You are on page 1of 23

‫الفهرس‬

‫ادلقدمة‪3 ............................................................................... :‬‬


‫قضية التزكية للمصلحني‪3 .............................................................. :‬‬
‫مركزية التزكية‪4 ......................................................................... :‬‬
‫اجلهة األوىل‪ :‬مركزيتها يف القرآن الكرمي‪4 ................................................. :‬‬
‫اجلهة الثانية‪ :‬ىو مركزية التزكية يف حياة النيب ﷺ‪7 ....................................... :‬‬
‫اجلهة الثالثة‪ :‬مركزية التزكية من جهة آاثرىا احلسنة‪21 .................................... :‬‬
‫اجلهة الرابعة واألخرية‪ :‬اآلاثر السيئة عند ختلف التزكية‪21 ................................ :‬‬
‫اخلادتة‪11 .............................................................................. :‬‬

‫ٕ‬
‫ادلقدمة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وعلى آلو وصحبو‬
‫على نبينا ؿبمد ٰ‬ ‫اللهم ٰ‬ ‫رب العاؼبُت ِّ‬
‫وصل ُ‬ ‫بسمميحرلا نمحرلا هللا ‪ ،‬اغبمد ﵁ ّ‬
‫حياكم هللا ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أصبعُت‪،‬‬
‫سلسلة جديدةٍ نسأل هللا سبحانو وتعا ٰذل أن تكون مباركةً وانفعةً‪ .‬وىي من السبلسل‬
‫ٍ‬ ‫ىذه بدايةُ‬
‫اؼبتعلقة ابإلنسان اؼبسلم يف طريقو اإلصبلحي‪ ،‬اإلنسان الذي يرجو أن يكون لو أثر طيب‪ ،‬ولو أثر‬
‫انفعا للناس‪.‬‬
‫حسن‪ ،‬وأن يكون ً‬
‫مثبل‬
‫ىذه السلسلة عن أمهية‪ ،‬ومركزية‪ ،‬وأتثَت التزكية يف طريق اؼبصلح‪ .‬اغبديث اليوم كثَت عن ً‬
‫كثَتا‬
‫اؼبهارات اليت حيتاجها الداعية‪ ،‬أو اؼبصلح‪ ،‬أو القائد‪ ،‬أو الرائد‪ ،‬أو ًأًي كان؛ تُق ّدم يف سياق أن ً‬
‫اؼبكون الذايت الداخلي اإلدياين‬
‫على ّ‬ ‫من الناس يركز على أمور مهارية حيتاجها اؼبصلح أكثر من الًتكيز ٰ‬
‫صلح ديتلك أدوات‬ ‫جدا؛ ألن زبريج ُم ٍ‬‫ابلنسبة لئلنسان اؼبصلح‪ ،‬وىذه القضية ؽبا أتثَتٌ خطَتٌ ً‬
‫جدا‪ ،‬فليس فقط يف أنو لن يكون‬ ‫وىم خطَت ً‬
‫إصبلحية خارجية وىو يتوىم أنو مؤىل لئلصبلح‪ ،‬ىذا ٌ‬
‫انفعا‪ ،‬بل قد تؤدي إذل نتائج سلبية وعكسية‪.‬‬
‫مؤثرا أو ً‬
‫ً‬
‫قضية التزكية للمصلحني‪:‬‬
‫وألجل ذلك ىذه السلسلة ‪-‬دبا أن ىذا السياق ىو سياق بنائي تعليمي يُرجى لو أثره يف اؼبستقبل‬
‫إبذن هللا تعاذل‪ -‬فسيكون الًتكيز ىنا على قضية التزكية للمصلحُت‪ .‬سأتناول فيها يف البداية مفاىيم‬
‫وإجيااب‬
‫أولية مرتبطة ابلتزكية من حيث مركزيتها يف اإلسبلم‪ ،‬ومركزيتها يف حياة النيب ﷺ‪ ،‬وأتثَتىا سلبًا ً‬
‫إذا ربققت أو إذا فقدت‪ ،‬وبعد ذلك إبذن هللا سأتكلم عن قضاًي ؿبددة تعًتض طريق الـ ُمصلح‪،‬‬
‫التفرق‪،‬‬
‫ويكون من أىم أسباب ذباوزىا ىو تفعيل التزكية فيها؛ اػببلفات اليت ربصل بُت العاملُت‪ُّ ،‬‬
‫تغَت العمل الدعوي أو‬ ‫اإلشكاالت‪ ،‬اكبراف البوصلة‪ ،‬تغيَت الوجهة إذل وجهات خاطئة‪ ،‬الفتور‪ُّ ،‬‬
‫اإلسبلمي من العمل الرسارل إذل العمل الشخصي اؼبصلحي‪ ،‬ىذه كلها عقبات تعًتض اإلنسان يف‬
‫طريقو‪ ،‬أليس كذلك؟ وألجل ذلك إن شاء هللا سنتناوؽبا واحدة واحدة‪ ،‬وسننظر كيف أن التزكية‬
‫ستكون مؤثرة ومعاعبة ؽبا إبذن هللا تعاذل‪.‬‬
‫ٖ‬
‫مركزية التزكية‪:‬‬
‫خمتصرا أوليِّا عن‪:‬‬
‫ً‬ ‫أما اليوم فسيكون احلديث‬
‫‪ ‬مركزية التزكية من أربع جهات‪:‬‬
‫اجلهة األوىل‪ :‬مركزيتها يف القرآن الكرمي ‪.‬‬
‫اجلهة الثانية‪ :‬مركزيتها يف حياة النيب ﷺ‪.‬‬
‫اجلهة الثالثة‪ :‬مركزيتها من جهة آاثرىا اغبسنة‪.‬‬
‫اجلهة الرابعة‪ :‬مركزيتها من جهة اآلاثر السيئة اؼبًتتبة على فقداهنا أو تركها‪.‬‬
‫إ ًذا ىذه أربع جهات ىي ستكون ؿبور حديث اليوم ‪.‬‬

‫اجلهة األوىل‪ :‬مركزيتها يف القرآن الكرمي‪:‬‬

‫شيء مهم‪ .‬أول كلمة قلتها‪ ،‬ما ىي؟ «مركزيتها»‪.‬‬ ‫لكن قبل أن أربدث اآلن دعوان نقف عند ٍ‬
‫جدا وىي‪ :‬أن تفقو وتعلم مركزًيت‬ ‫جدا‪ ،‬قصة خطَتة ً‬ ‫جدا‪ ،‬قصة مهمة ً‬ ‫«مركزيتها» ىذه قصة طويلة ً‬
‫الوحي‪ ،‬فالوحي كلو مق ّدس‪ ،‬كلو من عند هللا سبحانو وتعا ٰذل‪ ،‬كلو حق‪ ،‬لكن دل يُنزلو هللا إنز ًاال يكون‬
‫تعد ُل‬
‫َحد﴾ أهنا ُ‬ ‫على درجة واحدة من حيث األمهية واؼبركزية‪ .‬أدل يقل النيب ﷺ يف ﴿قُل ُىو هللاُ أ َ‬
‫ث القرآن؟ أدل يقل النيب ﷺ يف آية الكرسي أهنا أعظم آية يف القرآن؟ أدل يقل النيب ﷺ يف سورة‬ ‫ثـُلُ َ‬
‫الفاربة أهنا أعظم سورةٍ يف القرآن؟ ىذا ماذا يعٍت؟ يعٍت أنو ىناك تفاضل يف الوحي‪ ،‬ىناك تفاضل من‬
‫حيث األمهية ألنو يقول لك أعظم‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫إدراك التفاوت بُت مراتب الوحي ودرجاتو سواء يف األوامر‪ ..‬فاألوامر فيها تفاوت‪ ،‬ىناك أركان‬
‫اإلسبلم‪ ،‬ويوجد سنن ومستحبات‪ ،‬أليس كذلك؟ النواىي ىناك الشرك‪ ،‬السبع‪ ‎‬اؼبوبقات‪ ،‬وىناك‬
‫أكرب الكبائر‪ ،‬وىناك الكبائر‪ ،‬وىناك الصغائر‪ ،‬وىناك اللَّمم‪ ،‬وىناك اؼبكروىات‪ ،‬أليس كذلك؟ إ ًذا‬
‫جدا‪.‬‬
‫كبن نقول مركزية التزكية يف القرآن‪ .‬كلمة «مركزية» ىذه خطَتةٌ ً‬

‫ٗ‬
‫من ال َفقيوُ يف الدين ح ًقا؟ من الواعي؟ من ادلستقيم؟ من الذي يفقو عن هللا سبحانو وتعا ٰىل‬
‫خطابَو؟ ىو الذي يدرك اؼبركزًيت واألولوًيت وترتيبها مث يتعامل مع اإلسبلم يف ضوء أولوًيت‬
‫الشريعة‪ ،‬ما الدليل على أنو ىذا ىو الفقيو؟ الدليل ىو أن النيب ﷺ لَ َّما سأل أُيب بن كعب عن أعظم‬
‫آية يف كتاب هللا ‪-‬وىذا يف البخاري‪ ،-‬وىذه اؼبعلومة غَت موجودة مسب ًقا‪ ،‬كبن اآلن صغاران يعرفوهنا‬ ‫ٍ‬
‫آية من‬ ‫ألننا أخذانىا جاىزة‪ ،‬لكن ىذا السؤال عندما كان ألُيب بن كعب يفكر فيو‪ً" .‬ي أُيب أي ٍ‬
‫كتاب هللا معك أعظم؟" فأُيب أخذ يفكر! ووقف عند آية الكرسي‪ ،‬جذبو إليها اؼبعاين اؼبركزية‬
‫قائبل‪" :‬وهللاِ‬
‫﴿اَّللُ ال إِلوَ إال ُى َو اغبَ ُّي ال َقيّومُ﴾ فضرب النيب ﷺ يف صدره ً‬
‫اؼبوجودة فيها‪ ،‬فقال َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك العلم؟ ما ىو وجو العلم؟ ىل ىي اؼبعلومة؟ معلومة أن آية‬ ‫العلم أ ََاب اؼبنْذر"‪ .‬ؼباذا ليَهنِ َ‬
‫ُ‬ ‫ليَهنِ َ‬
‫ك‬
‫ٍ‬ ‫ٍُ‬
‫الكرسي أعظم آية؟ ألنو قال‪" :‬أي آية من كتاب هللا معك أعظم؟" ىنا أتيت اؼبراتب‪ ،‬فإدراكوُ أن‬
‫ِ‬
‫العلم"‪ .‬إذن العنوان دل يكن التزكية يف‬
‫ك ُ‬ ‫ىذه اآلية أعظم ىو الذي جعل النيب ﷺ يقول لو‪" :‬ليَهنِ َ‬
‫القرآن وإمنا كان «مركزية التزكية يف القرآن»‪ ،‬حىت يُدرك اإلنسان ما ىي قيمة وأمهية التزكية يف كتاب‬
‫هللا سبحانو وتعا ٰذل ‪.‬‬
‫‪ ‬بعض اآلايت اليت تبني قيمة التزكية‪:‬‬
‫لنأخذ بعض اآلًيت أو بعض اؼبواضع القرآنية اليت تبُت لنا قيمة التزكية‪ ،‬وأهنا قضية مركزية يف‬
‫فقيها يف دين هللا َفرتّب أولوًيتك‬
‫كتاب هللا سبحانو وتعا ٰذل‪ .‬ومرًة أخرى إذا أردت أن تكون ً‬
‫ومركزًيتك بناءً على مركزًيت القرآن وأولوًيتو‪ :‬مركزًيت الوحي‪ ،‬سنة النيب ﷺ‪ ،‬عمل النيب ﷺ‪،‬‬
‫سَتتو‪ ،‬إذل آخره ‪.‬‬
‫ضحاىا ۝ َوال َق َم ِر إذا تَبلىا ۝ َوالنَّها ِر‬ ‫﴿والش ِ‬
‫َّمس َو ُ‬ ‫ٔ) يف القرآن قال سبحانو وتعاذل‪َ :‬‬
‫ماء َوما بَناىا ۝ َواأل ِ‬
‫َرض‬ ‫الس ِ‬‫﴿و َّ‬ ‫ٍ‬ ‫إذا َج ّبلىا ۝ َواللَّ ِ‬
‫يل إذا يَغشاىا﴾ ىذه طبسةُ أقسام اآلن َ‬
‫جورىا َوتَقواىا‬
‫قسما اآلن‪﴿ ،‬فَأَؽبَ َمها فُ َ‬‫فس َوما َس ّواىا﴾ ىنا إحدى عشر ً‬‫َوما طَحاىا ۝ َونَ ٍ‬
‫قس َم عليها أي‬ ‫جدا‪ ،‬لن تُ ِ‬‫۝ قَد أَفلَ َح َمن َزّكاىا﴾‪ .‬أنت اآلن عندما أتيت وتؤكد قضية خطَتة ً‬
‫أبقسام ليست ىي‬ ‫ٍ‬ ‫أحياان تُعرب‬
‫فتجد نفسك ً‬ ‫جدا ُ‬ ‫مهتما ابؼبوضوع ً‬
‫قسم‪ ،‬صحيح؟ خاصةً إذا كنت ً‬
‫إين‬
‫أقسم آبًيت هللا‪ ،‬وهللا الذي ال إلو إال ىو ّ‬ ‫مثبل إذا كنت تقول‪« :‬وهللا» فستقول‪ُ « :‬‬ ‫اؼبعتادة‪ً ،‬‬
‫٘‬
‫طبعا ىو ليس هبذه الصورة‪ ،‬ولكن تكرار القسم‪ ،‬إحدى عشر قَ َس ًما‬ ‫صادق»‪ ،‬أنت ىنا تؤكد القسم‪ً ،‬‬
‫جدا‪،‬‬
‫كزي ً‬ ‫اب القسم عظيم ومهم ومر ٌ‬
‫يُقسم بو هللا سبحانو وتعاذل معٌت ذلك أنو ما سيأيت بعده جو ُ‬
‫﴿ونَ ٍ‬
‫فس َوما َس ّواىا﴾ فمن‬ ‫فانتبو! ما ىو جواب القسم؟ ﴿قَد أَفلَ َح َمن َزّكاىا﴾‪ ،‬ماذا تعٍت زّكاىا؟ َ‬
‫أبدا ‪-‬كإنسان تريد أن تفقو يف دين هللا سبحانو‬‫زكى نفسو‪ ،‬قد أفلح من زّكاىا! أنت اآلن ال ينبغي ً‬
‫أبدا أن تتعامل مع ملف التزكية ‪-‬بعد كل ىذا‪ -‬على أنو من الواجبات فقط! ال‬ ‫وتعاذل‪ -‬ال ينبغي ً‬
‫جدا‪.‬‬
‫ليس ىو من الواجبات فقط‪ ،‬بل ىو قضية مركزية ً‬
‫ٕ) آيةٌ أخرى‪ :‬هللا سبحانو وتعاذل جعل اعبنّة جزاءً للتزكية‪ ،‬يعٍت يذكر هللا سبحانو وتعاذل اعبنّة‬
‫ؤمنا قَد ع ِمل الص ِ‬
‫اغب ِ‬
‫ات فَأُولئِ َ‬
‫ك َؽبُُم‬ ‫َ َ ّ‬ ‫﴿وَمن ََيتِِو ُم ِ ً‬
‫أمورا‪ ،‬مث يقول‪ ...‬من يذ ُكر اآلية؟ َ‬
‫ويذكر فيها ً‬
‫ك َجزاءُ َمن تَـ َزّكى﴾‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫دين فيها َوذل َ‬
‫َهنار خال َ‬
‫ات عَدن َذبري من َربت َها األ ُ‬‫جات العُلى ۝ َجنّ ُ‬ ‫َّر ُ‬ ‫الد َ‬
‫ىذا النعيم كلو ىو جزاءٌ ُػبِّص يف ٍ‬
‫عمل وىو «تَـَزّكى»‪.‬‬
‫عمل تزَكوي معُت ىو‬ ‫أحياان أتيت اعبنةُ ىي جزاءٌ ؼبن‪ ..‬لكن ال َييت لفظ التزكية‪ ،‬وإمنا َييت ٌ‬ ‫ٖ) و ً‬
‫﴿وأ َّما َم ن‬
‫فمثبل يف سورة النازعات‪َ :‬‬ ‫من صميم عمل التزكية‪ ،‬حىت إنك ال تتخيل التزكية بدونو‪ً ،‬‬
‫َّفس عَ ِن اؽبَوى﴾ ىذا اختصار التزكية؛ ألنو عندما نقول اؽبوى‪ ،‬ما ىو‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫ه‬ ‫ـ‬
‫َ‬ ‫ن‬‫و‬ ‫خاف مقام ربِ ِ‬
‫و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫َّفس عَ ِن‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫ن‬‫و‬ ‫خاف مقام ربِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫﴿وأ َّما َمن َ َ َ َ ّ َ‬
‫و‬ ‫ىوى‪َ ،‬‬‫ات‪ ،‬كلو ً‬ ‫اؽبوى؟ ىو الكربُ‪ ،‬والغرور‪ ،‬والشهو ُ‬
‫اؽبَوى ۝ فَإِ َّن اعبَنَّةَ ِى َي اؼبأوى﴾‪ .‬إذن قضية التزكية يف كتاب هللا سبحانو وتعاذل ىي قضية مركزية‪.‬‬
‫َ‬
‫أحياان تعرفها ابلنص‪ ،‬مثل‬ ‫أصبل؟ ً‬ ‫وىذه فقط أمثلةٌ سريعة‪ .‬ىنا سؤ ٌال مهم‪ :‬كيف تعرف اؼبركزًيت ً‬
‫آية من كتاب هللا معك أعظم"‪ ،‬ىذا واضح اآلن ىذا نص يدل على أن ىذه مركزية‪ ،‬أو‬ ‫"أي ٍ‬
‫أحياان ليس بنص معُت تعرف منو أن ىذا األمر ىو من األمور‬ ‫ً‬ ‫"تَـ ْع ِدل ثـُلُث ال ُقرآن" ىذا نص‪.‬‬
‫كثَتا تعرف أن ىذه القضية‬ ‫فلما يكرر يف كتاب هللا ً‬
‫أحياان من كثرة تكراره‪ّ ،‬‬
‫األولوية يف القرآن‪ ،‬وإمنا ً‬
‫مركزية‪ ،‬وإال فلماذا تُكرر؟‬

‫‪ٙ‬‬
‫‪ ‬كيف نعرف مركزية التزكية يف القرآن؟‬
‫فأنت اآلن تعرف مركزية التزكية يف القرآن من جهتُت‪ ،‬كيف نعرف مركزية التزكية يف القرآن؟ ميكننا‬
‫ذلك من جهتني‪:‬‬
‫‪ )2‬اجلهة األوىل‪ :‬من النصوص اؼبؤّكِدة ؼبركزية التزكية وأمهيتها‪ ،‬مثل القسم الذي يف سورة‬
‫ُ‬
‫الشمس ‪.‬‬
‫‪ )1‬واجلهة الثانية‪ :‬من كثرة تكرار قضية التزكية يف كتاب هللا سبحانو وتعا ٰذل‪ ،‬حىت أنك ذبد ىذا‬
‫يف أغلب سور القرآن‪ ،‬أغلب سور القرآن ذبد فيها قضية التزكية؛ ألن التزكية ىي زبليةٌ وربليةٌ‪.‬‬
‫‪ -‬القسم األول‪« :‬زبلية»؛ التَّخلِي عن الشوائب اليت تلحق ابلنفس‪ ،‬واألىواء واألمراض اليت‬
‫طبعا‬
‫تعصف ابلقلب من الكرب‪ ،‬والغرور‪ ،‬والرًيء‪ ،‬والنفاق‪ ،‬والشك‪ ،‬واغبسد‪ ،‬إذل آخره‪ ،‬ىذه التخلية‪ً ،‬‬
‫ومن آاثرىا السلوكية‪.‬‬
‫‪ -‬والقسم الثاين‪« :‬التحليةٌ»؛ وىو النماء والزًيدة‪ ،‬اليت ىي تنمية القلب ابػبشيَة‪ ،‬وا﵀بة‪،‬‬
‫واإلانبة‪ ،‬واػبضوع‪ ،‬وما إذل ذلك‪ .‬ىذه كلها تزكية‪.‬‬
‫إذن كم نصيب ىذه يف كتاب هللا سبحانو وتعاذل؟ ما شئت‪ .‬إذن كيف نعرف مركزية التزكية يف‬
‫القرآن الكرمي؟ نعرفها يف القرآن الكرمي من جهتُت‪ :‬اعبهة األوذل من اآلًيت اليت أكدت مركزيتها‪،‬‬
‫واعبهة الثانية من جهة تكرار ىذا اؼبعٌت يف كتاب هللا سبحانو وتعاذل‪.‬‬
‫ىذا اآلن ا﵀ور األول يف مركزية التزكية بشكل عام‪.‬‬

‫اجلهة الثانية‪ :‬ىو مركزية التزكية يف حياة النيب ﷺ‪:‬‬

‫‪ ‬أمثلة تُبني مركزية التزكية يف حياة النيب ﷺ‪:‬‬


‫إذن مرًة اثنيةً «مركزية التزكية»‪ .‬أان تكفيٍت آيةٌ واحدةٌ متعلقة ابلنيب ﷺ تُبُت لك مركزية التزكية يف‬
‫حياة النيب ﷺ‪ ،‬لكننا ننذكر أمثلةً متعدد ًة‪.‬‬
‫‪ -‬هللا سبحانو وتعا ٰذل اختصر حياة النيب ﷺ‪ ،‬اختصر وظائف النيب ﷺ اليت عملها يف ِ‬
‫حياتو‬
‫نُت إِذ بـَعَ َ‬
‫ث في ِهم َر ً‬
‫سوال‬ ‫ِ‬
‫اَّللُ عَلَى اؼبُؤم َ‬
‫الشريفة يف ثبلثة عناوين‪ ،‬فقال سبحانو وتعا ٰذل‪﴿ :‬لَ َقد َم َّن َّ‬
‫‪ٚ‬‬
‫ض ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بلل‬ ‫كمةَ َوإِن كانوا من قَبلُ لَفي َ‬ ‫من أَن ُفس ِهم يَتلو عَلَي ِهم آًيتو َويـَُزّكي ِهم َويـُعَلّ ُم ُه ُم الك َ‬
‫تاب َواغب َ‬
‫ُت﴾ أنت قد تنظر من جوانب أخرى يف حياة النيب ﷺ فتتناول جهات أخرى‪ ،‬لكن الفكرة ىنا‬ ‫ُمب ٍ‬
‫الكربى اليت يدخل داخلها‬
‫ٰ‬ ‫الكربى اليت حرص النيب ﷺ على أدائها‪ ،‬وىذه العناوين‬ ‫ٰ‬ ‫أن ىذه العناوين‬
‫جدا‪.‬‬
‫أعمال جزئيةٌ كثَتةٌ ً‬
‫اىيم ال َقواعِ َد ِم َن‬ ‫ِ‬
‫﴿وإذ يَرفَ ُع إبر ُ‬
‫‪ -‬ومعٌت ىذه اآلية مكرر يف كتاب هللا وذلك يف دعوة إبراىيم‪ِ :‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ك َوِمن‬ ‫ُت لَ َ‬‫ميع العَليم ۝ ربَّنا واجعَلنا ُمسلِم ِ‬ ‫الس ُ‬ ‫ك أنت َّ‬ ‫ظباعيل َربَّنا تَـ َقبَّل ِمنّا إِنَّ َ‬ ‫ِ‬
‫يت وإِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫البَ َ‬
‫ك وأَ ِران م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيم ۝ َربَّنا َوابعَث في ِهم‬ ‫الر ُ‬ ‫اب َّ‬ ‫َّو ُ‬
‫ك أنت التـ ّ‬ ‫ناس َكنا َوتُب عَلَينا إِنَّ َ‬ ‫ذُ ِّريَّتنا أ َُّمةً ُمسل َمةً لَ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كيم﴾ ويف‬ ‫ك أنت العَز ُيز اغبَ ُ‬ ‫كمةَ َويـَُزّكي ِهم إِنَّ َ‬
‫تاب َواغب َ‬ ‫نهم يَتلو عَلَي ِهم آًيتِ َ‬
‫ك َويـُعَلّ ُم ُه ُم الك َ‬
‫ر ً ِ‬
‫سوال م ُ‬ ‫َ‬
‫تاب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سورة البقرة أيضا‪َ ﴿ :‬كما أَرسلنا في ُكم ر ً ِ‬
‫سوال من ُكم يَتلو عَلَي ُكم آًيتنا َويـَُزّكي ُكم َويـُعَلّ ُم ُك ُم الك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫رون﴾‪.‬‬ ‫واغبِكمةَ ويـعلِّم ُكم ما َدل تَكونوا تَعلَمو َن ۝ فَاذ ُكروين أَذ ُكرُكم واش ُكروا رل وال تَك ُف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََُ ُ‬
‫دليبل آخر ليبُت مركزية التزكية يف حياة النيب ﷺ؛ ألن هللا سبحانو وتعاذل‬
‫أظن ال حيتاج اإلنسان ً‬
‫سياق إصبلحي‪ ،‬وال‬‫سياق إسبلمي‪ ،‬وال أي ٍ‬ ‫يقول لك أنو أُرسل ليزكِي‪ ،‬فبل جيوز بعد ذلك يف أي ٍ‬
‫ُ‬
‫غَته أن تكون التزكية على اؽبامش‪ ،‬ال ديكن أن يكون أي سياق جيعل التزكية على اؽبامش ال ديكن‬
‫ِ‬
‫يضخم الكثَت‬
‫أبدا! من اؼبستحيل! أي سياق ّ‬ ‫سياق يقتدي ابلنيب ﷺ‪ً ،‬‬‫أن يوصف ىذا السياق أبنو ٌ‬
‫من األمور اإلجرائية واؼبهارية وما إذل ذلك ويقلل من قيمة التزكية فهذه قضية فيها ـبالفة ؼبركزًيت‬
‫النيب ﷺ‪.‬‬
‫أيضا‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫وتكرر اؼبعٌت ً‬
‫أيضا أبدلة أخرى‪ .‬قبل وفاة النيب ﷺ أبًيم ‪-‬وىذا حديث صحيح ّ‬‫‪ -‬أنيت ً‬
‫قال النيب ﷺ ألصحابو‪" :‬إين ال أخاف عليكم أن تشركوا بعدي‪ ،‬ولكن أخاف أن تُفتح عليكم‬
‫الدنيا كما فُتحت على الذين من قبلكم فتنافسوىا كما تنافسوىا فتهلككم كما أىلكتهم" ‪-‬أو‬
‫كما قال النيب ﷺ‪ .-‬ىناك أكثر من حديث هبذا اؼبعٌت‪.‬‬

‫‪ٛ‬‬
‫‪ -‬وكان النيب ﷺ ينبوُ أصحابو يف السياقات اليت ال تتخيل أنت أنو من اؼبمكن أن يكون فيها‬
‫احتياج للتنبيو على أمهية التزكية‪ ،‬فينبو فيها النيب ﷺ‪ .‬زبيلوا ‪ً-‬ي صباعة‪ -‬ما أقصى نص ٍر كان يف ابل‬
‫ٌ‬
‫الصحابة حينما كان النيب ﷺ بينهم؟ أو لن ُقل بعد النيب ﷺ‪ ،‬ما أكرب نص ٍر لو حققوه يكون قد‬
‫كسرى وقيصر‪،‬‬
‫ٰ‬ ‫ربقق؟ بعد وفاة النيب ﷺ ما ىو النصر العظيم الذي كان من اؼبمكن أن يتحقق؟ فتح‬
‫كسرى وقيصر؛ يعٍت جاء اإلسبلم فأشرقت مشسو‬ ‫ٰ‬ ‫صحيح؟ يعٍت إسقاط اإلمرباطوريتُت‪ ،‬وفتح كنوز‬
‫اجا‪ ،‬صحيح؟ ىذه‬ ‫على أعظم القوى اؼبوجودة يف األرض وأُزحيت‪ ،‬ودخل الناس يف دين هللا أفو ً‬
‫فتح من هللا سبحانو وتعاذل َييت لصحابة‬‫اللحظة عندما تتحقق ابعبهاد يف سبيل هللا‪ ،‬ىذا يعٍت أنو ٌ‬
‫النيب ﷺ عن طريق ٍ‬
‫جهاد يف سبيل هللا‪ ،‬ىذه اللحظة لن خيطُر يف ابلك أهنا غبظةٌ ربتاج إذل ٍ‬
‫تنبيو إذل‬
‫الكربى‪..‬‬
‫ٰ‬ ‫أمهية التزكية يف تلك اللحظة؛ غبظة نصر‪ ،‬وسبكُت‪ ،‬وربقيق إقباز عظيم‪ ،‬وقطف الثمرة‬
‫كسرى وقيصر! يف صحيح مسلم يقول النيب ﷺ للصحابة‪" :‬إذا فُتِحت عليكم فارس والروم‪ ،‬أي‬ ‫ٰ‬
‫ضبن بن عوف رضي هللا تعاذل عنو‪ :‬نقول كما قال هللا سبحانو وتعاذل‪ .‬فقال‬ ‫ٍ‬
‫قوم أنتم؟" قال عبد الر ٰ‬
‫النيب ﷺ‪" :‬أو غَت ذلك؟ تتنافسون‪ ،‬مث تتحاسدون‪ ،‬مث تتدابرون"‪ .‬ىنا الحظ كيف النيب ﷺ ينبّو‬
‫الصحابة على قضية التزكية يف أعلى مراحل النصر والتمكُت‪.‬‬
‫غبش‪ ،‬وال يوجد فيو إشكاالت‪ ،‬القصد أنو‬ ‫ٍ ٍ‬
‫طبعا يف سياق جهاد صاف ال يوجد بو ٌ‬ ‫الحظوا أهنم ً‬
‫ٍ‬
‫مرحلة مبكرةٍ‪ ،‬كبن‬ ‫صافية يف الفتح والتمكُت لئلسبلم ومع صحابة رسول هللا ويف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صادقة‬ ‫ضمن ٍ‬
‫نية‬
‫تغَت األحوال‪ .‬فبلحظوا مركزية وأمهية التنبيو‬
‫نتكلم عن زمن عمر بن اػبطاب هنع هللا يضر‪ ،‬ال نتكلم عن بعد ّ‬
‫إذل ىذا اؼبعٌت يف مثل ذلك السياق‪ ،‬فما ابلكم دبا دونو من السياقات !‬
‫ٍ‬
‫بشكل خاص‪ -‬أبنو تُغيَّا‬ ‫لذلك من اػبطأ الكبَت اؼبوجود يف كث ٍَت من التصورات ‪-‬اإلسبلمية‬
‫ادلشاريع‪ :‬أي ُذبعل ؽبا غاًيت‪ ،‬بتحقيق نص ٍر مع ٍ‬
‫ُت؛ أنو إذا ربقق ىذا اإلقباز بلغنا الغاية‪ ،‬بينما يف‬
‫الكربى ليست إال مرحلةً من‬
‫ٰ‬ ‫سباما أن مرحلة الوصول إذل الثمرات‬
‫اإلسبلم يف الوحي ذبد من الواضح ً‬
‫اؼبراحل فقط‪ ،‬ليست ىي الغاًيت‪.‬‬

‫‪ٜ‬‬
‫َرض ََِّّللِ يوِرثُها َمن يَشاءُ ِمن‬
‫لذلك ذبد أن موسى عليو السبلم قال لقومو ؼبا قال‪﴿ :‬إِ َّن األ َ‬
‫عد ما ِجئتَنا َ‬
‫قال عَسى َربُّ ُك م أن‬ ‫بل أن َأتتِينا وِمن ب ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َّقُت ۝ قالوا أوذينا ِمن قَ ِ‬ ‫لمت َ‬
‫ِ ِِ ِ ِ‬
‫عباده َوالعاقبَةُ ل ُ‬
‫عملو َن﴾ ىنا يبدأ‬ ‫يف تَ َ‬
‫رض﴾ ال توجد نقطة ىنا‪﴿ ،‬فَـيَنظَُر َك َ‬ ‫ك َع ُد َّوُكم َويَستَخلِ َف ُكم ِيف األَ ِ‬ ‫ِ‬
‫يُهل َ‬
‫االمتحان‪.‬‬
‫وىنا نفس الشيء‪" :‬إذا فتحت عليكم فارس الروم‪ ،‬أي ٍ‬
‫قوم أنتم؟"‪ ،‬وقبل وفاتو أبًيم‪" :‬إين ال‬
‫صل وسلم على رسول‬ ‫أخاف أن تُفتح عليكم الدنيا"‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫ُ‬ ‫أخاف عليكم أن تُش ِركوا بعدي وإمنا‬
‫ُ‬
‫هللا‪.‬‬
‫ؾبتمعا‬
‫رجاال‪ ،‬وصنع ً‬ ‫ىذا الكبلم كلو ربت عنوان «مركزية التزكية يف حياة النيب ﷺ»‪ ،‬وأنو صنع ً‬
‫مرًِّّب من الرجال والنساء‪ ،‬صنعهم على ٍ‬
‫قضية تتمحور حول الغاية اليت ُخلقوا ألجلها‪ ،‬والسبيل النبوي‬
‫الذي يوصل إذل ربقيق ىذه الغاية‪ ،‬وىذه ىي التزكية يف األخَت‪.‬‬
‫أيضا من األشياء اليت تبُت مركزية التزكية يف حياة النيب ﷺ‪ :‬أنو على اؼبستوى الًتبوي العملي‪،‬‬ ‫‪ً -‬‬
‫وحيرص عليها‪ ،‬ولذلك اغبديث اؼبشهور‬ ‫ُ‬ ‫وعلى مستوى التعامل مع الشباب كان يبدأ بقضية التزكية‬
‫غلماان حزاورةً عند النيب ﷺ فتعلمنا اإلديان قبل أن‬
‫ً‬ ‫حديث ُجْن ُدب رضي هللا تعاذل عنو قال‪" :‬كنَّا‬
‫إدياان"‪ ،‬وىذا اؼبفروض يُعيد ترتيب األولوًيت ابلنسبة‬‫نتعلم القرآن‪ ،‬مث تعلمنا القرآن فازددان بو ً‬
‫ألصحاب الربامج الًتبوية اليت مع األوالد واعبيل الصاعد وما إذل آخره‪« .‬تعلمنا اإلديان» أي أن ىذا‬
‫القلب الذي يتلقى القرآن‪ ،‬والقرآن ليس أن ربفظو فقط‪ ،‬بل ىو طبيعة القلب الذي يتلقى القرآن‪،‬‬
‫ديلؤىا إبذن هللا تعاذل ابليقُت‪ ،‬واػبشية‪ ،‬واإلانبة‪،‬‬
‫يفتح للقرآن القلوب‪ ،‬ويُهذهبا‪ ،‬و ُ‬‫فكان النيب ﷺ ُ‬
‫فتكون صاغبةً لتلقي القرآن وال شك أنو يف األصل من وسائل تطويعها ىو القرآن الكرمي ‪.‬‬
‫إ ًذا أىم قضية يف مركزية التزكية يف حياة النيب ﷺ ىي‪ :‬أن هللا وصف وظائف النيب ﷺ‪ ،‬ومن‬
‫أمهها «يُزّكِي»‪ ،‬ىذا أىم شيء‪ ،‬مث اؼبمارسة العملية للنيب ﷺ‪.‬‬
‫‪ -‬ىناك نقطةٌ أخرى مركزية يف أمهية التزكية عند النيب ﷺ وىي‪ :‬أن النيب ﷺ إذا قَسمت اؼبراحل‬
‫ٍ‬
‫ومرحلة مدنيّة‪ ،‬اؼبرحلةُ اؼبكيّة أطول من اؼبرحلة اؼبدنيّة ثبلثة‬ ‫ٍ‬
‫مرحلة مكيّة‬ ‫األساسية يف حياتو النبوية‪:‬‬

‫ٓٔ‬
‫عاما‪ ،‬أليس كذلك؟ يف مقابل عشر سنوات يف اؼبدينة‪ .‬اؼبرحلة اؼبكية لو أردت اختصارىا‪ ،‬وىي‬‫عشر ً‬
‫اؼبرحلة األكرب واألكثر واألطول يف حياة النيب ﷺ‪ ،‬لو أردت أن زبتصر ىذه اؼبرحلة‪ ،‬فتقول ما الذي‬
‫شيء من انحية األحداث وكثرهتا أيها أكثر يف اؼبدينة أو يف مكة؟ يف‬ ‫عملو النيب ﷺ فيها؟ أول ٍ‬
‫ُحد‪ ،‬وكل الغزوات‪ ،‬واألذى‪ ،‬واؼبنافقُت‪ ،‬أغلب األحداث اليت يف‬ ‫بدر وأ ُ‬
‫اؼبدينة‪ ،‬ال توجد مقارنة‪ٌ ،‬‬
‫السَتة يف اؼبدينة يف العشر سنوات‪ ،‬حىت إنك تقول ما ىذه العشر سنوات العجيبة العظيمة اؼبباركة‪،‬‬
‫عشر لكن بقيت اؼبرحلة األطول‪ ،‬ما الذي‬ ‫وكأهنا قر ٌن من اإلقبازات واألعمال وإذل آخره‪ .‬ىذه كانت ٌ‬
‫كان فيها من أحداث؟ ما كان فيها جهاد‪ ،‬يعٍت عندما تعود للسَتة اؼبكيّة ال ذبد أحدا ًاث كاألحداث‬
‫مثبل ذىب للطائف ﷺ‪ ،‬مث رجع والصحابة ذىبوا للحبشة‪ .‬إذن ما العمل الذي كان‬ ‫اليت فيها أنو ً‬
‫عمل كان أيخذ وقت النيب ﷺ وجهده يف تلك األعوام مها أمران‪:‬‬ ‫يعملو النيب ﷺ؟ أىم وأكثر ٍ‬
‫‪ -‬األمر األول‪ :‬تزكية أصحابو‪ ،‬وتربية ىؤالء الثُـلّ ِة اليت لديو على أعز اؼبعاين وأعظمها‪ ،‬وتربيتهم‬
‫عليها عمليًا‪ .‬وعندما تنظر يف التاريخ بعد النيب ﷺ فإن اػبلفاء الراشدين من تلك اؼبرحلة‪ ،‬وأكثر من‬
‫دور ىم من السابقُت ‪-‬حىت من السابقُت اؼبدنيُت‪ .-‬ىذا الشيء األول الذي عملو النيب‬ ‫برز وكان لو ٌ‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫‪ -‬ما ىو عملوُ الثاين يف اؼبرحلة اؼبكيّة؟ األمر األول التزكية والًتبيّة العملية للصحابة‪ ،‬الثاين‪:‬‬
‫تقسم حياة النيب ﷺ‪ ،‬القسم األكرب من‬ ‫وؿباجتهم‪ ،‬وؾبادلتهم‪ .‬عندما ّ‬ ‫َّ‬ ‫خطاب اؼبشركُت‪ ،‬ودعوهتم‪،‬‬
‫أبدا! بل دل يكن‬
‫حياتو كان يف التزكية العملية ويف الًتبية العملية لصحابتو‪ .‬وىذا ليس شيئًا ىامشيًا ً‬
‫ليكون ما كان لوال تلك الًتبية‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫ولذلك أنت اليوم يف واقع مشتبك اشتبا ًكا إذل أبعد مدى‪ ،‬فيو مؤثرات فكرية وثقافية سلبية إذل‬
‫مدى‪،‬‬‫ظلم وتسلّط وإذل آخره إذل أبعد ً‬
‫أبعد مدى‪ ،‬مؤثرات اجتماعية خاطئة‪ ،‬وفكرية إذل آخره‪ ،‬وفيو ٌ‬
‫جدا‪ .‬وإن أردت أن ترجع غبياة النيب ﷺ فإن واحدة من أىم اؼبعادل اليت ديكن أن‬ ‫وفيو أشياءٌ كثَتةٌ ً‬
‫تُقتبس من حياة النيب ﷺ ىو اؼبعٌت الذي صنعو النيب ﷺ يف مثل تلك األحوال وىو تربية وزبريج‬
‫أانس على مستوى ٍ‬
‫عال من اإلديان‪ ،‬واليقُت‪ ،‬والصرب‪ ،‬والثبات‪ ،‬والعمل وما إذل ذلك‪.‬‬ ‫ً‬

‫ٔٔ‬
‫طبعا أىم شيء َّأال يكون مفهوم التزكية أنو َيخذ زاويةً ومعو ُسبحةٌ طويلةٌ‪ ،‬ويُسبّح هبا كم ألف‬
‫تسبيحة‪ ،‬وتصبح ىذه التزكية! ليست ىذه ىي التزكية‪ ،‬التزكية أحد أىم معاؼبها قوة اليقُت‪ ،‬والصرب‬ ‫ٍ‬
‫والثبات على اغبق‪ ،‬والصرب على األذى‪ ،‬وعدم اػبشية؛ أي أال خياف يف هللا لومةَ الئم‪ ،‬ىذه من أىم‬
‫وتقوقعا‪ ،‬بل التزكية ابلعكس‪ ،‬وسيأيت أن شاء هللا بعض األمور‬
‫ً‬ ‫آاثر التزكية‪ .‬فالتزكية ليست انعز ًاال‬
‫عموما ىذا ا﵀ور الثاين وىو «مركزية التزكية يف حياة النيب ﷺ»‪.‬‬‫عنها‪ً .‬‬
‫اجلهة الثالثة‪ :‬مركزية التزكية من جهة آاثرىا احلسنة‪:‬‬

‫طبعا سنعود ىنا للسؤال الذي طرحناه من قبل‪:‬‬


‫ً‬
‫‪ ‬كيف ميكننا معرفة أن القضية مركزية؟‬
‫كبن قلنا واحد من الوسائل ماذا؟‬
‫ٔ) أن َييت النص على أن ىذه القضية مركزية‪.‬‬
‫ٕ) كثرة تكراره‪.‬‬
‫أثرا حسنًا تقول ىذا من ماذا؟ أنو من‬ ‫ٖ) كثرة متعلقاتو وآاثره اغبسنة‪ ،‬عندما تدرك أن كل ما ترى ً‬
‫التزكية‪ ،‬إذن ىذه القضية مركزية‪.‬‬
‫ٗ) كيف تدرك مركزية األمر يف الوحي أو يف الشريعة؟ من كثرة اآلاثر السيئة اؼبًتتبة على تركو‪.‬‬
‫وىذه األمور األربعة ىي يف جواب مركزية التزكية يف ىذا اللقاء‪.‬‬
‫‪ ‬اآلاثر احلسنة للتزكية‪:‬‬
‫جدا‪ ،‬غَت ما ذكر ساب ًقا‪ .‬دبا‬
‫مثل ما قلنا‪ ،‬حُت تستعرض اآلاثر تعرف أن اؼبوضوع مركزي حقيقي ً‬
‫أن السياق ـبتصر‪ ،‬فبل ديكن االستقصاء؛ ألن اآلاثر ربتاج إذل ؿباضرة وال تكفي‪ ،‬فنحن نتكلم عن‬
‫اآلاثر الذاتية‪ ،‬واآلاثر االجتماعية‪ ،‬واالجتماعية دوائر؛ فتوجد الدائرة األسرية‪ ،‬ودائرة األصدقاء‪ ،‬ودائرة‬
‫جدا عليها‪ ،‬وتوجد‬ ‫ا﵀يط االجتماعي القريب؛ اعبَتان وما إذل ذلك‪ .‬كل ىذه التزكية ؽبا آاثر كبَتة ً‬
‫من الناحية اإلصبلحية‪ ،‬أثر التزكية اغبسن على اإلنسان من الناحية اإلصبلحية‪ .‬أنخذ سر ًيعا من‬
‫جدا‪.‬‬
‫الناحية الذاتية واإلصبلحية‪ ،‬واآلاثر كثَتة ً‬
‫ٕٔ‬
‫‪ )2‬من الناحية الذاتية والنفسية‪:‬‬
‫الصرب على ادلصائب‪ :‬من أكثر األدعية اليت تدعى يف رمضان يف الوتر "اللهم اقسم لنا من‬
‫خشيتك ما حيول بيننا وبُت معصيتك‪ ،‬ومن طاعتك ما تبلغنا بو جنتك‪ ،‬ومن اليقُت ما ُهت ِّون بو علينا‬
‫وإال فكيف اإلنسان يصرب؟ من أعظم آاثر التزكية الذاتية أن تـُ َه ِّون على اإلنسان‬ ‫مصائب الدنيا"‪َّ ،‬‬
‫جدا أن حيقق اإلنسان أمر‬ ‫مصائب الدنيا‪ .‬ليس فقط أن هتون‪ ،‬بل لك أن تقول التارل‪ :‬من الصعب ً‬
‫هللا ابلصرب عند اؼبصائب إذا دل يكن عنده تزكية‪.‬‬
‫اؼبرأة اليت كانت عند اؼبقربة وكانت تبكي فقال النيب ﷺ‪" :‬اتقي هللا واصربي"‪ ،‬قالت‪ :‬إليك عٍت‬
‫فإنك ِخ ْل ٌو من مصيبيت‪ ،‬مث قيل‪ :‬ىذا النيب ﷺ‪ ،‬فذىبت لرسول هللا‪ ،‬فقال‪" :‬إمنا الصرب عند أول‬
‫أي معٌت من‬
‫أيضا ُّ‬
‫جدا‪ ،‬التزكية لـ ّما هتيمن على اإلنسان‪ ،‬و ً‬
‫صدمة"‪ .‬ؼباذا؟ ىنا توجد قضية مهمة ً‬
‫اؼبعاين اؼبؤثرة يف حياتو‪ ،‬ويف تكوينو؛ ىي أحد أمرين‪َّ :‬إما أن يكون مهيمنا ىيمنة تصبح كالسليقة‪،‬‬
‫وكالعادة‪ ،‬ىي اليت تنتج ردة الفعل األوذل أو ال تكون هبذه اؼبثابة‪ .‬فإذا وصلت التزكية عند اإلنسان‬
‫إذل أن تكون ىي اليت تنتج آاثر وردات الفعل األوذل حبيث ال ديكن أن يفقدىا اإلنسان يف أي‬
‫موقف؛ فهي حالة اإلنسان اؼبؤمن التام الذي ُحي ِدث العجائب دبواقفو‪.‬‬
‫النيب ﷺ حُت قال‪" :‬إمنا الصرب عند أول صدمة"‪ ،‬اؼبوقف الذي فعلتو اؼبرأة كان ىو اؼبوقف‬
‫الطبيعي من حيث اؼبشاعر البشرية‪ ،‬أليس كذلك؟ فهي دل تصل عندىا التزكية إذل حد أن يكون‬
‫اؼبوقف األول السليقي الذي يغلب الطبيعة أن يكون‪ :‬إان ﵁ وإان إليو راجعون‪ ،‬فهي قالت‪" :‬إليك‬
‫عٍت فإنك خلو من مصيبيت"‪ ،‬ولذلك أنت ذبد أغلب الناس تعرب عند اؼبصائب ابلتعبَت الذي يف‬
‫طبعا عالية‪.‬‬
‫خانة اؼبرأة تلك‪ ،‬لكن بدرجات ً‬
‫ىذا األصل أن اإلنسان يعرب بطريقة معينة‪ ،‬طيب ىذا األصل مع أنو فطري طبيعي‪ ،‬إال أنو ‪-‬وألن‬
‫كبَتا يف اإلسبلم‪ ،‬ويريد هللا منك أن‬
‫اإلسبلم دين تكليف وألننا يف مرحلة اختبار‪ -‬إال أنو ُحّرم ربرديًا ً‬
‫متنفسا‪ ،‬حبزن القلب ودمع العُت‪ ،‬صحيح؟ جعل‬ ‫ً‬ ‫تضغط على ىذه اؼبشاعر‪ ،‬وتُبعِدىا وجعل لك ؽبا‬
‫متنفسا ‪-‬حىت يف قصة‬
‫ً‬ ‫متنفسا وىذا ىو اإلسبلم‪ ،‬حُت تكون القضية فطرية جيعل لك فيها‬ ‫ً‬ ‫لك‬

‫ٖٔ‬
‫ف غُرفَةً بِي ِدهِ‬ ‫ِ‬
‫متنفسا‪ ،‬خذ لك شربة ماء‪ .-‬نفس الشيء‬
‫ً‬ ‫لك‬ ‫جعل‬ ‫يعٍت‬ ‫؛‬‫﴾‬ ‫طالوت ﴿إ َّال َم ِن ا ْغتَـ َر َ ْ َ‬
‫وحرم عليك أشياء‪.‬‬
‫متنفسا يف الزواج وما إذل ذلك‪ّ ،‬‬
‫يف الشهوات اعبسدية جعل لك ً‬
‫ىنا نفس الشيء‪ ،‬أنت كإنسان عندك فبتلكات معينة أو عندك ؿببوابت معينة فقدهتا‪ ،‬اؼبوقف‬
‫الشعوري الذي ديكن أن تعملو ىو‪ :‬أن تغضب وربزن‪ ،‬إخل‪ .‬الذي يريد منك اإلسبلم أن تعملو ىو‬
‫جدا؛ فإذا دمعت عينك‬ ‫أن تغلّف ىذه اؼبشاعر بغبلف التزكية‪ ،‬تتجاوزىا‪ ،‬وذبعل ؽبا اؼبتنفس الطبيعي ً‬
‫وربسر قلبك فهذا ال أبس بو‪ ،‬أما إذا ُش َّقت اؼببلبس‪ ،‬ونُفش الشعر‪ ،‬وجاءت الولولة والصراخ‬ ‫ّ‬
‫وضربت اػبدود‪ ،‬فقد قال النيب ﷺ يف وصف ذلك‪" :‬ليس منّا من ضرب اػبدود وشق‬ ‫والصياح‪ُ ،‬‬
‫اعبيوب ودعا بدعوى اعباىلية"‪ ،‬وقال‪" :‬أربع يف أميت من أمر اعباىلية ال يًتكوىن ‪-‬وصدق عليو‬
‫الصبلة والسبلم‪ -‬الفخر اب ألحساب والطعن يف األنساب‪ ،‬واالستسقاء ابألنواء‪ ،‬والنياحة على‬
‫اؼبيت"‪ ،‬صدق رسول هللا ﷺ‪ .‬األمور األربعة مستمرة مثل ما ىي‪ ،‬يعٍت أقصد مستمرة ال تزال عند‬
‫الناس ‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬ما ىي فائدة التزكية من الناحية الذاتية؟ من أعظم فوائد التزكية من الناحية الذاتية ‪-‬‬
‫خاصة إذا بلغت ادلبلغ ادلهيمن‪ :-‬أهنا تعني اإلنسان على الصرب على ادلصائب‪ .‬حُت نقول الصرب‬
‫على اؼبصائب كبن ال نتكلم يف الصرب على اؼبصائب يعٍت ؾبرد أن ديوت إنسان ُرببو‪ ،‬اإلنسان ال يزال‬
‫يف ببلءات متقلب فيها‪ ،‬وىذا جزء أساسي من حياتك ديكن أن يقلب حياتك‪ ،‬ديكن أن يؤثر يف‬
‫مسَتتك‪ ،‬ديكن أن يُرديَك يف النار‪ ،‬وال ؾبال وال سبيل وال طريق لتجاوز ىذا اإلشكال إال ابلتزكية ‪.‬‬
‫من اآلاثر الذاتية للتزكية‪ :‬أهنا تُبعد عن اإلنسان األوىام النفسية اليت ىي من مجلة أمراض‬
‫القلوب‪ .‬وًي َشُت اإلنسان‪ ،‬وًي لقبحو‪ ،‬وًي لسوئو‪ ،‬إذا نسي أنو عبد ﵁ سبحانو وتعاذل‪ ،‬وهللا! يعٍت‬
‫دنيوي معُت‪ ،‬فهو يكاد يـُ ّعرف نفسو أنو‬
‫ّ‬ ‫مثبل َم َّكنو من منصب‬
‫إنساان ألن هللا ً‬
‫مثبل ً‬ ‫أنت اآلن ذبد ً‬
‫ُانسا يُفنون مئات اآلالف من البشر ألنو ىو األحق أبن‬
‫مثبل أ ً‬
‫إلو! خاصة يف بعض السياقات‪ ،‬ذبد ً‬
‫يكون يف ىذا اؼبكان‪ ،‬أو إذل آخره فبا تعلمون‪ً .‬ي أبو الشباب إذل أين أنت ذاىب؟ أنت ما تعريفك‬
‫لنفسك‪ ،‬إذل أين؟ أنت إنسان! هللا سبحانو وتعاذل لـ ّما يذكر مثل ىذه النماذج‪ ،‬يقول سبحانو‬

‫ٗٔ‬
‫يم﴾‪ .‬أنت اآلن تقول وأنت‬ ‫ال من ُحي ِي الْعِظَ ِ ِ‬ ‫وتعاذل‪﴿ :‬وضرب لَنَا ً ِ‬
‫ام َوى َي َرم ٌ‬
‫َ‬ ‫مثبل َونَس َي َخلْ َقوُ قَ َ َ ْ ْ‬ ‫َ ََ َ‬
‫عمرك أربعُت سنة‪ ،‬أسبٌت أن أراك وأنت تلبس اغبافظة! فهمت الفكرة؟ ال أحد يقول من حييي العظام‬
‫وىي رميم إال من يرى أَّال أحد يف الدنيا مثلو‪.‬‬
‫قليبل للوراء وانظر إذل نفسك أنت ‪-‬ال أتكلم عن غَتك‪ -‬أنت تَذ ّكر نفسك حُت‬ ‫طيب‪ ،‬عُد ً‬
‫ام َو ِى َي‬ ‫ِ‬ ‫مثبل َونَ ِس َي َخلْ َقوُ قَ َ‬
‫ال َم ْن ُحيْ ِي الْعظَ َ‬ ‫ب لَنَا ً‬ ‫ض َر َ‬
‫﴿و َ‬‫صغَتا‪ ،‬كيف كنت؟! أال تتذ ّكر؟! َ‬ ‫كنت ً‬
‫ول ْاإلنسان أَإِذَا َما ِم ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ج َح يِّا﴾‬ ‫ُخ َر ُ‬
‫فأْ‬ ‫ت لَ َس ْو َ‬ ‫﴿ويـَ ُق ُ‬ ‫ٍ‬
‫َنشأَ َىا أ ََّو َل َم َّرة﴾‪َ .‬‬‫يها الَّذي أ َ‬ ‫يم قُ ْل ُحيْيِ َ‬
‫َرم ٌ‬
‫الحظ تركيب اعبملة يدل على نفسية اؼبتحدث‪ ،‬يعٍت فرق بُت أن يقول اإلنسان «ىل إذا مت‬
‫ج َحيِّا﴾! يعٍت كأنو يتحدى حدوث ىذا‬ ‫ُخ َر ُ‬
‫ف أْ‬ ‫ت لَ َس ْو َ‬ ‫سوف أُخرج حيّا»‪ ،‬وبُت ﴿أَإِذَا َما ِم ُّ‬
‫ك َشيْـئًا﴾‪.‬‬ ‫أان َخلَ ْقنَاهُ ِم ْن قَـبْلُ َوَدلْ يَ ُ‬
‫األمر‪﴿ .‬أ ََوَال يَ ْذ ُك ُر ْاإلنسان َّ‬
‫عرف نفسو التعريف الذي يستحقو‪ .‬أنت‬ ‫فمن أىم فوائد التزكية الذاتية أهنا جتعل اإلنسان يُ ِّ‬
‫إنسان‪ ،‬حىت لو كنت صاحل وحىت لو كنت نبيًا‪ ،‬لو كان نبيًا من األنبياء‪ ،‬النيب نفسو ىو أكثر إنسان‬
‫يتواضع ﵁ سبحانو‪ ،‬تعرفون النيب ﷺ يف أعلى مراحل نصره يف فتح مكة دخل وىو خاشع متواضع‬
‫معًتف؛ ألنو يف داخلو يعلم أن ىذا دل يكن لوال نصر هللا وتوفيقو‪ .‬بينما لو فقد اإلنسان التزكية أول‬
‫اَّللُ‬ ‫ُت ۝ وابْـتَ ِغ فِيما َ‬
‫آاتك َّ‬ ‫اَّلل ال ُِحي ُّ ِ‬
‫ب ال َف ِرح َ‬ ‫شيء يعتقد أنو ماذا؟ ؼبا قالوا لقارون‪﴿ :‬ال تَـ ْف َر ْح إن ََّ‬
‫ساد يف‬ ‫الدنْيا و ِ‬ ‫ك ِم َن ُّ‬ ‫اآلخرةَ وال تَـ ْنس نَ ِ‬ ‫ال ّدار ِ‬
‫اَّللُ إليك وال تَـ ْب ِغ ال َف َ‬
‫أح َس َن َّ‬ ‫أحس ْن َكما ْ‬ ‫ْ‬ ‫صيبَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال َّإمنا أُوتِيتُوُ عَلى عِلْ ٍم عِ ْن ِدي﴾ ىذا الفرق‪ .‬نفسية قارون‬ ‫ين ۝ َ‬ ‫َ‬
‫ب اؼب ْف ِس ِ‬
‫د‬ ‫اَّللَ ال ُِحي ُّ‬
‫ض إن َّ‬‫األر ِ‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫﴿إمنا أُوتِيتُوُ عَلى عِ ْل ٍم عِ ْن ِدي﴾ ىذه يشعر هبا كل إنسان فاقد للتزكية ولديو بعض‬ ‫ىذه حُت قال‪َّ :‬‬
‫ند ُىم ِّم َن ٱلْعِلْ ِم﴾ ‪.‬‬
‫ت فَ ِر ُحواْ ِدبَا عِ َ‬
‫اؼبكتسبات‪﴿ .‬فَـلَ َّما جآءتْـهم رسلُهم بِٱلْبيِ ٰنَ ِ‬
‫َ َ ُ ْ ُ ُ ُ َّ‬
‫عرف ذاتك تعريفا ال ينفك عن‬
‫إذن من أعظم اآلاثر احلسنة للتزكية على الذات‪ :‬أن جتعلك تُ ّ‬
‫معٌت العبودية هلل سبحانو وتعاىل‪ ،‬وابلتارل تتواضع وتشكر عند اؼبكتسبات‪ ،‬وتصرب عند اؼبصائب‬
‫والنكبات‪ ،‬وتدور يف ىذا الفلك بُت الصرب والشكر‪ .‬وىذا ىو اؼبؤمن الذي ػبص النيب ﷺ حياتو‬
‫بقولو‪" :‬عجبًا ألمر اؼبؤمن إن أمره كلو خَت‪ ،‬إن أصابتو ضراء صرب فكان خَتًا لو وإن أصابتو سراء‬

‫٘ٔ‬
‫شكر وكان خَتًا لو‪- ،‬قال عليو الصبلة والسبلم‪ -‬وليس ذلك ألحد إال للمؤمن" وضع ربتها‬
‫سبعة وثبلثُت خط‪ .‬يعٍت‪ :‬البد من تزكية للمؤمن‪ .‬ال ديكن أن يكون ىذا اغبال ىو حال إنسان غَت‬
‫مزِّكى ‪.‬‬
‫إ ًذا من مركزية التزكية من جهة اآلاثر احلسنة على الذات‪ :‬الصرب عند ادلصائب‪ ،‬وتعريف‬
‫اإلنسان نفسو تعري ًفا ال ُّ‬
‫ينفك عن معاين العبودية‪ ،‬وابلتايل ال حيدث يف قضية االغًتار حىت يف‬
‫طريقو اإلصالحي وادلكتسبات‪« .‬أان صرت حافظ»‪« ،‬عندي طبلب كثَت»‪« ،‬ألَّفت كم كتاب»‪،‬‬
‫سبام! وكان فضل هللا عليك عظيما‪ ،‬ولو هللا سبحانو وتعاذل قطع عنك َم َد َده قليبل‪ ،‬وأزال السًت بينك‬
‫قليبل‪ ،‬سبام؟ لذلك النيب ﷺ‪ ،‬هللا ماذا قال لو يف سورة‬ ‫وبُت أعُت الناس‪ ،‬الناس تركوك وىجروك فاىدأ ً‬
‫يما﴾‪،‬‬ ‫اَّللِ علَي َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلسراء؟ ﴿ولَئِن ِشئْـنا لَن ْذى َّ ِ َّ ِ‬
‫ك عَظ ً‬ ‫ضلُ َّ َ ْ‬ ‫﴿وَكا َن فَ ْ‬ ‫َب ابلذي أ َْو َحيْـنَا إلَيْك﴾‪َ ،‬‬ ‫َ ْ َ َ ََ‬
‫ِ‬ ‫وحا ِم ْن أ َْم ِرَان ۚ َما ُكنْ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص‬‫﴿كبْ ُن نـَ ُق ُّ‬
‫اإل ديَا ُن﴾‪َ ،‬‬‫اب وَال ِْ‬
‫ت تَ ْدري َما الْكتَ ُ َ‬ ‫ك أ َْو َحيْـنَا إليك ُر ً‬‫﴿وَك َٰذ ل َ‬
‫َ‬
‫ُت﴾ الغافلُت‬ ‫ِِ‬ ‫ص ِدبَا أَوحيـنَا إليك ى َذا الْ ُقرآ َن وإِ ْن ُكنْ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ص ِ‬
‫ت م ْن قَـ بْلو لَم َن الْغَافل َ‬‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َح َس َن الْ َق َ‬
‫كأْ‬ ‫عَلَيْ َ‬
‫عن ىذه اؼبعاين‪ ،‬عن ىذه األمور‪ ،‬عن ىذا الوحي الذي أنزلو هللا إليك‪ ،‬فهو منّة من هللا لك‪ .‬وكما‬
‫أنو منة من هللا سبحانو وتعاذل على النيب ﷺ‪ ،‬فهو منة من هللا علينا أن بعث لنا ىذا النيب ﷺ‪ .‬فما‬
‫كان بنا من ىداية‪ ،‬وخَت‪ ،‬وعلم‪ ،‬وتوفيق‪ ،‬فهو بتوفيق هللا سبحانو وتعاذل ودبا أرسل إلينا ىذا الرسول‬
‫الكرمي ﷺ‪.‬‬
‫‪ )1‬من الناحية اإلصالحية‪:‬‬
‫فقيمة التزكية ابلنسبة لئلنسان اؼبسلم يف طريقو اإلصبلحي ‪-‬ىذا اآلن انتقال‪ ،‬يعٍت حلقة وصل‬
‫بُت فقرة من الناحية الذاتية ومن الناحية اإلصبلحية‪ ،‬كبن قلنا اآلاثر اغبسنة من الناحية اإلصبلحية‪،-‬‬
‫ىذا من الناحية اإلصالحية‪ :‬أن تدفع اإلنسان ادلسلم وادلصلح عند ادلكتسبات ألن ينسب‬
‫الفضل إىل هللا سبحانو وتعاىل وأن يشعر حقيقة أن هللا سبحانو وتعاىل َوفَّ َقو‪ ،‬فال ّ‬
‫يغًت‪ ،‬ابلعكس‪.‬‬
‫دائما يعجبٍت موقف الذين كانوا مع األنبياء السابقُت الذي ذكرىم هللا يف سورة آل عمران‬ ‫أان ً‬
‫يل َِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضعُ ُفوا َوَما‬ ‫اَّلل َوَما َ‬ ‫َصابـَ ُه ْم ِيف َسبِ ِ‬ ‫﴿ َوَكأَيّن ّم ن نَِّ ٍيبّ قَاتَ َل َمعَوُ ِربِّيُّو َن َكثَتٌ فَ َما َو َىنُوا ل َما أ َ‬
‫ين۝ َوَما َكا َن قَـ ْو َؽبُْم إَِّال أَن قَالُوا َربـَّنَا ا ْغ ِف ْر لَنَا ذُنُوبـَنَا َوإِ ْس َرافَـ نَا ِيف‬ ‫ب َّ ِ‬
‫الصاب ِر َ‬ ‫اَّللُ ُِحي ُّ‬
‫استَ َكانُوا َو َّ‬
‫ْ‬
‫‪ٔٙ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫انص ْرَان عَلَى الْ َق ْوم الْ َكاف ِر َ‬
‫ين﴾ فأنت تتعجب من طلبهم من هللا سبحانو‬ ‫أ َْم ِرَان َوثـَبِّ ْ‬
‫ت أَقْ َد َامنَا َو ُ‬
‫وتعاذل اؼبغفرة وىم يف ذلك السياق‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬أمر آخر يف اآلاثر احلسنة للتزكية يف الناحية اإلصالحية وىو الثبات‪ .‬أنت حُت تكون‬
‫مثبل يف‬
‫مثبل‪ ،‬أو يف بعض اؼبشاريع النافعة‪ ،‬ردبا قد سبر عليك ً‬
‫يف حالة رخاء‪ ،‬حىت يف حالة دعوية ً‬
‫حياتك الشخصية مواقف صعبة وتؤثر ردبا على مسَتتك‪ ،‬لكن يف نفس طريقك الدعوي أو‬
‫اإلصبلحي قد ال أتتيك العقبات الكبَتة إال إذا اتسع النطاق عندك‪ ،‬وكثرت األعمال‪ ،‬واتصلت‬
‫ؿببل للحسد‪ ،‬لكن قبل ذلك قد ال سبر دبثل ىذه اؼبواقف‪ .‬سواء‬ ‫بشرائح ـبتلفة ومتنوعة‪ ،‬وصرت ً‬
‫مررت هبا‪ ،‬أو دل سبر‪ ،‬أو كنت ستمر‪ ،‬ستأيت الح ًقا على مثل ىذه القضاًي أو ّأًي كان خدمت‬
‫خاطرا تُداعب بو مشاعرك اليوم‬
‫اإلسبلم أبي طريق من الطرق‪ْ ،‬اعلَم أن الثبات على الطريق ليس ً‬
‫وتقول‪« :‬وهللا أان لو تعرضت البتبلء أان سأكون من الثابتُت استغفر هللا يعٍت»‪ ،‬ال! أنت ال تعرف‬
‫سفر عن أخبلق‬ ‫نفسك عند األزمات‪ ،‬لذلك حىت على اؼبستوى الشخصي يقولون‪ :‬إن السفر ي ِ‬
‫ُ‬
‫الرجال‪ ،‬وأن فبلن تعرفو؟ فهل صاحبتو ىل سافرت معو؟ ىذا يف الناحية العادية‪ .‬يف انحية الطريق إذل‬
‫هللا سبحانو وتعاذل ‪-‬خاصة الطريق ذو النفع اؼبتعدي‪ -‬أنت ال تعرف نفسك عند األزمات! الكثَت‬
‫أحياان ليس بسبب أزمة‬
‫ً‬ ‫من الناس انتكسوا بسبب أزمات معينة‪ ،‬ابتبلءات معينة‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫أحياان بسبب طول الطريق وعدم وجود شبرات يلمسها اإلنسان بيديو‪« ،‬تعبنا وبذلنا وًي عمي‬
‫مباشرة‪ً ،‬‬
‫إذل مىت يعٍت؟!»‪« ،‬ىل ترى حال الناس كيف حال اؼبسلمُت‪ ،‬حال اؼبصائب‪ ،‬ماذا أفعل؟!» إذل‬
‫آخره ‪.‬‬
‫جدا‪ ،‬كبن قلنا إن التزكية شقُت زبلية وربلية‬
‫الثبات على الطريق اغبق ال يكون إال بتزكية عالية ً‬
‫صح؟ ىنا أي معٌت يظهر أكثر التخلية وال التحلية؟ التحلية‪ .‬يعٍت أي شقي التزكية أكثر اتصاال‬
‫اتصاال بصفة الثبات؟ الصرب واليقُت‪ .‬ويف‬
‫بقضية الثبات؟ التحلية‪ .‬أي عمل من أعمال التحلية أكثر ً‬
‫اغبقيقة اليقُت ىو الباعث على الصرب‪.‬‬

‫‪ٔٚ‬‬
‫آًيت متعددة يف كتاب هللا تدل على أن اليقُت كان سببًا يف الثبات‪ ،‬ومن أبرزىا كقصة متدرجة‬
‫ب عَلَيْ ُك ُم الْ ِقتَ ُ‬
‫ال أ ََّال تـُ َقاتِلُوا قَالُوا َوَما لَنَا أ ََّال نـُ َقاتِ َل‬ ‫ِ ِ‬
‫ال َى ْل عَ َسيْـتُ ْم إن ُكت َ‬ ‫واضحة قصة طالوت ﴿قَ َ‬
‫اَّللِ﴾‪ ،‬وىذا نفس القول «أنٍت خبَت وسأصرب عند األزمات»‪َ ﴿ ،‬وَما لَنَا أ ََّال نـُ َقاتِ َل ِيف‬ ‫يل َّ‬ ‫ِيف َسبِ ِ‬
‫ال تَـ َولَّ ْوا إَِّال قَلِ ًيبل ِّم نْـ ُه ْم﴾ لآلن‬ ‫ب عَلَيْ ِه ُم الْ ِقتَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ُخ ِر ْجنَا من د ًَيرَان َوأَبْـنَائنَا ۖ فَـلَ َّما ُكت َ‬
‫يل َِّ‬
‫اَّلل َوقَ ْد أ ْ‬ ‫َسبِ ِ‬
‫ال َؽبُْم نَبِيُّـ ُه ْم َّ‬
‫إن‬ ‫﴿وقَ َ‬
‫جدا‪َ ،‬‬ ‫مبكرا ً‬ ‫مبكرا‪ً ،‬‬ ‫دل تبدأ اؼبعركة‪ ،‬فقط ؾبرد أن فُرض وكتب عليهم القتال تولوا ً‬
‫وت َملِ ًكا﴾‬‫ث لَ ُك ْم طَالُ َ‬ ‫ٱ ََّّللَ قَ ْد بـَعَ َ‬
‫ت‬ ‫ك علَيـنَا وَكبْن أَح ُّق ِابلْملْ ِ ِ‬
‫ك منْوُ َوَدلْ يـُ ْؤ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََّن يَ ُكو ُن لَوُ الْ ُملْ ُ َ ْ َ ُ َ‬
‫ىنا تربز اؼبعايَت الفاسدة‪﴿ :‬قَالُوا أ َّٰ‬
‫َسعَةً ِّم َن الْ َم ِال﴾ َييت ويضع معايَته فوق معايَت الوحي‪ ،‬وهللا ىو من اختار طالوت مل ًكا عليهم! مث‬
‫انطلق اعبيش وفصل طالوت ابعبنود‪ ،‬اآلن امتحان للثلة اؼبؤمنة أو الثلة اليت ‪-‬لِنَـ ُقل‪ -‬ليس ابلضرورة‬
‫أصبل ما فيهم خَت‪،‬‬ ‫أن تكون حققت كل شروط اإلديان‪ ،‬لكنها الثلة اليت ذباوزت أولئك الذين ً‬
‫﴿ولَ ِكن َك ِرَه َّ‬
‫اَّللُ انبِ َعاثَـ ُه ْم فَـثَـبَّطَ ُه ْم﴾‪.‬‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ـ‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫﴿إِ َّن ا ََّّلل مبـتَلِي ُكم بِنَـه ٍر﴾ ىذا اختبار اآلن للخاصة داخل الطريق‪﴿ ،‬فَمن َش ِرب ِ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬
‫ف غُ ْرفَةً بِيَ ِدهِ ۚ فَ َش ِربُوا ِمنْوُ إَِّال قَلِ ًيبل ِّم نْـ ُه ْم﴾ ليس «دل‬
‫ِم ٍِّت َوَمن َّدلْ يَطْعَ ْموُ فَإِنَّوُ ِم ٍِّت إَِّال َم ِن ا ْغتَـ َر َ‬
‫قليبل ِّم نْـ ُه ْم﴾! لذلك ورد يف بعض األحاديث أن الذين دل‬ ‫يشرب بعضهم»‪ ،‬بل ﴿فَ َش ِربُواْ ِمنْوُ إال ً‬
‫يشربوا كانوا بعدد أصحاب بدر‪ ،‬يعٍت ثبلشبائة وبضعة عشر‪.‬‬
‫﴿فَـلَ َّما جاوزه ىو والَّ ِذين آمنُوا معو قَالُوا َال طَاقَةَ لَنَا الْيـوم ِِب الُوت وجنُ ِ‬
‫ودهِ﴾ اآلن جاء‬ ‫ََْ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ َُ ُ َ َ َ َ َ َ ُ‬
‫اختبار آخر‪ ..‬يف اختبار شهوات قبحوا فيو‪ ،‬كانت شهوة الشرب على الظمأ والتعب والنصب‪ ،‬يعٍت‬
‫سهبل‪« ،‬أننا نسَت ونتمشى وىناك هنر واشربوا أو ال تشربوا» دل تكن ىكذا‪ ،‬بل‬ ‫ال تظن أنو كان شيئًا ً‬
‫اَّللَ ُمبْـتَلِي ُكم بِنَـ َه ٍر﴾ يعٍت كان ابتبلءً‪ ،‬فكان عطش وتعب‪،‬‬
‫ىم كانوا يف مسَتة جيش فبتدة‪﴿ ،‬إِ َّن َّ‬
‫وىذا ابتبلء‪ .‬وابؼبناسبة ىذه األشياء ىي اليت تكشف ‪-‬ابالصطبلح‪ -‬تكشف فلسفة اإلسبلم‪،‬‬
‫تكشف اؼبعاين اؼبركزية يف اإلسبلم من انحية االبتبلء وما إذل ذلك‪.‬‬

‫‪ٔٛ‬‬
‫﴿قَالُوا َال طَاقَةَ﴾ ىنا بنفس التعبَت السابق ﴿فَ َش ِربُواْ﴾ أي أن األكثر ﴿قَالُوا َال طَاقَةَ لَنَا الْيَـ ْو َم‬
‫اَّللِ َكم ِم ن فِئَ ٍة قَلِيلَةٍ‬
‫ين يَظُنُّو َن أَنـَّ ُهم ُّم َبلقُو َّ‬ ‫ودهِ﴾ ىنا َييت موضع الشاىد‪﴿ :‬قَ َ َّ ِ‬ ‫ِِب الُوت وجنُ ِ‬
‫ّ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫اَّللِ﴾ زبتصرىا يف كلمة‬ ‫ين﴾‪﴿ ،‬يَظُنُّو َن أَنـَّ ُهم ُّم َبلقُو َّ‬ ‫اَّلل مع َّ ِ‬
‫الصاب ِر َ‬
‫غَلَبت فِئةً َكثَِتةً إبِِ ْذ ِن َِّ‬
‫اَّلل ۗ َو َُّ َ َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫«يقُت»؛ ألن «يظنون» ىنا دبعٌت اليقُت‪ ،‬يوقنون‪.‬‬
‫بلق ِح َسابِيَوْ﴾‪،‬‬ ‫وتعرفون أن ىذا اصطبلح يف القرآن َييت الظن دبعٌت اليقُت‪﴿ :‬إِِين ظَنَـنْت أَِين م ٍ‬
‫ُ ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫أيضا يف القرآن‪.‬‬
‫وَييت الظن دبعٌت الشك ً‬
‫اَّللِ ۗ َو َّ‬
‫اَّللُ َم َع‬ ‫ت فِئَةً َكثَِتَةً إبِِ ْذ ِن َّ‬ ‫ال الَّ ِذين يظُنُّو َن أَنـَّهم ُّم َبلقُو َِّ ِ ِ ٍ ِ ٍ‬
‫اَّلل َكم ّم ن فئَة قَليلَة غَلَبَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫﴿قَ َ‬
‫َّ ِ‬
‫ين﴾‪.‬‬ ‫الصاب ِر َ‬
‫ادللخص من القصة كلها كفائدة هنائية‪ :‬أثر اليقني يف الثبات عند األزمات يف الطريق‬
‫اَّللُ عَلَيْ ِه َما﴾ ‪.‬‬
‫ين َخيَافُو َن أَنْـعَ َم َّ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫اإلصالحي‪﴿ ،‬قَ َ‬
‫ال َر ُج َبلن م َن الذ َ‬
‫إذن اخلالصة إن من أعظم آاثر التزكية على اإلنسان اؼبصلح أهنا من أعظم أسباب الثبات عند‬
‫األزمات‪ ،‬وإذا قلنا الثبات عند األزمات‪ ،‬فقلنا التزكية بشقيها التزكية يف شق التحلية ىي األكثر فاعلية‬
‫ين َخيَافُو َن أَنْـعَ َم‬ ‫ال رج َبل ِن ِمن الَّ ِ‬
‫ذ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أيضا اػبشية واػبوف ﴿قَ َ َ ُ‬
‫طبعا ً‬
‫ىنا‪ ،‬وربت التحلية الصرب واليقُت‪ً ،‬‬
‫اَّللُ عَلَْي ِه َما﴾‪ .‬الكبلم يطول لكن لعلو َييت فيما بعد‪ ،‬وىذا ؾبرد عرض سريع ؾبمل‪.‬‬
‫َّ‬
‫اجلهة الرابعة واألخرية‪ :‬اآلاثر السيئة عند ختلف التزكية‪:‬‬

‫أيضا؛ ألن اآلاثر السيئة عند زبلف التزكية تظهر عليك كذات‪.‬‬ ‫كثَتا من التفاصيل ً‬
‫ىنا سأذباوز ً‬
‫تكلمنا قبل قليل عن الغرور والعجب والتكرب‪ ،‬فاألمور اليت لن أذكرىا‪ :‬أثر فقدان التزكية على عدم‬
‫الصرب عند اؼبصائب‪ ،‬أثر فقدان التزكية على فساد العبلقات االجتماعية األسرية القريبة والبعيدة‪ ،‬ال‬
‫قدرا‪ ،‬إمنا أتكلم عن الفساد الذي يكون السبب فيو من انحية عدم‬ ‫أتكلم عن الفساد الذي يكون ً‬
‫االلتزام دبا أمر هللا سبحانو وتعاذل بو من حدود هللا وشرعو‪ ،‬إذل آخره‪.‬‬

‫‪ٜٔ‬‬
‫ولكن أان أذباوز ىذا كلو وأنتقل إذل اآلاثر السيئة لتخلف التزكية يف الطريق اإلصبلحي أو يف‬
‫الناحية اإلصبلحية‪ .‬دبجرد أن تُقلّب بصرك يف الواقع تقليب الفاحص الناقد اؼبتفهم‪ ،‬البصَت دبعاين‬
‫كثَتا من اؼبشكبلت يف الواقع اإلسبلمي ىي يف اغبقيقة ‪-‬وإن‬ ‫الشريعة ودبعاين النفوس؛ ستدرك أن ً‬
‫مؤثرا فيها‪ ،‬ولو دل‬ ‫ِ‬
‫غُلّفت بغبلفات كثَتة‪ -‬يكون ضعف التزكية َّإما سببًا أساسيًا فيها‪ ،‬أو يكون سببًا ً‬
‫يكن ىو السبب األساسي‪.‬‬
‫‪ ‬ما أبرز الصور اليت حت ُدث بسبب ضعف التزكية؟‬
‫يف السياق اإلصالحي توجد عدة صور‪:‬‬
‫‪ )2‬الصورة األوىل‪ :‬احلسد بني الصاحلني أو بني العاملني‪ .‬وىذا اغبسد قد ذكره هللا سبحانو‬
‫وتعاذل عن بٍت إسرائيل‪ ،‬وذكر النيب ﷺ أننا سنتبع سنَ َن من كان قبلنا ﴿فَـلَ َّما َجاءَ ُى ْم َما عَ َرفُوا َك َف ُروا‬
‫اَّللُ﴾ ؼباذا؟ ﴿بـَغْيًا﴾! ﴿ َو َّد َكثَِتٌ ِّم ْن أ َْى ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِو﴾‪﴿ ،‬بِئْ َس َما ا ْشتَـ َرْوا بِو أَن ُف َس ُه ْم أَن يَ ْك ُف ُروا دبَا أ َ‬
‫َنزَل َّ‬ ‫ِ‬
‫اب لَ ْو يـَ ُرُّدونَ ُكم ِّم ن بـَ ْع ِد إِديَانِ ُك ْم ُك َّف ًارا﴾ ؼباذا؟ ﴿ َح َس ًدا﴾! اغبسد ىذا واحد من الصور‪.‬‬ ‫الْكِتَ ِ‬

‫«فأان فبكن أن أرد عليك‪ ،‬أبدأ فقط دبنشورات يف الفيسبوك مث تصبح قصة طويلة‪ ،‬ألنك يف نفس‬
‫أصبل ال‬
‫اختصاصي وأنت أتيت بعدي وأرى أن االىتمام عليك أكثر‪ ،‬ما ىي قصتك؟! مث أنت ً‬
‫سبلك شهادة علمية يعٍت أان معي شهادة علمية‪ ،‬أان تعبت يف اجملال ىذا وأخذت دكتوراة وأنت ما‬
‫أخذت‪ ،‬مث أكملت طبسة عشر سنة وأان يف ىذا اجملال‪ ،‬أنت اآلن جئت مع شبكات التواصل اليت‬
‫جعلتك تربز! ال أان ال أقول إين أحسدك‪ ،‬أستغفر هللا ولكٍت أحسدك فعبل! يعٍت أريد أن أقول إين ال‬
‫أحسدك لكٍت أحسدك فعليًا‪.‬‬
‫ىذا الشعور طبيعي‪ ،‬ىذه فطرة موجودة يف النفس أنو‪« :‬أان تعبت وفعلت وكذا‪ ،‬وأنت أتيت‬
‫بسهولة ىكذا والناس التفوا حولك»‪ ،‬ىذا طبيعي‪ ،‬مثل كون شعور التذمر وغَته عند اؼبصيبة طبيعي‬
‫لكنو حرام! طبيعي لكنو حرام‪.‬‬
‫وذلك ؼبن يقول‪ :‬إن الشذوذ أمر طبيعي‪ ،‬حىت لو كان طبيعي –وىو ليس طبيعي– فهو يبقى‬
‫أصبل ىو معٌت اإلسبلم! اإلسبلم َييت لك أبشياء تكون ىي معٌت االختبار‪ً .‬ي أخي‬
‫حرام‪ ،‬ألن ىذا ً‬

‫ٕٓ‬
‫﴿مبْـتَلِي ُكم بِنَـ َه ٍر﴾! النهر حبلل وىو يف أصلو فبا خلقو هللا لنا‪ ،‬لكن ىناك ويف تلك اؼبرحلة كان‬
‫ُ‬
‫أصبل‪ ،‬وابلتارل من يفهم اإلسبلم ابؼبقلوب ال يفهم‬
‫حر ًاما‪ ،‬كان ىذا فقط لبلبتبلء‪ ،‬وىذا ىو اإلسبلم ً‬
‫ىذا اؼبعٌت ‪.‬‬
‫طيب نعود ؼبا كنت أقولو‪ .‬اغبسد‪ ،‬نعم شعور طبيعي يف األساس‪ ،‬لكنو حرام‪ .‬اإلسبلم جاء يقول‬
‫يم‬ ‫آل إِبـر ِ‬
‫اى‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ت‬ ‫آ‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ضلِ ِ‬
‫و‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫اَّلل ِ‬
‫م‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫آات ُى ُم َُّ‬
‫َّاس عَلَ ٰى َما َ‬
‫قليبل‪﴿ ،‬أ َْم َحيْ ُس ُدو َن الن َ‬
‫لك‪ً :‬ي حبييب اىدأ ً‬
‫يما﴾‪ .‬لكن حبسب تزكية اإلنسان إذا استسلم لشعور اغبسد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اىم ُّملْ ًكا عَظ ً‬ ‫اب َوا ْغب ْك َمةَ َوآتَـيْـنَ ُ‬
‫الْكتَ َ‬
‫أحياان!‬
‫فبل تسأل حينها إذل أين ديكن أن يصل بك اغبسد‪ ،‬ديكن أن يوصل اإلنسان إذل الكفر ً‬
‫حسب اإلنسان ابلطبع‪ ،‬ديكن أن يوصلو إذا كان يعرف أن الطريق الذي تكون النكاية فيو اب﵀سود‬
‫طبعا‪ ،‬وىذا قلة اغبمد ﵁‪ .‬لكن كثَت من‬ ‫ديكن أن دير دبحطة الكفر؛ ال مشكلة لديو! بعض الناس ً‬
‫الناس يدخل يف قضية الغيبة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬االستنقاص‪ ،‬االحتقار‪ ،‬تصيّد األخطاء‪ ،‬التتبع‪ ،‬إذل آخره‪.‬‬
‫طيب ىذا واحد من اآلاثر السلبيّة‪ً« .‬ي أخي أان وهللا فبكن أكون شعرت بشيء من الغَتة يعٍت‬
‫َّاس‬
‫وجدت يف نفسي كهذا»‪ ،‬حسنًا لكن عليك أن تُشغّل مطفأة اغبريق ىذه ﴿أ َْم َحيْ ُس ُدو َن الن َ‬
‫اَّللِ يـُ ْؤتِ ِيو َمن يَ َشاءُ﴾‪ ،‬تذكر نعم هللا عليك‪ ،‬انظر‬
‫ض ُل َّ‬
‫ك فَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل ِمن فَ ْ ِ‬
‫ضل ِو﴾‪﴿ ،‬ذَل َ‬ ‫آات ُى ُم َُّ‬
‫عَلَ ٰى َما َ‬
‫إذل من ىو دونك‪ ،‬إذل آخره‪.‬‬
‫‪ )1‬مشكلة اثنية حتدث من ختلف التزكية‪ :‬التنازع والتفرقة‪ .‬وهللا أان فبكن أن أجتمع معك‬
‫معا‪ ،‬بشرط أن أكون أان رقم واحد‪ .‬طيب ‪ً-‬ي حبييب‪ -‬كبن اآلن يف أزمة‪ ،‬وتوجد مصلحة‬ ‫ونكون ً‬
‫معينة‪ ،‬اآلخر الذي سيجتمع معك ىذه الًتكيبة كلها لن تصبح أنت رقم واحد فيها‪« ،‬إذن خبلص‬
‫أان لن آيت»! ًي حبييب‪ً ،‬ي أبو الشباب‪ ،‬توجد أزمة‪ ،‬يوجد كذا‪ ،‬جيب أن أتيت !‬
‫‪ )3‬التنازع والتفرقة أن تكون بوصليت ‪-‬وىذا رقم ثالثة احنراف البوصلة‪ -‬ىي العمل لئلسبلم‪،‬‬
‫ولكن بسبب شركاء الطريق ونظريت إليهم واالختبلف معهم اكبرفت بوصليت من العمل لئلسبلم‬
‫وربقيق الغاية إذل قطع الطريق مع اليمُت وأصحاب اليمُت والشمال‪ .‬وىذه مشكلة كبَتة موجودة يف‬

‫ٕٔ‬
‫كثَتا‪ ،‬التنازع والتفرقة‪ ،‬فهي من العقبات اليت تواجو اؼبصلح يف طريقو اإلصبلحي ومن أعظم‬
‫الواقع ً‬
‫أسباهبا ضعف التزكية‪.‬‬
‫كم ذكران اآلن؟ اغبسد‪ ،‬التنازع والتفرقة‪ ،‬واكبراف البوصلة‪.‬‬
‫‪ )4‬كذلك من اآلاثر لضعف التزكية ‪-‬وأختم هبا‪ -‬اليت ميكن أن تكون يف طريق اإلنسان‬
‫اإلصالحي وىي الفتور‪ ،‬أو التوقف واالنقطاع‪ ،‬أو ما بعد ذلك وىو احلَور بعد الكور؛ يعٍت ىو‬
‫قليبل‪ ،‬ال توجد مغذًيت للتزكية‪ ،‬ال يوجد‬
‫قليبل ً‬
‫ديشي يف الطريق‪ ،‬فطال األمد وطال الطريق فيبدأ يفًت ً‬
‫وقود إدياين عظيم ديؤل ىذا اإلنسان حبيث أنو حىت لو كان وحده ‪-‬وليس فقط لو كان وحده‪ -‬ولو‬
‫يل َِّ‬ ‫كان الكل ضده ﴿فَـ َقاتِ ْل ِيف َسبِ ِ‬
‫ك﴾‪ ،‬ويف صحيح البخاري قال ﷺ عند‬ ‫ف إِال نـَ ْف َس َ‬
‫اَّلل ال تُ َكلَّ ُ‬
‫اغبديبية قال‪" :‬والذي نفسي بيدي ألقاتلنَّهم حىت تنفرد سالفيت‪ ،‬ولينفذ ّن هللا أمره"‪ .‬السالفة ىي‬
‫الرقبة‪ ،‬بعضهم قال‪ :‬ىي كناية عن القتل‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬تنفرد سالفيت أي‪ :‬حىت أقاتلهم وحدي‪ ،‬أي‬
‫يل َِّ‬ ‫﴿فَـ َقاتِ ْل ِيف َسبِ ِ‬
‫ك﴾‪.‬‬ ‫ف إِال نـَ ْف َس َ‬
‫اَّلل ال تُ َكلَّ ُ‬
‫ما بُت ىذا اؼبستوى وما بُت مستوى أن ىناك تعب‪ ،‬وفتور‪ ،‬وال يوجد أحد‪ ،‬وكثرة اؼبشكبلت‬
‫واػبواطر واالستفهامات عند اإلنسان يف حياتو فيبدأ يفًت ويفًت‪ .‬وقد يظل يف مرحلة الفتور‪ ،‬دل يصل‬
‫سباما‪ ،‬وقد يصل ونسأل هللا العافية إذل‬
‫إذل التوقف لكن فقط فتور‪ ،‬وقد يصل إذل مرحلة التوقف ً‬
‫مرحلة الرجوع إذل اػبلف‪ ،‬وىذا كلو من آاثر ضعف التزكية‪.‬‬

‫اخلادتة‪:‬‬

‫موضوعا ىامشيًا‬
‫ً‬ ‫إ ًذا خالصة ما طُرح اليوم ىو‪ :‬أن موضوع التزكية بشقيها التخلية والتحلية ليس‬
‫مثبل على صبلحك‬ ‫موضوعا ؿبدود األثر حبيث أنك تقول‪ :‬إن أثره ىو فقط ً‬‫ً‬ ‫اثنوًي وال‬
‫موضوعا ِّ‬
‫ً‬ ‫وال‬
‫الذايت‪ ،‬وإمنا ىو أمر مركزي يف صبلحك الذايت‪ ،‬وأمر مركزي يف طريقك اإلصبلحي‪ ،‬وأمر مركزي يف‬
‫سَتك إذل هللا سبحانو وتعاذل‪ ،‬وأمر مركزي يف الثبات يف الصرب على اؼبصائب‪ ،‬ويف صبلح األحوال‪،‬‬
‫سما‬
‫ويف تعريفك لنفسك‪ ،‬ويف اتباعك للنيب ﷺ‪ ،‬وأن هللا سبحانو وتعاذل قد أقسم عليو أبحد عشر قَ ً‬
‫يف كتابو‪ ،‬وأنو أحد وظائف النيب ﷺ الكربى‪.‬‬
‫ٕٕ‬
‫فبناءً على ذلك كلو لِنُعِد ضبط العدَّادات‪ ،‬واإلعدادات‪ ،‬واؼبعايَت ابلنسبة لنا يف نظرتنا إذل قضية‬
‫التزكية‪ ،‬وأهنا مىت ما كانت يف الزاوية ؿبصورة‪ ،‬أو كانت للربكة أتيت فقط ىكذا‪ ،‬أو كانت يف رمضان‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فقط‪ ،‬أو كانت واحدة من اؼبفردات التكميلي؛ فلنعل أن ما كبن فيو ىو ليس شيئًا‬
‫طيب على أية حال‪ ،‬نسأل هللا سبحانو وتعاذل أبظبائو اغبسٌت وصفاتو العلى أن يعطي نفوسنا‬
‫تقواىا وأن يزكيها ىو خَت من زَّكاىا ىو وليها وموالىا‪ .‬وىذه ً‬
‫طبعا من األدعية اليت كان يدعو هبا‬
‫النيب ﷺ‪ ،‬وىي من األدعية الدالة على أمهية التزكية‪- ،‬وىذا يف صحيح مسلم‪ -‬كان يدعو النيب ﷺ‪:‬‬
‫"اللهم أعطي نفسي تقواىا وزّكها أنت خَت من زكاىا أنت وليها وموالىا"‪.‬‬

‫وشكر هللا لكم حضوركم وسعيكم‪ ،‬وتقبل منا ومنكم‪ِّ ،‬‬


‫وصل اللهم على نبينا دمحم وعلى آلو‬
‫وصحبو أصبعُت‪.‬‬

‫ٖٕ‬

You might also like