You are on page 1of 19

‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد ‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫جملَّة الواحات للبحوث والدراسات‬


‫ر ت م د إ ‪2588-1892:‬‬ ‫ر ت م د‪1112- 7163 :‬‬
‫‪https://www.asjp.cerist.dz/en/PresentationRevue/2‬‬

‫احملاكمة العادلة يف اإلسالم من خالل رسالة عمر بن اخلطّاب‬


‫إىل أبي موسى األشعري‬
‫‪The Fair Trial In Islam Through The Message Of Omar Ibn‬‬
‫‪Al-Khattab To Abu Musa Al-Ash'ari‬‬
‫عبد العالي بوعالم‬
‫كلّية العلوم االنسانية واالجتماعية‬
‫قسم العلوم االسالمية ‪ ،‬جامعة غرداية‬
‫شارع بن خمتار سليمان حي ثنية املخزن غرداية‬ ‫العنوان‪ 18 :‬ال ّ‬
‫‪boualem40000yahoo.fr / boualemabdelali314@gmail.com‬‬
‫‪abdelali.boualem@ univ-ghardaia.dz‬‬

‫تاريخ القبول‪2020-12-07 :‬‬ ‫تاريخ االستالم‪2019-05-21 :‬‬

‫ملخص ‪-‬‬
‫يعدُّ العدل أساس احلكم وامللك؛ لذا فقد أواله اإلسالم اهتماما كبريا‬
‫فوضع للقضاة شروطا معيّنة ووضع لكيفية إجراء احملاكمات سبيال حمكما‬
‫وأهم بشر من بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وأبي بكر الصّديق وُفّق يف هذا‬
‫هو عمر بن اخلطّاب رضي اهلل عنه من خالل نصائحه وتوجيهاته للقضاة والوالة‬
‫يف كيفية تسيري احملاكمات العادلة ولعلَّ أهم هذه التوجيهات ما بعث به إىل‬
‫أبي موسى األشعري فوضع له وثيقة القضاء والتّي تعدُّ دستور احملاكمات‬
‫العادلة‪.‬‬
‫من هذا املنطلق‪ ،‬ارتأيت أن أقوم بدراسة تلك الرّسالة ومقارنتها مبحاوالت‬
‫فقهاء القانون لتطبيق احملاكمة العادلة يف القانون‪.‬‬
‫الكلمات الدالة‬
‫وثيقة القضاء‪ /‬العدل‪ /‬احملاكمة العادلة‪ /‬رسالة عمر بن اخلطّاب‬

‫املؤلف املرسل‪ :‬عبد العالي بوعالم‪boualem40000yahoo.fr :‬‬


‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫‪Abstract-‬‬

‫‪The Justice Is The Cornerstone Of Governance And Power, Hence,‬‬


‫‪Islam Has Given More Importance To Implementing Justice And‬‬
‫‪Putting Certain Conditions For The Judges About How To Conduct‬‬
‫‪Trials In The Court And Honoured Them As The Highest After The‬‬
‫‪Prophet Mohammed, The Messenger Of Allah, Peace Be Upon Him,‬‬
‫‪Abu Bakr Al Sidique And Omar Bin Khattab, May Allah Be Pleased‬‬
‫‪With Him; Who Contributed Enormously With His Advice And‬‬
‫‪Guidance To The Judges And Governors On How To Conduct Fair‬‬
‫‪Trials; Perhaps The Most Important Of This Directives Is The One‬‬
‫‪That He Sent To Abu Musa Al- Ash’ari Providing Him With The‬‬
‫‪Judicial Steps Which Became Judicial Clauses For The Fair Trial.‬‬

‫‪Key Words-‬‬
‫‪The Judiciary Document /Justice /Fair Trial / Message Omar Bin‬‬
‫‪Khatab.‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫أرسى اإلسالم قواعد العدل بني النّاس‪ ،‬ألنَّ اهلل امسه العدل وقد حرَّم على‬
‫نفسه الظلم والعدل هو أساس املُلك‪ ،‬كما يقول ابن خلدون رضي اهلل عنه‪ ،1‬وهو‬
‫من امللثل العليا والقيّم اخلالدة يف كلّ زمان ومكان وقد فرض اهلل على املؤمنني‬
‫اتّباع احلقَّ والتزام الصّدق والتّرفّع عن الظلم؛ ألنّ الظلم مرتعه وخيم والظّلم‬
‫ظلمات يوم القيامة واهلل ال حيب الظّاملني وهو من أسباب هالك األمم أن يُحابى‬
‫األشراف والرّؤساء وذوو اجلاه‪ ،‬بينما يُعاقَب الضّعفاء الذين ال جاه هلم حيميهم‬
‫ومن شأن هذه التّفرقة أن تلثري أحقاد العامة وتبعث كامن العداوة والبغضاء يف‬
‫نفوسهم وقد جتعلهم خيرجون عن القانون‪ ،‬كما أنَّها تعمل على تشجيع‬
‫املعتدين من األشراف والعظماء على التّمادي يف فسادهم وجرأتهم ويف هذا يقول‬
‫الرّسول صلى اهلل عليه وآله سلّم‪( :‬إنَّما أُهلك الذين من قبلكم إنَّهم كانوا إذا‬

‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحان‪ ،‬املقدمة‪ ،1978 ،4 ،‬دار الباز‪ ،‬مكّة املكرمة‪ ،‬ص‪.221‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪670‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬


‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه احلدَّ وأيم اهلل‬
‫طعْتُ يدها)‪.2‬‬ ‫أن فاطمة بنت حممّد سرقت لَقَ َ‬ ‫لو ّ‬
‫ويهتف اإلسالم الذي هو دين احلقّ والعدل أنزله اهلل من فوق سبع مساوات‬
‫وبلّغه نبيَّه صلى اهلل عليه وآله وسلّم؛ ليسود العدل ويقهر به الظّلم يف ك ّل‬
‫معامل احلياة ومن بني هذه املعامل احلكم بني النَّاس وفضّ نزاعاتهم‪ ،‬بالضمري‬
‫البشري أن يتحرى العدل يف القول والعمل وال سيّما يف الشّهادة؛ ألنَّ الشّهادة هلل‬
‫تعاىل فال جيوز كتمانها‪ ،‬قال تعاىل‪...﴿ :‬ولَا تكْتُمُوا الشَّهادةَ ومنْ يكْتُمْها فَإ َِّن ُه‬
‫َآ ِث ٌم َقلْبُ ُه واللَّهُ بِما تعْملُون علِيمٌ ﴾ (البقرة‪.)283 :‬‬
‫ويفرض على املؤمنني أن يظلّوا قائمني بالقسط‪ ،‬مواظبني على العدل‪،‬‬
‫يقولون احلقّ ويشهدونه ولو على أنفسهم أو الوالدين واألقربني‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫أَ ِو‬ ‫﴿ يا َأيُّها الَّذِين آمنُواْ كُونُواْ قَوّامِني بِالْقِسْطِ شُهداء ِللّهِ ولَوْ علَى أَنفُسِ ُكمْ‬
‫الْوالِد ْينِ واألَقْربِني إِن ي ُكنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَريًا فَاللّهُ أَوْلَى ِبهِما فَالَ تتّ ِبعُواْ الْهوى أَن‬
‫تعْدِلُواْ وإِن تلْوُواْ أَوْ ُتعْرِضُواْ فَإِنّ اللّه كَان بِما تعْملُون خبِريًا ﴾ ( النساء‪،)135 :‬‬
‫وأيضا مع األصدقاء واألعداء على حد سواء وال حيلّ ألحد أن ينحرف عن طريق‬
‫أو جيور‬ ‫الصّواب بدافع من الكراهية والبغضاء حتَّى مع األعداء فيظلم‬
‫ويرتكب ما ال حيّل؛ ألنَّ العدل من تقوى القلوب‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ ﴿ :‬يا َأيُّها الَّذِين‬
‫آمنُواْ كُونُواْ قَوّامِني ِللّهِ شُهداء بِالْقِسْطِ والَ يجْرِمنّكُمْ شنآنُ قَوْمٍ علَى َأالَّ تعْدِلُو ْا‬
‫ِن اللّه خبِريٌ بِما تعْملُون﴾ (املائدة‪. )8:‬‬ ‫ب لِلتّقْوى واتّقُو ْا اللّه إ ّ‬
‫اعْدِلُو ْا هُو أَقْر ُ‬
‫من هذا املنطلق فإنَّين سأقوم بتقسيم خطّة املقال كالتّالي‪:‬‬
‫أوّال ‪ -‬ماهية العدل يف االسالم‬
‫ثانيا ‪ -‬عناصر احملاكمة العادلة يف االسالم‬

‫‪ - 2‬البخاري حممد بن امساعيل‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬دار القدس‪ ،‬مصر كتاب احلدود وما‬
‫حيذر من احلدود‪ ،‬باب إقامة احلدود على الشريف والوضيع‪ ،‬رقم‪ ، 6787‬ج‪ ،4‬ص‪1253‬‬
‫( دون ذكر رقم الطبعة وتارخيها) ومسلم بن احلجّاج‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،4 ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬كتاب احلدود‪ ،‬باب قطع السارق الشريف وغريه والنهي عن الشفاعة يف‬
‫احلدود‪ ،‬رقم‪ ،)...(- 9‬ج‪ ،2‬ص‪ (،79‬دون ذكر رقم الطبعة)‪.‬‬
‫‪671‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫أوّال ‪ -‬ماهية العدل‪:‬‬


‫‪ - 1‬تعريف العدل يف اإلسالم‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تعريف العدل لغة‪ :‬جاء يف تعريفه أنَّه‪ :‬احلُكم باحلقّ وعدْل الشّيء نظريه‬
‫والعديل النّظري والعدل االستواء‪ ،‬يُقال‪ُ :‬غصنٌ عدلٌ؛ أي‪ :‬مستوي وعادلت بني‬
‫الشيئني؛ أي‪ :‬سوّيت بينهما وفالن يعدل فالناً؛ أي‪ :‬يساويه والعدل ما قام يف‬
‫النّفوس أنَّه مستقيم وهو ضدّ اجلور والعدل االستقامة وتعديل الشّيء‪ :‬تقويم‬
‫الشّيء بالشّيء من غري جنسه؛ ليكون حتّى جتعله له ملثالً وفرس معتدل الغرَّة؛‬
‫إذا توسّطت الغرّة جبهته فلم تصب أحد العينني ومل متل على واحد من‬
‫اخلدّين‪.3‬‬
‫ب ‪ -‬تعريف العدل‪ :‬اصطالحا‪ :‬عرَّفه اجلرجاني‪ ،‬أنّه‪:‬‬
‫"األمر املتوسّط بني اإلفرا والتّفريط والعدالة يف الشّريعة عبارة عن‬
‫االستقامة على طريق احلقّ باالجتناب عمَّا هو حمظور دينه "‪.4‬‬
‫أو‬ ‫وقيل هو ‪":‬إعطاء كلّ ذي حقّ ما يساوي حقَّه دون زيادة أو نقصان‬
‫املساواة بني التّصرف وما يقتضيه احلقّ دون زيادة أو نقصان"‪.5‬‬
‫ومعنى هذا‪ :‬أن العدل هو‪ :‬الوسطية يف األمور وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه‪.‬‬
‫‪ - 2‬تعريف القضاء‪ :‬سأقوم بتعريف القضاء باعتبار أنّ القضاء هو الطّريق‬
‫الذي يتحقّق به إمّا العدل أو غريه‪.‬‬
‫أ ‪ -‬تعريف القضاء لغة‪ :‬لفظة القضاء أتت على عدّة معان هي كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬احلكم‪ :‬مبعنى اإلجياب واإللزام‪ ،‬قال تعاىل‪...﴿ :‬فَاقْضِ ما أَنْت قَاضٍ‪﴾ ...‬‬
‫( طه‪)72 :‬‬

‫‪2009 ،2‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪ -‬انظر ابن منظور حممّد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫لبنان‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪( 522 - 515‬مادة‪ :‬عدل)‪.‬‬


‫‪ -‬اجلرجاني عبد القاهر‪ ،‬التّعريفات‪ ،‬حتقيق حممّد باسل عيون السّود‪ ،4 ،‬دار الكتب‬ ‫‪4‬‬

‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪( ،150‬دون ذكر تاريخ الطّبع)‪.‬‬


‫‪ -‬عبد الرّمحان حسن حبنكة امليداني‪ ،‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪1999 ،5 ،‬م‪ ،‬دار القلم‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫دمشق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.622‬‬


‫‪672‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫‪ -‬األداء واإلنهاء واإلكمال‪ :‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَإِذا قَضيْ ُتمْ مناسِكَ ُكمْ‪﴾ ...‬‬
‫(البقرة‪.)200 :‬‬
‫‪ -‬اإلبالغ واإلخبارواالعالم ‪ :‬قال تعاىل‪ ...﴿ :‬وقَضيْنا إِلَى بنِي إسْرائِيل ‪﴾...‬‬
‫‪.6‬‬
‫(اإلسراء‪)4 :‬‬
‫ب ‪ -‬تعريفه اصطالحا‪ :‬عُرّف يف املذاهب الفقهية على النّحو التّالي‪:‬‬
‫‪ -‬فعند املالكية قالوا هو‪" :‬منصب الفصل بني النّاس يف اخلصومات حسما‬
‫للتّداعي وقطعا للتّنازع‪ ،‬إالّ أنَّه باألحكام الشّرعية"‪ 7‬وعرّفه ابن فرحون بقوله‪:‬‬
‫"إخبار عن حكم شرعي على وجه اإللزام"‪.8‬‬
‫وقالت عنه احلنفية‪ ":‬إنهاء اخلصومات وقطع املنازعات على وجه خاص"‪.9‬‬
‫وأمَّا الشّافعية فقالوا‪" :‬إظهار حكم الشّرع يف الواقعة ممّن جيب عليه‬
‫إمضاؤه"‪.10‬‬
‫وذكرت احلنابلة أنَّه‪" :‬تبيني احلكم الشّرعي واإللزام به وفصل‬
‫اخلصومات"‪.11‬‬
‫وهلذه التّعاريف كلّها معنى واحد‪ ،‬هو‪ :‬إظهار احلقّ وفصل اخلصومات‪.‬‬
‫‪ - 3‬فوائد العدل يف االسالم ‪ :‬إنّ لتطبيق العدل يف االسالم فوائد مجّة‬
‫ذكرها العلماء يف كتبهم‪ ،‬ميكن تلخيصها يف‪:12‬‬

‫‪،4‬‬ ‫‪ -‬انظر الرّاغب األصفهاني‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬حتقيق حممّد خليل عيتاني‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪1426‬ه ‪2005-‬م‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪( ،406‬مادة‪ :‬قضى)‪.‬‬


‫‪ -‬ابن خلدون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ -‬برهان الدّين بن فرحون‪ ،‬تبصرة احلكّام يف أصول األقضية ومناهج األحكام‪1958 ،‬م‬ ‫‪8‬‬

‫مطبعة احلليب‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.12‬‬


‫‪ -‬حممّد أمني بن عابدين‪ ،‬حاشية رد احملتار‪1996 ،2 ،‬م‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪،5‬‬ ‫‪9‬‬

‫ص‪.352‬‬
‫‪ -‬حممّد اخلطيب الشّربيين‪ ،‬مغين احملتاج إىل معرفة معاني ألفاظ املنهاج‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ج‪،4‬‬ ‫‪10‬‬

‫ص‪.372‬‬
‫‪ -‬ابن النّجار‪ ،‬منتهى اإلرادات يف مجع املقنع‪1381 ،1 ،‬ه‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪( ،452‬دون ذكر مكان‬ ‫‪11‬‬

‫وبلد الطبع)‪.‬‬
‫‪673‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫‪ -‬أنَّه سبب حملبَّة اهلل تعاىل؛ قال تعاىل‪...﴿ :‬إِنَّ اللَّه ُيحِبُّ الْمُقْسِطِني﴾‬
‫(املائدة‪ )42 :‬وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬إنّ أحبُّ النَّاس إىل اهلل يوم‬
‫القيامة وأدناهم منه جملسا إمام عادل‪.13)...‬‬
‫‪ -‬وأنَّه كذلك سبب لدخول صاحبه يف ظلّ اهلل تعاىل يف اآلخرة فقد ذكر‬
‫رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله وسلّم اإلمام العادل ضمن السّبعة الذين يظلٌّهم‬
‫اهلل تعاىل يف ظلّه يوم ال ظلَّ إال ظلّه؛ لقوله صلّى اهلل عليه وآله وسلّم‪( :‬سبعة‬
‫يظلّهم اهلل يف ظلّه يوم ال ظلّ إالَّ ظلّه‪ ...‬وإمام عادل)‪.14‬‬
‫‪ -‬وأنه سبب علوُّ املنزلة عند اهلل تعاىل يوم القيامة‪ ،‬فقد روى مسلم يف‬
‫الصّحيح‪ ،‬أنّ رسول اهلل صلّى اهلل عليه وسلّم‪ ،‬قال‪( :‬إنَّ املقسطني على منابر من‬
‫نور عن ميني الرّمحنِ عزّ وجلّ وكلتا يديه ميني‪ ،‬الذين يعدلون يف حكمهم‬
‫وأهليهم وما ولدوا)‪.15‬‬
‫‪ -‬أن العدل سبب يف النصرة والعزّة‪ ،‬يقول اإلمام ابن تيمية رمحه اهلل‪:‬‬
‫"الدُّنيا تدوم مع العدل والكفر وال تدوم مع الظُّلم واالسالم"‪،16‬‬
‫أي‪ :‬تكون كافرة وحتكم بالعدل‪.‬‬

‫‪1429 ،1‬ه ‪-‬‬ ‫‪ -‬ابن األزرق‪ ،‬بدائع السّلك يف طبائع امللك‪ ،‬حتقيق علي سامي النّشّار‪،‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪2008‬م‪ ،‬دار السّالم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.204 – 202‬‬


‫‪ -‬التّرمذي حممّد بن عيسى‪ ،‬سنن التّرمذي‪ ،‬حتقيق حممّد النصَّار‪1434 ،4 ،‬ه ‪-‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪2013‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬رقم ‪ ،1329‬ج‪ ،2‬ص‪ ،331‬قال عنه ابن القطّان‬
‫علي بن حممد‪ ،‬الوهم وااليهام الواقعني يف كتاب األحكام‪1418 ،1 ،‬ه‪ ،‬دار طيبة‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪" :363‬حسن"‪.‬‬
‫‪ -‬البخاري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب من جلس يف املسجد ينتظر الصّالة وفضل‬ ‫‪14‬‬

‫املساجد‪ ،‬رقم ‪ ،660‬ج‪ ،1‬ص‪ ،189‬مسلم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب الزّكاة‪ ،‬باب فضل إخفاء‬
‫الصّدقة‪ ،‬رقم ‪ ،1031‬ج‪ ،1‬ص‪.423‬‬
‫‪ -‬مسلم‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب فضيلة اإلمام العادل وعقوبة اجلائر واحلث على‬ ‫‪15‬‬

‫الرّفق بالرّعية والنّهي عن إدخال املشقّة عليهم رقم ‪ ،1827‬ج‪ ،2‬ص ‪.150- 149‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ ،‬أمحد بن عبد احلليم‪ ،‬جمموع الفتاوى‪1425،‬ه ‪2004 -‬م‪ ،‬جممّع امللك‬ ‫‪16‬‬

‫فهد‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬اململكة العربية السّعودية‪ ،‬ج‪ ،28‬ص ‪.146‬‬


‫‪674‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫‪ -‬أنّ العدل أيضا سبب يف إجابة الدّعاء‪ ،‬فعن أبي هريرة‪ ،‬رضي اهلل عنه‪،‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله سلّم‪ ( :‬ثالثة ال تردّ دعوتهم‪ ،‬الصّائم حتّى‬
‫يفطر واالمام العادل ودعوة املظلوم يرفعها اهلل فوق الغمام وتفتح هلا أبواب‬
‫السّماء‪ ،‬ويقول الرّبُّ وعزّتي وجاللي‪ ،‬ألنصرنَّك ولو بعد حني)‪.17‬‬
‫‪ -‬أنّه سبب يف ضمان اجلنَّة‪ ،‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله سلَّم‪:‬‬
‫(وأهل اجلنَّة ثالثة‪ ،‬ذو سلطان مقسط ورجل رحيم رقيق القلب لكلّ ذي قربى‬
‫مسلم وعفيف متعفّف ذو عيال)‪.18‬‬
‫ثانيا ‪ -‬عناصر احملاكمة العادلة يف اإلسالم‪:‬‬
‫يعترب النّيب صلّى اهلل عليه وآله وسلّم القاضي األوّل يف دولة اإلسالم‬
‫وتوجيهاته يف قواعد التّقاضي تؤسّس للمحاكمات العادلة فمن ذلك قوله لعلي‬
‫بن أبي طالب كرّم اهلل وجهه‪ ،‬ملَّا أرسله إىل اليمن قاضيا‪( :‬فإذا جلس إليك‬
‫اخلصمان فال تقضنيّ حتَّى تسمع من اآلخر كما مسعت من األوّل‪ ،‬فإنَّه أحرى‬
‫أن يتبيَّن لك القضاء)‪.19‬‬
‫وسار على نهجه اخللفاء الرّاشدون ولعلّ رسالة عمر بن اخلطّاب رضي اهلل‬
‫عنه يف القضاء إىل أبي موسى األشعري واليه بالبصرة أكرب دليل على ذلك‬
‫والذي تعترب دستور القضاء وهذا الدّستور امتاح معظم كلماته من القرآن‬
‫الكريم ومن السنّة النّبوية وقائله عمر بن اخلطّاب والذي إذا ذكر العدل ذكر‬
‫عمر وكان احلسن البصري رضي اهلل عنه يقول‪" :‬أكلثروا من ذكر عمر فإنَّكم‬

‫‪ -‬التّرمذي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب صفة اجلنّة‪ ،‬باب ما جاء يف صفة اجلنّة ونعيمها‪،‬‬ ‫‪17‬‬

‫رقم‪ ،2525‬ج‪ ،3‬ص‪ ،394‬قال عنه املنذري عبد العظيم‪ ،‬التّرغيب والتّرهيب‪1421 ،1 ،‬ه‪،‬‬
‫دار الفجر للتّراث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪" :168‬اسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما"‪.‬‬
‫‪ -‬مسلم‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬كتاب اجلنّة وصفة نعيمها وأهلها‪ ،‬باب الصّفات التّي يعرف بها يف‬ ‫‪18‬‬

‫ال ّدنيا ألهل اجلنّة وأهل النّار‪ ،‬رقم ‪ ،2865‬ج‪ ،2‬ص‪.569- 568‬‬
‫‪ -‬أبو داود‪ ،‬سنن أبو داود‪ ،‬كتاب كيفية القضاء‪ ،‬باب كيف القضاء‪ ،‬رقم‪ ،3582‬ص‪568،‬‬ ‫‪19‬‬

‫سكت عنه ابو داود وقال عنه أبو داود‪ ،‬رسالة أبي داود إىل أهل مكّة يف وصف سننه‪ ،‬تح‪ .‬وتع‪.‬‬
‫وتق‪ .‬حممّد بن لطفي الصبّاغ‪1405 ،3 ،‬هـ‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪:28‬‬
‫ت عنه فهو صاحل"‪.‬‬ ‫"كل ما سك ُّ‬
‫‪675‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫إذا ذكرمت عمر ذكرمت العدل وإذا ذكرمت العدل ذكرمت اهلل"‪ ،‬وهذا الدّستور‬
‫يؤسّس دولة العدل وإلظهاره وإعطاء احلقّ ألهله‪ ،‬ال فرق بني رئيس ومرؤوس وال‬
‫بني حاكم وحمكوم ومُبني عن القواعد األساسية التّي يبنى عليها القضاء‪ ،‬من‬
‫عدل بني اخلصوم ورجوع إىل احلقّ‪ ،‬وطرق إجراءات التّداعي وسري احملاكمة‬
‫والرّجوع إىل نصوص كتاب اهلل تعاىل وسنّة رسوله يف كلّ ما يصدر عن القاضي‬
‫فهي رسالة عظيمة الفائدة حتوي ما تشتّت من أحكام القضاء وجتمع ما تف ّرق‬
‫من أسس التّنظيم واإلدارة للقضاء وهي دستور قويم يف نظام القضاء والتّقاضي‬
‫وسجّل حافل جامع لكلثري من شؤون القضاء ومسائله‪ ،‬جتمعها يف كلمات قليلة‬
‫املبنى كلثرية املعنى‪ .‬فقال‪:‬‬
‫‪ - 1‬نص الرسالة‪ :‬جاء نص الرسالة كما يلي‪:‬‬
‫"من عبد اهلل أمري املؤمنني عمر بن اخلطّاب إىل أبي موسى األشعري سالم‬
‫عليك‪ ،‬أمّا بعد‪ :‬فإنّ القضاء فريضة حمكمة وسنّة متّبعة فافهم إذا أدلي إليك‬
‫فإنّه ال ينفع تكلّم حبقّ ال نفاذ له‪ ،‬آس بني النّاس يف جملسك ووجهك‬
‫وقضائك‪ ،‬حتّى ال يطمع شريف يف حيفك وال خياف ضعيف من جورك‪ ،‬البيّنة‬
‫على املدّعي واليمني على من أنكر والصّلح جائز بني املسلمني إالَّ صلحا حرّم‬
‫حالال أو أحلّ حراما وال مينعك قضاء قضيته باألمس فراجعت فيه نفسك‬
‫وهديت فيه إىل لرشدك أن ترجع عنه إىل احلقّ فإنَّ احلقّ قديم ومراجعة احل ّق‬
‫خري من التّمادي يف الباطل‪ ،‬الفهم الفهم عندما يتلجلج يف صدرك ممَّا مل‬
‫يبلغك يف كتاب اهلل وال يف سنّة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬اعرف األملثال‬
‫واألشباه وقس األمور عند ذلك ثمّ اعمد إىل أحبّها إىل اهلل وأشبهها باحلقّ فيما‬
‫ترى واجعل للمدّعي حقّا قائما أو بيّنة أمدا ينتهي إليه فإن أحضر بينته أخذت‬
‫له حبقّه وإالَّ وجهت عليه القضاء فإنَّ ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى وأبلغ يف‬
‫العذر‪ ،‬املسلمون عدول بعضهم على بعض إالَّ جملودا يف حدّ أو جمربا عليه‬
‫شهادة زور أو ظنينا يف والء أو قرابة فإنّ اهلل قد توىل عنكم السرائر ودرأ عنكم‬
‫الشبهات ثمّ إيَّاك والقلق والضجر والتأذي بالنَّاس والتنكُّر للخصوم يف مواطن‬
‫احلقّ اليت يوجب اهلل بها األجر وحيسن بها الذخر فإنَّه من خيلص نيته بينه‬

‫‪676‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬


‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫وبني اهلل تبارك وتعاىل ولو على نفسه يكفه اهلل ما بينه وبني النَّاس ومن تز ّين‬
‫للنَّاس مبا يعلم اهلل منه خالف ذلك‪ ،‬هتك اهلل سرته وأبدى فعله فما ظنُّك‬
‫بلثواب غري اهلل يف عاجل رزقه وخزائن رمحته والسّالم عليك"‪.20‬‬
‫هذه هي وثيقة سيدنا عمر ابن اخلطّاب إىل أبي موسى األشعري كما أوردها‬
‫الدّار قطين وغريه وعند حتليلها‪ ،‬جند فيها دستور العدل للقاضي الذي يريد‬
‫إقامة حماكمة عادلة‪.‬‬
‫لكن قبل التّطرق إىل شرح الرّسالة وتبيّني ما فيها من أصول واضحة املعامل‬
‫للمحاكمة العادلة يف االسالم وحتّى يف كلثري من النّقا يف القوانني املعاصرة‬
‫الدّولية واحمللية‪ ،‬ينبغي التّنبيه على األوصاف التّي البد من توفرها يف القاضي‬
‫والتّي حصرها علماء اإلسالم‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون القاضي مسلما‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون القاضي عاقالً‪.‬‬
‫‪ -‬ان يكون بالغًا سن الرّشد‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون القاضي حراً‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يكون سليم احلواس‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون القاضي عدالً‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون له الكفاءة العلمية‪ ،‬أي‪ :‬أن يكون عاملاً باألحكام الشّرعية وهومن‬
‫أهل االجتهاد‪.‬‬
‫وأمَّا شرح بنود وعناصر نصّ رسالة سيّدنا عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬جندها من‬
‫عيون الكتب التّي سطَّر فيها للوالة طائفة من أحكام املرافعات وإجراءات‬
‫التّقاضي وهي تدل على سبق تنظيم فقه اإلجراءات وتتحدّث عن القواعد‬
‫األساسية التّي يبنى عليها القضاء ومن عدل بني اخلصوم ورجوع إىل احلقّ‪،‬‬
‫وطرق إجراءات التّداعي وسري احملاكمة والرّجوع إىل نصوص كتاب اهلل تعاىل‬
‫وسنّة رسوله يف كل ما يصدر عن القاضي‪.‬‬

‫‪ -‬الدّار قطين‪ ،‬سنن الدار قطين‪1414 ،‬ه‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬رقم ‪ ،4426‬ج‪ ،2‬ص ‪111‬‬ ‫‪20‬‬

‫وانظر ابن خلدون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.221- 220‬‬


‫‪677‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫‪ - 2‬سبب الكتاب‪ :‬جاء يف سبب الكتاب التّالي‪:‬‬


‫ملّا ولّى عمر بن اخلطّاب أبا موسى األشعري‪ ،‬رضي اهلل عنهما على قضاء‬
‫الكوفة بعد عزله لعمّار بن ياسر‪ ،‬رضي اهلل عنهما سنة إحدى وعشرين للهجرة‪،‬‬
‫أقام أبا موسى على قضائها سنة ثمَّ إنَّ عمر ولّاه على البصرة بعد املغرية بن‬
‫شعبة‪ ،‬رضي اهلل عنهما قاضيا وواليَّا ثمّ أبقاه على الوالية وعيّن له قاضيا وكتب‬
‫له كتابا يف القضاء‪.21‬‬
‫‪ - 3‬أقوال العلماء يف الرّسالة‪ :‬لقد أثنى العلماء على هذه الرّسالة كلثريا؛‬
‫حيث قال عنها‪:‬‬
‫ابن تيمية رمحه اهلل‪" :‬ورسالة عمر املشهورة يف القضاء إىل أبي موسى‬

‫األشعري تداوهلا الفقهاء وبنو عليها واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول‬
‫الفقه"‪.22‬‬
‫وقال عنها تلميذه ابن القيّم‪" :‬وهذا كتاب جليل القدر تلقاه العلماء‬
‫بالقبول وبنوا عليه أصول احلكم والشّهادة واحلاكم واملفيت أحوج شيء إليه وإىل‬
‫تأمله والتّفقه فيه"‪.23‬‬
‫‪ - 4‬شرح مصطلحات الرّسالة وما جاء فيها‪ :24‬أمّا قول‪:‬‬
‫سيّدنا عمر رضي اهلل عنه‪( :‬القضاء فريضة حمكمة وسنّة م ّتبعة)‪ ،‬أي‪ :‬فرض‬
‫غري منسوخ وسنَّة متَّبعة سنّها رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله وسلم وطريق يتّبعها‬
‫النَّاس عند اختالفهم‪ ،‬وهو أحد األوجه اللثّالثة للعلم‪ ،‬قال النّيب صلى اهلل عليه‬

‫‪ -‬انظر الطّربي بن جرير‪ ،‬األمم وامللوك‪ ،‬دار القاموس احلديث للطّباعة والنّشر‪ ،‬ج‪،4‬‬ ‫‪21‬‬

‫ص‪ (.262‬دون ذكر رقم الطبعة وسنتها وبلد الطبع)‪.‬‬


‫‪ -‬ابن تيمية احلرّاني‪ ،‬منهاج السنة‪ ،‬تح‪ .‬حممّد رشاد سامل‪1406 ،1 ،‬ه‪ ،‬مطبعة جامعة‬ ‫‪22‬‬

‫حممّد بن سعود‪ ،‬الرّياض‪ ،‬السّعودية‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.71‬‬


‫‪ -‬انظر ابن القيّم اجلوزية‪ ،‬إعالم املوقعني عن ربّ العاملني‪1997 ،1 ،‬م‪ ،‬شركة دار األرقم‪،‬‬ ‫‪23‬‬

‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.70‬‬


‫‪ -‬انظر املرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.104 - 70‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪678‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬


‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫وسلم‪ ( :‬العلم ثالثة‪ ،‬فما سوى ذلك فهو فضل‪ :‬آية حمكمة وسنّة قائمة وفريضة‬
‫عادلة)‪.25‬‬
‫وهذه الفقرة يستنتج منها مبدئني هامّني يف حياة النّاس عامّة واملسلمني‬
‫خاصة وهما‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مبدأ ضرورة القضاء ‪ :‬حيث جعل اهلل القضاء من األمور اللثّابتة‬
‫‪26‬‬

‫احملكمة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مبدأ أن مرجع األحكام القضائية الكتاب والسنّة‪ :‬فمرجع اإلسالم فيما‬
‫يقضي به القاضي هو كتاب اهلل وسنة رسول اهلل صلّى اهلل عليه وآله وسلّم‬
‫واالجتهاد والقياس واملصاحل؛ ألنّ النصوص حمدودة واحلوادث غري حمدودة‬
‫فتحتاج إىل إعمال العقل الستنبا األحكام‪ ،‬وهذا املبدأ خاص مبن هم يف بيضة‬
‫االسالم وحتت لوائه‪.‬‬
‫وأما قوله‪( :‬فافهم إذا أدلي إليك)‪ ،‬أي‪ :‬وجوب الفهم للمسائل املعروضة‬
‫املتنازع حوهلا‪.‬‬
‫وهذه الفقرة نستنبط منها مبدأ هام للقضاء وهو‪:‬‬
‫ج ‪ -‬مبدأ فهم الدّعوى والقضية‪ :‬فال جيوز النّطق باحلكم من قبل القاضي‬
‫قبل أن يتبيَّن احلقَّ‪.27‬‬
‫وأمَّا قوله‪ ( :‬فإنَّه ال ينفع تكلّم حبقّ ال نفاذ له)‪ ،‬أي‪ :‬جيب عند قول احلقّ أن‬
‫ينفذ‪ ،‬فإن مل ينفذ‪ ،‬صار‪ ،‬كالعبث‪ .‬وهذا الكالم إهلام نستشف منه مبدأ آخر‬
‫وهو‪:‬‬

‫‪ - 25‬أبي داود‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب الفرائض‪ ،‬باب ما جاء يف تعليم الفرائض‪ ،‬رقم ‪،2885‬‬
‫ص‪ ،464‬وانظر ابن ماجة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب السنّة‪ ،‬باب اجتناب الرّأي والقياس‪ ،‬رقم‬
‫‪ ،53‬ص ‪ ،32‬وقال عنه أبي داود يف رسالته ألهل مكة‪ ،‬مصدر سابق‪": ،‬كل ما سكتُّ عنه‬
‫فهو صاحل"‪.‬‬
‫‪ - 26‬انظر منظمة العفو الدولية‪ ،‬دليل احملاكمة العادلة‪2014 ،2 ،‬م‪ ،‬مطبوعات منظمة‬
‫العفو الدّولية‪ ،‬اململكة املتّحدة‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪ - 27‬انظر املرجع واملوضع نفسه‪.‬‬
‫‪679‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫د ‪ -‬مبدأ سرعة البثّ يف القضية واإللزام بها‪28‬أو يُعبَّر عنه بقوهلم‪ :‬احلقّ يف‬
‫امللثول أمام قاض أو مسؤول قضائي آخر على وجه السّرعة‪.‬‬
‫أي‪ :‬ينبغي املسارعة للبثّ يف القضايا املوكلة بعد الّتلثبت من احلقّ وعدم‬
‫التّماطل بها‪ ،‬حتّى ال يُتّهم القاضي بقصد إمالل اخلصم أو ُيتّهم أنَّه عاجز يف‬
‫إصدار احلكم‪ ،‬والغرض من هذا هو محاية احلقّ يف احلرّية‪.‬‬
‫وأمَّا قوله رضي اهلل عنه‪( :‬آس بني النَّاس يف جملسك ووجهك وقضائك)‪،‬‬
‫مبعنى‪ :‬وجوب التّسوية بني النَّاس يف اجمللس والوجه فإمَّا أن يقف املدّعي واملدّعى‬
‫عليه معا أو يقعدان معا مهما كانت صفتهما‪ ،‬سواء أكان أحدهما أمريا‬
‫واللثّاني أجريا أو رئيسا واللثّاني مرؤوسا أو أحدهما غينّ واآلخر فقري أو مسلما‬
‫وغريه‪ .‬وهذه الفقرة تقرّر مبدأ هاما يف أصول التّقاضي واحلكم بالعدل وهو‪:‬‬
‫ه ‪ -‬مبدأ املساواة بني املتخاصمني‪ :29‬سواء أكان حاكما أو حمكوما مسلما‬
‫أو غري مسلما وسواء يف القعدة ووقت االستماع والنظر وغري ذلك‪.‬‬
‫وأما قوله‪( :‬البيّنة على املدّعي واليمني على من أنكر)‪ ،‬أي‪ :‬البيّنة على ك ّل‬
‫من ادّعى والبيّنة الدّليل الظّاهر واليمني على املدّعى عليه‪ ،‬أي‪ :‬من أنكر‪ .‬وهذه‬
‫الفقرة تؤكد مبدئني اثنني من أصول التقاضي العادل‪:‬‬
‫ز ‪ -‬مبدأ البيّنة على املدعي واليمني على من أنكر‪ :‬أو مبدأ افرتاض براءة‬
‫املتّهم‪.30‬‬
‫فاألصل يف من يريد إنشاء حماكمة عادلة أن يلزم املدّعي بالبيّنة فإن مل‬
‫يستطع حلف املدّعى عليه؛ ألنّ األصل براءة الذمّة وهذا مصداقا حلديث النّيب‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلّم‪( :‬البيّنة على املدّعي واليمني على املدّعى عليه)‪.31‬‬

‫‪ -‬انظر منظمة العفو الدّولية‪ ،‬ص ‪.143‬‬ ‫‪28‬‬

‫‪ -‬انظر املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.106 - 103‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪ -‬انظر املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.125‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪ -‬التّرمذي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب األحكام‪ ،‬باب ما جاء يف أنّ البيّنة على املدّعي واليمني‬ ‫‪31‬‬

‫على املدّعى عليه‪ ،‬رقم ‪ ،1431‬ج‪ ،2‬ص‪ ،337‬قال عنه ابن حجر العسقالني‪ ،‬هداية الروّاة يف‬
‫ختريج أحاديث املصابيح واملشكاة‪1422 ،1 ،‬هـ‪ ،‬دار ابن القيّم‪ ،‬الدّمام‪ ،‬اململكة العربية‬
‫السّعودية ج‪ ،3‬ص‪" :492‬صحيح‪ ،‬كما قال يف املقدّمة"‪.‬‬
‫‪680‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫ح ‪ -‬مبدأ احلكم يكون على البيّنات الظاهرة والسّرائر هلل سبحانه‪:32‬‬


‫هذا النهج قد بيّنه النّيب صلى اهلل عليه و وآله وسلّم ‪ ،‬فقال‪ ( :‬إنَّما أنا بشر‬
‫وإنَّكم ختتصمون إليَّ ولعلَّ بعضكم أن يكون أحلن حبجته من بعض فأقضي له‬
‫على حنو ما أمسع فمن قضيت له من حقّ أخيه فإنّما أقطع له قطعة من‬
‫النار)‪.33‬‬
‫وأمَّا قوله‪( :‬الصّلح جائز بني املسلمني إالَّ صلحا أحلّ حراما أو حرّم حالال)‪،‬‬
‫أي‪ :‬الصّلح مستحب بني الناس يف نزاعاتهم يف شتى جماالت احلياة‪.‬‬
‫وقد برَّر عمر ذلك بقوله‪( :‬رّدوا اخلصوم حتّى يصطلحوا فإنّ فصل القضاء‬
‫يورث الضّغائن بني الناس)‪ 34‬ولكنّ هذا مقيَّد مبا إذا كان هذا الصّلح ال ُيحلُّ به‬
‫احلرام أو حيرّم به احلالل‪.‬‬
‫ملثال ذلك‪ :‬من طلّق امرأته ثالثا فصارت أجنبية عنه فال يقوم القاضي‬
‫عندها باإلصالح بينهما وبردّهما لبعضهما البعض‪ .‬وهذه الفقرة تقرّر مبدأ‬
‫نفيسا إسالميا وهو‪:‬‬
‫‪ -‬مبدأ الصّلح جائز بني املسلمني‪ :‬إذ يعدُّ الصلح مبدأ إسالميا بامتياز‪،‬‬
‫صلِحُوا بيْنهُما‪( ﴾...‬احلجرات‪:‬‬‫قال تعاىل‪﴿ :‬وإِنْ طَائِفَتانِ مِن الْمُ ْؤمِنِني اقْتتلُوا فَ َأ ْ‬

‫‪ -‬انظر منظمة العفو الدولية‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.119‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪ -‬البخاري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب الشهادات باب من أقام البيّنة بعد اليمني‪ ،‬رقم‪ ،2680‬ج‪،2‬‬ ‫‪33‬‬

‫ص‪ 230‬ومسلم مصدر سابق‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب احلكم بالظّاهر واللّحن باحلجّة‪،‬‬
‫رقم‪ 1713‬ج‪ ،2‬ص‪.90‬‬
‫‪ -‬الصّنعاني‪ ،‬عبد الرّزاق بن همام‪ ،‬املصنّف‪ ،‬تح‪ ،‬عبد الرّمحان األعظمي‪1392 ،1 ،‬ه ‪-‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪1972‬م‪ ،‬املكتب االسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب هل يرد القاضي اخلصوم ح ّتى‬
‫يصطلحوا‪ ،‬رقم ‪ ،15304‬ج‪ ،8‬ص‪ ،303‬قال عن البيهقي‪ ،‬السنن الكربى‪1413 ،‬ه‪ ،‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪" : 66‬منقطع" ‪( ،‬دون ذكر رقم الطبعة وبلد الطبع)‪.‬‬
‫‪681‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫‪ )9‬ويقول عليه الصّالة والسّالم‪( :‬الصّلح جائز بني املسلمني إالَّ صلحا حرَّم حالال‬
‫أو أحلَّ حراما واملسلمون عند شروطهم إالَّ شرطا حرَّم حالال أو أحلّ حراما)‪.35‬‬
‫وأمَّا قوله‪( :‬وال مينعك قضاء قضيته باألمس فرجعت فيه نفسك وهديت‬
‫احلق‬
‫َّ‬ ‫فيه لرشدك أن ترجع عنه إىل احلقّ؛ ألنَّ احلقَّ قديم (أصيل)‪ ،‬أي‪ :‬مراجعة‬
‫خري من التّمادي يف الباطل‪.‬‬
‫وهذا الكالم يقرّر‪:‬‬
‫ي ‪ -‬مبدأ نقض القضاء‪ :36‬إذ إنّ الغاية من القضاء‪ ،‬إحقاق احلقّ وإعطاء‬
‫كلّ ذي حقّ حقّه‪ ،‬أي‪ :‬العدل فإذا قضى القاضي حبكم ثمَّ تبيَّن له خالفه فعليه‬
‫العدول عنه‪.‬‬
‫وأمَّا قوله رضي اهلل عنه‪( :‬الفهم الفهم عندما يتلجلج يف صدرك ممَّا مل‬
‫يبلغك يف كتاب اهلل وال يف سنّة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬اعرف األملثال‬
‫واألشباه وقس األمور عند ذلك ثمَّ اعمد إىل أحبّها إىل اهلل وأشبهها باحلقّ فيما‬
‫ترى)‪ ،‬أي‪ :‬سيأتيك أمر تقع معه يف احلرج ممَّا ليس يف كتاب اهلل وال يف س ّنة‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلّم فلتحتا ‪ ...‬أي‪ :‬إن مل جتد ما تقضي به يف‬
‫الكتاب وال يف السنَّة واإلمجاع فعليك بالقياس‪.‬‬
‫ال‬
‫واجعل للمدّعي حقَّا غائبا أو بيّنة فإن أحضر بينته أخذت له حبقّه وإ ّ‬
‫وجهت عليه القضاء فإنّ ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى وأبلغ يف العذر)‪.‬‬
‫أي‪ :‬أنَّ املدّعي إذا قال‪ :‬عندي بيّنة سآتيك بها‪ ،‬جيب على القاضي أن يقبلها‬
‫منه وأن جيعل له أمرا ينتهي إليه‪ ،‬فاحملامي الفطن والنّاصح هو الذي يطلب مدّة‬
‫يسمح بها القانون حتَّى يُحضّر وثائقه يف عصرنا احلالي‪.‬‬
‫وهذا الكالم القيّم من سيّدنا عمر بن اخلطّاب‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬يقرّر مبدأ آخر‬
‫من مبادئ العدل يف التقاضي وهو‪:‬‬

‫‪ -‬التّرمذي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب األحكام‪ ،‬باب ما ذكر عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلّم‬ ‫‪35‬‬

‫يف الصّلح بني الناس‪ ،‬رقم‪ ،1352‬ج‪ ،2‬ص‪ ،343‬قال عنه ابن حجر‪ ،‬مرجع سابق‪" :‬صحيح‬
‫كما قال يف املقدّمة"‪.‬‬
‫‪ -‬انظر منظمة العفو الدّولية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.186 ،182‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪682‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬


‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫ك ‪ -‬مبدأ إمهال مدّعي البيّنة حتّى يلثبت حقّه وباقي أدلّته ويسمّى أيضا‪:‬‬
‫مبدأ احلقّ يف مساحة زمنية وتسهيالت كافيتني إلعداد الدّفاع‪.37‬‬
‫وهذا مقتضى العدل واإلنصاف أن يُنظَر مدّعي البيّنة مدّة من الزّمن كافية‬
‫إلحضار بيّنته وأدلّة دعواه‪ ،‬إمَّا بنفسه أو عن طريق حماميه‪.‬‬
‫أمّا قوله‪( :‬املسلمون عدول بعضهم على بعض إالّ جملودا يف حدّ أو جمرّبا‬
‫عليه شهادة زور أو ظنينا يف والء وقرابة)‪.‬‬
‫أي‪ :‬أنَّ املسلمني ال يشك يف عدالتهم إالَّ من اقرتف جرما أو ما يقدح يف‬
‫عدالته‪ .‬وهذا الكالم النّفيس منه يستنبط منه‪:‬‬
‫ل ‪ -‬مبدأ عدالة الشّهود‪ :‬والعدالة ضد الفسق‪ ،‬أي‪ :‬ال يشك يف شاهد إالّ من‬
‫ثبت عليه غري ذلك‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ثمّ إيّاك والقلق والضّجر والتأذي بالنّاس والتنكُّر للخصوم يف‬
‫مواطن احلقّ التّي يوجب اهلل بها األجر وحيسن بها الذّخر)‪ .‬فهذا الكالم يؤسّس‬
‫مبدأ آخر وهو‪:‬‬
‫م ‪ -‬مبدأ القضاء بصفاء الذّهن ‪ :‬وهذا مصداقا لقوله صلى اهلل عليه وآله‬
‫‪38‬‬

‫وسلّم‪ ( :‬ال حيكم أحد بني اثنني وهو غضبان)‪.39‬‬


‫وقوله‪( :‬فإنَّه من خيلص نيّته بينه وبني اهلل تبارك وتعاىل ولو على نفسه‬
‫يكفه اهلل ما بينه وبني النّاس)‪.‬‬
‫وهذه النقطة تشري إىل مبدأ عام يف الشّريعة االسالمية وهو‪:‬‬
‫ن ‪ -‬مبدأ إخالص النيّة هلل والبعد عن الرّياء والسّمعة‪ :‬هذا أيضا أصل من‬
‫أصول اإلسالم وقد حثّ عليه يف آيات وأحاديث كلثرية‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬وما ُأمِرُوا إِلَّا‬
‫خلِصِني لَ ُه الدِّين‪ ( ﴾ ...‬البينة‪.)5 :‬‬
‫لِيعْبُدُوا اللَّه ُم ْ‬

‫‪ -‬انظر منظمة العفو الدولية‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.75 - 74‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪ -‬انظر املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪ -‬مسلم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان‪ ،‬رقم‬ ‫‪39‬‬

‫‪ ،1717‬ج‪ ،2‬ص‪93‬‬

‫‪683‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬


‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ ( :‬إنّما األعمال بالنيَّات وإنَّما لكل امرئ ما نوى‪،‬‬
‫فمن كانت هجرته إىل اهلل ورسوله فهجرته إىل اهلل ورسوله ومن كانت هجرته‬
‫لدّنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إىل ما هاجر إليه)‪.40‬‬
‫وقوله‪( :‬ومن تزيّن للنّاس مبا يعلم اهلل منه خالف ذلك هتك اهلل سرته‬
‫وأبدى فعله فما ظنّك بلثواب غري اهلل يف عاجل رزقه وخزائن رمحته)‪.‬‬
‫وهنا يقرّر سيدنا عمر مبدأ عظيما تابعا للمبدأ السّابق وهو‪:‬‬
‫ق ‪ -‬مبدأ مراقبة اهلل وطلب األجر منه سبحانه‪ :‬وهذا املبدأ خاص مبن‬
‫يعيش يف بيضة االسالم أيضا فيجب على من يبتغي العدل بني الناس أن يبتغي‬
‫به مرضاة اهلل سبحانه وتعاىل؛ ألنّه من أعظم القربات إىل اهلل فبه يكشف عن‬
‫احلكم الشّرعي يف القضايا‪.‬‬
‫فمن خالل ما سبق‪ ،‬ميكن القول أن مبادئ القضاء التّي تستشف منها والتّي‬
‫هي صناعة قانونية يف الوقت احلاضر يف أغلبها هي‪:‬‬
‫مبدأ ضرورة القضاء‪.‬‬
‫مبدأ األحكام القضائية الكتاب والسنّة‪.‬‬
‫مبدأ فهم القضية‪.‬‬
‫مبدأ سرعة البثّ يف القضية‪.‬‬
‫مبدأ املساواة بني املتخاصمني‪.‬‬
‫البيّنة على املدّعي واليمني على من أنكر‪.‬‬
‫احلكم يكون على البيّنات الظّاهرة والسّرائر هلل سبحانه‪.‬‬
‫الصلح جائز بني املسلمني‪.‬‬
‫مبدا نقض القضاء‪.‬‬
‫مبدأ فهم القضية‪.‬‬

‫‪ -‬البخار ي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬كتاب االميان‪ ،‬باب ما جاء يف أن االعمال بالنيَّة واحلسبة‪...‬‬ ‫‪40‬‬

‫رقم‪ ،54‬ج‪ ،1‬ص ‪ 31‬ومسلم‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬كتاب االمارة‪ ،‬باب قوله‪ :‬إنّما األعمال بالنّية‪،‬‬
‫رقم ‪ ،1907‬ج‪ ،2‬ص‪ 182‬واللّفظ ملسلم‪.‬‬
‫‪684‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬
‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫مبدأ إمهال مدّعي البينة حتّى يلثبت حقّه وباقي أدلّته‪.‬‬


‫مبدأ عدالة الشّهود‪.‬‬
‫مبدأ القضاء بصفاء الذّهن‪.‬‬
‫مبدأ إخالص النّية هلل والبعد عن الرّياء والسّمعة‪.‬‬
‫مبدأ مراقبة اهلل وطلب األجر منه سبحانه‪.‬‬
‫اخلامتة‪:‬‬
‫من خالل ما سبق ذكره لرسالة سيّدنا عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‬
‫وشرحها يتبيَّن ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أنّ حتقيق العدالة هو من أهم مقاصد الشّريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬أنّ املبادئ املأخوذة منها عند حتليليها هي العناصر األساسية للمحاكمة‬
‫العادلة يف اإلسالم خاصّة أَّنّها صدرت من عند اخلليفة العادل سيّدنا عمر بن‬
‫اخلطّاب رضي اهلل عنه وأنَّ أحكامها مستمدّة من كتاب اهلل وسنّة رسوله صلى‬
‫اهلل عليه وآله وسلّم وهي متطابقة يف أغلبها مع أسس احملاكمة العادلة يف‬
‫املواثيق الدّولية‪.‬‬
‫‪ -‬أنّ اإلسالم كان له دائما السّبق يف إرساء قواعد احملاكمة العادلة عند‬
‫التّقاضي‪.‬‬
‫‪ -‬ضرورة االعتناء بتدريس هذه الرسالة وجعلها نرباسا للقضاة عند‬
‫فصلهم القضاء يف النّزاعات‪.‬‬

‫وصلّى اهلل على سيّدنا حممّد وعلى آله‬


‫وصحبه وسلّم تسليما‬
‫كلثريا‬

‫‪685‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬


‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫قائمة املصادر واملراجع‪:‬‬


‫‪،1‬‬ ‫‪ -‬ابن األزرق‪ ،‬بدائع السّلك يف طبائع امللك‪ ،‬حتقيق علي سامي النشّار‪،‬‬
‫‪1429‬ه ‪2008 -‬م‪ ،‬دار السالم‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬البخاري حممّد بن امساعيل‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬دار القدس‪ ،‬مصر ( دون ذكر رقم الطبعة‬
‫وتارخيها)‬
‫‪ - 3‬برهان الدّ ين بن فرحون‪ ،‬تبصرة احلكّام يف أصول األقضية ومناهج األحكام‪1958 ،‬م‬
‫مطبعة احلليب‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ - 4‬البيهقي‪ ،‬السنن الكربى‪1413 ،‬ه‪ ،‬دار املعرفة‪( ،‬دون ذكر رقم الطبعة وبلد الطبع)‪.‬‬
‫‪ - 5‬التّرمذي حممّد بن عيسى‪ ،‬سنن التّرمذي‪ ،‬تح‪ .‬حممد النصَّار‪1434 ،4 ،‬ه ‪2013 -‬م‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪- 6‬ابن تيمية احلرّاني‪ ،‬جمموع الفتاوى‪1425،‬ه ‪2004-‬م‪ ،‬جممع امللك فهد‪ ،‬املدينة املنوّرة‪،‬‬
‫اململكة العربية السّعودية‪.‬‬
‫‪ ،........................ -‬منهاج السنّة‪ ،‬تح‪ .‬حممّد رشاد سامل‪1406 ،1 ،‬ه‪ ،‬مطبعة جامعة‬
‫حممّد بن سعود‪ ،‬الرّياض‪ ،‬السّعودية‪.‬‬
‫‪ - 8‬اجلرجاني عبد القاهر‪ ،‬التّعريفات‪ ،‬تح‪ .‬حممد باسل عيون السّود‪ ،4 ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ - 9‬ابن حجر العسقالني هداية الرّواة يف ختريج أحاديث املصابيح واملشكاة‪1422 ،1 ،‬ه‪ ،‬دار‬
‫ابن القيّم‪ ،‬الدّمام‪ ،‬اململكة العربية السّعودية‪.‬‬
‫‪ - 10‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرّمحان‪ ،‬املقدّمة‪ ،1978 ،4 ،‬دار الباز‪ ،‬مكّة املكرمة‪.‬‬
‫‪ - 11‬الدار قطين‪ ،‬سنن الدار قطين‪1414 ،‬ه‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‬
‫‪ - 12‬أبو داود سليمان بن األشعث السّجتاني‪ ،‬رسالة أبي داود إىل أهل مكّة يف وصف سننه‪ ،‬تح‪.‬‬
‫وتع‪ .‬وتق‪ .‬حممّد بن لطفي الصّبّاغ‪1405 ،3 ،‬هـ‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ ،....................................... - 13‬سنن أبي داود‪1426 ،2 ،‬هـ ‪2005 -‬م‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ - 14‬الرّاغب األصفهاني‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬تح‪ .‬حممّد خليل عيتاني‪،4 ،‬‬
‫‪1426‬ه ‪2005-‬م‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ - 15‬الصّنعاني‪ ،‬عبد الرّزاق بن همام‪ ،‬املصنّف‪ ،‬تح‪ ،‬عبد الرّمحان األعظمي‪1392 ،1 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪1972‬م‪ ،‬املكتب االسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ - 16‬الطّربي بن جرير‪ ،‬األمم وامللوك‪ ،‬دار القاموس احلديث للطّباعة والنّشر ( دون ذكر رقم‬
‫الطبعة وسنتها وبلد الطبع)‪.‬‬

‫‪686‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬


‫جملَّة الواحات للبحوث و الدراسات اجمللد‪ 13‬العدد ‪687- 669 : )2020(2‬‬

‫‪1999 ،5‬م‪ ،‬دار‬ ‫‪ -‬عبد الرّمحان حسن حبنكة امليداني‪ ،‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪،‬‬ ‫‪17‬‬
‫القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القطّان علي بن حممّد‪ ،‬الوهم وااليهام الواقعني يف كتاب األحكام‪1418 ،1 ،‬ه‪،‬‬ ‫‪18‬‬
‫دار طيبة‪ ،‬الرّياض‪.‬‬
‫‪ -‬ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقّعني عن ربّ العاملني‪1997 ،1 ،‬م‪ ،‬شركة دار األرقم‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪19‬‬
‫‪ -‬حممّد اخلطيب الشّربيين‪ ،‬مغين احملتاج إىل معرفة معاني ألفاظ املنهاج‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫‪20‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -‬حممّد أمني بن عابدين‪ ،‬حاشية رد احملتار‪1996 ،2 ،‬م‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪21‬‬
‫‪ -‬مسلّم بن احلجّاج‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،4 ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ( ،‬دون ذكر‬ ‫‪22‬‬
‫رقم الطبعة)‪.‬‬
‫‪ -‬املنذري عبد العظيم‪ ،‬التّرغيب والتّرهيب‪1 ،‬ن ‪1421‬ه‪ ،‬دار الفجر للتّراث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪23‬‬
‫‪ -‬منظمة العفو الدّولية‪ ،‬دليل احملاكمة العادلة‪2014 ،2 ،‬م‪ ،‬مطبوعات منظمة العفو‬ ‫‪24‬‬
‫الدّولية‪ ،‬اململكة املتّحدة‪،‬‬
‫‪ -‬ابن النجّار‪ ،‬منتهى اإلرادات يف مجع املقنع‪1381 ،1 ،‬ه‪( ،‬دون ذكر مكان وبلد الطبع)‪.‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪687‬‬ ‫عبد العالي بوعالم‬

You might also like