You are on page 1of 7

‫تقسيم التوحيد‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين ‪ .‬أما بعد ‪ :‬فال يزال المناوئون لدعوة الشيخ‬
‫محمد بن عبدالوهاب رحمه هللا يطلقون قذائفهم إلطفاء نور‬
‫َّ‬
‫ويعز كلمته وينصر‬ ‫التوحيد ‪ ،‬ولكن أبى هللا إال أن يتم نوره‬
‫دينه ‪ .‬ومن هذه الدعاوى الخاوية الذين ينعقون بها قولهم ‪:‬‬
‫إن الشيخ هو أول من قسم التوحيد إلى ثالثة توحيد ولم يسبقه‬
‫أحد بهذا التقسيم ‪ .‬فكان لزاما ً على أهل هذه الدعوة المباركة‬
‫أن يبينوا الحق في هذه المسألة ‪ ،‬وأن شيخ اإلسالم لم يأت‬
‫ببدعٍ من القول بل هو مجدِّد للتوحيد وحامل رايته في القرن‬
‫الثاني عشر ‪ .‬غفر هللا له وجزاه هللا خيرا ً عن اإلسالم‬
‫والمسلمين ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫أردت أن أكتب هذا البُحيث الصغير ليكون‬ ‫ومن هذا المنطلق‬
‫المسلمون على بينة من األمر ‪ ،‬وعلى بصيرة بدعوتهم ‪.‬‬
‫فأقول مستعينا ً باهلل تعالى ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬قبل أن أكتب عن تقسيم التوحيد ‪ ،‬أودُّ أن أتعرض عن‬
‫حد‬
‫ماهية التوحيد ‪ .‬فأفضل تعريف للتوحيد كمصطلح على ِّ‬
‫علمي هو تعريف العالمة الشيخ محمد الصالح العثيمين‬
‫وذلك في شرحه القيم على كتاب التوحيد ‪( :‬إفراد هللا سبحانه‬
‫بما يختص به من الربوبية واأللوهية واألسماء‬
‫والصفات)(‪ . )1‬والتوحيد هو مصدر و َّحد على وزن فعَّل ‪،‬‬
‫وكل ما كان على وزن (فعَّل) فمصدره على وزن (تفعيل)‬
‫‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن التوحيد هو أساس دعوة الرسل جميعا ً ‪ ،‬وما بعثوا‬
‫إال ليقرروا هذا األمر العظيم الذي ضلَّت عنه األمم الكثيرة‬
‫من لدن نبينا نوحٍ عليه السالم إلى نبينا محمد خاتم األنبياء‬
‫والمرسلين صلوات هللا وسالمه عليهم أجمعين ‪ .‬قال تعالى‬
‫‪( :‬ولقد بعثنا في كل أمة رسوالً أن اعبدوا هللا واجتنبوا‬
‫الطاغوت ‪ )...‬اآلية(‪) .2‬‬

‫تقسيم التوحيد ‪:‬‬


‫إن العلماء رحمهم هللا قد س َّهلوا العلوم الشرعية على الناس‬
‫بتبويبات وتقسيمات وتفريعات مختلفة وذلك حتى يكمل الفهم‬
‫علم وبصيرة ‪ .‬فعلى‬‫ويتم االستيعاب ‪ ،‬وتعبد األمة ربَّها على ٍ‬
‫سم علماء األصول األحكام الشرعية إلى‬ ‫سبيل المثال ‪ :‬ق َّ‬
‫خمسة أحكام ‪ :‬الواجب والمندوب والمباح والمكروه‬
‫والمحظور ‪ .‬وذلك بالنظر إلى األدلة الشرعية من الكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬فوجدوا أن األحكام تنحصر في هذه الخمسة ‪ .‬فهل‬
‫نحكم عليه بالبدعة ألن الصحابة لم يعرفوا هذا التقسيم‬
‫الخماسي ؟ أم نقدِّر جهودهم في تسهيل وتيسير العلوم لألمة‬
‫اإلسالمية ؟ ‪ .‬فإذا كان الجواب ‪ :‬أننا نحكم ببدعيَّة هذا العمل‬
‫فإنه يلزمنا أن نبدِّع جميع علماء المسلمين ‪ .‬وإذا كان‬
‫الجواب ‪ :‬أننا نقدِّر جهودهم ‪ ،‬فنقول ‪ :‬كذلك يدخل ضمن‬
‫جهودِّهم هذا التقسيم الثالثي للتوحيد والذي نحن بصدده ‪.‬‬

‫إذا نظرنا في كتب العلماء السابقين للشيخ محمد عبدالوهاب‬


‫يؤكد‬
‫سم إلى أقسام والذي ِّ‬‫نجد فيها ما يدل على أن التوحيد مق َّ‬
‫أن فعلة الشيخ حق وصواب ‪ .‬وسوف نذكر فيما يلي بعض‬
‫عبارات األئمة وأهل العلم الدالة على هذا التقسيم ‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬التوحيد ينقسم إلى ثالث ِّة أقسام ‪ :‬قال اإلمام الفقيه ابن‬
‫العز الحنفي رحمه هللا في شرحه على العقيدة الطحاوية‬ ‫أبي ِّ‬
‫‪( :‬التوحيد يتضمن ثالث أنواع ‪ :‬أحدهما ‪ :‬الكالم في‬
‫الصفات والثاني ‪ :‬توحيد الربوبية وبيان أن هللا وحده خالق‬
‫كل شيء والثالث ‪ :‬توحيد األلوهية ‪ ،‬وهو استحقاقه سبحانه‬
‫وتعالى أن يُعبد وحده ال شريك له )(‪) .3‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬التفريق بين توحيد الربوبية وتوحيد األلوهية ‪ :‬لتقرير‬


‫هذه النقطة أرى من األفضل االستشهاد بكالم اإلمام المفسر‬
‫ابن جرير الطبري ‪ ،‬حيث نجد في تفسيره في مواضع كثيرة‬
‫الكالم على توحيد الربوبية واأللوهية ‪ .‬وفيما يلي نستشهد‬
‫ببعض عبارات اإلمام الطبري للتدليل على هذه النقطة ‪:‬‬
‫‪ 1-‬قال عند تفسير ‪ 336/3‬قوله تعالى ‪( :‬وله أسلم من‬
‫في السموات واألرض طوعا ً وكرها ً ‪ )..‬اآلية (‪( : )4‬يقول‬
‫‪ :‬وله َخشَع من في السموات واألرض ‪ ،‬فخضع له بالعبودية‬
‫وأقر له بإفراد الربوبية ‪ ،‬وانقاد له بإخالص التوحيد‬ ‫َّ‬
‫واأللوهية طوعا ً وكرهاً) ‪ .‬لعل القارئ كيف فرق اإلمام‬
‫الطبري بين العبودية والربوبية حيث بيَّن أن العبودية وهي‬
‫األلوهية هي الخضوع هلل بالعبادة والربوبية هي اإلقرار‬
‫بوحدانية هللا وإفراده‪.‬‬
‫‪ 2-‬وقال رحمه هللا ‪ 77/5‬في معرض تفسيره لقول هللا‬
‫تعالى ‪( :‬واعبدوا هللا وال تشركوا به ‪( : )5( )..‬يعني بذلك‬
‫وأفردُوه‬
‫ِّ‬ ‫ج َّل ثناؤه ‪ :‬وذلُّوا هلل بالطاعة واخضعُوا له بها‬
‫بالربوبية وأخلصوا له الخضوع والذِّلة باالنتهاء إلى أمره‬
‫واالنزجار عن نهيه وال تجعلوا له في الربوبية والعبادة‬
‫تعظمونه تعظي َمكم إياه) ‪ .‬وفي هذه العبارة أيضا ً‬ ‫شريكا ً ِّ‬
‫تفريق بين الربوبية والعبادة أي األلوهية ‪.‬‬
‫‪ 3-‬وقال رحمه هللا ‪ 39/16‬في تفسير قوله تعالى ‪:‬‬
‫يشرك بعبادة ربِّه أحداً)(‪ )6‬يقول‬
‫ْ‬ ‫(فليعمل عمالً صالحا ً وال‬
‫فليخلص له العبادة َ وليفر ْد له الربوبية) والعبارة واضحة‬
‫ْ‬ ‫‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ 4-‬وقال رحمه هللا ‪ 182/23‬عند تفسير قوله تعالى ‪:‬‬
‫(وما من إله إال هللا الواحد القهار) (‪( : )7‬يقول ‪ :‬وما من‬
‫معبو ٍد تصل ُح له العبادة وتنبغي له الربوبية إال هللا الذي يدين‬
‫له ك ُّل شيء ويعبده ك ُّل خل ٍ‬
‫ق‪. )...‬‬
‫‪ 5-‬وقال اإلمام الحافظ ابن كثير رحمه هللا ‪ 309/4‬في‬
‫تفسير قوله تعالى ‪( :‬أم ُخلقوا من غير شيء أم هم‬
‫الخالقون)(‪( : )9‬هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد‬
‫األلوهية (أم خثلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون) أي‬
‫أوجدوا من غير موج ٍد أم هم أوجدوا أنفسهم ؟!‪.)...‬‬
‫وقبل أن أنتقل إلى النقطة الثالثة أرى أنه من المناسب أن‬
‫أنقل كالما ً نفيسا ً لشيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا في تقرير‬
‫النقطة الثانية في كتابه القيم (التدمرية ‪( : )4-3‬فالكالم فى‬
‫باب التوحيد والصفات هو من باب الخبر الدائر بين النفى‬
‫واإلثبات ‪ ،‬والكالم فى الشرع والقدر هو من باب الطلب‬
‫واإلرادة الدائر بين اإلرادة والمحبة وبين الكراهة والبغض‬
‫نفيا ً وإثباتا ً ‪ ،‬واإلنسان يجد فى نفسه الفرق بين النفى‬
‫واإلثبات والتصديق والتكذيب وبين الحب والبغض والحض‬
‫والمنع حتى إن الفرق بين هذا النوع وبين النوع اآلخر‬
‫معروف عند العامة والخاصة ومعروف عند أصناف‬
‫المتكلمين فى العلم ‪ ،‬كما ذكر ذلك الفقهاء فى كتاب األيمان‬
‫وكما ذكره المقسِّمون للكالم من أهل النظر والنحو والبيان‪،‬‬
‫فذكروا أن الكالم نوعان ‪ :‬خبر وإنشاء ‪ .‬والخبر دائر بين‬
‫النفى واالثبات واإلنشاء أمر أو نهى أو إباحة ‪.)..‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إن توحيد األلوهية يتض َّمن توحيد الربوبية ‪ :‬وهذه‬
‫قاعدة ٌ معروفة عند علماء السنة ‪ ،‬وقد قررها غير واحد من‬
‫أهل العلم في كتبهم ‪ ،‬ونأتي هنا بعبارتين لعالميْن من علماء‬
‫السنة ‪:‬‬
‫‪ 1-‬قال اإلمام الحافظ المفسر ابن كثير رحمه هللا ‪553 /3‬‬
‫ت‬
‫في تفسير قوله تعالى ‪( :‬ولئن سألتهم من خلق السموا ِّ‬
‫واألرض وس َّخر الشمس والقمر ليقولُ َّن هللا‪ )8()...‬اآلية ‪:‬‬
‫َ‬
‫مقام اإللهية باإلعتراف بتوحيد‬ ‫َ‬ ‫يقرر تعالى‬‫(وكثيرا ً ما ِّ‬
‫الربوبية وقد كان المشركون يعترفون بذلك كما كانوا‬
‫شريك لك إال شريكا ً هو َ‬
‫لك ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يقولون في تلبيتهم ‪ :‬لبيك ال‬
‫تمل ُكه وما ملك) ‪.‬‬
‫‪ 2-‬وقال اإلمام ابن أبي العز (‪ )10‬في شرحه على‬
‫الطحاوية في حين كالمه على توحيد األلوهية ‪( :‬فعُلم أن‬
‫التوحيد المطلوب هو توحيد األلوهية الذي يتضمن توحيد‬
‫الربوبية)‪.‬‬

‫وبعض العلماء يجعلون التقسيم ثنائيا ً ‪ :‬األول ‪ :‬توحيد‬


‫المعرفة واإلثبات ‪ ،‬الثاني ‪ :‬توحيد الطلب والقصد ‪ .‬فاألول‬
‫اشتمل على توحيد الربوبية واألسماء والصفات والثاني هو‬
‫توحيد األلوهية ‪ .‬وهذا هو صنيع شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫رحمه هللا كما هو واضح من عبارته في (التدمرية) ‪ ،‬وبذلك‬
‫عرفنا أنه ال تناقض بين األسلوبين وإنما االختالف الحاصل‬
‫هو اختالف تنوعٍ فتأ َّمل ‪.‬‬

‫تحريرا ً في ‪1426/7/4‬هـ‬
‫‪---------------------------------------------------‬‬
‫القول المفيد على كتاب التوحيد ص( ‪) . 5‬‬ ‫‪1-‬‬
‫سورة النحل ( ‪) .36‬‬ ‫‪2-‬‬
‫شرح ابن أبي العز( ‪) .78‬‬ ‫‪3-‬‬
‫سورة آل عمران( ‪) .83‬‬ ‫‪4-‬‬
‫سورة النساء( ‪) .36‬‬ ‫‪5-‬‬
‫سورة الكهف( ‪) .110‬‬ ‫‪6-‬‬
‫سورة ص( ‪) .65‬‬ ‫‪7-‬‬
‫سورة العنكبوت( ‪) .61‬‬ ‫‪8-‬‬
‫سورة الطور( ‪) .35‬‬ ‫‪9-‬‬
‫‪ 10-‬شرح ابن أبي العز على الطحاوية بتخريج الشيخ‬
‫األلباني( ‪) .83‬‬

You might also like