Professional Documents
Culture Documents
بالتأكيد تتفق معي عزيزي المشاهد أن الرسول صلى هللا عليه وسلم ه و ق دوتنا في ك ل
صغيرة وكبيرة ،وبما أنه عليه الصالة والسالم كان قرآنا يمشي على األرض ،فلماذا ال
نقتدي به ونكون نحن قرآنا يمشي على األرض ،بل سورة أو آية من آياته؟!
والرسالة التي نرغب في توجيهها إلى أنفسنا هو سرعة تنفيذ أوامر هللا عز وج ل ،ولن ا
في سورة البقرة دليل واضح وبيّن:
إننا نرى اليوم عباقرة وملوك الرياضيات والبرمجة في الهند والياب ان وهم م ع عق ولهم
الفذة والفريدة يقتنعون بصحة عبادة البقرة وتحويلها إلى أكبر رمز شركي يعبد من دون
هللا عز وجل!
ولنتذكر كيف كان حب بني إسرائيل لعبادة العجل ،وكان الحل في تطهيرهم من ذلك هو
ذبحها رغم أنه كان في ذلك مشقة كبيرة عليهم.
لنقف قليال عند سورة البقرة ..إنها أخطر سورة في القرآن الكريم لماذا؟
لقد بدأت بأحكام الشريعة اإلسالمية ،ونبهتنا إلى أن أي إنس ان ي دخل في اإلس الم ينبغي
أن يوطن نفسه على كلمة سمعنا وأطعنا.
كيف إذن تصاحب سورة البقرة لتكون من الذين يحاجون عنهم يوم القيامة؟
ُور َة ِ
آل ْن ْال َب َق َر َة َوس َ الزهْ َر َاوي ِآن َفِإ َّن ُه َيْأتِي َي ْو َم ْال ِق َيا َم ِة َشفِيعًا َألصْ َح ِاب ِه ا ْق َرءُوا َّ ا ْق َرءُوا ْالقُرْ َ
ْأ
ان َأ ْو َكَأ َّن ُه َم ا ِفرْ َق ِ
ان ِمنْ ان َأ ْو َكَأ َّن ُه َما َغ َيا َي َت ِ
ان َي ْو َم ْال ِق َيا َم ِة َكَأ َّن ُه َما َغ َما َم َت ِ ان َفِإ َّن ُه َما َت ِت َي ِ
عِ مْ َر َ
ور َة ْال َب َق َر ِة َف ِإنَّ َأ ْخ َذ َها َب َر َك ٌة َو َترْ َك َه اص َح ِاب ِه َما ا ْق َرءُوا ُس َ ان َعنْ َأ ْ ص َوافَّ ُت َحاجَّ ِ َطي ٍْر َ
َحسْ َرةٌ َوال َتسْ َتطِ ي ُع َها ْال َب َط َل ُة
ما يلفت نظرنا في هذا الحديث الشريف قوله :تحاجان عن أص حابهما ،فلم يق ل قارئهم ا
وال حافظهما..
لذا فإذا أردت أن تكون صاحب السورة فلتأتمر بأمرها ..فإذا نهت ك عن أك ل الرب ا مثال
فلتقل سمعت وأطعت ،وهكذا السمع والطاعة لجمي ع األحك ام ال تي تتض منها الس ورتان
حتى تكون صاحبهما وتحاجان عنك يوم القيامة.
هيا بنا إذن في رحلة حول ترابط آيات سورة البقرة ومواضيعها
أفردت السورة في بدايتها 5آيات للمؤم نين وآي تين للكف ار و 13آي ة للمن افقين ،ثم بع د
ذلك كان الحديث عن المشركين حتى الوصول إلى قصة سيدنا آدم عليه السالم ثم قص ة
ب ني إس رائيل ثم قص ة إب راهيم علي ه الس الم ،ثم الج زء الخ اص باألحك ام واألوام ر
والنواهي والتكاليف التي أنزلها علينا بداية من قوله تعالى" :سيقول السفهاء".
ل ذلك ،فم ا نس تفيده من ه ذه الس ورة ه و أنن ا معرض ون للعقوب ة في أي لحظ ة ألن
االستجابة هنا جاءت مشروطة بـ "س معنا وأطعن ا" ..ال أن تك ون حياتن ا كله ا معاص ي
متعمدة في حق هللا ..وها نحن نعيش البطال ة والعنوس ة وكاف ة مش اكل ال دنيا من الغالء
والفواحش وتفشي السرطان وكورونا التي لم يعرفها أسالفنا من قب ل ،فض ال عن النك د
والهم والغم الذي يتملك الناس ..
إذن فقد حمل علينا إصرا ألننا خالفنا مبدأ سورة البقرة "سمعنا وأطعنا" وال ذي يجب أن
يكون هو مبدأ حياتنا.
أما في قوله تعالى "ألم" فنحن ال نعرف معناها ،بل نتلوها ألننا نث ق أن له ا مع نى عن د
هللا ع ز وج ل ..تأم ل في ذل ك ..أول كلم ة تتلوه ا في الس ورة تخت بر م دى س معك
وطاعتك ..فالمعنى الذي ال تفهمه تقول فيه" :حكمة هللا عز وجل" ألن لديك ثقة في هللا
عز وجل وفي كتابه العزيز.
فه ذه أل ف والم وميم ،وه ا أنتم اآلن تملك ون أض خم المعالج ات وأجه زة الحواس يب..
فاصنعوا قرآنا ..وهذا هو التحدي الحقيقي.
وكأن الرسالة المضمنة هنا :ثق في منهجك لدرجة أن تتحدى العالم به ..ثق في اإلس الم
وفي منهج رسول هللا ألنه المنهج الوحيد القادر أن يصلح الناس.
واحرص على أن ال ُتهزم نفس ًّيا وأنت مع ك الق رآن أق وى س الح بين ي ديك فه و كت اب
هللا ،ومن يريد الوصول إلى هللا عز وجل ومعرفته فهذا ه و الطري ق الوحي د واليوج د
طريق آخر.
هل تعرف إذن ما هي وظيفتك في الحياة؟
تتمثل وظيفتك في الحياة في فهم القرآن الكريم ألن ك لن تص ل بغ يره ..الح ظ أيض ا أن
أول صفة للمؤمنين الذين يؤمن ون ب الغيب أنهم يعب دون ربهم ،ألن العب ادة أهم وأخط ر
أم ر على اإلطالق ،وت أتي في مرتب ة قب ل اإليم ان ب ل إن ك لن تص ل إلى اإليم ان إال
بالعبادة ولن يزداد اإليمان في القلب إال بزيادة عبادة الجوارح.
كذلك فإن السر في تغيير النفس البشرية يكمن في أن تكون مؤمنة عاب دة هلل ،وأن يمتلئ
القلب باليقين واإليمان فال تبقى ذرة شك أو شبهة ،واليقين يمكنك أن تثبته وتحصل عليه
بالتفكر قبل النوم في الصراط والحشر والميزان والوقوف بين يدي هللا عز وجل.
إذن العبادة ثم اإليمان ثم اليقين ..والرسالة هنا تقول لنا :أنه م ا دمت تس ير في الطري ق
الصحيح وفقا لهذا الترتيب فإن ك ستص ل حتم ا إلى اليقين المس تمر ال ذي أش ار هللا ع ز
وجل إليه بصيغة الفعل المضارع في قوله "يوقنون"
ولتصل إلى معرفة هللا عز وجل فإن ك تحت اج إلى ن ورين :ن ور اإليم ان ون ور الق رآن،
تماما مثل أعمدة اإلضاءة على جانبي الطريق.
وفي قوله عز وجل" :كان الناس أمة واح دة" أي أن الجمي ع ك انوا كف ارا فج اء الق رآن
ليهدي الن اس إلى هللا ع ز وج ل ،فمنهم من رفض ألن قلب ه م ريض ،ومنهم من اهت دى
ألن قلبه مؤمن ..لذا فإن القرآن لن ينفع ك إال إذا ك ان قلب ك ع امرا باإليم ان ولن تنتف ع
باإليمان إال إذا كان القرآن دليلك إلى هللا.
وفي قوله عز وجل "هم المفلحون" يقصد به أهل الدعوة والعبادة فق ط ،ف أنت علي ك أن
تدعو إلى هللا فحس ب ..ال دعوة في ح د ذاته ا تربي ة ل ك ليعل و مق ام هللا ع ز وج ل عن د
وليتأصل ما تقوله في نفسك أكثر.
أما الفريق الذين يخادعون هللا ،فهم الذين ينادون بقولهم :نريد اإلصالح ..إصالح التعليم
وإصالح النظام السياسي واالقتصادي والمجتمع وتحرير المرأة ودعوته ا إلى االختالط
والخ روج ..وه ذا ه و اإلفس اد بعين ه ،ولكنهم ال يش عرون ألن ليس ل ديهم إحس اس وال
يعلمون ألن اإليمان هو العلم ،وهم إذا خلوا إلى شياطينهم من شباب المق اهي والن وادي
اشتروا الضاللة فما ربحت تجارتهم وخسروا الدنيا قبل اآلخ رة وه ذا الج زاء من جنس
العمل.
ب هَّللا ُ ِب ُن ِ
ور ِه ْم ت َم ا َح ْو َل ُه َذ َه َ وفي آية التشبيه " َم َثلُ ُه ْم َك َم َث ِل الَّذِي اسْ َت ْو َقدَ َنارً ا َف َلمَّا َأ َ
ضا َء ْ
ُون" دالل ة على التذب ذب فت ارة يس مع كالم هللا ويص دقه ْص ر َ ت اَّل ُيب ِ ظلُ َم ا ٍ َو َت َر َك ُه ْم فِي ُ
وتارة يجد الفتن فال يستطيع الصبر فهو ال يستطيع اتخاذ ق رار ب أي الط ريقين يس لكه..
فتارة في الظالم وقليل في النور ،وهذا حال الكثيرين تجدهم في المساجد يقرأون القرآن
الكريم ويك ثرون من النواف ل ويخش عون في ال دروس ويبحث ون عن الص حبة الص الحة
ويدعو إلى هللا ،ومع ذلك تجده يص اب ب الزيغ وش رود ال ذهن ويت أثر بفتن ال دنيا وه ذه
صفات األشخاص ال ذي يتم نى فه و ي دعي اإلرادة وال ي ترك الع ادة ويري د الجم ع بين
مقاصد الدارين حتى يتجاوز في الدنيا حد االحتياج إليها.
ولكن الم ؤمن الح ق الداعي ة إلى هللا ع ز وج ل يجب أن يك ون رجال ج ادا من أه ل
المجاهدة ،ال يعبد هللا عز وجل من أجل الدنيا كإبليس ال ذي عب د هللا من أج ل أن يك ون
خليفة فلما أمره هللا عز وجل بالسجود لسيدنا آدم أبى.
فإذا وصلت إلى تالوة آيات بني إس رائيل ،فإن ك تش عر باالختن اق والض يق من أفع الهم
وجرائمهم فالحمد هلل الذي أرانا عاقب ة المعص ية ..فلق د رفعهم هللا إلى درج ة لم يرفعه ا
ألحد من العالمين فلما عصوه أذلهم .
وفي قول ه تع الى" :ف أتمهن" إش ارة إلى نج اح س يدنا إب راهيم علي ه الس الم في ال دعوة
والجه اد واألخالق والمع امالت وحب هللا والخ وف والخش ية والرج اء والمش اعر
اإليماني ة ،فلم ا أتم االس تقامة ج اءت اإلمام ة واالص طفاء ،ومن هن ا ك انت االس تقامة
الطريق الوحيد إلى االصطفاء.
ثم تكون المقارنة بين سيدنا آدم عليه السالم حيث عصى ربه ثم اجتباه رب ه فت اب علي ه
وهدى وقصة بني إسرائيل الذين عصوا تمام المعصية وقصة سيدنا ابراهيم الذي أط اع
تمام الطاعة فأتمهن ،فضرب هللا لنا ه ذه النم اذج وكأن ه يق ول لن ا أي من ه ذه النم اذج
الثالثة ستتبعون؟
فلو اتبعنا نموذج سيدنا إب راهيم علي ه الس الم "الس مع والطاع ة" فسنحص ل على الوع د
اإللهي المتمثل في ثالثة أمور :
.1أال يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا كسيدنا آدم.
.2وأن ال يحمل علينا إصرا كما حمل ه على ب ني إس رائيل "يع ني ال توج د عقوب ات
تتنزل علينا"
.3وأال يحمّلنا ما ال طاقة لنا به .
إلى هنا تنتهي حلقتنا األولي والتي صاحبنا فيه ا آي ات كريم ة من س ورة البق رة ت دعونا
إلى قاعدة هامة ،بل هي من أخط ر القواع د ال تي نط الب به ا كمس لمين يتمن ون بح ق
دخول الجنة أال وهي قاعدة "سمعنا وأطعنا" فلينظر كل منا أين هو من تنفيذها.