Professional Documents
Culture Documents
وأشهدُ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهدُ أن محمد ًا عبده،
ورسوله أما بعد
مقدمـــة :
ِ
والتقليد فهذه المسألة من المسائل األصولية يف أبواب االجتهاد
ٍ
خطيرة سيئة بين من كتب أصول الفقه ،والخالف فيها أ ّدى إلى ٍ
آثار
مصيب للحق والصواب ،أم أن الحق ٌ المسلمين .فهل كل مجتهد
وأن المجتهد المصيب له أجران ،أجر والصواب واحدٌ من األقوال ّ
أجر
على اجتهاده وأجرعلى إصابته للحق ،والمجتهد المخطئ له ٌ
واحد على اجتهاده ؟ اختلف العلماء على قولين -:
القول األول :قال النووي وهذا االختالف إنما هو يف االجتهاد
فالمصيب
ُ يف الفروع .القول الثاين :قال النووي فأما أصول التوحيد
فيها واحدٌ بإجماع من ُيعتدّ به (. )1
قلت :اختلف الناس يف هذه المسألة من مسائل االجتهاد يف
الفروع.
القول األول:
واحد من األقوال المختلفة ،وما سواه ٌ
باطل وخطأ؛ ٍ أن الحق يف
إال أن اإلثم موضوع عن المجتهد والمخطئ فيه؛ بل إن المجتهد
أجر واحدٌ على اجتهاده ،والمجتهد المصيب له أجران؛ المخطئ له ٌ
َ ََْ َ
أجر على اجتهاده ،وأجرعلى إصابته للحق؛ لحديث ِ«إذا اجتهد
ْ َ ُ ََ َ َ ََ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ ََ ْ َ ََ َ
اج َت َهد فأخ َطأ فل ُه أ ْج ٌر» (.)1 الح ِاكم فأصاب فله أجر ِان ،و ِإذا
وممن قال هبذا القول جمهور أهل السنة وهو المشهور عن َّ
ورجحه ابن حزم وابن عبد الرب والشوكاين
األئمة األربعة ومذاهبهمَّ ،
والمحققون من أهل العلم فقد ذكر الخطيب البغدادي بسنده إلى
ِ
أصحاب محمد صلى اهلل عبد اهلل بن المبارك أنه ُسئل عن اختالف
عليه وسلم كله صواب؟ فقال :الصواب واحدٌ والخطأ موضوع عن
القوم ،أرجو ثم ساق بسنده أيضًا إلى مالك بن أنس أنه ُسئل فقيل
بحديث حدثه ثقة عن بعض أصحاب رسول اهلل ٍ له :أترى لمن أخذ
سع ًة ؟ قال :ال ـ واهلل ـ حتى يصيب الحق ،وما الحق إال واحد ،ال
الحق يف قولين يختلفان ثم ساق الخطيب أيضًا بسنده إلى ُ يكون
الليث بن سعد قال :ال يكون الحق إال واحد ،وال يكون في أمرين
مختلفين(. )2
كل يحكي أن مذهب مالك رحمه اهلل يف عن كثير من العلماء ٌّ
أن الحق من ذلك عند اهلل واحد اجتهاد المجتهدين إذا اختلفوا ّ :
من أقوالهم واختالفهم إال أن كل مجتهد إذا اجتهد كما ُأمر فقد أدى
ِ
قصده الصواب وإن كان الحق عند اهلل من ما عليه وهو مأجور على
ذلك واحد ًا ثم ذكر عن بعض العلماء بأن هذا القول هو الذي عليه
عمل أكثر أصحاب الشافعي قال :وهو المشهور من قول أبي حنيفة
((( رواه أبــو داود والرتمــذي وابــن ماجــه ـ وصححــه األلبــاين يف اإلرواء
()2614
((( إرشاد الفحول صـ () 387
((( رواه أبــو داود والنســائي وصححــه األلبــاين يف صحيــح ســنن أبــي
داوود رقــم ()327
7
( )6دليل عقلي :قــال الخطيب البغدادي ويــدل على ذلك
أيضًا أهنم إذا اختلفوا على قولين متضادين ،مثل تحليل وتحريم،
وتصحيح وإفساد ،فال يخلو من أحد ثالثة أقسام :إما أن يكون
القوالن فاسدين أو صحيحين أو أحدهما فاسد ًا واآلخر صحيحًا
،فال يجوز أن يكونا فاسدين ألنه يؤدي إلى اجتماع األئمة على
الخطأ ،وال يجوز أن يكونا صحيحين ألهنما متضادان فيمتنع أن
يكون الشيء الواحد حرامًا وحال ً
ال ،وإذا بطل هذان القسمان ثبت
()1
صحيح واآلخر فاسدٌ
ٌ أن أحدهما
( )7ذكر ابن عبد الرب رحمه اهلل :ر َّد المزينِّ تلميذ اإلمام الشافعي
جوز
مصيب للحق ،بأن يقال لمن ّ ٌ على من قال أن كل مجتهد
االختالف وزعم أن المجتهدين يف الحادثة إذا قال أحدهما حالل
ٍ
واحد منهما َجهده وهو يف اجتهاده وقال اآلخر حرام ،فقد أدى ُ
كل
مصيب للحق ُيقال له أبأص ٍل قلت هذا أم بقياس؟ فإن قال بأص ٍل قيل
أصل ينفي الخالف وإن قال بقياس له :كيف يكون أصالً والكتاب ٌ
قيل له :كيف تكون األصول تنفي الخالف ويجوز لك أن تقيس
يجوزه عاقل فضالً عن عالم ،ثم قال عليها جواز الخالف هذا ما ال ّ
أبو عمرو ابن عبد الرب ما ألزمه المزينّ عندي الزم فلذلك ذكرته .
()2
َف َق َال َب ْع ُض ُه ْم َ :ل ن َُص ِّلي َحتَّى ن َْأتِ َي َها َو َق َال َب ْع ُض ُه ْم َ :ب ْل ن َُص ِّلي َل ْم ُي ِر ْد
ِّف و ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
احدً ا منَّا َذل َك َ ,ف ُذك َر َذل َك للنَّبِ ِّي َص َّلى ُ
اهَّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم َف َل ْم ُي َعن ْ َ
مِن ُْه ْم(.)1
الجواب هو [ما ذكره الشوكاين صـ ( ) 388( )387من ثالثة أوجه]
ٍ
واحد حكم ُه يف هذه الحادثة بخصوصها هو كل الوجه األول :أن
َ
من األمرين وليس النزاع إال فيما لم يرد النص فيه بخصوصه إن
واحد من األمرين ،قلت :يعني أن النص ورد ٍ حكم اهلل فيه هو كل
لدى الفريقين مثل حكم اهلل على التخيير يف كفارة اليمين أو أدعية
االستفتاح يف الصالة أو التشهدان يف آخر الصالة وغيرها.
الوجه الثاني :قال الشوكاين :أو أن حكمه يف الحادثة يجب على
الكل حتى يفعله البعض فيسقط على الباقين كفروض الكفايات،
فتدبر هذا وافهمه حق فهمه .
الوجه الثالث :قال :على أن ترك التثريب لمن قد عمل باجتهاده
(((صحيح البخاري()3835
9
ال يدل على أنه قد أصاب الحق بل يدل على أنه قد أجزأه ما عمله
باجتهاده انتهى كالمه.
( )2احتجوا بحديث« :إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا
()1
اجتهد وأخطأ فله أجر»
قالوا :كالهما لهما األجر فهما على الحق.
الجواب هو :أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم سمى المجتهد
سمه مخطئًا ،وهــذا تصريح
مخطئًا ولو كان مصيبًا للحق لم ُي ّ
بتخطئة واحد ال بعينه.
( )3قالوا :اإلجماع على أن المجتهد المخالف ال إثم عليه فيما
أخطأ باجتهاده ،وهذا يدل على أن كل مجتهد مصيب.
أجر
الجواب هو :صحيح أن المجتهد إذا أخطأ ال إثم عليه بل له ٌ
واحد وهذا الجتهاده ولذلك قال رسول اهلل «إذا اجتهد وأخطأ فله
أجر واحد» فسماه مخطئًا وليس مصيبًا.
ً
)4( قالوا أيضا :أن الصحابة اجتهدوا واختلفوا وأقر بعضهم
وسوغوا للعامة أن يقلدوا
بعضا على قوله وإن كان مخالفًا لقولهّ ،
من شاء منهم ،وال يجوز أن ُيجمعوا على إقرار الخاطئ على خطئه.
الجواب هو :أن الصحابة اجتهدوا واختلفوا وأنكر بعضهم
على بعض كما ثبت عنهم ،ولم يقروا بعضهم بعضًا على االجتهاد
الخاطئ المخالف للسنة ،بل عذروا بعضهم البعض فيما ال يخالف
السنة ألن الخاطئ يف اجتهاده معذور ،وقد ورد الشرع بذلك كما
وسوغوا للعامة أن يقلدوا من
ّ ورد بالعفو عن الناسي أما قولهم
وللعامي أن يقلد أوثق
ِّ شاءوا منهم فإن التقليد يجوز للحاجة فقط
المجتهدين يف نفسه وال يكلف أكثر من ذلك ألنه ال سبيل له إلى
معرفة الحق فهو مأجور كالمجتهد إن أصاب الحق وأخطأه وأما
قولهم ال يجوز أن ُيجمعوا على إقرار الخاطئ على خطئه ،فنقول:
أين ذلك اإلجماع ،بل أنه لم ينقل عن ٍ
أحد منهم أنه صلى اهلل عليه ُ
وسلم أنه قال لصاحبه :أقررتك على خطئك.