسة يلتزم تعمري املوضع ملا فيه من العدة وإن كان‬

‫أشرف على اخلالء لفساد أو كساد(‪.)26‬‬

‫وقد أفىت اإلمام ابن عاشر يف مسألة اجللسة وما يشبهها ابلبطالن واملنع(‪.)24‬‬

‫وقد سئل الشيخ ابن مياره عن اجللسة اليت جرى هبا عمل الناس يف احلوانيت هل جتوز أم ال؟ فأجاب أبنه مل‬

‫يقف على نص يف املسألة‪ ،‬وأن صورهتا يف العرف الفاسي على وجهني‪ :‬أحدمها أن يقع العقد على اجللسة املشتملة على‬

‫كذا وكذا‪ .‬واثنيهما أن يقع على اجللسة جمملة‪ ،‬مث قال‪ :‬فلو مل يكن إال هذا القدر جلازت األوىل وامتنعت الثانية للجهل‬

‫ابملبيع‪ .‬لكن الضمائر منعقدة على أمور آخر منها أن املقصود األهم للمشرتي بقاء ما مساه مشرتى ابحلانوت على التأييد‬

‫ملنفعة صاحب األصل من اعتمار أصله ومن كرائه‪ ،‬ومنها أن قد تكون اجللسة املبيعة ال مسمى هلا رأسا وكان قصد‬

‫املتبابعني ما تقدم من مالزمة املوضع على التأييد والتحجري على صاحب األصل‪ ،‬إىل غري ذلك من األمور املخالفة‬

‫للشريعة مما يقتضي منع بيعها؛ ألن بيعها وسيلة إىل هذه األمور املمنوعة‪ ،‬ووسيلة احلرام حرام‪ ،‬وجرى العمل هبا ال‬

‫(‪ - )26‬السلجماسي‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 793 :‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ - )24‬الدسوقي‪ ،‬حاشية الدسوقي على خمتصر خليل‪ ،‬ج‪ 3:‬ص‪ ،733:‬وانظر أيضا‪ :‬عمر اجليدى‪ ،‬العرف والعمل يف املذهب املالكي‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬احملمدية‪،‬‬
‫‪1707‬هـ ‪1897‬م‪ .‬ص‪ 769:‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪250‬‬
‫يبيحها‪ ،‬وكم من حمرم جرى العمل به‪ ،‬مث إنه وقع التمالؤ واالصطالح يف هذه األعصار من بعض أصحاب األصول‬

‫السيما أهل األحباس أهنم ال خيرجون من عقدوا له يف ذلك إال برضاه؛ ملا رأوا من مصلحتهم يف ذلك‪ ،‬فهو عندهم على‬

‫التبقية؛ وألجل مراعاة التبقية تنافس الناس يف شراء هذه العقد وتوليتها‪ .‬وإذا كان األصل شراء املنفعة ابلكراء املؤجل‬

‫الذي ال نزاع يف جوازه‪ ،‬مل يضر اعتبار مالحظة التبقية معه؛ بل لو جترد هذا االعتبار وعرى عن العقدة حيث ينصرم‬

‫األجل ما ضر أيضا‪ ،‬وكانت التولية وإعطاء املال على ذلك جائزا‪ ،‬ملا تقدم أن أصحاب األصول مصطلحون على عدم‬

‫إخراج أصحاب العقد لكن إن شاؤوا زادوا عليهم يف الكراء فإن رضوا وإال رفعوا نزاعهم‪ ،‬فهذه األولوية والتقدمي عىب الغري‬

‫بسبب السبق هي املقصودة‪ ،‬ويبذلون فيها الدراهم لريفعوا نزاعهم ويتوىل الداخل العقد من صاحب األصل‪ ،‬ولوال رفع‬

‫اليد األوىل ما وجد هذا الثاين إىل ذلك سبيال‪ .‬وإذا كان املقصود رفع اليد مل يضر ما يكتب من خالفة؛ إذ ال يعترب يف‬

‫العقود اللفظ املخالف للمقصود كما قاله التازغدري‪ ،‬كما أنه ال عربة بتعبري املوثق عن اجللسة مباعون احلانوت املشتمل‬

‫على كذا وكذا؛ إذ لو كان املاعون منفردا ملا بيع بذلك الثمن وال ما يقاربه(‪.)29‬‬

‫وقد حذر أمحد ب ن عبد العزيز اهلاليل من امور جرى هبا العمل يف بعض البلدان ومل يظهر ملا مستند فقال ما‬

‫نصه‪ " :‬ومنها مسألة اجللسة واجلزاء‪ ،‬فهما خمالفتان للشرع‪ ،‬وعولوا فيهما على جمرد العادة‪ ،‬واستأنس بعضهم بظواهر ال‬

‫تشهد هلم"(‪.)28‬‬

‫وذكر ابن عابدين من احلنفية نقال عن ابن عبد الرمحن العمادي مفيت دمشق أبن القول ابخللو الذي يقابل‬

‫اجللسة يفيت به مراعاة للعرف وجراين العمل(‪.)30‬‬

‫وقد جرت مناظرة بني الفقيهني أيب القاسم التازغدري وأيب حممد عبد هللا بن حممد العبدوسي حول موضوع‬

‫اجلزاء‪ ،‬وقد كان القول النهائي للتازغدري أن اجلزاء حق اثبت جرى به العرف فال جيوز لوكيل السلطان الذي ابع شقصا‬

‫من قاعة مشرتكة أن يتجاهل حق شريكه يف اجلزاء(‪.)31‬‬

‫(‪ - )29‬السلجماسي‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 793:‬وما يليها‪ .‬وقد جلبنا جواب الشيخ ابن ميارة بتصرف رغم طوله؛ ألنه جامع مانع‬
‫للجلسة وما يشبهها وأنواع العقود اجلارية عليها وحقيقتها وما جيوز منها وما ال جيوز‪.‬‬
‫(‪ - )28‬أمحد بن عبد العزيز اهلاليل‪ ،‬كتاب نور البصر على خطبة املختصر‪ ،‬طبعة حجرية طبعت سنة‪1303‬هـ‪ ،‬ملزم‪ ،12:‬ص‪ 7:‬وبنظام الصفحات‪ ،‬ص‪.87:‬‬
‫(‪ - )30‬ابن عابدين‪ ،‬رد املختار على الدر املختار‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل أمحد عبد املوجود دار الكتب العلمية بريوت ‪ ،1887‬ج‪ ،8:‬ص‪.35‬‬
‫‪251‬‬
‫وخالصة أقوال العلماء املغاربة يف مسألة اجللسة واجلزاء وشبههما‪ ،‬أن كل ذلك ال أصل له يف الشرع ولكن‬

‫جرت عادة أهل فاس ابعتبارها واالعتماد عليها ملا راوه من مصلحة فيها وهي عقد كراء على التبقية(‪.)32‬‬

‫وقد نظم بعض األئمة هذا املعىن فقال‪:‬‬

‫واجللسة اليت جرت بفاس ******** لذا احلوانيت بال التباس‬

‫ليس هلا يف الشرع أصل يعلم***** وال قياس قاله من يفهم‬

‫وعموما فالناس يرجون على أعرافهم وعوائدهم والعادة حمكمة وهي إحدى القواعد اليت يبين عليها الفقه(‪.)33‬‬

‫وقد أفىت علماء املغرب جبواز اجلزاء‪ ،‬فقال به ابن سراج وابن منظور من علماء الغرب اإلسالمي ونصر الدين اللقاين من‬

‫مصر(‪.)37‬‬

‫تنبيه‪ :‬البد من اإلشارة إىل أن احلقوق العينية العرفية عموما واملشار إليها أعاله خصوصا تقع أكثر ما تقع على‬

‫العقارات املوقوفة وعلى أمالك الدولة اخلاصة‪ ،‬وإن كان ليس هناك ما مينع من ترتيبها على عقارات اخلواص‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬تنظيم احلقوق العينية العرفية يف التشريع املغريب‬

‫نتحدث يف هذا املبحث عن تنظيم هذه احلقوق يف تشريعات احلماية (مطلب أول) وعن تنظيمها يف مدونة‬

‫احلقوق العينية ومدونة األوقاف (مطلب اثن)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تنظيم احلقوق العينية العرفية يف تشريعات احلماية‪:‬‬

‫إن احلقوق العينية العرفية سواء املرتبة على عقارات الدولة أو عقارات اخلواص أو عقارات األحباس‪ ،‬ظلت‬

‫خاضعة لألعراف والعوائد اليت تراعي حفظ مصاحل كل األطراف‪ ،‬وإذا كانت الدولة واخلواص حيرصون على حفظ ومراعاة‬

‫مصاحلهم جتاه أصحاب احلقوق العرفية‪ ،‬فإن مصاحل األحباس والسيما األحباس العامة مع مرور الوقت تعرضت لكثري‬

‫(‪ - )31‬الونشريسى‪ ،‬املعيار املعرب‪ ،‬ج‪ ،6:‬ص‪.204:‬‬


‫(‪ - )32‬السلجماسي‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1:‬ص‪ 793:‬وما يليها‪ ،‬وانظر نفس املعىن يف حاشية البناين على شرح الزرقاين على خمتصر‬
‫الشيخ خليل‪ ،‬طبعة دار الفكر بريوت‪ ،‬جك‪ ،6‬ص‪.139:‬‬
‫(‪ - )33‬املهدي الوزاين‪ ،‬شرح نظم العمل الفاسي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .266:‬انظر آراء القائلني بشرعية هذه احلقوق وآراء القائلني بعدم شرعيتها مع أدلة ومستند‬
‫كل فريق من الفريقني‪ ،‬عند حممد الصويف يف مرجعه السابق‪ ،‬ص‪ 497:‬إىل ‪.486‬‬
‫(‪ - )37‬الوقف يف الفكر اإلسالمي حممد عبد العزيز بن عبد هللا ط‪ .‬وزارة األوفق ابملغرب ‪ ،2002‬ج‪ ،2 :‬ص‪.156:‬‬
‫‪252‬‬
‫من اهلضم واإلجحاف والتفريط‪ ،‬وهو ما حذا ابملشرع الوضعي اىل ان ينظم احلقوق العرفية املرتبة على عقارات األحباس‬

‫جبملة من النصوص القانونية منذ فجر احلماية يف حماولة إلعادة التوازن ورفع الغنب والضيم واإلجحاف الذي طال عقارات‬

‫األحباس العامة‪ ،‬وكان أهم هذه النصوص الظهري الشريف الصادر بتاريخ فاتح ربيع الثاين ‪ 1332‬املوافق لـ (‪ 24‬فرباير‬

‫‪ )1817‬املتعلق ابجلزاء واالستئجار واجللسة واملفتاح‪.‬‬

‫وقد جاء يف ديباجة هذا الظهري ما نصه‪" :‬إننا ملا رأينا ما عليه األحباس العامة مبملكتنا الشريفة من الضياع‬

‫والتفريط يف هذه األعوام املتأخرة خصوصا فيما يرجع للجزاء واالستئجار واجللسة والزينة وشبهها مما يسمى ابملفتاح‬

‫والغبطة والعرق واحلالوة وحنو ذلك‪ ،‬اقتضى نظران الشريف عرض ذلك على جلنة من العلماء تنظر حقيقة أمرها لينتج ما‬

‫يتعني شرعا وعرفا يف شأهنا‪ ،‬وحتفظ بذلك حقوق األحباس‪ ،‬وتراعي مصلحة من بيده من عامة الناس‪ ،‬فاجتمعت اللجنة‬

‫املذكورة وتفاوضت مع رجال دولتنا السعيدة‪ ،‬فاتضح ان احلق واإلنصاف‪ ،‬زايدة واجب األحباس يف الكراء؛ ألنه مغبون‬

‫بال نزاع وال خالف‪ ،‬كما أن بيع تلك املنافع جائز ألرابهبا حسبما جرى به العرف يف مملكتنا السعيدة‪ ،‬لكن حيث كان‬

‫الناس تسارعوا لشراء منافع أمالك األحباس من غري علم منهم ذلك من الغنب وااللتباس‪ ،‬وهتافتوا عليها متغافلني عما‬

‫يلزمهم من درك عواقبها‪ ،‬رأينا يف املصلحة املتعينة‪ ،‬والرفق والشفقة على الرعية‪ ،‬أن أتمر مبا ال جيحف بعامة الناس وال‬

‫يبقى فيه غنب جمحف على جانب األحباس"‪.‬‬

‫وقد أقر الفصل األول من هذا الظهري هذه احلقوق العرفية وثبتها على ما كانت عليه سابقا ملن بيده شيء منها‬

‫على وجه مسلم يف ذلك‪.‬‬

‫كما سوغ يف فصله الثاين ملن بيده هذه احلقوق التصرف فيها ابلبيع وحنوه طبق مقتضيات فصول هذا الظهري‪.‬‬

‫وأما الفصل الثالث من هذا الظهري فقد نظم كيفية اقتسام املتحصل من كراء هذه األمالك اليت ترتب عليها‬

‫احلقوق العرفية املشار إليها أعاله فنص على انه‪ " :‬يقسم الكراء املتحصل من األمالك اليت فيها اجللسة وما عطف عليها‬

‫على النسبة اآلتية سبعون ابلباء املوحدة يف املائة (‪ )%40‬لصاحب املنفعة والثالثون الباقية (‪ )%30‬جلانب احلبس‪."...‬‬

‫‪253‬‬
‫فيما صرحت الفقرة األوىل من الفصل السادس على انه‪ ":‬ال يزاد وال ينقص يف واجب احلبس على النسبة‬

‫املتقدمة‪ ،‬ويستمر العمل بذلك دائما حبيث تكون الثالثون يف املائة هي واجب احلبس من الكراء احلقيقي"‪.‬‬

‫بينما نص الفصل الثامن على تقدير قيمة الكراء احلقيقي بواسطة جلنة كل ثالثة أعوام‪ ،‬فتقوم اللجنة بتقدير‬

‫الكراء احلقيقي‪ ،‬وذلك فيما يتعلق ابجللسة وما أشبه ذلك من املفتاح والزينة وتقوم بتقدير مثن رقبة البقعة فيما يتعلق‬

‫ابجلزاء‪.‬‬

‫وفيما يتعلق مبا يلزم من الصوائر للبناء واإلصالح يف نفس اجللسة واملفتاح وشبهها‪ .‬خبالف اجلزاء واالستئجار‪،‬‬

‫فإنه يكون على اجلانبني حبسب النسبة املتقدمة كل يف وقته‪."...‬‬

‫أما الظهري الشريف الصادر بتاريخ ‪ 4‬رمضان ‪ 9(1337‬يوليوز ‪ )1816‬املتعلق بضبط أمر املعاوضات يف‬

‫أمالك األحباس الىت عليها املنفعة فقد نص يف فصله الثاين على كيفية هذه املعاوضة حسب النسبة املشار إليها يف ظهري‬

‫‪24‬فرباير ‪ 1332‬يف فصله اخلامس‪.‬‬

‫ومن النصوص اليت وردت فيها اإلشارة إىل احلقوق العينية العرفية ظهري ‪ 18‬رجب لسنة ‪ 1333‬امللغى يف فقرته‬

‫العاشرة من الفصل الثامن‪ ،‬وإن كان هذا الظهري مل يتعرض لتعريف هذه احلقوق وال إىل تنظيمها‪ ،‬فإنه اكتفى يف الفصل‬

‫‪ 184‬ابلقول‪" :‬إن احلقوق العرفية اإلسالمية املشار إليها يف الفقرة العاشرة من الفصل الثامن من هذا الظهري تبقى‬

‫خاضعة للعادات واألعراف اليت حتكمها"‪.‬‬

‫وقد جعل الفصل العاشر من ظهري ‪ 8‬رمضان ‪ 12( 1331‬غشت ‪ )1813‬بشأن التحفيظ العقاري من ضمن‬

‫األشخاص الذين حيق هلم طلب التحفيظ‪ ،‬املتمتع حبق عيين من احلقوق املتفرعة عن امللكية حسب قواعد الشريعة‬

‫اإلسالمية كاجلزاء والزينة واهلواء‪.‬‬

‫كما ان القرار الوزيري الصادر بتاريخ ‪ 20‬رجب ‪ 3( 1333‬يونيو ‪ )1815‬يف فصله ‪ 14‬جيعل ما بني الذين‬

‫حيق هلم طلب إقامة رسوم خاصة تكون يف اسم املنتفع‪ ،‬أو املتمتع‪ ...‬أو من له حق من احلقوق العرفية اإلسالمية كاجلزاء‬

‫واالستئجار واجللسة والزينة واهلواء‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫وذلك بقصد التسجيل القانوين للحقوق العينية أو التكاليف العقارية اليت ميكن أن تنشأ على ‪ ...‬احلقوق املشار‬

‫إليها أعاله‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬احلقوق العرفية العينية إذا كانت واردة على عقار حمفظ فالبد من تسجيلها يف رمسه العقاري ليمكن‬

‫االحتجاج هبا ضد اجلميع مبا يف ذلك مالك رقبة ذلك العقار نفسه(‪.)35‬‬

‫وهذا ما كان ينص عليه أيضا الفصل الثاين من ظهري ‪ 18‬رجب ‪ 1333‬امللغى بقوله‪" :‬إن ضمان احلقوق‬

‫العينية أو التكاليف العقارية ولو بني األطراف ال حيصل إال إبعالهنا عن طريق تقييدها بصفة موجزة يف السجالت‬

‫العقارية‪ ...‬وكذا تقييد التغيريات الطارئة على هاته احلقوق‪."...‬‬

‫وقد طبق القضاء هذه املقتضيات على احلقوق العرفية العينية‪ ،‬وبصورة خاصة على حق الزينة‪ ،‬وهكذا جاء يف‬

‫قرار للمجلس األعلى (حمكمة النقض حاليا)‪ ":‬إن حق الزينة حسب الفصل ‪ 9‬من ظهري ‪ 2‬يونيو ‪ 1815‬يعترب حقا‬

‫عقاراي وأن الفصل ‪ 184‬من نفس الظهري عندما نص على أن احلقوق العينية اليت نص عليها الفقه الواردة يف الفصل ‪9‬‬

‫ومن بينها حق الزينة تبقى خاضعة للقواعد اليت حتكمها‪ ،‬ال حيدد إال القواعد اجلوهرية‪ ،‬وعليه فإن احملكمة صادفت‬

‫الصواب عندما اعتربت أنه ال ميكن االحتجاج حبق الزينة الذي مل يقع تسجيله يف السجل العقاري"(‪.)36‬‬

‫وقد كان ظهري ‪ 18‬رجب امللغى ينص على أنه ميكن أن تكون احلقوق العرفية العينية حمال النتفاع يرتتب عليها‬

‫كما جاء يف الفصل ‪.34‬‬

‫كما كان من املمكن أن تكون هذه احلقوق حمال لرهن رمسي تتحمل به وفق ما نص عليه الفصل ‪ 159‬من‬

‫ظهري ‪ 18‬رجب امللغى(‪.)34‬‬

‫هذه هي أهم النصوص العامة واخلاصة اليت تناولت موضوع احلقوق العرفية العينية‪ ،‬فماذا عما تضمنته كل من‬

‫مدونة احلقوق العينية ومدونة األوقاف والنصوص ذات الصلة بشأن هذه احلقوق ذلك ما يعرض له املطلب املوايل‪.‬‬

‫(‪ - )35‬انظر مقتضيات الفصلني ‪ 66‬و‪ 64‬من ظهري التحفيظ العقاري قبل تعديلهما وتتميمهما ابلقانون رقم ‪.17-04‬‬
‫(‪ - )36‬قرار عدد‪ ،301 :‬صادر بتاريخ ‪ 13‬ابريل ‪ ،1866‬منشور مبجلة قضاء اجمللس األعلى‪ ،‬العدد‪ ،8 :‬يونيو ‪ ،1868‬ص‪ ،57:‬وقد أشار إليه مأمون‬
‫الكزبري يف مرجعه السابق‪ ،‬ص‪.161-160:‬‬
‫(‪ - )34‬ملزيد من اإليضاح ينظر مأمون الكزبري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪619:‬‬
‫‪255‬‬
‫املطلب الثاين‪ :‬تنظيم احلقوق العينية العرفية يف مدونة احلقوق العينية ومدونة األوقاف‬

‫إن مدونة احلقوق العينية رقم ‪ 38 .09‬اليت ألغت ظهري ‪ 18‬رجب قد نصت على احلقوق العرفية اإلسالمية يف‬

‫مادهتا التاسعة (‪ )8‬بقوهلا‪" :‬احلق العيين األصلي هو احلق الذي يقوم بذاته من غري حاجة إىل أي حق آخر يستند إليه‪.‬‬

‫واحلقوق العينية األصلية هي‪ :‬حق امللكية؛ حق االرتفاق والتحمالت العقارية؛ حق االنتفاع؛ حق العمري؛ حق‬

‫االستعمال؛ حق السطحية؛ حق الكراء الطويل األمد؛ حق احلبس؛ حق الزينة؛ حق اهلواء والتعلية؛ احلقوق العرفية املنشأة‬

‫بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ"‪.‬‬

‫كما نظمت املدونة بعض احلقوق العرفية العينية اليت ترتتب على عقارات اخلواص كحق الزينة الذي مت تنظيمه يف‬

‫املواد من ‪ 131‬إىل ‪ ،134‬كما حددت املدة القصوى اليت ال ميكن أن يتجاوزها هذا احلق يف أربعني سنة كما أشارت‬

‫إليه املادة ‪ .137‬وكذلك مت تنظيم حق اهلواء والتعلية يف املواد من ‪ 139‬إىل ‪.171‬‬

‫أما حق اجللسة وحق اجلزاء وما يشبههم ا من احلقوق العرفية اليت يكون حملها العقارات اململوكة للخواص فلم يتم‬

‫تنظيمها‪.‬‬

‫كما أن املادة الثانية من مدونة احلقوق العينية تبنت نفس ما كان يتبناه الفصل الثاين من ظهري ‪ 18‬رجب‬

‫امللغى‪ ،‬وهكذا جاء يف الفقرة األوىل منها‪" :‬إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات اتبعة إلنشائها حتفظ احلق الذي‬

‫تنص عليه وتكون حجة يف مواجهة الغري على أن الشخص املعني هبا هو فعال صاحب احلقوق املبينة فيها"‪.‬‬

‫كما أن الفصل ‪ 66‬من ظهري التحفيظ العقاري كما مت تعديله وتتميمه استمر يف النص على أن‪ ":‬كل حق‬

‫عيين متعلق بعقار حمفظ يعترب غري موجود ابلنسبة للغري إال بتقييده‪ ،‬وابتداء من يوم التقييد يف الرسم العقاري من طرف‬

‫احملافظ على األمالك العقارية"‪.‬‬

‫يضاف إىل ذلك أن الفصل ‪ 64‬من ظهري التحفيظ العقاري كما وقع تعديله وتتميمه ابلقانون رقم‪17-04 :‬‬

‫جاء فيه ما نصه‪ ":‬إن األفعال اإلرادية واالتفاقات التعاقدية‪ ،‬الرامية إىل أتسيس حق عيين أو نقله إىل الغري أو اإلقرار به‬

‫‪256‬‬
‫أو تغيريه أو إسقاطه ال تنتج أي أثر ولو بني األطراف إال من اتريخ التقييد ابلرسم العقاري‪ ،‬دون اإلضرار مبا لألطراف‬

‫من حقوق يف مواجهة بعضهم البعض وكذا إبمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاهتم"‬

‫ومبا ان احلقوق العرفية هي من احلقوق العينية‪ ،‬فإنه إذا ما تعلق األمر برتتبها على عقار حمفظ فإن الفصلني ‪66‬‬

‫و‪ 64‬املشار إليهما أعاله تطبق مقتضياهتما على هذه احلقوق أيضا‪.‬‬

‫وإذا كانت مدونة احلقوق العينية مل تنص على مكنة ترتيب بعض احلقوق العينية على احلقوق العرفية العينية‬

‫كاالنتفاع والرهن الرمسي كما كان ينص على ذلك ظهري ‪ 18‬رجب امللغى يف الفصلني ‪34‬و ‪ ،159‬فإن كل من املادة‬

‫‪ 133‬واملادة ‪ 170‬من مدونة احلقوق العينية قد نصت على إمكانية ترتيب بعض احلقوق على كل من حق الزينة وحق‬

‫اهلواء والتعلية‪ ،‬وهكذا نصت املادة ‪ 133‬على أنه‪" :‬ميكن لصاحب حق الزينة أن يفوت البناء الذي أحدثه وأن يرهنه‬

‫ويرتب له أو عليه حقوق ارتفاق يف احلدود اليت جيوز له فيها مباشرة هذا احلق"‪.‬‬

‫فيما نصت الفقرة األوىل من املادة ‪ 170‬على أنه‪" :‬جيوز لصاحب حق اهلواء والتعلية أن يفوته أو يرهنه أو يرتب‬

‫له أو عليه حقوق ارتفاق مبا ال يتعارض مع طبيعته"‪.‬‬

‫وإذا كان الفصل ‪ 10‬من ظهري التحفيظ العقاري قبل تعديله وتتميمه ينص على أن املتمتع أبحد احلقوق العرفية‬

‫من ضمن الذين حيق هلم طلب التحفيظ‪ ،‬فإنه بعد التعديل والتتميم هلذا الفصل مبقتضى القانون رقم‪ ،17-04 :‬اختفت‬

‫هذه اإلشارة‪ ،‬وإن كانت قد متت اإلشارة يف الفقرة الثالثة منه إىل أن من ضمن من حيق هلم طلب التحفيظ‪ :‬املتمتع أبحد‬

‫احلقوق العينية اآلتية‪ :‬حق االنتفاع‪ ،‬الكراء الطويل األمد‪ ،‬الزينة‪ ،‬اهلواء والتعلية‪ ،‬احلبس‪.‬‬

‫فقد ألغى ال تعديل الفقرة الرابعة اليت كانت ختول من يتمتع ابحلقوق املتفرعة عن امللكية وفقا للفقه اإلسالمي‬

‫احلق يف تقدمي املطلب‪.‬‬

‫يستفاد من التعديل أن املشرع مل يعد يقرر مجيع احلقوق العينية املتفرعة عن امللكية طبقا لقواعد الشريعة‬

‫اإلسالمية وإمنا اقتصر فقط على حق الزينة‪ ،‬وحق اهلواء والتعلية‪ ،‬وحق احلبس‪ .‬أما احلقوق اإلسالمية األخرى كاجللسة‬

‫‪257‬‬
‫واجلزاء واملفتاح وأشباهها‪ ،‬فلم يعد املشرع يعتد بتقدمي مطلب التحفيظ بشأهنا‪ ،‬وال مدى قابليتها للتقييد يف الرسم‬

‫العقاري‪.‬‬

‫إن احلقوق العرفية اإلسالمية اليت كانت قائمة قبل دخول مدونة احلقوق العينية حيز التنفيذ(‪ )39‬هي وحدها اليت‬

‫تقبل التقييد(‪.)38‬‬

‫والتساؤل املطروح هو‪ :‬هل حيق ملن يتمتع حبق من احلقوق العرفية اليت كنت قائمة بوجه صحيح قبل دخول‬

‫مدونة احلقوق العينية حيز التنفيذ طلب إقامة رسوم خاصة تكون يف امسه وذلك بقصد التسجيل القانوين للحقوق العينية‬

‫أو التكاليف العقارية اليت ميكن أن تنشأ على هذه احلقوق(‪.)70‬‬

‫وإذا كانت مدونة احلقوق العينية مل تنظم احلقون العرفية العينية املرتتبة على عقارات األحباس ومل تعرفها‪ ،‬فإهنا‬

‫نصت يف مادهتا األوىل ع لى أن مقتضيات هذا القانون تسري على امللكية العقارية واحلقوق العينية ما مل تتعارض مع‬

‫تشريعات خاصة ابلعقار‪ ،‬وأنه تطبق مقتضيات قانون االلتزامات والعقود فيما مل يرد به نص يف املدونة‪ ،‬فإن مل يوجد نص‬

‫فيه يرجع إىل الراجح واملشهور وما جرى به العمل من الفقه املالكي‪ ،‬ومبا أن املادة ‪ 130‬من نفس املدونة نصت على‬

‫أنه‪" :‬تطبق على حق احلبس األحكام الواردة يف مدونة األوقاف"‪ ،‬فإنه وفقا لكل هذه املقتضيات نعود هبذا الشأن إىل‬

‫القانون اخلاص املتعلق ابألحباس واحلقوق العرفية العينية املرتتبة على عقاراهتا‪ ،‬أي إىل مدونة األوقاف وخصوصا املواد من‬

‫‪ 103‬إىل ‪ .104‬وكذا إىل ظهري ‪ 24‬فرباير ‪ 1817‬املتعلق ابجلزاء واالستئجار واجللسة واملفتاح والزينة كما وقع تغيريه‬

‫وتتميمه‪ ،‬والذي أشارت مدونة األوقاف يف مادهتا ‪ 166‬إىل أن أحكامه تبقى سارية املفعول ابلنسبة للحقوق العرفية‬

‫املنشأة قبل دخول هذه املدونة حيز التنفيذ على األموال املوقوفة وقفا عاما إىل حني انقضائها وفق أحكام املادة ‪105‬‬

‫(‪ - )39‬نصت املادة ‪ 8‬كما سبقت اإلشارة إليه أعاله‪ :‬ابإلضافة إىل احلقوق العرفية اليت نظمتها على‪" :‬احلقوق العرفية املنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا‬
‫القانون حيز التنفيذ"‪ .‬أما اجللسة واجلزاء وشبههما مما مل تنص عليه املادة ‪ 8‬فلم يعد يعرتف هبا بعد دخول املدونة حيز التنفيذ‪.‬‬
‫(‪ - )38‬د‪ .‬عمر أزكاغ‪ ،‬مستجدات ظهري التحفيظ‪ ،‬مقال منشور على االنرتنت يوم اجلمعة ‪ 30‬ديسمرب ‪.2011‬‬
‫(‪ - )70‬كما كان ينص على ذلك الفصل ‪ 14‬من القرار الوزيري الصادر ‪ 10‬رجب ‪ 1333‬موافق ‪ 3‬يونيو ‪ 1815‬بشأن تفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري‪.‬‬
‫ووفق ما كان ينص عليه كل من الفصل ‪ 34‬والفصل ‪ 159‬من ظهري ‪ 18‬رجب امللغى‪ ،‬كما سلفت اإلشارة إىل ذلك أعاله‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫من مدونة األوقاف‪ .‬وإىل أحكام الفقه املالكي فقها واجتهادا مبا يراعي فيه حتقيق مصلحة الوقف وذلك عندما ال يوجد‬

‫نص يف مدونة األوقاف حسبما نصت عليه املادة ‪ 168‬منها‪.‬‬

‫ويبدو أن هنا ك انسجاما اتما بني مدونة احلقوق العينية ومدونة األوقاف؛ عندما تبنت كل منهما نفس النهج يف‬

‫احلد والتضييق من جمال إنشاء احلقوق العرفية العينية‪ ،‬حيث نصت املادة ‪ 103‬من مدونة األوقاف يف فقرهتا األوىل على‬

‫أنه‪" :‬ال جيوز إنشاء أي حق من احلقوق العرفية من زينة أو جلسة أو جزاء أو مفتاح أو استئجار أو غبطة أو عرف أو‬

‫حالوة أو غريها على أي ملك من أمالك األوقاف العامة"‪.‬‬

‫فيما نصت الفقرة احلادية عشرة من املادة ‪ 8‬من مدونة احلقوق العينية على أن من ضمن احلقوق العينية‬

‫األصلية‪" :‬احلقوق العرفية املنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ"‪ .‬ومبفهوم املخالفة فال عربة ابحلقوق‬

‫العرفية اليت قد تنشأ بعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ‪ ،‬ألهنا غري قانونية‪ ،‬مبعىن أنه مل يعد هناك جمال إلنشاء حق‬

‫اجللسة أو اجلزاء او املفتاح وما يشبههما من احلقوق العرفية العينية اليت مل تذكر ضمن ما نصت عليه املادة ‪ 8‬أعاله بعد‬

‫دخول مدونة احلقوق العينية حيز التنفيذ‪.‬‬

‫وقد أكدت مدونة احلقوق العينية أن احلقوق العينية العقارية املذكورة يف املادة ‪ 8‬واملادة ‪ 10‬هي على سبيل‬

‫احلصر‪ ،‬وهكذا نصت املادة ‪ 11‬منها على أنه‪" :‬ال جيوز إنشاء أي حق عيين آخر إال بقانون"‪.‬‬

‫لكن من خالل املادة ‪ 105‬من مدونة األوقاف يبدو أهنا فقدت بوصلة االنسجام مع املنظومة الفقهية اليت‬

‫تستند إليها هذه احلقوق العرفية العينية وهي األحكام والعوائد واألعراف والفتاوى الفقهية لكثري من علماء املالكية اليت‬

‫نصت على أن ترتيب هذه احلقوق العرفية على عقارات األحباس هي على وجه الدوام‪ ،‬وهو الذي مل جيد معه مشروع‬

‫احلماية بدأ يف إطار االنسجام مع األعراف والعوائد اإلسالمية من النص عليه يف ظهري ‪ 24‬فرباير ‪ 1817‬يف فصله األول‬

‫بقوله‪" :‬إن منفعة اجلزاء وما ذكر أعاله ابقية اثبتة على ما كانت عليه سابقا ملن بيده شيء منها على وجه مسلم يف‬

‫ذلك"‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫كما أكد على ذلك نفس الظهري يف فصله السادس حيث قال فيه ابحلرف‪" :‬ال يزاد وال ينقص يف واجب‬

‫احلبس على النسبة املتقدمة ويستمر العمل بذلك دائما حبيث تكون الثالثون يف املائة هي واجب احلبس من الكراء‬

‫احلقيقي"‪.‬‬

‫وحفاظا على استقرار املعامالت فإن املنطق ا لقانوين يفرض أن القانون اجلديد واملتمثل يف مدونة األوقاف ال‬

‫ينبغي أن يؤثر على املراكز القانونية اليت كانت قائمة قبل وجوده‪ ،‬فما ابلك واملادة ‪ 105‬منه مل تكتف ابلتأثري على املراكز‬

‫القانونية ألصحاب هذه احلقوق‪ ،‬بل ذهبت مذهبا بعيدا وحجرت كثريا على أصحاب هذه احلقوق وذلك ابإلجهاز‬

‫عليها وإلغائها هنائيا مبرور عشرين سنة من دخول مدونة األوقاف حيز التنفيذ‪ ،‬إذ جاء يف هذه املادة يف فقرهتا األخرية‬

‫بعد أن نصت على أسباب انقضاء احلقوق العرفية ما نصه‪" :‬كما تنقضي هذه احلقوق يف مجيع احلوال مبرور عشرين سنة‬

‫ابتداء من دخول هذه املدونة حيز التنفيذ(‪.)71‬‬

‫أما املادة ‪ 107‬فقد طمت الوادي على القرى فنصت ابحلرف على أنه‪" :‬ال تشمل احلقوق العرفية املنشأة على‬

‫أمالك وقفية عامة احلق يف اهلواء‪ ،‬ويعترب هذا األخري حقا خالصا لألوقاف العامة"‪.‬‬

‫فأين حنن من أن العقد شريعة املتعاقدين اليت أشار إليها لفصل ‪ 230‬من‪ .‬ق‪ .‬ل‪ .‬ع املغريب؟‬

‫وإذا كان تربير ذلك حبماية مصلحة األوقاف فإن ذلك ال يقتضي اإلجحاف على من بيده هذه احلقوق‪ ،‬فكما‬

‫جيب احلرص على عدم التفريط يف األحباس ينبغي كذلك احلرص على عدم التفريط ىف األحباس ينبغى كذلك احلرص‬

‫على عدم إدخال ما ليس منها فيها‪ ،‬فمشرع احلماية – وهو يراعي مصلحة األحباس‪-‬كأن أرحم أبصحاب هذه‬

‫احلقوق من مشرع اليوم‪ ،‬حيث كان من مجلة ما نص عليه يف ديباجة ظهري ‪ 1817‬ابحلرف‪ ..." :‬رأينا يف املصلحة‬

‫املتعينة والرفق والشفقة على الرعية أن أنمر مبا ال جيحف بعامة الناس وال يبقى فيه غنب جمحف على جانب األحباس"‪.‬‬

‫(‪ - )71‬تنص الفقرات األوىل من املادة ‪ 105‬على ما يلي‪" :‬يعترب سببا النقضاء احلقوق العرفية املنشأة على األمالك الوقفية العامة‪:‬‬
‫‪ -‬هالك البناءات أو املنشآت أو األغراس املقامة على هذه األمالك والعائدة إىل صاحب احلق العريف؛‬
‫‪ -‬عدم أداء صاحب احلق العرقي الوجيبة الكرائية ملدة سنتني متتاليني‪ .‬ويف هذه احلالة نسرتد األوقاف احملل مبنافعه‪ ،‬ومينح صاحب احلق األسبقية يف كرائه‪.‬‬
‫‪ -‬تصفية هذه احلقوق إبحدى الطرق املنصوص عليها يف املادة ‪ 106‬بعده"‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫فكما أن مصلحة األحباس ينبغي أن تراعي وأن يرفع عنها الغنب واإلجحاف كذلك ينبغي مراعاة أصحاب هذه احلقوق‬

‫من أن يلحقهم أي شطط أو إجحاف‪ .‬فقد وازن مشرع احلماية بني املصلحتني بناء على قاعدة ال ضرر وال ضرار‪.‬‬

‫أما اشرتاط مدونة األوقاف أال تتجاوز مدة هذه احلقوق عشرين سنة من اتريخ دخوهلا حيز التنفيذ – إن مل‬

‫تكن قد انقضت هذه احلقوق العرفية العينية قبل ذلك أبحد األسباب اليت ذكرهتا هذه املادة‪ ،‬أو مل يكن قد مت تصفيتها‬

‫قبل هذه املدة أيضا بطريقة من الطرق اليت نصت عليها مدونة األوقاف يف املادة ‪ ،)72(106‬ففيه إجحاف أبصحاب‬

‫هذه احلقوق‪ ،‬إذ األصل يف هذه احلقوق أن تكون على الدوام وملدة غري حمدودة حسب العرف وما جرى به العمل‪.‬‬

‫ولعل هناك جمموعة من املربرات جعلت مشروع مدونة األوقاف يلجأ إىل احلد من استمرار هذه احلقوق العرفية‬

‫إىل ماال هناية‪ ،‬نظرا ملا تثريه من إشكاالت عملية نتيجة ملا عرفته امللكية وفروعها والقوانني املنظمة هلا من تطورات‬

‫وتغريات جذرية قد ال تصمد معها هذه احلقوق العرفية على الطبيعة اليت هي عليها اآلن‪.‬‬

‫كما أن احلقوق العرفية العينية املرتتبة على عقارات األحباس العامة هي واردة على املنفعة‪ ،‬وهي قيد خطري يرد‬
‫على هذه الع قارات قد يفرغ مفهوم األحباس من حمتواها؛ بل إن هذه احلقوق العرفية العينية هي ملكية تعلو على امللكية‬
‫األصلية‪ ،‬وهي من أثقل القيود اليت ترد عقارات األحباس؛ إذ ابنتزاع حق املنفعة عن هذه العقارات لن تبقى هلا أى‬
‫جدوى اقتصادية‪،‬ومابقاء رقبة هذه العقارات اتبعة لألحباس يف الواقع العملي إال مظهرا قانونيا معنواي بئيسيا‪ ،‬أضحت‬
‫معه هذه الرقبة اتفهة ال تعود على األحباس إال بعائدات هزيلة ال تتناسب وحجمها وأمهيتها‪ ،‬وال سيما مع تقاعس إدارة‬
‫األوقاف يف تفعيل اآلليات اليت نصت عليها الظهائر الشريفة املنظمة لألحباس‪ ،‬حىت إن بعض عقارات األحباس ظلت‬
‫مكراه مببلغ هزيل وهزيل جدا ال يتجاوز دريهمات معدودة‪ ،‬مع أن مقتضيات الفصل الثامن من ظهري ‪ 1817‬كما وقع‬
‫تغيريه ابلظهري الشريف الصادر بتاريخ ‪ 4‬رمضان ‪9( 1337‬يوليوز ‪ )1816‬يوفر آلية ومكنة مهمة لو فعلت ملا صارت‬
‫عقارات األحباس املثقلة هبذه احلقوق إىل احلالة املزرية اليت هي عليها اليوم‪ ،‬فهذا الفصل ينص على تكوين جلنة تعينها‬

‫(‪ - )72‬تنص املادة ‪ 106‬على ما يلي‪ :‬ميكن تصفية احلقوق العرفية املنشأة على األوقاف العامة وفق إحدى الطرق الثالث اآلتية‪:‬‬
‫‪ -‬شراء إدارة األوقاف للحق العريف املرتتب لفائدة الغري؛‬
‫‪ -‬شراء صاحب احلق العريف لرقبة امللك الوقفي؛‬
‫‪ -‬بيع الرقبة واحلق العريف معا عن طريق املزاد وفق أحكام املواد من ‪ 60‬إىل ‪ 41‬من هذه املدونة‪ .‬وال يلجأ إىل هذه الطريقة إال يف حالة تعذر التصفية ابلطريقتني‬
‫السابقتني‪.‬‬
‫ويف هذه احلالة األخرية‪ ،‬حيق إلدارة األوقاف مث لصاحب احلق العريف على وجه الرتتيب ضم الرقبة واحلق املنشأ عليها شريطة زايدة نسبة عشرة يف املائة‬
‫على الثمن الذي رسا به املزاد‪.‬‬
‫جيب ممارسة حق الضم املشار إليه أعاله داخل أجل ثالثني (‪ )30‬يوما من اتريخ إجراء املزاد‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫إدارة الوقاف عند االقتضاء تقوم كل ثالثة أعوام بتقدير الكراء احلقيقي وذلك فيما يتعلق ابجللسة وما أشبه ذلك من‬
‫املفتاح والزينة وتقوم بتقدير مثن رقبة البقعة فيما يتعلق ابجلزاء املعرب عنه أيضا االستئجار‪.‬‬
‫واحلالة هذه‪ ،‬فإن هذه املربرات وغريها تسوغ ملشروع مدونة األوقاف واإلقدام على إعادة االعتبار لعقارات‬
‫األحباس املثقة هبذه احلقوق للحد من غلوائها ويف الوقت نفسه لتزويد مؤسسة احلبس بوسائل قانونية حديثة تضمن‬
‫احلماية الناجعة لعقاراهتا‪ ،‬وبنظم تدبريية تيسر حسن استغالهلا والستفادة منها‪ ،‬وبطرق استثمارية متكنها من املسامهة يف‬
‫مشاريع التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وتعيد ملؤسسة احلبس دورها الرايدي الذي هنضت به عرب التاريخ‪.‬‬
‫ولكن الذي قد ال يستسيغه املنطق القانوين السليم هو اختصار املدونة ألجل انقضاء هذه احلقوق يف مدة‬
‫(‪ )20‬عشرين سنة(‪ ،)73‬فنعتقد أن هذا املسلك غري سليم؛ ألن مدة (‪ )20‬عشرين سنة تعترب يف عمر هذه احلقوق مدة‬
‫قصرية جدا‪ ،‬ونعتقد أن أصحاب هذه احلقوق قد حافظوا لنا على عني احلبس واستمرار عطائه لسنوات طويلة ويف‬
‫سنوات عجاف زهد الناس فيها عن أمالكهم اخلاصة فباألحرى األمالك احلبيسة‪ ،‬فكان ينبغي مكافأهتم مبا يتناسب وما‬
‫قدموه من خدمة لألحباس‪ ،‬ال أن يكافؤوا حبرماهنم من هذه احلقوق العرفية املرتتبة هلم على عقارات األحباس بعد عشرين‬
‫سنة من دخول مدونة األوقاف حيز التنفيذ‪.‬‬
‫مع العلم أن املشرع وإن كان قد منع إنشاء هذه احلقوق العرفية العينية ورام القضاء على القائمة منها مبرور‬
‫عشرين سنة يف مجيع األحوال‪ ،‬فإنه عاد يف تناقض صارخ مع هذا املبدأ ليقرر يف الفقرة الثانية من ‪ 103‬من مدونة‬
‫األوقاف أنه جيوز وقف أي ملك على األوقاف العامة‪ ،‬وإن كان مثقال حبق من احلقوق املذكورة‪.‬‬
‫وقد كان على املشرع املغريب يف مدونة األوقاف أن يسلك على األقل مسلك بعض التشريعات العربية اليت‬
‫سبقتنا إىل التحديد يف هذا اجملال مثل التشريع املصري الذي حدد للحكر – وهو يقابل حق اجلزاء عندان‪-‬مدة أقصاها‬
‫(‪ )40‬سبعني سنة(‪ ،)77‬والتشريع األردين الذي جعل أقصاها (‪ )50‬مخسني سنة حسب مقتضيات املادة ‪ 1251‬من‬
‫القانون املدين األردين‪.‬‬
‫فالتشريع املغريب خالف حىت مشروع قانون املعامالت املالية العريب املوحد الذي هبط يف املادة ‪ 1176‬بسقف‬
‫مدة احلكر فجعله (‪ )36‬ستا وثالثني سنة‪.‬‬
‫بل إن املشرع العريب يف حتديد األجل الذي تنقضي فيه احلقوق العرفية العينية خالف حىت نفسه‪ ،‬حيث حدد يف‬
‫مدونة احلقوق العينية األجل الذي ينقضي فيه حق الزينة‪-‬وهو من احلقوق العينية العرفية‪-‬يف (‪ )70‬أربعني سنة‪ ،‬وهكذا‬
‫نصت الفقرة األوىل من املادة ‪ 137‬على أنه‪" :‬جيب أن ال يتجاوز مدة حق الزينة أربعني سنة‪ ،‬فإذا نص العقد على مدة‬
‫أطول أو سكت عن حتديد املدة فإن املدة املعتربة هي أربعون سنة"‪.‬‬

‫(‪ - )73‬فلو اعتربان أن حتديد هذا األجل هو التزام من إدارة األوقاف على أنه بعد عشرين سنة ستكون قد أهنت مسألة هذه احلقوق إن مل تكن قد انقضت أو‬
‫صفيت حسب مقتضيات هذه املدونة قبل ذلك‪ ،‬فإن املنطق التشريعي كان يقتضي أال يوضع هذا النص يف مدونة األوقاف وإمنا كان ينبغي أن يوضع يف‬
‫النصوص التطبيقية هلا‪.‬‬
‫(‪ - )77‬حممد سوار‪ ،‬احلقوق العينية‪ ،‬شرح القانون املدين األردين‪ ،‬مكتبة دار الثقافة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬اإلصدار الثالث‪ ،1888 :‬ص‪.720-718:‬‬
‫‪262‬‬
‫بل إن مشرع مدونة احلقوق العينية جعل هذا األجل – أي ‪ 70‬سنة‪ -‬قاصرا على حقوق الزينة اليت تنشأ يف ظل‬
‫هذا القانون‪ ،‬أما حقوق الزينة اليت كانت نشأت قبل هذا القانون فإن املدونة مل متس أو تزحزح املراكز القانونية ألصحاهبا‬
‫أو تقيدها مبدة معينة‪ ،‬مع أن هذه احلقوق مرتتبة على عقارات مملوكة للخواص وهم أحرص الناس على رفع هذا القيد‬
‫اخلطري عن ملكياهتم‪ ،‬وكل ما جاءت به املدونة بشأن احلقوق القائمة هو أنه ليس ملالك حق الزينة يف هذه احلالة أن يبين‬
‫من جديد ما تالشى لقدمه أو بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة إال إبذن مالك الرقبة‪ ،‬وهذا صريح الفقرة الثانية من‬
‫املادة ‪ 137‬ونصها‪" :‬ال يسري حكم هذه املادة على حقوق الزينة القائمة عند صدور هذا القانون‪ ،‬غري أنه ليس ملالك‬
‫حق الزينة يف هذه احلالة أن يبين من جديد ما تالشى لقدمه أو بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة إال إبذن مالك‬
‫الرقبة"‪.‬‬
‫فلو سلك املشرع املغريب يف مدونة األوقاف على األقل ما سلكه يف مدونة احلقوق العينية حلافظ من نوع من‬
‫االنسجام يف املنظومة القانونية اليت تؤطر العقار واحلقوق العينية اليت ترتتب عنه سواء كان عقارا مملوكا للخواص أو كان‬
‫عقارا لألحباس‪.‬‬
‫إن ما جاء يف املادة ‪ 105‬من املدونة فيه إجحاف وتضييق مبالغ فيه على أصحاب هذه احلقوق وأصحاب‬
‫هذه املراكز القانونية‪ ،‬ولعل هذا من مجلة األسباب اليت تعيق حىت اآلن خروج مدونة األوقاف إىل حيز التنفيذ‪ ،‬وما تعليق‬
‫تنفيذها على صدور مجيع النصوص الت نظيمية يف أغلب املقتضيات املسطرية إال جلاما يكبح مجاح مدونة األوقاف من‬
‫االنطالق‪ ،‬وحنسب أن أصحاب هذه احلقوق سيسعون بشكل أو آبخر وأبيه وسيلة ممكنة إىل أتخري وعرقلة صدور مجيع‬
‫النصوص التنظيمية‪ ،‬وابلتايل سيسامهون بنصيبهم يف احليلولة دون دخول املدونة حيز التنفيذ؛ ألنه كلما طال أمد تعطيل‬
‫املدونة كلما طال عمر هذه احلقوق العينية العرفية‪.‬‬
‫خامتة‬
‫يبدو من مالحظتنا األولية على مدونة األوقاف أن جل قواعدها القانونية من القواعد اآلمرة وهو ما أصبحت به إدارة‬
‫األوقاف جتنح إىل التصرف ابعتبارها صاحبة سلطة تفرض شروطها على األطراف املتعاقدة معها؛ بل وجيعل هذه األطراف‬
‫املتعاقدة معها تذعن لشروطها‪ ،‬وهذا يتطلب التفكري مليا يف كيفية توفري احلماية القانونية للطرف الضعيف يف عالقته التعاقدية‬
‫معها‪.‬‬
‫ونعتقد أنه يف ظل عدم دخول مدونة األوقاف إىل حيز النفاذ ستظل النصوص القائمة هي املطبقة على األحباس وهي‬
‫نصوص مشتتة بني عدد من الظهائر اليت تصل إىل أكثر من ‪ 15‬ظهريا‪ ،‬جلها صدر يف بداية احلماية‪ ،‬ونعتقد أن هذا القصور‬
‫التشريعي من مجلة األسباب اليت تعرقل جهود إصالح مؤسسة حلبس؛ ذلك أن هذا اإلصالح ال يتأتى إال إبصالح اجلانب‬
‫التشريعي أوال واإلصالح اإلدارى اثنيا واإلصالح التمويلي اثلثا‪.‬‬
‫وتعترب مدونة األوقاف ىف عمومها خطوة يف االجتاه الصحيح‪ ،‬ولبنة هامة وأساسية يف درب اإلصالح الشامل ملؤسسة‬
‫األحباس‪ ،‬وهي جهد عظيم مت فيها مجع العديد من القواعد الفقهية يف قالب تشريعي حديث‪ ،‬إال أهنا يف النهاية هى ككل جهد‬
‫تشريعي ال يعدو أن يكون جهدا بشراي يرد عليه اختالف وجهات النظر كما يرد عليه التطوير واإلضافة‪ ،‬والكمال هلل الواحد‬
‫القهار والعصمة لألنبياء‪ ،‬ويكفي أهنا جتربه مغربية خالصة ال ميلك املرء إال التنويه ابجلهود اخلالصة واملخلصة اليت بذلت فيها‪،‬‬
‫وكل ما نتمناه هو أن يكتب هلذه التجربة النجاح والتوفيق والسداد وأن تدلل الصعاب وتنفض الغبار الذي تراكم على مؤسسة‬
‫احلبس عرب السنني واألعوام بسبب اإلمهال والتسيب وسوء التسيري والتدبري يف بعض األحيان‪ ،‬ونرجو من هللا أن ترتل أحسن‬
‫ترتيل وأن تعيد األمور إىل نصاهبا السليم‪ ،‬وهللا من وراء القصد وهو اهلادي إىل السبيل والسالم‪.‬‬

‫‪263‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like