Professional Documents
Culture Documents
المبحث األول
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
-الرسالة األولى -
2
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
ولئن س ألتهم من خلق الس موات واألرض ليق ولن اهلل 1 مث ق الوا :إن
ال ذين يتوس لون باألنبي اء واألولي اء ويتش فعون هبم وين ادوهنم عند الش دائد
هم عاب دون هلم ،قد كف روا مبا كفر به عب اد األوث ان واملالئكة واملس يح
س واء بس واء ،ف إهنم مل يكف روا باعتق ادهم الربوبية ىف تلك األوث ان وما
معها ،بل برتكهم توحيد األلوهية بعبادهتا ،وهذا ينطبق على زوار القبور
املتوسلني باألولياء املنادين هلم ،املستغيثني هبم ،الطالبني منهم ما ال يقدر
عليه إال اهلل تعاىل.
بل ق ال حممد بن عبد الوه اب :إن كف رهم أش نع من كفر عب اد
األوثان ،وإن شئت ذكرت لك عبارته احملزنة اجلريئة .
فهذا ملخص مذهبهم مع اإليضاح ،وفيه عدة دعاوى .فلنعرض
هلا على سبيل اإلختصار ،ولنجعل الكالم ىف مقامني فنتحاكم إىل العقل مث
نتحاكم إىل النقل ،فنقول :
ق وهلم :إن التوحيد ينقسم إىل توحيد الربوبية وتوحيد األلوهية ،
تقس يم غري مع روف ألحد قبل ابن تيمية ،وغري معق ول أيضا كما س تعرفه
،وما كان رسول اهلل يقول ألحد دخل ىف اإلسالم :إن هناك توحيدين
،وإنك ال تك ون مس لما حىت توحد توحيد األلوهية ،وال أش ار إىل ذلك
بكلمة واح دة ،وال مسع ذلك عن أحد من الس لف ال ذين يتبجح ون
باتب اعهم ىف كل ش يء ،وال معىن هلذا التقس يم .ف إن األله احلق هو ال رب
احلق ،واألله الباطل هو ال رب الباطل ،وال يس تحق العب ادة والتأليه إال من
كان ربا .
3
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
وال معىن ألن نعبد من ال نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر ،فه ذا
مرتب على ذلك ،كما قال تعاىل :رب السموات واألرض وما بينهما
فاعب ده واص طرب لعبادته 1 ف رتب العب ادة على الربوبية ،فإننا إذا مل نعتقد
أنه رب ينفع ويضر ،فال معىن ألن نعب ده كما قلنا ،ويق ول تع اىل :أال
يس جدوا هلل ال ذي خيرج اخلبء ىف الس موات واألرض 2 يشري إىل أنه ال
ينبغى السجود إال ملن ثبت اقتداره التام ،وال معىن ألن يسجدوا لغريه .
هذا هو املعقول ،ويدل عليه القرآن والسنة ؛
أما الق رآن فقد ق ال :وال ي أمركم أن تتخ ذوا املالئكة والنب يني
أربابا 3 فصرح بتعدد األرباب عندهم .
وعلى الرغم من تصريح القرآن بأهنم جعلوا املالئكة أربابا ،يقول
ابن تيمية ،وحممد بن عبد الوه اب :إهنم موح دون توحيد الربوبية ،
وليس عن دهم إال رب واحد ،وإمنا أش ركوا ىف توحيد األلوهية .ويق ول
يوسف لصاحىب السجن وهو يدعومها إىل التوحيد :أأرباب متفرقون
خري أم اهلل الواحد القه ار ، 4 ويق ول اهلل تع اىل أيضا :وهم يكف رون
بالرمحن قل هو رىب ، 5 وأما هم فلم جيعلوه ربا ،ومثل ذلك قوله تعاىل
:لكنا هو اهلل رىب 6 خطابا ملن أنكر ربوبيته تع اىل .وانظر إىل ق وهلم
4
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
يوم القيامة :تا اهلل إن كنا لفى ضالل مبني .إذ نسويكم برب الع املني
، 1 أى ىف جعلكم أربابا كما هو ظ اهر ،وانظر إىل قوله تع اىل :وإذا
قيل هلم اس جدوا لل رمحن ق الوا وما ال رمحن أنس جد ملا تأمرنا 2 فهل ت رى
ص احب ه ذا الكالم موح دا أو معرتفا ؟ مث انظر إىل قوله :وهم
جيادلون ىف اهلل 3 إىل غري ذلك وهو كثري ال نطيل بذكره .
ف إذا فليس عند ه ؤالء الكف ار توحيد الربوبية كما ق ال ابن تيمية ،
وما كان يوسف يدعوهم إال إىل توحيد الربوبية ،ألنه ليس هناك شيء
يس مى توحيد الربوبية وش يء آخر يس مى توحيد األلوهية عند يوسف ،
فهل هم أع رف بالتوحيد منه ،أو جيعلونه خمطئا ىف التعبري باألرب اب دون
اآلهلة ؟ .
ويق ول اهلل ىف أخذ امليث اق :ألست ب ربكم ق الوا بلى ، 4 فلو
ك ان اإلق رار بالربوبية غري ك اف وك ان متحققا عند املش ركني ولكنه ال
ينفعهم كما يق ول ابن تيمية ،ما صح أن يؤخذ عليهم امليث اق هبذا ،وال
صح أن يقولوا يوم القيامة :إنا كنا عن هذا غافلني .
وك ان ال واجب أن يغري اهلل عب ارة امليث اق إىل ما ي وجب اع رتافهم
بتوحيد األلوهية حيث إن توحيد الربوبية غري كاف كما يقول هؤالء ،إىل
آخر ما ميكننا أن نتوسع فيه ،وهو ال خيفى عليك ،وعلى كل ح ال فقد
رارهم اكتفى منهم بتوحيد الربوبية ،ولو مل يكونا متالزمني لطلب إق
5
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
بتوحيد األلوهية أيضا ،ومن ذلك قوله تعاىل :وهو الذي ىف السمآء إله
وىف األرض إله 1 فإنه إله ىف األرض ولو مل يكن فيها من يعبد كما ىف
آخر الزمان .فإن قالوا :إنه معبود فيها ،أى مستجق للعبادة ،قلنا :إذا
ال ف رق بني اإلله وال رب ،ف إن املس تحق للعب ادة هو ال رب ال غري ،وما
ك انت حماورة فرع ون ملوسى إال ىف الربوبية ،وقد ق ال :أنا ربكم
3
األعلى 2 مث قال :لئن اختذت إهلا غريى ألجعلنك من املسجونني
وال داعى للتطويل ىف هذا .
وأما الس نة فس ؤال امللكني للميت عن ربه ال عن إهله ،ألهنم
يفرقون بني الرب اإلله ،فإهنم ليسوا تيميني وال متخبطني ،وكان الواجب
على م ذهب ه ؤالء أن يقول وا للميت " :من إهلك " ال " من ربك " أو
يسألوه عن هذا وذاك .
أما قوله :ولئن س ألتهم من خلق الس موات واألرض ليق ولن اهلل
4فهم يقولون بألسنتهم ما ليس ىف قلوهبم إجابة حلكم الوقت ،ومضطرين
ل ذلك ب احلجج القاطع ات واآلي ات البين ات ،ولعلهم نطق وا مبا ال يك اد
يستقر ىف قلوهبم أو يصل إىل نفوسهم ،بدليل أهنم يقرنون ذلك القول مبا
ي دل على ك ذهبم ،وأهنم ينس بون الضر والنفع إىل غ ريه ،وب دليل أهنم
جيهلون اهلل متام اجلهل ،ويقدمون غريه عليه حىت ىف صغائر األمور .
6
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
وإن ش ئت ف انظر إىل ق وهلم هلود : إن نق ول إال اع رتاك بعض
أهلتنا بس وء 1 فكيف يق ول ابن تيمية :إهنم يعتق دون " أن األص نام ال
تضر وال تنفع " إىل آخر ما يقول ؟
مث انظر بعد ذلك إىل ق وهلم ىف زرعهم وأنع امهم :ه ذا هلل
بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فال يصل إىل اهلل وما كان هلل
فهو يصل إىل ش ركائهم 2 فق دموا ش ركائهم على اهلل تع اىل ىف أص غر
األمور وأحقرها .
وق ال تع اىل ىف بي ان اعتق ادهم ىف األص نام :وما ن رى معكم
ش فعاءكم ال ذين زعمتم أهنم فيكم ش ركاء 3 ف ذكر أهنم يعتق دون أهنم
شركاء فيهم .
ومن ذلك ق ول أيب س فيان ي وم أحد :اعل هبل ،فأجابه
بقوله " :اهلل أعلى وأجل " .
ف انظر إىل ه ذا مث قل ىل م اذا ت رى ىف ذلك التوحيد ال ذي ينس به
إليهم ابن تيمية ويقول :إهنم فيه مثل املسلمني سواء بسواء ،وإمنا افرتقوا
بتوحيد األلوهية .
مث انظر بعد ذلك إىل قوله تع اىل :وهم يكف رون ب الرمحن قل هو
رىب ، 4 أى وأما هم فلم جيعل وه ربا ،ومثل ذلك قوله تع اىل :لكنا
7
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
هو اهلل رىب 5 خطابا ملن أنكر ربوبيته تعاىل .وانظر إىل قوهلم يوم القيامة
:تا اهلل إن كنا لفى ضالل مبني .إذ نسويكم برب العاملني ،2 أى ىف
جعلكم أربابا كما هو ظاهر لغري املتعسف ،وانظر إىل قوله تعاىل :وإذا
قيل هلم اس جدوا لل رمحن ق الوا وما ال رمحن أنس جد ملا تأمرنا 3 فهل ت رى
ص احب ه ذا الكالم موح دا أو معرتفا ؟ مث انظر إىل قوله :وهم جيادلون
ىف اهلل 4 إىل غري ذلك وهو كثري .
وأدل من ذلك كله قوله تع اىل :وال تس بوا ال ذين ي دعون من
دون اهلل فيسبوا اهلل عدوا بغري علم 5 إىل غري ذلك مما يطول شرحه .
فهل ترى هلم توحيدا بعد ذلك يصح أن يقال فيه إنه عقيدة ؟
أما التيميون فيقولون بعد هذا كله :إهنم موحدون توحيد الربوبية،
وإن الرسل مل يق اتلوهم إال على توحيد األلوهية ال ذي مل يكف روا إال برتكه
.
وال أدرى ما معىن ه ذا احلصر مع أهنم ك ذبوا األنبي اء ،وردوا ما
أنزل عليهم ،واستحلوا احملرمات ،وأنكروا البعث واليوم اآلخر ،وزعموا
أن هلل ص احبة وول دا ،وأن املالئكة بن ات اهلل :أال إهنم من إفكهم
ليقولون .ولد اهلل وإهنم لكاذبون ... 6 إخل .وذلك كله مل يقاتلهم عليه
8
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
الرسل ىف رأي ه ؤالء ،وإمنا ق اتلوهم على ع دم توحيد األلوهية كما
يزعمون ،وهم بعد ذلك مثل املسلمني سواء ،أو املسلمون أكفر منهم ىف
رأي ابن عبد الوهاب .
وما علينا من ذلك كله ،ولكن نقول هلم بعد هذا :على فرض أن
هن اك فرقا بني توحيد األلوهية وتوحيد الربوبية – كما يزعم ون –
فالتوسل ال يناىف توحيد األلوهية ،فإنه ليس من العبادة ىف شيء ال لغة وال
شرعا وال عرفا ،ومل يقل أحد إن النداء أو التوسل بالصاحلني عبادة ،وال
أخربنا الرس ول ب ذلك ،ولو ك ان عب ادة أو شبه عب ادة مل جيز ب احلي وال
بامليت.
ومن املعل وم أن املتوسل مل يطلب إال من اهلل تع اىل مبنزلة ه ذا النيب
أو
الوىل ،وال شك ىف أن هلما منزلة عند اهلل تعاىل ىف احلياة وبعد املمات .
ف إن تش بث متش بث ب أن اهلل أق رب إلينا من حبل الوريد فال حيت اج
إىل واس طة ،قلنا له :حفظت ش يئا وغبت عنك أش ياء ،ف إن رأيك ه ذا
يلزمه ت رك األس باب والوس ائط ىف كل ش يء ،مع أن الع امل مبىن على
احلكمة الىت وض عت األس باب واملس ببات ىف كل ش يء ،ويلزمه ع دم
الش فاعة ي وم القيامة وهى معلومة من ال دين بالض رورة ،فإهنا على ه ذا
ال رأي ال حاجة إليها ،إذ ال حيت اج س بحانه وتع اىل إىل واس طة فإنه أق رب
من الواس طة ،ويل زم خطأ عمر بن اخلط اب ىف قوله :إنا نتوسل إليك بعم
نبيك العباس ...إخل .
9
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
وعلى اجلملة يل زم سد ب اب األس باب واملس ببات والوس ائل
والوسائط ،وهو خالف السنة اإلهلية الىت قام عليها بناء هذا العوامل كلها
من أوهلا إىل آخرها ،ول زمهم على ه ذا التق دير أن يكون وا داخلني فيما
حكم وا به على املس لمني ،فإنه ال ميكنهم أن ي دعوا األس باب أو ي رتكوا
الوسائط ،بل هم أشد الناس تعلقا هبا واعتمادا عليها .
وال يفوتنا أن نقول :إن التفرقة بني احلي وامليت ىف هذا املقام ال
معىن هلا ،ف إن املتوسل مل يطلب ش يئا من امليت أصال ،وإمنا طلب من اهلل
متوسال إليه بكرامة ه ذا امليت عن ده أو حمبته له أو حنو ذلك ،فهل ىف ه ذا
كله تأليه للميت أو عب ادة له ،أم هو حق ال مرية فيه ،ولكنهم ق وم
جيازفون وال حيقق ون ؟ كيف وج واز التوسل بل حس نه معل وم عند مجيع
املسلمني .
وانظر كتب املذاهب األربعة " حىت م ذهب احلنابلة " ىف آداب
زيارته ، جتدهم قد اس تحبوا التوسل به إىل اهلل تع اىل ،حىت ج اء ابن
تيمية فخ رق اإلمجاع وص ادم املرك وز ىف الفطر ،خمالفا ىف ذلك العقل
والنقل .
وخنشى أن يطول بنا القول ،فلنقف هنا ،ونؤخر الكالم على نداء
األولياء وتعظيمهم واالستغاثة هبم ،وموعدنا العدد اآلتى ،إن شاء اهلل .
10
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
كتبنا ىف هذا املوضوع ىف العدد املاضى ،ونكتب فيه اليوم ،ولعلنا
نكتب فيه غ دا ،وإمنا نريد ب ذلك كله ال دفاع عن مساحة اإلس الم ،غ رية
عليه من تلك الطائفة الىت جعلته حربا ال س الما ،ولو ك ان كما زعم وا مل
ان دين يكن دين الرمحة واحملبة واحلكمة وال دين األمم كلها ،بل ك
اخلص ام واالنقس ام والن ار وال دمار ،ومل يص لح إال لق وم جام دين وطائفة
خمصوصني .
ولس نا نريد بكل ما نكتب ىف ه ذا املوض وع غري أال يتن ازع
املسلمون وال ينقسم بعضهم على بعض ،من أجل أشياء يقع فيها اخلالف
ويتباين فيها الرأي .
فيجب على أولئك املكف رين للمس لمني أن حيرتموا رأي غ ريهم ،
وال نريد منهم أن يتبع وا غ ريهم ،بل أن ي رتكوهم أح رارا كما أهنم أح رار
،وأن يقيم وا ألولئك العلم اء من أئمة اهلدى وزنا ،فلهم منطق س ليم
ونظر مستقيم وسلف صاحل .
وينبغى أن يعرف وا أن كل ما هو حمل للنظر وموضع لإلجته اد جيب
أن ال يتن ازع فيه الن اس ،ف األمر واسع ،فكم اختلف الص حابة والت ابعون
وت ابعوهم مع حمبة بعض هم بعضا ،حىت قاسم اإلم ام مالك اإلم ام الش افعى
ما له م رارا ،وقد خالفه ىف أش ياء كث رية وهو تلمي ذه ،وقد ق الوا :إن
املنكر ال جيب إنكاره إال إذا كان جممعا على إنكاره .فكيف بالكفر الذي
ج اء ىف احلديث الص حيح أن أح دمها يب وء به ؟ وكيف بالقتل ال ذي
يستبيحه هؤالء ؟
11
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
وقد أنكر على أسامة حني قتل من قال :آل إله إال اهلل – تقية ىف
رأي أسامة – ومل يقبل منه ذلك العذر ،وال رضى منه هذا التأويل .
وإىن أك رر عجىب منهم كيف يلزم ون غ ريهم باتب اعهم وهو ين ادى
خبطئهم ويقيم الربهان من الكتاب والسنة والعقل والنقل على ذلك ؟ وهل
ه ذه إال رتبة املعص وم ال ذي جيب على الن اس أن يتبع وه وال خيالفوه ؟ فهل
هم معصومون حىت ال جيوز أن خنالفهم حبال من األحوال ؟ بل نتنزل قليال
ونق ول هلم :أفتوجب ون علينا التقليد وأنتم حترم ون التقليد ،أم تلزموننا أن
نتبعكم وحنن جمتهدون كما أنكم جمتهدون ؟
وإنا نس أهلم :هل ك ان الص حابة والت ابعون يقس مون التوحيد إىل
توحيد األلوهية وتوحيد الربوبية ،وي دعون الن اس ل ذلك ؟ اجلواب أنه مل
يسمع ذلك عن أحد منهم ،فلماذا ال يسعنا ما وسعهم ؟ .
وأن من عالمات الراسخني ىف العلم أن حيرتموا كالم األئمة ،وما
درجت عليه األمة ،أما إم امهم ابن تيمية فلم يس لم منه أحد ،حىت أبو
بكر وعمر ،وعلي وفاطمة ،وال يسعنا تفصيل ذلك اآلن .
ومن عالم ات الراس خني ىف العلم أيضا أن ت راهم مي الني دائما إىل
اليسر والسهولة علما بسماحة اإلسالم ،وأنه يسر ال عسر فيه ،وعمال مبا
كان عليه مع املسلمني ،وأهنم ال ينكرون إال ما أمجع على إنكاره ،إال
ما اختلف فيه ،كما ك ان ح ال أئمة اهلدى بعض هم مع بعض ،وأن كل
ما ك ان حمال لالجته اد والنظر ك ان األمر فيه واس عا ،متمس كني ىف ذلك
ب أن اجملتهد إذا أخطأ ك ان له أجر ،وإذا أص اب ك ان له أج ران ،كما ىف
الصحيح .
12
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
ومن عالم اهتم أهنم ال يقدسون أنفسهم ،وال حيتق رون غ ريهم ،
علما منهم أهنم غري معص ومني وال مقدسني ،فال يوجب ون على غ ريهم أن
يرجع إىل رأيهم ،وال يفرض ون ط اعتهم على الن اس فرضا ،كما فعل
اخلوارج فيما مضى ،وكما يفعلون اآلن .
ومن عالماهتم أهنم جيادلون غريهم بالىت هى أحسن ،وأن احلق إذا
ظهر على يد غريهم اتبعوه ،كما هو معروف من سرية السلف الصاحل ،
أما أرب اب األه واء فهم على العكس من ذلك كله ،وإن ص اموا وص لوا ،
وعملوا من ظواهر العبادات ما حيقر أحدنا صالته على صالهتم ،وصيامه
مع صيامهم .
وقد أخربنا أهنم ي دعون إىل كت اب اهلل وليس وا منه ىف ش يء ،
ب 1بص احبه ال يبقى منه وأهنم تتج ارى هبم األه واء كما يتج ارى ال َكلَ ُ
ع رق وال مفصل إال دخل فيه ،وكأنه حيذرنا من خمالطتهم ،خمافة أن
يس رى إلينا داؤهم كما يس رى داء الكلب ال ذي يس رع انتقاله ويعسر
شفاؤه ،فجزاه اهلل عنا أفضل ما جازى نبيا عن أمته .
وال تك اد جتد لواحد منهم ش يئا يروقك من علم أو عمل إال
وج دت جبانبه ما يفس ده ويربو عليه ،وسر ذلك أهنم يتبع ون اهلوى ،فهو
معهم حيثما كانوا ،ومن كان تابعا هلواه فال بد أن يضل عن سبيل اهلل .
وعالمة اإلميان الص حيح ،بل عالمة العقل الص حيح أن يتهم املرأ
نفسه ،ويرجع إىل ما عليه األمة املعص ومة الىت ش هد هلا أهنا ال جتتمع
على ض اللة .وأك ثر ما جند ه ذه النزعة الىت ال حترتم إال عقلها وال تق دس
13
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
إال هواها وال تب اىل بالتض ليل والتكفري ،أك ثر ما جندها ىف اخلوارج ال ذين
هم أضر على اإلس الم واملس لمني من كل ش يء ،بنص احلديث الص حيح
ال ذي يق ول فيه " :إهنم شر اخللق واخلليقة " ويق ول ىف تص لبهم فيما
أش ربوا من حب اهلوى " :إهنم ال يع ودون إىل اإلس الم حىت يع ود الس هم
إىل فوقه ،أى مع كون أحدنا حيقر صالته مع صالهتم ...إخل .وال بدع
ىف ذلك ،ف إن لألحب ار والرهب ان من التقشف والزهد ىف ال دنيا والبعد عن
زخارفها وأن واع اجملاه دات ما ال يتفق لكثري من أفاضل املس لمني ،ومع
ذلك مل يغن عنهم ش يئا :أفمن زين له س وء عمله ف رآه حس نا ف إن اهلل
يضل من يشاء ويهدى من يشاء ، 1 واهلل يتوىل هدى اجلميع .
ريقهم بني توحيد األلوهية والربوبية ،وجعل وإىن أعجب لتف
املش ركني موح دين توحيد الربوبية مع قوله تع اىل :اختذوا أحب ارهم
ورهب اهنم أربابا من دون اهلل ، 2 وهل املراد من األرب اب ىف اآلية إال
املعب ودون 3إىل آخر ما ذكرن اه ىف مقالنا الس ابق من تفنيد تلك ال دعوى
الىت ابت دعوها ،فإننا مل نس مع أن أح دا مسى املش ركني موح دين غري ابن
تيمية وابن عبد الوهاب .
واخلالصة الىت نري دها من ذلك كله :أن ال ذي جيب على كل من
حيت اط لدينه ونفسه هو االح رتاز عن التكفري ما وجد إليه س بيال ،ف إن
15
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
آدم ،ولألرواح تص رف كبري ىف ال ربزخ ،وعلى ذلك دالئل كث رية أطنب
فيها ابن القيم ،وهو من أئمة ه ؤالء ،وأثبت ابن تيمية مساع األم وات
وردهم الس الم ىف فتاويه وغريها ،مس تندا إىل األح اديث الص حيحة ىف
ذلك ،وذكر مساع سعيد بن املسيب األذان من قربه أيام احلرة ىف كتبه
.ف إذا استغاث هبم ك ان كمن يستغيث ب احلي س واء بس واء ،ألهنم عن دنا
اء ، أحي
بل أعظم نفوذا ،وأوسع تصرفا من األحياء .
ولو تنزلنا غاية الت نزل ،وفرض نا أننا خمطئ ون ىف ذلك ،مل يكن
هناك وجه للتكفري ،وإمنا يقال للمستغيثني ،إنكم أخطأمت ىف ذلك ،فإهنم
ليسوا أحياء وال قادرين على ما سبق لنا .
ف إذا يك ون اخلالف بيننا وبينهم مبنيا على أن األم وات يس معون
ويعقل ون وي دعون ،أم هم كاجلم اد ال يس تطيعون ش يئا من ذلك ؟ فنحن
نق ول ب األول ،مس تندين ىف ذلك إىل الكت اب والس نة ،واألخب ار املت واترة
عن كرام ات األولي اء وم رائى الص احلني وبرك ات النيب الىت حص لت
للمس تغيثني به واالستش فاع به عند زيارته ، وقد نصت على ذلك كتب
املذاهب األربعة ،حىت احلنابلة عند ذكر آداب الزيارة له .
وهم يقولون بالثاىن ،وأن األموات قد دخلوا ىف عامل العدم ،كما
يق ول املاديون ،وعن دما حترجهم ب الرباهني القاطعة يقول ون :إهنم أحي اء ،
ولكنهم مشغولون بالعذاب أو النعيم ؟
وهذا كالم خياىل ،وال نقول خطاىب ،فإنه أقل من ذلك ،وأكرب
ظىن أهنم يقولونه بألسنتهم وليس ىف قلوهبم ،وليس هذا حمل شرح ذلك ،
16
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
فإن املتنعم حر خمتار ،وال يناىف نعيمه أنه يدعو اهلل ألحد املسلمني ،بل قد
يرى من نعيمه أن يساعد ابنه أو حمبه مبا يقدر عليه .
وال دالئل على ذلك مت واترة مستفيضة ،خصوصا املرائى ىف ذلك ،
كحديث بالل بن احلارث الصحاىب املذكور عند البيهقى وابن أىب شيبة
،وفيه :أنه ج اء ق ربه وق ال :يا رس ول اهلل ،استسق ألمتك ،أى ادع
اهلل هلم ،فجاءه ىف املنام وقال :بشر عمر أهنم سيسقون ،وقل له :عليك
الكيس الكيس .ورئيته جعف را ذا اجلن احني يطري مع املالئكة يبش رون
أهل بيته باملطر ،وهو ىف املستدرك وغريه بألفاظ خمتلفة ،وكرؤية أم سلمة
للنيب وإخباره إياها بقتل احلسني ،وهو ىف املسند وغريه .
ويكفى ىف ذلك حماجة آدم ملوسى ، وما رأى ليلة اإلس راء من
احلوادث الكث رية ،خصوصا مراجعة موسى ىف أمر الص الة ،وكفاية
إبراهيم ألطفال املؤمنني .وانظر كيف رأى موسى يصلى ىف قربه ،مث رآه
ىف الس ماء السادسة وب بيت املق دس مع األنبي اء ،وأى اس تبعاد ىف ذلك ؟
وقد قلنا :إن هلم حالة ملكية ال تقاس على أحوالنا .
وإنك لتع رف أن عزرائيل ال يش غله قبض عن قبض ،والقبض ال
يش غله عن العب ادة طرفة عني ،على أن ح ال ال ربزخ خبالف ح ال ال دنيا ،
وقد قال أبو الطيب املتنىب ما يفيد هذا املعىن وإن مل يكن مما حنن فيه :
يهدى إىل عينك نورا ثاقبا كالبدر من حيث التفت رأيته
ولكل ع امل ن وامس ختصه ،ومن الغلط ال بني احلكم على ع امل
بأحك ام ع امل آخر .وقد هنى عمر عن رفع الص وت ىف مس جد رس ول اهلل
، وهنى اإلم ام مالك املنص ور عن رفع ص وته ك ذلك ،وهنت الس يدة
17
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
عائشة عن دق الوتد بال دور اجملاورة للحج رة الش ريفة ،خمافة أن يت أذى
رس ول اهلل ، وقد ك انت ت دخل مش دودا عليها إزارها بعد دفن عمر
حياء من عمر ،إىل غري ذلك مما هو معروف ىف كتب السنن واآلثار .
فلو ك انوا منقطعني عن ه ذا الع امل متام االنقط اع على ما يق ول
ه ؤالء ،فلم يكن ل ذلك معىن ،خصوصا ما هو خ ارج عن املعق ول ىف
الع ادة ،كع رض األعم ال عليه ،واس تغفاره لنا ، ورد الس الم على كل
من يسلم عليه ،وهو ثابت ال مراء فيه ،وقد كتبنا فيه ىف العام املاضى .
وقد هنى عن أذية امليت ،كسر عظمه واجلل وس على ق ربه ،
خمافة تأذيه ،إىل غري ذلك ،وهو كثري ،ال ميكننا ىف ه ذه العجالة إال أن
نلمح إليه ،وندل على ما وراءه .
وال نزال نكرر إنه إذا مل يكن ىف هذا إال ما كان ىف حديث املعراج
من أسف س يدنا موسى على بىن إس رائيل ،ومراجعة النيب ىف أمر الصالة ،
واجتماع األنبياء ىف بيت املقدس وخطبهم ،لكفى .
وقد ذكر ابن القيم ىف كتاب الروح حديث مذاكرة األنبياء ىف أمر
الس اعة ،وأنه إذا ج اء عيسى ، ك انت كاحلامل املتم ، 1فلو ك انت
األرواح على ما يقولون ،مل يكن هلذا معىن .
ومع كل ه ذا نس لم هلم ص حة ما يقول ون ،ونف رض أننا حنن
املخطئ ون ،فهل ي وجب ذلك ش ركا أو كف را ؟ وقد قلت لبعض أذكي اء
العامة ىف املولد احلس يىن – وقد ق ال :يا رس ول اهلل : -إن الوهابية
يكفرونك بقولك :يا رسول اهلل ،كما ىف اهلدية السنية وغريها ،فقال إن
وقد جاء ىف األحاديث الصحيحة أهنم حيجون ويلبون .ونسأل اهلل أن يكفينا شر املتعسفني. 1
18
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
كنا نق ول يا رس ول اهلل على ما نريد ،فال معىن للكفر ،وإن كنا نقوله
على ما يري دون من تأليه الرس ول ،فنحن كف ار ،ف أعجبىن ه ذا منه ،
فقلت له :وهل يسمعك وأنت هنا وهو باملدينة ؟ فلم جيب جوابا شافيا .
وحنن نقول :إن هذا االستبعاد منشؤه قياس الغائب على الشاهد ،
وقد عرفنا أن مسع األجس ام ال يصل إال إىل مس افة حمدودة ض ئيلة ،ولكن
هل عرفنا املس افة الىت يصل إليها مسع األرواح ،وم اذا أعطيت من ذلك ؟
وكيف ن درك أن عمر وهو باملدينة أمسع س ارية وهو بنهاوند من أرض
العجم ؟ .
وأس الغلط ىف هذا وأمثاله أننا نعطى أحكام العوامل املختلفة بعضها
لبعض ،مع أن لكل ع امل أحكاما ختصه ،ن واميس ليست لغ ريه ،فقي اس
ع امل األرواح على ع امل األش باح من أفسد األقيسة وأبطلها .والواقف ون
عند ما عرف وا من أحك ام ه ذا الع امل فحسب ،إمنا هم املاديون ال أتب اع
الرسل :
بل كذبوا مبا مل حييطوا بعلمه وملا يأهتم تأويله . 1
أما ق ولكم :إهنم يطلبون ما ال يق در عليه إال اهلل تع اىل ،فكالم ال
حتقيق فيه ،فهو كس راب بقيعة حيس به الظم أن م اء حىت إذا ج اءه مل جيده
شيئا .
فإننا نقول أوال :
19
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
هب أن األمر ك ذلك ،وقد أخطأ ذلك الس ائل فظن غري املمكن
ممكنا ،وغري املق دور للبشر مق دورا له ،أفيكفر ب ذلك ،أم يع ذر جبهله
وخطئه ؟ وهو مل يعتقد األلوهية على كل حال .
وثانيا – نق ول لكم :إننا مل ن دع أنه يفعل ذلك اس تقالال من عند
نفسه ،بل نق ول :إنه يفعله ب إذن اهلل ،وبعب ارة أخ رى نق ول :أعط اه من
املواهب ما ال تعقلونه ،وهل ع رفتم ما يصح أن يعطيه اهلل عبي ده املق ربني
دكم تلك احلدود الىت ال يصح هلل أن وما ال يصح ؟ وهل ثبتت عن
يتجاوزها مع عبيده ؟ وهل كان اإلتيان بعرش بلقيس قبل أن يرتد الطرف
مما يق در عليه البشر ىف نظ ركم ؟ وهل ك ان رد عني قت ادة وقد س الت
على خ ده فج اء للنيب فردها إليه فك انت أحسن عينيه ،مما يق در عليه
البشر ىف رأيكم ؟ وهل رؤية عمر بن اخلط اب لس ارية وجيشه ببالد العجم
مما يق در عليه البشر ؟ وهل إمساعه ص وته وهو بنهاوند مما يق در عليه
البشر؟.
وهل قول بىن إسرائيل ملوسى : لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن
لك 1 مما يق در عليه البشر ؟ إىل غري ذلك ،وهو طويل ع ريض ،أم
اخلوارج كلها من ه ذا القبيل ال يق در عليها البشر ىف الع ادة ،ولكنه يق در
عليها بإقدار اهلل إياه ؟
وهل تقيس ون األرواح على األش باح ؟ وهل ع رفتم نواميس ها وما
تنتهى إليه ،أم ذلك قي اس الغ ائب على الش اهد كما قلنا ؟ فهو قي اس مع
الف ارق ،بل ألف ف ارق ،وهل إذا رأيتم بىن إس رائيل يطلب ون من عيسى
20
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
إحياء املوتى وإبراء األكمه واألبرص تقولون :إن هذا مما يقدر عليه البشر
؟ وهل إذا رأيتم النيب يض رب جبل أحد وي أمره أن يثبت وال يتح رك ،
تقولون :إن ذلك يقدر عليه البشر ؟ وهل إذا رأيتموه يأمر الشجر فيمتثل
أم ره ،وخيد الطريق خ دا ،تقول ون :إن ذلك مما يق در عليه البشر ؟ وهل
إذا رأيتم وه وقد نبع املاء من بني أص ابعه قلتم :إن ذلك مما يق در عليه
البشر ؟ إىل غري ذلك مما جاء ىف الصحيح ،وال ميكنكم املكابرة فيه .
على أن لنا أن نق ول :إن كل ش يء مق دور للمبشر بال دعاء ،فما
ال يق در عليه البشر بال ذات يس تطيعه بال دعاء ،فالفاعل ىف احلقيقة هو اهلل
ال
غريه ،والذي يستغيث بالنيب مثال ال يريد منه إال هذا .
وقد عرفنا أنه يستغفر لنا بعد موته ،كما ىف احلديث الصحيح :
" حي اتى خري لكم " إخل .وقد بينا ص حته بال مزيد عليه ىف الع ام املاضى .
وميكننا أن نتوسع ىف ه ذا املق ام كث ريا ،فس ماع املوتى وإدراكهم ال شك
فيه ملن ي ؤمن باهلل وما ج اء عن رس ول اهلل ، كما ق ال الس يوطى ىف
منظومته :
جاءت به عندنا اآلثار ىف الكتب مساع املوتى كالم اخللق قاطبة
وقد قدمنا أن ابن تيمية نفسه ذكر أن سعيد بن املسيب كان يسمع
األذان واإلقامة ىف زمن احلرة من قربه . وأما جعلهم هذا عبادة ،وعبادة
غري اهلل كفر ،فهو من جمازف اهتم الش نيعة ،ف إهنم إذا فهم وا أن كل تعظيم
عب ادة ،أو كل طلب عب ادة ،فقد برهن وا على جهلهم ،فإنا رأينا إخ وة
يوسف قد س جدوا ليوسف ،واملالئكة قد س جدوا آلدم ،وليس هن اك
21
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
ش يء أبلغ ىف التعظيم من الس جود ،ف إذا ليس التعظيم ش ركا لذاته مهما
بلغ أم ره .ولو ك ان ذلك وص فا ذاتيا له ل وجب أال يفارقه .ف التعظيم ال
يكون عبادة إال إذا كان مع اعتقاد الربوبية .
وأما ال دعاء ال ذي يتمس كون به ويس تدلون عليه مبثل قوله تع اىل :
فال ت دعوا مع اهلل أح دا 1 إىل آخر اآلي ات الكث رية الىت ن زلت ىف
املش ركني ،فطبقوها على املس لمني ،زاعمني أن ال دعاء عب ادة ،وعب ادة
غري اهلل كفر ،فهو تلبيس ال ينبغى أن يصدر إال من غاش أو جاهل ،فإن
الدعاء مشرتك .
ف إذا ق الوا :إن كل دع اء عب ادة ،رد عليهم قوله تع اىل :ال
جتعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا 2 ، رب إىن دعوت
قومى ليال وهنارا .فلم يزدهم دعائى إال فرارا 3 ، واهلل يدعو إىل دار
الس الم ويه دى من يش اء إىل ص راط مس تقيم 4 ، إن أىب ي دعوك
ليجزيك أجر ما س قيت لنا 5 إىل غري ذلك ،وورد عليهم أهنم ي دعون
األمري والوزير ،فهذا دعاء لغري اهلل ،فيلزمهم على هذا الفرض أن يكون
ذلك ش ركا ،وأن يكون ال دعاء ىف تلك اآلي ات مبعىن العب ادة ،وهو ما ال
يقوله أحد .
22
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
وإن قالوا :إن الطلب من غري اهلل كفر ،وهذا هو العبادة ،لزمهم
كفر العامل كله ،وال معىن هنا للفرق بني احلي وامليت ،كما أوضحناه ،
فال يق ول إن جمرد الطلب من غري اهلل عب ادة إال من ال ي درى ما يق ول .
وإن ق الوا :إن الطلب من األولي اء واألنبي اء هو الكفر ال غري ،قلنا :إن
ه ذا هو حمل ال نزاع ،وه ذه هى ال دعوى الىت مل يقم عليها دليل ،بل ق ام
على بطالهنا ألف دليل ..
وإيراد اآليات النازلة ىف حق املشركني العابدين لغري اهلل ال معىن له
وال غن اء فيه ،فهل نظفر منهم بعد ذلك بش يء من اإلنص اف ،حىت
يرمحوا هذه األمة املسكينة ،فال يكفروها وال يستبيحوا دماءها ؟ إىن أشك
ىف ذلك ،وال أك اد أتوقعه ،ولكننا نكتب لغ ريهم ،خش ية أن ينخ دعوا
برتهاهتم وضالالهتم .
واخلالصة أن هؤالء يتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاء الفتنة وابتغاء
تأويله ،بل هم أقل من ذلك ،ف إهنم يقول ون ما ال معىن له وال مس تند فيه
،تلبيسا على العوام الذين هم كاألطفال ميكن كل أحد أن يأخذهم إىل ما
يشاء .
ولنختم مقالنا هذا مبا أخرجه البخارى عن أىب سعيد اخلدرى :
أن النىب قال ىف ذى اخلويصرة التميمى " :إن من ضئضىء هذا – أو ىف
عقىب ه ذا – قوما يق رءون الق رآن ال جياوز حن اجرهم ،ميرق ون من ال دين
كما ميرق السهم من الرمية ،يقتلون أهل اإلسالم ويدعون أهل األوثان ،
لئن أدركتهم ألقتلنهم قتل عاد " ،وىف بعض الروايات " :سيكون ىف أمىت
اختالف وفرقة ،قوم حيسنون القيل ويسيئون الفعل ،يقرءون القرآن ،ال
23
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
جياوز إمياهنم ت راقيهم ،ميرق ون من ال دين م روق الس هم من الرمية ،ال
يرجعون إليه حىت يعود السهم إىل فوقه ،هم شرار اخللق واخلليقة ،يدعون
إىل كت اب اهلل وليس وا منه ىف ش يء " ،احلديث .وىف رواية أخ رى " :
سيخرج ىف آخر الزمان قوم حدثاء األسنان ،سفهاء األحالم ،يقولون من
قول خري الربية ،يقرءون القرآن ال جياوز حناجرهم ،ميرقون من الدين
كما ميرق السهم من الرمية " احلديث .
وعند مس لم من رواية عبد اهلل بن أىب رافع " :يقول ون احلق
بألس نتهم ،ال جياوز ه ذا منهم " ،أش ار إىل حلقه ،وىف رواية عن ده أيضا
" :س يكون ىف آخر أمىت أن اس حيدثونكم ما مل تس معوا أنتم وال آب ائكم ،
فإياكم وإياهم " ،رواه بلفظ آخر فقال " :يكون ىف آخر الزمان دجالون
ك ذابون ي أتونكم من األح اديث مبا مل تس معوا أنتم وال آب ائكم ،فإي اكم
وإي اهم ال يض لونكم وال يفتن ونكم " ،وج اء ىف وص فهم كما ىف بعض
الرواي ات عند أىب داود وغ ريه " :إهنم تتج ارى هبم األه واء كما تتج ارى
الكلب بصاحبه ال يبقى فيه عرق وال مفصل إال دخل فيه " .
إىل غري ذلك من األحاديث الكثرية الىت وردت فيهم ،فجزى اهلل
نبينا أفضل ما ج ازى نبيا عن أمته .لقد بلغ ونصح وأدى األمانة حىت
تركنا على احلنيفية البيض اء ،ليلها كنهارها ،ال يزيغ عنها إال هالك .
وهذه الفرق الضالة ال يزال يتجدد شرها ،ويتفاقم أمرها إىل يوم القيامة .
ففى بعض الروايات أنه سيكون آخرهم مع الدجال ،وهم ميئوس منهم ،
حلديث البخارى " :إهنم ميرقون من الدين مث ال يعودون فيه " .
24
توحيد األلوهية – وتوحيد الربوبية الرسالة األولى
وبعد :فهل عن دكم من علم فتخرج وه لنا ؟ إن تتبع ون إال الظن
وإن أنتم إال خترصون .
يزول بالتحقيق بل يذوب وكل ما يقوله الكذوب
ولنقتصر على هذا ،ففيه مقنع وكفاية .
25