You are on page 1of 6

‫الحلقة األولى‬

‫بالتأكيد تتفق معي عزيزي المشاهد أن الرسول صلى هللا عليه وسلم ه و ق دوتنا في ك ل‬
‫صغيرة وكبيرة‪ ،‬وبما أنه عليه الصالة والسالم كان قرآنا‪  ‬يمشي على األرض‪ ،‬فلماذا ال‬
‫نقتدي به ونكون نحن قرآنا يمشي على األرض‪ ،‬بل سورة أو آية من آياته؟!‬

‫والرسالة التي نرغب في توجيهها إلى أنفسنا هو سرعة تنفيذ أوامر هللا عز وج ل‪ ،‬ولن ا‬
‫في سورة البقرة دليل واضح وبيّن‪:‬‬

‫إننا نرى اليوم عباقرة وملوك الرياضيات والبرمجة في الهند والياب ان وهم م ع عق ولهم‬
‫الفذة والفريدة يقتنعون بصحة عبادة البقرة وتحويلها إلى أكبر رمز شركي يعبد من دون‬
‫هللا عز وجل!‬

‫ولنتذكر كيف كان حب بني إسرائيل لعبادة العجل‪ ،‬وكان الحل في تطهيرهم من ذلك هو‬
‫ذبحها رغم أنه كان في ذلك مشقة كبيرة عليهم‪.‬‬

‫مادورنا نحن تجاه أوامر وأحكام هللا عز وجل‪:‬‬


‫يعرف الشباب حكم الموسيقى والت دخين‪ ،‬وم ع ذل ك يظل ون مس تمرين في ممارس تهما‪،‬‬
‫وهذا يعني عدم اإلسالم هلل عز وجل والعياذ باهلل‪.‬‬

‫لنقف قليال عند سورة البقرة‪ ..‬إنها أخطر سورة في القرآن الكريم لماذا؟‬
‫لقد بدأت بأحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ونبهتنا إلى أن أي إنس ان ي دخل في اإلس الم ينبغي‬
‫أن يوطن نفسه على كلمة سمعنا وأطعنا‪.‬‬

‫كيف إذن تصاحب سورة البقرة لتكون من الذين يحاجون عنهم يوم القيامة؟‬

‫ُور َة ِ‬
‫آل‬ ‫ْن ْال َب َق َر َة َوس َ‬ ‫الزهْ َر َاوي ِ‬‫آن َفِإ َّن ُه َيْأتِي َي ْو َم ْال ِق َيا َم ِة َشفِيعًا َألصْ َح ِاب ِه ا ْق َرءُوا َّ‬ ‫ا ْق َرءُوا ْالقُرْ َ‬
‫ْأ‬
‫ان َأ ْو َكَأ َّن ُه َم ا ِفرْ َق ِ‬
‫ان ِمنْ‬ ‫ان َأ ْو َكَأ َّن ُه َما َغ َيا َي َت ِ‬
‫ان َي ْو َم ْال ِق َيا َم ِة َكَأ َّن ُه َما َغ َما َم َت ِ‬ ‫ان َفِإ َّن ُه َما َت ِت َي ِ‬
‫عِ مْ َر َ‬
‫ور َة ْال َب َق َر ِة َف ِإنَّ َأ ْخ َذ َها َب َر َك ٌة َو َترْ َك َه ا‬‫ص َح ِاب ِه َما ا ْق َرءُوا ُس َ‬ ‫ان َعنْ َأ ْ‬ ‫ص َوافَّ ُت َحاجَّ ِ‬ ‫َطي ٍْر َ‬
‫َحسْ َرةٌ َوال َتسْ َتطِ ي ُع َها ْال َب َط َل ُة‬
‫ما يلفت نظرنا في هذا الحديث الشريف قوله‪ :‬تحاجان عن أص حابهما‪ ،‬فلم يق ل قارئهم ا‬
‫وال حافظهما‪..‬‬

‫لذا فإذا أردت أن تكون صاحب السورة فلتأتمر بأمرها‪ ..‬فإذا نهت ك عن أك ل الرب ا مثال‬
‫فلتقل سمعت وأطعت‪ ،‬وهكذا السمع والطاعة لجمي ع األحك ام ال تي تتض منها الس ورتان‬
‫حتى تكون صاحبهما وتحاجان عنك يوم القيامة‪.‬‬

‫هيا بنا إذن في رحلة حول ترابط آيات سورة البقرة ومواضيعها‬
‫أفردت السورة في بدايتها ‪ 5‬آيات للمؤم نين وآي تين للكف ار و‪ 13‬آي ة للمن افقين‪ ،‬ثم بع د‬
‫ذلك كان الحديث عن المشركين حتى الوصول إلى قصة سيدنا آدم عليه السالم ثم قص ة‬
‫ب ني إس رائيل ثم قص ة إب راهيم علي ه الس الم‪ ،‬ثم الج زء الخ اص باألحك ام واألوام ر‬
‫والنواهي والتكاليف التي أنزلها علينا بداية من قوله تعالى‪" :‬سيقول السفهاء"‪.‬‬

‫ما هو الرابط إذن في هذه اآليات؟‬


‫تب دأ الس ورة بتحلي ل أص ناف المجتم ع ثم اإلش ارة إلى تم يز المؤم نين في أفك ارهم‬
‫وسلوكهم وعاداتهم وتضحياتهم‪.‬‬
‫كما أن الرابط بين هؤالء الثالث أصناف يتمثل في أن هللا استخلفهم في األرض وأمرهم‬
‫بنفس األوامر والنواهي التي أمرنا بها أو ما شابهها فماذا كان رد فعل أصناف المجتم ع‬
‫تجاه هذه األوامر؟‬

‫عصى سيدنا آدم ربه ثم أطاع‪ .‬‬


‫وعصوا بنو إسرائيل تمام العصيان‪ .‬‬
‫ونجح سيدنا إبراهيم وأحسن تمام اإلحسان‪.‬‬
‫‪  ‬‬
‫فمن سنكون نحن من هؤالء الثالثة؟‬
‫ثم تأتي األحكام واألوامر والنواهي ليختبر هللا سمعنا وطاعتنا‪ .‬‬
‫وقبل نهاية السورة جاء االمتحان ونزلت أصعب آية فيه ا اختب ار هللا ع ز وج ل‪ ،‬فف زع‬
‫الصحابة وجثوا على ركبهم أمام الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وقالوا‪ :‬أي رس ول هللا‪..‬‬
‫فرد عليهم قائال‪ :‬أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلنا س معنا وعص ينا‪ ..‬ب ل‬
‫قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا‪ ..‬فلما قالوها وأكثروا منها نزلت آية التخفيف "اليكلف‬
‫هللا ‪."..‬‬

‫ل ذلك‪ ،‬فم ا نس تفيده من ه ذه الس ورة ه و أنن ا معرض ون للعقوب ة في أي لحظ ة ألن‬
‫االستجابة هنا جاءت مشروطة بـ "س معنا وأطعن ا"‪ ..‬ال أن تك ون حياتن ا كله ا معاص ي‬
‫متعمدة في حق هللا‪ ..‬وها نحن نعيش البطال ة والعنوس ة وكاف ة مش اكل ال دنيا من الغالء‬
‫والفواحش وتفشي السرطان وكورونا التي لم يعرفها أسالفنا من قب ل‪ ،‬فض ال عن النك د‬
‫والهم والغم الذي يتملك الناس‪ ..‬‬

‫إذن فقد حمل علينا إصرا ألننا خالفنا مبدأ سورة البقرة "سمعنا وأطعنا" وال ذي يجب أن‬
‫يكون هو مبدأ حياتنا‪.‬‬

‫أما في قوله تعالى "ألم" فنحن ال نعرف معناها‪ ،‬بل نتلوها ألننا نث ق أن له ا مع نى عن د‬
‫هللا ع ز وج ل‪ ..‬تأم ل في ذل ك‪ ..‬أول كلم ة تتلوه ا في الس ورة تخت بر م دى س معك‬
‫وطاعتك‪ ..‬فالمعنى الذي ال تفهمه تقول فيه‪" :‬حكمة هللا عز وجل"‪  ‬ألن لديك ثقة في هللا‬
‫عز وجل وفي كتابه العزيز‪.‬‬

‫فه ذه أل ف والم وميم‪ ،‬وه ا أنتم اآلن تملك ون أض خم المعالج ات وأجه زة الحواس يب‪..‬‬
‫فاصنعوا قرآنا‪ ..‬وهذا هو التحدي الحقيقي‪.‬‬

‫وكأن الرسالة المضمنة هنا‪ :‬ثق في منهجك لدرجة أن تتحدى العالم به‪ ..‬ثق في اإلس الم‬
‫وفي منهج رسول هللا ألنه المنهج الوحيد القادر أن يصلح الناس‪.‬‬

‫واحرص على أن ال ُتهزم نفس ًّيا وأنت مع ك الق رآن أق وى س الح بين ي ديك فه و كت اب‬
‫هللا‪  ،‬ومن يريد الوصول إلى هللا عز وجل ومعرفته فهذا ه و الطري ق الوحي د واليوج د‬
‫طريق آخر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫هل تعرف إذن ما هي وظيفتك في الحياة؟‬
‫تتمثل وظيفتك في الحياة في فهم القرآن الكريم ألن ك لن تص ل بغ يره‪ ..‬الح ظ أيض ا أن‬
‫أول صفة للمؤمنين الذين يؤمن ون ب الغيب أنهم يعب دون ربهم‪ ،‬ألن العب ادة أهم وأخط ر‬
‫أم ر على اإلطالق‪ ،‬وت أتي في مرتب ة قب ل اإليم ان ب ل إن ك لن تص ل إلى اإليم ان إال‬
‫بالعبادة ولن يزداد اإليمان في القلب إال بزيادة عبادة الجوارح‪.‬‬

‫كذلك فإن السر في تغيير النفس البشرية يكمن في أن تكون مؤمنة عاب دة هلل‪ ،‬وأن يمتلئ‬
‫القلب باليقين واإليمان فال تبقى ذرة شك أو شبهة‪ ،‬واليقين يمكنك أن تثبته وتحصل عليه‬
‫بالتفكر قبل النوم في الصراط والحشر والميزان والوقوف بين يدي هللا عز وجل‪.‬‬

‫إذن العبادة ثم اإليمان ثم اليقين‪ ..‬والرسالة هنا تقول لنا‪ :‬أنه م ا دمت تس ير في الطري ق‬
‫الصحيح وفقا لهذا الترتيب فإن ك ستص ل حتم ا إلى اليقين المس تمر ال ذي أش ار هللا ع ز‬
‫وجل إليه بصيغة الفعل المضارع في قوله "يوقنون"‪ ‬‬

‫ولتصل إلى معرفة هللا عز وجل فإن ك تحت اج إلى ن ورين‪ :‬ن ور اإليم ان ون ور الق رآن‪،‬‬
‫تماما مثل أعمدة اإلضاءة على جانبي الطريق‪.‬‬

‫وفي قوله عز وجل‪" :‬كان الناس أمة واح دة" أي أن الجمي ع ك انوا كف ارا فج اء الق رآن‬
‫ليهدي الن اس إلى هللا ع ز وج ل‪ ،‬فمنهم من رفض ألن قلب ه م ريض‪ ،‬ومنهم من اهت دى‬
‫ألن قلبه مؤمن‪ ..‬لذا فإن القرآن لن ينفع ك إال إذا ك ان قلب ك ع امرا باإليم ان ولن تنتف ع‬
‫باإليمان إال إذا كان القرآن دليلك إلى هللا‪.‬‬

‫وفي قوله عز وجل "هم المفلحون" يقصد به أهل الدعوة والعبادة فق ط‪ ،‬ف أنت علي ك أن‬
‫تدعو إلى هللا فحس ب‪ ..‬ال دعوة في ح د ذاته ا تربي ة ل ك ليعل و مق ام هللا ع ز وج ل عن د‬
‫وليتأصل ما تقوله في نفسك أكثر‪.‬‬

‫أما الفريق الذين يخادعون هللا‪ ،‬فهم الذين ينادون بقولهم‪ :‬نريد اإلصالح‪ ..‬إصالح التعليم‬
‫وإصالح النظام السياسي واالقتصادي والمجتمع وتحرير المرأة ودعوته ا إلى االختالط‬
‫والخ روج‪ ..‬وه ذا ه و اإلفس اد بعين ه‪ ،‬ولكنهم ال يش عرون ألن ليس ل ديهم إحس اس وال‬
‫يعلمون ألن اإليمان هو العلم‪ ،‬وهم إذا خلوا إلى شياطينهم من شباب المق اهي والن وادي‬
‫اشتروا الضاللة فما ربحت تجارتهم وخسروا الدنيا قبل اآلخ رة وه ذا الج زاء من جنس‬
‫العمل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ب هَّللا ُ ِب ُن ِ‬
‫ور ِه ْم‬ ‫ت َم ا َح ْو َل ُه َذ َه َ‬ ‫وفي آية التشبيه " َم َثلُ ُه ْم َك َم َث ِل الَّذِي اسْ َت ْو َقدَ َنارً ا َف َلمَّا َأ َ‬
‫ضا َء ْ‬
‫ُون" دالل ة على التذب ذب فت ارة يس مع كالم هللا ويص دقه‬ ‫ْص ر َ‬ ‫ت اَّل ُيب ِ‬ ‫ظلُ َم ا ٍ‬ ‫َو َت َر َك ُه ْم فِي ُ‬
‫وتارة يجد الفتن فال يستطيع الصبر فهو ال يستطيع اتخاذ ق رار ب أي الط ريقين يس لكه‪..‬‬
‫فتارة في الظالم وقليل في النور‪ ،‬وهذا حال الكثيرين تجدهم في المساجد يقرأون القرآن‬
‫الكريم ويك ثرون من النواف ل ويخش عون في ال دروس ويبحث ون عن الص حبة الص الحة‬
‫ويدعو إلى هللا‪ ،‬ومع ذلك تجده يص اب ب الزيغ وش رود ال ذهن ويت أثر بفتن ال دنيا وه ذه‬
‫صفات األشخاص ال ذي يتم نى فه و ي دعي اإلرادة وال ي ترك الع ادة ويري د الجم ع بين‬
‫مقاصد الدارين حتى يتجاوز في الدنيا حد االحتياج إليها‪.‬‬

‫ولكن الم ؤمن الح ق الداعي ة إلى هللا ع ز وج ل يجب أن يك ون رجال ج ادا من أه ل‬
‫المجاهدة‪ ،‬ال يعبد هللا عز وجل من أجل الدنيا كإبليس ال ذي عب د هللا من أج ل أن يك ون‬
‫خليفة فلما أمره هللا عز وجل بالسجود لسيدنا آدم أبى‪.‬‬

‫فإذا وصلت إلى تالوة آيات بني إس رائيل‪ ،‬فإن ك تش عر باالختن اق والض يق من أفع الهم‬
‫وجرائمهم فالحمد هلل الذي أرانا عاقب ة المعص ية‪ ..‬فلق د رفعهم هللا إلى درج ة لم يرفعه ا‬
‫ألحد من العالمين فلما عصوه أذلهم‪ .‬‬

‫وفي قول ه تع الى‪" :‬ف أتمهن" إش ارة إلى نج اح س يدنا إب راهيم علي ه الس الم في ال دعوة‬
‫والجه اد واألخالق والمع امالت وحب هللا والخ وف والخش ية والرج اء والمش اعر‬
‫اإليماني ة‪ ،‬فلم ا أتم االس تقامة ج اءت اإلمام ة واالص طفاء‪ ،‬ومن هن ا ك انت االس تقامة‬
‫الطريق الوحيد إلى االصطفاء‪.‬‬
‫ثم تكون المقارنة بين سيدنا آدم عليه السالم حيث عصى ربه ثم اجتباه رب ه فت اب علي ه‬
‫وهدى وقصة بني إسرائيل الذين عصوا تمام المعصية وقصة سيدنا ابراهيم الذي أط اع‬
‫تمام الطاعة فأتمهن‪ ،‬فضرب هللا لنا ه ذه النم اذج وكأن ه يق ول لن ا أي من ه ذه النم اذج‬
‫الثالثة ستتبعون؟‬

‫فلو اتبعنا نموذج سيدنا إب راهيم علي ه الس الم "الس مع والطاع ة" فسنحص ل على الوع د‬
‫اإللهي المتمثل في ثالثة أمور‪ :‬‬
‫‪ .1‬أال يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا كسيدنا آدم‪.‬‬
‫‪ .2‬وأن ال يحمل علينا إصرا كما حمل ه على ب ني إس رائيل "يع ني ال توج د عقوب ات‬
‫تتنزل علينا"‬
‫‪ .3‬وأال يحمّلنا ما ال طاقة لنا به‪ .‬‬

‫إلى هنا تنتهي حلقتنا األولي والتي صاحبنا فيه ا آي ات كريم ة من س ورة البق رة ت دعونا‬
‫إلى قاعدة هامة‪ ،‬بل هي من أخط ر القواع د ال تي نط الب به ا كمس لمين يتمن ون‪  ‬بح ق‬
‫دخول الجنة أال وهي قاعدة "سمعنا وأطعنا" فلينظر كل منا أين هو من تنفيذها‪.‬‬

You might also like