You are on page 1of 11

‫الحمد هلل رب العالمين والصال ُة والسال ُم علي خاتم النبيين‪،‬‬

‫وأشهدُ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهدُ أن محمد ًا عبده‪،‬‬
‫ورسوله‪ ‬أما بعد‬

‫مقدمـــة ‪:‬‬
‫ِ‬
‫والتقليد‬ ‫فهذه المسألة من المسائل األصولية يف أبواب االجتهاد‬
‫ٍ‬
‫خطيرة سيئة بين‬ ‫من كتب أصول الفقه‪ ،‬والخالف فيها أ ّدى إلى ٍ‬
‫آثار‬
‫مصيب للحق والصواب‪ ،‬أم أن الحق‬ ‫ٌ‬ ‫المسلمين ‪ .‬فهل كل مجتهد‬
‫وأن المجتهد المصيب له أجران‪ ،‬أجر‬ ‫والصواب واحدٌ من األقوال ّ‬
‫أجر‬
‫على اجتهاده وأجرعلى إصابته للحق‪ ،‬والمجتهد المخطئ له ٌ‬
‫واحد على اجتهاده ؟ اختلف العلماء على قولين ‪-:‬‬
‫القول األول ‪ :‬قال النووي وهذا االختالف إنما هو يف االجتهاد‬
‫فالمصيب‬
‫ُ‬ ‫يف الفروع‪ .‬القول الثاين ‪ :‬قال النووي فأما أصول التوحيد‬
‫فيها واحدٌ بإجماع من ُيعتدّ به (‪. )1‬‬
‫قلت ‪ :‬اختلف الناس يف هذه المسألة من مسائل االجتهاد يف‬
‫الفروع‪.‬‬

‫[أقوال العلماء يف مسائل االجتهاد يف الفروع]‬


‫كل مجتهد‬ ‫أن ِّ‬
‫‪ -1‬قال‪ :‬النووي رحمه اهلل‪ ‬قد اختلف العلماء يف ّ‬
‫مصيب أم المصيب واحد وهو من وافق الحكم الذي عند اهلل تعالى‪،‬‬
‫واآلخر مخطئ ال إثم عليه لعذره‪ ،‬واألصح عند الشافعي وأصحابه‬
‫أن المصيب واحد‪.‬‬
‫‪ -2‬قال الشوكاين رحمه اهلل‪ :‬المسائل الشرعية التي اختلفوا فيها‬
‫كل قول من أقوال المجتهدين فيها حق وأن‬ ‫جمع إلى أن َّ‬
‫ٌ‬ ‫‪ :‬فذهب‬

‫((( شرح مسلم حديث(‪)256/12()1716‬‬


‫‪2‬‬
‫ٍ‬
‫واحد منهم مصيب‪.‬‬ ‫كل‬
‫‪ -3‬قال الماوردي رحمه اهلل‪ :‬وهو قول أبي الحسن األشعري‬
‫والمعتزلة‪ ،‬وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأكثر الفقهاء إلى أن‬
‫الحق يف أحد األقوال‪ ،‬ولم يتعين لنا وهوعند اهلل متعين الستحالة أن‬
‫يكون الشيء الواحد حال ً‬
‫ال وحرامًا (‪.)1‬‬
‫‪ - 4‬قال الخطيب البغدادي رحمه اهلل‪ :‬وذكر اختالف العلماء يف‬
‫هذه المسألة (‪. )2‬‬
‫فيفهم من كالم أهل العلم أن الناس اختلفوا يف هذه المسألة على‬
‫قولين نذكرهما ‪ ،‬ومن قال هبما مع أدلتهما ثم نذكر الراجح منهما‬
‫والجواب على المرجوح‪ ،‬وينبغي أن نعلم أن المجتهد هنا هو العالِم‬
‫وجهده لتحصيل حكم شرعي(‪.)3‬‬ ‫الذي يبذل ُوس َعه ُ‬

‫الشروط الواجب توافرها لدى اجملتهد (العامل)‬


‫‪ -1‬أن يكون عالمًا بنصوص الكتاب والسنة المتعلقة باألحكام‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون عارفًا بمسائل اإلجماع واالختالف يف األحكام‬
‫الشرعيـة‪ .‬‬
‫‪ -3‬أن يكون عالمًا بلسان العرب بما ُيمكنُه من تفسير ما ورد يف‬
‫الكتاب والسنة من الغريب ونحوه‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون عالمًا بعلم أصول الفقه‪ ،‬وعلم مصطلح الحديث‬
‫ليم ّيز بين الحق والباطل‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يكون عارفًا بالناسخ والمنسوخ من النصوص‪.‬‬

‫((( إرشاد الفحول للشوكاين فصل االجتهاد ص ( ‪) 385‬‬


‫((( الفقيه والمتفقه (‪)114/2‬‬
‫((( شــرح مســلم حديــث (‪ )1716‬وابــن حجــر يف فتــح البــاري‬
‫( ‪)319 /13‬‬
‫‪3‬‬
‫فاملسألة فيها قوالن هما ‪:‬‬

‫القول األول‪:‬‬
‫واحد من األقوال المختلفة‪ ،‬وما سواه ٌ‬
‫باطل وخطأ؛‬ ‫ٍ‬ ‫أن الحق يف‬
‫إال أن اإلثم موضوع عن المجتهد والمخطئ فيه؛ بل إن المجتهد‬
‫أجر واحدٌ على اجتهاده‪ ،‬والمجتهد المصيب له أجران؛‬ ‫المخطئ له ٌ‬
‫َ ََْ َ‬
‫أجر على اجتهاده ‪،‬وأجرعلى إصابته للحق؛ لحديث ِ«إذا اجتهد‬
‫ْ َ ُ ََ َ َ ََ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ ََ ْ َ ََ َ‬
‫اج َت َهد فأخ َطأ فل ُه أ ْج ٌر» (‪.)1‬‬ ‫الح ِاكم فأصاب فله أجر ِان‪ ،‬و ِإذا‬
‫وممن قال هبذا القول جمهور أهل السنة وهو المشهور عن‬ ‫َّ‬
‫ورجحه ابن حزم وابن عبد الرب والشوكاين‬
‫األئمة األربعة ومذاهبهم‪َّ ،‬‬
‫والمحققون من أهل العلم فقد ذكر الخطيب البغدادي بسنده إلى‬
‫ِ‬
‫أصحاب محمد صلى اهلل‬ ‫عبد اهلل بن المبارك أنه ُسئل عن اختالف‬
‫عليه وسلم‪  ‬كله صواب؟ فقال ‪ :‬الصواب واحدٌ والخطأ موضوع عن‬
‫القوم ‪ ،‬أرجو ثم ساق بسنده أيضًا إلى مالك بن أنس أنه ُسئل فقيل‬
‫بحديث حدثه ثقة عن بعض أصحاب رسول اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫له ‪ :‬أترى لمن أخذ‬
‫سع ًة ؟ قال‪ :‬ال ـ واهلل ـ حتى يصيب الحق ‪ ،‬وما الحق إال واحد ‪ ،‬ال‬
‫الحق يف قولين يختلفان ثم ساق الخطيب أيضًا بسنده إلى‬ ‫ُ‬ ‫يكون‬
‫الليث بن سعد قال ‪ :‬ال يكون الحق إال واحد‪ ،‬وال يكون في أمرين‬
‫مختلفين(‪. )2‬‬
‫كل يحكي أن مذهب مالك رحمه اهلل يف‬ ‫عن كثير من العلماء ٌّ‬
‫أن الحق من ذلك عند اهلل واحد‬ ‫اجتهاد المجتهدين إذا اختلفوا ‪ّ :‬‬
‫من أقوالهم واختالفهم إال أن كل مجتهد إذا اجتهد كما ُأمر فقد أدى‬
‫ِ‬
‫قصده الصواب وإن كان الحق عند اهلل من‬ ‫ما عليه وهو مأجور على‬
‫ذلك واحد ًا ثم ذكر عن بعض العلماء بأن هذا القول هو الذي عليه‬
‫عمل أكثر أصحاب الشافعي قال‪ :‬وهو المشهور من قول أبي حنيفة‬

‫((( صحيح البخاري (‪ )7352‬صحيح مسلم (‪)1716‬‬


‫((( جامع بيان العلم وفضله (‪ )885/5‬برقم (‪)1669‬‬
‫‪4‬‬
‫ً‬
‫وذكر ابن عبد البر أيضا (‪.)1‬‬
‫وقال أشهب ‪ :‬سمعت مالكًا رحمه اهلل يقول ما الحق إال واحدٌ‬
‫‪ ،‬قوالن مختلفان ال يكونان صوابًا جميعًا‪ ،‬ما الحق والصواب‬
‫إال واحد‪ ،‬قال أشهب ‪ :‬وبه يقول الليث وقال ابن حزم رحمه اهلل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫واحد منها وسائرها خطأ قال اهلل تعالى ‪:‬ﭽ‬ ‫والحق من األقوال يف‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ‬
‫[يونس‪. ]32:‬‬
‫و ﭧ ﭨ ﭽ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ [النساء‪. ]82:‬‬
‫فصح أن الحق يف األقوال ما حكم اهلل تعالى به فيه وهو واحد‬
‫َّ‬
‫ال يختلف وأن الخطأ ما لم يكن من عند اهلل عز وجل‪ ،‬ومن ا ّدعى‬
‫أن األقوال كلها حق وأن كل مجتهد مصيب فقد قال قو ً‬
‫ال لم يأت‬
‫قرآن وال ُسنة وال إجماع وال معقول‪ ،‬وما كان هكذا فهو باطل‬‫به ٌ‬
‫فنص‬
‫و ُيبطله قول رسول اهلل ‪ »:‬إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر» َّ‬
‫عليه الصالة والسالم على أن المجتهد قد يخطئ(‪. ) 2‬‬
‫وقال الشوكاين‪ :‬فالحق الذي ال شك فيه وال شبهة أن الحق‬
‫واحد ومخالفه مخطئ مأجور(‪ . )3‬هذا ما قاله العلماء وهذه أدلتهم‪.‬‬

‫[ أدلة القول األول ]‬


‫(‪ )1‬ﭧ ﭨ ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ [األنبي�اء‪]78:‬‬

‫وقوله‪ :‬تعالى ﭽ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ‬


‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ‬
‫[األنبي�اء‪]79:‬‬

‫((( جامع بيان العلم وفضله (‪ )922/2‬برقم (‪)1754‬‬

‫((( المحلى (‪ )70/1‬مسألة (‪)109‬‬

‫((( إرشاد الفحول صـ (‪) 386‬‬


‫‪5‬‬
‫وح َمدَ ه على إصابته وأثنى‬
‫المصيب َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سليمان هو‬ ‫فأخرب اهلل‪ :‬أن‬
‫نص يف إبطال قول‬ ‫على داوود يف اجتهاده ولم ّ‬
‫يذمه على خطأه‪ ،‬وهذا ّ‬
‫من قال‪ :‬إذا أخطأ المجتهد يجب أن يكون مذمومًا‪ ،‬فلو كان الحق‬
‫ِ‬
‫بيد كل واحد‬
‫منهما لما كان لتخصيص سليمان بذلك معنى ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ « :‬إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله‬
‫أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر»(‪. )1‬‬
‫سمه‬ ‫سمى رسول اهلل المجتهد مخطئًا ولو كان مصيبًا لم ُي َّ‬ ‫فقد ّ‬
‫مخطئًا ‪ ،‬وأما األجر فإنه حصل له على تعبه يف االجتهاد ‪ ،‬وهذا‬
‫واحد ال بعينه قال‪ :‬الشوكاين رحمـه اهلل‪ ‬ها هنا ٌ‬
‫دليل‬ ‫ٍ‬ ‫تصريح بتخطئة‬
‫ريب وهو الحديث‬ ‫يرفع النزاع ويوضح الحق إيضاحًا ال يبقى بعده ٌ‬
‫طرق أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله‬ ‫الثابت يف الصحيحين من ٍ‬
‫أجران‪ ،‬وإن اجتهد فأخطأ فله أجر فهذا الحديث يفيدك أن الحق‬
‫واحــد وأن بعض المجتهدين يوافقه ف ُيقال له مصيب ويستحق‬
‫أجرين‪ ،‬وبعض المجتهدين يخالفه و ُيقال له مخطئ ويستحق أجر ًا‬
‫كل مجتهد‬ ‫واحد ًا واستحقاقه األجرال يستلزم كونه مصيبًا فمن قال ُ‬
‫ً‬
‫خطأ ب ّينًا‬ ‫مصيب وجعل الحق متعددا بتعدد المجتهدين فقد أخطأ‬
‫بمخالفة ظاهره‪ ،‬فإن النبي صلى اهلل عليه وسلم‬‫ِ‬ ‫وخالف الصواب‬
‫جعل المجتهدين قسمين‪ ،‬قسمًا مصيبًا وقسمًا مخطئًا‪ ،‬ولو كان‬
‫ٍ‬
‫واحد منهما مصيبًا لم يكن لهذا التقسيم معنى(‪.)2‬‬ ‫كل‬
‫وقال‪ :‬ابن حجر رحمه اهلل ‪ :‬فاألول له أجران ‪ :‬أجر االجتهاد وأجر‬
‫أجر االجتهاد فقط ) ثم نقل عن أبي بكر بن العربي‬ ‫اإلصابة واآلخر له ُ‬
‫ـدة للتصريح‬ ‫جهة واحـ ٍ‬
‫قوله ( تعلق بالحديث من قال أن الحق في ٍ‬
‫واحد ال بعينه(‪.)3‬‬
‫بتخطئة ٍ‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫(‪ )3‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ « :‬القضاة ثالثة واحد في الجنة‬

‫((( صحيح البخاري (‪)7352‬‬


‫((( إرشاد الفحول صـ (‪)386‬‬

‫((( فتح الباري ( ‪)319/13‬‬


‫‪6‬‬
‫فرجل عرف الحق فقضى به ‪،‬‬‫ٌ‬ ‫واثنان في النار ‪ ،‬فأما الذي في الجنة‬
‫جهل‬ ‫ٌ‬
‫ورجل عرف الحق فجار فهو في النار ‪ ،‬ورجل قضى للناس على ٍ‬
‫فهو في النار»(‪.)1‬‬
‫ومما ُيحتج به حديث القضاة الثالثة‬
‫قال الشوكاين رحمه اهلل‪ّ :‬‬
‫ً‬
‫فإنه لو لم يكن الحق واحدا لم يكن للتقسيم معنى‪ -‬ومثله قوله صلى‬
‫حصن النزول على‬
‫ٍ‬ ‫الله عليه وسلم ألمير السرية‪«:‬وإن طلب منك أهل‬
‫حكم الله فال تنزلهم على حكم الله فإنك ال تدري أتصيب حكم الله‬
‫فيهم أم ال» (‪. )2‬‬
‫(‪ )4‬عن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه قال ‪ :‬خرج رجالن‬
‫يف سفر ‪ ،‬فحضرت الصالة وليس معهما ماء ‪ ،‬فتيمما صعيد ًا طيبا ‪،‬‬
‫فصليا‪ ،‬ثم وجدا الماء يف الوقت‪ ،‬فأعاد أحدهما الصالة والوضوء‬
‫ولم ُيعد اآلخر‪ ،‬ثم أتيا رسول اهلل فذكرا ذلك له‪ ،‬فقال للذي لم ُيعد‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ :‬أصبت السنة فأجزأتك صالتك ‪ ،‬وقال لآلخر ‪ :‬لك األجر مرتين‬
‫‪ .‬فقال لألول‪ :‬أصبت السنة‪ ،‬أي الحق وقال لآل خرلك األجر مرتين‬
‫وأجر على الصالة بالوضوء وذلك‬‫ٌ‬ ‫أجر على الصالة بالتيمم‬
‫أي ٌ‬
‫الجتهادك ولو لم ُتصب السنة ‪.‬‬
‫(‪ )5‬ومن األدلــة‪ :‬على أن كل مجتهد ليس بمصيب‪ ،‬ما ذكره‬
‫ٍ‬
‫عصر يتناظرون‬ ‫الخطيب البغدادي‪ :‬إنا وجدنا أهل العلم يف ك ِل‬
‫ٍ‬
‫ويتباحثون ويحتج بعضهم على بعض‪ ،‬ولو كان كل واحد منهم‬
‫ً‬
‫خطأ ولغو ًا ال فائدة فيها قلت‪ :‬ثم أنه لم‬ ‫مصيبًا كانت المناظرة‬
‫أحد من الصحابة وال األئمة أنه قال لصاحبه أقررتك‬ ‫ينقل عن ٍ‬
‫وأجزت لك أن تعمل به وقد ثبت عنهم بالتواتر إنكار‬‫ُ‬ ‫على خالفك‬
‫ٍ‬
‫بعض يف كثير من المسائل إلى يومنا هذا ‪ .‬‬ ‫بعضهم على‬

‫((( رواه أبــو داود والرتمــذي وابــن ماجــه ـ وصححــه األلبــاين يف اإلرواء‬
‫(‪)2614‬‬
‫((( إرشاد الفحول صـ (‪) 387‬‬
‫((( رواه أبــو داود والنســائي وصححــه األلبــاين يف صحيــح ســنن أبــي‬
‫داوود رقــم (‪)327‬‬
‫‪7‬‬
‫(‪ )6‬دليل عقلي‪ :‬قــال الخطيب البغدادي ويــدل على ذلك‬
‫أيضًا أهنم إذا اختلفوا على قولين متضادين‪ ،‬مثل تحليل وتحريم‪،‬‬
‫وتصحيح وإفساد ‪ ،‬فال يخلو من أحد ثالثة أقسام‪ :‬إما أن يكون‬
‫القوالن فاسدين أو صحيحين أو أحدهما فاسد ًا واآلخر صحيحًا‬
‫‪ ،‬فال يجوز أن يكونا فاسدين ألنه يؤدي إلى اجتماع األئمة على‬
‫الخطأ‪ ،‬وال يجوز أن يكونا صحيحين ألهنما متضادان فيمتنع أن‬
‫يكون الشيء الواحد حرامًا وحال ً‬
‫ال ‪ ،‬وإذا بطل هذان القسمان ثبت‬
‫(‪)1‬‬
‫صحيح واآلخر فاسدٌ‬
‫ٌ‬ ‫أن أحدهما‬
‫(‪ )7‬ذكر ابن عبد الرب رحمه اهلل‪ :‬ر َّد المزينِّ تلميذ اإلمام الشافعي‬
‫جوز‬
‫مصيب للحق ‪ ،‬بأن يقال لمن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫على من قال أن كل مجتهد‬
‫االختالف وزعم أن المجتهدين يف الحادثة إذا قال أحدهما حالل‬
‫ٍ‬
‫واحد منهما َجهده وهو يف اجتهاده‬ ‫وقال اآلخر حرام ‪ ،‬فقد أدى ُ‬
‫كل‬
‫مصيب للحق ُيقال له أبأص ٍل قلت هذا أم بقياس؟ فإن قال بأص ٍل قيل‬
‫أصل ينفي الخالف وإن قال بقياس‬ ‫له‪ :‬كيف يكون أصالً والكتاب ٌ‬
‫قيل له ‪ :‬كيف تكون األصول تنفي الخالف ويجوز لك أن تقيس‬
‫يجوزه عاقل فضالً عن عالم‪ ،‬ثم قال‬ ‫عليها جواز الخالف هذا ما ال ّ‬
‫أبو عمرو ابن عبد الرب ما ألزمه المزينّ عندي الزم فلذلك ذكرته ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫مصيب فله فتحا‬


‫ٌ‬ ‫(‪ )8‬ثم إن القول‪ :‬بتعدد الحق وأن كل مجتهد‬
‫بابًا خطير ًا على األمة وهو باب تتبع رخص الفقهاء والعلماء ‪،‬‬
‫واإلمام ابن عبد الرب ذكر أثار ًا عن السلف تدل على أن الرجل إذا‬
‫أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذا إجماع ال‬
‫أعلم فيه خالفًا (‪ . )3‬فال يجوز هذا القول سد ًا للذريعة‪.‬‬

‫((( كتاب الفقيه والمتفقه ص (‪)119‬‬


‫((( جامع بيان العلم وفضله (‪ )922/2‬مسألة (‪)1754‬‬

‫((( جامع بيان العلم وفضله (‪)927/2‬‬


‫‪8‬‬
‫[القـول الثانـي‪ :‬أن كل جمتهد مصيب للحق‬
‫ِّ‬
‫واحلق ما غلب على ظن اجملتهد]‬
‫قد ذكر الشوكاين يف إرشاد الفحول عن بعض أهل العلم أنه‬
‫مذهب جمهور المتكلمين كالشيخ أبي الحسن األشعري والقاضي‬
‫والغزالي والمعتزلة وقال ‪ :‬وذكر الشافعي وأبي حنيفة والمشهور‬
‫عنهما خالفه ‪.‬‬

‫واستدلوا مبا يلي‪:‬‬


‫(‪  )1‬قال اإلمام البخاري َحدَّ َثنَا َع ْبدُ اهَّللِ ْب ُن ُم َح َّم ِد ْب ِن َأ ْس َما َء ‪,‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحدَّ َثنَا ُج َو ْي ِر َي ُة ْب ُن َأ ْس َما َء ‪َ ,‬ع ْن نَاف ٍع ‪َ ,‬ع ْن ا ْب ِن ُع َم َر َرض َي ُ‬
‫اهَّلل َعن ُْه َما ‪,‬‬
‫اهَّلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َي ْو َم ْالَ ْحـ َـز ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫اب ‪ « :‬ل ُي َصل َي َّن‬ ‫َق َال ‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي َص َّلى ُ‬
‫أ َحد ال َع ْص َر ِإل ِفي َب ِني ق َر ْيظة » َف َأ ْد َر َك َب ْع ُض ُه ُم ا ْل َع ْص َر فِي ال َّط ِر ِيق ‪,‬‬
‫ُ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ٌ ْ‬

‫َف َق َال َب ْع ُض ُه ْم ‪َ :‬ل ن َُص ِّلي َحتَّى ن َْأتِ َي َها َو َق َال َب ْع ُض ُه ْم ‪َ :‬ب ْل ن َُص ِّلي َل ْم ُي ِر ْد‬
‫ِّف و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫احدً ا‬ ‫منَّا َذل َك ‪َ ,‬ف ُذك َر َذل َك للنَّبِ ِّي َص َّلى ُ‬
‫اهَّلل َع َل ْيه َو َس َّل َم َف َل ْم ُي َعن ْ َ‬
‫مِن ُْه ْم(‪.)1‬‬
‫الجواب هو [ما ذكره الشوكاين صـ (‪ ) 388( )387‬من ثالثة أوجه]‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫حكم ُه يف هذه الحادثة بخصوصها هو كل‬ ‫الوجه األول‪ :‬أن‬
‫َ‬
‫من األمرين وليس النزاع إال فيما لم يرد النص فيه بخصوصه إن‬
‫واحد من األمرين‪ ،‬قلت‪ :‬يعني أن النص ورد‬ ‫ٍ‬ ‫حكم اهلل فيه هو كل‬
‫لدى الفريقين مثل حكم اهلل على التخيير يف كفارة اليمين أو أدعية‬
‫االستفتاح يف الصالة أو التشهدان يف آخر الصالة وغيرها‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬قال الشوكاين‪ :‬أو أن حكمه يف الحادثة يجب على‬
‫الكل حتى يفعله البعض فيسقط على الباقين كفروض الكفايات‪،‬‬
‫فتدبر هذا وافهمه حق فهمه ‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬قال‪ :‬على أن ترك التثريب لمن قد عمل باجتهاده‬

‫(((صحيح البخاري(‪)3835‬‬
‫‪9‬‬
‫ال يدل على أنه قد أصاب الحق بل يدل على أنه قد أجزأه ما عمله‬
‫باجتهاده انتهى كالمه‪.‬‬
‫(‪ )2‬احتجوا بحديث‪« :‬إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا‬
‫(‪)1‬‬
‫اجتهد وأخطأ فله أجر»‬
‫قالوا‪ :‬كالهما لهما األجر فهما على الحق‪.‬‬
‫الجواب‪ ‬هو‪ :‬أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم سمى المجتهد‬
‫سمه مخطئًا‪ ،‬وهــذا تصريح‬
‫مخطئًا ولو كان مصيبًا للحق لم ُي ّ‬
‫بتخطئة واحد ال بعينه‪.‬‬
‫(‪  )3‬قالوا‪ :‬اإلجماع على أن المجتهد المخالف ال إثم عليه فيما‬
‫أخطأ باجتهاده‪ ،‬وهذا يدل على أن كل مجتهد مصيب‪.‬‬
‫أجر‬
‫الجواب هو‪ :‬صحيح أن المجتهد إذا أخطأ ال إثم عليه بل له ٌ‬
‫واحد وهذا الجتهاده‪ ‬ولذلك قال رسول اهلل «إذا اجتهد وأخطأ فله‬
‫أجر واحد» فسماه مخطئًا وليس مصيبًا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ )4( ‬قالوا أيضا ‪ :‬أن الصحابة اجتهدوا واختلفوا وأقر بعضهم‬
‫وسوغوا للعامة أن يقلدوا‬
‫بعضا على قوله وإن كان مخالفًا لقوله‪ّ ،‬‬
‫من شاء منهم‪ ،‬وال يجوز أن ُيجمعوا على إقرار الخاطئ على خطئه‪.‬‬
‫الجواب هو‪ :‬أن الصحابة اجتهدوا واختلفوا وأنكر بعضهم‬
‫على بعض كما ثبت عنهم‪ ،‬ولم يقروا بعضهم بعضًا على االجتهاد‬
‫الخاطئ المخالف للسنة‪ ،‬بل عذروا بعضهم البعض فيما ال يخالف‬
‫السنة ألن الخاطئ يف اجتهاده معذور‪ ،‬وقد ورد الشرع بذلك كما‬
‫وسوغوا للعامة أن يقلدوا من‬
‫ّ‬ ‫ورد بالعفو عن الناسي‪ ‬أما قولهم‬
‫وللعامي أن يقلد أوثق‬
‫ِّ‬ ‫شاءوا منهم فإن التقليد يجوز للحاجة فقط‬
‫المجتهدين يف نفسه وال يكلف أكثر من ذلك ألنه ال سبيل له إلى‬
‫معرفة الحق فهو مأجور كالمجتهد إن أصاب الحق وأخطأه‪  ‬وأما‬
‫قولهم ال يجوز أن ُيجمعوا على إقرار الخاطئ على خطئه‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫أين ذلك اإلجماع‪ ،‬بل أنه لم ينقل عن ٍ‬
‫أحد منهم أنه صلى اهلل عليه‬ ‫ُ‬
‫وسلم أنه قال لصاحبه‪ :‬أقررتك على خطئك‪.‬‬

‫((( سنن أبي داود ( ‪)3574‬‬


‫‪10‬‬
‫قال‪ :‬اإلمام الشوكاين رحمه اهلل وما أشنع ما قاله هؤالء الجاعلون‬
‫لحكم اهلل عز وجل متعددا بتعداد المجتهدين تابعًا لما يصدرعنهم‬
‫من االجتهادات(‪.)1‬‬
‫فإن هذه المقالة مع كوهنا مخالف ًة لألدب مع اهلل عز وجل ومع‬ ‫ّ‬
‫شريعته المطهرة هي أيضًا صادرة عن محض الرأي الذي لم يشهد‬
‫له دليل وال عضدته شبهة تقبلها العقول وهي أيضًا مخالفة إلجماع‬
‫األمة سلفها وخلفها فإن الصحابة ومن بعدهم يف كل عصر من‬
‫العصورما زالوا ُي َخ ّطئون من خالف يف اجتهاده‪. ‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬

‫(((إرشاد الفحول ص(‪)387‬‬


‫‪11‬‬

You might also like