You are on page 1of 25

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫المبحث األول‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫‪ -‬الرسالة األولى ‪-‬‬

‫توحيد األلوهية وتوحيد الربوبية‬


‫للشيخ العالمة يوسف الدجوى‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫جائتنا رس ائل كث رية يس أل مرس لوها عن توحيد األلوهية وتوحيد‬
‫الربوبية ما معنامها ‪ ،‬وما الذي يرتتب عليهما ‪ ،‬ومن ذا الذي فرق بينهما ‪،‬‬
‫وما هو الربهان على صحة ذلك أو بطالنه ؟ ‪.‬‬
‫فنقول وباهلل التوفيق ‪:‬‬
‫إن صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره ‪.‬‬
‫ق ال ‪ :‬إن الرسل مل يبعث وا إال لتوحيد األلوهية وهو إف راد اهلل‬
‫بالعب ادة‪ ،‬وأما توحيد الربوبية وهو اعتق اد أن اهلل رب الع املني املتص رف ىف‬
‫أم ورهم فلم خيالف فيه أحد من املشركني واملس لمني ‪ ،‬بدليل قوله تعاىل ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫‪ ‬ولئن س ألتهم من خلق الس موات واألرض ليق ولن اهلل ‪ 1 ‬مث ق الوا ‪ :‬إن‬
‫ال ذين يتوس لون باألنبي اء واألولي اء ويتش فعون هبم وين ادوهنم عند الش دائد‬
‫هم عاب دون هلم ‪ ،‬قد كف روا مبا كفر به عب اد األوث ان واملالئكة واملس يح‬
‫س واء بس واء ‪ ،‬ف إهنم مل يكف روا باعتق ادهم الربوبية ىف تلك األوث ان وما‬
‫معها ‪ ،‬بل برتكهم توحيد األلوهية بعبادهتا ‪ ،‬وهذا ينطبق على زوار القبور‬
‫املتوسلني باألولياء املنادين هلم ‪ ،‬املستغيثني هبم ‪ ،‬الطالبني منهم ما ال يقدر‬
‫عليه إال اهلل تعاىل‪.‬‬
‫بل ق ال حممد بن عبد الوه اب ‪ :‬إن كف رهم أش نع من كفر عب اد‬
‫األوثان ‪ ،‬وإن شئت ذكرت لك عبارته احملزنة اجلريئة ‪.‬‬
‫فهذا ملخص مذهبهم مع اإليضاح ‪ ،‬وفيه عدة دعاوى ‪ .‬فلنعرض‬
‫هلا على سبيل اإلختصار ‪ ،‬ولنجعل الكالم ىف مقامني فنتحاكم إىل العقل مث‬
‫نتحاكم إىل النقل ‪ ،‬فنقول ‪:‬‬
‫ق وهلم ‪ :‬إن التوحيد ينقسم إىل توحيد الربوبية وتوحيد األلوهية ‪،‬‬
‫تقس يم غري مع روف ألحد قبل ابن تيمية ‪ ،‬وغري معق ول أيضا كما س تعرفه‬
‫‪ ،‬وما كان رسول اهلل ‪ ‬يقول ألحد دخل ىف اإلسالم ‪ :‬إن هناك توحيدين‬
‫‪ ،‬وإنك ال تك ون مس لما حىت توحد توحيد األلوهية ‪ ،‬وال أش ار إىل ذلك‬
‫بكلمة واح دة ‪ ،‬وال مسع ذلك عن أحد من الس لف ال ذين يتبجح ون‬
‫باتب اعهم ىف كل ش يء ‪ ،‬وال معىن هلذا التقس يم ‪ .‬ف إن األله احلق هو ال رب‬
‫احلق ‪ ،‬واألله الباطل هو ال رب الباطل ‪ ،‬وال يس تحق العب ادة والتأليه إال من‬
‫كان ربا ‪.‬‬

‫سورة لقمان ‪ ،‬اآلية ‪ 25‬وسورة الزمر ‪ ،‬اآلية ‪38‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪3‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫وال معىن ألن نعبد من ال نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر ‪ ،‬فه ذا‬
‫مرتب على ذلك ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪  :‬رب السموات واألرض وما بينهما‬
‫فاعب ده واص طرب لعبادته ‪ 1 ‬ف رتب العب ادة على الربوبية ‪ ،‬فإننا إذا مل نعتقد‬
‫أنه رب ينفع ويضر ‪ ،‬فال معىن ألن نعب ده كما قلنا ‪ ،‬ويق ول تع اىل ‪  :‬أال‬
‫يس جدوا هلل ال ذي خيرج اخلبء ىف الس موات واألرض ‪ 2 ‬يشري إىل أنه ال‬
‫ينبغى السجود إال ملن ثبت اقتداره التام ‪ ،‬وال معىن ألن يسجدوا لغريه ‪.‬‬
‫هذا هو املعقول ‪ ،‬ويدل عليه القرآن والسنة ؛‬
‫أما الق رآن فقد ق ال ‪  :‬وال ي أمركم أن تتخ ذوا املالئكة والنب يني‬
‫أربابا‪ 3 ‬فصرح بتعدد األرباب عندهم ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من تصريح القرآن بأهنم جعلوا املالئكة أربابا ‪ ،‬يقول‬
‫ابن تيمية ‪ ،‬وحممد بن عبد الوه اب ‪ :‬إهنم موح دون توحيد الربوبية ‪،‬‬
‫وليس عن دهم إال رب واحد ‪ ،‬وإمنا أش ركوا ىف توحيد األلوهية ‪ .‬ويق ول‬
‫يوسف ‪ ‬لصاحىب السجن وهو يدعومها إىل التوحيد ‪  :‬أأرباب متفرقون‬
‫خري أم اهلل الواحد القه ار ‪ ، 4 ‬ويق ول اهلل تع اىل أيضا ‪  :‬وهم يكف رون‬
‫بالرمحن قل هو رىب ‪ ، 5 ‬وأما هم فلم جيعلوه ربا ‪ ،‬ومثل ذلك قوله تعاىل‬
‫‪  :‬لكنا هو اهلل رىب ‪ 6 ‬خطابا ملن أنكر ربوبيته تع اىل ‪ .‬وانظر إىل ق وهلم‬

‫سورة مرمي ‪ ،‬اآلية ‪65‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النحل ‪ ،‬اآلية ‪25‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة آل عمران ‪ ،‬اآلية ‪80‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة يوسف ‪ ،‬اآلية ‪39‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة الرعد ‪30 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫سورة الكهف ‪ ،‬اآلية ‪38‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪4‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫يوم القيامة ‪  :‬تا اهلل إن كنا لفى ضالل مبني ‪ .‬إذ نسويكم برب الع املني‬
‫‪ ، 1 ‬أى ىف جعلكم أربابا كما هو ظ اهر ‪ ،‬وانظر إىل قوله تع اىل ‪  :‬وإذا‬
‫قيل هلم اس جدوا لل رمحن ق الوا وما ال رمحن أنس جد ملا تأمرنا ‪ 2 ‬فهل ت رى‬
‫ص احب ه ذا الكالم موح دا أو معرتفا ؟ مث انظر إىل قوله ‪  :‬وهم‬
‫جيادلون ىف اهلل ‪ 3 ‬إىل غري ذلك وهو كثري ال نطيل بذكره ‪.‬‬
‫ف إذا فليس عند ه ؤالء الكف ار توحيد الربوبية كما ق ال ابن تيمية ‪،‬‬
‫وما كان يوسف ‪ ‬يدعوهم إال إىل توحيد الربوبية ‪ ،‬ألنه ليس هناك شيء‬
‫يس مى توحيد الربوبية وش يء آخر يس مى توحيد األلوهية عند يوسف ‪، ‬‬
‫فهل هم أع رف بالتوحيد منه ‪ ،‬أو جيعلونه خمطئا ىف التعبري باألرب اب دون‬
‫اآلهلة ؟ ‪.‬‬
‫ويق ول اهلل ىف أخذ امليث اق ‪  :‬ألست ب ربكم ق الوا بلى ‪ ، 4 ‬فلو‬
‫ك ان اإلق رار بالربوبية غري ك اف وك ان متحققا عند املش ركني ولكنه ال‬
‫ينفعهم كما يق ول ابن تيمية ‪ ،‬ما صح أن يؤخذ عليهم امليث اق هبذا ‪ ،‬وال‬
‫صح أن يقولوا يوم القيامة ‪  :‬إنا كنا عن هذا غافلني ‪. ‬‬
‫وك ان ال واجب أن يغري اهلل عب ارة امليث اق إىل ما ي وجب اع رتافهم‬
‫بتوحيد األلوهية حيث إن توحيد الربوبية غري كاف كما يقول هؤالء ‪ ،‬إىل‬
‫آخر ما ميكننا أن نتوسع فيه ‪ ،‬وهو ال خيفى عليك ‪ ،‬وعلى كل ح ال فقد‬
‫رارهم‬ ‫اكتفى منهم بتوحيد الربوبية ‪ ،‬ولو مل يكونا متالزمني لطلب إق‬

‫سورة الشعراء ‪ ،‬اآليتان ‪98-97‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الفرقان ‪ ،‬اآلية ‪60‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الرعد ‪ ،‬اآلية ‪13‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة األعراف ‪ ،‬اآلية ‪172‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫بتوحيد األلوهية أيضا ‪ ،‬ومن ذلك قوله تعاىل ‪  :‬وهو الذي ىف السمآء إله‬
‫وىف األرض إله ‪ 1 ‬فإنه إله ىف األرض ولو مل يكن فيها من يعبد كما ىف‬
‫آخر الزمان ‪ .‬فإن قالوا ‪ :‬إنه معبود فيها ‪ ،‬أى مستجق للعبادة ‪ ،‬قلنا ‪ :‬إذا‬
‫ال ف رق بني اإلله وال رب ‪ ،‬ف إن املس تحق للعب ادة هو ال رب ال غري ‪ ،‬وما‬
‫ك انت حماورة فرع ون ملوسى ‪ ‬إال ىف الربوبية ‪ ،‬وقد ق ال ‪  :‬أنا ربكم‬
‫‪3‬‬
‫األعلى ‪ 2 ‬مث قال ‪  :‬لئن اختذت إهلا غريى ألجعلنك من املسجونني ‪‬‬
‫وال داعى للتطويل ىف هذا ‪.‬‬
‫وأما الس نة فس ؤال امللكني للميت عن ربه ال عن إهله ‪ ،‬ألهنم‬
‫يفرقون بني الرب اإلله ‪ ،‬فإهنم ليسوا تيميني وال متخبطني ‪ ،‬وكان الواجب‬
‫على م ذهب ه ؤالء أن يقول وا للميت ‪ " :‬من إهلك " ال " من ربك " أو‬
‫يسألوه عن هذا وذاك ‪.‬‬
‫أما قوله ‪ :‬ولئن س ألتهم من خلق الس موات واألرض ليق ولن اهلل‪‬‬
‫‪ 4‬فهم يقولون بألسنتهم ما ليس ىف قلوهبم إجابة حلكم الوقت ‪ ،‬ومضطرين‬
‫ل ذلك ب احلجج القاطع ات واآلي ات البين ات ‪ ،‬ولعلهم نطق وا مبا ال يك اد‬
‫يستقر ىف قلوهبم أو يصل إىل نفوسهم ‪ ،‬بدليل أهنم يقرنون ذلك القول مبا‬
‫ي دل على ك ذهبم ‪ ،‬وأهنم ينس بون الضر والنفع إىل غ ريه ‪ ،‬وب دليل أهنم‬
‫جيهلون اهلل متام اجلهل ‪ ،‬ويقدمون غريه عليه حىت ىف صغائر األمور ‪.‬‬

‫سورة الزخرف ‪ ،‬اآلية ‪84‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النازعات ‪ ،‬اآلية ‪24‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الشعراء ‪ ،‬االية ‪29‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة لقمان ‪ ،‬اآلية ‪ ، 25‬وسورة الزمر ‪ ،‬اآلية ‪38‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪6‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫وإن ش ئت ف انظر إىل ق وهلم هلود ‪  : ‬إن نق ول إال اع رتاك بعض‬
‫أهلتنا بس وء ‪ 1 ‬فكيف يق ول ابن تيمية ‪ :‬إهنم يعتق دون " أن األص نام ال‬
‫تضر وال تنفع " إىل آخر ما يقول ؟‬
‫مث انظر بعد ذلك إىل ق وهلم ىف زرعهم وأنع امهم ‪  :‬ه ذا هلل‬
‫بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فال يصل إىل اهلل وما كان هلل‬
‫فهو يصل إىل ش ركائهم ‪ 2 ‬فق دموا ش ركائهم على اهلل تع اىل ىف أص غر‬
‫األمور وأحقرها ‪.‬‬
‫وق ال تع اىل ىف بي ان اعتق ادهم ىف األص نام ‪  :‬وما ن رى معكم‬
‫ش فعاءكم ال ذين زعمتم أهنم فيكم ش ركاء ‪ 3 ‬ف ذكر أهنم يعتق دون أهنم‬
‫شركاء فيهم ‪.‬‬
‫ومن ذلك ق ول أيب س فيان ي وم أحد ‪ :‬اعل هبل ‪ ،‬فأجابه ‪‬‬
‫بقوله ‪ " :‬اهلل أعلى وأجل " ‪.‬‬
‫ف انظر إىل ه ذا مث قل ىل م اذا ت رى ىف ذلك التوحيد ال ذي ينس به‬
‫إليهم ابن تيمية ويقول ‪ :‬إهنم فيه مثل املسلمني سواء بسواء ‪ ،‬وإمنا افرتقوا‬
‫بتوحيد األلوهية ‪.‬‬
‫مث انظر بعد ذلك إىل قوله تع اىل ‪  :‬وهم يكف رون ب الرمحن قل هو‬
‫رىب ‪ ، 4 ‬أى وأما هم فلم جيعل وه ربا ‪ ،‬ومثل ذلك قوله تع اىل ‪  :‬لكنا‬

‫سورة هود ‪ ،‬اآلية ‪54‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة األنعام ‪ ،‬اآلية ‪136‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة األنعام ‪ ،‬اآلية ‪14‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة الرعد ‪ ،‬اآلية ‪30‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪7‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫هو اهلل رىب ‪ 5 ‬خطابا ملن أنكر ربوبيته تعاىل ‪ .‬وانظر إىل قوهلم يوم القيامة‬
‫‪  :‬تا اهلل إن كنا لفى ضالل مبني ‪ .‬إذ نسويكم برب العاملني ‪ ،2 ‬أى ىف‬
‫جعلكم أربابا كما هو ظاهر لغري املتعسف ‪ ،‬وانظر إىل قوله تعاىل ‪  :‬وإذا‬
‫قيل هلم اس جدوا لل رمحن ق الوا وما ال رمحن أنس جد ملا تأمرنا‪ 3 ‬فهل ت رى‬
‫ص احب ه ذا الكالم موح دا أو معرتفا ؟ مث انظر إىل قوله ‪  :‬وهم جيادلون‬
‫ىف اهلل ‪ 4 ‬إىل غري ذلك وهو كثري ‪.‬‬
‫وأدل من ذلك كله قوله تع اىل ‪  :‬وال تس بوا ال ذين ي دعون من‬
‫دون اهلل فيسبوا اهلل عدوا بغري علم ‪ 5 ‬إىل غري ذلك مما يطول شرحه ‪.‬‬
‫فهل ترى هلم توحيدا بعد ذلك يصح أن يقال فيه إنه عقيدة ؟‬
‫أما التيميون فيقولون بعد هذا كله ‪ :‬إهنم موحدون توحيد الربوبية‪،‬‬
‫وإن الرسل مل يق اتلوهم إال على توحيد األلوهية ال ذي مل يكف روا إال برتكه‬
‫‪.‬‬
‫وال أدرى ما معىن ه ذا احلصر مع أهنم ك ذبوا األنبي اء ‪ ،‬وردوا ما‬
‫أنزل عليهم ‪ ،‬واستحلوا احملرمات ‪ ،‬وأنكروا البعث واليوم اآلخر ‪ ،‬وزعموا‬
‫أن هلل ص احبة وول دا ‪ ،‬وأن املالئكة بن ات اهلل ‪  :‬أال إهنم من إفكهم‬
‫ليقولون ‪ .‬ولد اهلل وإهنم لكاذبون ‪ ... 6 ‬إخل ‪ .‬وذلك كله مل يقاتلهم عليه‬

‫سورة الكهف ‪ ،‬اآلية ‪38‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الشعراء ‪ ،‬اآليتان ‪98-97‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الفرقان ‪ ،‬اآلية ‪60‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة الرعد ‪ ،‬اآلية ‪13‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة األنعام ‪ ،‬اآلية ‪108‬‬ ‫‪5‬‬

‫سورة الصافات ‪ ،‬اآلية ‪152-151‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪8‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫الرسل ىف رأي ه ؤالء ‪ ،‬وإمنا ق اتلوهم على ع دم توحيد األلوهية كما‬
‫يزعمون ‪ ،‬وهم بعد ذلك مثل املسلمني سواء ‪ ،‬أو املسلمون أكفر منهم ىف‬
‫رأي ابن عبد الوهاب ‪.‬‬
‫وما علينا من ذلك كله ‪ ،‬ولكن نقول هلم بعد هذا ‪ :‬على فرض أن‬
‫هن اك فرقا بني توحيد األلوهية وتوحيد الربوبية – كما يزعم ون –‬
‫فالتوسل ال يناىف توحيد األلوهية ‪ ،‬فإنه ليس من العبادة ىف شيء ال لغة وال‬
‫شرعا وال عرفا ‪ ،‬ومل يقل أحد إن النداء أو التوسل بالصاحلني عبادة ‪ ،‬وال‬
‫أخربنا الرس ول ‪ ‬ب ذلك ‪ ،‬ولو ك ان عب ادة أو شبه عب ادة مل جيز ب احلي وال‬
‫بامليت‪.‬‬
‫ومن املعل وم أن املتوسل مل يطلب إال من اهلل تع اىل مبنزلة ه ذا النيب‬
‫أو‬
‫الوىل ‪ ،‬وال شك ىف أن هلما منزلة عند اهلل تعاىل ىف احلياة وبعد املمات ‪.‬‬
‫ف إن تش بث متش بث ب أن اهلل أق رب إلينا من حبل الوريد فال حيت اج‬
‫إىل واس طة ‪ ،‬قلنا له ‪ :‬حفظت ش يئا وغبت عنك أش ياء ‪ ،‬ف إن رأيك ه ذا‬
‫يلزمه ت رك األس باب والوس ائط ىف كل ش يء ‪ ،‬مع أن الع امل مبىن على‬
‫احلكمة الىت وض عت األس باب واملس ببات ىف كل ش يء ‪ ،‬ويلزمه ع دم‬
‫الش فاعة ي وم القيامة وهى معلومة من ال دين بالض رورة ‪ ،‬فإهنا على ه ذا‬
‫ال رأي ال حاجة إليها ‪ ،‬إذ ال حيت اج س بحانه وتع اىل إىل واس طة فإنه أق رب‬
‫من الواس طة ‪ ،‬ويل زم خطأ عمر بن اخلط اب ىف قوله ‪ :‬إنا نتوسل إليك بعم‬
‫نبيك العباس ‪ ...‬إخل ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫وعلى اجلملة يل زم سد ب اب األس باب واملس ببات والوس ائل‬
‫والوسائط ‪ ،‬وهو خالف السنة اإلهلية الىت قام عليها بناء هذا العوامل كلها‬
‫من أوهلا إىل آخرها ‪ ،‬ول زمهم على ه ذا التق دير أن يكون وا داخلني فيما‬
‫حكم وا به على املس لمني ‪ ،‬فإنه ال ميكنهم أن ي دعوا األس باب أو ي رتكوا‬
‫الوسائط ‪ ،‬بل هم أشد الناس تعلقا هبا واعتمادا عليها ‪.‬‬
‫وال يفوتنا أن نقول ‪ :‬إن التفرقة بني احلي وامليت ىف هذا املقام ال‬
‫معىن هلا ‪ ،‬ف إن املتوسل مل يطلب ش يئا من امليت أصال ‪ ،‬وإمنا طلب من اهلل‬
‫متوسال إليه بكرامة ه ذا امليت عن ده أو حمبته له أو حنو ذلك ‪ ،‬فهل ىف ه ذا‬
‫كله تأليه للميت أو عب ادة له ‪ ،‬أم هو حق ال مرية فيه ‪ ،‬ولكنهم ق وم‬
‫جيازفون وال حيقق ون ؟ كيف وج واز التوسل بل حس نه معل وم عند مجيع‬
‫املسلمني ‪.‬‬
‫وانظر كتب املذاهب األربعة " حىت م ذهب احلنابلة " ىف آداب‬
‫زيارته ‪ ، ‬جتدهم قد اس تحبوا التوسل به إىل اهلل تع اىل ‪ ،‬حىت ج اء ابن‬
‫تيمية فخ رق اإلمجاع وص ادم املرك وز ىف الفطر ‪ ،‬خمالفا ىف ذلك العقل‬
‫والنقل ‪.‬‬
‫وخنشى أن يطول بنا القول ‪ ،‬فلنقف هنا ‪ ،‬ونؤخر الكالم على نداء‬
‫األولياء وتعظيمهم واالستغاثة هبم ‪ ،‬وموعدنا العدد اآلتى ‪ ،‬إن شاء اهلل ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬


‫فحل بقومنا وبنا البالء‬ ‫تفرق قومنا من غري شيء‬

‫‪10‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫كتبنا ىف هذا املوضوع ىف العدد املاضى ‪ ،‬ونكتب فيه اليوم ‪ ،‬ولعلنا‬
‫نكتب فيه غ دا ‪ ،‬وإمنا نريد ب ذلك كله ال دفاع عن مساحة اإلس الم ‪ ،‬غ رية‬
‫عليه من تلك الطائفة الىت جعلته حربا ال س الما ‪ ،‬ولو ك ان كما زعم وا مل‬
‫ان دين‬ ‫يكن دين الرمحة واحملبة واحلكمة وال دين األمم كلها ‪ ،‬بل ك‬
‫اخلص ام واالنقس ام والن ار وال دمار ‪ ،‬ومل يص لح إال لق وم جام دين وطائفة‬
‫خمصوصني ‪.‬‬
‫ولس نا نريد بكل ما نكتب ىف ه ذا املوض وع غري أال يتن ازع‬
‫املسلمون وال ينقسم بعضهم على بعض ‪ ،‬من أجل أشياء يقع فيها اخلالف‬
‫ويتباين فيها الرأي ‪.‬‬
‫فيجب على أولئك املكف رين للمس لمني أن حيرتموا رأي غ ريهم ‪،‬‬
‫وال نريد منهم أن يتبع وا غ ريهم ‪ ،‬بل أن ي رتكوهم أح رارا كما أهنم أح رار‬
‫‪ ،‬وأن يقيم وا ألولئك العلم اء من أئمة اهلدى وزنا ‪ ،‬فلهم منطق س ليم‬
‫ونظر مستقيم وسلف صاحل ‪.‬‬
‫وينبغى أن يعرف وا أن كل ما هو حمل للنظر وموضع لإلجته اد جيب‬
‫أن ال يتن ازع فيه الن اس ‪ ،‬ف األمر واسع ‪ ،‬فكم اختلف الص حابة والت ابعون‬
‫وت ابعوهم مع حمبة بعض هم بعضا ‪ ،‬حىت قاسم اإلم ام مالك اإلم ام الش افعى‬
‫ما له م رارا ‪ ،‬وقد خالفه ىف أش ياء كث رية وهو تلمي ذه ‪ ،‬وقد ق الوا ‪ :‬إن‬
‫املنكر ال جيب إنكاره إال إذا كان جممعا على إنكاره ‪ .‬فكيف بالكفر الذي‬
‫ج اء ىف احلديث الص حيح أن أح دمها يب وء به ؟ وكيف بالقتل ال ذي‬
‫يستبيحه هؤالء ؟‬

‫‪11‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫وقد أنكر ‪ ‬على أسامة حني قتل من قال ‪ :‬آل إله إال اهلل – تقية ىف‬
‫رأي أسامة – ومل يقبل منه ذلك العذر ‪ ،‬وال رضى منه هذا التأويل ‪.‬‬
‫وإىن أك رر عجىب منهم كيف يلزم ون غ ريهم باتب اعهم وهو ين ادى‬
‫خبطئهم ويقيم الربهان من الكتاب والسنة والعقل والنقل على ذلك ؟ وهل‬
‫ه ذه إال رتبة املعص وم ال ذي جيب على الن اس أن يتبع وه وال خيالفوه ؟ فهل‬
‫هم معصومون حىت ال جيوز أن خنالفهم حبال من األحوال ؟ بل نتنزل قليال‬
‫ونق ول هلم ‪ :‬أفتوجب ون علينا التقليد وأنتم حترم ون التقليد ‪ ،‬أم تلزموننا أن‬
‫نتبعكم وحنن جمتهدون كما أنكم جمتهدون ؟‬
‫وإنا نس أهلم ‪ :‬هل ك ان الص حابة والت ابعون يقس مون التوحيد إىل‬
‫توحيد األلوهية وتوحيد الربوبية ‪ ،‬وي دعون الن اس ل ذلك ؟ اجلواب أنه مل‬
‫يسمع ذلك عن أحد منهم ‪ ،‬فلماذا ال يسعنا ما وسعهم ؟ ‪.‬‬
‫وأن من عالمات الراسخني ىف العلم أن حيرتموا كالم األئمة ‪ ،‬وما‬
‫درجت عليه األمة ‪ ،‬أما إم امهم ابن تيمية فلم يس لم منه أحد ‪ ،‬حىت أبو‬
‫بكر وعمر ‪ ،‬وعلي وفاطمة ‪ ،‬وال يسعنا تفصيل ذلك اآلن ‪.‬‬
‫ومن عالم ات الراس خني ىف العلم أيضا أن ت راهم مي الني دائما إىل‬
‫اليسر والسهولة علما بسماحة اإلسالم ‪ ،‬وأنه يسر ال عسر فيه ‪ ،‬وعمال مبا‬
‫كان عليه ‪ ‬مع املسلمني ‪ ،‬وأهنم ال ينكرون إال ما أمجع على إنكاره ‪ ،‬إال‬
‫ما اختلف فيه ‪ ،‬كما ك ان ح ال أئمة اهلدى بعض هم مع بعض ‪ ،‬وأن كل‬
‫ما ك ان حمال لالجته اد والنظر ك ان األمر فيه واس عا ‪ ،‬متمس كني ىف ذلك‬
‫ب أن اجملتهد إذا أخطأ ك ان له أجر ‪ ،‬وإذا أص اب ك ان له أج ران ‪ ،‬كما ىف‬
‫الصحيح ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫ومن عالم اهتم أهنم ال يقدسون أنفسهم ‪ ،‬وال حيتق رون غ ريهم ‪،‬‬
‫علما منهم أهنم غري معص ومني وال مقدسني ‪ ،‬فال يوجب ون على غ ريهم أن‬
‫يرجع إىل رأيهم ‪ ،‬وال يفرض ون ط اعتهم على الن اس فرضا ‪ ،‬كما فعل‬
‫اخلوارج فيما مضى ‪ ،‬وكما يفعلون اآلن ‪.‬‬
‫ومن عالماهتم أهنم جيادلون غريهم بالىت هى أحسن ‪ ،‬وأن احلق إذا‬
‫ظهر على يد غريهم اتبعوه ‪ ،‬كما هو معروف من سرية السلف الصاحل ‪،‬‬
‫أما أرب اب األه واء فهم على العكس من ذلك كله ‪ ،‬وإن ص اموا وص لوا ‪،‬‬
‫وعملوا من ظواهر العبادات ما حيقر أحدنا صالته على صالهتم ‪ ،‬وصيامه‬
‫مع صيامهم ‪.‬‬
‫وقد أخربنا ‪ ‬أهنم ي دعون إىل كت اب اهلل وليس وا منه ىف ش يء ‪،‬‬
‫ب ‪ 1‬بص احبه ال يبقى منه‬ ‫وأهنم تتج ارى هبم األه واء كما يتج ارى ال َكلَ ُ‬
‫ع رق وال مفصل إال دخل فيه ‪ ،‬وكأنه ‪ ‬حيذرنا من خمالطتهم ‪ ،‬خمافة أن‬
‫يس رى إلينا داؤهم كما يس رى داء الكلب ال ذي يس رع انتقاله ويعسر‬
‫شفاؤه ‪ ،‬فجزاه اهلل عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته ‪.‬‬
‫وال تك اد جتد لواحد منهم ش يئا يروقك من علم أو عمل إال‬
‫وج دت جبانبه ما يفس ده ويربو عليه ‪ ،‬وسر ذلك أهنم يتبع ون اهلوى ‪ ،‬فهو‬
‫معهم حيثما كانوا ‪ ،‬ومن كان تابعا هلواه فال بد أن يضل عن سبيل اهلل ‪.‬‬
‫وعالمة اإلميان الص حيح ‪ ،‬بل عالمة العقل الص حيح أن يتهم املرأ‬
‫نفسه ‪ ،‬ويرجع إىل ما عليه األمة املعص ومة الىت ش هد هلا ‪ ‬أهنا ال جتتمع‬
‫على ض اللة ‪ .‬وأك ثر ما جند ه ذه النزعة الىت ال حترتم إال عقلها وال تق دس‬

‫بالتحريك ‪ :‬هو الداء املعروف الذي يصيب الكالب الكلبة‬ ‫‪1‬‬

‫‪13‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫إال هواها وال تب اىل بالتض ليل والتكفري ‪ ،‬أك ثر ما جندها ىف اخلوارج ال ذين‬
‫هم أضر على اإلس الم واملس لمني من كل ش يء ‪ ،‬بنص احلديث الص حيح‬
‫ال ذي يق ول فيه ‪ " :‬إهنم شر اخللق واخلليقة " ويق ول ىف تص لبهم فيما‬
‫أش ربوا من حب اهلوى ‪ " :‬إهنم ال يع ودون إىل اإلس الم حىت يع ود الس هم‬
‫إىل فوقه ‪ ،‬أى مع كون أحدنا حيقر صالته مع صالهتم ‪ ...‬إخل ‪ .‬وال بدع‬
‫ىف ذلك ‪ ،‬ف إن لألحب ار والرهب ان من التقشف والزهد ىف ال دنيا والبعد عن‬
‫زخارفها وأن واع اجملاه دات ما ال يتفق لكثري من أفاضل املس لمني ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك مل يغن عنهم ش يئا ‪  :‬أفمن زين له س وء عمله ف رآه حس نا ف إن اهلل‬
‫يضل من يشاء ويهدى من يشاء ‪ ، 1 ‬واهلل يتوىل هدى اجلميع ‪.‬‬
‫ريقهم بني توحيد األلوهية والربوبية ‪ ،‬وجعل‬ ‫وإىن أعجب لتف‬
‫املش ركني موح دين توحيد الربوبية مع قوله تع اىل ‪  :‬اختذوا أحب ارهم‬
‫ورهب اهنم أربابا من دون اهلل ‪ ، 2 ‬وهل املراد من األرب اب ىف اآلية إال‬
‫املعب ودون ‪ 3‬إىل آخر ما ذكرن اه ىف مقالنا الس ابق من تفنيد تلك ال دعوى‬
‫الىت ابت دعوها ‪ ،‬فإننا مل نس مع أن أح دا مسى املش ركني موح دين غري ابن‬
‫تيمية وابن عبد الوهاب ‪.‬‬
‫واخلالصة الىت نري دها من ذلك كله ‪ :‬أن ال ذي جيب على كل من‬
‫حيت اط لدينه ونفسه هو االح رتاز عن التكفري ما وجد إليه س بيال ‪ ،‬ف إن‬

‫‪ 1‬سورة فاطر ‪ ،‬اآلية ‪8‬‬


‫‪ 2‬سورة التوبة ‪ ،‬اآلية ‪31‬‬
‫‪ 3‬فكيف يقولون إن عندهم توحيد الربوبية وكذلك قوله ‪ ( :‬وال يأمركم أن تتخذوا‬
‫املالئكة والنبيني أربابا ) وقد قال عدى ‪ :‬إننا مل نتخذ األحبار والرهبان أربابا فإننا مل نعبدهم ‪،‬‬
‫فدل ذلك داللة صرحية على أن كل معبود رب ‪ ،‬وقد أقر ‪ ‬على هذا ‪ ،‬فماذا ترى ؟‬
‫‪14‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫استباحة دماء املسلمني املصلني املقرين بالتوحيد خطأ ال مياثله شيء ‪ ،‬فإن‬
‫اخلطأ ىف ت رك ألف ك افر ىف احلي اة أه ون من اخلطأ ىف س فك دم مس لم‬
‫واحد‪ ،‬كما قاله حجة اإلسالم الغزاىل وغريه ‪.‬‬
‫وال بد أن ننبه هنا على أن الش رك والكفر ال بد أن يك ون معق ول‬
‫املعىن ‪.‬‬
‫وال أدرى كيف يكف رون االس تغاثة وحنوها ‪ ،‬ف إن املس تغيث إن‬
‫ك ان طالبا من اهلل بكرامة ه ذا امليت لديه ف األمر واضح ‪ ،‬وإن ك ان طالبا‬
‫من الوىل نفسه فإمنا يطلب منه على اعتقاد أن اهلل أعطاه قوة روحانية تشبه‬
‫ق وة املالئكة فهو يفعل هبا ب إذن اهلل ‪ ،‬فهل ىف ذلك تأليه له ؟ ولو فرض نا‬
‫ج دال أننا خمطئ ون ىف ذلك مل يكن فيه ش رك وال كفر ‪ ،‬بل يك ون كمن‬
‫طلب من املقعد املعونة معتقدا أنه صحيح غري مقعد ‪ ،‬مع أن عمل األرواح‬
‫واهب‬ ‫وم‬
‫األنبياء واألولياء ثابتة ىف الدالئل القطعية ‪ ،‬على الرغم من أنوفهم ‪.‬‬
‫وصفوة القول أننا نقول ‪ :‬هؤالء املستغيثون يعتقدون أن اهلل أعطى‬
‫ه ؤالء األولي اء م واهب مل يعطها لغ ريهم ‪ ،‬وذلك ج ائز ال ميكنهم منعه ‪،‬‬
‫وهم يقولون ‪ :‬إهنم اعتقدوا فيهم األلوهية ‪ ،‬مع أن ذلك ال يقول به أحد ‪،‬‬
‫إال عند من أس اء الظن باملس لمني ظلما وعن ادا ‪ ،‬ولو فرض نا أن ذلك‬
‫مشكوك فيه ‪ ،‬فهل جيوز التكفري والقتل مبجرد الشك ؟‬
‫فاالس تغاثة مبنية عن دنا على أن األنبي اء واألولي اء أحي اء ىف قب ورهم‬
‫كالش هداء ‪ ،‬بل أعلى من الش هداء ‪ ،‬وميكنهم أن ي دعو اهلل تع اىل‬
‫للمس تغيث هبم ‪ ،‬بل ميكنهم أن يع اونوه بأنفس هم كما تع اون املالئكة بىن‬

‫‪15‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫آدم ‪ ،‬ولألرواح تص رف كبري ىف ال ربزخ ‪ ،‬وعلى ذلك دالئل كث رية أطنب‬
‫فيها ابن القيم ‪ ،‬وهو من أئمة ه ؤالء ‪ ،‬وأثبت ابن تيمية مساع األم وات‬
‫وردهم الس الم ىف فتاويه وغريها ‪ ،‬مس تندا إىل األح اديث الص حيحة ىف‬
‫ذلك ‪ ،‬وذكر مساع سعيد بن املسيب األذان من قربه ‪ ‬أيام احلرة ىف كتبه‬
‫‪ .‬ف إذا استغاث هبم ك ان كمن يستغيث ب احلي س واء بس واء ‪ ،‬ألهنم عن دنا‬
‫اء ‪،‬‬ ‫أحي‬
‫بل أعظم نفوذا ‪ ،‬وأوسع تصرفا من األحياء ‪.‬‬
‫ولو تنزلنا غاية الت نزل ‪ ،‬وفرض نا أننا خمطئ ون ىف ذلك ‪ ،‬مل يكن‬
‫هناك وجه للتكفري ‪ ،‬وإمنا يقال للمستغيثني ‪ ،‬إنكم أخطأمت ىف ذلك ‪ ،‬فإهنم‬
‫ليسوا أحياء وال قادرين على ما سبق لنا ‪.‬‬
‫ف إذا يك ون اخلالف بيننا وبينهم مبنيا على أن األم وات يس معون‬
‫ويعقل ون وي دعون ‪ ،‬أم هم كاجلم اد ال يس تطيعون ش يئا من ذلك ؟ فنحن‬
‫نق ول ب األول ‪ ،‬مس تندين ىف ذلك إىل الكت اب والس نة ‪ ،‬واألخب ار املت واترة‬
‫عن كرام ات األولي اء وم رائى الص احلني وبرك ات النيب ‪ ‬الىت حص لت‬
‫للمس تغيثني به واالستش فاع به عند زيارته ‪ ، ‬وقد نصت على ذلك كتب‬
‫املذاهب األربعة ‪ ،‬حىت احلنابلة عند ذكر آداب الزيارة له ‪. ‬‬
‫وهم يقولون بالثاىن ‪ ،‬وأن األموات قد دخلوا ىف عامل العدم ‪ ،‬كما‬
‫يق ول املاديون ‪ ،‬وعن دما حترجهم ب الرباهني القاطعة يقول ون ‪ :‬إهنم أحي اء ‪،‬‬
‫ولكنهم مشغولون بالعذاب أو النعيم ؟‬
‫وهذا كالم خياىل ‪ ،‬وال نقول خطاىب ‪ ،‬فإنه أقل من ذلك ‪ ،‬وأكرب‬
‫ظىن أهنم يقولونه بألسنتهم وليس ىف قلوهبم ‪ ،‬وليس هذا حمل شرح ذلك ‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫فإن املتنعم حر خمتار ‪ ،‬وال يناىف نعيمه أنه يدعو اهلل ألحد املسلمني ‪ ،‬بل قد‬
‫يرى من نعيمه أن يساعد ابنه أو حمبه مبا يقدر عليه ‪.‬‬
‫وال دالئل على ذلك مت واترة مستفيضة ‪ ،‬خصوصا املرائى ىف ذلك ‪،‬‬
‫كحديث بالل بن احلارث الصحاىب ‪ ‬املذكور عند البيهقى وابن أىب شيبة‬
‫‪ ،‬وفيه ‪ :‬أنه ج اء ق ربه ‪ ‬وق ال ‪ :‬يا رس ول اهلل ‪ ،‬استسق ألمتك ‪ ،‬أى ادع‬
‫اهلل هلم ‪ ،‬فجاءه ىف املنام وقال ‪ :‬بشر عمر أهنم سيسقون ‪ ،‬وقل له ‪ :‬عليك‬
‫الكيس الكيس ‪ .‬ورئيته ‪ ‬جعف را ذا اجلن احني يطري مع املالئكة يبش رون‬
‫أهل بيته باملطر ‪ ،‬وهو ىف املستدرك وغريه بألفاظ خمتلفة ‪ ،‬وكرؤية أم سلمة‬
‫للنيب ‪ ‬وإخباره إياها بقتل احلسني ‪ ،‬وهو ىف املسند وغريه ‪.‬‬
‫ويكفى ىف ذلك حماجة آدم ملوسى ‪ ، ‬وما رأى ‪ ‬ليلة اإلس راء من‬
‫احلوادث الكث رية ‪ ،‬خصوصا مراجعة موسى ىف أمر الص الة ‪ ،‬وكفاية‬
‫إبراهيم ألطفال املؤمنني ‪ .‬وانظر كيف رأى موسى يصلى ىف قربه ‪ ،‬مث رآه‬
‫ىف الس ماء السادسة وب بيت املق دس مع األنبي اء ‪ ،‬وأى اس تبعاد ىف ذلك ؟‬
‫وقد قلنا ‪ :‬إن هلم حالة ملكية ال تقاس على أحوالنا ‪.‬‬
‫وإنك لتع رف أن عزرائيل ‪ ‬ال يش غله قبض عن قبض ‪ ،‬والقبض ال‬
‫يش غله عن العب ادة طرفة عني ‪ ،‬على أن ح ال ال ربزخ خبالف ح ال ال دنيا ‪،‬‬
‫وقد قال أبو الطيب املتنىب ما يفيد هذا املعىن وإن مل يكن مما حنن فيه ‪:‬‬
‫يهدى إىل عينك نورا ثاقبا‬ ‫كالبدر من حيث التفت رأيته‬
‫ولكل ع امل ن وامس ختصه ‪ ،‬ومن الغلط ال بني احلكم على ع امل‬
‫بأحك ام ع امل آخر ‪ .‬وقد هنى عمر عن رفع الص وت ىف مس جد رس ول اهلل‬
‫‪ ، ‬وهنى اإلم ام مالك املنص ور عن رفع ص وته ك ذلك ‪ ،‬وهنت الس يدة‬

‫‪17‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫عائشة عن دق الوتد بال دور اجملاورة للحج رة الش ريفة ‪ ،‬خمافة أن يت أذى‬
‫رس ول اهلل ‪ ، ‬وقد ك انت ت دخل مش دودا عليها إزارها بعد دفن عمر‬
‫حياء من عمر ‪ ،‬إىل غري ذلك مما هو معروف ىف كتب السنن واآلثار ‪.‬‬
‫فلو ك انوا منقطعني عن ه ذا الع امل متام االنقط اع على ما يق ول‬
‫ه ؤالء ‪ ،‬فلم يكن ل ذلك معىن ‪ ،‬خصوصا ما هو خ ارج عن املعق ول ىف‬
‫الع ادة ‪ ،‬كع رض األعم ال عليه ‪ ،‬واس تغفاره لنا ‪ ، ‬ورد الس الم على كل‬
‫من يسلم عليه ‪ ،‬وهو ثابت ال مراء فيه ‪ ،‬وقد كتبنا فيه ىف العام املاضى ‪.‬‬
‫وقد هنى ‪ ‬عن أذية امليت ‪ ،‬كسر عظمه واجلل وس على ق ربه ‪،‬‬
‫خمافة تأذيه ‪ ،‬إىل غري ذلك ‪ ،‬وهو كثري ‪ ،‬ال ميكننا ىف ه ذه العجالة إال أن‬
‫نلمح إليه ‪ ،‬وندل على ما وراءه ‪.‬‬
‫وال نزال نكرر إنه إذا مل يكن ىف هذا إال ما كان ىف حديث املعراج‬
‫من أسف س يدنا موسى على بىن إس رائيل ‪ ،‬ومراجعة النيب ىف أمر الصالة ‪،‬‬
‫واجتماع األنبياء ىف بيت املقدس وخطبهم ‪ ،‬لكفى ‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن القيم ىف كتاب الروح حديث مذاكرة األنبياء ىف أمر‬
‫الس اعة ‪ ،‬وأنه إذا ج اء عيسى ‪ ، ‬ك انت كاحلامل املتم ‪ ، 1‬فلو ك انت‬
‫األرواح على ما يقولون ‪ ،‬مل يكن هلذا معىن ‪.‬‬
‫ومع كل ه ذا نس لم هلم ص حة ما يقول ون ‪ ،‬ونف رض أننا حنن‬
‫املخطئ ون ‪ ،‬فهل ي وجب ذلك ش ركا أو كف را ؟ وقد قلت لبعض أذكي اء‬
‫العامة ىف املولد احلس يىن – وقد ق ال ‪ :‬يا رس ول اهلل ‪ : -‬إن الوهابية‬
‫يكفرونك بقولك ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬كما ىف اهلدية السنية وغريها ‪ ،‬فقال إن‬

‫وقد جاء ىف األحاديث الصحيحة أهنم حيجون ويلبون ‪ .‬ونسأل اهلل أن يكفينا شر املتعسفني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪18‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫كنا نق ول يا رس ول اهلل على ما نريد ‪ ،‬فال معىن للكفر ‪ ،‬وإن كنا نقوله‬
‫على ما يري دون من تأليه الرس ول ‪ ،‬فنحن كف ار ‪ ،‬ف أعجبىن ه ذا منه ‪،‬‬
‫فقلت له ‪ :‬وهل يسمعك وأنت هنا وهو باملدينة ؟ فلم جيب جوابا شافيا ‪.‬‬
‫وحنن نقول ‪ :‬إن هذا االستبعاد منشؤه قياس الغائب على الشاهد ‪،‬‬
‫وقد عرفنا أن مسع األجس ام ال يصل إال إىل مس افة حمدودة ض ئيلة ‪،‬ولكن‬
‫هل عرفنا املس افة الىت يصل إليها مسع األرواح ‪ ،‬وم اذا أعطيت من ذلك ؟‬
‫وكيف ن درك أن عمر وهو باملدينة أمسع س ارية وهو بنهاوند من أرض‬
‫العجم ؟ ‪.‬‬
‫وأس الغلط ىف هذا وأمثاله أننا نعطى أحكام العوامل املختلفة بعضها‬
‫لبعض ‪ ،‬مع أن لكل ع امل أحكاما ختصه ‪ ،‬ن واميس ليست لغ ريه ‪ ،‬فقي اس‬
‫ع امل األرواح على ع امل األش باح من أفسد األقيسة وأبطلها ‪ .‬والواقف ون‬
‫عند ما عرف وا من أحك ام ه ذا الع امل فحسب ‪ ،‬إمنا هم املاديون ال أتب اع‬
‫الرسل ‪:‬‬
‫‪ ‬بل كذبوا مبا مل حييطوا بعلمه وملا يأهتم تأويله ‪. 1 ‬‬
‫أما ق ولكم ‪ :‬إهنم يطلبون ما ال يق در عليه إال اهلل تع اىل ‪ ،‬فكالم ال‬
‫حتقيق فيه ‪ ،‬فهو كس راب بقيعة حيس به الظم أن م اء حىت إذا ج اءه مل جيده‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫فإننا نقول أوال ‪:‬‬

‫سورة يونس ‪ ،‬اآلية ‪39‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪19‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫هب أن األمر ك ذلك ‪ ،‬وقد أخطأ ذلك الس ائل فظن غري املمكن‬
‫ممكنا ‪ ،‬وغري املق دور للبشر مق دورا له ‪ ،‬أفيكفر ب ذلك ‪ ،‬أم يع ذر جبهله‬
‫وخطئه ؟ وهو مل يعتقد األلوهية على كل حال ‪.‬‬
‫وثانيا – نق ول لكم ‪ :‬إننا مل ن دع أنه يفعل ذلك اس تقالال من عند‬
‫نفسه ‪ ،‬بل نق ول ‪ :‬إنه يفعله ب إذن اهلل ‪ ،‬وبعب ارة أخ رى نق ول ‪ :‬أعط اه من‬
‫املواهب ما ال تعقلونه ‪ ،‬وهل ع رفتم ما يصح أن يعطيه اهلل عبي ده املق ربني‬
‫دكم تلك احلدود الىت ال يصح هلل أن‬ ‫وما ال يصح ؟ وهل ثبتت عن‬
‫يتجاوزها مع عبيده ؟ وهل كان اإلتيان بعرش بلقيس قبل أن يرتد الطرف‬
‫مما يق در عليه البشر ىف نظ ركم ؟ وهل ك ان رد عني قت ادة ‪ ‬وقد س الت‬
‫على خ ده فج اء للنيب ‪ ‬فردها إليه فك انت أحسن عينيه ‪ ،‬مما يق در عليه‬
‫البشر ىف رأيكم ؟ وهل رؤية عمر بن اخلط اب لس ارية وجيشه ببالد العجم‬
‫مما يق در عليه البشر ؟ وهل إمساعه ص وته وهو بنهاوند مما يق در عليه‬
‫البشر؟‪.‬‬
‫وهل قول بىن إسرائيل ملوسى ‪  : ‬لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن‬
‫لك ‪ 1 ‬مما يق در عليه البشر ؟ إىل غري ذلك ‪ ،‬وهو طويل ع ريض ‪ ،‬أم‬
‫اخلوارج كلها من ه ذا القبيل ال يق در عليها البشر ىف الع ادة ‪ ،‬ولكنه يق در‬
‫عليها بإقدار اهلل إياه ؟‬
‫وهل تقيس ون األرواح على األش باح ؟ وهل ع رفتم نواميس ها وما‬
‫تنتهى إليه ‪ ،‬أم ذلك قي اس الغ ائب على الش اهد كما قلنا ؟ فهو قي اس مع‬
‫الف ارق ‪ ،‬بل ألف ف ارق ‪،‬وهل إذا رأيتم بىن إس رائيل يطلب ون من عيسى ‪‬‬

‫سورة األعراف ‪ ،‬اآلية ‪134‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪20‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫إحياء املوتى وإبراء األكمه واألبرص تقولون ‪ :‬إن هذا مما يقدر عليه البشر‬
‫؟ وهل إذا رأيتم النيب يض رب جبل أحد وي أمره أن يثبت وال يتح رك ‪،‬‬
‫تقولون ‪ :‬إن ذلك يقدر عليه البشر ؟ وهل إذا رأيتموه يأمر الشجر فيمتثل‬
‫أم ره ‪ ،‬وخيد الطريق خ دا ‪ ،‬تقول ون ‪ :‬إن ذلك مما يق در عليه البشر ؟ وهل‬
‫إذا رأيتم وه وقد نبع املاء من بني أص ابعه قلتم ‪ :‬إن ذلك مما يق در عليه‬
‫البشر ؟ إىل غري ذلك مما جاء ىف الصحيح ‪ ،‬وال ميكنكم املكابرة فيه ‪.‬‬
‫على أن لنا أن نق ول ‪ :‬إن كل ش يء مق دور للمبشر بال دعاء ‪ ،‬فما‬
‫ال يق در عليه البشر بال ذات يس تطيعه بال دعاء ‪ ،‬فالفاعل ىف احلقيقة هو اهلل‬
‫ال‬
‫غريه ‪ ،‬والذي يستغيث بالنيب مثال ال يريد منه إال هذا ‪.‬‬
‫وقد عرفنا أنه ‪ ‬يستغفر لنا بعد موته ‪ ،‬كما ىف احلديث الصحيح ‪:‬‬
‫" حي اتى خري لكم " إخل ‪ .‬وقد بينا ص حته بال مزيد عليه ىف الع ام املاضى ‪.‬‬
‫وميكننا أن نتوسع ىف ه ذا املق ام كث ريا ‪ ،‬فس ماع املوتى وإدراكهم ال شك‬
‫فيه ملن ي ؤمن باهلل وما ج اء عن رس ول اهلل ‪ ، ‬كما ق ال الس يوطى ىف‬
‫منظومته ‪:‬‬
‫جاءت به عندنا اآلثار ىف الكتب‬ ‫مساع املوتى كالم اخللق قاطبة‬
‫وقد قدمنا أن ابن تيمية نفسه ذكر أن سعيد بن املسيب كان يسمع‬
‫األذان واإلقامة ىف زمن احلرة من قربه ‪ . ‬وأما جعلهم هذا عبادة ‪ ،‬وعبادة‬
‫غري اهلل كفر ‪ ،‬فهو من جمازف اهتم الش نيعة ‪ ،‬ف إهنم إذا فهم وا أن كل تعظيم‬
‫عب ادة ‪ ،‬أو كل طلب عب ادة ‪ ،‬فقد برهن وا على جهلهم ‪ ،‬فإنا رأينا إخ وة‬
‫يوسف قد س جدوا ليوسف ‪ ،‬واملالئكة قد س جدوا آلدم ‪ ،‬وليس هن اك‬

‫‪21‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫ش يء أبلغ ىف التعظيم من الس جود ‪ ،‬ف إذا ليس التعظيم ش ركا لذاته مهما‬
‫بلغ أم ره ‪ .‬ولو ك ان ذلك وص فا ذاتيا له ل وجب أال يفارقه ‪ .‬ف التعظيم ال‬
‫يكون عبادة إال إذا كان مع اعتقاد الربوبية ‪.‬‬
‫وأما ال دعاء ال ذي يتمس كون به ويس تدلون عليه مبثل قوله تع اىل ‪:‬‬
‫‪ ‬فال ت دعوا مع اهلل أح دا ‪ 1 ‬إىل آخر اآلي ات الكث رية الىت ن زلت ىف‬
‫املش ركني ‪ ،‬فطبقوها على املس لمني ‪ ،‬زاعمني أن ال دعاء عب ادة ‪ ،‬وعب ادة‬
‫غري اهلل كفر ‪ ،‬فهو تلبيس ال ينبغى أن يصدر إال من غاش أو جاهل ‪ ،‬فإن‬
‫الدعاء مشرتك ‪.‬‬
‫ف إذا ق الوا ‪ :‬إن كل دع اء عب ادة ‪ ،‬رد عليهم قوله تع اىل ‪  :‬ال‬
‫جتعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ‪  2 ، ‬رب إىن دعوت‬
‫قومى ليال وهنارا ‪ .‬فلم يزدهم دعائى إال فرارا ‪  3 ، ‬واهلل يدعو إىل دار‬
‫الس الم ويه دى من يش اء إىل ص راط مس تقيم ‪  4 ، ‬إن أىب ي دعوك‬
‫ليجزيك أجر ما س قيت لنا ‪ 5 ‬إىل غري ذلك ‪ ،‬وورد عليهم أهنم ي دعون‬
‫األمري والوزير ‪ ،‬فهذا دعاء لغري اهلل ‪ ،‬فيلزمهم على هذا الفرض أن يكون‬
‫ذلك ش ركا ‪ ،‬وأن يكون ال دعاء ىف تلك اآلي ات مبعىن العب ادة ‪ ،‬وهو ما ال‬
‫يقوله أحد ‪.‬‬

‫سورة اجلن ‪ ،‬اآلية ‪18‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النور ‪ ،‬اآلية ‪63‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة نوح ‪ ،‬اآلية ‪6 - 5‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة يونس ‪ ،‬اآلية ‪25‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة القصص ‪ ،‬اآلية ‪25‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪22‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫وإن قالوا ‪ :‬إن الطلب من غري اهلل كفر ‪ ،‬وهذا هو العبادة ‪ ،‬لزمهم‬
‫كفر العامل كله ‪ ،‬وال معىن هنا للفرق بني احلي وامليت ‪ ،‬كما أوضحناه ‪،‬‬
‫فال يق ول إن جمرد الطلب من غري اهلل عب ادة إال من ال ي درى ما يق ول ‪.‬‬
‫وإن ق الوا ‪ :‬إن الطلب من األولي اء واألنبي اء هو الكفر ال غري ‪ ،‬قلنا ‪ :‬إن‬
‫ه ذا هو حمل ال نزاع ‪ ،‬وه ذه هى ال دعوى الىت مل يقم عليها دليل ‪ ،‬بل ق ام‬
‫على بطالهنا ألف دليل ‪..‬‬
‫وإيراد اآليات النازلة ىف حق املشركني العابدين لغري اهلل ال معىن له‬
‫وال غن اء فيه ‪ ،‬فهل نظفر منهم بعد ذلك بش يء من اإلنص اف ‪ ،‬حىت‬
‫يرمحوا هذه األمة املسكينة ‪ ،‬فال يكفروها وال يستبيحوا دماءها ؟ إىن أشك‬
‫ىف ذلك ‪ ،‬وال أك اد أتوقعه ‪ ،‬ولكننا نكتب لغ ريهم ‪ ،‬خش ية أن ينخ دعوا‬
‫برتهاهتم وضالالهتم ‪.‬‬
‫واخلالصة أن هؤالء يتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاء الفتنة وابتغاء‬
‫تأويله ‪ ،‬بل هم أقل من ذلك ‪ ،‬ف إهنم يقول ون ما ال معىن له وال مس تند فيه‬
‫‪ ،‬تلبيسا على العوام الذين هم كاألطفال ميكن كل أحد أن يأخذهم إىل ما‬
‫يشاء ‪.‬‬
‫ولنختم مقالنا هذا مبا أخرجه البخارى عن أىب سعيد اخلدرى ‪: ‬‬
‫أن النىب ‪ ‬قال ىف ذى اخلويصرة التميمى ‪ " :‬إن من ضئضىء هذا – أو ىف‬
‫عقىب ه ذا – قوما يق رءون الق رآن ال جياوز حن اجرهم ‪ ،‬ميرق ون من ال دين‬
‫كما ميرق السهم من الرمية ‪ ،‬يقتلون أهل اإلسالم ويدعون أهل األوثان ‪،‬‬
‫لئن أدركتهم ألقتلنهم قتل عاد " ‪ ،‬وىف بعض الروايات ‪ " :‬سيكون ىف أمىت‬
‫اختالف وفرقة ‪ ،‬قوم حيسنون القيل ويسيئون الفعل ‪ ،‬يقرءون القرآن ‪ ،‬ال‬

‫‪23‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫جياوز إمياهنم ت راقيهم ‪ ،‬ميرق ون من ال دين م روق الس هم من الرمية ‪ ،‬ال‬
‫يرجعون إليه حىت يعود السهم إىل فوقه ‪ ،‬هم شرار اخللق واخلليقة ‪ ،‬يدعون‬
‫إىل كت اب اهلل وليس وا منه ىف ش يء " ‪ ،‬احلديث ‪ .‬وىف رواية أخ رى ‪" :‬‬
‫سيخرج ىف آخر الزمان قوم حدثاء األسنان ‪ ،‬سفهاء األحالم ‪ ،‬يقولون من‬
‫قول خري الربية ‪ ،‬يقرءون القرآن ال جياوز حناجرهم ‪ ،‬ميرقون من الدين‬
‫كما ميرق السهم من الرمية " احلديث ‪.‬‬
‫وعند مس لم من رواية عبد اهلل بن أىب رافع ‪ " :‬يقول ون احلق‬
‫بألس نتهم ‪ ،‬ال جياوز ه ذا منهم " ‪ ،‬أش ار إىل حلقه ‪ ،‬وىف رواية عن ده أيضا‬
‫‪ " :‬س يكون ىف آخر أمىت أن اس حيدثونكم ما مل تس معوا أنتم وال آب ائكم ‪،‬‬
‫فإياكم وإياهم " ‪ ،‬رواه بلفظ آخر فقال ‪ " :‬يكون ىف آخر الزمان دجالون‬
‫ك ذابون ي أتونكم من األح اديث مبا مل تس معوا أنتم وال آب ائكم ‪ ،‬فإي اكم‬
‫وإي اهم ال يض لونكم وال يفتن ونكم " ‪ ،‬وج اء ىف وص فهم كما ىف بعض‬
‫الرواي ات عند أىب داود وغ ريه ‪ " :‬إهنم تتج ارى هبم األه واء كما تتج ارى‬
‫الكلب بصاحبه ال يبقى فيه عرق وال مفصل إال دخل فيه " ‪.‬‬
‫إىل غري ذلك من األحاديث الكثرية الىت وردت فيهم ‪ ،‬فجزى اهلل‬
‫نبينا أفضل ما ج ازى نبيا عن أمته ‪ .‬لقد بلغ ونصح وأدى األمانة حىت‬
‫تركنا على احلنيفية البيض اء ‪ ،‬ليلها كنهارها ‪ ،‬ال يزيغ عنها إال هالك ‪.‬‬
‫وهذه الفرق الضالة ال يزال يتجدد شرها ‪ ،‬ويتفاقم أمرها إىل يوم القيامة ‪.‬‬
‫ففى بعض الروايات أنه سيكون آخرهم مع الدجال ‪ ،‬وهم ميئوس منهم ‪،‬‬
‫حلديث البخارى ‪ " :‬إهنم ميرقون من الدين مث ال يعودون فيه " ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية‬ ‫الرسالة األولى‬
‫وبعد ‪ :‬فهل عن دكم من علم فتخرج وه لنا ؟ إن تتبع ون إال الظن‬
‫وإن أنتم إال خترصون ‪.‬‬
‫يزول بالتحقيق بل يذوب‬ ‫وكل ما يقوله الكذوب‬
‫ولنقتصر على هذا ‪ ،‬ففيه مقنع وكفاية ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪25‬‬

You might also like