You are on page 1of 120

‫الثقافة اإلسالمية‬

‫أهم مصدر للثقافة اإلسالمية‬

‫القرآن الكريم‬

‫ٕ‬
‫القرآن الكرٌم نعمة وشرف لؤلمة‬

‫القرآن الكرٌم نعمة عظٌمة على العرب بالذات‬

‫عندما ٌذ ّكر هللا عباده بؤنه منّ علٌهم برسوله (صلوات هللا علٌه وعلى آله)‪ ،‬ومنّ علٌهم بؤن أنزل علٌه‬
‫اب َو ْالح ِْك َم َة وٌزكٌهم َوإِنْ َكا ُنوا مِنْ َق ْب ُل لَفًِ‬
‫القرآن‪ٌ ،‬تلوه على الناس ٌُعلمهم به‪ٌ ،‬زكٌهم به‪َ ٌُ ،‬علِّ ُم ُه ُم ْال ِك َت َ‬
‫ٌن ِم ْن ُه ْم لَمَّا ٌَ ْل َحقُوا ِب ِه ْم} (الجمعة‪ )ٖ:‬أولبك الذٌن عاصروه نعمة كبٌرة علٌهم‪ ،‬و ِم ّنة‬ ‫ضبلل م ُِبٌن‪َ { .‬و َ‬
‫آخ ِر َ‬ ‫َ‬
‫ٌن ِم ْن ُه ْم} من الناس من األمٌٌن {لَمَّا ٌَ ْل َحقُوا ِب ِه ْم َوه َُو ْال َع ِزٌ ُز‬ ‫عظٌمة منّ هللا علٌهم‪ ،‬هم ومن بعدهم { َو َ‬
‫آخ ِر َ‬
‫هللا ُ ُذو ْال َفضْ ِل ْالعَظِ ٌِم} (الجمعة‪ )ٗ:‬هذا فضل عظٌم‬ ‫هللا ٌ ُْإتٌِ ِه َمنْ ٌَ َشا ُء َو َّ‬
‫ك َفضْ ُل َّ ِ‬ ‫ْال َحكٌِم} ذلك فضل َّ‬
‫هللا { َذلِ َ‬
‫من هللا أن ٌبعث فً األمٌٌن‪.‬‬
‫كلمة (أمٌٌِّن) تطلق على العرب؛ باعتبار أنهم كانوا فٌما ٌتعلق بالقراءة والكتابة لم تكن منتشرة فٌهم‪ ،‬وقد‬
‫ٌكون اسما ٌطلق على من سوى أهل الكتاب من األمم‪ ،‬كلمة أمٌٌن‪ :‬تطلق على من سوى أهل الكتاب من‬
‫ْس َعلَ ٌْ َنا فًِ ْاأل ُ ِّمٌ َ‬
‫ٌِّن َس ِبٌل}‪.‬‬ ‫ك ِبؤ َ َّن ُه ْم َقالُوا لٌَ َ‬
‫األمم‪ ،‬وما تزال تستخدم إلى اآلن عند أهل الكتاب أنفسهم { َذلِ َ‬
‫(آل عمران‪ :‬من اآلٌة٘‪ )5‬وكٌفما كانت كان العرب أمة أمٌّة‪ ،‬لٌس لها ثقافة‪ ،‬لٌس فً أوساطها أعداد‬
‫كبٌرة من المثقفٌن من العلماء‪ ،‬أمة تعٌش حالة بدابٌة؛ فؤن تحصل على هذه النقلة العظٌمة من مرحلة‬
‫البدابٌة مرحلة األمٌة إلى أن ُتمنح هذا القرآن العظٌم‪ ،‬الذي جعله هللا مهٌمنا على كل الكتب السماوٌة‬
‫السابقة‪.‬‬
‫ماذا لو تثقفت األمة بثقافة القرآن الكرٌم ؟‬
‫كتاب عظٌم‪ ،‬كتاب واسع‪ ،‬ثقافته عالٌة جداً‪ ،‬عالٌة جداً تجعل هذه األمة ‪ -‬لو تثقفت بثقافته ‪ -‬أعظم‬
‫ثقافة‪ ،‬وأكثر إنجازاً‪ ،‬وأعظم آثاراً فً الحٌاة‪ ،‬وأسمى ‪ ..‬أسمى روحاً‪ ،‬وأسمى وضعٌة‪ ،‬وأزكى وأطهر‬
‫نفوسا ً من أي أمم أخرى‪ ،‬من هنا ٌقول‪ْ ٌَ { :‬تلُو َعلَ ٌْ ِه ْم آ ٌَاتِ ِه َو ٌُ َز ِّكٌ ِه ْم} تكون نفوسهم زاكٌة‪ ،‬مجتمعهم‬
‫زاكً‪ ،‬حٌاتهم زاكٌة‪ ،‬نظرتهم صحٌحة‪ ،‬رإٌتهم صحٌحة‪ ،‬أعمالهم كلها زاكٌة‪.‬‬

‫العرب فرطوا فً شرف عظٌم فما الذي حصل ؟‬


‫نحن عندما فرطنا كعرب فً هذا الشرؾ العظٌم‪ ،‬عندما فرطنا كعرب فً هذا الرسالة العظٌمة التً كان‬
‫المراد أن نكون نحن من نحمل شرؾ حملها إلى اآلخرٌن فً مختلؾ بقاع الدنٌا‪،‬‬

‫ٖ‬
‫ٔ‪ .‬نحن فرطنا فً مسإولٌة كبٌرة‪ ،‬أتاحت الفرصة للٌهود أن ٌتحركوا هم‪ ،‬وبمختلؾ الفبات الضالة‬
‫والمضلة فً هذه الدنٌا‪ ،‬أن تتحرك هً فتمتلا الدنٌا فسادا‪ ،‬وظلما‪ ،‬وٌكون الباطل هو الذي ٌسود‪،‬‬
‫وٌكون الفساد هو الذي ٌحكم‪ ،‬وهو الذي ٌنتشر‪ ،‬وهو الذي ٌمتلك القوة‪ ،‬وٌمتلك الهٌمنة‪.‬‬
‫و لوال أن هناك مسإولٌة جسٌمة جدا علٌنا أدى التفرٌط فٌها إلى أن ٌصبح التفرٌط ذلك جرٌمة أعظم مما‬
‫علٌه اآلخرون لما استحقٌنا أن نكون تحت أقدام من قد ضربت علٌهم الذلة والمسكنة‪ .‬ألٌس العرب اآلن‬
‫أذل من الٌهود؟ ألٌس العرب اآلن أذل من النصارى؟ حقٌقة‪.‬‬
‫عندما نتؤمل نجد أنفسنا فً وضعٌة سٌبة ومخزٌة لماذا؟ ألننا فرطنا فً مسإولٌة كبٌرة‪ ،‬فرطنا فً شرؾ‬
‫عظٌم‪،‬‬

‫ٕ‪ .‬كذلك فقدنا الحكمة‬


‫القرآن الكرٌم ٌجعل كل من ٌسٌرون على وفق توجٌهاته وٌتثقفون بثقافته ٌُمنحون الحكمة‪ .‬والعكس‪ ،‬الذٌن‬
‫ال ٌسٌرون على ثقافة القرآن‪ ،‬ال ٌهتمون بالقرآن سٌفقدون الحكمة‪ ،‬وسٌظهر مدى حاجة الناس إلى الحكمة‬
‫فً المواقؾ المطلوبة منهم فً القضاٌا التً تواجههم‪.‬‬
‫مثبل اآلن فً هذا الوضع الذي نعٌش فٌه وتعٌش فٌه األمة العربٌة‪ ،‬األمة اإلسبلمٌة‪ ،‬ونحن نسمع تهدٌدات‬
‫الٌهود والنصارى‪ ،‬تهدٌدات أمرٌكا وإسرابٌل وسخرٌتها من اإلسبلم ومن المسلمٌن ومن علماء اإلسبلم‬
‫ومن حكام المسلمٌن بشكل رهٌب جدا‪ ،‬تجد موقؾ الناس اآلن موقؾ الناس بكل فباتهم ٌتنافى مع الحكمة‪،‬‬
‫أي هم فقدوا اآلن الموقؾ الحكٌم مما ٌواجهون‪ ،‬الرإٌة الحكٌمة لما ٌواجهون‪ ،‬النظرة الصحٌحة للوضع‬
‫الذي ٌعٌشون‪.‬‬
‫كثٌر من الشباب تابهٌن متخاذلٌن ٌابسٌن ال ٌحملون هم أمتهم و ال ٌعرفون ماذا ٌعملون بل البعض منهم‬
‫أصبح عامل هدم فً جسد األمة و البعض جندٌا ألعداء األمة من حٌث ٌشعر أو من حٌث ال ٌشعر‪.‬‬
‫العرب فقدوا الحكمة فعادوا إلى األُمٌة‪ ،‬عدنا إلى األمٌة من جدٌد‪ ،‬بٌنما هللا سبحانه وتعالى كان قد أنقذنا‬
‫من تلك األمٌة‪ ،‬كنا عرب بدابٌٌن ال نعرؾ شٌبا‪ :‬ال ثقافة‪ ،‬ال تعلٌم‪ ،‬ال وعً‪ ،‬وعً ٌكون بمستوى قضاٌا‬
‫عالمٌة‪ ،‬قضاٌا َت ُه َّم اإلنسان كإنسان بصورة عامة‪.‬‬
‫عدنا من جدٌد إلى األمٌة على الرؼم من وجود القرآن الكرٌم فٌما بٌننا‪ ،‬على الرؼم من أننا نقرأ ونكتب‪،‬‬
‫ومدارس متعددة وصحؾ ومجبلت ومكتبات فً الشوارع‪ ،‬ومكتبات عامة فً الجامعات‪ ،‬ومراكز علم‬
‫كثٌرة جدا‪ ،‬مدارس أساسٌة مدارس ثانوٌة وجامعات ومراكز علمٌة ومكتبات تمؤل الشوارع‪ ،‬وكتب على‬
‫األرصفة أٌضا ُتباع‪ ،‬ومجبلت كل ٌوم تصدر أو كل أسبوع‪ ،‬لكن ال ٌمكن أن ٌُخرج العرب من األمٌة إال‬
‫القرآن الكرٌم‪ ،‬فتصبح أمة ثقافتها أعلى من ثقافة اآلخرٌن‪ ،‬مواقفها حكٌمة‪ ،‬رإٌتها حكٌمة‪.‬‬

‫ٗ‬
‫الحظ عندما ٌقول هللا هنا فً القرآن الكرٌم أن من مهام رسول هللا (صلوات هللا علٌه وعلى آله) أن ٌعلمنا‬
‫الكتاب والحكمة‪ .‬ما هً الحكمة اآلن فً مواجهة أمرٌكا وإسرابٌل‪ ،‬ومإامراتهم‪ ،‬وخططهم؟ والتً‬
‫أصبحت علنٌّة ومكشوفة‪ ،‬وأصبحت أٌضا هجمة لٌس معها وال أي ذرة من احترام لهذه األمة وال حتى‬
‫لزعماء هذه األمة‪ :‬سخرٌة‪ ،‬احتقار‪ ،‬امتهان بشكل عجٌب‪ ،‬ربما لم ٌحصل مثل هذا فً التارٌخ‪ ،‬ما هً‬
‫الحكمة اآلن؟‬
‫هل السكوت و الخضوع و الحٌاد أم المواجهة و الجهاد ‪ .‬و العجٌب أن البعض من المؽفلٌن ٌقولون أن‬
‫السكوت هو الحكمة‪.‬‬

‫مكانة القرآن الكرٌم و قدره و عظمه عند هللا‬


‫قدر القرآن و عظمه عند هللا‬
‫أول شًء مهم فً تعاملك مع القرآن الكرٌم هو‪ :‬العلم ْ‬
‫بقد ِره‪ ،‬بقدر القرآن الكرٌم عند هللا‪ ،‬وعظمه عند هللا‪.‬‬
‫عندما تفتح المصحؾ‪ ،‬وتبدأ تقرأ تكون مستشعرا ألهمٌة هذا الكبلم‪ ،‬أهمٌة القرآن الكرٌم‪ ،‬أوال‪ :‬أنه كبلم‬
‫هللا‪ ،‬وفً نفس الوقت أن هذا الكبلم هو عظٌم القدر عند هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ال ٌؤتً واحد ٌقلب المصحؾ‬
‫مثلما ٌقلب أي كتاب آخر‪ ،‬استشعر هذا فً نفسك‪ ،‬فً ذهنك‪.‬‬

‫القرآن الكرٌم ٌعطً طمؤنٌنة و ثقة‬


‫القرآن الكرٌم فً منهجه‪ ،‬فً هداه‪ ،‬هو بالشكل الذي ٌعطٌك ٌقٌنا‪ٌ ،‬قٌنٌات‪ ،‬تطمبن إلٌها النفس‪ ،‬ما ٌبقى‬
‫حٌرة‪ ،‬وال ٌبقى شكوك‪ ،‬وهذا له أثر كبٌر فً الثقة بالطرٌقة‪ ،‬فً الثقة بالنفس‪ٌ ،‬عنً ٌعطً لك ثقبل‪،‬‬
‫وٌعطٌك ثقة بنفسك‪ .‬اإلنسان إذا عنده منهج مهزوز‪ ،‬مبلن إشكاالت ٌكون ضعٌفا‪ ،‬ألٌس ضعٌفا فً واقعه؟‬
‫ٌدخل فً حوار معٌن‪ٌ ،‬دخل فً مناظرة معٌنة تمر به ضعٌفا‪ ،‬حتى وهو فً نظرته للحٌاة‪ٌ ،‬بقى مهزوزا‪.‬‬
‫والقرآن الكرٌم هو ٌعطً طمؤنٌنة‪ٌ ،‬جعلك واثقا‪ ،‬واثقا من الطرٌقة التً أنت علٌها‪ ،‬واثقا لٌس فقط مثلما‬
‫تقول‪ٌ :‬فرض لها وثوقا‪ ،‬وثوق حقٌقً‪ ،‬تثق بهذه الطرٌقة‪ ،‬فتكون مطمبنا‪ ،‬ما تخاؾ أن هناك شٌبا ممكن‬
‫ٌؽلب ما لدٌك أبدا‪.‬‬
‫هذه قضٌة هامة‪ ،‬حتى عندما تكون تقرإه استشعر أنك تقرأ ماذا؟ كبلم هللا‪ٌ ،‬مكن تطلع فوق السطح ترى‬
‫مظاهر خلق هللا‪ ،‬فتعرؾ أن هللا الذي خلق السماوات واألرض‪ ،‬وخلق هذه األشٌاء كلها‪ ،‬هذا كبلمه‪ .‬فً‬
‫األخٌر ترى أنه شًء كبٌر جدا‪ ،‬ونعمة كبٌرة جدا أن تكون أنت تقرأ كبلم هللا‪ ،‬وتسمع كبلم هللا‪ ،‬وٌكون‬
‫لهداه أثر فً نفسك‪ .‬ما تكون أنت تقرأ المصحؾ مثلما تقرأ أي كتاب آخر‪ ،‬وكؤنه كتاب ماله عبلقة‬
‫بصاحبه‪ ،‬تؤمل ممن هو هذا القرآن الكرٌم‪ ،‬هو كبلم هللا‪ ،‬هو من هللا‪ ،‬نزله هللا‪ ،‬هو وحً هللا‪ ،‬هللا الذي‬
‫خلقنا وخلق السماوات واألرض وما فٌهما‪.‬‬

‫٘‬
‫قوة تؤثٌر القرآن‬
‫ِّل األَ ْم ُر َجمٌِعا} (الرعدٖٔ)]‬
‫ت ِب ِه األَرْ ضُ أَ ْو ُكلِّ َم ِب ِه ْال َم ْو َتى َبل ِّ ّ ِ‬
‫ت ِب ِه ْال ِج َبا ُل أَ ْو قُ ِّط َع ْ‬
‫{ َو َل ْو أَنَّ قُرْ آنا ُسٌ َِّر ْ‬
‫ٌقول المفسرون جمٌعا‪ :‬أي‪ :‬لكان هذا‪ .‬هنا ٌتحدث عن شًء له أثر خارق‪ ،‬أثر ٌعنً بالشكل الذي ٌكون‬
‫أكبر مما تتصور‪ .‬هناك تحدث عن أنه لو أنزله على جبل لتصدع‪ .‬تصور مثبل شٌبا تسٌَّر به الجبال‪ ،‬أو‬
‫تقطع به األرض‪ ،‬أو تكلم به الموتى‪ .‬ألست تتصور تؤثٌرات لشًء من هذا النوع الخارق؟ ٌقول لك‪ :‬لكان‬
‫هذا القرآن‪.‬‬

‫ما سبب فقدان الناس للتؤثٌر القرآنً ؟‬


‫أي هذا القرآن هو على أرقى ما ٌمكن من التؤثٌر‪ ،‬وكله ٌقول لك فً األخٌر‪ :‬لٌس هناك تقصٌر من هذا‬
‫الجانب على اإلطبلق‪ ،‬إنما الخلل هو عندك أنت بالذنوب و المعاصً و اإلعراض‪ ،‬ولتعرف أٌضا ً بؤنك‬
‫تكون مستحقا ً فعلً إذا لم تقبل هذا الهدى أن ٌطبع على قلبك‪ ،‬أن ٌعمً بصرك‪ ،‬أن ٌضلك‪ ،‬أن ٌجعل‬
‫قلبك قاسٌاً‪ ،‬أن ٌقٌض لك شٌطانا‪.‬‬

‫تفوق أعدابنا علٌنا نتٌجة عدم فهمنا للقرآن الكرٌم‬


‫نبلحظ من خبلل واقعنا اآلن ومن خبلل اآلٌة هذه الكرٌمة ( َما ٌَ َود الَّذٌِنَ َك َف ُروا مِنْ أَهْ ِل ا ْل ِك َتا ِ‬
‫ب َوال‬
‫ش ِركٌِنَ أَنْ ٌُ َن َّزل َ َعلَ ٌْ ُك ْم مِنْ َخ ٌْر مِنْ َر ِّب ُك ْم) (البقرة من اآلٌة٘ٓٔ)‬
‫ا ْل ُم ْ‬

‫كٌؾ كانت الخسارة الكبٌرة ربما كنا نحن الجٌل هذا من المسلمٌن ضحٌة‪ ،‬ضحٌة عدم اهتمام األولٌن بهذا‬
‫القرآن بؤن ٌنظروا من خبلله إلى الواقع مع أن اإلمام علٌا قال كلمة جمٌلة جدا تعطً اهتماما كبٌرا‬
‫بالقرآن بؤن ٌكون هو المقٌاس لئلنسان وهو ٌقٌِّم الواقع وٌنظر إلى المستقبل إلى الماضً والحاضر‬
‫والمستقبل من خبلله ((كتاب هللا تبصرون به وتنطقون به وتسمعون به))‪ ،‬البعض منا اآلن ٌقول مثبل ما‬
‫هو وقت أن ٌكون للناس عمل ٌقوم على أساس مواجهة توجه أهل الكتاب ضد هذه األمة ضد المسلمٌن‬
‫ضد دٌنهم أوطانهم ثرواتهم مقدساتهم قد ٌقول بعضهم [ما هو وقت أو لٌس اآلن وقت العمل!] اآلٌة هذه‬
‫هً كانت تفرض على من كان قبلنا بؤربعمابة سنة أو من كان قبلنا بخمسمابة سنة أنهم عندما ٌرون‬
‫بداٌات مإشرات النهوض فً أوروبا أن ٌكونوا مهتمٌن جدا ببناء اإلنسان المسلم بؤن ال ٌتجاوزهم اإلنسان‬
‫الؽربً الذٌن معظم الناس هناك هم من أهل الكتاب أن ال ٌتجاوزوهم‪.‬‬
‫ألن هذه اآلٌة تقول لك أو تعطٌك فً األخٌر معرفة بؤنه فعبل بؤن أولبك عندما ٌنهضون وهم ال ٌودون لً‬
‫أي خٌر ماذا سٌعملون؟ سٌتجهون بكل ما لدٌهم من شر؛ ألن معنى هذا هم أعداء‪ ،‬الذي ال ٌود لك أي‬
‫خٌر هو عدو لك‪ ،‬العدو ما هو الشًء الذي ٌرٌد أن ٌعمله بك هو الشر هو الضر أن ٌحولوا بٌنك وبٌن أي‬
‫خٌر ٌمكن أن تناله‪ ،‬فكان من واجب من قبلنا بخمسمابة سنة أول ما بدأت مإشرات النهوض الصناعً فً‬
‫أوروبا كانت أشٌاء بسٌطة من قبل أن تكتشؾ حتى أمرٌكا‪.‬‬
‫‪ٙ‬‬
‫الٌهود فً مواجهة القرآن الكرٌم‬
‫القرآن الكرٌم فً هذه المرحلة بالذات نحن أحوج ما نكون إلٌه‪ ،‬وفً هذه المرحلة بالذات هو ٌتعرض‬
‫لخطورة بالؽة على أٌدي الٌهود‪ .‬ولٌس القرآن فً نفسه‪ ،‬القرآن فً نفوسنا‪ ،‬القرآن فً حٌاتنا‪ ،‬القرآن فً‬
‫واقعنا هو الذي سٌضرب أما القرآن فً نفسه ال ٌستطٌع الٌهود أن ٌحرفوه ال ٌستطٌعوا أن ٌزٌدوا فٌه وال‬
‫ٌنقصوا منه ال ٌستطٌعوا أبدا أن ٌمسوه بسوء‪ .‬لكن ٌستطٌعوا بالنسبة لنا أن ٌجعلونا بالشكل الذي ال ٌبقى‬
‫للقرآن عبلقة بنفوسنا ال ٌبقى لنا أي اتصال بالقرآن ال ٌبقى لنا أي التفات إلى القرآن‪.‬‬
‫تجدهم ألنهم ٌفهمون أكثر مما نفهم! حربهم تتركز على شًء واحد بشكل مكثف‪ ،‬ومركز ضد القرآن‬
‫الكرٌم‪ ،‬وبعده شخصٌة الرسول (صلوات هللا علٌه وعلى آله ) وفً نفس الوقت اللغة العربٌة‪.‬‬
‫هذه الثبلثة األشٌاء التً ٌركزون على حربها‪ :‬القرآن الكرٌم رقم واحد فً الموضوع‪ ،‬ال ٌحاولون أن‬
‫ٌحاربوا أشٌاء أخرى‪ ،‬مظاهر أخرى‪ ،‬مساجد كثٌرة تبنى‪ ،‬أشٌاء كثٌرة‪ ،‬علماء كثٌرون مختلفون‪ٌ ،‬عتبرون‬
‫هذا ٌساعد على خلق فرقة فً أوساط الناس‪ ،‬مذاهب متعددة‪ .‬هل هم ٌقولون‪ :‬هإالء المسلمٌن مذاهب‬
‫كثٌرة نحاول ننقصهم‪ ،‬ننقصهم حتى ٌعودوا مذهب واحد‪ .‬هل عندهم الفكرة هذه؟ ال‪..‬هم ٌرون بؤن هذا‬
‫ٌساعد أفضل تتوسع المذاهب‪ ،‬وعلماء كثٌر ٌنتشرون مختلفٌن‪ ،‬وتكون الساحة كلها ساحة قلقة‪.‬‬
‫لو أن القرآن الكرٌم‪ ،‬أو نقول‪ :‬لو فهموا أن القرآن الكرٌم كتاب ٌمكن أن ٌخلق ماذا؟ آراء متعددة‪ ،‬أفكار‬
‫متباٌنة‪ ،‬أقوال متضاربة‪ ،‬لما تعرضوا له إطبلقا‪ ،‬هل تفهمون هذه؟ لما تعرضوا له‪ .‬هم ال ٌتعرضون‬
‫لكتب الحدٌث هل تعرفوا هذا ؟ ال ٌتعرضون لكتب الحدٌث‪ ،‬بل ٌخدمونها‪ٌ ،‬ؤتً مستشرقون ٌضعون‬
‫فهارس للحدٌث‪ ،‬كتاب واحد ٌسهل لك الرجوع إلى أي حدٌث تبحث عنه‪ ،‬فً أي من أمهات‪ ،‬ومسانٌد‪،‬‬
‫ومجامٌع الحدٌث‪ٌ ،‬خدمونها خدمة‪.....‬ألن الكثٌر منها تحتوي على أحادٌث مكذوبة وموضوعة تإدي إلى‬
‫تفرق األمة و ضٌاعها‪.‬‬
‫تعدد المذاهب ٌخدمهم أٌضا! هم صنعوا طوابؾ إسبلمٌة خبلل المابة السنة الماضٌة‪ ،‬والمابتً السنة‬
‫الماضٌة‪ ،‬صنعوا طوابؾ جدٌدة كالوهابٌة‪ ،‬والبهابٌة‪ ،‬والقادٌانٌة‪ ،‬صنعوا هم هذه الطوابؾ لتفرٌق األمة‬
‫وأن لؽة القرآن اللؽة العربٌة التً هً أساس من أسس فهمه ٌجب أن تحارب‪ٌ ،‬جب أن تقصى‪ ،‬أن تعمم‬
‫بدال منها اللؽة االنجلٌزٌة‪ ،‬أن نترك الشباب ٌشعرون بإعجاب‪ ،‬بعظمة‪ ،‬عندما ٌتعلمون اللؽة اإلنجلٌزي و‬
‫فً نفس الوقت إهمال اللؽة العربٌة‪.‬‬
‫حرب شعواء ضد اللؽة العربٌة؛ ألنها لؽة القرآن الكرٌم‪ ،‬وأن هللا سبحانه وتعالى قال‪ِ { :‬ب ِل َسان َع َر ِبً‬
‫م ُِّبٌن} (الشعراء٘‪{ )ٔ9‬قُرْ آنا َع َر ِبٌّا} (ٌوسؾٕ) أكثر من ثبلث آٌات تحدث هللا عن القرآن أنه عربً‪،‬‬
‫باللؽة العربٌة‪ ،‬بلسان العرب‪.‬‬
‫فنون أخرى مثل علم الكبلم أو أصول الفقه ال ٌتعرضون لها‪ ،‬فنون أخرى مما ٌقطع الكثٌر منا أوقاتهم‬
‫وهم منهمكون فً دراستها ال ٌتعرضون لها‪ ،‬حتى وإن كانت باسم علوم إسبلمٌة‪ ،‬حتى وإن قدمت فً‬

‫‪5‬‬
‫أوساطنا بؤنها من آلٌات فهم القرآن الكرٌم‪ ،‬من آلٌات استنباط األحكام الشرعٌة‪ ،‬من آلٌات كذا‪ .‬ال‬
‫ٌتعرضون لها‪ٌ ،‬رون أنها تخدم القضٌة‪.‬‬
‫لماذا ٌحاربون القرآن بالذات ؟‬
‫ٔ‪ .‬ألنهم ٌعرفون أن القرآن الكرٌم هو وحده‪ ،‬هو وحده الذي ٌستطٌع أن ٌبنً أمة واحدة‪ ،‬هو الذي‬
‫ٌستطٌع أن ٌبنً أمة قوٌة‪،‬‬
‫ٕ‪ .‬ألنهم ٌعلمون أنه كتاب من ٌلتفون حوله لن ٌفترقوا و لن ٌختلفوا‪ ،‬سٌكونون كما قال هللا‪ :‬معتصمٌن‬
‫بحبل واحد‪ ،‬عندما قال‪َ { :‬واعْ َتصِ مُو ْا ِب َحب ِْل ّ ِ‬
‫هللا َجمٌِعا َوالَ َت َفرَّ قُو ْا} (آل عمرانٖٓٔ)‬
‫ٖ‪ .‬ألنه ٌستقٌم باألمة و ٌقوم أي اعوجاج ‪.‬‬

‫القرآن كتاب عملً‬


‫لنعد بجدٌة إلى التمسك بالقرآن الكرٌم كما ٌرٌد هللا سبحانه وتعالى منا إذ ٌقول‪َ { :‬و َه َذا ِك َتاب أَ ْن َز ْل َناهُ ُم َب َ‬
‫ارك‬
‫َفا َّت ِب ُعوهُ َوا َّتقُوا لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمونَ } (األنعام‪ )ٔ٘٘:‬لننظر هل القرآن الكرٌم له نظرة حول ما ٌحدث؟ هل له‬
‫موقؾ حول ما ٌجري فً هذا العالم؟ هل ٌرٌد منا أن نتحمل مسبولٌة ما؟ هل ٌرٌد منا أن نعمل عمبل ما؟‬
‫هل ٌرٌد أن ٌكون لنا موقؾ من كل ما ٌجري؟ من كل ما ٌحدث؟‪.‬‬
‫كل ذلك فً إطار قاعدة نرٌد أن نسٌر علٌها جمٌعا هً‪ :‬أن نهتدي بالقرآن‪ ،‬وأن نثقؾ أنفسنا بثقافة القرآن‬
‫الكرٌم‪ ،‬لنبحث الهدى من خبلله‪ ،‬ولندعو إلٌه‪ ،‬ولنسٌر على هداه باستقامة وثبات‪.‬‬
‫القرآن الكرٌم فٌه رسم هللا سبحانه وتعالى لعباده الطرٌق التً توصلهم إلى رضاه وجنته‪ ،‬وفٌه أبان أٌضا‪،‬‬
‫وأوضح الطرٌق التً ٌستوجب بها الناس سخطه وعذابه فً الدنٌا واآلخرة‪ ،‬فعندما ٌقول فً كتابه الكرٌم‪:‬‬
‫ارك َفا َّت ِبعُوهُ َوا َّتقُوا لَ َعلَّ ُك ْم ُترْ َحم َ‬
‫ُون} (األنعام‪ )ٔ٘٘:‬نجد فً هذه اآلٌة المباركة أنه‬ ‫{ َو َه َذا ِك َتاب أَ ْن َز ْل َناهُ ُم َب َ‬
‫وصؾ هذا الكتاب أنه هو الذي أنزله‪ ،‬هو الذي أنزله ‪ ..‬رحمة منه بنا‪ ،‬هداٌة منه لنا‪ ،‬رعاٌة منه بنا ‪..‬‬
‫وأن هذا الكتاب كتاب كامل‪ ،‬فٌه الهدى الكامل‪ ،‬فٌه النور الكامل‪ ،‬ال ٌنقصه شًء‪ ،‬وأنه مبارك‪ ،‬مبارك‬
‫من ٌسٌر علٌه‪ ،‬مبارك من ٌهتدي به‪ ،‬مبارك من ٌتمسك به‪ ،‬مبارك فً أثره فً النفوس‪ ،‬وأثره فً الحٌاة‬
‫ارك} هً فً القرآن الكرٌم‪ ،‬ومن خبلل القرآن الكرٌم‪ ،‬ولمن ٌسٌرون على نهجه‬ ‫‪ ..‬كل ما تعنٌه كلمة‪ُ { :‬م َب َ‬
‫تتحقق على أعلى وأرقى مستوى‪.‬‬
‫{ َفا َّت ِب ُعوهُ}؛ ألن هللا سبحانه وتعالى الذي أنزل هذا الكتاب الكرٌم هو الملك‪ ،‬من له ملك السماوات‬
‫واألرض‪ ،‬من له ما فً السماوات واألرض‪ ،‬من ٌدبر شبون السماوات واألرض‪ ،‬وشبون عباده من الجن‬
‫واإلنس‪ ،‬من ٌعلم بما ٌمكن أن ٌجري فً هذه الحٌاة‪ ،‬من ٌعلم خصابص النفس اإلنسانٌة‪ ،‬وما ٌمكن أن‬
‫ٌنبع منها‪ ،‬وما ٌمكن أن ٌحدث على ٌدٌها من فساد فً هذه األرض‪ .‬فؤلن هللا هو الملك‪ ،‬هو اإلله تجد‬
‫القرآن الكرٌم ٌتحدث عن هللا سبحانه وتعالى بؤنه إله قٌوم حً أي ‪ -‬إن صح التعبٌر ‪ -‬عملً‪ٌ ،‬عمل‪ٌ ،‬دبر‪،‬‬
‫ٌخلق‪ٌ ،‬سٌّر‪ٌ ،‬هٌا‪ٌ ،‬ثٌب‪ٌ ،‬عاقب‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫كٌؾ ٌمكن أن ٌكون هناك ملك للسماوات واألرض‪ ،‬ومن له ملك السماوات واألرض‪ ،‬وملك عباده‪ ،‬ثم‬
‫ٌقؾ من الجمٌع موقؾ البلمباالة‪ ،‬إنما تكرم علٌهم أن ٌنزل إلٌهم كتابا لمجرد التبلوة‪ ،‬ومجرد الترفٌه على‬
‫أنفسهم فً أوقات الشدة! ال‪ .‬إن من هو المدبر لما فً السماوات وما فً األرض‪ ،‬من قال عن نفسه‬
‫ان ِم ْقدَ ا ُرهُ أَ ْل َ‬
‫ؾ‬ ‫سبحانه وتعالى فً سعة تدبٌره‪َ ٌُ { :‬د ِّب ُر ْاألَم َْر م َِن ال َّس َما ِء إِلَى ْاألَرْ ِ‬
‫ض ُث َّم ٌَعْ ُر ُج إِلَ ٌْ ِه فًِ ٌَ ْوم َك َ‬
‫ون} (السجدة‪ )٘:‬فً الٌوم الواحد ٌدبر ما ال ٌدبر العباد مثله إال فً ألؾ سنة‪ ،‬فً الٌوم‬ ‫َس َنة ِممَّا َت ُع ُّد َ‬
‫الواحد‪.‬‬
‫إذا فهذا الكتاب الذي أنزله من عنده سبحانه وتعالى هو نزل من عند ملك‪ ،‬إله‪ ،‬مدبر‪ ،‬حً‪ ،‬قٌوم‪ ،‬علٌم‪،‬‬
‫حكٌم‪ ،‬سمٌع‪ ،‬بصٌر‪ ،‬رحٌم‪ .‬وهو كتاب عملً‪ ،‬كتاب عملً للحٌاة ٌتحرك بحركة الحٌاة‪ .‬فؤن تجمد أمة‬
‫بٌن ٌدٌها القرآن الكرٌم هً لٌست جدٌرة بحمله‪ ،‬هً أمة ال تتخلق بؤخلقه‪ ،‬هً أمة تنبذ القرآن وراء‬
‫ظهرها‪ ،‬هً أمة تهجر القرآن‪ ،‬هً أمة جدٌرة بؤن تعٌش منحطة ذلٌلة مقهورة‪.‬‬
‫فعندما ٌقول هللا سبحانه وتعالى لنا‪َ { :‬فا َّت ِبعُوهُ}؛ ألن فٌه ما نحن بحاجة إلى اتباعه‪ ،‬نحن ال نجد فً سواه ما‬
‫ٌمكن أن ٌجعلنا نثق به فً اتباعنا له‪ .‬هو كتاب عملً ا َّت ِبعُوهُ‪ .‬ال تستطٌع أن تقول‪ :‬ماذا نتبع فٌه؟‪ .‬ماذا؟ ما‬
‫الذي فٌه؟‪.‬‬
‫{ َوا َّتقُوا} وتؤتً كلمة {ا َّتقُوا} فً مواضع كثٌرة فً القرآن الكرٌم‪ ،‬فً حاالت التحذٌر عن التفرٌط مما‬
‫ألزم به سبحانه وتعالى‪ ،‬فبعد أن قال‪َ { :‬فا َّت ِبعُوهُ َوا َّتقُوا}‪ :‬أحذروا أن تفرطوا فً اتباعكم له‪ ،‬أحذروا أن‬
‫تبتعدوا عن اتباعكم له‪.‬‬
‫ثم بعد أن نكون قد اتبعناه‪ ،‬واتقٌنا هللا فً أن ال نفرط فً اتباعنا له‪{ ،‬لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمونَ } عسى أن ترحموا‪،‬‬
‫ُون} عسى أن ترحموا‪ ،‬رجاء أن ترحموا؛‬ ‫هذا الجزء من هذه اآلٌة المباركة قول هللا تعالى‪{ :‬لَ َعلَّ ُك ْم ُترْ َحم َ‬
‫لٌوحً للناس أن من ال ٌتبعون القرآن ما أبعدهم عن رحمته‪ ،‬أن من ال ٌتقون هللا فً تفرٌطهم فً اتباع‬
‫القرآن ما أبعدهم عن رحمته‪ ،‬وأٌن رحمته؟ وأٌن مستقر رحمته؟ رحمته فً الدنٌا‪ ،‬ومستقر رحمته فً‬
‫اآلخرة وهً الجنة‪ ،‬ألٌس فً هذا نوع من التهدٌد؟ ألٌس فً هذا إٌحاء بخطورة الموقؾ؟‪.‬‬

‫القرآن الكرٌم هو نور‬


‫ٌتكرر كثٌرا الحدٌث عن الهدى‪ ،‬عن هدى هللا بؤنه نور؛ ألن هنا تتصور معه بؤنه تكون الحٌاة ظلمات‬
‫كلها‪ ،‬تكون الحٌاة كلها ظلمات‪ .‬فاإلنسان بحاجة إلى هذا النور‪ ،‬تمثل فً آٌة أخرى‪{ :‬أَ َو َمن َك َ‬
‫ان َمٌْتا‬
‫ارج ِّم ْن َها} (األنعامٕٕٔ)‬ ‫ت لٌَ َ‬
‫ْس ِب َخ ِ‬ ‫َفؤَحْ ٌَ ٌْ َناهُ َو َج َع ْل َنا لَ ُه ُنورا ٌَ ْمشِ ً ِب ِه فًِ ال َّن ِ‬
‫اس َك َمن َّم َثل ُ ُه فًِ ُّ‬
‫الظل ُ َما ِ‬
‫والتشبٌه لها بالظلمة‪ ،‬ألٌس اإلنسان فً الظلمة الحقٌقٌة هذه ٌحتار‪ ،‬وٌتوقؾ فبل ٌدري أٌن ٌذهب‪ ،‬هكذا أو‬
‫هكذا؟ هو نفس الشًء فً األمور المعنوٌة‪ ،‬فً شإون الحٌاة‪.‬‬
‫فاإلنسان إذا لم ٌسر على هدي هللا ٌكون متخبطا فً واقعه‪ ،‬ما ٌدري إال عندما ٌضرب برأسه هنا ‪ ..‬وكم‬
‫ضربات تؤتً للناس! ٌكون متخبطا ٌعنً‪ ،‬ظبلم حقٌقً‪ ،‬وهكذا ٌكون شكل الناس فً ظلمات الضبلل مثل‬
‫شكلك وأنت فً طرٌق متجه ألي مكان آخر فً ظلمات اللٌل‪ ،‬فً ظبلم شدٌد‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫[فؤعلمنا سبحانه بؤنه هو نور السموات واألرض ومن فٌهما] هو مصدر النور الذي هو الهدى للبشرٌة‬
‫فً هذه الحٌاة هو هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬نور الهداٌة‪[ .‬هو نور السموات واألرض‪ ،‬ومن فٌهما‪ ،‬إذ هو‬
‫الهادي لكل من اهتدى من أهلٌهما] ولن ٌحصلوا على الهدى إال من عنده‪.‬‬

‫القرآن ٌحصن أتباعه من أي باطل و ٌعطٌهم ثقافة استباقٌة‬

‫[{ َوإِ َّن ُه َل ِك َتاب َع ِزٌز َال ٌَؤْتٌِ ِه ا ْل َباطِ ل ُ مِن َب ٌْ ِن ٌَ َد ٌْ ِه َو َال مِنْ َخ ْل ِف ِه َت ِ‬
‫نزٌل ِّمنْ َحكٌِم َحمٌِد} (فصلتٕٗ)] ال‬
‫ٌوجد فٌه منفذ للباطل على اإلطبلق‪ ،‬ال ٌتطرق إلٌه الباطل‪ ،‬ال أن ٌكون شاهدا على باطل‪ ،‬وال أن ٌُلحق‬
‫به باطل‪ ،‬وٌُفرض علٌه باطل‪ ،‬ف ٌُضَّمن معانٌه وٌضَّمن ما ٌدل علٌه‪.‬‬

‫القرآن هو بالشكل الذي ٌجعل الناس الذٌن ٌسٌرون على هدٌه بهذا الشكل‪:‬‬
‫فؤي باطل ما ٌستطٌع أن ٌنال منهم‪ ،‬إذا أنت تتثقؾ بثقافة القرآن‪ ،‬ومعرفتك معرفة القرآن‪ ،‬ورإٌتك رإٌة‬
‫القرآن‪ ،‬فؤي باطل ال ٌمكن ٌنال منك‪ ،‬ال ٌمكن ٌإثر علٌك نهابٌا‪ ،‬بل أي باطل ٌظهر سترى فٌه شاهدا‬
‫على أنك على حق‪ٌ ،‬كون بهذا الشكل‪ ،‬تكون القضٌة بهذا الشكل‪ ،‬ال ٌعد هناك باطل إال ٌفٌدك أنت رؼما‬
‫عنه‪ ،‬هللا جعل القضٌة بهذا الشكل‪ :‬أن الباطل ٌفٌد الحق رغما ً عنه‪ ،‬وٌكون فً نفسه شهادة على أن الحق‬
‫حق‪ ،‬وأنه هو باطل رؼما عنه‪.‬‬
‫فإذا اإلنسان ال ٌسٌر على القرآن ٌدخل الباطل من بٌن ٌدٌه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته ومن كل مكان‬
‫نزٌل مِّنْ َحكٌِم َحمٌِد} حمٌد‪ :‬من الحمد من المجد‪َ { .‬ت ِ‬
‫نزٌل مِّنْ َحكٌِم‬ ‫ٌدخل له‪ ،‬فً نفسٌته وفً واقعه‪َ { .‬ت ِ‬
‫َحمٌِد}!! البعض ٌقرإها دون أن ٌكون لها أي أهمٌة عنده‪.‬‬
‫ْ‬
‫ْن ٌَدَ ٌْ ِه َو َال مِنْ َخ ْل ِف ِه َت ِ‬
‫نزٌل مِّنْ َحكٌِم َحمٌِد} هنا ٌقول لك‪ :‬امشوا‬ ‫هذه اآلٌة هامة جدا‪َ { :‬ال ٌَؤتٌِ ِه ْالبَاطِ ُل مِن َبٌ ِ‬
‫علٌه تصبحون أنتم بالشكل الذي ال ٌستطٌع الباطل أن ٌتطرق إلٌكم‪ ،‬ال فً نفوسكم‪ ،‬وال فً واقع حٌاتكم‬
‫نهابٌا‪ .‬وفعبل تجد إلى ما ٌهدي إلٌه فً بقٌة األشٌاء أنه بالشكل الذي ال ٌعد ٌرى الباطل له مكانا فً الدنٌا‬
‫هذه‪ ،‬ال ٌعد ٌرى له مكان‪.‬‬
‫القرآن كذلك ٌعطٌنا ثقافة استباقٌة‬
‫ولهذا كان تثقٌفه ٌقوم للمإمنٌن على أساس السبق‪ ،‬المبادرة‪ ،‬العمل على أساس االحتماالت المستقبلٌة‪.‬‬
‫تجد واقعنا بالشكل المؽلوط تماما‪ ،‬ما ٌإمن بالقضٌة إال بعدما تقع‪ ،‬ما ٌإمن بؤن األمرٌكً بعده إال بعد ما‬
‫ٌراه عند باب بٌته فٌقول‪ :‬وهللا صحٌح‪ ،‬من هذا النوع‪ .‬هنا ال‪ ،‬القرآن هو بالشكل الذي ٌعطً ثقافة‪ ،‬تجعل‬
‫الباطل ال ٌجد له مكانا فً الدنٌا هذه‪ ،‬ال ٌجد له مكانا فً نفسك‪ ،‬ال ٌجد له مكانا فً ببلدك‪.‬‬

‫ٓٔ‬
‫هذه المرحلة هً أنسب مرحلة لتقدٌم القرآن الكرٌم‬
‫بعد فشل كل النظرٌات فً العالم و كلما كبرت األحداث‪ ،‬كلما ظهرت أهمٌة القرآن أكثر فؤكثر‪ ،‬وكلما‬
‫تقدمت األٌام‪ ،‬وأٌضا ظهرت متؽٌرات أخرى‪ ،‬كلما ظهر أهمٌة أن ننطلق فً سبٌل هللا فً العمل بجدٌة‪،‬‬
‫وأنه فعبل من ٌسٌرون على هدي هللا‪ ،‬وهدي كتابه‪ ،‬ال ٌكتشفون أنفسهم أنهم سلكوا طرقا ثم ندموا فً‬
‫سلوكها‪ ،‬أنهم تبنوا أشٌاء‪ ،‬ثم ندموا على تبنٌها؛ تجدهم دابما ٌلجموا‪ ،‬أخطاء‪ٌ ،‬خطً وٌصحح‪ ،‬وٌخطً‬
‫وٌصحح دابما!‪.‬‬
‫ما هو الفرق بٌن من ٌنظرون الى األحداث بنظرة قرآنٌة و من ال ٌنظرون الٌها نظرة قرآنٌة ؟‬
‫تؤتً هذه األحداث من خبلل تحرك األمرٌكٌٌن‪ ،‬تحرك اإلسرابٌلٌٌن‪ ،‬تحرك دول الؽرب هذه‪ .‬من ٌتؤملها‬
‫بنظرة قرآنٌة ال ٌمكن أن ٌحصل لدٌه إحباط‪ ،‬وال ٌحصل لدٌه ٌؤس‪ ،‬بل ٌمكن أن ٌرى هذه الفترة من‬
‫أفضل‪ ،‬وأحسن الفترات بالنسبة لئلسبلم‪ ،‬لمن ٌعرفون كٌؾ ٌتحركون فً سبٌل اإلسبلم‪ ،‬فعبل‪.‬‬
‫ومن ال ٌنظرون نظرة قرآنٌة‪ٌ ،‬جدوها فترة مظلمة‪ ،‬وفترة رهٌبة‪ .‬هً فعبل رهٌبة‪ ،‬وخطٌرة‪ ،‬لكن لمن ال‬
‫ٌتحركون على هدي القرآن‪ ،‬فهً خطٌرة‪ ،‬ورهٌبة فعبل‪ ،‬هنا فً الدنٌا‪ ،‬وفً اآلخرة‪.‬‬
‫أما من ٌسٌرون على هدي هللا‪ ،‬على هدي كتابه ‪ -‬على حسب فهمنا‪ ،‬وتقٌٌمنا ‪ -‬أنها من أفضل المراحل‬
‫فً تارٌخ هذه األمة‪ ،‬لمن ٌعملون فً سبٌل هللا فقط‪ ،‬لمن ٌتحركون فً سبٌل هللا‪ ،‬وعلى أساس كتابه‪.‬‬

‫القرآن الكرٌم هو المخرج أمام الفتن ( وقفة مع الحدٌث النبوي )‬

‫الرسول (صلوات هللا علٌه وعلى آله) ٌقول فً حدٌث رواه اإلمام علً (علٌه السبلم) ‪ ،‬عن علً بن أبً‬
‫طالب (علٌه السبلم) قال سمعت رسول هللا (صلوات هللا علٌه وعلى آله) ٌقول‪(( :‬أال إنها ستكون فتنة ‪..‬‬
‫فقلت ما المخرج منها ٌا رسول هللا؟‪ .‬قال‪ :‬كتاب هللا فٌه نبؤ ما قبلكم‪ ،‬وخبر ما بعدكم))‪.‬‬
‫قلنا أكثر من مرة بؤن القرآن الكرٌم ٌستطٌع أن ٌكشؾ لكل أمة واقعها‪ٌ ،‬ستطٌع أن ٌكشؾ لك الواقع‪.‬‬
‫((فٌه خبر ما بعدكم)) خبر ما سٌؤتً بعدكم لكن لٌس على سبٌل اإلخبار التارٌخً بؤنه سٌؤتً فً عام كذا‬
‫وكذا ٌحصل كذا وكذا ‪ ..‬ال‪ .‬بطرٌقة أخرى بطرٌقة أخرى ال ٌستطٌع أحد أن ٌعملها‪.‬‬

‫((أال إنها ستكون فتنة ‪ ..‬فقلت‪ :‬ما المخرج منها ٌا رسول هللا؟‪ .‬قال‪ :‬كتاب هللا فٌه نبؤ ما قبلكم)) ونبؤ ما‬
‫ب} (ٌوسؾ‪ :‬من‬ ‫صصِ ِه ْم عِ ب َْرة ِألُولًِ ْاألَ ْل َبا ِ‬ ‫قبلنا فٌه عبرة ودروس لنا فً مقام الهداٌة {لَ َق ْد َك َ‬
‫ان فًِ َق َ‬
‫اآلٌةٔٔٔ)‪.‬‬
‫ٔٔ‬
‫وح َكم ما بٌنكم‪ ،‬هو الفصل لٌس بالهزل)) فٌجب أن نتعامل مع القرآن بجدٌة‪ ،‬هو‬
‫((وخبر ما بعدكم‪َ ،‬‬
‫فصل فً كل القضاٌا‪ ،‬فصل فً مقام الهداٌة ٌرشد للتً هً أقوم‪.‬‬
‫((لٌس بالهزل)) هو كتاب عملً‪ ،‬كتاب للحٌاة‪ ،‬كتاب للنفوس‪ ،‬كتاب للهداٌة‪ ،‬لٌس فٌه مفردة واحدة ال‬
‫تعطً هداٌة‪ ،‬لٌس فٌه آٌة واحدة ال تعطً هداٌة‪ ،‬حتى تلك التً ٌقول عنها أصحاب الناسخ والمنسوخ‪ ،‬أو‬
‫أصحاب [قواعد أصول الفقه]‪ :‬هذه اآلٌة منسوخة‪ .‬ما الحكمة من بقابها؟ قال‪ :‬لمجرد التعبد بتبلوتها‪ .‬هذا‬
‫ؼٌر صحٌح بل كل مفردة فٌه فٌها هداٌة كبرى‪ ،‬كل آٌة تهدي هداٌة‪ ،‬أحٌانا تفتح كثٌر من اآلٌات أبوابا‬
‫واسعة من أبواب الهداٌة‪.‬‬
‫((من تركه من جبار قصمه هللا)) حتى وهو جبار متى ما ترك القرآن ٌتعرض ألن ٌقصمه هللا‪ ،‬فكٌؾ‬
‫بؤولبك المستضعفٌن الذٌن لٌس لدٌهم ما ٌحمٌهم إذا ما تركوا القرآن سٌُقصمون سرٌعا على أٌدي‬
‫الجبارٌن‪ ،‬هذا هو جبار أي ٌمتلك قدرة أن ٌحمً نفسه بل هو من ٌتسلط على اآلخرٌن متى ما ترك‬
‫القرآن فإنه ٌتعرض هو ألن ٌقصمه هللا‪ .‬لكن هناك سنن ثابتة فً القرآن الكرٌم فً قصم الجبارٌن‪.‬‬
‫((ومن ابتغى الهدى من غٌره أضله هللا)) حتى عندما تعرؾ الواقع الذي أنت تعٌش فٌه‪ ،‬وتعرؾ‬
‫المرحلة السٌبة التً أنت تعٌش فٌها‪ ،‬والضبلل الذي ٌنتشر من ٌمٌنك وشمالك‪ ،‬وأنت هناك من ٌهتم بنفسه‬
‫فتبحث عن الهدى‪ ،‬وإن كان لدٌك حرص كبٌر على أن تهتدي فإنك عندما تبحث عن الهدى فً ؼٌر‬
‫القرآن‪ ،‬وعن ؼٌر القرآن تضل‪ ،‬بل ٌضلك هللا‪ ،‬وكلمة‪(( :‬ابتؽى)) ٌعنً طلب الهدى ‪ ..‬من الذي ٌطلب‬
‫الهدى؟؟‪ .‬من ٌشعر بحاجة إلى الهدى‪ ،‬حتى من ٌشعر بحاجة إلى الهدى متى ما انطلق لٌهتدي من هنا أو‬
‫من هنا سٌضل‪.‬‬
‫((وهو حبل هللا المتٌن‪ ،‬وهو الذكر الحكٌم‪ ،‬وهو الصراط المستقٌم‪ ،‬هو الذي ال تزٌغ به األهواء‪ ،‬وال‬
‫تلتبس به األلسن وال ٌشبع منه العلماء))‪ .‬متى ما اختلفت األلسن وهً تتلوه‪ ،‬متى ما اختلفت األلسن‬
‫ون} (الحجر‪ .)9:‬وما أكثر ما حصل‬ ‫الذ ْك َر َوإِ َّنا لَ ُه لَ َحاف ُ‬
‫ِظ َ‬ ‫وهً تعبر عنه ال ٌإثر هذا علٌه {إِ َّنا َنحْ نُ َن َّز ْل َنا ِّ‬
‫من التباس األلسنة حول القرآن الكرٌم‪ ،‬التباس رهٌب على أٌدي المفسرٌن‪ ،‬على أٌدي أصحاب فنون‬
‫كثٌرة من الفنون التً ٌقال بؤنها تخدم القرآن الكرٌم‪ ،‬التباس كثٌر حصل‪ ،‬ولكن القرآن ما ٌزال هو‪ ،‬هو‪،‬‬
‫ال ٌمكن أن ٌمسه أحد بسوء‪ ،‬وال ٌزال هو هو ٌرفض كلما ٌلصق به مما ال ٌنسجم معه‪.‬‬
‫((وال ٌشبع منه العلماء)) ال ٌشبع منه العلماء؛ ألن فٌه المعرفة الواسعة‪ ،‬هو بحر ال ٌدرك قعره‪.‬‬
‫لكن أصبحنا فً موقؾ عجٌب‪ ،‬الشخص منا متى ما كان فقٌرا ٌقول لآلخرٌن‪ :‬ما معً إال هللا‪ .‬ألٌس هكذا‬
‫ٌقول؟ ٌقال للشخص الذي ٌتعلم القرآن‪ :‬أنت بتقرأ؟ أنت تتعلم؟ ٌقول‪ :‬نعم‪ .‬فً ماذا؟ ٌقول‪ :‬فً القرآن‪،‬‬
‫أتعلم حصة فً القرآن‪ .‬وماذا؟ ألٌس الواحد ٌقول‪ :‬وماذا هل معك شًء آخر‪ ،‬لم ٌعد هنا شعور بؤن القرآن‬
‫ٌكفً إلى درجة أنه ال ٌشبع منه العلماء‪ .‬ومن العلماء؟‪ .‬العلماء الذٌن ٌؽوصون فً أعماق أعماقه‪ ،‬ال‬
‫ٌزالون مهما ُع ِّمرُوا ال ٌشبعون منه‪ .‬أي هو بحر علوم‪.‬‬

‫((وال ٌَ ْخ َل ُق على كثرة ّ‬


‫الرد)) مهما تردد الحٌاة تتردد من حولك وتتؽٌر‪ ،‬وتحدت أحداث متعددة والقرآن‬
‫كلما ترجع إلٌه ٌفٌدك ٌعطٌك هدى‪ٌ ،‬كشؾ لك شٌبا ‪ ..‬كل ٌوم ترجع إلٌه‪ .‬ألٌست الحٌاة هكذا تتحرك؟‬

‫ٕٔ‬
‫الحٌاة كلها تتحرك متؽٌرات تطرأ‪ ،‬أحداث تطرأ‪ ،‬القرآن ٌكشؾ لك الكثٌر الكثٌر عنها‪ ،‬وكٌؾ تنظر إلٌها‪،‬‬
‫وكٌؾ تتعامل معها‪.‬‬
‫((وال تنقضً عجاببه)) حكم عجٌبة ٌعطٌها‪ ،‬أمور عجٌبة ٌكشفها‪ ،‬سبل عجٌبة ٌهدي إلٌها قٌم عجٌبة‪.‬‬
‫أٌضا ((هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا‪{ :‬إِ َّنا َسمِعْ َنا قُرْ آنا َع َجبا ٌَ ْهدِي إِلَى الرُّ ْش ِد} (الجن‪ :‬من‬
‫ضرُوهُ َقالُوا أَ ْنصِ ُتوا َفلَمَّا قُضِ ًَ َولَّ ْوا إِلَى َق ْوم ِِه ْم ُم ْنذ ِِر َ‬
‫ٌن َقالُوا ٌَا َق ْو َم َنا إِ َّنا َسمِعْ َنا ِك َتابا‬ ‫اآلٌةٕ)))‪َ { .‬فلَمَّا َح َ‬
‫ُص ِّدقا لِ َما َبٌ َْن ٌَ َد ٌْ ِه ٌَ ْهدِي إِلَى ْال َح ِّق َوإِلَى َط ِرٌق مُسْ َتقٌِم} (االحقاؾ‪ )ٖٓ:‬كذلك قالوا‪:‬‬ ‫أ ُ ْن ِز َل مِنْ َبعْ ِد مُو َسى م َ‬
‫{إِ َّنا َسمِعْ َنا قُرْ آنا َع َجبا } عجٌب فٌه العجابب‪ْ ٌَ { ،‬هدِي إِلَى الرُّ ْش ِد}‪.‬‬
‫حاولوا أن تربطوا أنفسكم فً عملكم بالقرآن وأنت ترشد حاول أن تدور حول القرآن وتنزل القرآن‬
‫للناس وتعرض آٌاته للناس وتذكرهم به؛ ألنك هنا لن تقع فً باطل‪ ،‬لن تقع فً باطل إذا كنت تقول به‪،‬‬
‫ولٌس تتقوّ ل علٌه‪ .‬هناك من ٌرجع إلى القرآن ولكنه ٌتقوّ ل على القرآن من منطلق عقابد فاسدة لدٌه‪ ،‬أو‬
‫قواعد باطلة ٌنظر من خبللها إلى القرآن الكرٌم فٌصبح ُم َت َقوِّ ال علٌه‪ ،‬لكن ال‪.‬‬

‫((من قال به صدق‪ ،‬ومن عمل به أ ُ ِ‬


‫جر‪ ،‬ومن َح َكم به عدل)) فٌعنً هذه ضمانات ما دمت تتحرك فً‬
‫إطار القرآن فكل شًء ٌؤتً من عندك سٌكون صحٌحا‪ ،‬عندما تقول به تصدق‪ ،‬تعمل به ترٌد األجر من‬
‫هللا ٌحصل لك أجر‪ ،‬تحكم به تعدل‪.‬‬
‫((ومن دعا إلٌه فقد هَدى إلى صراط مستقٌم)) ألسنا بحاجة إلى أن نهتدي إلى الصراط المستقٌم؟‪ .‬إذا‬
‫فالقرآن الكرٌم هو فعبل القناة التً ٌجب أن نتلقى منها البٌنات التً ٌجب أن نهتدي بها فً هذا العصر‪.‬‬

‫ضرورة تصحٌح المفاهٌم على أساس القرآن الكرٌم‬


‫نحن ٌجب أن نفهم أنه ٌجب أن ٌكون عنوانا داخبل فً أعماق نفوسنا عنوانا أمامنا‪ ،‬أٌنما سرنا هو‬
‫أن نتثقؾ بثقافة القرآن‪ ،‬أن نتعلم القرآن‪،‬‬
‫نتدبره‪...........‬نثق به‪.............‬نتفهم آٌاته‪......‬ونتحرك فً الناس على أساسه‪،‬‬
‫نقٌّم األحداث كلها من خبلله‪........‬نقٌّم اآلخرٌن كلهم من خبلله‪،‬‬
‫نقٌّم أنفسنا من خبلله‪ ،‬نقٌّم مواقفنا على أساس مقاٌٌسه‪ ،‬وهكذا‪،‬‬
‫ما لم فلو تعلمت ستٌن عاما ستخرج فً األخٌر أضعؾ بكثٌر‪ ،‬ترى أولٌاء الشٌطان تخافهم أكثر مما‬
‫تخاؾ هللا‪ ،‬تؽالط هللا‪ ،‬هذا حاصل؟‪ .‬لهذا نقول‪ :‬إنما ٌجب أن نسٌر علٌه هو أن نسٌر من أجل أن نثقؾ‬
‫أنفسنا ثقافة قرآنٌة‪ ،‬كل مراكزنا‪ ،‬كل خطاباتنا‪ ،‬كل توجٌهنا‪ ،‬كل أعمالنا تدور حول أن نتثقؾ ثقافة قرآنٌة‪.‬‬
‫لن ٌحمٌنا من أعدابنا إال العودة إلى القرآن الكرٌم‪ ،‬لن ٌبقً العبلقة قابمة بٌننا وبٌن دٌننا إال القرآن الكرٌم‪،‬‬
‫ال ٌمكن أن ٌدفع عنا أٌضا إال القرآن الكرٌم إذا ما عدنا إلٌه‪.‬‬

‫ٖٔ‬
‫أهم ما فً القرآن هو‬
‫أنه ٌشدنا إلى هللا و‬
‫من خلله نعرف هللا‬
‫المعرفة الكاملة‬

‫ٗٔ‬
‫دروس من هدي القرآن الكرٌم‬
‫فً‬

‫معرفة هللا‬

‫٘ٔ‬
‫معرفة هللا ــ الثقة باهلل‬

‫معنى (ال إله إال هللا)‬

‫إذا تؤمل اإلنسان فً واقع الناس ٌجد أننا ضحٌة‬


‫الحقٌقة‪ :‬إذا تؤمل اإلنسان فً واقع الناس ٌجد أننا ضحٌة‬
‫ٔ‪ .‬عقابد باطلة‪ ،‬وثقافة مؽلوطة جاءتنا من خارج الثقلٌن‪ :‬كتاب هللا‪ ،‬وعترة رسوله (صلوات هللا علٌه‬
‫وعلى آله)‪ ،‬هذا شًء‪ .‬وقد صح عند المسلمٌن جمٌعا عن النبً صلوات هللا علٌه و آله أنه قال (‬
‫إنً تارك فٌكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب هللا و عترتً أهل بٌتً إن‬
‫اللطٌف الخبٌر نبؤنً أنهما لن ٌفترقا حتى ٌردا علً الحوض ) و من الواضح جدا من هذا‬
‫الحدٌث النبوي الشرٌؾ أن األمة إذا ابتعدت عن هذٌن الثقلٌن و لم تتمسك بهما فسٌكون مصٌرها‬
‫المإكد هو الضبلل بكل ما تعنً كلمة الضبلل و فً كل مجاالت الحٌاة و هذا ما نراه ماثبل أمام‬
‫أعٌننا على طول و عرض الببلد العربٌة و اإلسبلمٌة‪ .‬و ألهمٌة الموضوع سعى الٌهود من خبلل‬
‫عمبلبهم و خاصة التكفٌرٌٌن منهم إلى إبعاد و فصل األمة عن القرآن الكرٌم و عن أعبلم الهدى‬
‫من أهل بٌت رسول هللا صلوات هللا علٌه و آله بل وصل الحال عند البعض إلى الكره و العداوة و‬
‫البؽضاء ألهل البٌت علٌهم السبلم و شن الحروب علٌهم و التارٌخ ٌشهد بهذا و إلى ٌومنا هذا‪.‬‬
‫ولؤلسؾ الشدٌد بدال من أن تتجه األمة إلى أعبلم الهدى كان البدٌل ان اتجهت الى أعبلم الضبلل‬
‫الذٌن ضربوا األمة بالثقافات المؽلوطة و العقابد الباطلة فكانت النتٌجة أن أصبحت هذه األمة‬
‫برجالها و نسابها و شبابها و أطفالها إال من رحم هللا ضحٌة للٌهود و عمبلبهم المنافقٌن كما نراه‬
‫الٌوم و ال نجاة لؤلمة و ال فرج و ال مخرج إال بالعودة إلى التمسك بالثقلٌن كما أمر بذلك النبً‬
‫األكرم صلوات هللا علٌه و آله و هما القرآن الكرٌم كمنهج لؤلمة و أعبلم الهدى من عترة النبً‬
‫كقادة و من خبللهم نفهم القرآن الكرٌم و نفهم كٌؾ نقتدي برسول هللا صلوات هللا علٌه و آله‪.‬‬

‫‪ٔٙ‬‬
‫ٕ‪ .‬الشًء اآلخر ‪ -‬وهو األهم ‪ -‬أننا لم نثق باِّل كما ٌنبؽً‪.‬‬

‫المسلمون ٌعٌشون أزمة ثقة باِّل ‪..‬‬


‫لماذا؟ ألٌس فً القرآن الكرٌم ما ٌمكن أن ٌعزز ثقتنا باِّل سبحانه وتعالى؟ بلى‪ .‬القرآن الكرٌم هو الذي‬
‫ك ْاألَ ْم َثا ُل‬ ‫آن َعلَى َج َبل لَ َرأَ ٌْ َت ُه َخاشِ عا ُم َت َ‬
‫ص ِّدعا مِنْ َخ ْش ٌَ ِة َّ ِ‬
‫هللا َوت ِْل َ‬ ‫قال هللا عنه‪{ :‬لَ ْو أَ ْن َز ْل َنا َه َذا ْالقُرْ َ‬
‫ُون} (الحشر‪ )ٕٔ:‬قلة معرفة باِّل‪ ،‬انعدام ثقة باِّل‪ ،‬هً التً جعلت المسلمٌن‬ ‫اس لَ َعلَّ ُه ْم ٌَ َت َف َّكر َ‬
‫َنضْ ِر ُب َها لِل َّن ِ‬
‫ٌتصرفون بعٌدا عن هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فلم ٌهتدوا بهدٌه‪ ،‬لو وثقنا باِّل كما ٌنبؽً النطلق الناس ال‬
‫ٌخشون أحدا إال هللا‪ ،‬لو صدقنا كما ٌنبؽً وعد هللا سبحانه وتعالى للمإمنٌن‪ ،‬وعد هللا ألولٌابه‪ ،‬وعد هللا‬
‫لمن ٌكونون أنصارا لدٌنه ‪ ..‬ما وعدهم به من الخٌر‪ ،‬والفبلح والنجاح والسعادة والعزة والكرامة‬
‫والقوة فً الدنٌا‪ ،‬وما وعدهم به فً اآلخرة من رضوان‪ ،‬من جنات عدن ‪ ..‬لو صدقنا بذلك كما ٌنبغً‬
‫لما رغبنا فً أحد‪ ،‬ولما رهبنا من أحد‪ ،‬لكانت كل رغبتنا فً هللا‪ ،‬وفٌما عنده‪ ،‬وفً رضاه‪ ،‬وكل‬
‫رهبتنا من هللا ومن وعٌده وغضبه وعقابه‪.‬‬
‫فً كتاب هللا ما ٌزٌد ثقتنا باهلل و لكن المشكلة هً قسوة القلوب‬

‫الخطاب القرآنً ٌتجدد دابما ٌقول للناس‪{ :‬أَ َل ْم ٌَؤْ ِن لِلَّذ َ‬


‫ٌِن آ َم ُنوا أَنْ َت ْخ َش َع قُلُو ُب ُه ْم لِ ِذ ْك ِر َّ ِ‬
‫هللا َو َما َن َز َل م َِن‬
‫ْال َح ِّق} (الحدٌد‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔٙ‬ألم ٌؤن‪ٌ ،‬عنً‪ :‬ما قدو وقت ‪ -‬بتعبٌرنا نحن ‪ -‬ما قدو وقت أن الناس تخشع‬
‫اب مِنْ َق ْب ُل َف َطا َل‬ ‫ٌِن أُو ُتوا ْال ِك َت َ‬ ‫قلوبهم لذكر هللا وما نزل من الحق من القرآن الكرٌم؟ { َوال ٌَ ُكو ُنوا َكالَّذ َ‬
‫ت قُلُو ُب ُه ْم} (الحدٌد‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔٙ‬تخوٌؾ من أن ٌصٌر الناس إلى ما صار إلٌه بنوا‬ ‫َعلٌَ ِْه ُم ْاألَ َم ُد َف َق َس ْ‬
‫إسرابٌل‪ ،‬الذٌن طال علٌهم األمد ٌسمعون مواعظ‪ ،‬وٌقرإون كتبا‪ ،‬ولكن ببرودة ال ٌتفاعلون معها‪،‬‬
‫ت قُلُو ُب ُه ْم} حتى فسق أكثرهم‪ ،‬وحتى استبدل هللا بهم‬ ‫وتتكرر المواعظ وتتكرر النبوات‪ ،‬وهكذا‪َ { ،‬ف َق َس ْ‬
‫ؼٌرهم‪ ،‬وحتى جردهم من كل ما كان قد منحهم إٌاه‪ :‬النبوة‪ ،‬وراثة الكتاب‪ ،‬الملك‪ ،‬الحكمة‬
‫أسباب قسوة القلوب و نتابجها‬
‫نحن المسلمون نتعرض لمثل هذه الحالة فكتاب هللا ٌتردد على مسامعنا كثٌرا‪ ،‬والمواعظ تتردد على‬
‫مسامعنا كثٌرا‪ ،‬والعلماء بٌن أظهرنا ٌتحدثون معنا كثٌرا‪ ،‬ولكن نتلقى الكبلم‪ ،‬نتلقى آٌات القرآن ببرودة ال‬
‫نتفاعل معها‪ ،‬أصبح تقرٌبا مجرد روتٌن استماع القرآن الكرٌم‪ ،‬واستماع المواعظ‪ ،‬وحضور المناسبات‪،‬‬
‫لكن دون أن نرجع إلى أنفسنا فنجعلها تتعامل مع كل ما تسمع بجدٌة‪ ،‬وتتفاعل معه بمصداقٌة‪ .‬نتعامل‬
‫ببرودة مع كل ما نسمع‪ ،‬ولم ننطلق بجد وصدق لنطبق‪ ،‬لنلتزم‪ ،‬لنثق‪.‬‬
‫ستقسو قلوبنا ‪ -‬ونعوذ باِّل من قسوة القلوب ‪ -‬متى ما قست القلوب ٌصبح هذا القرآن الكرٌم الذي لو أنزله‬
‫هللا على الجبال من الصخرات الصماء لتصدعت من خشٌة هللا‪ ،‬لكن القلب متى ما قسً ٌصبح أقسى من‬
‫الحجارة‪ ،‬فبل ٌإثر فٌه شًء‪ .‬قال هللا عن بنً إسرابٌل الذٌن حكى بؤنهم طال علٌهم األمد فقست قلوبهم‬
‫ار ِة أَ ْو أَ َش ُّد َقسْ َوة} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٗ‪ ،)5‬من بعد ماذا؟‬
‫ك َف ِه ًَ َك ْالح َِج َ‬ ‫قال عنهم‪ُ { :‬ث َّم َق َس ْ‬
‫ت قُلُو ُب ُك ْم مِنْ َبعْ ِد َذلِ َ‬
‫‪ٔ5‬‬
‫من بعد المواعظ‪ ،‬من بعد اآلٌات الباهرات التً لم ٌتفاعلوا معها‪ ،‬ولم ٌعتبروا بها‪ ،‬ولم ٌتذكروا بها فقست‬
‫قلوبهم‪ ،‬هكذا طبع هللا القلب‪.‬‬
‫القلب إذا لم تحاول أن تجعله ٌلٌن مما ٌسمع‪ٌ ،‬لٌن لذكر هللا‪ٌ ،‬وجل إذا سمع ذكر هللا‪ٌ ،‬زداد إٌمانا إذا‬
‫تلٌت علٌه آٌات هللا إذا لم تتعامل معه على هذا النحو فبطبٌعته هو ٌقسو‪ٌ ،‬قسو‪ٌ ،‬قسو ‪ ..‬ومتى ما قسً‬
‫قلبك سٌطرت علٌك الغفلة والنسٌان هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬إذا ما نسٌت هللا نسٌت نفسك‪ ،‬فتؤتً ٌوم القٌامة‬
‫فتكون منسٌا عما كنت ترجوه من الخٌر‪ ،‬أو تؤمله من الخٌر والنجاة‪ ،‬والفوز ٌوم القٌامة { َنسُوا َّ َ‬
‫هللا َف َنسِ ٌَ ُه ْم}‬
‫ون} (الحشر‪.)ٔ9:‬‬ ‫هللا َفؤ َ ْن َسا ُه ْم أَ ْنفُ َس ُه ْم أُولَب َ‬
‫ِك ُه ُم ْال َفاسِ قُ َ‬ ‫ٌِن َنسُوا َّ َ‬
‫(التوبة‪ :‬من اآلٌة‪َ { )ٙ5‬وال َت ُكو ُنوا َكالَّذ َ‬
‫علج قسوة القلوب‬
‫قلوبنا إذا لم نحاول أن نتعامل معها من منطلق الخوؾ أن تصل إلى هذه الحالة السٌبة‪ :‬القسوة‪ ،‬فتصبح‬
‫أقسى من الحجارة‪ ،‬فحٌنبذ ال ٌنفع فٌك شًء‪ ،‬ال ٌنفع فٌك كتاب هللا‪ ،‬وال ٌنفع فٌك رسول هللا (صلوات هللا‬
‫علٌه وعلى آله)‪ ،‬وال ٌنفع فٌك أي عظة تمر بك فً هذه الدنٌا‪.‬‬
‫والمطلوب من القلوب هو أن تخشع لذكر هللا‪ ،‬هو أن تلٌن‪ ،‬هو أن تص ِّدق‪ ،‬أن تثق‪ ،‬أن تمتلا بالخشٌة من‬
‫هللا‪ ،‬أن تمتلا حبا ِّل‪ ،‬معرفة قوٌة باِّل سبحانه وتعالى ‪ ..‬متى ما صلح القلب صلح اإلنسان بكله‪ ،‬وانطلق‬
‫لٌصلح الحٌاة بكلها‪ ،‬وانطلق بإٌمان‪ ،‬بثقة‪ ،‬بإخبلص‪ ،‬بصدق‪ ،‬بتوجه حكٌم فً كل ما ٌرٌد هللا سبحانه‬
‫وتعالى منه‪.‬‬

‫أزمة الثقة باهلل أسبابها و علجها‬


‫من أٌن جاءت أزمة الثقة باهلل‬
‫من أٌن جاءت أزمة الثقة باِّل حتى أصبحت وعوده تلك الوعود القاطعة المإكدة وكؤنها وعود من ال ٌملك‬
‫شٌبا؟! وكؤنها وعود من ال عبلقة لنا به‪ ،‬وال عبلقة له بنا ‪ ..‬كٌؾ نعمل؟‪ .‬نعود إلى معرفة هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫من المهم استٌعاب ما عرضه القرآن الكرٌم عن أولٌاء هللا‪ ،‬كٌؾ ٌكونون‪ ،‬كٌؾ ٌكون أولٌاإه‪ ،‬بعد أن‬
‫تعرفه ستثق به‪ ،‬فمعنى أنك أصبحت من أولٌابه أنك جعلته ولٌا ألمرك‪ ،‬لكل أمورك‪ ،‬تهتدي به‪ ،‬تسترشد‬
‫به‪ ،‬تثق به‪ ،‬تتوكل علٌه‪ ،‬تص ِّدق بما وعدك به‪ ،‬تلتجا إلٌه فً كل المهمات‪.‬‬
‫قلة معرفتنا باهلل سبحانه وتعالى تسبب ضعف فً ثقتنا به‬
‫وأهم مصدر لمعرفة هللا سبحانه وتعالى هو القرآن الكرٌم‪ ،‬القرآن الكرٌم الذي ٌعطً معرفة واسعة‪،‬‬
‫معرفة متكاملة‪ ،‬من ؼٌر القرآن الكرٌم ال ٌمكن أن نحصل على المعرفة بالشكل الذي ٌنبؽً أن نكون‬
‫علٌها‪ ،‬حتى تكون معرفة تدفعنا إلى الثقة باِّل أكثر فؤكثر‪.‬‬
‫‪ٔ8‬‬
‫اإلنسان إذا تؤمل القرآن الكرٌم فعلً ٌستحً‪ٌ ،‬ستحً من هللا أنه كٌف ال نثق به ونحن نسمع آٌاته‬
‫فاإلنسان إذا تؤمل القرآن الكرٌم فعبل ٌستحً‪ٌ ،‬ستحً من هللا أنه كٌؾ ال نثق به‪ ،‬ونحن نسمع آٌاته‪ ،‬ونحن‬
‫نقرإها‪ ،‬ونحن نإمن بؤن هذا الكتاب الكرٌم هو من عنده ‪ ..‬فلماذا ‪ ..‬لماذا ‪ ..‬لماذا ال نثق؟ لماذا نبحث عن‬
‫هذا الطرؾ أو هذا الطرؾ لنتواله‪ ،‬ثم ال نتولى هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫اآلٌات التً نحصل من خللها على معرفة هلل بالشكل الكافً‬


‫اآلٌات التً نحصل من خبللها على معرفة ِّل بالشكل المطلوب هً آٌات كثٌرة جدا‪ ،‬جدا فً القرآن‬
‫الكرٌم‪،‬‬
‫تلك اآلٌات التً تتحدث عن ألوهٌة هللا‪،‬‬
‫وملكه‪،‬‬
‫وعظمته‪،‬‬
‫تلك اآلٌات التً تتحدث عن عظٌم نعمه علٌنا‪،‬‬
‫تلك اآلٌات التً تتحدث بؤن له ملك السموات واألرض‪،‬‬
‫التً تتحدث بؤنه مالك السموات واألرض وما بٌنهما‪،‬‬
‫وهو من ٌملك الٌوم اآلخر‪ ،‬وبٌده مصٌرنا‪ ،‬هو من ٌملك الجنة‪ ،‬من ٌملك النار‪،‬‬
‫هو من ٌعلم الؽٌب والشهادة‪ ،‬هو العزٌز‪ ،‬هو الحكٌم‪ ،‬هو السمٌع‪ ،‬هو البصٌر‪ ،‬هو الرإوؾ‪ ،‬هو الرحٌم‪.‬‬
‫تلك اآلٌات التً تتحدث عنه سبحانه وتعالى بؤنه جدٌر بؤن ٌثق به عباده‪ ،‬وأن ٌخاؾ منه عباده‪ ،‬وأن‬
‫ٌلتجا إلٌه أولٌاإه‪.‬‬
‫و من خلل هذه اآلٌات نعرف حقابق مهمة جدا‬
‫فمتى ما كان ِّل سبحانه وتعالى عظمة فً نفوسنا‪ ،‬متى ما عرفنا من خبلل هذه اآلٌات الكرٌمة ماذا ٌعنً‬
‫أنه ملكنا‪ ،‬وأننا عبٌد له‪ ،‬ماذا ٌعنً أنه ربنا‪ ،‬وأننا مربوبون له‪ ،‬ماذا ٌعنً أنه رحٌم‪ ،‬ماذا ٌعنً أنه رحمن‪،‬‬
‫ماذا ٌعنً أنه جبار‪ ،‬أنه منتقم؟ ماذا ٌعنً‪ :‬أنه من ٌملك السموات واألرض وما بٌنهما؟ ماذا ٌعنً أن له‬
‫جنود السموات واألرض؟ ماذا ٌعنً كل ما شرحه وفصله عن شبون ملكه وتدبٌره لعباده ومخلوقاته؟ أن‬
‫نعٌها‪ ،‬أن نفهمها؛ لنعرؾ كٌؾ ٌنبؽً أن ٌكون التعامل فً ما بٌننا وبٌنه سبحانه وتعالى‪ ،‬بحٌث ال تبقى‬
‫األشٌاء مجرد أسماء‪.‬‬

‫‪ٔ9‬‬
‫أمثلة من هذه اآلٌات‬

‫سورة الفاتحة‬
‫ٌِم ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِّل َربِّ ْال َعالَم َ‬
‫ٌِن} (الفاتحة‪ )ٕ - ٔ:‬ألسنا نقول‪ :‬رب‬ ‫نحن نقرأ دابما { ِبسْ ِم َّ ِ‬
‫هللا الرَّ حْ َم ِن الرَّ ح ِ‬
‫العالمٌن؟ لكن ال نعرؾ ماذا ٌعنً أنه رب العالمٌن‪ ،‬ما ٌترتب على هذا من األشٌاء بالنسبة لنا!‪.‬‬
‫ك َنسْ َتعٌِنُ } (الفاتحة‪ )٘ - ٖ:‬هكذا نصفه بؤنه رحمن رحٌم‪،‬‬
‫ك َنعْ ُب ُد َوإٌَِّا َ‬ ‫ٌِم َمالِكِ ٌَ ْو ِم ال ِّد ِ‬
‫ٌن إٌَِّا َ‬ ‫{الرَّ حْ َم ِن الرَّ ح ِ‬
‫وأنه ملك ٌوم الدٌن‪ ،‬لكن مجرد عبارات نقرإها‪ ،‬ونقفز علٌها ال نحاول أن نفهم ماذا ٌعنً‪ ،‬أنه إذا كان هو‬
‫رحمن إذا فهو عندما ٌنزل القرآن الكرٌم‪ ،‬وٌهدٌنا بالقرآن الكرٌم فهو من منطلق أنه رحٌم بنا ‪ ..‬إذا فكل‬
‫ما فً القرآن الكرٌم من توجٌهات وإرشادات وهداٌة هً كلها رحمة بنا‪.‬‬
‫ٌن} إذا كان هو من له الملك وحده فً ٌوم القٌامة فهو وحده من ٌجب أن نلتجا إلٌه‪،‬‬ ‫{ َمالِكِ ٌَ ْو ِم ال ِّد ِ‬
‫ونرؼب إلٌه‪ ،‬ونرؼب فٌه‪ ،‬ونخاؾ منه؛ ألنه ٌوم ال بد أن نحشر فٌه إلى هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فإذا لم ٌكن‬
‫هناك أي م ُْلك‪ ،‬أي مشاركة ألي أطراؾ أخرى فً ملك ذلك الٌوم‪ ،‬ولٌس الملك إال ِّل الواحد القهار‪ ،‬إذا‬
‫فهو وحده الذي ٌجب أن نخاؾ منه؛ ألن أعظم نعٌم هناك فً اآلخرة بٌده‪ ،‬وأشد عذاب ألٌم هناك فً‬
‫اآلخرة بٌده‪ ،‬فهو من ٌملك الجنة‪ ،‬ومن ٌملك النار‪ ،‬فهو وحده الذي ٌمكن أن ٌمنحنا الجنة‪ ،‬وهو وحده‬
‫الذي ٌمكن أن ٌوصلك إلى قعر جهنم‪ .‬لمن الملك الٌوم؟؟ ِّل الواحد القهار‪.‬‬
‫ك َنسْ َتعٌِنُ } نعبده وال نعرؾ ماذا ٌعنً أننا عبٌد له! ماذا تعنً عبودٌتنا له!‬
‫ك َنعْ ُب ُد َوإٌَِّا َ‬ ‫{ َمالِكِ ٌَ ْو ِم ال ِّد ِ‬
‫ٌن إٌَِّا َ‬
‫القرآن الكرٌم كرر هذا بشكل كبٌر جدا‪ ،‬تقرٌر عبودٌتنا ِّل سبحانه وتعالى‪ ،‬وتقرٌر ملكه علٌنا‪ ،‬وألوهٌته‬
‫علٌنا بشكل كثٌر ورد فً القرآن الكرٌم‪.‬‬

‫الرحٌِ ُم}‬ ‫{ َوإِلَ ُه ُك ْم إِلَه َواحِد ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َّ‬


‫الر ْح َمنُ َّ‬

‫كذلك هذه اآلٌة التً هً من أعظم اآلٌات فً القرآن الكرٌم‪َ { :‬وإِلَ ُه ُك ْم إِلَه َواحِد ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو الرَّ حْ َمنُ‬
‫الرَّ حٌِ ُم} (البقرة‪ )ٖٔٙ:‬ألٌس هو هنا ٌتحدث عن كماله سبحانه وتعالى بالشكل الذي ٌجعلنا نلتجا إلٌه‬
‫باعتباره إلهنا‪ ،‬ونلتجا إلٌه باعتباره رحمن رحٌم‪ ،‬فهو إله لٌس إله ٌتسلط‪ ،‬إله ٌتجبر‪ ،‬بل هو ٌرحم عباده‪،‬‬
‫فكل ما شرعه لهم‪ ،‬كل ما هداهم إلٌه إنما هو من منطلق أنه مسبول عن أن ٌعمل هذا العمل بهم باعتباره‬
‫إلههم؛ ألنه إلههم‪.‬‬

‫ٕٓ‬
‫وألنه رحٌم فكل ما ٌؤتً من عنده هو من منطلق الرحمة ‪ ..‬فعندما ٌتحدث‪ ،‬أو عندما ٌرشدنا‪ ،‬أو ٌؤمرنا‬
‫بؤشٌاء قد نراها شاقة‪ ،‬قد تبدو أمامنا وكؤنها شاقة فنعدل عنها فنبدو وكؤننا إنما عدلنا عنها ألننا رحمنا‬
‫أنفسنا‪ ،‬ومن منطلق رحمتنا بؤنفسنا ال نرٌد أن ٌحصل علٌها ما ٌشق علٌها‪ ،‬ما ٌتعبها‪ .‬هذا هو ما هو‬
‫حاصل عند الناس‪ ،‬ال ٌنطلقون فٌما وجههم هللا إلٌه‪ ،‬وفٌما أمرهم به فاألشٌاء التً ٌرونها وكؤنها ثقٌلة‬
‫وشاقة؛ ألنهم رحماء بؤنفسهم ‪ ..‬لماذا ال تثق بؤن هللا هو أرحم بك من نفسك‪ ،‬هو أرحم بك من نفسك‪ ،‬هو‬
‫أرحم بك من أمك وأبٌك‪ ،‬هو أرحم بك من أي قرٌب لك‪ ،‬هو من ٌعلم األشٌاء التً فٌها رحمة لك إذا ما‬
‫سرت علٌها‪ ،‬األشٌاء التً إذا ما تحققت هً رحمة لك‪ ،‬هو وحده الذي ٌعلم‪.‬‬
‫{ َوإِلَ ُه ُك ْم إِلَه َواحِد}‪ ،‬لٌس هناك آلهة متعددة حتى ٌمكن أن تقول‪[ :‬وهللا هذا اإلله شاقة تعلٌماته ٌمكن أن‬
‫نرجع إلى اإلله اآلخر] مثل ما هنا فً الدنٌا‪ ،‬اإلنسان ٌقطع له بطاقة من هذا الحزب‪ ،‬وبطاقة من هذا‬
‫الحزب‪ ،‬وبطاقة من هذا الحزب؛ إذا رأى أن هذا الحزب لٌس له مصالح فٌه عاد إلى الحزب اآلخر‪ ،‬إذا‬
‫حصل من جانب هذا الحزب ما ٌتعبه أو ٌزعجه عدل عنه إلى حزب آخر‪ ،‬ألٌس هكذا ٌحصل؟‪.‬‬
‫لكن ال ‪ ..‬لٌس هناك إال إله واحد‪ ،‬لٌس هناك مفر أبدا منه‪ ،‬ال مفر منه إال إلٌه‪ ،‬لٌس هناك من ٌمكن أن‬
‫ٌنجٌك من عذابه وسخطه إذا ما سخط علٌك‪ ،‬وحكم علٌك بعقوبته‪ ،‬لٌس هناك من ٌمكن أن ٌسلبك ما قد‬
‫منحك إٌاه‪ ،‬أبدا لٌس هناك أي طرؾ ٌمكن أن ٌكون قادرا على أن ٌرد الفضل الذي قد أراد هللا سبحانه‬
‫ؾ لَ ُه إِ َّال ه َُو َوإِنْ‬ ‫ك َّ‬
‫هللا ُ ِبضُر َفبل َكاشِ َ‬ ‫وتعالى أن ٌعطٌك إٌاه‪ ،‬والخٌر الذي أراد أن ٌمنحك إٌاه { َوإِنْ ٌَ ْم َسسْ َ‬
‫ك ِب َخٌْر َفبل َرا َّد لِ َفضْ لِ ِه} (ٌونس‪ :‬من اآلٌة‪.)ٔٓ5‬‬
‫ٌ ُِر ْد َ‬

‫ما الذي ٌحصل فً هذه الدنٌا فً تعاملنا مع هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬عندما نسمع آٌاته تتلى علٌنا؟‬
‫ما الذي ٌحصل فً هذه الدنٌا فً تعاملنا مع هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬عندما نسمع آٌاته تتلى علٌنا‪ ،‬وفٌها تلك‬
‫اآلٌات التً تؤمرنا بالتوحد‪ ،‬باألخوة‪ ،‬باإلنفاق فً سبٌله‪ ،‬بالجهاد فً سبٌله‪ ،‬بالعمل على إعبلء كلمته‪ ،‬بؤن‬
‫نكون أنصارا لدٌنه؟ وهكذا‪.‬‬
‫كٌؾ ٌعمل واحد ‪ٌ ..‬رجع ٌطؤطا رأسه‪ ،‬وٌمشً ال ٌدري الى اٌن ‪ٌ ،‬رٌد ٌهرب ال ٌدري الى اٌن ! إلى‬
‫المجهول‪ٌ ،‬حاول ٌعرض! تخفض رأسك وتحاول تعرض كذا واال كذا‪ ،‬أٌن ستذهب؟‪.‬‬
‫أنت فقط تؽالط نفسك‪ ،‬تحاول تتهرب وتحاول تتناسى هذا الشًء‪ ،‬وتحاول تنشؽل بؤشٌاء تدخل فٌها لما‬
‫تنسى‪ ،‬وهكذا تؽافل نفسك‪ ،‬تؽافل نفسك حتى ٌؤتٌك الموت‪ ،‬فتجد بؤنك إنما كنت تؽالط نفسك‪ ،‬وتخادع‬
‫نفسك؛ ألن هللا ال ٌنسى‪ ،‬ال ٌؽفل‪ٌ ،‬راقبك سواء تهرب إلى هذا أو إلى هذا‪ ،‬أو حتى تسٌر تبحث عن أسبلة‬
‫إذا ستلقى لك مخرج من عند هذا واال من عند هذا من أجل تتنصل عن المسبولٌة لكن‪ٌ ...‬وم القٌامة ‪ ..‬ال‬
‫ك أَ َّن ُه َعلَى ُك ِّل َشًْ ء َش ِهٌد} (فصلت‪ :‬من اآلٌةٖ٘) هو الشاهد على كل شًء‪،‬‬
‫ٌوجد ‪{ ..‬أَ َولَ ْم ٌَ ْكؾِ ِب َر ِّب َ‬
‫شاهد على أعمالنا علٌم بذات الصدور‪.‬‬

‫ٕٔ‬
‫الوالءات الخاطبة من أخطر ما ٌدفع اإلنسان إلى االبتعاد عن توجٌهات هللا‬
‫و ٌوم القٌامة سٌتبرأ منك حتى أولبك الذٌن كنت تإٌدهم فً الدنٌا وتصفق لهم وهم ٌسٌرون فً طرٌق‬
‫ت ِب ِه ُم ْاألَسْ َبابُ َو َقا َل الَّذ َ‬
‫ٌِن ا َّت َبعُوا لَ ْو أَنَّ‬ ‫ٌِن ا َّت َبعُوا َو َرأَوُ ا ْال َع َذ َ‬
‫اب َو َت َق َّط َع ْ‬ ‫ٌِن ا ُّت ِبعُوا م َِن الَّذ َ‬ ‫الباطل {إِ ْذ َت َبرَّ أَ الَّذ َ‬
‫ار}‬ ‫ٌن م َِن ال َّن ِ‬
‫ار ِج َ‬ ‫ٌه ُم َّ َ‬
‫هللاُ أعْ َمالَ ُه ْم َح َس َرات َعلٌَ ِْه ْم َو َما ُه ْم ِب َخ ِ‬ ‫ك ٌ ُِر ِ‬ ‫لَ َنا َكرَّ ة َف َن َت َبرَّ أَ ِم ْن ُه ْم َك َما َت َبرَّ أُوا ِم َّنا َك َذلِ َ‬
‫(البقرة‪)ٔٙ5 - ٔٙٙ:‬؛ ألنه سٌرد وهو مشؽول بنفسه هو هالك‪ ،‬هو مذهول‪ٌ ،‬قول لك‪ :‬ابتعد عنً‪ ،‬ماذا‬
‫أعمل لك؟ ال أستطٌع أن أعمل لك شًء‪.‬‬
‫أنت تتؤلم‪ ،‬وتصبح حسرات تقطع قلبك‪ ،‬عذاب نفسً‪ ،‬هذا الذي كنت فً الدنٌا أصفق له‪ ،‬وكنت فً الدنٌا‬
‫َبعْ َده‪ ،‬وكنت فً الدنٌا أركزه‪ ،‬وأقول انه ‪ ..‬وانه ‪ ...‬إلى آخره ‪ ..‬ها هو ٌتبرأ منً اآلن‪[ ،‬لٌت انه ٌنفع‬
‫ارجع الدنٌا ثانً مره أتبرأ م ّنه وألعنه من فوق كل منبر]‪.‬‬
‫ْت ِب َها} (الزمر‪ :‬من اآلٌة‪ )٘9‬ترى هكذا ٌؤتً بعد كل آٌة تتحدث عن النسٌان‬ ‫ك آ ٌَاتًِ َف َك َّذب َ‬
‫{ َبلَى َق ْد َجا َء ْت َ‬
‫ك آ ٌَا ُت َنا َف َنسِ ٌ َت َها} (طه‪ :‬من اآلٌة‪ )ٕٔٙ‬كنا فً الدنٌا نقول لك تتبرأ من المجرمٌن‪ ،‬تتبرأ من الظالمٌن‪،‬‬ ‫{أَ َت ْت َ‬
‫تمشً على هدي هللا‪ ،‬ال ترتبط بؽٌر هدي هللا والهداة إلى دٌن هللا‪.‬‬
‫ألٌست حسرات شدٌدة على اإلنسان ٌوم القٌامة‪ ،‬وهو هنا كان ٌعرض فً الدنٌا وٌبحث عن من ٌتمسك به‬
‫فٌؤتً ٌوم القٌامة ٌتبرأ منه‪.‬‬
‫ألٌست هذه اآلٌات تعنً أنه سٌكون حسرة شدٌدة عندما ٌقولون‪{ :‬لَ ْو أَنَّ لَ َنا َكرَّ ة َف َن َت َبرَّ أَ ِم ْن ُه ْم َك َما َت َبرَّ أُوا ِم َّنا}‬
‫(البقرة‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔٙ5‬عبّر هللا عن أن هذه الكلمة انطلقت من نفوس تتقطع حسرات {لَ ْو أَنَّ لَ َنا َكرَّ ة َف َن َت َبرَّ أَ‬
‫ِم ْن ُه ْم َك َما َت َبرَّ أُوا ِم َّنا} ؼٌض شدٌد‪ ،‬وتؤلم شدٌد من أولبك الذٌن كنا فً الدنٌا نصفق لهم‪ ،‬وكنا فً الدنٌا‬
‫نإٌدهم‪ ،‬وكنا فً الدنٌا نمشً على توجٌهاتهم‪ ،‬وهم كانوا هكذا‪ ،‬توجٌهات لٌست على وفق كتاب هللا‬
‫ٌه ُم َّ َ‬ ‫سبحانه وتعالى! حسرات عندما قال هللا‪َ { :‬ك َذلِ َ‬
‫ٌن م َِن‬ ‫ار ِج َ‬‫هللا ُ أعْ َمالَ ُه ْم َح َس َرات َعلٌَ ِْه ْم َو َما ُه ْم ِب َخ ِ‬ ‫ك ٌ ُِر ِ‬
‫ار} (البقرة‪ :‬من اآلٌة‪َ { .)ٔٙ5‬وإِلَ ُه ُك ْم إِلَه َواحِد} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٖ‪ )ٔٙ‬إله واحد‪ ،‬نبً واحد‪ ،‬وكتاب‬ ‫ال َّن ِ‬
‫واحد‪ ،‬ومنهج واحد‪ ،‬وطرٌق واحد لؽاٌة واحدة‪ ،‬هً رضا هللا والجنة‪.‬‬

‫ومن اآلٌات التً تعرفنا باهلل سبحانه و تعالى (آٌة الكرسً )‬

‫آٌة الكرسً التً نقرإها وهً من أعظم آٌات القرآن الكرٌم ٌقول هللا سبحانه وتعالى فٌها‪َّ { :‬‬
‫هللا ُ ال إِلَ َه إِ َّال‬
‫ض} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٕ٘٘) ثقوا‬ ‫ت َو َما فًِ ْاألَ ْر ِ‬ ‫ه َُو ا ْل َحً ا ْل َقٌو ُم ال َتؤْ ُخ ُذهُ سِ َنة َوال َن ْوم لَ ُه َما فًِ ال َّ‬
‫س َم َاوا ِ‬
‫به؛ ألنه هللا الذي ال إله ؼٌره‪ ،‬أي هو من ٌملك شبونكم‪ ،‬من بٌده شبونكم وأموركم‪ ،‬هو من ٌدبر أموركم‪،‬‬
‫هو وحده الذي ٌمكن أن تؤلهوا إلٌه‪ ،‬وتلتجبوا إلٌه ‪ ..‬هو الحً ال ٌمكن أن تقول‪[ :‬ربما قد مات‪ ،‬هللا‬
‫ٌرحمه‪ ،‬ما الذي ٌمكن أن ٌفعله لنا]؟ ال‪ ،‬هو الحً ‪ ..‬هو الشاهد على كل شًء‪.‬‬

‫ٕٕ‬
‫قٌوم‪ ،‬هو القٌوم على كل شًء‪ ،‬فهو قابم على كل نفس بما كسبت‪ .‬هو القٌوم هو الشاهد على هذا العالم‬
‫من ٌقوم بتدبٌر شبونك‪ ،‬هو من ٌقوم بتحقٌق ما وعدك به‪ ،‬بإنجاز ما وعدك به‪.‬‬
‫هو أٌضا {ال َتؤْ ُخ ُذهُ سِ َنة} أول النوم‪ ،‬أو نوع من الؽفلة‪َ { ،‬وال َن ْوم} فٌمكن أن ٌهاجموك وهو نابم ‪ ..‬ال‪،‬‬
‫ٌقول واحد [وهللا إذا هو ٌنام فٌمكن ٌباؼتونا وهو راقد وٌرجع ٌنتبه وقد قضً علٌنا] ال‪ ،‬ال ‪ ..‬هللا سبحانه‬
‫وتعالى ال ٌؽفل‪ ،‬ال ٌنام‪ ،‬ال ٌسهو‪ ،‬ال ٌنسى عندما تثق به فؤنت تثق بمن ال ٌؽفل عنك لحظة واحدة‪ ،‬بمن‬
‫هو علٌم بذات الصدور‪ ،‬صدرك أنت‪ ،‬وصدر عدوك‪ ،‬فثق بمن ٌستطٌع أن ٌمؤل قلبك إٌمانا وقوة‪ ،‬وٌمؤل‬
‫ب} (ألنفال‪ :‬من اآلٌةٕٔ)‪.‬‬‫ٌِن َك َفرُوا الرُّ عْ َ‬ ‫قلب عدوك رعبا وخوفا { َسؤ ُ ْلقًِ فًِ قُلُو ِ‬
‫ب الَّذ َ‬
‫من هو الذي ٌمكن أن تتواله‪ ،‬وله هٌمنة على القلوب؟ من هو الذي ٌمكن؟ ال زعٌم‪ ،‬ال ربٌس‪ ،‬ال ملك‪ ،‬ال‬
‫أي أحد فً هذا العالم له هٌمنة على القلوب ‪ ..‬ألم ٌقل الرسول (صلوات هللا علٌه وعلى آله)‪(( :‬نصرت‬
‫بالرعب من مسٌرة شهر))؟ من أٌن جاء هذا الرعب؟ من قبل هللا‪ ،‬هو الذي هو مطلع على القلوب‪ ،‬وبٌده‬
‫القلوب ٌستطٌع أن ٌمؤلها رعبا‪ ،‬وٌمؤل تلك القلوب قوة وإٌمانا وثقة‪ ،‬وعزما وإرادة صلبة؛ ألنه قٌوم ال‬
‫تؤخذه سنة وال نوم‪.‬‬
‫( مثل للتقرٌب‪...‬ممكن ٌكون معك وأنت فً الدنٌا هذه صدٌق مسبول أو تاجر‪ٌ ،‬حصل موقؾ‪ ،‬تسٌر إلى‬
‫عند باب بٌته ‪ ..‬قالوا‪ :‬لحظة عاده نابم ‪ٌ ..‬ا جماعة نحن مستعجلٌن بلؽوه ‪ ..‬قالوا ال ٌمكن ‪ ..‬ألنه عادة‬
‫من هو كبٌر فً هذه الدنٌا كلما ٌكون أكثر ابتعادا عن الناس ‪ ( ..‬راقد! كلموه لنا ‪ ..‬معنا ورقة نرٌد ٌعمل‬
‫لنا توجٌه إلى عند فبلن‪ ،‬معنا مشكلة كذا وكذا‪ ،‬ونرٌد ‪ ..‬قالوا‪ :‬لحظة ‪ ..‬راقد‪ ،‬وٌمكن أن تترك الورقة عند‬
‫الحارس وتؤتً لها إن شاء هللا ؼدا؛ ألن ولٌك هذا هو ٌسهر على الفٌدٌو إلى ما قبل الفجر‪ ،‬وٌتابع‬
‫الفضابٌات إلى ما قبل الفجر‪ ،‬ثم ٌنام وٌواصل نومه إلى الظهر‪ ،‬وهناك من ٌذهب ٌشتري له حاجاته‪،‬‬
‫وٌذهب ٌشتري حاجات البٌت‪ ،‬وهو ٌصحو فقط فً الظهر‪ ،‬وأنت منتظر له عند الباب‪ ،‬ألن ولٌك هذا‬
‫راقد‪ ،‬تؤخذه ساعات من النوم‪ ،‬والورقة حقك عندما توصلها عنده ٌقلبها قلٌبل‪ ،‬وهو متؤثر بعد النوم‪ ،‬عاده‬
‫مخدر بعد الؽداء‪ ،‬وإن شاء هللا عندما ٌصحو بالقات قبل المؽرب ٌرجع ٌنظر ورقتك‪ ،‬ثم ٌحولها‪[ :‬األخ‬
‫الفبلنً اطلعوا على قضٌة األخ فبلن وانظروا فٌها على حسب ما بدا لكم )‪ .‬مثل هذا لٌس جدٌرا بؤن‬
‫تتواله‪ ،‬وأن تثق به بعٌدا عن هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أما هللا عندما تتواله هو الشاهد على كل شًء‪ ،‬هو الحاضر على كل شًء { َما ٌَ ُكونُ مِنْ َنجْ َوى َثبل َثة إِ َّال‬
‫ك َوال أَ ْك َث َر إِ َّال ه َُو َم َع ُه ْم أٌَ َْن َما َكا ُنوا} (المجادلة‪ :‬من‬
‫ه َُو َر ِاب ُع ُه ْم َوال َخ ْم َسة إِ َّال ه َُو َسا ِد ُس ُه ْم َوال أَ ْد َنى مِنْ َذلِ َ‬
‫ض} (البقرة‪ :‬من‬ ‫ت َو َما فًِ ْاألَرْ ِ‬
‫ور} (الحدٌد‪ :‬من اآلٌة‪{ )ٙ‬لَ ُه َما فًِ ال َّس َم َاوا ِ‬ ‫ص ُد ِ‬‫ت ال ُّ‬ ‫اآلٌة‪َ { ،)5‬علٌِم ِب َذا ِ‬
‫اآلٌةٕ٘٘)‪ .‬هو إلهك‪ ،‬هو لٌس إلها من تلك اآللهة التً كان ٌعبدها العرب وهو ال ٌملك حتى المكان الذي‬
‫هو منصوب علٌه‪.‬‬
‫أما هذا اإلله العظٌم‪ ،‬هو من له ملك السماوات واألرض‪ ،‬وكونه مالك من فً السماوات واألرض ملك‬
‫نافذ ال أحد ٌستطٌع أن ٌتمرد على إرادته‪ ،‬ال أحد ٌستطٌع أن ٌؽالبه‪ ،‬فإذا ما كان معك فسٌجعل الكون بكله‬
‫معك‪ ،‬وهو من ٌستطٌع أن ٌهٌا وٌدبر‪ٌ ،‬ستطٌع أن ٌسخر‪.‬‬

‫ٖٕ‬
‫ش َف ُع ِع ْن َدهُ إِ َّال ِبإِ ْذ ِن ِه ٌَ ْع َل ُم َما َب ٌْنَ أَ ٌْدٌِ ِه ْم َو َما َخ ْل َف ُه ْم} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٕ٘٘)‪ ،‬حتى لو ظننت‬
‫{ َمنْ َذا ا َّلذِي ٌَ ْ‬
‫من منطلق آخر بؤن ذلك الشخص الكبٌر فً الدنٌا ٌمكن أن ٌكون كبٌرا فً اآلخرة‪ ،‬فٌشفع لك؛ ألنه كان‬
‫وجٌها فً هذه الدنٌا‪ ،‬ولدٌه ممتلكات كثٌرة‪ ،‬وكان له سلطة عظٌمة ٌمكن أن ٌنفع ٌوم القٌامة ‪ ..‬كانت هذه‬
‫نظرة عند العرب السابقٌن‪ ،‬عند الجاهلٌٌن السابقٌن‪ ،‬كانوا ٌعتقدون أن الشخص الوجٌه فً الدنٌا ٌمكن أن‬
‫ٌكون أٌضا وجٌها فً اآلخرة‪ ،‬كانوا ٌقولون‪ :‬لو فرضنا أن هناك آخرة سنكون نحن من المقربٌن‪ ،‬ألننا‬
‫ت إِلَى َربًِّ َألَ ِجدَ نَّ َخٌْرا ِم ْن َها ُم ْن َقلَبا} (الكهؾ‪ :‬من اآلٌة‪.)ٖٙ‬‬ ‫هنا فً الدنٌا عظماء { َو َلبِنْ ُرد ِْد ُ‬

‫فً ٌوم القٌامة ال تكون شفاعة إال لمن ارتضى‪ ،‬وال شفاعة إال لمن ٌؤذن‪ ،‬فمن ٌشفعون هم أولٌاإه‪ ،‬هم‬
‫ُون} أٌضا {إِ َّال‬
‫أنبٌاإه‪ ،‬هم من هم فً طرٌقه الذي رسمه‪ ،‬ولٌسوا ممن ٌفرضون أنفسهم علٌه‪َ { ،‬وال ٌَ ْش َفع َ‬
‫ضى َو ُه ْم مِنْ َخ ْش ٌَ ِت ِه ُم ْش ِفقُ َ‬
‫ون} (األنبٌاء‪ :‬من اآلٌة‪.)ٕ8‬‬ ‫لِ َم ِن ارْ َت َ‬
‫أي‪ :‬عندما ٌقول لك‪ :‬لٌس هناك من ٌشفع إال بإذنه أنه ٌعلم فعبل أنه ال أحد ٌشفع إال بإذنه هو‪ْ ٌَ { .‬علَ ُم َما‬
‫َب ٌْنَ أَ ٌْدٌِ ِه ْم َو َما َخ ْل َف ُه ْم} هو ٌعلم حاضرهم وماضٌهم ومستقبلهم‪َ { ،‬وال ٌُحٌِ ُطونَ ِب َ‬
‫ش ًْء مِنْ ِع ْل ِم ِه إِ َّال ِب َما‬
‫شا َء} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٕ٘٘)‪ ،‬هو الذي أحاط علمه بكل شًء‪ ،‬فهو ٌعلم ما بٌن أٌدٌهم وما خلفهم‪.‬‬ ‫َ‬

‫أي ال تقل‪ :‬ربما هللا قال أنه لن ٌش ِّفع أحد إال بإذنه‪ ،‬لكن هذا ربما ٌكون الباري هو قد بدا له شًء ألنه عاد‬
‫باقً مسافة إلى القٌامة‪ ،‬وعاد باقً زمان طوٌل‪ ،‬وباقً كذا ‪ ..‬احتمال ‪ ، ..‬هو ٌقول حتى لو كررت هذه‬
‫ٌِه ْم َو َما َخ ْل َف ُه ْم}‪ٌَ { ،‬عْ لَ ُم َما َبٌ َْن أَ ٌْد ِ‬
‫ٌِه ْم َو َما َخ ْل َف ُه ْم}‬ ‫اآلٌة حتى مع المبلبكة فً مجال الشفاعة‪ٌَ { ،‬عْ لَ ُم َما َبٌ َْن أَ ٌْد ِ‬
‫فً أكثر من آٌة فً القرآن ٌقول أنه ٌعلم ما سٌقع‪ ،‬وٌعلم الحدود التً ال ٌمكن أن ٌتجاوزوها‪ ،‬والصبلحٌة‬
‫فً مجال الشفاعة التً تعطى لهم فقط‪ ،‬ولمن تعطى فقط‪ ،‬فبل ٌتخلؾ الواقع عما علمه ٌوم القٌامة‪.‬‬
‫ض} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٕ٘٘) ٌقال‪ :‬علمه‪ ،‬وٌقال‪ :‬ملكه‪ ،‬معنى كلمة‪َ { :‬وسِ َع‬ ‫ت َو ْاألَ ْر َ‬
‫س َم َاوا ِ‬‫{ َوسِ َع ُك ْرسِ ٌ ُه ال َّ‬
‫ون ِب َشًْ ء مِنْ عِ ْل ِم ِه‬ ‫ض}‪ ،‬وأظهر ما تكون أنها بمعنى علمه بعد أن قال‪َ { :‬وال ٌُح ُ‬
‫ٌِط َ‬ ‫ت َو ْاألَرْ َ‬ ‫ُكرْ سِ ٌُّ ُه ال َّس َم َاوا ِ‬
‫إِ َّال ِب َما َشا َء} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٕ٘٘) ألنه هو من أحاط علمه بالسماوات واألرض { َوال ٌَإُ و ُدهُ} (البقرة‪:‬‬
‫ك‬ ‫ح ْف ُظ ُه َما} حفظ السماوات واألرض {إِنَّ َّ َ‬
‫هللا ٌُ ْمسِ ُ‬ ‫من اآلٌةٕ٘٘)‪ :‬ال ٌثقله‪ ،‬ال ٌتعبه‪ ،‬ال ٌشق علٌه { ِ‬
‫ض أَنْ َت ُزوال} (فاطر‪ :‬من اآلٌةٔٗ)‪.‬‬ ‫ت َو ْاألَرْ َ‬ ‫ال َّس َم َاوا ِ‬
‫{ َوه َُو ا ْل َعلًِ ا ْل َعظِ ٌ ُم} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٕ٘٘) أنت إذا ما كنت متولٌا له فهو العلً‪ ،‬هو القاهر فوق عباده‪،‬‬
‫هو العزٌز‪ ،‬وهو العظٌم‪ ،‬العظٌم فً شبونه‪ ،‬العظٌم فً أفعاله‪ ،‬العظٌم فً كماله‪ ،‬فهو من هو جدٌر بؤن‬
‫ٌُتولى‪ ،‬من هو جدٌر بؤن ٌُعبد‪.‬‬
‫عقٌدتنا أن نعرف أن هللا رحٌم وحكٌم و كل توجٌهاته فٌها حكمة و رحمة لنا‬

‫{ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو ْال َع ِزٌ ُز ْال َحكٌِ ُم} { َوإِنَّ َّ َ‬
‫هللا َله َُو ْال َع ِزٌ ُز ْال َحكٌِ ُم} فؤنت عندما تتواله هو العزٌز‪ ،‬أنت تولٌت من‬
‫ال ٌقهر‪ ،‬وهو الحكٌم أنت تولٌت من ٌكون تدبٌره فٌك‪ ،‬من ٌكون عملك له كله قابما على الحكمة‪ ،‬كله ال‬
‫حماقة فٌه‪ ،‬ال عبث فٌه‪ ،‬ال جهالة فٌه‪ ،‬ال خطؤ فٌه‪ ،‬فهو حكٌم‪ ،‬فإذا ما دبرك إنما ٌدبرك إلى ما هو حكمة‪،‬‬
‫إذا ما أرشدك إنما ٌرشدك إلى ما هو حكمة‪ ،‬فهو عزٌز حكٌم‪.‬‬
‫ٕٗ‬
‫وعادة ما ٌحصل بالنسبة لئلنسان عندما ٌلمس لنفسه فً هذه الدنٌا عزة وهٌمنة أن تنطلق منه األعمال‬
‫العشوابٌة‪ ،‬والتوجٌهات العشوابٌة التً تعكس جبروته‪ ،‬أما هللا سبحانه وتعالى فهو حكٌم لٌس هناك حماقة‪،‬‬
‫لٌس هناك توجٌهات هكذا‪ ،‬أوامر بحماقة وعبث ال ٌهمه إال أن تنفذها ؼصبا‪َ ،‬نف ِْذ! هو حكٌم‪ ،‬كلما دبرك‬
‫إلٌه‪ ،‬كلما وجهك إلٌه كلما أمرك به هً أوامر حكمة‪ ،‬توجٌهات حكمة‪ ،‬إرشادات حكمة ‪ ..‬أي لنثق به‪.‬‬
‫الحظ ‪ ..‬نحن تقرٌبا ال نثق عندما قال هللا للمسلمٌن وهو ٌتحدث معهم عن الجهاد‪ ،‬وٌرشدهم إلى الجهاد‪،‬‬
‫وأنه تجارة تنجٌهم من عذاب ألٌم‪ ،‬وأنه كذا وكذا‪ ،‬عندما قال‪َ { :‬ذلِ ُك ْم َخٌْر َل ُك ْم إِنْ ُك ْن ُت ْم َتعْ لَم َ‬
‫ُون} (التوبة‪ :‬من‬
‫اآلٌةٔٗ) ما هو هذا الخٌر الذي تذهب لٌرموك بالرصاص!! كٌؾ عبارات الناس هنا ٌقولوا كٌؾ ان هذه‬
‫حكمة!!؟ ال‪ ،‬هذه حكمة‪ ،‬حكمة‪ ،‬أوامر حكٌمة‪ ،‬فٌها رحمة لك‪ ،‬وفٌها خٌر لك‪ ،‬وفٌها شرؾ لك‪.‬‬
‫تؤملوا فً ماذا لو لم نجاهد ؟ ماذا لو استسلمنا للعدوان األمرٌكً اإلسرابٌلً السعودي اإلماراتً ؟ كٌؾ‬
‫كان سٌكون الوضع فً الٌمن ؟ و ما ٌحصل الٌوم فً المحافظات المحتلة ٌعتبر جوابا بسٌطا على هذا‬
‫التساإل و فً هذا جوابا على أهمٌة الجهاد و أن توجٌه هللا لنا بالجهاد إنما هو رحمة و حكمة و مصلحة‬
‫لنا فبل تحمى الدٌار و ال تصان األعراض إال بالجهاد فً سبٌل هللا‪.‬‬

‫ومن رحمة هللا أن تشرٌعه حتى لو لم ٌكن وراءه جنة‪ ،‬كل ما هدانا إلٌه فً كتابه الكرٌم حتى لو لم ٌكن‬
‫وراءه جنة لكان هو وحده المنهج الصحٌح الذي ال تستقٌم حٌاة البشر إال به‬
‫حتى وإن كانت الجنة بٌده‪ ،‬هو لم ٌؤت لٌرسم توجٌهات معٌنة ٌقول‪ :‬امشوا علٌها‪ ،‬من مشى علٌها ‪ ...‬من‬
‫ٌمشً على هذه نحن سنعطٌه الجنة‪ ،‬والذي ال ٌمشً علٌها سندخله النار ‪ ..‬هكذا أوامر معٌنة‪ ،‬وتوجٌهات‬
‫معٌنة وبس ‪ ..‬نفعت واال ما نفعت‪ٌ ،‬عنً فٌها خطؤ واال ما فٌها خطؤ ‪ ..‬ال‪ .‬هللا هو الحكٌم‪ ،‬هو الحكٌم فً‬
‫كل شًء‪ ،‬فكل توجٌه من توجٌهاته‪ ،‬كل إرشاد من إرشاداته‪ ،‬كل أمر من أوامره‪ ،‬كل نهً من نواهٌه هو‬
‫ٌنطلق بحكمة‪ٌ ،‬نطلق من الحكٌم سبحانه وتعالى‪ .‬والحكمة ما هً؟ وضع الشًء فً موضعه‪ ،‬أن هذا هو‬
‫وحده الذي فٌه الصبلح لك‪ ،‬ال ؼٌره‪ ،‬هو وحده الذي فٌه الفبلح لك‪ ،‬ال ؼٌره‪ ،‬هو وحده الذي فٌه نجاح‬
‫وفوز لك ال ؼٌره ‪ ..‬وضع الشًء فً موضعه‪ ،‬ال ٌصلح إال هو‪.‬‬
‫هللا ٌجعل تشرٌعه بالشكل الذي ٌهٌا بعضه لبعض وٌخدم بعضه بعضاً‪ ،‬وٌسهل بعضه تطبٌق بعض‪.‬‬
‫لم نثق بكثٌر من أوامره ألنها تبدو وكؤنها شاقة‪ ،‬فنتهرب منها لكن حتى عندما ٌؤمرنا الحظوا؛ ألنه ٌؤمرنا‬
‫وهو فً نفس الوقت الحكٌم الرحٌم أٌضا‪ ،‬متى ما أمر بشًء وبدا لنا شاقا فهو ٌضع فً تشرٌعاته‪ ،‬وفً‬
‫المنهج التربوي لكتابه الكرٌم ٌضع األشٌاء الكثٌرة التً هً سهلة فً متناولنا فتجعلنا بالشكل الذي ٌمكن‬
‫أن نصل إلى هذا الشًء الذي ٌعتبر مستبعدا أمامنا‪ٌ ،‬جعل تشرٌعه بالشكل الذي ٌهٌا بعضه لبعض وٌخدم‬
‫بعضه بعضا‪ ،‬وٌسهل بعضه تطبٌق بعض‪.‬‬
‫دٌن هللا هو المنهج الصحٌح الذي ال تستقٌم حٌاة البشر إال به‬
‫ومع أن تشرٌعه حتى لو لم ٌكن وراءه جنة‪ ،‬كل ما هدانا إلٌه فً كتابه الكرٌم حتى لو لم ٌكن وراءه جنة‬
‫لكان هو وحده المنهج الصحٌح الذي ال تستقٌم حٌاة البشر إال به‪ ،‬وال تستقٌم الدنٌا إال بالسٌر علٌه‪ ،‬حتى‬
‫ٕ٘‬
‫ولو فرضنا بؤنه لٌس هناك جنة‪ .‬أما عندما تكون المسؤلة بؤن ما هدانا إلٌه هو وحده الذي ال منهج أقوم‬
‫منه‪ ،‬وال شًء أفضل للحٌاة‪ ،‬وفً الحٌاة منه ثم ٌثٌبنا علٌه‪ ،‬ثم ٌعطٌنا الجزاء العظٌم علٌه‪ ،‬هذا هو من‬
‫أبلػ مظاهر رحمته‪ ،‬من أبلػ دالبل سعة رحمته لعباده ‪ ..‬أنك ال تكاد تجد شٌبا مما أرشد إلٌه فً كتابه‬
‫الكرٌم إال وهو ٌإكد أن فٌه صبلح الحٌاة‪ ،‬هنا فً الدنٌا؛ ألنه هو الذي خلق الدنٌا‪ ،‬وخلق اإلنسان‪ ،‬وهو‬
‫الذي ٌعلم السر فً السموات واألرض ‪ ..‬إذا فلماذا ‪ -‬أٌضا ‪ٌ -‬ضٌؾ إلى هذا أجرا كبٌرا وفوزا كبٌرا‪،‬‬
‫وٌمنحك الجنة فً اآلخرة‪ ،‬النعٌم األبدي‪ ،‬النعٌم العظٌم‪ ،‬والدرجات العالٌة فً الجنة ‪ ..‬ألٌس هذا من سعة‬
‫رحمته؟‪.‬‬
‫ون} (آل عمران‪ ،)ٔٓ5:‬أنهم فً‬ ‫َّت وُ جُو ُه ُه ْم َففًِ َرحْ َم ِة َّ ِ‬
‫هللا ُه ْم فٌِ َها َخالِ ُد َ‬ ‫ولهذا قال هللا‪َ { :‬وأَمَّا الَّذ َ‬
‫ٌِن ا ْب ٌَض ْ‬
‫مواقفهم هذه فً الدنٌا التً تبٌض وجوههم هً مواقؾ ال بد منها فً أن ال ٌظلموا‪ ،‬وال ٌقهروا‪ ،‬وال ٌذلوا‪،‬‬
‫وأن ٌعٌشوا أحرارا فً الدنٌا‪ ،‬وأن ٌعٌشوا كرماء وأعزاء وأقوٌاء‪ ،‬وتسعد حٌاتهم‪ ،‬فتصبح الجنة زٌادة‬
‫ون}‪.‬‬ ‫خٌر بالنسبة لهم‪ ،‬فسماها رحمة { َففًِ َرحْ َم ِة َّ ِ‬
‫هللا ُه ْم فٌِ َها َخالِ ُد َ‬

‫القرآن الكرٌم ٌخاطب أعماقك‬

‫َق مِنَ َّ ِ‬
‫هللا َحدٌِثا ً} عبارة ٌخاطب بها هللا أعماقك لتثق به‬ ‫{ َو َمنْ أَ ْ‬
‫صد ُ‬

‫َق مِنَ َّ ِ‬
‫هللا َحدٌِثا ً} (النساء‪ :‬من اآلٌة‪ )85‬هل هناك أصدق حدٌث من هللا؟ ما هذه واحدة من‬ ‫{ َو َمنْ أَ ْ‬
‫صد ُ‬
‫العبارات التً تخاطب أعماق نفسك؟ لتإمن فٌكون إٌمانك صادقا أنه لٌس هناك أصدق من هللا حدٌثا ‪..‬‬
‫لتؤخذ هذه العبارة‪ ،‬لتؤخذ هذه اآلٌة فتكتبها فً جدار قلبك‪ ،‬فتجد فً اآلٌات األخرى عندما تجد وعود هللا‪،‬‬
‫ووعده ووعٌده‪ ،‬تجد فعبل أنه لٌس هناك أصدق من هللا حدٌثا‪ ،‬ومن أصدق من هللا حدٌثا؟‪.‬‬
‫ُون} (ألنفال‪ :‬من اآلٌةٓ‪ )ٙ‬فكن‬ ‫هللا ٌ َُوؾَّ إِلَ ٌْ ُك ْم َوأَ ْن ُت ْم ال ُت ْظ َلم َ‬
‫ٌل َّ ِ‬ ‫عندما ٌقول‪َ { :‬و َما ُت ْن ِفقُوا مِنْ َشًْ ء فًِ َس ِب ِ‬
‫ص ُرهُ إِنَّ َّ َ‬
‫هللا لَ َق ِوي َع ِزٌز}‬ ‫هللا ُ َمنْ ٌَ ْن ُ‬ ‫هللا َحدٌِثا}‪َ { .‬و َل ٌَ ْنص َُرنَّ َّ‬ ‫َق م َِن َّ ِ‬ ‫أنت فً نفسك مرسخا‪َ { :‬و َمنْ أَصْ د ُ‬
‫هللا َحدٌِثا}‪{ .‬لَنْ ٌَضُرُّ و ُك ْم إِ َّال أَذى َوإِنْ‬ ‫َق م َِن َّ ِ‬ ‫(الحج‪ :‬من اآلٌةٓٗ) ما هذا وعدا إلهً مإكد؟ { َو َمنْ أَصْ د ُ‬
‫ُون} (آل عمران‪ )ٔٔٔ:‬ألٌس هذا وعدا؟ فقط ٌطلب منك إٌمان ٌجعلك‬ ‫صر َ‬ ‫ٌُ َقا ِتلُو ُك ْم ٌ َُولُّو ُك ُم ْاألَ ْد َب َ‬
‫ار ُث َّم ال ٌُ ْن َ‬
‫ِّت أَ ْق َدا َم ُك ْم} (محمد‪)5:‬‬ ‫صرُوا َّ َ‬
‫هللا ٌَ ْنصُرْ ُك ْم َو ٌُ َثب ْ‬ ‫هللا َحدٌِثا}‪{ .‬إِنْ َت ْن ُ‬ ‫َق م َِن َّ ِ‬ ‫أنت تخاطب نفسك بؤنه { َو َمنْ أَصْ د ُ‬
‫ماذا أقول أمام هذه؟ فعبل أثق؛ ألننً أعلم أنه لٌس هناك أصدق من هللا حدٌثا‪.‬‬
‫ض ْنكا‬
‫ض َعنْ ِذ ْك ِري َفإِنَّ لَ ُه َمعٌِ َشة َ‬ ‫وهكذا تؤتً إلى آٌات الوعد والوعٌد بالنسبة لآلخرة‪َ { ،‬و َمنْ أَعْ َر َ‬
‫ش ُرهُ ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة أَعْ َمى} (طه‪ )ٕٔٗ:‬ألٌس هذا قول من قول هللا؟ ألٌس هو حدٌث من حدٌث هللا سبحانه‬ ‫َو َنحْ ُ‬
‫ش ُرهُ ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة أَعْ َمى}‬
‫ض ْنكا َو َنحْ ُ‬ ‫وتعالى؟ ألٌس هو وعٌدا؟ { َو َمنْ أَعْ َر َ‬
‫ض َعنْ ذ ِْك ِري َفإِنَّ لَ ُه َمعٌِ َشة َ‬
‫{ َو َمنْ أَصْ د ُ‬
‫َق م َِن َّ ِ‬
‫هللا َحدٌِثا}‪.‬‬

‫‪ٕٙ‬‬
‫نحن نرٌد أن نصل إلى هذه الدرجة‪ ،‬إلى درجة أن ننظر إلى كل وعد من وعود هللا‪ ،‬إلى كل وعٌد من‬
‫وعوده‪ ،‬بؤنه ٌؤتً ممن؟ ممن لٌس هناك من هو أصدق منه حدٌثا ‪ ..‬واألصدق حدٌثا أنه من ال ٌؤتً الواقع‬
‫أبدا متخلفا عما أخبر به عنه‪ ،‬الذي ال ٌتخلؾ إطبلقا‪ .‬المصداقٌة هً بالنسبة للواقع أن ٌكون متحققا {ال‬
‫ْب فٌِ ِه}‪ ،‬ال شك فً تحققه‪ ،‬فعندما قال‪َّ { :‬‬
‫هللا ُ ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو لَ ٌَجْ َم َع َّن ُك ْم إِلَى ٌَ ْو ِم ْال ِق ٌَا َم ِة} (النساء‪ :‬من‬ ‫َرٌ َ‬
‫اآلٌة‪ )85‬ما هو ٌخبر عن واقع سٌحصل؟ ٌوم إسمه ٌوم القٌامة‪ ،‬وٌجتمع الناس فٌه‪ ،‬ألٌس هذا إخبارا عن‬
‫واقع سٌحصل؟‪.‬‬
‫الخبر قد ٌكون صدقا‪ ،‬وقد ٌكون كذبا باعتبار الواقع عندما ٌؤتً الواقع متخلفا عنه فٌكون ؼٌر صادق‪،‬‬
‫الصدق هو‪ :‬أن ٌكون الواقع وفقا لما أخبر به عنه ‪ ..‬فمن أصدق من هللا حدٌثا؟ ألن هذا كبلم ال ٌتخلؾ‬
‫وواقع ال ٌتخلؾ‪ ،‬ألن من ٌقول هذا هو من ٌعلم الؽٌب والشهادة‪ ،‬ومن ٌقول هذا هو من ٌفعل هذه األشٌاء‬
‫هو‪ ،‬وهو العزٌز‪ ،‬وهو الحكٌم‪ ،‬وهو الملك‪ ،‬وهو القاهر فوق عباده‪ ،‬لٌس إخبارا بؤن هناك إله آخر سٌعمل‬
‫ٌوما ٌسمى ٌوم القٌامة ثم ٌمكن أن هذا اإلله اآلخر ٌتكاسل فبل ٌعمل شٌبا‪.‬‬
‫ْب فٌِ ِه} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٕ)‬
‫هللا ٌخبر عن أفعاله هو ما سٌفعل‪ ،‬وما أخبر عنه من أفعاله فلن ٌتخلؾ‪{ ،‬ال َرٌ َ‬
‫{ َو َمنْ أَصْ د ُ‬
‫َق م َِن َّ ِ‬
‫هللا َحدٌِثا}‪.‬‬

‫احذروا التعامل الروتٌنً مع هدى هللا‬


‫ولهذا هللا ٌحذرنا عن قسوة القلوب‪ ،‬قسوة القلب { َف َطا َل َعلٌَ ِْه ُم ْاألَ َم ُد َف َق َس ْ‬
‫ت قُلُو ُب ُه ْم} (الحدٌد‪ :‬من اآلٌة‪)ٔٙ‬‬
‫نحضر كل ٌوم الخمٌس‪ ،‬نحضر كل لٌلة‪ ،‬نحضر كل جمعة‪ ،‬وكل مناسبة‪ ،‬وكل كلمة نعود منها بعدما‬
‫نسمعها مثلما ذهبنا إلٌها‪ٌ ،‬صبح هذا مجرد روتٌن تسٌر وتؤتً مثل طبلب المدرسة‪ٌ ،‬سرح وٌجً‪ٌ ،‬ذهب‬
‫و ٌعود ٌذهب و ٌعود ‪ ..‬ثم تؤتً تنظر ما مع من علم وهو فً صؾ سادس فتراه ال ٌستطٌع أن ٌقرأ وال‬
‫ٌكتب!‪.‬‬
‫حالة الروتٌن هذا المتجدد‪ ،‬حالة أن تسمح لنفسك تذهب و تعود‪ ...‬تذهب و تعود مثلما جبت‪ ،‬وهكذا ٌؤتً‬
‫ؼد مثل الٌوم وبعد ؼد مثل ؼد‪ ،‬هذه نفسها حالة تساعد على ماذا؟ أن تصبح الكلمات ال أثر لها فً نفسك‪،‬‬
‫فٌقسو قلبك؛ ألنك تترك لؤلشٌاء األخرى المجال ألن تترسخ فً نفسك‪ ،‬ألن تعمل على أن ٌقسو قلبك‪.‬‬
‫والمواعظ التً ترٌد أن تسمعها الٌوم لٌست التً سمعتها أمس‪ ،‬والذي سمعته ثالث ٌوم هو الذي سمعته‬
‫أول ٌوم‪ ،‬وهكذا ‪ ..‬تصبح المسؤلة هكذا عندك‪ ،‬حتى ٌقسو قلبك فبل ٌعد شًء ٌنفعك‪ ،‬لهذا قال هللا عن‬
‫ت قُلُو ُب ُه ْم َوإِ َذا ُتلِ ٌَ ْ‬
‫ت َعلٌَ ِْه ْم آ ٌَا ُت ُه َزا َد ْت ُه ْم ‪ -‬زادتهم ‪ -‬إٌِ َمانا}‬ ‫ٌِن إِ َذا ُذك َِر َّ‬
‫هللا ُ َو ِج َل ْ‬ ‫المإمنٌن‪{ :‬إِ َّن َما ْالم ُْإ ِم ُن َ‬
‫ون الَّذ َ‬
‫(ألنفال‪ :‬من اآلٌةٕ)‪ .‬وأنت ترى نفسك بؤنك ال تزٌد إٌمانا من كل كلمة تسمعها حتى ولو من طفل‪ ،‬ال‬
‫تزداد إٌمانا من كل كلمة تسمعها فاعرؾ بؤنك متعرض للخطورة التً تعرض لها بنوا إسرابٌل‪ ،‬أنه‬
‫سٌطول علٌك األمد‪ ،‬وهكذا كلمة بعد كلمة وأنت ال تزداد إٌمانا فٌقسو قلبك‪ ،‬وتخبث نفسك وحٌنبذ ال ٌنفع‬
‫فٌك شًء‪.‬‬

‫‪ٕ5‬‬
‫ٌجب أن نفرض على أنفسنا أن نزداد إٌمانا ً‬
‫ٌجب أن نعمل على أن نكون من المإمنٌن الذٌن ٌزدادون اٌمانا كلما سمعوا آٌات هللا ‪ ،‬نحاول ولنقهر‬
‫نفوسنا أن نفرض على أنفسنا أن نزداد إٌمانا من كل آٌة نسمعها من آٌات هللا تتلى علٌنا‪ ،‬من كل تذكٌر‬
‫روض‬‫نسمعه‪ ،‬أن نزداد إٌمانا‪ ،‬إفرض على نفسك أن تزداد إٌمانا‪ ،‬إفرض على نفسك أعماالً تنطلق فٌها‪ِّ ،‬‬
‫وعود نفسك على أن تعمل‪ ،‬وأن ترسخ فً نفسك اإلٌمان‪ ،‬وتزداد إٌمانا ً خوفا من أن تصبح‬ ‫ِّ‬ ‫نفسك‪،‬‬
‫ك} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٗ‪ )5‬من بعد‬ ‫األشٌاء ال تنفع فٌك‪ ،‬ثم فً األخٌر ٌقسو قلبك { ُث َّم َق َس ْ‬
‫ت قُلُو ُب ُك ْم مِنْ َبعْ ِد َذلِ َ‬
‫تلك اآلٌات‪.‬‬
‫هذه حالة خطٌرة جدا ٌتعرض لها اإلنسان‪ ،‬حتى بعد اآلٌات القاهرة‪ ،‬مثلما حصل لبنً إسرابٌل عندما نتق‬
‫هللا الجبل فوقهم كؤنه ظلة‪ ،‬وعندما رأوا آٌات من هذا النوع المزعج‪ ،‬رجع الجبل‪ ،‬رجعوا الى عصٌانهم‬
‫من جدٌد ‪ ،‬النفس هً النفس‪ ،‬قست قلوبهم من بعد ذلك فهً كالحجارة أو أشد قسوة‪.‬‬

‫وٌمكن أن نفسر هذه الحالة التً نحن علٌها أن القرآن الكرٌم الذي قال هللا عنه‪َ { :‬ل ْو أَ ْن َز ْل َنا َه َذا ْالقُرْ َ‬
‫آن َع َلى‬
‫هللا} (الحشر‪ :‬من اآلٌةٕٔ) أن قلوبنا ربما تكون قد أصبحت أقسى‬ ‫َج َبل لَ َرأَ ٌْ َت ُه َخاشِ عا ُم َت َ‬
‫ص ِّدعا مِنْ َخ ْش ٌَ ِة َّ ِ‬
‫من الحجارة‪.‬‬

‫إذا فلنعمل على أن تلٌن {أَلَ ْم ٌَؤْ ِن لِلَّذ َ‬


‫ٌِن آ َم ُنوا أَنْ َت ْخ َش َع قُلُو ُب ُه ْم لِ ِذ ْك ِر َّ ِ‬
‫هللا َو َما َن َز َل م َِن ْال َح ِّق} (الحدٌد‪ :‬من‬
‫اآلٌة‪.)ٔٙ‬‬

‫‪ٕ8‬‬
‫فؤعلم أنه ال اله اال هللا‬

‫تكرارها فً القرآن الكرٌم كثٌرا‬


‫هللا ُ َش ِهٌد َب ٌْنًِ َو َب ٌْ َن ُك ْم َوأُوح ًَِ‬
‫نحن بحاجة إلى إٌمان راسخ‪ ،‬إلى إٌمان واع {قُ ْل أَيُّ َشًْ ء أَ ْك َب ُر َش َها َدة قُ ِل َّ‬
‫هللا آلِ َهة أ ُ ْخ َرى قُ ْل ال أَ ْش َه ُد قُ ْل إِ َّن َما ه َُو إِلَه َواحِد‬ ‫إِلًََّ َه َذا ْالقُرْ آنُ ِأل ُ ْنذ َِر ُك ْم ِب ِه َو َمنْ َبلَ َػ أَإِ َّن ُك ْم لَ َت ْش َه ُد َ‬
‫ون أَنَّ َم َع َّ ِ‬
‫ش ِر ُكونَ } (األنعام‪{ )ٔ9:‬قُ ْل أَيُّ َشًْ ء أَ ْك َب ُر َش َها َدة} أعظم شهادة‪ ،‬هً شهادة هللا‪،‬‬ ‫َوإِ َّننًِ َب ِريء ِم َّما ُت ْ‬
‫شهادة هللا على توحٌده‪ ،‬شهادة هللا على صدق وعده ووعٌده‪ ،‬شهادة هللا على أنه سٌنجز ما وعد به‬
‫أولٌاءه‪ ،‬شهادة هللا بؤنه رحٌم بعباده فكل ما ٌرشدهم إلٌه‪ ،‬وٌهدٌهم إلٌه هو من منطلق رحمته‪ ،‬شهادة هللا‬
‫بؤنه القابم بالقسط‪ ،‬وٌرٌد منك أن تكون من القابمٌن بالقسط لتكون من أولٌابه؛ ألن أولٌاءه هم من ٌنطلقون‬
‫فً الحٌاة وفق هداٌته‪.‬‬
‫هللا ُ أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َو ْال َمبل ِب َك ُة َوأُولُو ْالع ِْل ِم َقابِما ِب ْالقِسْ طِ } (آل عمران‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔ8‬ثم ٌقول‪ٌَ { :‬ا أَ ٌُّ َها‬
‫{ َش ِه َد َّ‬
‫ٌِن ِب ْالقِسْ طِ } (النساء‪ :‬من اآلٌةٖ٘ٔ) كونوا قوامٌن بالقسط كما أن هللا هو من هو قابم‬ ‫ٌِن آ َم ُنوا ُكو ُنوا َق َّوام َ‬ ‫الَّذ َ‬
‫بالقسط‪ ،‬ودبر شبون هذه الحٌاة على أساس القسط‪.‬‬
‫{ َوأُوح ًَِ إِلًََّ َه َذا ْالقُرْ آنُ ِأل ُ ْنذ َِر ُك ْم ِب ِه َو َمنْ َبلَ َػ} (األنعام‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔ9‬ومن بلؽه هذا القرآن‪ ،‬فهو نذٌر لكل‬
‫البشر جٌبل بعد جٌل إلى ٌوم القٌامة‪ ،‬وفٌه ما ٌكفً من المواعظ‪ ،‬فٌه اإلنذار الكافً‪ ،‬اإلنذار عن عواقب‬
‫اإلهمال فً الدنٌا‪ ،‬عن عواقب التفرٌط فً الدنٌا‪ ،‬عن عواقب المعاصً فً الدنٌا‪ ،‬عن عواقب نسٌان هللا‬
‫حتى هنا فً الدنٌا‪ ،‬واإلنذار عن العاقبة الشدٌدة فً القٌامة من شدة الحساب‪ ،‬وعن العذاب الشدٌد فً جهنم‬
‫{ ِأل ُ ْنذ َِر ُك ْم ِبه}‪.‬‬
‫اع ُبدُوهُ َوه َُو َعلَى ُك ِّل َشًْ ء َوكٌِل} (األنعام‪{ )ٕٔٓ:‬قُ ْل ٌَا أَ ٌُّ َها‬ ‫هللا ُ َر ُّب ُك ْم ال إِلَ َه إِ َّال هُو َخال ُِق ُك ِّل َشًْ ء َف ْ‬ ‫{ َذلِ ُك ُم َّ‬
‫ٌِت َفآ ِم ُنوا‬
‫ض ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو يُُ ْح ًٌِ َو ٌُم ُ‬ ‫ت َو ْاألَرْ ِ‬ ‫ك ال َّس َم َاوا ِ‬ ‫هللا إِلَ ٌْ ُك ْم َجمٌِعا الَّذِي لَ ُه م ُْل ُ‬ ‫ال َّناسُ إِ ِّنً َرسُو ُل َّ ِ‬
‫ون} (ألعراؾ‪َ { )ٔ٘8:‬فإِنْ َت َولَّ ْوا َفقُ ْل‬ ‫سولِ ِه ال َّن ِبًِّ ْاألُمًِِّّ الَّذِي ٌ ُْإمِنُ ِب َّ ِ‬
‫اِّل َو َكلِ َما ِت ِه َوا َّت ِبعُوهُ لَ َعلَّ ُك ْم َت ْه َت ُد َ‬ ‫اهلل َو َر ُ‬ ‫ِب َّ ِ‬
‫ش ْال َعظِ ٌِم} (التوبة‪َ { )ٕٔ9:‬فإِلَّ ْم ٌَسْ َت ِجٌبُوا لَ ُك ْم َفاعْ لَمُوا‬ ‫ت َوه َُو َربُّ ْال َعرْ ِ‬ ‫َحسْ ِب ًَ َّ‬
‫هللا ُ ال إِ َل َه إِ َّال ه َُو َعلَ ٌْ ِه َت َو َّك ْل ُ‬
‫هللا َوأَنْ ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َف َهلْ أَ ْن ُت ْم ُم ْسلِ ُمونَ } (هود‪.)ٔٗ:‬‬ ‫أَ َّن َما أ ُ ْن ِز َل ِبع ِْل ِم َّ ِ‬
‫كم تتكرر هذه العبارة‪{ :‬ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو} {ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو} ثم ٌنطلق لٌتحدث عن أي شًء كما قال هنا‪{ :‬ال إِلَ َه‬
‫ُون} (هود‪ :‬من اآلٌةٗٔ)‪ .‬أي‪ :‬مسلِّمون أنفسكم له باعتبار أنه‪{ :‬ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو} فلٌس‬ ‫إِ َّال ه َُو َف َه ْل أَ ْن ُت ْم مُسْ لِم َ‬

‫‪ٕ9‬‬
‫هناك إله آخر ٌمكن أن تسلِّموا أنفسكم له‪ ،‬أو ٌدفعكم اعتصامكم بذلك اإلله اآلخر إلى أن ال تسلموا أنفسكم‬
‫ِّل‪ ،‬ال إله إال هللا وحده فهو الذي ٌجب أن تسلموا له أنفسكم‪ ،‬وتعبدوا له أنفسكم‪.‬‬
‫ك} (الرعد‪ :‬من اآلٌةٖٓ)‪ ،‬وهو‬ ‫ت مِنْ َق ْب ِل َها أ ُ َمم لِ َت ْتلُ َو َعلٌَ ِْه ُم الَّذِي أَ ْو َح ٌْ َنا إِلَ ٌْ َ‬
‫ك فًِ أُمَّة َق ْد َخ َل ْ‬
‫ك أَرْ َس ْل َنا َ‬
‫{ َك َذلِ َ‬
‫ب} (الرعد‪ :‬من اآلٌةٖٓ)‪.‬‬ ‫ت َوإِلَ ٌْ ِه َم َتا ِ‬‫ُون ِبالرَّ حْ َم ِن قُلْ ه َُو َر ِّبً ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َعلَ ٌْ ِه َت َو َّك ْل ُ‬ ‫القرآن { َو ُه ْم ٌَ ْكفُر َ‬
‫هكذا ٌكون أنبٌاء هللا‪ ،‬وهكذا ٌكون أولٌاء هللا‪ٌ ،‬توكلون على هللا من منطلق إٌمانهم القوي باِّل‪ ،‬وثقتهم‬
‫القوٌة باِّل‪.‬‬

‫شا ُء مِنْ ِع َبا ِد ِه أَنْ أَ ْن ِذ ُروا أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال أَ َنا َفا َّتقُ ِ‬
‫ون}‬ ‫وح مِنْ أَ ْم ِر ِه َعلَى َمنْ ٌَ َ‬ ‫َ‬
‫{ ٌُ َن ِّزل ُ ا ْل َمل ِب َكة ِبالر ِ‬
‫(النحل‪ ،)ٕ:‬موضوع هذا الدرس هو حول فهم ألوهٌة هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬تترسخ فً أذهاننا مسؤلة ألوهٌة‬
‫هللا‪ ،‬ماذا تعنً؟ متى ما آمنا بؤنه هو وحده إلهنا ‪ -‬إٌمانا واعٌا ولٌس فقط مجرد كبلم ‪ -‬سنتقٌه‪ ،‬سنسلِّم‬
‫أنفسنا له‪ ،‬سنثق به‪ ،‬سنتوكل علٌه‪ ،‬نلتجا إلٌه‪ ،‬نرؼب فٌه‪ ،‬نخاؾ منه‪.‬‬
‫هللا ُ ال َت َّتخ ُِذوا‬ ‫ُون} (النحل‪َ { )ٕٕ:‬و َقا َل َّ‬ ‫ون ِب ْاآلخ َِر ِة قُلُو ُب ُه ْم ُم ْنك َِرة َو ُه ْم مُسْ َت ْك ِبر َ‬ ‫{إِلَ ُه ُك ْم إِلَه َواحِد َفالَّذ َ‬
‫ٌِن ال ٌ ُْإ ِم ُن َ‬
‫ُوحى إِلًََّ أَ َّن َما إِلَ ُه ُك ْم‬‫ون} (النحل‪{ ،)٘ٔ:‬قُ ْل إِ َّن َما أَ َنا َب َشر م ِْثل ُ ُك ْم ٌ َ‬ ‫اي َف ْ‬
‫ار َه ُب ِ‬ ‫ْن ْاث َنٌ ِ‬
‫ْن إِ َّن َما ه َُو إِلَه َواحِد َفإِ ٌَّ َ‬ ‫إِلَ َهٌ ِ‬
‫شر ْك ِب ِع َبا َد ِة َر ِّب ِه أَ َحداً} (الكهؾ‪َّ { ،)ٔٔٓ:‬‬ ‫إِلَه َواحِد َف َمنْ َكانَ ٌَ ْر ُجوا لِ َقا َء َر ِّب ِه َف ْل ٌَ ْع َملْ َع َملً َ‬
‫هللا ُ‬ ‫صالِحا ً َوال ٌُ ْ ِ‬
‫هللا ُ الَّذِي ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َوسِ َع ُك َّل َشًْ ء عِ ْلما}‬ ‫ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َل ُه ْاألَ ْس َما ُء ا ْل ُح ْس َنى} (طه‪{ )8:‬إِ َّن َما إِلَ ُه ُك ُم َّ‬
‫(طه‪.)98:‬‬

‫أهمٌتها‬
‫أ‪ .‬وألهمٌة اإلٌمان بؤلوهٌة هللا على هذا النحو‪ ،‬تصبح كلمة اإلقرار‪ ،‬هذه الكلمة فً الوحدانٌة هً‬
‫بطاقة الدخول فً اإلسلم‪،‬‬
‫وهً الذكر الذي ٌجب أن ٌردده الناس جمٌعا‪ ،‬وهً الذكر الذي ٌجب أن ٌتردد فً األذان‪ ،‬وهم ٌإذنون‬
‫وٌنادون للصبلة‪ ،‬كلمة‪[ :‬ال إله إال هللا] وداخل الصبلة [أشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شرٌك له وأشهد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله] هً الشهادة التً تدخلك فً اإلسبلم‪ ،‬وهً الشهادة التً تشهد بها وأنت فً اللحظات‬
‫األخٌرة من عمرك‪ ،‬فؤنت تشهد أنه ال إله إال هللا وأن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫ب‪ .‬الشهادة بوحدانٌة هللا سبحانه وتعالى ألهمٌتها هً التً تجعلك تكفر بكل من ٌبرز لك إلها فً‬
‫هذه الدنٌا غٌر هللا‪ ،‬وإن كان هوى نفسك ‪ ..‬قد ٌبرز الهوى إلها لك‪ ،‬وٌبرز الخوؾ إلها لك‪ ،‬وٌبرز‬
‫الطواؼٌت آلهة لك‪ ،‬وتبرز الدنٌا إلها لك‪ ،‬وتبرز المطامع كلها آلهة لك ‪ ..‬فعندما تكون مقررا فً‬
‫نفسك ألوهٌة هللا وحده‪ ،‬فسوؾ تقهر كل من ٌبرز فً هذه الدنٌا إلها آخر ؼٌر هللا لك‪.‬‬
‫ْت َم ِن ا َّت َخ َذ إِلَ َه ُه َه َواهُ} (الجاثٌة‪ :‬من اآلٌةٖٕ) أنت أٌها اإلنسان ٌمكن أن تتخذ هواك‬ ‫ألم ٌقل هللا‪{ :‬أَ َف َرأٌَ َ‬
‫تجعله إلها لك‪ ،‬كذلك من تطٌعه من دون هللا فؤنت قد عبَّدت نفسك له‪ ،‬من تطٌعه فً معصٌة هللا تصبح قد‬
‫عبدت نفسك له‪ ،‬فكؤنك اتخذته إلها‪ .‬ألم ٌقل هللا لبنً آدم‪{ :‬أَلَ ْم أَ ْع َهدْ إِلَ ٌْ ُك ْم ٌَا َبنًِ آ َد َم أَنْ ال َت ْع ُبدُوا ال َّ‬
‫ش ٌْ َطانَ‬
‫ٖٓ‬
‫إِ َّن ُه لَ ُك ْم َعدُو ُم ِبٌن} (ٌّس‪ )ٙٓ:‬سمَّا طاعتهم للشٌطان عبادة؛ ألنهم أطاعوه فً معصٌة هللا وكل من ٌوجب‬
‫علٌك أن تطٌعه فً معصٌة هللا فقد جعل نفسه إلها لك‪ ،‬فإذا أطعته فكؤنك عبدته‪ ،‬وكؤنك جعلته إلها‪.‬‬
‫واإلمام الناصر فً كتاب [البساط] أكد هذه المسؤلة بشكل كبٌر‪ ،‬فٌما ٌتعلق بتفصٌل العبادة أنه جعل من‬
‫ضمنها الطاعة‪ ،‬فمتى ما أطعت ؼٌر هللا أصبحت مشركا‪ ،‬جعله شركا‪ ،‬تطٌعه فً معصٌة هللا‪.‬‬
‫ج‪ .‬ترسٌخ اإلنشداد القوي به؟ واتصالك القوي به؟ وثقتك العظٌمة به‬

‫ُون} (األنبٌاء‪{ )ٕ٘:‬قُ ْل إِ َّن َما ٌ َ‬


‫ُوحى‬ ‫اع ُبد ِ‬ ‫ك مِنْ َرسُول إِ َّال ُنوحًِ إِلَ ٌْ ِه أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال أَ َنا َف ْ‬ ‫{ َو َما أَرْ َس ْل َنا مِنْ َق ْبلِ َ‬
‫هللا ُ ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو لَ ُه ْال َح ْم ُد فًِ ْاألُولَى‬
‫إِلًََّ أَ َّن َما إِلَ ُه ُك ْم إِلَه َواحِد َف َهلْ أَ ْن ُت ْم ُم ْسلِ ُمونَ } (األنبٌاء‪َ { .)ٔٓ8:‬وه َُو َّ‬
‫ت َّ ِ‬
‫هللا َعلَ ٌْ ُك ْم َه ْل مِنْ َخالِق‬ ‫َو ْاآلخ َِر ِة َولَ ُه ا ْل ُح ْك ُم َوإِ َل ٌْ ِه ُت ْر َج ُعونَ } (القصص‪ٌَ { )5ٓ:‬ا أَ ٌُّ َها ال َّناسُ ْاذ ُكرُوا نِعْ َم َ‬
‫ض ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َفؤ َ َّنى ُت ْإ َف ُكونَ } (فاطر‪ )ٖ:‬من الذي ٌرزقكم؟ من الذي‬ ‫هللا ٌَرْ ُزقُ ُك ْم م َِن ال َّس َما ِء َو ْاألَرْ ِ‬
‫َؼ ٌْ ُر َّ ِ‬
‫صوركم فً األرحام كٌؾ ٌشاء؟ من الذي سخر هذا العالم لكم؟ ‪ ..‬هو هللا‪ ،‬هو هللا ‪ ..‬الذي ال إله إال هو‪.‬‬
‫ألٌس هذا ٌعنً‪ :‬أنه متجه إلى ترسٌخ اإلنشداد القوي به؟ واتصالك القوي به؟ وثقتك العظٌمة به؟ { َه ْل مِنْ‬
‫ون} إذا فعندما ترجع إلٌه‪ ،‬وتتوكل‬ ‫هللا ٌَرْ ُزقُ ُك ْم م َِن ال َّس َما ِء َو ْاألَرْ ِ‬
‫ض ال إِ َل َه إِ َّال ه َُو َفؤ َ َّنى ُت ْإ َف ُك َ‬ ‫َخالِق َؼ ٌْ ُر َّ ِ‬
‫علٌه‪ ،‬وتثق به هو من ٌملك رزقك‪ ،‬هو من ٌملك أن ٌرزقك‪ ،‬هو من ٌملك السموات واألرض‪ ،‬التً فٌها‬
‫ومنها رزقك‪.‬‬
‫ٌِن} (ؼافر‪ )ٙ٘:‬ال إله إال هو‬ ‫ٌن ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِّل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫{ه َُو ْال َحًُّ ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َفادْ ُعوهُ م ُْخلِصِ َ‬
‫ٌن لَ ُه ال ِّد َ‬
‫فارجعوا إلٌه وادعوه مخلصٌن له دٌنكم‪ ،‬مخلصٌن له فً الدعاء‪ .‬الدعاء كما ورد بؤنه مخ العبادة‪ ،‬لكن‬
‫الدعاء إذا ما ترافق معه عمل‪ ،‬الدعاء الذي لم ٌترافق مع تقصٌر‪ ،‬وإنما مع عمل‪.‬‬
‫ما مدى علمك بل إله إال هللا ؟ وهل مجرد العلم ٌكفً ؟‬
‫ٌِن ال‬ ‫ٌِن الَّذ َ‬ ‫{قُ ْل إِ َّن َما أَ َنا َب َشر م ِْثل ُ ُك ْم ٌ َ‬
‫ُوحى إِلًََّ أَ َّن َما إِلَ ُه ُك ْم إِلَه َواحِد َفاسْ َتقٌِمُوا إِلَ ٌْ ِه َواسْ َت ْؽ ِفرُوهُ َو َوٌْل ل ِْل ُم ْش ِرك َ‬
‫ك‬ ‫ُون} (فصلت‪َ { .)5 - ٙ:‬فاعْ لَ ْم أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال َّ‬
‫هللا ُ َواسْ َت ْؽفِرْ ل َِذ ْن ِب َ‬ ‫الز َكا َة َو ُه ْم ِب ْاآلخ َِر ِة ُه ْم َكا ِفر َ‬ ‫ون َّ‬ ‫ٌ ُْإ ُت َ‬
‫ٌِن} (محمد‪ :‬من اآلٌة‪ ،)ٔ9‬ألم ٌقل هللا لرسوله (صلوات هللا علٌه وعلى آله)‪َ { :‬فاعْ لَ ْم أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال‬ ‫َول ِْلم ُْإ ِمن َ‬
‫هللا ُ} (محمد‪ :‬من اآلٌة‪)ٔ9‬؟ ألم ٌكن الرسول (صلوات هللا علٌه وعلى آله) عالما بهذا؟ هو رسوله وقد‬ ‫َّ‬
‫اصطفاه‪ ،‬هو الذي ٌبلػ رسالة اإلله الذي ال إله إال هو‪ ،‬فما معنى هذه العبارة‪َ { :‬فاعْ لَ ْم أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال َّ‬
‫هللا ُ‬
‫ٌِن} (محمد‪ :‬من اآلٌة‪)ٔ9‬؟‪.‬‬ ‫ك َول ِْلم ُْإ ِمن َ‬‫َواسْ َت ْؽفِرْ ل َِذ ْن ِب َ‬
‫ٌتقرر فً نفسك دابما بشكل واع‪ ،‬وهو مجال واسع جدا‪ ،‬ودرجات متفاوتة جدا ترسخ العلم بؤنه ال إله إال‬
‫هللا‪.‬‬
‫ألسنا جمٌعا نقول‪[ :‬ال إله إال هو]؟ لكن هل علمنا بؤنه ال إله إال هللا كعلم رسول هللا (صلوات هللا علٌه‬
‫وعلى آله) ‪....‬هل علمنا بؤنه ال إله إال هو كعلم اإلمام علً (علٌه السبلم)؟ ‪ ..‬ال‪.‬‬

‫ٖٔ‬
‫معاٌٌر علمك و إٌمانك بل إله إال هللا‬
‫أ‪ .‬االستجابة الكاملة هلل و الوعً العالً و الثقة القوٌة باهلل تعالى‬
‫لو كنا نعلم أنه ال إله إال هو النطلقنا فً هذه الدنٌا صوارٌخ ال أحد ٌوقفنا أبدا‪،‬‬
‫وال أحد ٌخٌفنا أبدا‪،‬‬
‫وال أحد ٌخدعنا أبدا‪،‬‬
‫وال أحد ٌستطٌع أن ٌضلنا أبدا‪،‬‬
‫وال أحد ٌستطٌع أن ٌقهرنا أبدا‪.‬‬
‫لكنا نبلحظ بؤن درجة علمنا بؤنه ال إله إال هو هابطة جدا‪ ،‬كلمة تصرفك عن من هو ال إله إال هو وعن‬
‫طرٌقه‪ ،‬ما هذا ٌدل على أنك تفقد العلم بكله‪ ،‬أو متدنً جدا فً علمك به؟‪.‬‬
‫ب‪ .‬الخوف من هللا وحده‬
‫ألٌس عندما ٌنقدح فً نفسك خوؾ من ؼٌر هللا فتتراجع ٌدل على أنك ضعٌؾ فً علمك بؤنه ال إله إال‬
‫هو‪.‬‬
‫إن معنى ال إله إال هو ٌرتبط ما استعرضه القرآن الكرٌم‪ :‬هو الخالق‪ ،‬هو الرازق‪ ،‬هو الذي سٌجمع‬
‫الناس لٌوم القٌامة‪ ،‬هو الذي بٌده النار‪ ،‬بٌده الجنة‪ ،‬هو الذي وعد أولٌاءه بوعود كثٌرة‪ ،‬هو صادق الوعد‬
‫والوعٌد‪ ،‬هو الرحمن الرحٌم‪ ،‬هو عالم الؽٌب والشهادة‪ ،‬هو الذي ٌعلم السر فً السموات واألرض‪ ،‬هو ‪..‬‬
‫هو ‪ ..‬إلى آخره‪ .‬فعندما تخاؾ من ؼٌر هللا فعبل ٌدل على ضعؾ‪ ،‬ضعؾ علمك بؤنه ال إله إال هو‪.‬‬
‫فنحن لو سردنا أٌاما جلسات طوٌلة نرسخ فً أنفسنا ال إله إال هو‪ ،‬ولو سنة كاملة ٌترسخ فً نفوسنا بشكل‬
‫واع ال إله إال هو‪ ،‬وكلمة‪ :‬ال إله إال هللا لكانت السنة هذه قلٌل فً مقابل ما نحصل علٌه من ترسٌخ معنى‪:‬‬
‫ال إله إال هو‪.‬‬
‫ج‪ .‬الرغبة فً هللا و فٌما عند هللا وحده‬
‫عندما ٌؤتً شخص ٌعطٌك مبلػ من المال‪ ،‬وٌجندك ضد أولٌاء هللا‪ ،‬أو ٌصرفك عن نهج الحق‪ ،‬أو تدخل‬
‫معه فً باطل‪ ،‬ألٌس هذا ٌدل على أنك ال تعلم أنه ال إله إال هو؟ أنه ال إله إال هللا؟ فانصرفت عن نهج هللا‬
‫الذي وصؾ نفسه بهذه األوصاؾ العظٌمة‪ ،‬من له ملك السماوات واألرض‪ ،‬ورؼبت فً مبلػ زهٌد من‬
‫المال قدم لك من هنا أو من هنا مقابل والء معٌن‪ ،‬أو موقؾ باطل تدخل فٌه‪ ،‬أو عمل باطل تقوم به‪ ،‬ألٌس‬
‫هذا ٌدل على أنك ال تعلم باِّل‪ ،‬وال تإمن باِّل؟‬
‫فاعلم ‪ ..‬هكذا ٌقول هللا لرسوله (صلوات هللا علٌه وعلى آله)‪َ { :‬فاعْ لَ ْم أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال َّ‬
‫هللا ُ} وهو من ٌعلم‪،‬‬
‫لكنها لها عمقها‪ ،‬لها عمقها البعٌد‪ ،‬البعٌد‪ ،‬البعٌد‪.‬‬

‫ٕٖ‬
‫اعلَ ْم أَ َّن ُه ال إِ َل َه إِ َّال َّ‬
‫هللا ُ}‪.‬‬ ‫قاعدة عامة انطلق منها الرسول (صلوات هللا علٌه وعلى آله)‪َ ،‬و ُو ِّجه إلٌها { َف ْ‬
‫ما الذي ٌجعلنا ضعفاء‪ ،‬خابفٌن‪ ،‬متوجسٌن‪ ،‬ؼٌر صادقٌن مع بعضنا بعض‪ ،‬ؼٌر متعاونٌن على البر‬
‫والتقوى‪ ،‬ال ننفق فً سبٌل هللا‪ ،‬نفوس ضعٌفة‪ ،‬نفوس مهزومة ‪ ..‬ما هو؟ أننا ال نعلم بما ٌرٌد هللا منا أن‬
‫نعلم أنه ال إله إال هو‪ ،‬فهو من نرؼب فٌه‪ ،‬هو من نخافه‪ ،‬هو من نتوجه بتوجٌهاته‪ ،‬هو من نقبل إرشاداته‪،‬‬
‫ألنه ال إله إال هو‪.‬‬
‫وألن كل آٌة‪ ،‬مما أرشدك إلٌها ٌمكن أن تقول ورابها‪ :‬ألنه ال إله إال هو‪ ،‬أنا لن أخاؾ إال هو لماذا؟ ألنه‬
‫ال إله إال هو‪ ،‬أنا لن أرؼب إال فٌه‪ ،‬لماذا سترفض كل شًء وترؼب فً هللا وحده؟ ألنه ال إله إال هو‪ ،‬أي‬
‫لٌس هناك من هو جدٌر بؤن أأله إلٌه فؤرجوه‪ ،‬أو أخافه ‪ ..‬إال من؟ إال هللا‪ .‬عندما أثق به أعظم من ثقتً‬
‫بؽٌره؛ ألنه ال إله إال هو‪.‬‬
‫ولهذا كانت هً قاعدة عامة انطلق منها الرسول (صلوات هللا علٌه وعلى آله)‪َ ،‬ووُ جِّ ه إلٌها { َفاعْ لَ ْم أَ َّن ُه ال‬
‫إِلَ َه إِ َّال َّ‬
‫هللا ُ}‪.‬‬
‫ٌِن} متى ما علمت أنه ال إله إال هو فستجدها أمامك فً كل‬ ‫ك َول ِْلم ُْإ ِمن َ‬
‫هل جاء بعدها بشًء؟ { َواسْ َت ْؽفِرْ ل َِذ ْن ِب َ‬
‫موقؾ من مواقؾ الحٌاة‪ ،‬ستجدها هً من توجهك إلى هللا‪ ،‬هً من تجعلك تعتصم باِّل { َو َمنْ ٌَعْ َتصِ ْم ِب َّ ِ‬
‫اِّل‬
‫ِي إِلَى صِ َراط مُسْ َتقٌِم} (آل عمران‪ :‬من اآلٌةٔٓٔ)‪.‬‬ ‫َف َق ْد ُهد َ‬
‫فلنعمل دابما على أن نرسخ فً أنفسنا‪ :‬ال إله إال هو‪ ،‬كم كنا نقرأ آٌات‪ ،‬نحن نقرأها جمٌعا ونمر علٌها‬
‫مرور الكرام‪ ،‬نؤخذ عبرة من هذه إذا كنا فً هذه الجلسة ٌبدو وكؤننا نرٌد أن ننطلق فً حدٌث آخر [هذا‬
‫شًء معروؾ ال إله إال هللا‪ ،‬وال إله إال هو]! فخذ عبرة من أن ٌخاطب هللا نبٌه محمدا (صلوات هللا علٌه‬
‫وعلى آله) وهو من هو فً معرفته باِّل فٌقول له‪َ { :‬فاعْ لَ ْم أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو}‪.‬‬

‫نتابج و تداعٌات ضعف إٌماننا بل إله إال هللا‬


‫لو علمنا ولو علم المسلمون معشار ما علمه رسول هللا (صلوات هللا علٌه وعلى آله) من أنه ال إله إال هو‬
‫لحلت المشكلة بكلها التً سببها أزمة الثقة باِّل؛ ألن هللا بدا لنا وكؤنه لٌس إلها‪ ،‬بل بدت آلهة أخرى نحن‬
‫نؤله إلٌها ونرفضه‪.‬‬
‫‪ .1‬ضعف الثقة باهلل‬
‫الحظوا ! كان المشركون ٌعبدون آلهة متعددة وٌعدون هللا واحدا منها‪ ،‬فٌرجوه وٌرجوا هذا‪ ،‬وٌرجوا هذا‪،‬‬
‫وقد ٌكونون ٌرجون هللا أكثر أما نحن أصبحنا فً واقعنا ‪ -‬وهو الذي ٌدل على عدم ثقتنا باِّل ‪ -‬أصبح‬
‫عندما ٌقول هللا‪َ { :‬و َما أَ ْن َف ْق ُت ْم مِنْ َشًْ ء َفه َُو ٌ ُْخلِفُ ُه} (سبؤ‪ :‬من اآلٌة‪ )ٖ9‬ال نثق به كما نثق بواحد منا عندما‬
‫ٌقول‪ٌ :‬ا أخً اعطنً ألؾ لاير وانا سؤعٌده لك ؼد ‪ ..‬ألٌس كذلك؟ ألٌس هذا ٌدل على أننا لم نعد نتعامل‬
‫مع هللا ‪ -‬تقرٌبا ‪ -‬كإله إال فقط نذكر مجرد اسمه شهادة على أنفسنا ٌعتبر حجة علٌنا ٌوم القٌامة‪.‬‬

‫ٖٖ‬
‫‪ٌ .2‬سٌطر علٌك الباطل بالترغٌب أو الترهٌب فل تستجٌب للحق‬
‫ٌعدنا الوعود الصادقة فبل نثق! لو ٌؤتً ربٌس جمهورٌة فٌعدك ٌقول‪ :‬تحرك وأنا وراءك ألست ستتحرك؟‬
‫لو ٌؤتً فٌقول لك‪ :‬انطلق أنت وأنا وراءك ضد أمرٌكا وإسرابٌل ألستم ستنطلقون بسرعة لتصرخوا؟‬
‫وتؤخذوا بنادقكم وتتحركوا؟‪ .‬لكن ٌقول هللا ‪ ..‬ال ‪...‬وهللا خابفٌن من فبلن‪ ،‬خابفٌن من فبلن إذا ما تحركنا‬
‫ضد الٌهود والنصارى‪ٌ ،‬عنً هذا ماذا؟ أن ثقتنا باِّل ضعٌفة أي أننا لم نعد نتعامل مع هللا كما نتعامل مع‬
‫ربٌس أو مسبول! أصبح هذا الذي نخافه فً الواقع هو إله بالنسبة لنا نخافه ونرجوه أكثر مما نخاؾ‬
‫ونرجو هللا! ألٌس هذا هو الواقع؟ حتى فً مقام الرؼبة وما أكثر‪ ،‬وما أكثر ما ٌنحرؾ الناس بالترؼٌب‬
‫والترهٌب وسببه هو أنهم لم ٌترسخ فً أنفسهم أنه ال إله إال هو‪.‬‬
‫إذا كان هللا قد قال لك أنه ٌمكن أن ٌكون هواك إله ‪ ..‬ما الذي سٌعمل هواك ألٌس رؼبات ٌشدك إلى‬
‫رؼبات معٌنة‪ ،‬هو نفسه ما ٌعمل اآلخرون من خارج نفسك أنت تجعلهم آلهة عندما تخاؾ وترؼب فً‬
‫مقابل ما خوفك هللا منه ورؼبك به‪ ،‬ألٌس هللا هو الذي ٌملك الجنة‪ ،‬ونحن نإمن بهذا؟ ألٌس هذا صحٌحا؟‬
‫هو من ٌملك الجنة ونحن نإمن بها‪ ،‬لكن متى ما أتت رؼبات من آخرٌن من تجار‪ ،‬أو مسبولٌن‪ ،‬أو من‬
‫أشخاص آخرٌن ننطلق وراءها ونترك الجنة فعلى ماذا ٌدل هذا ؟ ٌدل على أن إٌماننا كله إٌمان أجوؾ‬
‫وسطحٌات كلها هكذا‪ ،‬إٌمان ال ٌتجاوز تراقٌنا لم ٌنزل إلى أعماق نفوسنا‪.‬‬
‫النار ألسنا نإمن بها؟ والقرآن ٌعرضها دابما ٌصورها لنا فً تلك الصورة البشعة‪ٌ ،‬تحدث عن طعام‬
‫أهلها‪ :‬شجرة الزقوم‪ٌ ،‬تحدث عن ثمر هذه الشجرة‪َ { :‬ط ْل ُع َها َكؤ َ َّن ُه رُإُ وسُ ال َّشٌَاطِ ِ‬
‫ٌن َفإِ َّن ُه ْم َآل ِكل ُ َ‬
‫ون ِم ْن َها‬
‫ون ُث َّم إِنَّ لَ ُه ْم َعلَ ٌْ َها لَ َش ْوبا مِنْ َحمٌِم} (الصافات‪.)ٙ5 - ٙ٘:‬‬ ‫ون ِم ْن َها ْالب ُ‬
‫ُط َ‬ ‫َف َمالِ ُب َ‬
‫بعض الناس وجبة واحدة دسمة على أٌدي أحد الناس الذي هو فً طرٌق باطل تصده عن الحق وجبة‬
‫واحدة دسمة ٌإثرها وال ٌخاؾ تلك الوجبات المرة الشدٌدة التً تؽلً فً البطون كؽلً الحمٌم‪ٌ ،‬إثر تلك‬
‫الوجبة الدسمة على تلك الوجبات العظٌمة فً الجنة‪ .‬على ماذا ٌدل هذا؟ ألٌس هذا ٌدل على ضعؾ إٌمان‪،‬‬
‫ضعؾ إٌمان فٌمن؟ فً هللا الذي ٌملك الجنة والنار‪ ،‬أي‪ :‬أننا ننطلق مع اآلخرٌن فنتعامل معهم كآلهة‪ ،‬بل‬
‫وأصبحنا ال نعد هللا فً تعاملنا معهم كإله‪ .‬ألٌس الناس ٌخافون عندما ٌقول أحد‪ٌ :‬جب أن ٌكون لنا موقؾ‬
‫من إسرابٌل من أمرٌكا‪ٌ ،‬جب أن نصرخ‪ٌ ،‬جب أن نحذر من أن ٌترسخ الرعب منهم فً أوساط الناس‪،‬‬
‫ٌجب أن نخاؾ من أن تسود كلمة‪[ :‬إرهاب] فتصبح هً الكلمة التً تسٌطر على أذهان الناس‪ ،‬فتصبح‬
‫مبررا سٌبا جدا أمام كل ولً من أولٌاء هللا أن ٌضرب‪.‬‬
‫عندما نقول‪ٌ :‬جب أن نتحرك و نواجه أمرٌكا وإسرابٌل ونلعن الٌهود‪ٌ ،‬قولون‪[ :‬نحن نخاؾ من المشاكل]‬
‫إذا أنت لم تعلم أنه ال إله إال هو ‪ ..‬خذ هذه قاعدة وهً القاعدة التً أعطاها محمدا (صلوات هللا علٌه‬
‫وعلى آله) كصمام أمان فً كل موقؾ‪ ،‬متى ما برز الخوف أمامك فإنما ٌبرز كإله آخر‪ ،‬متى ما برزت‬
‫المرغبات األخرى لك لتتخلى فإنما تبرز كآلهة أخرى فاعلم أنه ال إله إال هو‪ ،‬وتحرك هنا‪ ،‬اعلم أنه ال‬
‫إله إال هو واترك هذا‪ ،‬اعلم أنه ال إله إال هو وانطلق منها ‪ ..‬هذه قاعدة مهمة‪.‬‬
‫ولنعمل جمٌعا على ترسٌخ هذه فً نفوسنا بشكل كبٌر من خبلل تؤملنا لكتاب هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ومن‬
‫خبلل دروس متتابعة ‪ .‬ال قٌمة ألي حدٌث إذا لم نحاول بكل جهد أن نتولى هللا؛ ألنها هً أول خطوة‬
‫ٖٗ‬
‫ُون} (المابدة‪ )٘ٙ:‬كٌف نتولى هللا؟ حتى نرى‬ ‫ب َّ ِ‬
‫هللا ُه ُم ْال َؽالِب َ‬ ‫{ َو َمنْ ٌَ َت َو َّل َّ َ‬
‫هللا َو َرسُو َل ُه َوالَّذ َ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا َفإِنَّ ح ِْز َ‬
‫أنفسنا عظٌمً الثقة باهلل‪ ،‬ثم انطلق إلى رسوله‪ ،‬ثم انطلق إلى الذٌن آمنوا‪ ،‬ثم ستصبح فعلً أنت‬
‫وإخوانك حزب هللا‪ ،‬وستكونون أنتم غالبون‪.‬‬

‫الواقع هو المحك إلٌمانك وثقتك باهلل‬


‫اع َل ْم أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال هللا ُ} فمتى ما تعرضت لمصابب لشدابد‬
‫حتى تعرف بؤنه قد ترسخ فً داخل نفسك { َف ْ‬
‫ستكون هٌنة عندك؛ ألنها جاءت من آلهة أخرى ال قٌمة لها عندك‪ ،‬وألنها أشٌاء بسٌطة ال أثر لها علٌك‬
‫فً مقابل ما تخافه من هللا الذي ال إله إال هو وهً جهنم‪ ،‬ثم المرغبات األخرى‪.‬‬
‫أنت بعد لم تمر بمراحل فتجرب نفسك ‪ ..‬مرغبات تعرض علٌك‪ ،‬ومرهبات تعرض علٌك حتى نعرف‬
‫مدى تمكن ال إله إال هو فً نفسك وتترسخ معنى‪ :‬ال إله إال هو فً نفسك‪.‬‬
‫نشاط عملً ٌزٌد اٌمانك‬
‫حاول أن تشؽلها شهرا واحدا وانظر كٌؾ ستصبح‪ ،‬حاول أن تؤخذ ورقة فً جٌبك واكتب فٌها‪َ { :‬فاعْ لَ ْم أَ َّن ُه‬
‫ال إِلَ َه إِ َّال َّ‬
‫هللا ُ} {ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو} وشؽِلها شهرا وانظر كٌؾ ستكون أنت‪.‬‬
‫أمام كل من ٌرؼبك اعرض علٌه واعرض على نفسك‪َ { :‬فاعْ لَ ْم أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال َّ‬
‫هللاُ} وانظر كٌؾ أنه ال أحد‬
‫ٌستطٌع أن ٌإثر فٌك أبدا‪ .‬من ٌخوفك‪ ،‬من ٌرؼبك‪ ،‬من ٌنصحك بؤشٌاء أخرى قد تمسك بها لتعلم أنها‬
‫بمثابة جٌش لتشؽل مشاعرك فً كل مواقفك‪ ،‬فً كل مٌادٌن الحٌاة كلها‪ :‬فً مجال نصر دٌن هللا‪ ،‬وفً‬
‫مجال مقارعة أعداء هللا‪ ،‬وفً مجال تحصٌن نفسك من أي ضبلل‪.‬‬
‫افعل ذلك شهرا حتى تعرؾ أثرها‪ ،‬أو أسبوعا واحدا تذكر نفسك بهذه { َفاعْ لَ ْم أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال َّ‬
‫هللا ُ}‪ ،‬ألنه عادة‬
‫حتى ربما بعد كل درس نجلس فٌه ال ٌؤتً نصؾ اللٌل إال واإلنسان قد هبط كثٌر من روحٌته التً كان‬
‫علٌها وهو هنا أو هنا فً هذا المكان أو فً تلك القاعة‪ٌ ،‬هبط [األمبٌر] أي‪ :‬أنها تحدث أشٌاء داخلٌة‪،‬‬
‫ٌتوجه ذهنك إلى أشٌاء خارجٌة تإدي إلى تؤثٌر فً هبوط معنوٌاتك وتؤثٌراتك النفسٌة من خبلل ما‬
‫هللاُ} تتركك على حالة سلٌمة مستقٌمة‪.‬‬‫سمعت‪ ،‬فلتشؽل { َفاعْ لَ ْم أَ َّن ُه ال إِلَ َه إِ َّال َّ‬

‫ٖ٘‬
‫معرفة هللا ‪ ----‬نعم هللا‬

‫نعمة التوجٌهات االلهٌة و أهمٌتها فً تطور األمة وحماٌتها‬


‫وكرامتها و استقللها‬

‫‪ٖٙ‬‬
‫تسخٌر ‪ +‬تفكر = تطور‬
‫ت َو َما فًِ ْاألَ ْر ِ‬
‫ض َوأَ ْس َب َغ َعلَ ٌْ ُك ْم نِ َع َم ُه َظاه َِر ًة‬ ‫س َّخ َر لَ ُك ْم َما فًِ ال َّ‬
‫س َم َاوا ِ‬ ‫ٌقول هللا تعالى‪{ :‬أَلَ ْم َت َر ْوا أَنَّ َّ َ‬
‫هللا َ‬
‫َو َباطِ َن ًة} (لقمان‪ :‬من اآلٌةٕٓ) ألم تعلموا؟ فما بالكم هكذا؟ ما بالكم هكذا كل واحد منكم ظلوم كفار؟ ما‬
‫بالكم لٌس فً قلوبكم ذرة من خشٌة هللا؟ لٌس فً نفوسكم وال فً ضمابركم تقدٌر لنعم هللا وشكر لهذه‬
‫النعم؟ وتقدٌر له سبحانه وتعالى على ما وهبكم إٌاه؟‪.‬‬
‫{أَلَ ْم َت َر ْوا} تؤتً عبارة {أَلَ ْم َت َر ْوا} كثٌر فً القرآن بمعنى (ألم تعلموا) وؼالبا ما تكون فً األشٌاء التً‬
‫الكثٌر منها من المشاهدات {أَلَ ْم َت َر ْوا} ٌعنً‪ :‬ألم تعلموا وأنتم ترون {أَنَّ َّ َ‬
‫هللا َس َّخ َر َل ُك ْم َما فًِ ال َّس َم َاوا ِ‬
‫ت َو َما‬
‫ض َوأَسْ َب َػ َعلَ ٌْ ُك ْم ن َِع َم ُه َظاه َِرة َوبَاطِ َنة} أسبػ‪ :‬أنعم نعما كاملة‪ ،‬شاملة‪ ،‬ولٌس فقط ٌعطً القلٌل أو‬ ‫فًِ ْاألَرْ ِ‬
‫ال ٌعطً الحاجة إال بتعب كبٌر ومحاوالت كثٌرة وتردد علٌه حتى ٌعطٌك هذا الشًء البسٌط { َوأَسْ َب َػ‬
‫َعلَ ٌْ ُك ْم ن َِع َم ُه َظاه َِرة} ما أنتم تلمسونها‪ ،‬وتعرفونها ونعم باطنة كثٌرة‪.‬‬
‫ي ا ْلفُ ْل ُك فٌِ ِه ِبؤ َ ْم ِر ِه} (الجاثٌة‪ :‬من اآلٌةٕٔ)‬ ‫س َّخ َر لَ ُك ُم ا ْل َب ْح َر لِ َت ْج ِر َ‬ ‫وٌقول هللا سبحانه وتعالى‪َّ { :‬‬
‫هللا ُ الَّذِي َ‬
‫ت‬‫س َم َاوا ِ‬ ‫هللا} { َّ‬
‫هللا ُ الَّذِي َخلَ َق ال َّ‬ ‫الحظ كٌؾ تؤتً هذه العبارات فً هذه اآلٌات مص ّدرة بقوله تعالى‪َ َّ { :‬‬
‫س َّخ َر لَ ُك ُم ا ْل َب ْح َر لِ َت ْج ِر َ‬
‫ي‬ ‫س َحابا ً} { َّ‬
‫هللا ُ الَّذِي َ‬ ‫الر ٌَا َح َف ُتثٌِ ُر َ‬
‫هللاُ الَّذِي ٌُ ْرسِ ل ُ ِّ‬ ‫ض} (إبراهٌم‪ :‬من اآلٌةٕٖ) { َّ‬ ‫َو ْاألَ ْر َ‬
‫ض َجمٌِعا ً‬ ‫ت َو َما فًِ ْاألَ ْر ِ‬ ‫س َم َاوا ِ‬ ‫س َّخ َر لَ ُك ْم َما فًِ ال َّ‬
‫ش ُك ُرونَ َو َ‬ ‫ا ْلفُ ْل ُك فٌِ ِه ِبؤ َ ْم ِر ِه َولِ َت ْب َت ُغوا مِنْ َف ْ‬
‫ضلِ ِه َولَ َعلَّ ُك ْم َت ْ‬
‫ِم ْن ُه} (الجاثٌة‪ :‬من اآلٌة ٕٔ ‪ )ٖٔ -‬جمٌعا‪ ،‬جمٌع ما فً السموات وما فً األرض سخرها لكم {إِنَّ فًِ‬
‫َذلِ َك َآلٌات لِ َق ْوم ٌَ َت َف َّك ُرونَ } (الجاثٌة‪ :‬من اآلٌةٖٔ)‪.‬‬
‫آٌات لقوم ٌتفكرون فٌعلمون من خبلل تفكرهم عظم نعم هللا سبحانه وتعالى علٌهم فتلٌن قلوبهم له‪ ،‬تخشع‬
‫قلوبهم له‪ٌ ،‬حبونه‪ٌ ،‬ستحٌون من أن ٌسٌروا فً معصٌته‪ٌ ،‬تفكرون أٌضا ً فً ما سخر لهم داخل هذا‬
‫العالم؛ لتتوسع معرفتهم باهلل سبحانه وتعالى؛ ولٌصلوا من خلل تفكرهم ودراستهم لكل ظواهر هذه‬
‫الحٌاة‪ ،‬وكل ما أودع فً هذا العالم ٌتوصلون إلى معارف كثٌرة فً مجال العلوم فٌبدعوا وٌخترعوا‬
‫وٌصنعوا وٌكتشفوا األشٌاء الكثٌرة ‪ ..‬وهذا فعبل من اآلٌات التً ترشد المسلمٌن لو ساروا علٌها وفهموا‬
‫ُون} ألم ٌتحدث بعد قوله‪َ { :‬و َس َّخ َر لَ ُك ْم}؟‪.‬‬
‫ماذا تعنً فً قوله تعالى‪{ :‬لِ َق ْوم ٌَ َت َف َّكر َ‬
‫األوروبٌون واألمرٌكٌون والٌابانٌون وهإالء الذٌن هم من ٌبدعون وٌخترعون وٌصنعون من أٌن جاءت‬
‫هذه األشٌاء؟ ألٌست من خبلل التفكر فً ظواهر هذا الكون ودراستها؟ دراسة وتجارب وتفكر داخلها حتى‬
‫وصلوا إلى ما وصلوا إلٌه ‪..‬‬
‫حرف بوصلة هدف التفكر فً مخلوقات هللا شكل ضربة قاضٌة لؤلمة‬
‫لكنا نحن ض ُِربنا من قبل اآلخرٌن الذٌن حولوا كل عبارات التفكر هنا إلى المجال العقابدي فقط‪ ،‬الذي هو‬
‫فقط ٌتلخص فً األخٌر إلى إصدار أحكام حتى وال ٌترك أثره فً الوجدان! والذٌن حولوا هذه العبارات‬
‫(ٌتفكرون) إلى أن معناها ٌنظرون فؤخذوا منها إضفاء الشرعٌة على النظر ( أي إثبات وجود هللا‪..‬البعرة‬
‫‪ٖ5‬‬
‫تدل على البعٌر فقط ) وأنه هو الواجب فً مٌدان التشرٌع وتركوا مٌدان الحٌاة‪ .‬فؤصبحوا مشؽولٌن‬
‫بالبحث عن دالبل وجود هللا أو أحكام تشرٌعٌة محدودة و أهملوا الحكمة من خلق االنسان فً هذه االرض‬
‫و الهدؾ الحقٌقً للتفكر فً مخلوقات هللا و هو التعامل مع الطبٌعة و االكتشاؾ و االختراع و التطور‬
‫و‪...‬الخ‬
‫فما الذي حصل؟ ال نفوس صلحت‪ ،‬وال أمة بقٌت متوحدة‪ ،‬كل ٌنظر فً أصول الدٌن وفً فروعه فتطلع‬
‫العقابد المتعددة‪ ،‬وتطلع األفكار الشاذة‪ ،‬وفً مٌدان التشرٌع‪ ،‬فً مجال األحكام الشرعٌة تطلع األحكام‬
‫المتعددة‪ ،‬والمذاهب المتعددة واألقوال المتعددة‪ ،‬فنرى أنفسنا أمة متفرقة ممزقة‪ ،‬ونرى ما بٌن أٌدٌنا من‬
‫ركام األقوال ال ٌقدم وال ٌإخر‪ ،‬نرى أنفسنا فً مثل هذا العصر منحطٌن فً أسفل درك فً عالم‬
‫الصناعة‪ ،‬فً عالم االختراع‪ ،‬فً عالم اإلبداع‪ ،‬فنصبح نحن المسلمون جاهلٌن حتى باستخدام اآللٌات التً‬
‫ٌنتجها اآلخرون فنرى أنفسنا فً األخٌر كٌؾ خضعنا لهم بل كٌؾ انبهرنا بهم‪ ،‬بل كٌؾ تنكرنا لدٌننا‬
‫وحمَّلناه مسبولٌة تخلفنا‪.‬‬
‫المشكلة هً عدم فهم الدٌن مما جعلنا نظلم الدٌن و نحمله مسإولٌة تخلفنا‬
‫والواقع نحن الذٌن ظلمنا دٌننا من البداٌة‪ ،‬نحن لم ننطلق على هداه فظلمناه فً البداٌة‪ ،‬وظلمنا أنفسنا حتى‬
‫عندما وحٌنما رأٌنا اآلثار السٌبة للمسٌرة المؽلوطة التً سرنا علٌها نؤتً من جدٌد لنحمِّل دٌننا المسبولٌة‪،‬‬
‫نؤتً من جدٌد لنقبل ما ٌقول اآلخرون فً دٌننا‪[ :‬دٌن متخلؾ] [أفٌون الشعوب] الزم أن تلحقوا بركاب‬
‫الحضارة الؽربٌة‪ ،‬ونلحق بركاب اآلخرٌن‪ ،‬فنتثقؾ بثقافتهم‪ ،‬القرآن لم ٌعطنا شٌبا‪ ،‬الدٌن لم ٌعطنا شٌبا‪،‬‬
‫فلننطلق وراء اآلخرٌن‪.‬‬
‫فؤصبحنا فعبل‪ ،‬هٌَّؤْنا أنفسنا‪ ،‬وهٌَّؤْنا أولبك الذٌن صرفوا اآلٌات هذه إلى المجال الذي لٌس من مسبولٌتهم‪،‬‬
‫إلى المجال الذي قد تكفل هللا به {إِنَّ َعلَ ٌْ َنا لَ ْل ُهدَى} (اللٌل‪ )ٕٔ:‬قد تكفل به {إِ ِن ْال ُح ْك ُم إِ َّال ِ َّ ِ‬
‫ِّل} (األنعام‪ :‬من‬
‫اآلٌة‪ )٘5‬تكفل هو بؤن ٌعرفنا بنفسه أن ٌعرفنا بكماله من خبلل كتبه وأنبٌابه‪ ،‬تكفل هو بؤن ٌشرِّ ع لنا من‬
‫خبلل كتبه وأنبٌابه وورثة كتبه ‪ ..‬إذا هذا المٌدان مضمون‪ ،‬انطلق أنت فً مٌادٌن الحٌاة على وفق ما‬
‫ٌرشدك إلٌه هذا الدٌن‪.‬‬
‫عندما تنكرنا لدٌننا أصبحنا فعلً بٌبة صالحة لتقبل الدعاٌات ضد الدٌن‬
‫عندما تنكرنا لدٌننا أصبحنا فعبل بٌبة صالحة لتقبل الدعاٌات ضد الدٌن‪ ،‬بل أصبح الواحد منا ٌرى نفسه‬
‫متحضرا بمقدار ما ٌتحلل من قٌم دٌنه‪ ،‬بمقدار ما ٌتنكر لدٌنه وإلهه‪ ،‬فالقرآن ال شًء عنده؛ ولهذا أصبح‬
‫فً المجتمع اإلسلمً علمانٌون كثٌر‪ ،‬علمانٌون ٌتنكرون للدٌن‪ ،‬وٌسخرون حتى من المرأة عندما‬
‫تلبس الحجاب اإلسلمً وٌرون فٌه مظهراً للتخلف‪ .‬نقول لهم‪ :‬ال تحمِّلوا الدٌن المسبولٌة‪ ،‬حملوا أولبك‬
‫الذٌن نقلوا لكم الدٌن بشكل مؽلوط‪ ،‬ارجعوا إلى القرآن أنتم‪.‬‬
‫واآلخرون الذٌن أنتم منبهرون بهم هم من شهدوا لهذا القرآن‪ ،‬هم من تجلى على أٌدٌهم من خبلل ما‬
‫أبدعوا إعجاز هذا القرآن‪ .‬ارجعوا أنتم إلى أولبك الذٌن قدموا لكم الدٌن بشكل مؽلوط‪ ،‬وش َّؽلوا تفكٌرهم فً‬
‫المجال الذي قد ضمن لهم‪ ،‬وصرفوه عن المجال الذي أرٌد أن ٌتحركوا فٌه‪ ،‬أرٌد لهم من خبلل دٌنهم هو‬
‫أن ٌتحركوا فٌه‪ ،‬ارجعوا إلٌهم فتنكروا لما قدموه لكم‪ ،‬وعودوا إلى القرآن من جدٌد لتعرفوا كٌؾ أن‬
‫‪ٖ8‬‬
‫القرآن كان باستطاعتنا لو مشٌنا على هدٌه‪ ،‬وعلى إرشاده أن نكون نحن األمة السباقة حتى فً مجال‬
‫التصنٌع‪ ،‬واالختراع‪ ،‬واإلبداع فً مختلؾ الفنون‪.‬‬

‫{لِ َق ْوم ٌَ َت َف َّكر َ‬


‫ُون} هو ٌرشدنا فً مجال معرفة هللا سبحانه وتعالى أن كل شًء فً هذا العالم ٌتحرك‬
‫بالشهادة على كمال هللا‪ ،‬وهو ٌرشدنا إلى كٌؾ نتفكر فٌما سخر لنا‪.‬‬
‫القرآن الكرٌم عمل على أن ٌدفع بالمسلمٌن نحو أن ٌسبقوا األمم األخرى فً كل المجاالت و بصورة‬
‫خالٌة من سلبٌات حضارة الغرب‪.‬‬
‫من خلل تفكرنا ودراستنا لؤلشٌاء وإبداعنا فٌها واختراعنا وتصنٌعنا ‪ ..‬ألٌس سٌظهر الكثٌر من‬
‫األشٌاء التً تشهد بعظمة حكمة هللا‪ ،‬وسعة علمه ولطفه ورحمته وتدبٌره لشبون خلقه وعلمه بالغٌب‬
‫والشهادة وعلمه بالسر فً السموات واألرض؟ سٌترافق الشٌبان‪.‬‬
‫وهذا هو ما ٌمكن أن نقول فعبل‪ :‬أن القرآن الكرٌم عمل على أن ٌدفع بالمسلمٌن نحو أن ٌسبقوا األمم‬
‫األخرى فً مجال اإلبداع واالختراع والتصنٌع من منطلق عقابدي‪ ،‬ودافع عقابدي قبل دافع الحاجة التً‬
‫انطلق على أساسها الؽربٌون‪ ،‬الحاجة والفضول هذا شًء‪ ،‬لكن القرآن أراد أن ننطلق فً ما نفهم‪ ،‬أن‬
‫ننطلق باعتبار هذا عبادة‪ ،‬بدافع عبادي (تفكروا) (ٌتفكرون)‪ .‬والتفكر ما هو؟ دراسة األشٌاء‪ ،‬فهمها‪ ،‬متى‬
‫ما فهمنا هذه العناصر فً هذه األرض فبطابع الفضول الموجود لدى اإلنسان سنحاول أن نجرب كٌؾ‬
‫سٌكون إذا أضفنا هذا إلى هذا‪ ،‬بعد أن عرفنا طبٌعة هذا العنصر وطبٌعة هذا العنصر‪ ،‬كٌؾ إذا أضفنا هذا‬
‫إلى هذا بنسب معٌنة زابد نسبة من هذا ماذا سٌحصل؟ قد ٌحصل كذا فتؤتً التجارب‪.‬‬
‫بل سعة حٌاة اإلنسان وسعة حاجاته أٌضا ً ستعمل الحاجة ستضٌف أٌضا ً أثرها فً الموضوع فٌتجلى‬
‫الكثٌر من األشٌاء التً تفٌد فً المجالٌن‪ :‬تفٌد فً معرفتنا باهلل سبحانه وتعالى معرفة متجددة واسعة‪،‬‬
‫فنحن فً كل فترة فً كل لحظة ٌتجلى على أٌدٌنا شواهد كثٌرة جداً جداً تعمق فً أنفسنا المعرفة‬
‫الواسعة بحكمة هللا وعلمه وألوهٌته وتدبٌره و وحدانٌته وكماله فنزداد خشٌة ونزداد معرفة فٌما ننتج‬
‫فً واقع الحٌاة‪.‬‬
‫فما الذي سٌحصل؟ ستعمر الحٌاة حٌنبذ على أرقى ما ٌمكن أن ٌصل إلٌه اإلنسان‪ ،‬وفً المجال الذي ٌخدم‬
‫اإلنسان حقٌقة‪ ،‬تعمر بالصبلح النفوس وهً تزداد خشٌة من هللا‪ ،‬وهً تعمق فٌها معرفته من خبلل ما‬
‫تكتشفه حٌنا بعد حٌن وهً تنطلق بعد قوله‪{ :‬لِ َق ْوم ٌَ َت َف َّكر َ‬
‫ُون} برجال ٌتفكرون‪ ،‬عبارة (قوم) هنا تعطً‬
‫معنى لمن هم جدٌرون‪ ،‬لمن هم رجال ٌتفكرون‪ ،‬ولٌس للناس الذٌن ٌنصرفون ببساطة عن هذه األشٌاء‬
‫فٌرون هذه اآلٌات ال قٌمة لها‪ ،‬فتعمر النفوس بالصبلح والتقوى ثم تعمر الحٌاة؛ ألن نفس اإلنسان هً‬
‫األساس فً أن ٌتجه عمله فً واقع الحٌاة بالشكل الذي ٌكون صبلحا‪ ،‬بالشكل الذي ٌكون عمارة للحٌاة‪،‬‬
‫بما ٌصلح الحٌاة هذه على أسس صبلح‪.‬‬
‫حتى فً مجال البٌبة ربما كان باستطاعة المسلمٌن أن ٌتوصلوا إلى أكثر مما توصل إلٌه الؽربٌون فٌنتجوا‬
‫األشٌاء الكثٌرة التً هً نفسها ال تإثر على البٌبة‪ ،‬أو لو كان فٌها ما ٌإثر على البٌبة لدفعهم تقواهم‬
‫وصبلحهم وخشٌتهم من هللا إلى أن ٌحترموا هذا اإلنسان فٌحاولوا أن ٌعدلوا إلى المواد األخرى التً هً‬

‫‪ٖ9‬‬
‫أكبر حفاظا على سبلمة البٌبة وإن كانت التً تلوث البٌبة أقل تكلفة؛ ألنه هنا سٌقال إننً فً مقام مسبولٌة‬
‫ال أرٌد أن أضر بعباد هللا‪.‬‬
‫ولكن ما الذي حصل عندما فرط المسلمون فً مسإولٌتهم فً عمارة األرض ؟‬

‫‌أ‪ .‬تحرك‌الغربيون‌‌بحضارة‌خاليت‌مه‌المبادئ‌و‌األخالق‪‌ .‬‬


‫ولكن ما الذي حصل على أٌدي الؽربٌٌن؟ ألٌسوا هم من لوثوا البٌبة؟ ألٌسوا هم من ٌحدثنا بؤن البٌبة قد‬
‫تلوثت بشكل رهٌب على أٌدي من؟ على أٌدٌهم هم؛ ألنهم انطلقوا عندما هم اخترعوا فسبقونا سبقونا‬
‫فؤصبحوا هم القوم الذٌن ٌتفكرون‪ ،‬لكن نفوسهم لم تكن صالحة‪ ،‬فما الذي حصل؟ لوثوا البٌبة‪ ،‬ولم ٌرعوا‬
‫حرمة اإلنسان‪ ،‬ولم ٌحافظوا على سبلمة اإلنسان‪ ،‬المهم هو أن ٌنتج بؤقل تكلفة فتؤتً النفاٌات النووٌة‬
‫وتؤتً نفاٌات أخرى كثٌرة جدا فٌتحدثون عنها وهً تهدد العالم ‪ ..‬لكن ماذا كان سٌحصل لو أن من‬
‫بؤٌدٌهم هذه األشٌاء هذه اآللٌات ومن هم سادة اإلنتاج لو كانوا مإمنٌن لكانوا ٌراعون سبلمة اإلنسان‬
‫والحفاظ على البٌبة فٌعدلون إلى األشٌاء التً فٌها سبلمة البٌبة وإن كانت أكثر تكلفة‪.‬‬
‫تجد هللا سبحانه وتعالى كٌؾ أنه فٌما خلقه وفٌما صنعه كٌؾ كانت سنن هذه الحٌاة كلها قابمة على الحفاظ‬
‫على البٌبة ‪ ..‬ترى مثبل مخلفات الحٌوانات ألٌست هً مما ٌساعد على تخصٌب التربة؟ تتبلشى تلقابٌا ثم‬
‫تتحول من جدٌد إلى فوابد للتربة‪ ،‬لكن حاول أن تؽٌر زٌت سٌارة عند مزرعة ما الذي سٌحصل؟ تسكب‬
‫هناك الزٌوت ألٌست نفاٌات السٌارات ستترك أثرها فتحرق المزرعة وتتلفها؟ ألن المإمنٌن حٌنها‬
‫سٌنطلقون لٌتخلقوا بؤخبلق هللا سبحانه وتعالى فٌكونون حرٌصٌن على أن ٌحافظوا على البٌبة فهم من كان‬
‫سٌعمر الحٌاة وٌعمر النفوس وٌتجلى على أٌدٌهم المعرفة الواسعة ِّل تعالى‪ ،‬فما الذي حصل؟‬
‫عندما أصبح اإلنتاج بؤٌدي اآلخرٌن وكان اآلخرون هم المبدعون وهم المخترعون وهم من طوروا علوم‬
‫الصناعات وطوروا الصناعات وؼٌرها‪ ،‬ما الذي حصل؟‬
‫أ‪ .‬الٌهود لٌستخدموا الثورة الصناعٌة فاستغلوها فً الجانب الثقافً أن ٌقدموا للمسلمٌن بؤن‬
‫علٌكم أن تتخلوا عن دٌنكم حتى تكونوا كمثلنا فتلحقوا بركابنا‪،‬‬
‫ج‪ .‬استغلوها أٌضا ً فً الجانب االقتصادي فمؤلوا الدنٌا ربا‪،‬‬
‫د‪.‬استغلوا االقتصاد السٌاسً فً الهٌمنة على الشعوب واستنزاف ثرواتها‪.‬‬
‫هـ‪ .‬استفاد الغربٌون مما سخره هللا للهٌمنة على المسلمٌن الغافلٌن عن دورهم وعن مسإولٌتهم‪.‬‬
‫الحظ القوم الذٌن تفكروا ألم ٌكتشفوا أن فً أعماق األرض وعلى بعد مبات األمتار ما حرك العالم كله‪،‬‬
‫ض} وما فً‬ ‫ت َو َما فًِ ْاألَرْ ِ‬
‫ما حرك ظاهر العالم كله وهو البترول؟ هللا قال‪َ { :‬و َس َّخ َر لَ ُك ْم َما فًِ ال َّس َم َاوا ِ‬
‫األرض‪ ،‬فما كان هناك حتى فً أعماق األرض هو مسخر لئلنسان‬

‫ٓٗ‬
‫لماذا أمرنا هللا بالتفكر فً مخلوقاته ؟‬
‫لو كانت المسؤلة هً فقط أن نعرؾ الخبلصة التً قالوا من أجلها عرفنا من خبلل المحدثات أن هناك‬
‫محدثا وأن هناك صانعا‪ ،‬لو انطلقنا هذا المنطلق لكان ٌكفً الناس واحد من ألؾ أو اقل من هذه النسبة مما‬
‫فً هذا العالم من أصناؾ؛ ألن شجرة واحدة ممكن أن تقوم بهذه المهمة‪ ،‬شجرة واحدة محدثة ألٌس لها‬
‫محدث؟ طٌب هذه الشجرة نراها ورقها وسٌقانها وزهورها وثمرها محكمة‪ ،‬ألٌست تدل على أن هناك‬
‫قادرا وحكٌما؟ تقضً على أن فاعلها عالم‪ ،‬وتدل على أنه حً؟ شجرة واحدة أمكن أن تقوم بالمهمة التً‬
‫انشؽل حولها [المعتزلة] واألصناؾ الهابلة هذه هل كلها من أجل تحصٌل العقابد الصحٌحة كما ٌقولون‬
‫على النحو الذي قدموه لنا‪ ،‬الذي كان ٌكفً لها شجرة واحدة أو نعجة واحدة أو حٌوان واحد من أي صنؾ‬
‫كان‪.‬‬
‫ي ا ْلفُ ْل ُك فٌِ ِه ِبؤ َ ْم ِر ِه} (الجاثٌة‪ :‬من اآلٌةٕٔ) من هم‬
‫س َّخ َر لَ ُك ُم ا ْل َب ْح َر لِ َت ْج ِر َ‬
‫وهللا سبحانه وتعالى ٌقول‪{ :‬الَّذِي َ‬
‫سادة البحار اآلن؟ الٌهود والنصارى ‪ ..‬ألٌس كذلك؟ متى ما أردنا أن نشتري ؼواصة منهم بكم تكلؾ؟‬
‫مبلٌٌن‪ ،‬مبات المبلٌٌن‪ ،‬وقٌمتها المادٌة قد ال تكون بعشر ثمنها‪ ،‬قٌمة التكلفة‪.‬‬

‫{ َولِ َت ْب َت ُغوا مِنْ َف ْ‬


‫ضلِ ِه} (النحل‪ :‬من اآلٌةٗٔ) أصبحنا فعبل فً هذا العالم [متعلقٌن] نركب معهم فً البحار‪،‬‬
‫نركب معهم فً البر‪ ،‬متعلقٌن مثل األطفال إذا أنت ماشً فً الخط جاء واحد ٌتعلق فً السٌارة حقك‬
‫ألٌس كذلك؟ نحن اآلن المسلمون عبارة عن ر َّكاب فقط‪ ،‬نركب مع الٌابانٌٌن مع الكورٌٌن نركب مع‬
‫األمرٌكٌٌن مع البرٌطانٌٌن ومع الفرنسٌٌن واإلٌطالٌٌن وهكذا ‪ ..‬ركاب متعلقٌن فً البر والبحر وفً الجو‬
‫أٌضا‪.‬‬
‫{ َوأَ ْس َب َغ َعلَ ٌْ ُك ْم ن َِع َم ُه َظاه َِر ًة َو َباطِ َن ًة} (لقمان‪ :‬من اآلٌةٕٓ) والحظ ربما‪ ،‬هم قالوا فٌما ٌتعلق بصناعة‬
‫الطابرات كانت الطٌور مما ٌوحً بالفكرة حتى فٌما ٌتعلق بالنسر عندما ٌفتح أطراؾ رٌشه الكبٌرة عندما‬
‫ٌكون متجها إلى الهبوط‪ ،‬الطابرة هكذا تعمل تفتح فتحات فً األجنحة تساعد على دخول الهواء حتى‬
‫تساعد على الهبوط‪.‬‬
‫كنا نحن العرب عندما نشاهد النسور وهً تنزل ه ُّم الواحد منا أن ٌقول‪ :‬هذا لً‪ ،‬وآخر ٌقول‪ :‬ذلك له‪،‬‬
‫وننظر من الذي سٌؽلب اآلخر عندما [ٌتناقرون]‪ ،‬أم أن الطٌور لم تؤت إال من بعد ما جاء الؽربٌون! بل‬
‫الطٌور من زمان‪.‬‬

‫{ َولِ َت ْب َت ُغوا مِنْ َف ْ‬


‫ضلِ ِه} تجارة‪ ،‬من هم سادة التجارة اآلن؟ ألٌسوا هم الؽربٌون؟‬

‫علقة عمارة األرض بمعرفة هللا‬


‫{ َولَ َعلَّ ُك ْم َت ْ‬
‫ش ُك ُرونَ } (البقرة‪ :‬من اآلٌة٘‪ )ٔ8‬فعبل لو كان المإمنون هم من انطلقوا فؤصبحوا سادة هذه‬
‫األشٌاء‪ ،‬هم بإٌمانهم سٌزدادون خشٌة‪ ،‬ثم ٌكونون أكثر شكراً هلل‪ ،‬فتكون هً من بواعث الشكر‪ ،‬إذا‬
‫فنعرؾ الزهد الذي ٌعنً ترك هذه فً البر والبحر‪ ،‬الزهد الذي ٌعطل هذه األشٌاء التً تعتبر مهمة فً‬
‫خلق مشاعر داخلٌة فً نفس اإلنسان‪ ،‬هً شكر ِّل سبحانه وتعالى‪ ،‬وإجبلل وتعظٌم ِّل‪ ،‬هل ٌمكن أن‬
‫ٔٗ‬
‫ي ْالفُ ْل ُ‬
‫ك فٌِ ِه‬ ‫ٌكون هذا الزهد الذي ٌقدم هو من دٌن هللا؟ وهو هنا ٌقول‪َّ { :‬‬
‫هللا ُ الَّذِي َس َّخ َر لَ ُك ُم ْال َبحْ َر لِ َتجْ ِر َ‬
‫ُون} ؼاٌة من ؼاٌاتها أنها ٌمكن أن تشكل عامبل مهما جدا فً مجال‬ ‫ِبؤَم ِْر ِه َو ِل َت ْب َت ُؽوا مِنْ َفضْ ِل ِه َولَ َعلَّ ُك ْم َت ْش ُكر َ‬
‫خلق مشاعر شكر وإجبلل وتعظٌم من قبلنا نحو هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ت َو َما فًِ ْاألَرْ ِ‬


‫ض َجمٌِعا} (الجاثٌة‪ :‬من اآلٌة ٖٔ) من أجل ماذا؟ أن ننظر‬ ‫{ َو َس َّخ َر لَ ُك ْم َما فًِ ال َّس َم َاوا ِ‬
‫لنعرؾ من خبللها كٌؾ نصدر حكما ونسمٌه عقابد! عقابد هً بمثابة مقدمات منطقٌة ٌنتج عنها إصدار‬
‫أحكام فقط؟!‪.‬‬
‫ض} إذا تؤمل اإلنسان سٌرى ما أكثر األصناؾ‪ ،‬أصناؾ‬ ‫ت َو َما فًِ ْاألَرْ ِ‬ ‫{ َو َس َّخ َر لَ ُك ْم َما فًِ ال َّس َم َاوا ِ‬
‫النباتات‪ ،‬أصناؾ الحٌوانات‪ ،‬أصناؾ التربة‪ ،‬أصناؾ الصخور‪ ،‬أصناؾ متعددة من كل جنس متعدد‪،‬‬
‫ك َآلٌات لِ َق ْوم ٌَ َت َف َّكر َ‬
‫ُون} (الجاثٌة‪ :‬من اآلٌةٖٔ) فهً تهدٌه إلى كٌؾ‬ ‫أصناؾ المعادن سخرها‪{ .‬إِنَّ فًِ َذلِ َ‬
‫ٌنتج‪ ،‬وكٌؾ ٌصنع‪ ،‬وهً تهدٌه إلى كٌؾ ٌزداد خشٌة من هللا‪ ،‬ومعرفة تزٌده خشٌة من هللا فٌنطلق‬
‫إنسانا ً صالحا ً شاكراً ٌعمر الحٌاة على أرقى ما ٌمكن أن تصل إلٌه بالصلح‪ ،‬وعلى أساس التقوى‬
‫والشكر والعبادة هلل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫من سبب مقولة ( الدٌن أفٌون الشعوب )؟‬


‫فنحن عندما لم نتفكر جهلنا كل شًء‪ ،‬ثم رأٌنا من تفكروا كٌؾ ؼاصوا إلى أعماق الكون‪ ،‬وكٌؾ حركوا‬
‫ظاهره‪ ،‬كٌؾ حركوا المصانع‪ ،‬وحركوا المركبات‪ ،‬وأصبحنا نحن من تنزل القرآن علٌنا وبلؽتنا متعلقٌن‬
‫معهم فقط‪ ،‬ركاب فً البر والبحر وفً الجو‪ .‬ألسنا فً جهالة؟‬

‫‪ .1‬األثر السٌا لعلماء السوء ولؤلخطاء الثقافٌة فً ضرب األمة‬


‫لنعرؾ من خبلل هذا كٌؾ ٌمكن أن ٌكون األثر السٌا لؤلخطاء الثقافٌة‪ ،‬وقد تضرب أمة بؤكملها وتجعلها‬
‫اس َتؤْ ُمر َ‬
‫ُون‬ ‫تحت األقدام وهً أمة كان ٌراد لها أن تكون فوق هامات العالم { ُك ْن ُت ْم َخٌ َْر أُمَّة أ ُ ْخ ِر َج ْ‬
‫ت لِل َّن ِ‬
‫ِب ْال َمعْ رُوؾِ َو َت ْن َه ْو َن َع ِن ْال ُم ْن َك ِر} (آل عمران‪ :‬من اآلٌةٓٔٔ) لكن هذا الشًء الذي ٌإسؾ اإلنسان فعبل‬
‫ٌإسؾ اإلنسان فعبل‪ .‬نحن ضربنا على أٌدي من حملوا اسم علم و عالم و البعض منهم كانوا ٌرون أنفسهم‬
‫علماء أجبلء إلى درجة أنهم ـ كانوا ٌسخرون بؤبمة أهل البٌت فٌنظرون إلٌهم نظرة بؤنهم بسطاء وتفكٌرهم‬
‫بسٌط ومتخلفٌن ثقافٌا‪ ،‬و ٌرون أنفسهم هناك مثقفٌن ثقافة رفٌعة ‪ ..‬هذه آثار ثقافتهم‪ ،‬آثار ثقافتهم المؽلوطة‬
‫العقابد الباطلة من هنا وهناك‪.‬‬
‫‪ .2‬الحكام الجاهلون الظالمون و أثرهم فً تخلف األمة‬
‫وعندما ساد الناس أٌضا حكام جاهلون‪ ،‬همه أن ٌبحث عن العالم الذي ٌدجِّ ن المجتمع له دٌنٌا‪ ،‬فٌتوارث‬
‫خلٌفة بعد خلٌفة‪ ،‬وملك بعد ملك‪ ،‬وربٌس بعد ربٌس‪ ،‬على أكتاؾ هذه األمة وهً تعٌش فً ظبلم الجهل‬
‫والتخلؾ‪.‬‬
‫ٕٗ‬
‫و كذلك أولبك الحكام الذٌن كانوا ٌعتقدون أن ضعؾ شعوبهم هو فً مصلحتهم لٌبقوا فً السلطة و لذلك‬
‫حاربوا المبدعٌن و المخترعٌن و حاربوا التعلٌم و دعموا المخربٌن و التكفٌرٌٌن‪...‬الخ‬
‫‪ .3‬نحن عندما ال نفهم دٌننا‬
‫ثم المؤساة تؤتً فً األخٌر أن نؤتً نحن نتنكر لدٌننا فنعتقد أنه هو المسبول‪ ،‬ثم نكون ضحٌة لتضلٌل‬
‫الٌهود نقبل قولهم‪ :‬أن الدٌن هو الذي ضربنا‪ ،‬ألم تكن كثٌر من البلدان اإلسبلمٌة دخلت إلٌها االشتراكٌة‬
‫تكفر باِّل؟ وقٌل لها بؤن الدٌن هو تخلؾ‪ ،‬وأن الدٌن هو [أفٌون الشعوب]‪ ،‬ألم ٌصبح كثٌر فً أوساط‬
‫المسلمٌن علمانٌٌن؟ كثٌر من المسلمٌن علمانٌٌن نتنكر للدٌن بكله وال شؤن للدٌن بالحٌاة‪.‬‬
‫و السبب لعدم فهم الدٌن هو أننا ابتعدنا عن مصادر الهداٌة الحقٌقٌة و هً كتاب هللا و أعلم الهدى من‬
‫عترة رسول هللا صلوات هللا علٌه و آله‪.‬‬

‫من األخطاء الثقافٌة التً ضربت األمة النظرة المغلوطة للدٌن و الدنٌا‬
‫أ‪ .‬عدم تقدٌم الدٌن بصورته الكاملة و الحقٌقٌة من قبل الكثٌر من العلماء وتقدٌمه بصورة مشوهة من‬
‫قبل علماء السوء و تقدٌم البعض للدٌن و فهمنا له على أنه مجرد طقوس روحانٌة و عبادٌة و ال‬
‫عبلقة له بؤمور الحٌاة من سٌاسة و اقتصاد وصناعة و‪....‬الخ‬
‫ب‪ .‬الشًء الثانً‪ :‬نظرنا إلى الحٌاة‪ ،‬إلى الدنٌا عن طرٌق أصحاب كتب الترؼٌب والترهٌب نظرنا إلى‬
‫الدنٌا هذه بكلها‪ ،‬هذه الدنٌا التً ٌتحدث هللا عنها‪ ،‬وٌذكر بؤنها نعمة عظٌمة علٌنا بؤنها ال تساوي‬
‫جناح بعوضة‪ ،‬وأنها لٌست بشًء‪ ،‬وعلى اإلنسان أن ٌنصرؾ عنها‪ ،‬وإذا كان سٌطلبها فلٌطلب‬
‫فقط القوت الضروري منها‪ ،‬والكفاٌة فقط منها وٌنطلق‪ٌ ،‬تركها الناس‪ٌ ،‬رفضها الناس‪ ،‬هذا هو‬
‫التدٌن عندهم‪.‬‬
‫عزز هذه الفكرة مرشدون داخل مساجدنا ٌسٌرون فً هذا االتجاه‪ ،‬وك ّتاب وهم ٌكتبون فً أشرؾ علومنا‬
‫ٌسٌرون فً هذا االتجاه‪ ،‬ومفسرون أٌضا ٌسٌرون فً هذا االتجاه‪ ،‬وهكذا تراكمت األشٌاء فؤصبحنا نحن‬
‫أبناء هذا العصر الضحٌة‪ ،‬ولٌس فقط هذا الجٌل بل أجٌال نحو ما ال ٌقل عن أربعمابة سنة‪ ،‬اعتبرها‬
‫أربعمابة سنة على أقل تقدٌر هً الحالة التً ظهرت فٌها النتابج السٌبة لكل األشٌاء التً سبقت‪.‬‬
‫{ َّ‬
‫هللا ُ الَّذِي َج َع َل َل ُك ُم اللَّ ٌْ َل لِ َتسْ ُك ُنوا فٌِ ِه َوال َّن َه َ‬
‫ار ُمبْصِ را} (ؼافر‪ :‬من اآلٌةٔ‪ )ٙ‬هللا الذي ٌستعطفنا بما ٌحدثنا‬
‫به من نعمه‪ ،‬والتً ٌذكرنا بقٌمة نعمه‪ .‬كٌؾ ٌتمنن علٌنا بما ال قٌمة له عنده؟! إذا كانت الدنٌا ال تساوي‬
‫عند هللا جناح بعوضة إذا فبل قٌمة لما ٌتمنن به علٌنا‪ ،‬إذا كان ٌعطً ما ال قٌمة له عنده‪ ،‬ما ال قٌمة له‬
‫لدٌه‪ ،‬وال نعنً بالقٌمة أنها مسؤلة حاجة وفعبل هو لٌس محتاجا لكن الحكٌم ٌنظر إلى األشٌاء المهمة ذات‬
‫قٌمة فٌما تعطٌه‪ ،‬فإذا كانت هذه األشٌاء كلها ال قٌمة لها لدٌه فبل حاجة لشكرها‪ ،‬وال حاجة للتمنن بها‬
‫علٌنا‪ ،‬لماذا ٌتمنن علٌنا بما ال قٌمة لها عنده؟‪.‬‬
‫لها قٌمة { َو َخ َل َق ُك َّل َشًْ ء َف َق َّد َرهُ َت ْقدٌِرا} (الفرقان‪ :‬من اآلٌةٕ) وهذه اآلٌة تتحدث عن أهمٌة ما أعطى‪ ،‬عن‬
‫أن نتذكر فضل وعظم ما أعطى‪ ،‬وما أسبػ من هذه النعم { َّ‬
‫هللا ُ الَّذِي َج َع َل لَ ُك ُم اللَّ ٌْ َل لِ َتسْ ُك ُنوا فٌِ ِه َوال َّن َه َ‬
‫ار‬
‫ٖٗ‬
‫ُون} (ؼافر‪َ { )ٙٔ:‬ذلِ ُك ُم َّ‬
‫هللا ُ َر ُّب ُك ْم َخال ُِق ُك ِّل‬ ‫اس ال ٌَ ْش ُكر َ‬ ‫اس َولَكِنَّ أَ ْك َث َر ال َّن ِ‬‫هللا لَ ُذو َفضْ ل َعلَى ال َّن ِ‬ ‫ُمبْصِ را إِنَّ َّ َ‬
‫ون} (ؼافر‪ )ٕٙ:‬الحظ كٌؾ ٌربط بٌن الحدٌث عن نعمه وبٌن وحدانٌته‪،‬‬ ‫َشًْ ء ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َفؤ َ َّنى ُت ْإ َف ُك َ‬
‫ض َق َرارا‬ ‫هللا ُ الَّذِي َج َع َل لَ ُك ُم ْاألَرْ َ‬ ‫ون َّ‬ ‫هللا ٌَجْ َح ُد َ‬‫ت َّ ِ‬ ‫ٌِن َكا ُنوا ِبآٌا ِ‬ ‫ك الَّذ َ‬ ‫وبٌن توحٌده وعبادته { َك َذلِ َ‬
‫ك ٌ ُْإ َف ُ‬
‫هللا ُ َربُّ ْال َعالَم َ‬
‫ٌِن ه َُو‬ ‫ك َّ‬ ‫ار َ‬ ‫ت َذلِ ُك ُم َّ‬
‫هللا ُ َر ُّب ُك ْم َف َت َب َ‬ ‫ص َّو َر ُك ْم َفؤَحْ َس َن ص َُو َر ُك ْم َو َر َز َق ُك ْم م َِن َّ‬
‫الط ٌِّ َبا ِ‬ ‫َوال َّس َما َء ِب َناء َو َ‬
‫ٌِن} (ؼافر‪.)ٙ٘ - ٖٙ :‬‬ ‫ِّل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫ٌن ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬ ‫ْال َحًُّ ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو َف ْادعُوهُ م ُْخلِصِ َ‬
‫ٌن لَ ُه ال ِّد َ‬

‫ٗٗ‬
‫معرفة هللا ‪ ---‬عظمة هللا‬

‫٘ٗ‬
‫بداٌة سورة الحدٌد‬
‫مما ٌساعد على أن نعرؾ هللا سبحانه وتعالى بالشكل الذي نحصل من ورابه على تعزٌز لثقتنا به سبحانه‬
‫وتعالى هو‪ :‬حدٌثه فً القرآن الكرٌم عن ذاته سبحانه وتعالى فً الثناء على ذاته‪ ،‬وعن ما ذكره من‬
‫مخلوقاته الكثٌرة باعتبارها مظاهر من مظاهر ملكوته‪ ،‬وأنه هو من له ْالمُلك‪ ،‬هو رب العالمٌن‪ ،‬هو من له‬
‫الملك‪ ،‬ونفاذ األمر فً العالمٌن‪.‬‬
‫حمن الِّرحٌْم‬
‫منها‪ :‬ما ذكره سبحانه وتعالى فً أول [سورة الحدٌد]‪ِ :‬بسم هللا الرَّ ِ‬

‫ت َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض َوه َُو ا ْل َع ِزٌ ُز ا ْل َحكٌِ ُم} (الحدٌدٔ)‪.‬‬ ‫س َم َاوا ِ‬ ‫س َّب َح ِ َّ ِ‬
‫هلل َما فًِ ال َّ‬ ‫{ َ‬
‫سبح ِّل‪ :‬نزهه‪ ،‬وشهد بنزاهته وقدسٌته‪ ،‬نزاهته عن كل ما ال ٌلٌق به‪ ،‬نزاهته عن كل عٌب ونقص‪،‬‬
‫نزاهته عما ال ٌلٌق بكماله‪ ،‬فكل ما فً السماوات واألرض ٌشهد بنزاهة هللا‪ ،‬سواء من كان ٌنطق بذلك‪،‬‬
‫أو من كان فً نفسه شاهدا على ذلك‪.‬‬

‫هو العزٌز‪:‬‬
‫ال َمنٌِع الذي ال ٌُقهر‪ ،‬ال ٌُؽلَب وال ٌُؽالَب‪ ،‬هو ؼالب على أمره‪ ،‬هو العزٌز الذي ٌَمنح مِن عزته من اعت ّز‬
‫ٌِن أَعِ َّزة َعلَى ْال َكاف ِِر َ‬
‫ٌن} (المابدة‪:‬‬ ‫عزتِه أولٌا َءه‪ ،‬فٌصبحون كما قال عنهم‪{ :‬أَ ِذلَّة َعلَى ْالم ُْإ ِمن َ‬
‫به‪ٌ ،‬منح مِن َّ‬
‫من اآلٌةٗ٘)‪.‬‬

‫الحكٌم‬
‫فً ما ٌصدر منه‪ ،‬الحكٌم فً تدبٌره‪ ،‬الحكٌم فً هداٌته‪ ،‬الحكٌم فً تشرٌعه‪ ،‬الحكٌم فً تدبٌره لشإون‬
‫خلقه‪.‬‬

‫َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض} (الحدٌدٕ)‬ ‫{لَ ُه ُم ْل ُك َّ‬
‫الس َم َاوا ِ‬
‫ت‬
‫هو َملِك السماوات واألرض‪َ ،‬ملِ ُكها و َمالِ ُكها‪ .‬قد ٌكون اإلنسان فً هذه الدنٌا ملكا ف ٌَح ُدث انقبلب فٌصبح‬
‫مطرودا منفٌا ف ٌَملِك ؼٌ ُره‪ ،‬أمَّا هللا سبحانه وتعالى فهو الملك‪ ،‬هو المالك‪ ،‬هو الملك ذو المُلك الدابم فً‬
‫سلطانه‪.‬‬

‫‪ٗٙ‬‬
‫َقدٌِر} (الحدٌد‪ :‬من اآلٌةٕ)‬ ‫ٌِت َوه َُو َعلَى ُكل ِّ َ‬
‫ش ًْء‬ ‫{ ٌُ ْح ًٌِ َو ٌُم ُ‬
‫كل شًء ٌرٌده هو قادر علٌه‪{ ،‬ه َُو َعلَى ُك ِّل َشًْ ء َقدٌِر}‪ ،‬لٌس هناك أشمل من هذه العبارة‪ ،‬وال أوضح‬
‫منها فً‪ :‬أنه ال أحد ٌستطٌع أن ٌحول بٌنه وبٌن ما ٌرٌد أن ٌنفذه‪ ،‬فهو قادر وهو قاهر فً نفس الوقت‪.‬‬

‫علٌِم} (الحدٌد‪)ٖ:‬‬
‫َ‬ ‫ش ًْء‬ ‫{ه َُو ْاألَ َّول ُ َو ْاآل ِخ ُر َو َّ‬
‫الظا ِه ُر َوا ْل َباطِ نُ َوه َُو ِب ُكل ِّ َ‬
‫َثناء على هللا‪ ،‬وبٌان لكماله المطلق سبحانه وتعالى‪{ .‬ه َُو ْاألَ َّول ُ} عبارة‪ْ { :‬األَ َّو ُل} تعنً‪ :‬ال شًء قبله‪ ،‬ال‬
‫ألولٌَِّته‪ ،‬لٌس هناك شًء سبقه أبدا فً الوجود‪{ ،‬ه َُو ْاألَ َّو ُل} وهذه العبارة أفضل بكثٌر من عبارة‬ ‫أو َل َّ‬
‫[علماء الكبلم] التً ٌرددونها‪[ :‬القدٌم] فٌسمون هللا قدٌما‪ ،‬وهذا ‪ -‬فً ما أعتقد ‪ -‬لم َت ِرد فً القرآن الكرٌم‬
‫وال مرة واحدة‪ :‬أن ٌصؾ نفسه‪ ،‬وأن ٌجعلها من أسمابه [القدٌم]؛ ألن كلمة‪[ :‬قدٌم] لٌست مما ٌصح أن‬
‫ٌُمدَح هللا بها سبحانه وتعالى؛ لما فٌها من إٌهام وهو‪ :‬أنها ُتوهِم العمق الزمنً‪ ،‬توهم العمق الزمنً‪ ،‬كلمة‪:‬‬
‫قدٌم‪.‬‬
‫بٌنما كلمة‪{ :‬األول} هً أهم بكثٌر‪ ،‬فهً ال ُتو ِه ُم هذا اإلٌ َهام‪ ،‬وهً تتجه إلى نفس المطلوب ِب َداٌة‪ ،‬دون‬
‫ترتٌب ُم َق ِّدمات‪ ،‬هللا هو األول فبل شًء قبله‪ ،‬وهذا هو المطلوب‪ :‬أن نثبت أن كل من سواه ‪ ..‬أن كل من‬
‫سواه هو مخلوق له سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫{ َو} هو { ْاآل ِ‬
‫خ ُر} بعد فناء األشٌاء‪.‬‬

‫{ال َّظا ِه ُر}‬


‫{ َو} هو { َّ‬
‫الظا ِه ُر}‪ ،‬الظاهر لعباده‪ ،‬الظاهر لمخلوقاته‪ ،‬لٌس ؼاببا كما ٌقول [المتكلمون]! فٌقولون‪[ :‬قٌاسا‬
‫للؽابب على الشاهد]‪ٌ ،‬عرؾ هذا من قرأ فً كتب [علم الكبلم] وهذه العبارة القاصرة التً ترسخ ؼٌاب‬
‫هللا فً ذهنٌة اإلنسان‪ ،‬وفعبل اإلنسان الذي ٌتؤمل سٌجد كم كان لهذه من آثار سٌبة جدا‪ ،‬ترسٌخ فً شعور‬
‫اإلنسان ؼٌاب هللا بهذه العبارات‪[ :‬من باب قٌاس الؽابب على الشاهد] وهكذا ٌكررونها‪.‬‬
‫ولهذا لما جعلوا هللا ؼاببا اتجهوا لٌبحثوا عن وجوده هو‪ ،‬عن هل هو موجود أو ال‪ ،‬فٌؤتوا إلى ترتٌب‬
‫مقدمات معٌنة‪ ،‬تبدأ بالحدٌث عن [أن هذه األشٌاء وجدناها مُحدَ ثة؛ لكونها مبلزمة لعبلمات الحدوث‪ ،‬إذا‬
‫فهً مُحدَثة‪ ،‬إذا هناك من هو مُحْ دِث لها‪ ،‬إذا هناك مُحدِث]‪ ،‬وعلى هذا النحو ٌتحركون فٌجعلون هللا‬
‫سبحانه وتعالى بالنسبة لنا بحاجة إلى أن نستدل على وجوده بؤي شًء من مخلوقاته‪ ،‬بٌنما هو ٌصؾ نفسه‬
‫سبحانه وتعالى بؤنه‪َّ { :‬‬
‫الظا ِه ُر}‪ ،‬هو أظهر من مخلوقاته‪ ،‬هو من َؼ َر َز فً نفوس عباده معرفته‪ ،‬المعرفة‬
‫الجملٌة‪ ،‬لم ٌؽب اسمه عن ذهنٌة البشرٌة‪.‬‬

‫‪ٗ5‬‬
‫والقرآن الكرٌم أكد هذه‪ ،‬وهو ٌذكر لنا كٌؾ كان األنبٌاء ٌدعون أممهم إلى هللا‪ ،‬وكٌؾ كانت تلك األمم إنما‬
‫تنازع فً ما ٌتعلق بالوحدانٌة‪ ،‬أنها ؼٌر مستعدة أن تتخلى عن اآللهة األخرى‪ ،‬لٌنفرد هللا هو وحده‬
‫بعبادتهم له‪ ،‬وٌنازعوا األنبٌاء فً أنه بعد لم ٌثبت لدٌهم أو أنهم ٌرٌدون أن ٌثبت لدٌهم بؤنهم رسل من هللا‪،‬‬
‫ت َو ْاألَرْ َ‬
‫ض‬ ‫لٌس هناك إشكالٌة حول وجود هللا‪ ،‬حتى وال عند الكافرٌن { َولَبِنْ َسؤ َ ْل َت ُه ْم َمنْ َخ َل َق ال َّس َم َاوا ِ‬
‫هللا ُ} (الزخرؾ‪ :‬من اآلٌة‪)85‬‬ ‫لَ ٌَقُولُنَّ َخلَ َقهُنَّ ْال َع ِزٌ ُز ْال َعلٌِ ُم} (الزخرؾ‪َ { )9:‬ولَبِنْ َسؤ َ ْل َت ُه ْم َمنْ َخلَ َق ُه ْم لَ ٌَقُولُنَّ َّ‬
‫سؤلت َمن؟ سؤلت الكافرٌن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ولبن‬
‫ؼر َز معرفته فً نفوس عباده من‬
‫بل ٌقول اإلمام محمد بن القاسم بن إبراهٌم (سبلم هللا علٌه)‪(( :‬أن هللا َ‬
‫المبلبكة واإلنس والجن)) حتى قال أٌضا‪(( :‬بل والطٌر والحٌوانات األخرى كلها تعرؾ هللا))‪.‬‬
‫وكل ما تشاهده‪ ،‬كل ما تشاهده أنت فً واقعك تشهد بسبق خالقه‪ ،‬بسبق صانعه فً فطرتك قبل أن تنطلق‬
‫لترتب مقدمات كبلمٌة منطقٌة‪[ :‬هذا مُحْ دَث فبل بد له من مُحْ دِث‪ ،‬فثبت أن له مُحْ دِث]‪ .‬من أٌن قلت‪:‬‬
‫شهدت بؤن فٌه عبلمات التدبٌر والخلق‪ ،‬إذا أنت تشهد أوال‪ ،‬أنت تشهد أوال فً‬ ‫َ‬ ‫[مُحدَث]؟ ألٌس بعد أن‬
‫عرفت أن هذا فعل‪ ،‬ولما انطلقت لترتب هذه‬‫َ‬ ‫فطرتك بوجود الخالق‪ ،‬وتشهد بسبق الخالق‪ ،‬وإال لما‬
‫المقدمة‪.‬‬
‫هللا سبحانه وتعالى هو أظهر من كل مخلوقاته؛ ولهذا ‪ -‬فً ما أفهم وهللا أعلم ‪ -‬لم أجد فً القرآن الكرٌم‬
‫آٌة واحدة ‪ -‬على الرؼم مما ذكره هللا سبحانه وتعالى من مظاهر قدرته ونعمته وحكمته و ‪ ..‬إلى آخره ‪-‬‬
‫أن ذكر شٌبا منها بعبارة‪[ :‬ألٌس ذلك ٌدل على أننً كذا]‪ ،‬ال تجد هذه فً القرآن الكرٌم‪ ،‬لٌس هناك آٌة‬
‫تقول‪[ :‬ألٌس ذلك دلٌل على أنً قادر‪ ،‬ألٌس ذلك دلٌل على أنً حً‪ ،‬ألٌس ذلك دلٌل على أنً حكٌم‪ ،‬ألٌس‬
‫الظا ِه ُر}‪ ،‬هو { َّ‬
‫الظا ِه ُر}‪ ،‬هو الذي فطر‬ ‫ذلك ٌدل على أن لها خالق‪ٌ ،‬دل ‪ ،] ..‬لم ترد هذه إطبلقا؛ ألنه هو { َّ‬
‫ت أحد لٌسمً صنما باسمه‪ ،‬أو ٌسمً بشرا باسمه‪ ،‬أو ٌسمً شٌبا باسمه‪،‬‬ ‫النفوس على معرفته‪ ،‬بل لم ٌؤ ِ‬
‫الذي هو اسم لذاته سبحانه وتعالى المقدسة‪[ :‬هللا]‪َ { ،‬ه ْل َتعْ لَ ُم لَ ُه َس ِمٌّا} (مرٌم‪ :‬من اآلٌة٘‪ )ٙ‬كان المشركون‬
‫ٌسمون اآللهة [ ُه َبل‪ ،‬البلَّت‪ ،‬الع َُّزى‪ ،‬وُ د‪ ،‬سُواع‪ُ ٌَ ،‬ؽوث‪ٌَ ،‬عُوق]‪.‬‬
‫هللا معروؾ لدى البشر أنه [هللا]‪ ،‬هو اإلله‪ ،‬هو الذي خلق السموات واألرض‪ ،‬هو الذي خلقهم‪ ،‬هم‬
‫ٌعرفون هذه‪ ،‬لم ٌؤتوا لٌسموا صنما آخر باسمه أبدا‪ ،‬هو إله‪ ،‬بل هو إله مقدس لدى البشر‪ ،‬إله مقدس لدى‬
‫البشر فً كل مراحل تارٌخ البشرٌة‪ .‬بل ٌقول أحد الكتاب أٌضا‪ :‬بؤنه فً هذا العصر ‪ -‬فً استبٌان ‪ -‬ظهر‬
‫بعد أن اُكتشِ فت مناطق بدابٌة‪ ،‬قُبُل بدابٌة‪ ،‬وعرؾ بؤن هللا معروؾ لدٌها‪ ،‬قُبُل بدابٌة فً مجاهل أفرٌقٌا‬
‫وفً مناطق أخرى فً هذا العالم‪ ،‬وما ٌزال بعضهم شبه عُراة‪ ،‬وهللا معروؾ لدٌهم‪.‬‬
‫هو { َّ‬
‫الظا ِه ُر}؛ لهذا كان هناك تؤثٌر سلبً وسٌا جدا لترتٌبات المتكلمٌن المنطقٌة‪ ،‬لمقدماتهم المنطقٌة حٌث‬
‫جعلونا نحتاج نحن ‪ -‬حتى نعرفه ‪ -‬أن نستدل علٌه بؤي شًء من هذا لنعرؾ وجوده من حٌث المبدأ‪ :‬أن‬
‫هناك إله‪ ،‬أن هناك [هللا]‪.‬‬

‫كٌؾ وهو الذي قال سبحانه وتعالى‪َ { :‬و َن ْفس َو َما َس َّوا َها َفؤ َ ْل َه َم َها فُج َ‬
‫ُور َها َو َت ْق َوا َها} (الشمس‪ )8 - 5:‬كٌؾ‬
‫ٌلهمها فجورها وتقواها وال ٌلهمها معرفته‪ ،‬وال ٌفطرها على معرفته‪ ،‬وهً من أهم ‪ ..‬من أهم ما ٌمكن أن‬
‫تسٌر بالنفس نحو الهدى‪ ،‬وتصرفها عن الفجور ‪ -‬معرفته سبحانه وتعالى ‪ -‬هل مجرد أن تهتدي إلى ما‬
‫‪ٗ8‬‬
‫هو تقوى وإلى ما هو فجور أهم من معرفته سبحانه وتعالى؟‪ .‬هو قال‪ :‬أَ ْل َه َم َها { َفؤ َ ْل َه َم َها فُج َ‬
‫ُور َها َو َت ْق َوا َها}‬
‫فكٌؾ ال ٌلهمها ما هو أساس ‪ ..‬ما هو األساس فً أن تنطلق فً التقوى وتبتعد عن الفجور‪ ،‬وهو معرفته‬
‫سبحانه وتعالى؟!‪.‬‬
‫فالمعرفة الجملٌة لدى البشر قابمة‪ ،‬ومترسخة فً ذهنٌتهم‪ ،‬بما فطرهم هللا‪ ،‬بما فطر نفوسهم علٌه‪،‬‬
‫وبواسطة رسله المتعاقبٌن جٌلً بعد جٌل‪ ،‬وكتبه التً أنزلها إلٌهم‪ ،‬فلم ٌغب ذكره عن ذهن البشرٌة‪ ،‬وال‬
‫عن مسامعها‪ ،‬فهو { َّ‬
‫الظا ِه ُر}‪.‬‬
‫ٌجب أن نلؽً أن نلؽً تماما استخدام عبارات المتكلمٌن‪[ :‬الؽابب ‪ ..‬الؽابب ‪ ..‬قٌاسا للؽابب على الشاهد‪،‬‬
‫قٌاسا للؽابب على الشاهد]‪ ،‬وأشٌاء من هذه‪.‬‬
‫وأول ما ٌرسخون فً نفسٌتك‪ :‬أنك تقوم تبحث عن من هو الذي أسدى إلًّ هذه النعمة‪ُ ،‬ندوِّ ر هنا وهنا ‪..‬‬
‫نجد أن هذه النعم لها محدث‪ ،‬إذا لها محدث‪ .‬تمام اتفقنا ‪َ ..‬من هو؟‪ .‬بقً اإلشكال َمن هو؟‪ .‬لم ٌستطٌعوا أن‬
‫ٌجٌبوا علٌه ‪ ..‬من هو؟ ألن ؼاٌة ما ٌمكن أن تحصل علٌه من خبلل تلك المقدمات هو ماذا؟‪ :‬أن لها‬
‫صانع‪ .‬ال بؤس لها صانع‪ ،‬لكن َمن هو؟ وأي دلٌل نظري ترتبه على هذا النحو ٌمكن أن ٌوصلك إلى هللا؟‬
‫ال تجد‪.‬‬
‫ال ٌوصلك إلى هللا إال فطرتك‪ ،‬وإال أنبٌاإه وكتبه؛ ولهذا نجد‪[ :‬وهو هللا] هم ٌقولون هكذا‪[ :‬فدل على أن‬
‫لها محدث ‪ ...‬وهو هللا تعالى]!! هذه القفزة ‪ ..‬القفزة هذه لٌست نتٌجة منطقٌة لترتٌب المقدمات هذه أبدا‪،‬‬
‫نتٌجة منطقٌة هو أن لها محدث‪ ،‬لكن قولك‪[ :‬وهو هللا] من أٌن أتٌت بها؟ إنما من خبلل أنبٌابه‪ ،‬من خبلل‬
‫كتبه‪ ،‬من خبلل ما فطر النفوس علٌه؛ ألن [وهو هللا] هو ٌؤتً بعد سإال‪ :‬إذا فمن هو هذا المحدث؟ من‬
‫هو؟ رتب لً مقدمات توصلنً إلى أنه هو هللا‪ ،‬هللا‪.‬‬
‫هللا‪ :‬هو اسم للذات المقدسة‪َ ،‬علَم للذات المقدسة‪ ،‬هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو األساس لبقٌة أسمابه‪ ،‬تؤتً بقٌة‬
‫أسمابه فً مقام الثناء بعد أن ٌكون األساس الذي تضاؾ إلٌه وتستند علٌه هو اسمه سبحانه وتعالى‪ :‬هللا‪.‬‬
‫فؤي متكلم ٌستطٌع أن ٌوصل بتسلسل استدالالته المنطقٌة إلى اإلجابة على من هو؟ ثم لٌقول لً‪ :‬هو هللا‪.‬‬
‫هو هللا‪ ،‬لكن لٌس على هذا االستدالل الذي ذكرته‪ ،‬هذا االستدالل ٌجعل هللا بحاجة إلى أبسط مخلوقاته فً‬
‫أن ٌدل علٌه‪ ،‬ونحن ‪ -‬كما قلنا سابقا ‪ -‬لم نجد فً القرآن الكرٌم آٌة واحدة بعد أن ٌذكر هللا كثٌرا من‬
‫مظاهر خلقه‪ ،‬ومفردات هذا الكون فٌقول‪[ :‬ألٌس ذلك دلٌل على أنً حً‪ ،‬أو على أنً قادر]؟‪ .‬أبدا ٌقول‬
‫ك ِب َقادِر َع َلى أَنْ ٌُحْ ٌِ ًَ ْال َم ْو َتى} (القٌامة‪ )ٗٓ:‬أي ألٌس َمن صنع هذا بقادر على أن ٌصنع‬ ‫لك‪{ :‬أَلٌَ َ‬
‫ْس َذلِ َ‬
‫هذا؟‪.‬‬

‫ك ِبؤَنَّ َّ َ‬
‫هللا ه َُو‬ ‫الحظوا حتى فً [سورة الحج] لم ٌ ْفرُق بٌن الموضوع إال حرؾ واحد هو حرؾ [الباء]‪َ { :‬ذلِ َ‬
‫ْال َح ُّق َوأَ َّن ُه ٌُحْ ًٌِ ْال َم ْو َتى َوأَ َّن ُه َعلَى ُك ِّل َشًْ ء َقدٌِر} (الحج‪ )ٙ:‬بعد أن ذكر فً بٌان األدلة التً تقمع كل‬
‫ك ِبؤَنَّ َّ َ‬
‫هللا ه َُو ْال َح ُّق}‪ ،‬لم ٌقل‪ :‬ذلك أن هللا هو‬ ‫ذلك الرٌب الذي لدى المشركٌن فً ما ٌتعلق بالبعث { َذلِ َ‬
‫الحق؛ فتوهم العبارة‪ :‬أنه استدل على أنه حق بهذه األشٌاء‪ ،‬فهً دلت على أنه حق‪ .‬ذلك بسبب أنه هو‬

‫‪ٗ9‬‬
‫الحق‪ ،‬بسبب أنه هو الحق كانت على هذا النحو‪َ { .‬وأَ َّن ُه ٌُحْ ًٌِ ْال َم ْو َتى َوأَ َّن ُه َعلَى ُك ِّل َشًْ ء َقدٌِر}‪ ،‬أي وألنه‬
‫ٌحٌى الموتى‪ ،‬وألنه على كل شًء قدٌر‪.‬‬

‫ك ُن ْط َفة مِنْ َمنًِ ٌُ ْم َنى ُث َّم َك َ‬


‫ان‬ ‫ك سُدى أَلَ ْم ٌَ ُ‬ ‫اإل ْن َسانُ أَنْ ٌُ ْت َر َ‬ ‫َ‬
‫فً آخر سورة [القٌامة] قال تعالى‪{ :‬أ ٌَحْ َسبُ ْ ِ‬
‫ك ِب َقادِر َعلَى أَنْ ٌُحْ ٌِ ًَ ْال َم ْو َتى} (القٌامة‪ٖٙ :‬‬ ‫ْس َذلِ َ‬ ‫الذ َك َر َو ْاأل ُ ْن َثى أَلٌَ َ‬
‫ْن َّ‬ ‫َعلَ َقة َف َخلَ َق َف َس َّوى َف َج َع َل ِم ْن ُه َّ‬
‫الز ْو َجٌ ِ‬
‫‪ )ٗٓ -‬هل تستطٌع أن تقول‪ :‬أن ذلك هو إشارة إلى هللا؟ ‪ ..‬ال ‪ ..‬ألٌس هذا دلٌل على أن من قدر علٌه هو‬
‫قادر على أن ٌحٌى الموتى‪ ،‬فٌوجه االستدالل إلى الفعل ولٌس إلى الداللة علٌه هو‪ ،‬من قدر على هذا‬
‫قادر على هذا‪ ،‬من صنع هذا قادر على صنع هذا‪ ،‬وهكذا تؤتً‪.‬‬
‫وهً قضٌة مهمة‪ ،‬قضٌة مهمة جداً‪ :‬ت َذكر حضور هللا‪ ،‬وت َذكر شهادته هً الغاٌة المهمة من وراء كثٌر‬
‫من األذكار التً شرعت‪ :‬التسبٌح‪ ،‬التهلٌل‪ ،‬التكبٌر‪ ،‬التحمٌد‪ ،‬تذكر النعم‪ ،‬أن ال تنساه‪ ،‬أشٌاء كثٌرة جداً‬
‫كلها تصب فً هذه الغاٌة هو‪ :‬استشعار حضور هللا سبحانه وتعالى وشهادته‪.‬‬

‫وهو‪{ :‬ا ْل َباطِ نُ } سبحانه وتعالى فٌما ٌتعلق بذاته فبل تدركه الحواس‪ ،‬وال ٌمكن أن تقؾ األذهان منه على‬
‫كٌفٌة‪ ،‬وال ٌمكن أن ٌُرى‪ ،‬وال ٌمكن أن ٌُحس‪ ،‬وال ٌ َُجس‪ ،‬وال ٌُمس‪ .‬هو باطن لكن ال ٌعنً ذلك بؤنه ؼابب‬
‫عن األشٌاء ‪.‬هو باطن فٌما ٌتعلق بذاته سبحانه وتعالى‪ ،‬ال ٌمكن ‪ ..‬ال ٌمكن أن نتخٌل له كٌفٌة‪ ،‬وال أن‬
‫ار َوه َُو‬ ‫ك ْاألَب َ‬
‫ْص َ‬ ‫صا ُر َوه َُو ٌ ُْد ِر ُ‬ ‫نقول بؤن بإمكاننا أن نراه أو نلمسه أبدا ‪ ..‬أن نراه بؤبصارنا {ال ُت ْدر ُك ُه ْ َ‬
‫األ ْب َ‬ ‫ِ‬
‫اللَّطِ ٌؾُ ْال َخ ِبٌ ُر} (األنعام‪)ٖٔٓ:‬‬
‫{ َوه َُو ِب ُكل ِّ َ‬
‫ش ًْء َعلٌِم} ‪.‬‬

‫ش} (الحدٌد‪ :‬من اآلٌةٗ)‬ ‫ت َو ْاألَ ْر َ‬


‫ض فًِ سِ َّت ِة أَ ٌَّام ُث َّم ْ‬
‫اس َت َوى َعلَى ا ْل َع ْر ِ‬ ‫{ه َُو الَّذِي َخلَ َق َّ‬
‫الس َم َاوا ِ‬
‫خلق السماوات واألرض‪ ،‬هذا العالم الكبٌر المترامً األطراؾ ‪ -‬داخل هذا العالم ‪ -‬كما ٌقولون فً هذا‬
‫ُ‬
‫المسافات‬ ‫العصر وهم ٌقدرون المسافات ما بٌن الكواكب بمبلٌٌن السنٌن الضوبٌة‪ ،‬مبلٌٌن السنٌن الضوبٌة‬
‫ما بٌن الكواكب داخل هذا العالم الواسع‪{ ،‬فًِ سِ َّت ِة أٌََّام} فٌما ٌقدر بستة أٌام من أٌامنا‪ ،‬وإال فلٌس هناك‬
‫زمن‪ ،‬الزمن بالنسبة لنا فً األرض هو حركة األرض التً ٌتؤلؾ معها اللٌل والنهار‪ ،‬حركة اللٌل‬
‫والنهار‪ ،‬وحركة األرض هذا هو الزمن‪.‬‬
‫فهو قادر على كل شًء‪ ،‬من خلق السموات واألرض فً ستة أٌام هو قادر على كل شًء‪ ،‬أفبل ٌكون‬
‫قادرا على أن ٌنجز ألولٌابه ما وعدهم به فً الدنٌا؟! لكن من الذي ٌثق؟‪ .‬الذي ٌثق هو من ٌعٌش حضور‬
‫هللا فً ذهنٌته وشهادته على كل شًء‪ ،‬من ٌكرر تدبره فً القرآن الكرٌم وتؤمله فً القرآن الكرٌم‪،‬‬
‫وٌلؽً عبارات اآلخرٌن القاصرة فً مجال معرفته‪ ،‬اللهم إال من كان أسلوبه ٌدور حول أسلوب القرآن‬
‫الكرٌم كؤبمة أهل البٌت كاإلمام زٌد و االمام الهادي واإلمام القاسم بن إبراهٌم‪ ،‬وفً ما نجد فً [نهج‬
‫الببلؼة] لئلمام علً من فقرات جمٌلة جدا فً الحدٌث فً مجال معرفة هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬هإالء هم من‬
‫ٌَ ُد ْورُوا حول القرآن كما أخبر بذلك النبً المصطفى صلوات هللا علٌه و آله‪.‬‬
‫ٓ٘‬
‫{ ُث َّم ْ‬
‫اس َت َوى َعلَى ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش}‬
‫اآلٌات من أولها هً تتحدث عن ماذا؟ عن عظمة هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬عن مظاهر قدرته العجٌبة‪ ،‬هو خلق‬
‫السماوات واألرض تحدث عن خلقها عن تكوٌنها‪ ،‬ألٌست هذه آٌة عظٌمة على قدرته؟ على حكمته؟ وأنه‬
‫وحده الذي له ملك السماوات واألرض؟‪.‬‬
‫ش} بالمعنى الذي ٌقول اآلخرون‪،‬‬ ‫{ ُث َّم اسْ َت َوى َعلَى ْال َعرْ ِ‬
‫ش} نؤتً إلى الحدٌث عن كلمة‪{ :‬اسْ َت َوى َعلَى ْال َعرْ ِ‬
‫أي‪ :‬هناك عرش استوى علٌه استواء ٌلٌق بجبلله! انظر كٌؾ ستهبط اآلٌة إلى أحط مستوى؟ ما قٌمة أن‬
‫ٌقول هللا لنا هللا سبحانه وتعالى بؤن هناك عرشا هو ٌستوي علٌه؟‪ .‬ما قٌمته بالنسبة لنا فً مقام الداللة على‬
‫قدرته سبحانه وتعالى‪ ،‬على تدبٌره‪ ،‬على حكمته‪ ،‬على عظمته وجبلله!‪ .‬هل ٌمكن ألي شخص منا أن‬
‫ٌتحدث بؤن له سرٌر نوم [ٌرقد] علٌه فً بٌته ما قٌمة هذا؟ أن أقول‪ :‬فبلن عظٌم وهو من أولٌاء هللا وهو‬
‫كذا وهو كذا ومعه أٌضا سرٌر فً ؼرفته ٌنام علٌه‪ .‬هل لهذا الكبلم قٌمة؟‪ .‬أو له كرسً فً صالته ٌستوي‬
‫علٌه!‪.‬‬
‫القرآن الكرٌم كل مفردة داخله لها أهمٌتها { ِك َتاب أُحْ ِك َم ْ‬
‫ت آ ٌَا ُت ُه} (هود‪ :‬من اآلٌةٔ) ٌتحدث عن خلق‬
‫السماوات واألرض وٌقول‪ :‬وله أٌضا عرش ٌجلس علٌه! ما قٌمة هذه فً مجال حكمته؟ فً مجال قدرته؟‬
‫فً مجال ماذا؟ بل قد تستوحً منها على هذا النحو‪ :‬بؤنه [ثم تعب ورجع ٌرتاح قلٌل على الكرسً حقه]‬
‫عملت إلى بعد العصر وعدت إلى البٌت ألسترٌح فؤلقٌت بنفسً على‬ ‫ُ‬ ‫هذا فً منطقنا نحن نقول هذا‪[ :‬‬
‫الكرسً] ألسنا نقول هكذا؟ حٌنبذ ٌكون كبلمك على الكرسً فً مكانه صحٌح؟ لكن فً الداللة على ماذا؟‬
‫على التعب‪ ،‬أنك قد تعبت‪.‬‬
‫ش} عندما ٌقولون‪ :‬هناك عرش‪ٌ ،‬عنً‪ :‬سرٌر أو كرسً‪ ،‬فاِّل استوى علٌه‪ .‬ولكن‬ ‫{ ُث َّم اسْ َت َوى َعلَى ْال َعرْ ِ‬
‫قالوا‪ :‬كٌؾ استوى علٌه؟ هل جلس كذا أو كذا؟ قالوا‪ :‬استواء ٌلٌق به‪ ،‬لكن ما الذي قد ثبت فً الصورة؟‪.‬‬
‫هو أن هناك عرش‪ ،‬وهللا جاء فوقه‪[ ،‬لكن ال نعرؾ كٌؾ ٌكون استواإه فوقه؟]‪ .‬ألٌس هذا الذي ٌحصل فً‬
‫الذهنٌة؟‪ .‬هناك عرش وهناك جلس فوقه‪ ،‬على حد عبارة من ٌقولون استواء ٌلٌق به‪.‬‬
‫كلمة‪ :‬استوى على العرش تبٌن لك أن هللا من حٌث المبدأ خلق السماوات واألرض‪ ،‬كوّ نها‪ ،‬لكن السماوات‬
‫واألرض شإونها واسعة‪ ،‬مملكة عظٌمة‪ ،‬مملكة واسعة‪ ،‬شإونها كثٌرة جدا { ُك َّل ٌَ ْوم ه َُو فًِ َشؤْن}‬
‫ان ِم ْق َدا ُرهُ أَ ْل َ‬
‫ؾ َس َنة}‬ ‫(الرحمن‪ :‬من اآلٌة‪ٌُ{ )ٕ9‬دَ ِّب ُر ْاألَم َْر م َِن ال َّس َما ِء إِلَى ْاألَرْ ِ‬
‫ض ُث َّم ٌَعْ ُر ُج إِلَ ٌْ ِه ِفً ٌَ ْوم َك َ‬
‫(السجدة‪ :‬من اآلٌة٘) شإون مملكته فً الٌوم الواحد ٌنجز فٌها ما ال ٌنجز إال فً ألؾ سنة مما نعد‪ ،‬فهذا‬
‫الكون الذي خلقه لم ٌخلقه ثم ٌرمً به هناك‪ ،‬خلقه ثم اتجه إلى تدبٌره‪ ،‬إلى تدبٌر شبونه‪ ،‬تدبٌر شإون‬
‫هذا العالم الفسٌح‪ ،‬وهذا هو ما ٌعبر عنه [بالعرش] الذي ٌعنً‪ :‬السلطان والمملكة‪.‬‬
‫االستواء على العرش معناه‪ :‬ثم اتجه نحو تدبٌر شإونه‪ ،‬هو خلقه ثم دبره‪ ،‬وجاء صرٌحا هذا فً أول‬
‫[سورة ٌونس]‪ ،‬ومعظم ما تؤتً عبارة‪[ :‬استوى على العرش] تؤتً فً مقام عرض لمظاهر قدرته سبحانه‬
‫ت َو ْاألَرْ َ‬
‫ض فًِ سِ َّت ِة أٌََّام ُث َّم‬ ‫وتعالى ففً أول [سورة ٌونس] ٌقول تعالى‪{ :‬إِنَّ َر َّب ُك ُم َّ‬
‫هللا ُ الَّذِي َخلَ َق ال َّس َم َاوا ِ‬
‫ش ٌُدَ ِّب ُر ْاألَم َْر} (ٌونس‪ :‬من اآلٌةٖ) ٌدبر األمر ‪ ..‬وهم ٌقولون‪[ :‬استواء ٌلٌق به‪ ،‬وفً‬ ‫اسْ َت َوى َعلَى ْال َعرْ ِ‬
‫األثر‪ :‬استواء ٌلٌق به!!] وأٌنما وصلنا عند‪[ :‬استوى على العرش]‪ :‬استواء ٌلٌق به!‬
‫ٔ٘‬
‫فهم مؽلوط للقرآن‪ ،‬بل حط‪ ،‬حط لعظمة القرآن وحكمته‪ .‬أي‪ :‬أنه خلق وعندما خلق هذا الكون الفسٌح ذو‬
‫الشإون الكثٌرة لم ٌتخ ّل عنه‪ ،‬هو ولٌه‪ ،‬هو ملكه‪ ،‬هو من ٌدبر أمره‪ ،‬هو حكٌم‪ ،‬هو حكٌم ال ٌخلق شٌبا‬
‫هناك ثم ٌرم به‪ ،‬ثم ما عاد له حاجة منه‪.‬‬
‫اتجه إلى تدبٌر شإونه‪ ،‬وهذا ما ٌعنً فً اللؽة العربٌة‪ ،‬العرب ٌسمّون المُلك والسلطان والٌة األمر‬
‫ٌسموها العرش‪ ،‬عرش المملكة‪ ،‬هو أساسا مؤخوذ ‪ -‬فً لؽة العرب‪ ،‬وفٌما هو معروؾ ‪ -‬من األشٌاء عند‬
‫الملوك هو أن ٌكون للملك عرش ٌجلس علٌه‪ ،‬ال ٌجلس علٌه إال الملك‪ ،‬حتى ولً العهد ٌكون له مقام‬
‫آخر‪ ،‬هذا العرش الذي هو أصله كرسً‪ ،‬كرسً مزخرؾ كبٌر مفخم‪ٌ ،‬ضفً على ْال َملِك هٌبة أٌضا‪.‬‬
‫عرش‪ ،‬عرش تكرر فً الذهنٌة استخدام [عرش ‪ ..‬عرش ‪ ] ..‬ثم أصبحت العبارة تعنً‪ :‬المملكة والملك‪.‬‬
‫والقرآن الكرٌم هو قرآن عربً‪ ،‬هو قرآن عربً‪ ،‬بلسان العرب‪ ،‬وبؤسالٌب العرب ٌتحدث‪ ،‬فقال‪ :‬هو خلق‬
‫هذا العالم السموات واألرض‪ ،‬ثم اتجه نحو تدبٌر شإونها؛ ألنه ملكها‪ ،‬عبر عن المسؤلة بالعبارة المعروفة‬
‫لدى العرب [االستواء على العرش]‪.‬‬
‫ألسنا نقول‪ :‬أن المسإول همه الكرسً‪ ،‬ماذا تعنً هذه‪ ،‬عبارة [كرسً]؟ المنصب‪ ،‬المقام‪ ،‬الرتبة التً هو‬
‫فٌها‪ ،‬ال تزال الكلمة معروفة لدٌنا إلى اآلن تستعمل‪ ،‬التعبٌر عن الملك‪ ،‬عن المنصب‪ ،‬عن المقام بما هو‬
‫عادة ٌكون متوفرا لدى الملوك ولدى المسإولٌن‪ ،‬فنقول‪ :‬الربٌس ما همه إال الكرسً‪ ،‬ربٌس الوزراء همه‬
‫الكرسً‪ ،‬وزٌر الخارجٌة همه الكرسً‪ ،‬ألسنا نحن نقول هكذا؟‪.‬‬
‫الذي ٌسمعك تقول ما همه إال الكرسً‪ ،‬هل ممكن أن ٌقول لك‪ٌ[ :‬ا أخً نحن سنبحث له عن كرسً‬
‫ونوصله إلى بٌته من ؼٌر أن ٌزعجنا]‪ ،‬هل أحد سٌقول هكذا؟‪ .‬ال أحد ٌقول لك هذا‪ ،‬هو فاهم أنه ٌعنً‪:‬‬
‫همه المنصب‪ ،‬همه الملك‪ ،‬همه الزعامة‪.‬‬
‫اس َت َوى َعلَى‬ ‫ض فًِ سِ َّت ِة أٌََّام} مثل عبارة سورة الحدٌد { ُث َّم ْ‬ ‫ت َواألَرْ َ‬ ‫{إِنَّ َر َّب ُك ُم ّ‬
‫هللا ُ الَّذِي َخ َل َق ال َّس َم َاوا ِ‬
‫اع ُبدُوهُ أَ َفل َت َذ َّك ُرونَ } (ٌونسٖ) تذكرك‬ ‫شفٌِع إِ َّال مِنْ َب ْع ِد إِ ْذنِ ِه َذلِ ُك ُم َّ‬
‫هللا ُ َرب ُك ْم َف ْ‬ ‫ش ٌُ َد ِّب ُر ْاألَ ْم َر َما مِنْ َ‬ ‫ا ْل َع ْر ِ‬
‫نفس اآلٌات فً [سورة الحدٌد] بما هو بمعنى‪ٌ :‬دبر األمر الذي جاء فً [سورة ٌونس] { ٌَعْ لَ ُم َما ٌَ ِل ُج فًِ‬
‫هللاُ ِب َما َتعْ َمل ُ َ‬
‫ون‬ ‫نز ُل م َِن ال َّس َماء َو َما ٌَعْ ُر ُج فٌِ َها َوه َُو َم َع ُك ْم أٌَ َْن َما ُكن ُت ْم َو َّ‬ ‫ض َو َما ٌَ ْخ ُر ُج ِم ْن َها َو َما ٌَ ِ‬ ‫ْاألَرْ ِ‬
‫بَصِ ٌر} (الحدٌدٗ) ألٌس هذا هو تصرؾ الم ُْلك‪ ،‬تصرؾ ْال َملِك؟‪ .‬هذا معنى { ٌُ َد ِّب ُر ْاألَ ْم َر}‪.‬‬

‫َبصِ ٌر} (الحدٌد‪ :‬من اآلٌةٗ)‬ ‫{ َوه َُو َم َع ُك ْم أَ ٌْنَ َما ُك ْن ُت ْم َو َّ‬
‫هللاُ ِب َما َت ْع َملُونَ‬
‫{ َوه َُو َم َع ُك ْم أٌَ َْن َما ُك ْن ُت ْم} ال ٌؽٌب عنكم‪ ،‬رقٌب علٌكم‪ ،‬علٌم بكم‪ٌ ،‬حصً علٌكم كل شًء‪ ،‬قادر على أن‬
‫ٌرعاكم‪ٌ ،‬علم كل الحاالت والظروؾ التً تمرون بها‪ ،‬علٌم بذات الصدور‪.‬‬
‫{ َو َّ‬
‫هللا ُ ِب َما َت ْع َملُونَ َبصِ ٌر} ال ٌخفى علٌه شًء من أعمالكم‪ ،‬هو ٌعلمها وٌعلم مبلبساتها‪ ،‬وٌعلم دوافعها‪،‬‬
‫وٌعلم ؼاٌاتها‪.‬‬

‫ٕ٘‬
‫ْاأل ُ ُمو ُر} (الحدٌد‪)٘:‬‬ ‫ض َوإِلَى َّ ِ‬
‫هللا ُت ْر َج ُع‬ ‫ت َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫{لَ ُه ُم ْل ُك َّ‬
‫الس َم َاوا ِ‬
‫ٌتحدث عن ذاته سبحانه وتعالى باعتباره هو ذو الكمال المطلق‪ ،‬وهو الملك لهذا العالم‪ ،‬وهو رب‬
‫ض} له وحده ملكها‪ ،‬ألٌس هذا هو الدلٌل الكافً على أنه ال‬ ‫ت َو ْاألَرْ ِ‬ ‫العالمٌن‪ ،‬وهو ملكهم {لَ ُه م ُْل ُ‬
‫ك ال َّس َم َاوا ِ‬
‫ٌجوز ألحد أن ٌنطلق نحو التحكم فً شإون عباد هللا دون أن ٌكون له شرعٌة من عند هللا؟‪ .‬إذا كانوا‬
‫ٌقولون‪ :‬ال ‪ٌ ..‬جوز هذا‪ ،‬إذا فٌجوز ألي شخص أن ٌنطلق إلى مركز المحافظة فٌتحكم فٌها‪ ،‬إلى مركز‬
‫المدٌرٌة فٌؤخذ المبنى وٌتحكم فٌه دون إذن من ربٌس‪ ،‬ودون إذن من ملك‪ ،‬ودون إذن من ربٌس وزراء‬
‫وال ؼٌره‪ ،‬هل هذا مقبول فً عالمنا؟‪ .‬لٌس مقبول‪ .‬لماذا نقبله بالنسبة ِّل سبحانه وتعالى؟‪.‬‬
‫نحن فً أعمالنا نشهد على أنفسنا ‪ ..‬نشهد على أنفسنا بؤننا نجوِّ ز على هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وفٌما ٌتعلق‬
‫بشؤنه‪ ،‬وفٌما هو من اختصاصه ما ال نجوّ زه وال نسوّ ؼه فً ما ٌتعلق بعالمنا‪ ،‬وفً أنفسنا‪ .‬هو له ملك‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬ما معنى ملكها؟ هو الذي له الحق فً أن ٌلً أمرهم‪ ،‬أن ٌدبر شؤنهم‪ ،‬أن ٌشرّع لهم‪،‬‬
‫أن ٌرسم هداٌتهم‪ ،‬أن ٌوجههم هو‪.‬‬
‫عندما ٌقول‪ :‬بؤن له ملك السماوات واألرض‪ ،‬لٌس ملك كؤي ملك من الملوك اآلخرٌن هو ملك رحمن‬
‫رحٌم رإوؾ رحٌم‪ٌ .‬عرض القرآن الكرٌم فً آٌات أخرى كٌؾ تدبٌر هللا لشإون خلقه‪ ،‬ما هو األساس‬
‫الذي ٌقوم علٌه تشرٌعه لعباده ورعاٌته لشإونهم‪ ،‬وهداٌته لهم‪ ،‬من منطلق رحمته بهم‪ ،‬هو رحمن رحٌم‪.‬‬
‫ض}‪ ،‬إذاً فل شرعٌة ألي شخص ٌتحكم على رقاب الناس‪َ ،‬أولٌس الناسُ هم‬ ‫ت َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫{لَ ُه ُم ْل ُك ال َّ‬
‫س َم َاوا ِ‬
‫ممن داخل السماوات واألرض؟ أو أنهم هم العنصر األساس داخل السماوات واألرض‪ ،‬هم من استخلفوا‬
‫على هذه األرض فسخرت لهم السماوات واألرض وما فٌها‪ ،‬حتى كثٌر من المبلبكة أعمالهم مرتبطة فٌما‬
‫ض} (الشورى‪ :‬من اآلٌة٘) كثٌر من شإون‬ ‫ُون ِل َمنْ فًِ ْاألَرْ ِ‬
‫ٌتعلق بالناس‪ ،‬فٌما ٌتعلق باألرض { َو ٌَسْ َت ْؽ ِفر َ‬
‫األرض مرتبطة بهم‪ ،‬تؤتً من جهتهم ممن اصطفاه هللا من داخلهم ٌقوم بإببلغ وحٌه بإنزال كتبه‪ ،‬ومع‬
‫عباده حفظة‪ ،‬ومع عباده ُك َّتاب‪ ،‬الكل ‪ ..‬الكل حول اإلنسان‪ .‬الكل حول اإلنسان‪.‬‬

‫هل السلطة ملك للشعب ؟‬


‫ثم إذا انتزعنا ملك هللا من هذا اإلنسان‪ ،‬وقلنا ال حاجة إلى أخذ شرعٌة من جهة هللا سبحانه وتعالى فٌما‬
‫ٌتعلق بالحكم لهذا اإلنسان‪ ،‬والهٌمنة علٌه‪ ،‬والتحكم فً شإونه‪ ،‬فماذا بقً ِّل؟ تركنا ِّل األشٌاء الباقٌة!‬
‫تركنا له األشٌاء الباقٌة! ثم نؤتً إلى المخلوق الربٌسً الذي هو خلٌفة ِّل فً هذه األرض‪ ،‬وسخر له‬
‫األرض والسماوات وما فٌهما‪ ،‬فننتزع سلطان هللا منه‪ ،‬ونؤتً نحن وال نربط أنفسنا باِّل‪ ،‬بل نؤتً لنقول‪:‬‬
‫السلطة ملك للشعب ٌمنحها من ٌشاء‪ ،‬هكذا فً دساتٌرنا العربٌة عبارات كهذه بالتصرٌح أو ما ٌُفهم‬
‫ك َمنْ َت َشا ُء َو َت ْن ِز ُع ْالم ُْل َ‬
‫ك ِممَّنْ َت َشا ُء َو ُتع ُِّز َمنْ َت َشا ُء‬ ‫ك ْالم ُْلكِ ُت ْإتًِ ْالم ُْل َ‬
‫معناها وهو الذي ٌقول‪{ :‬قُ ِل اللَّ ُه َّم َمالِ َ‬
‫َو ُت ِذ ُّل َمنْ َت َشا ُء} (آل عمران‪ :‬من اآلٌة‪.)ٕٙ‬‬
‫السلطة ملك للشعب‪ ،‬هكذا نقول! هذه العبارة لٌست سهلة‪ ،‬هذه العبارة خطٌرة جدا على األمة‪ ،‬أن تدٌن بها‬
‫دولة‪ ،‬وأن ٌدٌن بها شعب عبارة خطٌرة‪.‬‬

‫ٖ٘‬
‫ت َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض} إذاً فهو هو من له الحق أن ٌدبر شؤنهم وال شرعٌة لمن ال ٌعتبر فً‬ ‫{لَ ُه ُم ْل ُك ال َّ‬
‫س َم َاوا ِ‬
‫حكمه امتداداً لشرعٌة هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬الذي هو ملك السماوات واألرض‪.‬‬

‫{ َوإِلَى َّ ِ‬
‫هللا ُت ْر َج ُع ْاألُ ُمو ُر}‬
‫هو ملكها‪ ،‬ما أكثر الملوك فً هذه الدنٌا والرإساء‪ ،‬لكن ألٌست األمور تخرج عن سٌطرتهم فً كثٌر من‬
‫أحوالهم‪ ،‬وفً كثٌر من أحوال شعوبهم؟ تخرج األمور عن سٌطرتهم‪َ ،‬ملِك قاصر‪ ،‬م ُْلك الناقصٌن‪ ،‬مُلك‬
‫من ال ٌعلموا سر السماوات واألرض‪ ،‬ملك من ال ٌعلم بعضهم بكثٌر مما ٌخص شعبه‪ ،‬فكثٌر من األمور‬
‫تجري على خبلؾ ما ٌرٌدون‪ ،‬والزعماء العرب اآلن هل األمور تمشً على ما ٌرٌدون؟ ال‪.‬‬
‫أما هللا سبحانه وتعالى فهو وحده الذي إلٌه ترجع األمور‪ ،‬وهو الذي ٌستطٌع أن ٌخلق وٌهٌا المتؽٌرات‪.‬‬
‫وفً الدنٌا ‪ -‬عندما تتؤمل ‪ -‬أحداث تحصل‪ ،‬متؽٌرات عجٌبة‪ ،‬تحوالت بنسبة مابة فً المابة فً بعض‬
‫األمور‪ ،‬هللا هو سبحانه وتعالى من هو ؼالب على أمره‪ ،‬من هو قادر على كل شًء‪.‬‬
‫فكل عبارة من هذه تؤتً فً القرآن الكرٌم‪َ { :‬وإِ َلى َّ ِ‬
‫هللا ُت ْر َج ُع ْاأل ُ ُمو ُر} { َوإِلَ ٌْ ِه ٌُ ْر َج ُع ْاألَ ْم ُر ُكل ُه} (هود‪ :‬من‬
‫اآلٌة‪ )123‬هو ٌقول لعباده ٌقول للمإمنٌن‪ :‬ثقوا بً‪ ،‬انطلقوا فً عبادتً‪ ،‬انطلقوا فً نصري‪ ،‬وفً‬
‫جع األمور فل أدع المجال ٌقفل أمامكم‪ .‬هو من سٌهٌا‪ ،‬من‬ ‫إلً تر ِ‬
‫العمل إلعلء كلمتً‪ ،‬وأنا من ّ‬
‫سٌخلق المتغٌرات‪ ،‬من سٌهٌا الظروف‪.‬‬
‫هللا ُترْ َج ُع ْاألُمُو ُر} حتى وإن كان الناس هنا فً الدنٌا ٌتصرفون بعٌدٌن عن هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فهذا‬
‫{ َوإِلَى َّ ِ‬
‫ٌتزعم على هذا الشعب‪ ،‬وهذا ٌتملك على ذلك الشعب‪ ،‬وهذا ٌقفز على هذا الشعب وهكذا‪.‬‬
‫هم ما زالوا فً داخل محٌط قدرته تعالى { َوه َُو ْال َقا ِه ُر َف ْو َق عِ َبا ِد ِه} (األنعام‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔ8‬بل كثٌر من‬
‫األمور تفرض علٌهم بتهٌبة من هللا‪ ،‬من حٌث ال ٌشعرون‪.‬‬
‫ولو تؤملنا لوجدنا أنه حتى أعداء اإلسبلم أنفسهم الذٌن ٌحاولون أن ٌقفلوا كل شًء بالنسبة للمسلمٌن‬
‫ٌنطلقون فً مجال وال ٌدرون بؤنهم ٌهٌبوا أجواء عظٌمة جدا للمإمنٌن من خبلل ما تحركوا فٌه؛ ألن هللا‬
‫ؼالب على أمره‪.‬‬
‫وما أكثر ‪ -‬لو تؤمل اإلنسان ‪ -‬ما أكثر اإلنفراجات التً تؤتً‪ ،‬ما أكثر اإلنفراجات التً تحصل‪ ،‬لكن من ال‬
‫ٌهٌا نفسه ألي عمل فً سبٌل هللا تمر األشٌاء وال قٌمة لها عنده‪ ،‬وال ٌبالً‪.‬‬

‫ُور} (الحدٌد‪)ٙ:‬‬
‫الصد ِ‬ ‫ار فًِ اللَّ ٌْ ِل َوه َُو َعلٌِم ِب َذا ِ‬
‫ت‬ ‫{ ٌُولِ ُج اللَّ ٌْل َ فًِ ال َّن َه ِ‬
‫ار َو ٌُولِ ُج ال َّن َه َ‬
‫هو من ٌدبر كل شًء‪ ،‬اللٌل والنهار هو الذي ٌدبره فٌولج اللٌل فً النهار وٌولج النهار فً اللٌل‪ٌ ،‬تعاقبان‬
‫وٌتداخبلن فٌنقص هذا حٌنا وٌطول هذا حٌنا آخر‪ ،‬فً حركة مستمرة منظمة ومدبّرة بؤمر هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬هذا مظهر من مظاهر ملكه‪ ،‬أن له ملك السموات واألرض هو خلقها ثم تحدث عن استوابه على‬

‫ٗ٘‬
‫العرش لٌدبر شإونها‪ ،‬ثم ها هو ٌتحدث كٌؾ ٌدبر شإونها‪ ،‬وكٌؾ عبلقته بها كملك للسماوات واألرض‬
‫وما بٌنهن وما فٌهن‪.‬‬
‫ور} هذا اللٌل الذي ٌُ ِجنُّ هذا العالم‪ ،‬أو قطعة من هذه األرض بظبلمه‪ ،‬فٌبدو أمام‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫{ َوه َُو َعلٌِم ِب َذا ِ‬
‫ت ال ُّ‬
‫ور} تلك الصدور‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫األنظار وكؤنه أصبح ٌمكن أن ٌخفً أشٌاء كثٌرة عن هللا‪ٌ ،‬قول‪ :‬إنه { َعلٌِم ِب َذا ِ‬
‫ت ال ُّ‬
‫التً هً ظلمة فً داخلها‪ ،‬تجوٌؾ الصدر فً داخله مظلم‪ ،‬وداخله ماذا؟ داخله هواجس من النفس‪ ،‬أشٌاء‬
‫داخل النفس‪ ،‬هللا ٌعلم بذات الصدور نفسها‪ ،‬فبل ٌمكن للٌل أن ٌخفً شٌبا من ما ٌحصل من عباده‪ ،‬وال‬
‫ٌخفً أي شًء من أشٌاء هذا العالم عنه‪.‬‬
‫ار فًِ اللٌَّ ِْل} مما نفهم منه بؤن اللٌل والنهار‬ ‫من هذه اآلٌة قوله تعالى‪ٌُ{ :‬ولِ ُج اللَّ ٌْ َل فًِ ال َّن َه ِ‬
‫ار َوٌُولِ ُج ال َّن َه َ‬
‫موجودان مع بعض‪ ،‬ثم ٌحصل بٌنهما تداخل‪ ،‬فنشهد بؤن الحركة حركة مستمرة اللٌل والنهار وبشكل‬
‫دابري‪ ،‬كما اكتشؾ أخٌرا وأصبحت األشٌاء واضحة فعبل‪ ،‬قد تتصل بشخص إلى منطقة أخرى فً العالم‬
‫فٌكون الوقت عندك نهارا وعنده لٌل أو العكس‪ .‬اتصل بؤمرٌكا تجد الوقت هناك نهار ما ٌزال نهارا وأنت‬
‫فً اللٌل‪.‬‬

‫سولِ ِه} (الحدٌد‪)5‬‬


‫َو َر ُ‬ ‫{آ ِم ُنوا ِب َّ‬
‫اهللِ‬
‫بعدما تحدث‪ ،‬أو بعدما قررت اآلٌات األولى فً ما ٌتعلق بكمال هللا سبحانه وتعالى ثم خلقه للسماوات‬
‫واألرض ثم ملكه للسموات واألرض‪ ،‬وما فٌهما ‪ ..‬إذا آمنوا به‪ ،‬من هو ذلك الذي ٌمكن أن ٌكون له هذا‬
‫الكمال‪ ،‬أن ٌكون له هذا الملك فتروا أنفسكم ملزمٌن بؤن تإمنوا به‪ ،‬أو تروا أن علٌكم حقا أن تإمنوا به‬
‫من هو هذا ؼٌر هللا سبحانه وتعالى؟‪.‬‬
‫ثم من هو الذي ٌمكن أن تخافوه من ملوك األرض‪ ،‬من رإساء األرض‪ ،‬وهم من هم ‪ ..‬من هم بالنسبة‬
‫لملك هللا سبحانه وتعالى؟ من هم بالنسبة لكمال هللا سبحانه وتعالى؟ من هم؟ من هو منهم ٌستطٌع أن‬
‫ٌؽالب هللا سبحانه وتعالى؟‪ .‬من هو منهم ٌستطٌع أن ٌخرج عن دابرة قدرته وجبروته وقهره لعباده؟‪.‬‬
‫فكٌؾ تخافونهم أكثر مما تخافوا هللا؟‪.‬‬
‫كل حدٌث أو كل آٌة من هذه اآلٌات كلها تتجه نحو نفسٌة اإلنسان لتعزز داخلها اإلٌمان والثقة المطلقة باِّل‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫سولِ ِه َوأَ ْن ِفقُوا ِم َّما َج َع َل ُك ْم ُم ْس َت ْخ َلفٌِنَ فٌِ ِه َفا َّلذٌِنَ آ َم ُنوا ِم ْن ُك ْم َوأَ ْن َفقُوا لَ ُه ْم أَ ْجر َك ِبٌر}‬ ‫{آ ِم ُنوا ِب َّ ِ‬
‫اهلل َو َر ُ‬
‫(الحدٌد‪ )5:‬الحظ‪ ،‬تحدثت بداٌة اآلٌات عن تدبٌره لشإون مخلوقاته فٌما ٌتعلق بحركة الكون { َما ٌَلِ ُج فًِ‬
‫ض َو َما ٌَ ْخ ُر ُج ِم ْن َها َو َما ٌَ ْن ِز ُل م َِن ال َّس َما ِء َو َما ٌَعْ ُر ُج فٌِ َها} هو ٌعلمه ‪ ..‬اللٌل والنهار فً حركتهما‬ ‫ْاألَرْ ِ‬
‫المتعاقبة‪ ،‬هو نفسه الذي ٌحرك اللٌل والنهار فٌولج اللٌل فً النهار وٌولج النهار فً اللٌل ‪ ..‬ألٌس هذا‬
‫جانب من شإون مخلوقاته؟‪ .‬ثم ٌتجه إلى الجانب اآلخر‪ ،‬وهو الجانب التشرٌعً جانب الهداٌة بالنسبة‬
‫لئلنسان لٌقول لنا‪ :‬بؤنه من اختصاصه هو‪ ،‬هذا كله من اختصاصه هو سبحانه وتعالى؛ ألنه هو الملك‪.‬‬

‫٘٘‬
‫التشرٌع هو من اختصاص هللا وحده‬
‫فهو من له الحق أن ٌشرع لعباده‪ ،‬من له الحق أن ٌؤمرهم حتى فٌما ٌتعلق بؤؼلى األشٌاء لدٌهم وهو المال‪:‬‬
‫ٌِن فٌِه} هو من له الحق أن ٌصطفً من عباده رسوال لعباده فٌبلػ شرٌعته‬ ‫{ َوأَ ْن ِفقُوا ِممَّا َج َعلَ ُك ْم مُسْ َت ْخلَف َ‬
‫اِّل َو َرسُولِ ِه َوأَ ْن ِفقُوا ِممَّا َج َعلَ ُك ْم مُسْ َت ْخلَف َ‬
‫ٌِن فٌِ ِه} بعد أن قرر لكم بؤنه هو الذي خلق‬ ‫وهدٌه إلٌهم {آ ِم ُنوا ِب َّ ِ‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬وأن له ملك السماوات واألرض‪ ،‬إذا فما أنتم إال عبارة عن مستخلفٌن فٌما بٌن أٌدٌكم‬
‫من أموال‪ ،‬هو المالك الحقٌقً‪ ،‬هو الخالق لها‪ ،‬وهو المالك الحقٌقً لها‪.‬‬
‫من ٌحاولون أن ٌفصلوا سلطان هللا عن عباده فٌما ٌتعلق بالتشرٌع والهداٌة‪ ،‬وتدبٌر شإونهم‪ ،‬ووالٌة‬
‫أمرهم ٌسٌبون إساءة كبٌرة إلى هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فكؤنهم إنما ٌحولون هللا ‪ -‬وسبحان هللا أن ٌقول‬
‫اإلنسان عبارة كهذه مهما كانت لكن الحاجة إلٌها ‪ -‬أصبح هللا شؽال لدٌهم‪ٌ ،‬ولج اللٌل فً النهار‪ ،‬وٌدبر‬
‫هذا الشًء و ٌنزل مطر‪ ،‬و ‪ ! ..‬شؽال لدٌهم‪ ،‬وهم من ٌتحكمون فً شإون عباده كما ٌشاءون‪ ،‬فهم‬
‫الملوك وهو عامل لدٌهم‪ ،‬هذه إساءة عظٌمة إساءة بالؽة‪.‬‬
‫فِعبل كما ٌقول بعض العلماء‪ :‬هذا شرك‪ ،‬وكٌؾ ال ٌكون شركا وهو ٌقول للمإمنٌن فً ما ٌتعلق بالمٌتة‬
‫عندما كانوا ٌجادلوهم الكفار حولها‪ ،‬كانوا ٌؤكلون المٌتة فجاء اإلسبلم ٌقول‪ :‬ال ٌجوز أكل المٌتة‪ ،‬فكانوا‬
‫ش ٌَاطِ ٌنَ لَ ٌُو ُحونَ إِلَى أَ ْولِ ٌَا ِب ِه ْم‬
‫ٌجادلونهم وٌقولون‪ :‬كٌؾ نؤكل ما قتلنا وال نؤكل ما قتل هللا { َوإِنَّ ال َّ‬
‫ش ِر ُكونَ } (األنعام‪ :‬من اآلٌةٕٔٔ) أن تطٌعوهم فً شؤن مخلوق واحد من‬ ‫لِ ٌُ َجا ِدلُو ُك ْم َوإِنْ أَ َط ْع ُت ُمو ُه ْم إِ َّن ُك ْم لَ ُم ْ‬
‫مخلوقاته إنكم إذا لمشركون؛ ألنكم قبلتم حٌنبذ ما قرروه هم فٌما ٌتعلق بالمٌتة من أنه ال مانع من أكلها‬
‫بناء على أنه [كٌؾ نؤكل ما قتلنا وال نؤكل ما قتل هللا]‪.‬‬
‫ألٌسوا قرروا شًء فٌها؟ لكن ال‪ .‬من هو الذي له الحق أن ٌقرر فً شإون عباده‪ ،‬وٌحكم فٌهم بما ٌرٌد؟‬
‫من هو؟ هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬إذا أطعتموهم فً شؤن مٌتة‪ ،‬نعجة مٌتة أو أي حٌوان من األنعام تطٌعوهم‬
‫فتقبلوا حكمهم‪ ،‬وال تقبلوا حكم هللا تكونوا أنتم إذا مشركون‪ ،‬جعلتم ما هو من اختصاص هللا وما هو حق‬
‫ِّل جعلتموه لآلخرٌن فؤصبحتم مشركٌن به‪ ،‬مشركٌن به فً ملكه‪ ،‬جعلتم هإالء هم الملوك‪ ،‬فهم الذٌن‬
‫ٌقرروا ما ٌروا فً شؤن هذه المٌتة‪ ،‬والحق فٌها إلى هللا‪.‬‬
‫هذا مثال واحد فً شؤن مٌتة‪ ،‬فشؤن أمة تقرر أنت‪ ،‬وتقبل أنت بؤن لطرؾ آخر الحق أن ٌقرر ما ٌرٌد‪،‬‬
‫وتفرض على نفسك أن تطٌعه وتإمن بما قرره فً شإون أمة! ألٌس هذا أعظم من شؤن مٌتة؟‬
‫فما أسوأ اإلنسان أن ٌكون فً واقعه ممن ٌقدم إلهه عبارة عن عامل لدى اآلخرٌن‪ ،‬وٌكون الملوك هم‬
‫اآلخرون الذٌن ال نفترض أن ٌكون لملكهم شرعٌة من قبل هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬بل هم ال ٌفرضون أن‬
‫ألنفسهم شرعٌة من قبل هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬وإنما شرعٌة نظامٌة وفق قانون الدٌمقراطٌة‪ ،‬أو وفق قانون‬
‫الوراثة فً التعاقب على السلطة فً البلد هذا أو ذاك‪ ،‬فٌصبح هو من له الحق أن ٌحكم‪ ،‬ولتصبح أنت من‬
‫علٌك الحق أن تسمع وتطٌع‪ ،‬الخطورة علٌهم أشد‪ ،‬واإلساءة من جانبهم أكثر عندما ٌحكموا رقاب الناس‬
‫دون أن ٌستندوا على شرعٌة إلهٌة‪.‬‬
‫بل قُ ِّد َم هذا المنطق بؤنه منطق مرفوض‪ ،‬هو ما ٌسمى بالحكم [الثٌوقراطً] ما ٌقابل [الدٌمقراطٌة]‬
‫[الثٌوقراطٌة] أي الحكم اإللهً ‪ ،‬ومن ٌنادون بؤن ٌكون هللا هو من ٌحكم عباده‪ ،‬وأن ال نقبل إال من له‬
‫‪٘ٙ‬‬
‫ْط الحكم باِّل‪ ،‬رب ُ‬
‫ْط السلطة باِّل‪ ،‬هذا هو نظام [ثٌوقراطً]‬ ‫شرعٌة من هللا أن ٌحكم فً أرضه‪ ،‬قالوا‪ :‬رب ُ‬
‫هو نظام مرفوض! بدٌل عنه النظام الدٌمقراطً الذي ٌجعل السلطة ملكا للشعب‪ ،‬هذا هو النظام التقدمً‬
‫والنظام األفضل‪ ،‬هكذا ٌقولون‪.‬‬
‫مع أن النظام الدٌمقراطً أو هذه العناوٌن هً من قبل اإلسبلم بفترة طوٌلة عند الٌونانٌٌن‪ ،‬وعند‬
‫اإلؼرٌق‪ ،‬عند فبلسفتهم هم من تفلسفوا وحللوا ما ٌتعلق باألنظمة فقدموا عناوٌن وقسموها إلى تقسٌمات‬
‫معٌنة‪ ،‬لكن اإلسبلم أصبح تخلفا‪ ،‬والدٌمقراطٌة هً ماذا؟ هً تقدم‪ ،‬وهً من عمرها قد ٌكون ربما نحو‬
‫ألفٌن سنة أو أكثر من أٌام اإلؼرٌق‪ ،‬ثم ٌؤتً اإلسبلم دٌن للعالمٌن‪ ،‬ورسوله رحمة للعالمٌن ثم ال ٌكون‬
‫لدٌه أي نظام‪ ،‬ال ٌكون لدٌه أي نظام‪ٌ ،‬كون امتدادا لسلطان هللا فً أرضه‪ ،‬إذا كان تدبٌره فً ما ٌتعلق‬
‫ص َطفًِ مِنَ ا ْل َملبِ َك ِة ُر ُ‬
‫سلً َومِنَ ال َّن ِ‬
‫اس} (الحج‪:‬‬ ‫بإنزال الهداٌة إلى خلقه ال بد أن ٌرتبط بشخص { َّ‬
‫هللا ُ ٌَ ْ‬
‫من اآلٌة‪ )55‬فوالٌة شؤن عباده فً هذا الجانب ال بد أٌضا ً أن تكون مرتبطة بؤحد من عباده‪ ،‬وهو هو‬
‫من له الحق أن ٌصطفً وٌختار وٌع ٌِّن وٌحدد هو سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ثم ٌقول لنا بعد مما ٌدل على أنه فٌما ٌتعلق بالهداٌة والتدبٌر والتوجٌه واألوامر والنواهً هو من ٌختص‬
‫بها سبحانه وتعالى‪ ،‬وهً أٌضا مظهر من مظاهر ملكه‪ ،‬وحق من الحقوق له التً ٌجب أن نإمن بها‪ ،‬أنها‬
‫ٌِن آ َم ُنوا ِم ْن ُك ْم َوأَ ْن َفقُوا لَ ُه ْم‬
‫حق ٌختص باِّل سبحانه وتعالى؛ ألنه الملك‪ ،‬وهو اإلله‪ ،‬وهو الذي خلق‪َ { :،‬فالَّذ َ‬
‫أَجْ ر َك ِبٌر} هذا ‪ -‬كما أسلفت سابقا ‪ -‬له عبلقة بما ٌتعلق بمعرفة هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫إذا لٌس معرفته كما ٌقال فقط [أن تعرفه إلها واحدا أحدا فردا صمدا لم ٌتخذ صاحبة وال ولدا] فتحفظ هذه‬
‫الكلمات كعناوٌن فقط ‪ ..‬أن تعرفه إلها‪ ،‬هو إلهك هو ملكك‪ ،‬ثم ماذا ٌعنً أن أإمن بؤنه إلهً وإله العالمٌن‪،‬‬
‫بؤنه الملك علًَّ وملك العالمٌن‪ ،‬بؤنه ربً ورب العالمٌن؟‪ ،‬هو هذا‪ :‬أن تكون مإمنا بؤنه هو وحده الذي له‬
‫الحق أن ٌتصرؾ فً شإون عباده كلها‪.‬‬

‫‪٘5‬‬
‫معرفة هللا ‪----‬عظمة هللا‬

‫أسماء هللا الحسنى و أهمٌتها فً معرفة هللا‬

‫‪٘8‬‬
‫( آٌات من سورة الحشر )‬
‫هللاُ الَّذِي ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو ا ْل َملِ ُ‬
‫ك} (الحشر‪ :‬من اآلٌةٖٕ) ألم ٌكرر نفس العبارة األولى {ه َُو َّ‬
‫هللا ُ الَّذِي‬ ‫{ه َُو َّ‬
‫ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو} هو هللا‪ ،‬ثم ٌؤتً بعدها بقٌة أسمابه الحسنى التً هً قابمة على هذا اإلسم المبارك [هللا] الذي‬
‫ك} الملك بـ (ألـ) التً تفٌد اإلختصاص أنه وحده الملك من له ملك السماوات واألرض‬ ‫ال إله إال هو { ْال َملِ ُ‬
‫من هو ملكنا إذا فهو هو وحده من له حق التصرؾ فٌنا‪ ،‬هو وحده من ٌجب أن نرؼب إلٌه‪ ،‬ونخاؾ منه؛‬
‫ألنه الملك القاهر علٌنا‪.‬‬
‫ثم تجد مُل َكه سبحانه وتعالى لٌس كمُلكِ اآلخرٌن من البشر م ُْلك هٌمنة‪ ،‬مُلك جبروت‪ ،‬ملك طؽٌان‪ ،‬أوامر‬
‫جافة‪ ،‬نواهً جافة ن ِّفذ ‪ ..‬ال تكرٌم فٌها وال كرامة معها‪ .‬أما هللا عز وجْ ل فإن ملكه كله قابم من منطلق أنه‬
‫رب العالمٌن‪ ،‬وهو رحٌم ورحمن بهم‪ ،‬نفس المعنى الذي جاء فً أول سورة الفاتحة‪ِ { :‬بسْ ِم َّ ِ‬
‫هللا الرَّ حْ َم ِن‬
‫ٌِم} (الفاتحة‪ )ٖ - ٔ:‬هو الذي ربوبٌته تقوم على أساس‬ ‫ٌِن‪ ،‬الرَّ حْ َم ِن الرَّ ح ِ‬ ‫ٌِم‪ْ ،‬ال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫ِّل َربِّ ْال َعالَم َ‬ ‫الرَّ ح ِ‬
‫رحمته‪ ،‬ربوبٌته لعباده هً مظهر من مظاهر مُلكه‪ ،‬وتدبٌر من تدبٌر شإون عباده الذٌن هو َملِ ُكهم‪.‬‬

‫{ ا ْلقُد ُ‬
‫وس } المُنَ َّزه ال ُم َع ّ‬
‫ظم‪ ،‬فؤنت عندما تكون منقطعا إلٌه‪ ،‬ملتجبا إلٌه تجهر بؤنه ربك‪ ،‬وأنه ملكك‪ ،‬وأنه‬
‫ّ‬
‫معظم‪،‬‬ ‫إلهك‪ ،‬وأنه ولٌّك‪ ،‬فإنه هو من هو فخر لك أن ٌكون إلهك‪ ،‬هو (ق ُّدوس)‪ ،‬هو من ّزه‪ ،‬هو طاهر‪ ،‬هو‬
‫أنت لم تلجا نفسك إلى طرؾ تستحً إذا ما أحد عرؾ أنه ولٌك أو أنه قدوتك أو أنه ربٌسك أو أنه ملكك‬
‫فتخزى‪ ،‬أما هللا فإنه من ٌشرفك أنه إلهك أنه ربك وملكك‪ ،‬من تتشرؾ بؤنك عبد له‪.‬‬
‫ولهذه القضٌة أهمٌتها فً السمو بالنفس حتى على مستوى القدوات من البشر الذٌن ٌختارهم هللا هم من‬
‫أولبك المنزهٌن المطهرٌن الكاملٌن فً أنفسهم‪ ،‬ممن ٌشرفنا أن نقتدي بهم‪.‬‬
‫هللا سبحانه وتعالى { ْالقُ ُّدوسُ } هو الذي تفتخر بعبودٌتك له‪ ،‬وتفخر بقربك منه‪ .‬ألٌس هناك فً هذه الدنٌا‬
‫من ٌفخر بؤنه مقرب من الربٌس أو مقرب من الملك؟ وٌرى لنفسه مكانة عظٌمة ٌتطاول بها علٌنا‪ ،‬أنه‬
‫شخص له كلمته عند الربٌس أو عند الملك أو عند ربٌس الوزراء أو عند الشٌخ فبلن‪ ،‬ألٌس هذا هو ما‬
‫نراه؟ ومن هم هإالء؟ من هم هإالء البشر الضعاؾ الناقصٌن القاصرٌن المساكٌن!‪.‬‬
‫فإذا كنا نجد من ٌفخر بقربه منهم‪ ،‬من ٌفخر بتولٌه لهم‪ ،‬من ٌفخر بطاعته إٌاهم‪ ،‬فلماذا نحن ال نفخر على‬
‫اآلخرٌن بؤننا نعمل لنكون مقربٌن إلى هللا؟! أن نبحث عن كٌؾ نحصل على ما فٌه مجد لنا‪ ،‬وعزة لنا‪،‬‬
‫نعزز عبلقتنا به‪ ،‬وأن نرسخ تولٌنا له؛ ألنه { ْالقُ ُّدوسُ }‪.‬‬
‫وفخر لنا هو أن نقرب من هللا‪ ،‬وأن ِّ‬

‫سل ُم ا ْل ُم ْإمِنُ } سبلم ألولٌابه‪ ،‬مإمن ألولٌابه‪ ،‬فكن من أولٌابه سٌرعاك وٌحٌطك بالسبلمة باألمن من‬
‫{ال َّ‬
‫الضبلل‪ ،‬من الذل فً هذه الدنٌا‪ ،‬وهو من سٌوصلك إلى دار السبلم فً اآلخرة‪ ،‬ألم ٌصؾ جنته بؤنها دار‬
‫السبلم فً اآلخرة؟‪.‬‬

‫‪٘9‬‬
‫{ا ْل ُم َه ٌْمِنُ } على كل شًء‪ ،‬هو المهٌمن على كل شًء‪ ،‬فكٌؾ تخاؾ‪ ،‬وكٌؾ ترهب ممن هم تحت‬
‫هٌمنته!!‪ .‬إذا كان ربٌس أمرٌكا هو من ٌهٌمن على بقٌة الزعماء‪ ،‬وهو َمن هو؟! ألٌس هو َمن هللا مهٌمن‬
‫علٌه؟‪ .‬فما هو إال ذرة من ذرات هذا الكون الذي ٌهٌمن هللا علٌه‪ .‬أنظر كٌؾ نتعامل نحن‪ :‬نخاؾ من‬
‫شخص هناك من هو مهٌمن علٌه شخص آخر‪ ،‬وهذا الشخص اآلخر هو مهٌمن علٌه شخص آخر‪ ،‬وهذا‬
‫الكبٌر فً األخٌر هناك من هو مهٌمن علٌه‪ ،‬هو هللا الواحد القهار‪ ،‬الذي ٌقول لنا فً كتابه {ه َُو َّ‬
‫هللا ُ} هو‬
‫هو‪.‬‬
‫عبارة (هو) هً تناجٌك فً كل لحظة وأنت تبحث عن أن تنصرف بذهنك إلى هذه الجهة أو إلى هذه‬
‫الجهة‪ ،‬تقول لك‪{ :‬ه َُو} وحده { َّ‬
‫هللا ُ}‪.‬‬
‫باإلمكان إذا كنت تبحث عن السبلم‪ ،‬تبحث عن األمن‪ ،‬كما هو حال العرب اآلن فً صراعهم مع أعداء‬
‫اإلسبلم والمسلمٌن ٌبحثون عن السبلم‪ ،‬وٌبحثون عن األمن‪ ،‬فلم ٌجدوا أمنا ولم ٌجدوا سبلما وإنما وجدوا‬
‫ذال وقهرا وإهانة‪ ،‬ودوسا باألقدام‪ .‬لماذا ال تعودون إلى هللا هو الذي سٌمنحكم السبلم‪ .‬ألٌست إسرابٌل هً‬
‫فً موقع سبلم بالنسبة للفلسطٌنٌٌن؛ ألنها هً المهٌمنة علٌهم؟ هل هً التً تخافهم أم هم الذٌن ٌخافونها؟‪.‬‬
‫نحن لو التجؤنا إلى هللا سبحانه وتعالى كلنا وتلك الحكومات التً تبحث‪ ،‬وأولبك الكبار الذٌن ٌبحثون عن‬
‫السبلم من أمرٌكا‪ ،‬وٌبحثون عن السبلم من روسٌا‪ٌ ،‬بحثون عن السبلم من بلدان أوروبا‪ ،‬بل ٌبحثون عن‬
‫السبلم من إسرابٌل نفسها‪ ،‬عودوا إلى هللا هو الذي سٌمنحكم القوة‪ٌ ،‬منحكم العزة فتكونوا أنتم المهٌمنٌن‬
‫على اآلخرٌن؛ ألنكم تمسكتم بالسبلم المإمن المهٌمن‪ ،‬وهناك من الذي ٌستطٌع أن ٌضركم؟‪ .‬من الذي‬
‫ٌستطٌع أن ٌإذٌكم؟ من الذي ٌمكنه أن ٌقهركم؟ أولٌس هذا هو السبلم؟‪.‬‬
‫السبلم ال ٌتحقق لك إال إذا كنت فً موقؾ عزة وقوة ومكانة‪ ،‬أما أن تؤتً تبحث عن السبلم وأنت تحت‪- ،‬‬
‫كما ٌصنع الفلسطٌنٌون‪ ،‬وكما ٌصنع العرب اآلن ‪ -‬فإنما هو استسبلم‪ ،‬هو استسبلم‪ ،‬وأنت فً الواقع تحت‬
‫رحمة عدوك‪ ،‬بإمكانه أن ٌضربك فً أي وقت‪ ،‬بإمكانه أن ٌختلق لك مشكلة ما مع أي بلد آخر فتدخل فً‬
‫حرب مع ذلك البلد كما رأٌنا‪.‬‬
‫هل ٌرٌد الناس سبلما بما تعنٌه الكلمة‪ ،‬وأمنا بما تعنٌه الكلمة؟ فلٌعودوا إلى السبلم المإمن المهٌمن‪َ ،‬منْ‬
‫كتابه مهٌمن على الكتب‪ ،‬ومن سٌجعلهم مهٌمنٌن على بقٌة األمم وحٌنها سٌحظون بالسبلم‪.‬‬
‫واإلسبلم هو دٌن السبلم‪ ،‬لكن دٌن السبلم بمعناه الصحٌح‪ ،‬ما معناه إقفال ملفات الحرب مع اآلخرٌن لٌس‬
‫هذا هو السبلم‪.‬؟ أن نقول‪ :‬انتهى األمر نلؽً الجهاد‪ ،‬ونلؽً الحروب لنعٌش مع اآلخرٌن فً سبلم‪ .‬هذا‬
‫هو ما حصل لنا نحن المسلمٌن‪ ،‬ما عمله كبارنا‪ ،‬ظلوا ٌلهثون وراء السبلم‪ ،‬وٌناشدون اآلخرٌن بؤننا نرٌد‬
‫السبلم وٌبحثون عن السبلم‪ ،‬بعد أن ألقوا آلة الحرب وألؽوا اسم (الجهاد)‪ ،‬فما الذي حصل؟ هل حصل‬
‫سبلم أم حصل دوس باألقدام؟‪ .‬وحصل استسبلم‪ .‬ألٌس هذا هو الذي حصل؟‪.‬‬
‫إفهم إسلمك الذي سٌحقق لك السلم‪ ،‬هو دٌن هللا السلم‪ ،‬لكن بمعنى آخر‪ ،‬متى ما سرت على نهج هذا‬
‫المشرع والهادي بهذا الدٌن ستكون قوٌاً‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الدٌن‪ ،‬متى ما تمسكت بهذا الدٌن‪ ،‬متى ما اعتصمت باهلل‬
‫س ْلم َوأَ ْن ُت ُم ْاألَ ْع َل ْونَ َو َّ‬
‫هللا ُ َم َع ُك ْم َولَنْ ٌَت َِر ُك ْم‬ ‫ستكون عزٌزاً‪ ،‬ستكون األعلى { َفل َت ِه ُنوا َو َتدْ ُعوا إِلَى ال َّ ِ‬
‫ٓ‪ٙ‬‬
‫أَ ْع َمالَ ُك ْم} (محمد‪ .)ٖ٘:‬ألم ٌستنكر علٌهم أن ٌدعوا إلى السِّلم وهم فً موقؾ ٌجب أن ٌكونوا هم األعلون؟‬
‫فكٌؾ تبحث عن السّلم مع اآلخرٌن وأنت من ٌجب أن تكون أنت من ٌحاول اآلخرون أن ٌبحثوا عن السِّلم‬
‫معك‪ ،‬فتقول لهم‪ :‬أدخلوا فً اإلسبلم لتحظوا بالسِّلم؛ لٌكون لكم ما لنا وعلٌكم ما علٌنا‪ .‬ألم ٌكن هذا ما‬
‫ٌعمله الرسول (صلوات هللا علٌه وعلى آله) فً أٌام حروبه‪ ،‬عندما ٌخٌرهم بٌن واحدة من اثنتٌن‪ :‬إما‬
‫الشهادة بؤن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا‪ ،‬أو الحرب‪ .‬أنتم ترٌدون السبلم أدخلوا فً هذا اإلسبلم‬
‫لتحظوا بالسبلم‪ ،‬وإال فلٌس أمامكم إال السٌؾ‪ .‬حٌنها ٌصح أن نقول عن أنفسنا بؤننا قد حصلنا على السبلم‪،‬‬
‫شوِّ ه معناه‪ ،‬فؤصبح ٌعنً اآلن استسبلم لآلخرٌن‪.‬‬ ‫وحٌنها سنعرؾ معنى إسم كلمة إسبلم الذي ُ‬

‫ك ْالقُ ُّدوسُ السَّبل ُم ْالم ُْإمِنُ ْال ُم َه ٌْمِنُ } ألٌس فً هذه األسماء الحسنى ‪ -‬التً‬ ‫{ه َُو َّ‬
‫هللا ُ الَّذِي ال إِلَ َه إِ َّال ه َُو ْال َملِ ُ‬
‫تتحدث عن كمال هللا سبحانه وتعالى ‪ -‬ألٌس فٌها ما ٌصنع الثقة فً نفوس أولبك الذٌن ارْ َت َموا تحت أقدام‬
‫أمرٌكا وإسرابٌل؟ لماذا ٌعرضون عن هللا وهم من ٌعترفون وٌشهدون على أنفسهم بؤنهم مسلمون‪ ،‬وأنهم‬
‫مإمنون بهذا القرآن الكرٌم؟‪.‬‬
‫هذه هً التً ضربت المسلمٌن كباراً وصغاراً (عدم الثقة باهلل)‪ ،‬عدم الثقة باهلل حتى فٌنا نحن الصغار‬
‫نخاف من شخص هو مسكٌن بالنسبة لآلخرٌن هناك من هو مهٌمن علٌه‪ ،‬والذي هو مهٌمن علٌه‬
‫مسكٌن بالنسبة لذلك األمرٌكً الذي فً واشنطن الذي هو مهٌمن علٌه‪ ،‬والكل مساكٌن ومقهورٌن تحت‬
‫جبروت هللا وقهره‪.‬‬
‫اربط نفسك باهلل رأسا ً‪ ،‬تجاوز كل هذه األصنام فً هذه الدنٌا‪ ،‬وارتبط باهلل رأساً‪ ،‬وثق به‪ ،‬وهو من‬
‫سٌجعلك قوٌا ً أقوى مما ٌملكه هإالء من وسابل القوة فً هذه الدنٌا‪.‬‬

‫ار ا ْل ُم َت َك ِّب ُر}‬


‫ٌز ا ْل َج َّب ُ‬
‫هو أٌضا {ا ْل َع ِز ُ‬
‫ك ْالقُ ُّدوسُ السَّبل ُم ْالم ُْإمِنُ } ألٌست عبارات‬ ‫هللا ُ الَّذِي ال إِ َل َه إِ َّال ه َُو ْال َملِ ُ‬ ‫هللا فً الوقت الذي ٌقول لنا‪{ :‬ه َُو َّ‬
‫تبدو رقٌقة؟ ٌقول لك‪ :‬هو أٌضا فً نفس الوقت إذا ما وثقت به وأنت فً مٌدان المواجهة والصراع مع‬
‫أعدابك وأعدابه من ٌرٌدون ظلمك وقهرك واستذاللك هو { َع ِزٌز} ٌمكنك أن تمتنع به‪ ،‬هو ( َجبَّار‪ُ ،‬م َت َكبِّر)‬
‫ص ُد َ‬
‫ور‬ ‫هللاُ ِبؤ َ ٌْدٌِ ُك ْم َوٌ ُْخ ِز ِه ْم َو ٌَ ْنصُرْ ُك ْم َعلٌَ ِْه ْم َو ٌَ ْشؾِ ُ‬
‫سٌقهرهم‪ ،‬وسٌجعلك أنت من تقهرهم { َقا ِتلُو ُه ْم ٌُ َع ِّذ ْب ُه ُم َّ‬
‫ٌِن} (التوبة‪ )ٔٗ:‬ألم ٌقل هكذا؟‪.‬هو ٌقول‪ :‬سؤجعلكم جبارٌن على أعدابكم‪ ،‬ومتكبرٌن على‬ ‫َق ْوم م ُْإ ِمن َ‬
‫أعدابكم‪ ،‬فؤنت عندما تثق باهلل‪ ،‬ستثق بمن هو سلم لك وأ ْمن لك فً مقامات السلم معه‪ ،‬عزٌز جبار‬
‫متكبر سٌمنحك من عزته وجبروته وكبرٌابه ما تقهر به أعداءك وأعداءه‪ ،‬لٌس هناك نقص إطلقا ً فً‬
‫جانب هللا عندما تثق به وتلتجا إلٌه‪.‬‬
‫هللا فهو من ٌكون لك فً كل المواقؾ‪ ،‬ولك بؤكثر مما ٌمكن أن تدرك‪ ،‬سٌمؤل قلوب اآلخرٌن رعبا بالشكل‬
‫الذي ال ٌمكن أن تصنعه وسابل إعبلمك‪ ،‬وال ٌمكن أن تصنعه أٌضا آلٌتك العسكرٌة‪ .‬هو من نصر نبٌه‬
‫بالرُّ عب بمسافة شهر‪ ،‬وكم كان الجٌش الذي معه؟ هم أولبك الذٌن حُوصروا فً المدٌنة عدد قلٌل‪ ،‬ونصره‬

‫ٔ‪ٙ‬‬
‫هللا بالرعب‪ ،‬فكان بعض أعدابه من الٌهود ٌخربون بٌوتهم وٌقطعون نخٌلهم أحٌانا‪ ،‬وٌرحلون خوفا قبل‬
‫أن ٌجٌّش الجٌوش علٌهم‪ ،‬وقبل أن ٌحاول أنه ٌشعرهم بؤنه ٌرٌد أن ٌهاجمهم‪.‬‬
‫ش ِر ُكونَ } بعد هذه األسماء الحسنى ترى غرٌبا ً جداً جداً‬ ‫س ْب َحانَ َّ ِ‬
‫هللا َع َّما ٌُ ْ‬ ‫ار ا ْل ُم َت َك ِّب ُر ُ‬
‫{ا ْل َع ِزٌ ُز ا ْل َج َّب ُ‬
‫أولبك الذٌن ٌلتجبون إلى غٌر هللا سبحانه وتعالى ما أسوأ حالهم! ما أحط مكانتهم! وما أتعسهم!‪ .‬وما‬
‫أألمهم!‪ ،‬عندما ٌلتجبون إلى غٌر هللا‪ ،‬إلى صنم من األخشاب أو صنم من األحجار أو صنم من البشر؛‬
‫ألنهم ٌخافونه‪ ،‬وٌرجون منه أشٌاء‪ ،‬وهللا قال لهم فً هذه اآلٌات هو‪ ،‬هو كذا‪ ،‬كذا ‪ ..‬إلى آخره ‪ ..‬من‬
‫ٌمكن أن ترجوه‪ ،‬من ٌمكن أن تعتمدوا علٌه‪ ،‬من ٌجب أن تخافوه‪.‬‬
‫وألنه لٌس هناك فً هذا العالم‪ ،‬لٌس هناك فً الوجود من ٌمكن أن ٌكون متصفا بكمال هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وال بجزء من كمال هللا سبحانه وتعالى ‪ -‬إن صح التعبٌر ‪ -‬من الظلم ألنفسنا ومن اإلساءة إلى هللا‬
‫ك ْالقُ ُّدوسُ السَّبل ُم ْالم ُْإمِنُ ْال ُم َه ٌْمِنُ ْال َع ِزٌ ُز ْال َجبَّا ُر ْال ُم َت َك ِّب ُر} من اإلساءة البالؽة إلٌه أن‬
‫ربنا الذي هو { ْال َم ِل ُ‬
‫نجعل له شركاء فنمنحهم والءنا‪ ،‬ومنهم نخاؾ‪ ،‬وإلٌهم نرؼب‪.‬‬

‫ش ِر ُكونَ } تنزٌه ِّل عن أن ٌكون له شرٌك‪ ،‬تنزٌه ِّل وتقدٌس له عن أن ٌكون له‬ ‫س ْب َحانَ َّ ِ‬
‫هللا َع َّما ٌُ ْ‬ ‫{ ُ‬
‫ون}‪.‬‬ ‫ان َّ ِ‬
‫هللا َعمَّا ٌُ ْش ِر ُك َ‬ ‫شرٌك فً ملكه‪ ،‬شرٌك فً كماله { ُسب َْح َ‬

‫ت َو ْاألَ ْر ِ‬ ‫ص ِّو ُر لَ ُه ْاألَ ْس َما ُء ا ْل ُح ْس َنى ٌُ َ‬


‫س ِّب ُح لَ ُه َما فًِ ال َّ‬ ‫ئ ا ْل ُم َ‬ ‫َّ‬
‫ض‬ ‫س َم َاوا ِ‬ ‫{ه َُو هللاُ ا ْل َخال ُِق ا ْل َب ِ‬
‫ار ُ‬
‫هللا ُ ْال َخال ُِق} هو من قال لبنً إسرابٌل‪ُ { :‬ث َّم َرد َْد َنا لَ ُك ُم ْال َكرَّ َة‬ ‫َوه َُو ا ْل َع ِزٌ ُز ا ْل َحكٌِ ُم} (الحشر‪{ )ٕٗ:‬ه َُو َّ‬
‫ٌِن َو َج َع ْل َنا ُك ْم أَ ْك َث َر َنفٌِرا} (اإلسراء‪ )ٙ:‬فعندما ٌقول الناس‪ :‬نحن قلٌل اآلخرون‬ ‫َعلٌَ ِْه ْم َوأَ ْمد َْد َنا ُك ْم ِبؤَمْ َوال َو َبن َ‬
‫قد ٌستذلونا‪ ،‬قد ٌُقتل منا كذا‪ ،‬ونصبح قلٌل ال نستطٌع أن نعمل شٌبا‪ .‬هللا هو الخالق‪ ،‬هو الذي ٌستطٌع أن‬
‫ان َؼ َّفارا ٌُرْ سِ ِل ال َّس َما َء َعلَ ٌْ ُك ْم‬
‫ت اسْ َت ْؽ ِفرُوا َر َّب ُك ْم إِ َّن ُه َك َ‬‫ٌمدكم بؤموال وبنٌن‪ ،‬ألم ٌقل نوح لقومه هكذا؟ { َفقُ ْل ُ‬
‫ٌِن} (نوح‪ )ٕٔ - ٔٓ:‬إذا ما قتل ابنً هذا وابنً هذا هو من سٌمدنً بؤبناء‬ ‫م ِْد َرارا َو ٌُ ْمد ِْد ُك ْم ِبؤَمْ َوال َو َبن َ‬
‫ٌِن َو ٌَجْ َع ْل لَ ُك ْم َج َّنات َو ٌَجْ َع ْل لَ ُك ْم أَ ْن َهارا}‪.‬‬
‫آخرٌن { ٌُ ْمد ِْد ُك ْم ِبؤَمْ َوال َو َبن َ‬
‫ارئ} تشبه معنى كلمة { َخالِق} فٌما تعنٌه أٌضا من اإلبداع أو أنه فاطر ما‬
‫هو الخالق‪ ،‬هو البارئ‪ ،‬كلمة { َب ِ‬
‫خلقه‪.‬‬
‫ئ ْال ُم َ‬
‫صوِّ ُر} أن ٌخلق الشًء على نحو معٌن‪ ،‬على كٌفٌة معٌنة وٌقال الذي برأ ال ّن َس َمة‪ ،‬كما كان فً‬ ‫{ ْال َب ِ‬
‫ار ُ‬
‫َق َسم اإلمام علً (والذي فلق الحبّة وبرأ ال ّن َسمة) خلقها على كٌفٌة معٌنة‪ ،‬فطرها هو وابتدعها هو بدون‬
‫مثال سابق‪.‬‬
‫{لَ ُه ْاألَسْ َما ُء ْالحُسْ َنى} فهنا ذكر لنا مجموعة من أسمابه الحسنى‪ ،‬التً تعنً ماذا؟ تعنً كماال بالنسبة ِّل‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬لٌس مجرد أسماء ألفاظ ال تعنً شٌبا‪ .‬اآلن لو وضعنا لشخص منا خمسة أسماء هل ٌمكن‬
‫أن تزٌد فً معانٌه شٌبا فنسمٌه‪ :‬أحمد ومحمد وقاسم وصالح ومسفر وجابر‪ .‬هل لهذا زٌادة فٌه؟‪ .‬ال‪ .‬هل‬
‫تعطً هذه الكلمات معانً بالنسبة لك؟ ٌعنً شهادة بكمالك؟‪.‬‬
‫هللا هنا عرض لنا مجموعة من أسمابه الحسنى التً هً حدٌث عن كماله‪ ،‬كماله المطلق فً كل شًء‪،‬‬
‫(عالم الؽٌب والشهادة الرحمن الرحٌم الملك القدوس السبلم المإمن المهٌمن العزٌز الجبار المتكبر)‪.‬‬
‫ٕ‪ٙ‬‬
‫ثم قال لك أٌضا ً‪ :‬له األسماء الحسنى‪ُ ،‬عد إلٌها فً بقٌة اآلٌات والسور داخل القرآن الكرٌم وج ِّمعها‬
‫وستجد كم هً‪ .‬أشبه شًء بإحالة لنا إلى ما ذكره من أسمابه فً بقٌة السور واآلٌات األخرى‪ ،‬ارجع‬
‫إلٌها من هناك حكٌم‪ ،‬حلٌم سمٌع‪ ،‬بصٌر إلى آخر أسمابه الحسنى‪ ،‬تلك األسماء التً تشهد بكماله؛‬
‫لترى نفسك بؤنه ٌمكن لك‪ ،‬بل ٌجب علٌك‪ ،‬بل ال ٌجوز لك غٌر هذا هو أن تعتمد علٌه‪ ،‬وأن تثق به‪،‬‬
‫وأن تستشعر عظمته سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫استشعار عظمة هللا فً نفوسنا‪ ،‬أن تمؤل عظمته نفوسنا‪ ،‬قضٌة مهمة‪ ،‬قضٌة مهمة‪ ،‬وال شًء ٌمكن أن‬
‫ٌمنحنا هذا الشعور سوى القرآن الكرٌم فٌما ٌعرضه من أسماء هللا الحسنى‪ ،‬ومعانٌها‪ ،‬وما فٌها من‬
‫شهادة بكمال هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ٖ‪ٙ‬‬
‫معرفة هللا ‪ ---‬وعده و عٌده‬

‫الوعد و الوعٌد ٌبدأ من الدنٌا و ٌنتهً فً اآلخرة‬

‫ٗ‪ٙ‬‬
‫( الوعد و الوعٌد فً القرآن الكرٌم )‬

‫كل نفس لها ما كسبت وعلٌها ما اكتسبت‪ ،‬كل إنسان ٌصدر منه عمل { َف َمنْ ٌَعْ َم ْل م ِْث َقا َل َذرَّ ة َخٌْرا ٌَ َرهُ‬
‫َو َمنْ ٌَعْ َم ْل م ِْث َقا َل َذرَّ ة َش ّرا ٌَ َرهُ} (الزلزلة‪ 5‬ـ‪ )8‬آثار األعمال‪ ،‬آثار عملك كإنسان كفرد‪ ،‬آثار عمل األمة‪،‬‬
‫آثار عمل المجتمع أي مجتمع كان‪ ،‬عمل اإلنسان كإنسان‪ ،‬وعمل المجتمع كمجتمع‪ ،‬عمل األمة كؤمة كله‬
‫مرصود‪ ،‬وكله له آثاره هنا فً الدنٌا‪ ،‬له عواقبه هنا فً الدنٌا‪ ،‬كما له آثاره الطٌبة أو عواقبه الوخٌمة فً‬
‫اآلخرة أٌضا‪.‬‬

‫قصة أبٌنا آدم علٌه السلم‬


‫نحن نقرأ فً كتاب هللا الكرٌم‪ :‬قصة أبٌنا آدم ـ أول إنسان ـ أكل من شجرة نهاه هللا عنها‪ ،‬فلم ٌسلم من آثار‬
‫مخالفته لنهً هللا‪ ،‬أكل منها فشقً هو وزوجته‪ ،‬وأُخرجا من الجنة‪ ،‬و ُنزعت عنهما مبلبسهما‪ ،‬وقال هللا‬
‫لهما‪{ :‬أَلَ ْم أَ ْن َه ُك َما َعنْ ت ِْل ُك َما ال َّش َج َر ِة َوأَقُ ْل لَ ُك َما إِنَّ ال َّش ٌْ َط َ‬
‫ان لَ ُك َما َع ُدو م ُِبٌن} (األعراؾ‪ :‬من اآلٌةٕٕ) أكل‬
‫من شجرة نهاه هللا عنها فناله فً الدنٌا آثار مخالفته لنهً هللا‪ ،‬عمله ذلك الذي ٌبدو عمبل بسٌطا‪ ،‬فشقً‪.‬‬
‫تكررت هذه القصة فً القرآن الكرٌم كثٌرا‪ ،‬وٌقال أٌضا‪ :‬إنها تكررت فً كتب هللا القدٌمة أٌضا؛ ألن فٌها‬
‫عبرة مهمة‪ ،‬فٌها درس عظٌم لنا ـ نحن بنو آدم ـ أن نعرؾ أن كل أعمالنا هنا فً الدنٌا نحن ننال جزاءها‪،‬‬
‫أو نموذجا من جزاءها‪ ،‬ومن عواقبها الوخٌمة هنا فً الدنٌا قبل اآلخرة‪ ،‬وهذا هو الشًء الطبٌعً‪ ،‬وهو‬
‫الشًء الصحٌح‪.‬‬
‫هللا الذي خلق اإلنسان ٌعلم أن اإلنسان ٌحب و ٌخاف من العاجل أكثر مما ٌحب و ٌخاف من اآلجل‬
‫هللا الذي خلق اإلنسان وهو ٌعلم أن اإلنسان ٌخاؾ من العاجل أكثر مما ٌخاؾ من اآلجل‪ ،‬وٌحب العاجل‬
‫ُون ْاآلخ َِر َة} (القٌامة‪.)ٕٔ:‬من الطبٌعً‪ :‬أن هللا سبحانه‬
‫ُّون ْال َعا ِجلَ َة َو َت َذر َ‬
‫أكثر مما ٌحب اآلجل { َك َّبل َب ْل ُت ِحب َ‬
‫وتعالى الذي عمل كل شًء من أجل أن ٌدفع بهذا اإلنسان إلى صراطه المستقٌم‪ ،‬أن ٌجعل هنا فً الدنٌا‬
‫وعدا ووعٌدا‪.‬‬
‫إذا كان اإلنسان هو ممن ٌحب العاجلة فإن هللا أٌضا ٌعجل جزاء طٌبا ألعماله الصالحة هنا فً الدنٌا‪،‬‬
‫إضافة إلى ما وعده به فً اآلخرة من النعٌم والجزاء العظٌم‪ ،‬وهو أٌضا ٌنٌله عقوبة أعماله هنا فً الدنٌا؛‬
‫لٌخاؾ من المعصٌة‪ ،‬لٌخاؾ من التقصٌر‪ ،‬لٌخاؾ من التفرٌط‪ ،‬كما نال أبانا آدم عاقبة أكله من تلك‬
‫الشجرة‪.‬‬
‫أولٌست معصٌة تبدو بسٌطة؟ تاب علٌه فٌما ٌتعلق باإلثم‪ ،‬فٌما ٌتعلق بالجزاء األخروي‪ ،‬لكن كان ال بد أن‬
‫ٌنال جزاءه فٌما ٌتعلق باألثر لمعصٌته فً هذه الدنٌا؛ لٌفهم أبناإه‪ :‬أن كل معصٌة تصدر منهم سواء من‬
‫الفرد‪ ،‬أو معصٌة مجتمع‪ ،‬أو معصٌة أمة‪ ،‬المعاصً تختلؾ‪ :‬هناك معاصً ألفراد‪ ،‬ومعصٌة مجتمع‬
‫٘‪ٙ‬‬
‫بؤكمله‪ ،‬ومعصٌة أمة‪ .‬وٌقال‪ :‬أنه أٌضا هكذا ٌكون الحساب ٌوم القٌامة ٌحاسب الناس كؤفراد‪ ،‬ثم ٌحاسبون‬
‫كمجامٌع‪ ،‬وٌحاسبون كؤمم { ٌَ ْو َم َن ْدعُو ُك َّل أ ُ َناس ِبإِ َمام ِِه ْم} (اإلسراء‪ :‬من اآلٌةٔ‪ )5‬بقابدهم الذي كانوا‬
‫ٌعتزون إلٌه فً الدنٌا‪ٌ ،‬ا أتباع فبلن‪ٌ ،‬ا أصحاب فبلن‪.‬‬
‫تقصٌرنا فً فهمنا لقضٌة الوعد و الوعٌد هو ما جعلنا نجهل وضعٌتنا التً نحن فٌها‬
‫قضٌة مهمة جدا‪ :‬أن نعرؾ أن هناك وعدا ووعٌدا فً الدنٌا‪ ،‬إضافة إلى الوعد والوعٌد فً اآلخرة‪ ،‬وأن‬
‫جهلنا بهذه النقطة‪ ،‬جهلنا بؤن هناك وعٌدا على كل عمل نقترفه‪ ،‬على كل طاعة نقصر فٌها‪ ،‬على كل‬
‫واجب نفرط فٌه‪ ،‬على كل أمر إلهً ال نستجٌب له‪ ،‬أن هناك وعٌدا‪.‬‬
‫تقصٌرنا فً فهمنا لهذه القضٌة هو ما جعلنا نجهل وضعٌتنا التً نحن فٌها؛ لنعرف أن ما نحن فٌه هو‬
‫َث منا‪ ،‬لتفرٌط حصل منا فٌما ٌتعلق بؤوامر هللا سبحانه وتعالى‪َ ،‬ج ِه ْل َنا هذا حتى آل‬
‫عقوبة لتفرٌط َحد َ‬
‫األمر إلى أن أصبحنا نتعبد هللا سبحانه وتعالى بالبقاء على وضعٌة هً فً واقعها عقوبة! والعقوبة‬
‫أساسا ً هً للزدجار‪ ،‬لٌرتدع اإلنسان‪ ،‬لٌخاف‪.‬‬
‫فلماذا نظل فً حالة هً عقوبة على تفرٌطنا؟! ثم نقول ألنفسنا‪ :‬هكذا حال الدنٌا! الدنٌا هكذا ٌكون حالها‪،‬‬
‫ٌكون فٌها ببلوي مصابب‪ ،‬وأهل الحق ٌكونون هكذا مستضعفٌن‪ ،‬مستذلٌن‪ ،‬مساكٌن‪ ،‬وهكذا‪ .‬فنحمِّل‬
‫المسإولٌة هللا‪ ،‬أو نحمل المسإولٌة الدنٌا!‪.‬‬
‫بعض الجهلة ٌقولون‪ :‬هذا كله من هللا هكذا؛ ألنه ملك ٌعمل ما ٌرٌد‪ ،‬حسنا هل هذه عقوبة فلنفهمها إذا‬
‫كانت من هللا إذا فهً عقوبة؟ أو هً ماذا؟ أو كان هذا هو حال الدنٌا‪ ،‬هل أن الدنٌا بطبٌعتها هً تنتج هذه‬
‫األوضاع؟ أو أن الدنٌا هً مرتبطة باِّل؟ هللا هو الذي ٌدبر أمورها‪َ { ،‬وإِلَ ٌْ ِه ٌُرْ َج ُع ْاألَ ْم ُر ُكلُّ ُه} (هود‪ :‬من‬
‫اآلٌةٖٕٔ) فهل هو الذي طبع هذه الدنٌا على أن تكون على هذا النحو المزعج؟! أن ٌعٌش فٌها أولٌاإه‬
‫ُ‬
‫الحق الذي أراد أن‬ ‫أذالء مستضعفٌن أن ٌعٌش فٌها أولٌاإه مقهورٌن مؽلوبٌن على أمرهم‪ ،‬أن ٌعٌش فٌها‬
‫ٌحكم هو عبا َده فً هذه الدنٌا أن ٌعٌش فٌها ضابعا ؼاببا‪ ،‬وأن ٌكون الباطل هو الذي ٌسود وٌعانً الناس‬
‫األمرٌن من سٌادة الباطل وانتشار الفساد؟! هل هو الذي طبع الدنٌا على هذا النحو؟!‪ .‬حاشى ِّل‪.‬‬
‫هللا هو الذي خلق كل شًء على أجمل ما ٌمكن أن ٌكون {الَّذِي أَحْ َس َن ُك َّل َشًْ ء َخلَ َق ُه} (السجدة‪ :‬من‬
‫ًِ أَ ْق َو ُم} (اإلسراء‪ :‬من‬ ‫اآلٌة‪{ )5‬لِ ٌَ ْبل ُ َو ُك ْم أَ ٌُّ ُك ْم أَحْ َسنُ َع َمبل} (هود‪ :‬من اآلٌة‪{ )5‬إِنَّ َه َذا ْالقُرْ َ‬
‫آن ٌَ ْهدِي لِلَّتًِ ه َ‬
‫ث} (الزمر‪ :‬من اآلٌةٖٕ) كل عمل من جانب هللا كله أحسن‪ ،‬أحسن ‪ ...‬إلى‬ ‫هللا ُ َن َّز َل أَحْ َس َن ْال َحدٌِ ِ‬ ‫اآلٌة‪َّ { )9‬‬
‫آخره‪.‬‬
‫نسٌنا أن ننظر إلى واقعنا هل هو واقع خزي أم واقع عزة؟ ـ لو سؤلنا أنفسنا ـ ما هو؟ ألٌس واقع خزي؟‬
‫أن ٌتهددنا ربٌس أمرٌكا‪ٌ ،‬تهدد العالم اإلسبلمً بكله حكومات وشعوبا‪ ،‬أن ٌمتد تهدٌده إلى أن ٌصل إلى‬
‫حكام المسلمٌن فٌنطلقون هم ٌهددون المسلمٌن بتهدٌداته‪[ :‬توقفوا عن أن تقولوا كلمة تجرح مشاعر الٌهود‬
‫والنصارى‪.!].‬‬
‫إذا كان هذا هو واقع خزي فإن هللا ذكر الكثٌر فً القرآن الكرٌم‪ :‬أن ذلك إنما ٌحصل للعاصٌن‪ ،‬إنما‬
‫ٌحصل للمفرطٌن‪{ ،‬لَ ُه ْم فًِ ال ُّد ْن ٌَا خ ِْزي َولَ ُه ْم فًِ ْاآلخ َِر ِة َع َذاب َعظِ ٌم} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٗٔٔ) بل أصبحت‬
‫‪ٙٙ‬‬
‫المقاٌٌس معكوسة‪ ،‬والفهم مؽلوطا‪ :‬الناس الذٌن ٌنظرون إلى وضعٌتهم فً هذه الدنٌا وضعٌة شقاء‪،‬‬
‫وخزي‪ ،‬وذلة‪ ،‬بعد أن جعلوا أن هذا هو الشًء الذي طبعت به الدنٌا من قبل خالقها‪ ،‬أو من أي جهة كان‪:‬‬
‫أن هذه مرحلة مإقتة فلنصبر علٌها‪ ،‬وسنحصل على الرفعة‪ ،‬والعزة‪ ،‬والنعٌم‪ ،‬والمكانة العظٌمة فً الجنة‪،‬‬
‫فً اآلخرة!!‪.‬‬
‫مع أن هللا ٌربط فً القرآن الكرٌم‪{ :‬لَ ُه ْم فًِ ال ُّد ْن ٌَا خ ِْزي َولَ ُه ْم فًِ ْاآلخ َِر ِة َع َذاب عَظِ ٌم} تكررت أكثر من‬
‫مرة ٌتحدث عن العقوبات فً الدنٌا‪ ،‬وٌتحدث عن الوضعٌة السٌبة فً الدنٌا أنها تنذر بمثلٌها وأعظم منها‬
‫فً اآلخرة‪ ،‬فمن أٌن جاء لنا نحن هذا؟‪.‬‬
‫أو عندما نرى أنفسنا تحت أقدام الٌهود والنصارى‪ :‬أن الصبر على ذلك هو نفسه الوسٌلة ألن نحظى‬
‫بالعزة والرفعة فً اآلخرة؟ ‪ ..‬ال ‪ ..‬بل أقرب ما ٌمكن أن ٌكون األمر هو‪ :‬أن هللا ربط بٌن الشقاء فً‬
‫الدنٌا والشقاء فً اآلخرة‪ ،‬فإذا كنت شقٌا فً الدنٌا فاحذر أنك قد تكون شقٌا فعبل فً اآلخرة‪ ،‬إذا كانت هذه‬
‫األمة تعٌش ذلٌلة‪ ،‬مقهورة مهزومة‪ ،‬تعٌش فً حالة خزي فً الدنٌا‪ ،‬فلتحذر أن ذلك ٌنذر بؤن وراء ذلك‬
‫عذابا عظٌما فً اآلخرة {لَ ُه ْم فًِ ال ُّد ْن ٌَا خ ِْزي َولَ ُه ْم فًِ ْاآلخ َِر ِة َع َذاب َعظِ ٌم}‪.‬‬

‫ض ُك ْم لِ َبعْ ض َع ُدو َفإِمَّا ٌَؤْ ِت ٌَ َّن ُك ْم ِم ِّنً هُدى َف َم ِن ا َّت َب َع ُه َد َ‬


‫اي َفبل ٌَضِ ُّل َوال ٌَ ْش َقى}‬ ‫{ َقا َل اهْ ِب َطا ِم ْن َها َجمٌِعا َبعْ ُ‬
‫ض ْنكا} (طه‪ :‬من اآلٌةٕٗٔ) ثم ماذا؟‬ ‫ض َعنْ ِذ ْك ِري َفإِنَّ لَ ُه َمعٌِ َشة َ‬ ‫(طه‪ )ٕٖٔ:‬الحظوا الربط‪َ { :‬و َمنْ أَعْ َر َ‬
‫ثم ندخله ٌوم القٌامة الجنة؟! ربط بٌن الشقاء فً الدنٌا‪ ،‬بٌن ضنك المعٌشة وبٌن الشقاء فً اآلخرة { َفإِنَّ لَ ُه‬
‫ش ُرهُ ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة أَعْ َمى} (طه‪ :‬من اآلٌةٕٗٔ)‪.‬‬ ‫ض ْنكا َو َنحْ ُ‬ ‫َمعٌِ َشة َ‬
‫الفرق بٌن االبتلء و العقوبة وبٌن الصبر العملً االٌجابً و الصبر السلبً‬
‫من أٌن جاء هذا الفهم لكثٌر من الناس ومن المرشدٌن‪ ،‬لكثٌر من علمابنا أٌضا؟ أن ننتظر بعد الخزي فً‬
‫الدنٌا‪ ،‬بعد الذل فً الدنٌا‪ ،‬بعد الشقاء فً الدنٌا‪ ،‬وهو شقاء لٌس فً إطار عمله فً سبٌل هللا‪ ،‬بل ال ٌسمى‬
‫ذلك شقاء اذا كان فً سبٌل هللا ؛ أما عناء لٌس فً مجال عمله فً سبٌل هللا له‪ ،‬وفً مٌادٌن العمل ِّل‪،‬‬
‫خزي وذل وشقاء‪ ،‬ومعٌشة ضنكا‪ ،‬هكذا بدون مقابل فً الدنٌا‪ ،‬ال من أجل جهد بذلناه فً سبٌل هللا‪ ،‬وال‬
‫من أجل مواقؾ عظٌمة وقفناها ضد أعداء هللا‪.‬‬
‫بل ال ٌحصل وأنت تقؾ المواقؾ ضد أعداء هللا‪ ،‬ال ٌحصل ضدك ما تعتبره خزٌا وإن كان ـ من وجهة‬
‫نظر اآلخرٌن ـ إذالال لك‪ ،‬وخزٌا لك‪ ،‬وأنت تعانً من أجل الحق فهذا لٌس خزٌا‪ ،‬أنت من ٌنظر إلٌك‬
‫أعداإك حتى وأنت فً زنازٌنهم فً السجون ٌنظرون إلٌك كبٌرا‪ ،‬وعظٌما وقوٌا‪ ،‬وتكون كذلك عند نفسك‬
‫قوٌا‪ ،‬وعظٌما‪ ،‬وكبٌرا‪ .‬لٌس هذا‪.‬‬
‫الشقاء الذي نحن فٌه‪ ،‬الخزي الذي نحن علٌه كمسلمٌن‪ ،‬المعٌشة الضنكا التً نحن نعانً منها مقابل ماذا‬
‫ض ْنكا}‪.‬‬
‫هً؟ هل هناك شًء؟ إنها هً التً تؤتً لمن أعرض عن ذكر هللا { َفإِنَّ لَ ُه َمعٌِ َشة َ‬
‫فلماذا ٌؤتً الكثٌر فٌقولون‪[ :‬إن شاء هللا بعد هذه الحٌاة نصٌر إلى الجنة‪ ،‬هذه دنٌا نصبر على هذه الحالة‬
‫وهً أٌاما وتنتهً ثم ندخل الجنة]؟ لماذا ال تتؤملون الربط الخطٌر جدا بٌن الشقاء فً الدنٌا وبٌن الشقاء‬
‫ش ُرهُ ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة أَعْ َمى َقا َل َربِّ لِ َم َح َشرْ َتنًِ أَعْ َمى َو َق ْد ُك ْن ُ‬
‫ت بَصِ ٌرا‬ ‫ض ْنكا َو َنحْ ُ‬
‫فً اآلخرة؟ { َفإِنَّ لَ ُه َم ِعٌ َشة َ‬
‫‪ٙ5‬‬
‫ك} (طه‪ :‬من اآلٌة‪ )ٕٔ5‬أي‪ :‬وهكذا‬ ‫ك ْال ٌَ ْو َم ُت ْن َسى} (طه‪َ { .)ٕٔٙ:‬و َك َذلِ َ‬ ‫ك أَ َت ْت َ‬
‫ك آ ٌَا ُت َنا َف َنسِ ٌ َت َها َو َك َذلِ َ‬ ‫َقا َل َك َذلِ َ‬
‫ت َر ِّب ِه} (طه‪ :‬من اآلٌة‪ .)ٕٔ5‬شقاء فً الدنٌا‪ ،‬وعمى‪ ،‬وعذابا‪،‬‬ ‫ؾ َولَ ْم ٌ ُْإمِنْ ِبآٌا ِ‬ ‫ٌكون { َنجْ ِزي َمنْ أَسْ َر َ‬
‫وخزٌا فً اآلخرة‪.‬‬
‫تكرر فً آٌات كثٌرة فً القرآن الكرٌم‪ ،‬الحدٌث عن الوعٌد ٌبدأ من الدنٌا وٌنتهً فً اآلخرة‪ٌ ،‬كون هنا‬
‫فً الدنٌا بؤشكال متعددة‪ ،‬عقوبات تؤتً بؤشكال متعددة منها ما هً عقوبات معنوٌة‪ ،‬ومنها ما هً عقوبات‬
‫مادٌة‪ ،‬ومنها ما هً آالم نفسٌة‪ ،‬ومنها ما ٌتمثل بقسوة فً القلوب‪ ،‬لها أشكالها الكثٌرة‪.‬‬
‫أنواع العذاب فً الدنٌا له أشكاله الكثٌرة تعرض له القرآن الكرٌم لٌخوفنا بها‪ .‬من الذي فهمنا هذا الفهم‬
‫المؽلوط‪ :‬أن الدنٌا طبعت على هذا النحو‪ ،‬والمإمن هو من ٌرضى بالحالة التً هو علٌها‪ ،‬والتً الدنٌا‬
‫علٌها؟! فكلما ازداد الوضع سوءا كلما رأى نفسه أقرب إلى هللا‪ ،‬وكلما رأى نفسه أقرب إلى الجنة!‪ .‬من‬
‫ض ْنكا‬ ‫أٌن جاء هذا الفهم؟ أولٌس الربط واضحا فً هذه اآلٌة‪َ { :‬و َمنْ أَعْ َر َ‬
‫ض َعنْ ِذ ْك ِري َفإِنَّ لَ ُه َمعٌِ َشة َ‬
‫ش ُرهُ ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة أَعْ َمى} الربط واضح‪.‬‬
‫َو َنحْ ُ‬

‫القرآن الكرٌم ٌربط بٌن الوعد فً الدنٌا والوعد فً اآلخرة و الوعٌد فً الدنٌا ٌتبعه وعٌد فً اآلخرة‬

‫أمثلة قرآنٌة‬

‫وألهمٌة هذا الموضوع‪ ،‬ولنفهم المسؤلة فهما صحٌحا ـ إن شاء هللا ـ نحاول أن نستعرض الكثٌر من آٌات‬
‫القرآن الكرٌم التً تدل على‪ :‬أن اإلنسان هنا ٌلقى جزاء أعماله‪ٌ ،‬نال جزءا من العقوبات على أعماله فً‬
‫هذه الدنٌا ومن أول معصٌة حصلت‪.‬‬
‫تابع قصة آدم علٌه السلم‬
‫الحظوا من أول حادث وقع مخالفة ألمر هللا من جانب بنً آدم والذي كان على ٌد أبٌنا آدم حٌن أكل من‬
‫الشجرة ألم ٌشق؟ شقً فعبل‪ ،‬لكننا نقرأ هذه اآلٌة‪ ،‬ونقرأ [قصة آدم] ونمر علٌها‪ ،‬وإذا ما جاء أحد‬
‫المفسرٌن كان همه هو أن ٌبحث عن كٌؾ ٌخرج من هذه القصة دون أن ٌلحق آدم إثم‪ٌ ،‬حاول أن ٌحافظ‬
‫على آدم أن ال ٌلحقه إثم فمعصٌته حصلت على جهة التؤوٌل‪ ،‬أو أنه كان ناسٌا‪ ،‬أو ربما أنه نهً عن جنس‬
‫الشجرة‪ ،‬ولم ٌنه عن شجرة بعٌنها مخصصة!‪.‬‬
‫ولكن هللا قال فً القرآن الكرٌم‪َ { :‬وال َت ْق َر َبا َهذِه ـ هذه ـ ال َّش َج َر َة} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٖ٘) نهاهما عن أكل‬
‫شجرة معٌنة‪ ،‬وحذرهما من الشٌطان أنه عدو لهما‪ ،‬وأنه سٌعمل على أن ٌحملهما على األكل من هذه‬
‫الشجرة فلٌكونا متٌقظٌن‪ .‬جاء إبلٌس { َفد ََّال ُه َما ِب ُؽرُور} (األعراؾ‪ :‬من اآلٌةٕٕ) زٌّن لهما المسؤلة حتى‬

‫‪ٙ8‬‬
‫ان َعلٌَ ِْه َما مِنْ َو َر ِق ْال َج َّن ِة} (األعراؾ‪ :‬من‬
‫َت لَ ُه َما َس ْوآ ُت ُه َما َو َط ِف َقا ٌَ ْخصِ َف ِ‬
‫أكبل منها { َفلَمَّا َذا َقا ال َّش َج َر َة َبد ْ‬
‫اآلٌةٕٕ)‪.‬‬
‫لم ٌتعقل بعض المفسرٌن قضٌة { ٌَ ْن ِز ُع َع ْن ُه َما لِ َبا َس ُه َما} (األعراؾ‪ :‬من اآلٌة‪ )ٕ5‬أنه فعبل مبلبسهما نزعت‬
‫منهما‪ٌ ،‬خرج من الجنة وال ٌحمل حتى خٌط‪ٌ ،‬خرج من ذلك النعٌم‪ ،‬من الجنة فً الدنٌا هنا ولٌس جنة‬
‫اآلخرة‪ ،‬جنة فً الدنٌا كانت قد أعدت لهما لٌقٌما فٌها ولٌؤكبل فٌها رؼدا من حٌث شاءا ـ كما قال هللا ـ‪،‬‬
‫ط ِردا من الجنة‪،‬‬‫وفٌها ما ٌحتاجون إلٌه‪ ،‬فٌها مبلبسهما‪ ،‬فٌها كل شًء‪ ،‬حتى إذا أكبل من تلك الشجرة ُ‬
‫وخرجا إلى الحٌاة لٌسٌرا فً الحٌاة هذه فً الحصول على معٌشتهما على النحو الذي نحن نعمله‪ :‬زراعة‪،‬‬
‫وحراثة‪ ،‬وأعمال كثٌرة حتى ٌحصل على قوته‪ ،‬ونزعت عنهما مبلبسهما‪ ،‬حتى المبلبس ال تبقى لهما‬
‫ان َعلٌَ ِْه َما مِنْ َو َر ِق ْال َج َّن ِة} لٌسترا عورتٌهما ولو بالورق‪ .‬ألٌست هذه أول معصٌة؟ تحدث‬ ‫{ َو َط ِف َقا ٌَ ْخصِ َف ِ‬
‫نتٌجتها فً الدنٌا على من اقترفها أن ٌشقى‪ ،‬وأن تنزع عنه حتى مبلبسه فٌخرج من الجنة ‪ ..‬فشقً فعبل‪،‬‬
‫وتعب فً الحٌاة ‪ ..‬هذه أول معصٌة‪.‬‬
‫وتكررت فً القرآن الكرٌم؛ ألن فٌها عبرة مهمة‪ ،‬ودرسا مهما‪ ،‬كذلك تكرر فً القرآن الكرٌم آٌات كثٌرة‬
‫من هذا النوع التً تبٌن‪ :‬أن الناس ٌحصل لهم فً هذه الدنٌا عقوبات أعمالهم‪.‬‬

‫اء َو ْاألَ ْر ِ‬
‫ض َولَكِنْ َك َّذ ُبوا َفؤ َ َخ ْذ َنا ُه ْم ِب َما‬ ‫{ َولَ ْو أَنَّ أَهْ ل َ ا ْلقُ َرى آ َم ُنوا َوا َّت َق ْوا لَ َف َت ْح َنا َعلَ ٌْ ِه ْم َب َر َكات مِنَ ال َّ‬
‫س َم ِ‬
‫َكا ُنوا ٌَ ْكسِ ُبونَ (‪ )66‬االعراف‬
‫وهكذا عمل أٌضا فً جانب الهداٌة‪ ،‬فً جانب الترؼٌب‪َ { :‬و َل ْو أَنَّ أَهْ َل ْالقُ َرى آ َم ُنوا َوا َّت َق ْوا لَ َف َتحْ َنا َعلٌَ ِْه ْم‬
‫ض} (األعراؾ‪ :‬من اآلٌة‪ )9ٙ‬ألٌس كذلك؟ ماذا ٌعنً هذا؟ إٌمان وتقوى سٌكون‬ ‫َب َر َكات م َِن ال َّس َما ِء َو ْاألَرْ ِ‬
‫مما نناله فً هذه الدنٌا هو أشٌاء مما نحب‪ ،‬أشٌاء مما نرؼب إلٌه؛ ألننا نحب العاجلة فستكون هناك‬
‫أرزاق مبسوطة‪ٌ ،‬كون هناك رؼد من العٌش‪ ،‬وهذا هو ما ٌهم كل إنسان‪ :‬قضٌة العٌش‪ ،‬المعٌشة {لَ َف َتحْ َنا‬
‫ُون}‬ ‫ض} ألٌس هذا وعدا من هللا؟ { َولَكِنْ َك َّذبُوا َفؤ َ َخ ْذ َنا ُه ْم ِب َما َكا ُنوا ٌَ ْكسِ ب َ‬ ‫َعلٌَ ِْه ْم َب َر َكات م َِن ال َّس َما ِء َو ْاألَرْ ِ‬
‫(األعراؾ‪ :‬من اآلٌة‪ )9ٙ‬ما معنى‪{ :‬أخذناهم}؟ أن ٌحدث نقص فً البركات‪ .‬عبارة‪{ :‬أخذناهم} أخذ‪ ،‬أي‬
‫أخذ كان‪ :‬نقص فً البركات‪ ،‬أو خزي فً الدنٌا‪ ،‬أو ذلة‪ ،‬أو ‪ ..‬كم أنواع العقوبات من جانب هللا كثٌرة‬
‫جدا‪َ { .‬فؤ َ َخ ْذ َنا ُه ْم ِب َما َكا ُنوا ٌَ ْكسِ ب َ‬
‫ُون}‪.‬‬
‫ألسنا هنا فً الٌمن نسمع من قبل سنٌن‪ ،‬كانت مٌاه األودٌة تتدفق فً كل مكان‪ ،‬وكان الناس ال ٌرون‬
‫أنفسهم بحاجة إلى أن ٌحفروا خزانات‪ ،‬األمطار كل أسبوع‪ ،‬كل ثانً أسبوع‪ ،‬كل شهر‪ ،‬كل ثانً شهر‪،‬‬
‫وهكذا واألودٌة الماء ٌتدفق فٌها‪ ،‬ال أحد ٌحتاج إلى أن ٌسقً‪.‬‬
‫ما الذي حصل اآلن؟ الماء كاد أن ٌختفً كاد أن ٌؽور‪ ،‬حتى أمام أولبك الذٌن ٌحفرون مبات األمتار فً‬
‫عمق األرض ٌؽور الماء وٌختفً ما هذا؟ ما هذا؟ هل أن هناك أحواض؟ تحت صنعاء أو تحت صعدة‬
‫فٌها ماء‪ ،‬اإلرتوازات تؤخذ منها تكاد أن تنتهً؟ هللا هو الذي جعل فً األرض ٌوم دحاها‪ٌ ،‬وم هٌؤها‬
‫للمعٌشة {أَ ْخ َر َج ِم ْن َها َما َء َها َو َمرْ َعا َها} (النازعات‪ )ٖٔ:‬هو هو من قال‪َ { :‬فؤ َ َخ ْذ َنا ُه ْم ِب َما َكا ُنوا ٌَ ْكسِ ب َ‬
‫ُون}‬

‫‪ٙ9‬‬
‫أخذناهم بما كانوا ٌكسبون‪ ،‬أخذناهم فً [صنعاء]‪ ،‬أخذناهم فً [عدن]‪ ،‬أخذناهم فً [تعز]‪ ،‬أخذناهم فً‬
‫مناطق أخرى‪ ،‬أخذناهم فً محافظات أخرى‪ ،‬ألٌس هذا هو ما نشاهده؟‪.‬‬
‫{قُ ْل أَ َرأَ ٌْ ُت ْم إِنْ أَصْ َب َح َماإُ ُك ْم َؼ ْورا َف َمنْ ٌَؤْتٌِ ُك ْم ِب َماء َمعٌِن} (الملك‪ )ٖٓ:‬وٌؤتً اآلخرون لٌحللوا لنا األشٌاء‬
‫سواء كانت صحٌحة أو ؼٌر صحٌحة تحلٌبلت ال تذكرنا بالعودة إلى هللا‪[ ،‬اقتصدوا فً استعمال الماء‪،‬‬
‫كاد الماء أن ٌنتهً‪ ،‬اقتصدوا فً استخدام الماء]‪.‬‬
‫فنفكر كٌؾ نقتصد فً استخدام الماء‪ .‬بل الماء هو الذي اقتصد من تلقاء نفسه‪ ،‬اقتصد هو من تلقاء نفسه‪،‬‬
‫لم نعد بحاجة إلى أن ننظم استهبلك استخدام المٌاه‪ ،‬الماء هو الذي فرض علٌنا وضعٌة معٌنة فخفض من‬
‫مستوى األشجار التً نزرعها‪ ،‬ومن مستوى المساحة التً نزرعها‪ ،‬بل خفض من مستوى عدد‬
‫المزارعٌن أٌضا فالكثٌر منهم هجروا مزارعهم وؼادروا وتركوا المضخات وتركوا اآلبار‪ ،‬وتركوا‬
‫األشجار حطاما‪.‬‬
‫{قُ ْل أَ َرأَ ٌْ ُت ْم إِنْ أَصْ َب َح َماإُ ُك ْم َؼ ْورا َف َمنْ ٌَؤْتٌِ ُك ْم ِب َماء َمعٌِن} هل أولبك الذٌن ٌتجهون لبناء سدود لنا هم من‬
‫سٌؤتون بماء معٌن؟ السدود على من تعتمد؟ ألٌست معتمدة على األمطار؟ واألمطار هً ممن؟ من الذي‬
‫ٌنزل من السماء ماء؟ هو هللا‪ .‬إذا السدود نفسها ستلحق باطن األرض فً جفاؾ المٌاة‪ ،‬فحٌنها ال من‬
‫باطن األرض وال من السماء { َفؤ َ َخ ْذ َنا ُه ْم ِب َما َكا ُنوا ٌَ ْكسِ ب َ‬
‫ُون} وكم كرر فً القرآن للناس أن ٌفهموا‪ :‬أن‬
‫معاناتهم فً الدنٌا هً بسبب إعراضهم عن ذكر هللا‪.‬‬
‫لكن ال حكوماتنا تذكرنا بهذا‪ ،‬وال كثٌر ممن ٌنطلقون إلرشادنا على منابرنا ٌذكروننا بهذا‪ ،‬وٌرسمون لنا‬
‫كٌفٌة العودة إلى هللا‪ ،‬أو متى ما انطلقوا لٌذكرونا بالعودة إلى هللا‪ ،‬بحثوا عن األشٌاء السهلة وتركوا‬
‫القضاٌا المهمة التً هً وراء كل مصٌبة‪ ،‬التً تقصٌرنا فٌها هً وراء كل مصٌبة نعانً منها‪ٌ ،‬وجهوننا‬
‫لؤلشٌاء البسٌطة التً ال تثٌر هذه السلطة وال تثٌر أولبك اآلخرٌن‪ ،‬وال تكلؾ هذا‪ ،‬وال تشق على هذا‪.‬‬
‫الربا إِنْ ُك ْن ُت ْم ُم ْإ ِمنٌِنَ َفإِنْ لَ ْم َت ْف َعلُوا َفؤْ َذ ُنوا ِب َح ْرب مِنَ َّ‬
‫هللاِ‬ ‫{ ٌَا أٌَ َها الَّذٌِنَ آ َم ُنوا ا َّتقُوا َّ َ‬
‫هللا َو َذ ُروا َما َبق ًَِ مِنَ ِّ‬
‫سولِ ِه} (البقرة‪ :‬من اآلٌة‪)256‬‬ ‫َو َر ُ‬
‫ٌِن َفإِنْ لَ ْم َت ْف َعلُوا َفؤْ َذ ُنوا‬ ‫ٌقول هللا تعالى‪ٌَ { :‬ا أَ ٌُّ َها الَّذ َ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا ا َّت ُقوا َّ َ‬
‫هللا َو َذرُوا َما َبق ًَِ م َِن الرِّ با إِنْ ُك ْن ُت ْم م ُْإ ِمن َ‬
‫هللا َو َرسُولِ ِه} (البقرة‪ :‬من اآلٌة‪ )ٕ59‬ماذا ٌعنً هذا؟ عقوبة فً الدنٌا ألٌس كذلك؟ بل حرب هللا‬ ‫ِب َحرْ ب م َِن َّ ِ‬
‫سبحانه وتعالى سٌتجه إلى طرؾ ٌحارب عباده إذا لم ٌدعوا الربا‪ ،‬إذا لم ٌذروا الربا‪.‬‬
‫ٌِن َفإِنْ لَ ْم َت ْف َعلُوا َفؤْ َذ ُنوا} بعباراتنا‪[ :‬الوجه من الوجه ابٌض ‪ ،‬إشعار‪،‬‬
‫{ َو َذرُوا َما َبق ًَِ م َِن الرِّ با إِنْ ُك ْن ُت ْم م ُْإ ِمن َ‬
‫نحٌطكم علما بؤننا سندخل فً حرب معكم]‪ .‬وحرب هللا إذا ما دخل فً حرب مع الناس له جنود السماوات‬
‫واألرض‪ٌ ،‬حاربك من كل جهة‪ ،‬من حٌث تشعر ومن حٌث ال تشعر‪ٌ ،‬حاربك فً نفسك‪ٌ ،‬حاربك فً‬
‫داخل أسرتك‪ٌ ،‬حاربك فً سٌارتك‪ٌ ،‬حاربك فً عملك‪ٌ ،‬حاربك فً مزرعتك‪ٌ ،‬حاربك داخل مصنعك‪،‬‬
‫ٌحاربك فً كل شًء‪ ،‬ألسنا نرى آثار الربا حتى فٌما ٌتعلق بالتصنٌع؟ ألم ٌهبط مستوى اإلنتاج‪ ،‬مستوى‬
‫الجودة؟ هبطت مستوى الجودة فً اإلنتاج فؤصبح ما فً أسواقنا منتجات مما نسمٌها تقلٌد‪ ،‬مما كان قد ال‬
‫ٌقبله اإلنسان قبل زمان وال بالمجان‪ ،‬ؼابت المنتجات الجٌدة‪ ،‬وتدنت مواصفات المصنوعات فً مختلؾ‬
‫المجاالت‪ ،‬والؽبلء أصبح منتشرا فً الدنٌا كلها‪ ،‬ؼبلء منتشر‪ ،‬لم ٌفهموا ما هً أسبابه؟‪.‬‬
‫ٓ‪5‬‬
‫فً [الٌابان] نفسه التً هً من الدول المصنعة الكبرى‪ٌ ،‬قال إن الؽبلء فً [طوكٌو] نفسها فً العاصمة‬
‫وصل ببعض البلدان الضعٌفة أو الصؽٌرة أنها لم تستطع أن تستؤجر ألنفسها سفارات داخل طوكٌو وإنما‬
‫خارج‪ ،‬ؼبلء شدٌد فً كل بقعة فً العالم‪ .‬وعندنا ألٌس هناك ؼبلء؟ وكل سنة ترتفع األسعار‪ .‬لماذا؟ من‬
‫أٌن جاء هذا؟ والمعٌشة تتدنى‪ ،‬ألم نر األشٌاء تصؽر؟ ألم تصؽر علب الحلٌب؟ تحول إلى قراطٌس‬
‫صؽٌرة‪ ،‬علب الشامبو كثٌر من المنتجات صؽرت‪ ،‬صؽرت ألٌس كذلك؟ والصابون بدأ فً قراطٌس‬
‫صؽٌرة وهكذا تصؽر‪ ،‬تصؽر ‪....‬‬
‫كان الناس زمان ٌؤخذون أكٌاس البر‪ ،‬من ٌؤخذ خمسة أكٌاس‪ ،‬عشرة أكٌاس دفعة واحدة‪ ،‬ألٌس كذلك؟ ثم‬
‫كٌسا واحدا رؼما عنا‪ ،‬ثم نصؾ كٌس‪ ،‬وكانوا ٌستحٌون من أن ٌؤخذوا نصؾ كٌس ألٌس كذلك قبل فترة؟‬
‫أصبح هو السابد نصؾ كٌس‪ ،‬ثم نزل أٌضا فؤصبح ربع كٌس‪ ،‬واآلن بدأ بٌع الدقٌق بالكٌلو‪ٌ ،‬شتري كل‬
‫وجبة لحالها ألسنا فً حرب؟ ألن كل المنتجات ٌمول شراإها بؤموال مدنسة بالربا‪.‬‬
‫وكما ٌقال بؤنه‪ :‬فً آخر الزمان ال تجد درهما حبلال‪ .‬فالنقود التً فً جٌوبنا من أٌن تؤتً؟ من البنوك‪،‬‬
‫البنوك هً من تتعامل بالربا‪ ،‬تتعامل فً الداخل وتتعامل فً الخارج بالربا‪ ،‬كل ما نؤكل مصبوغ بالربا‪،‬‬
‫كل النقود التً فً جٌوبنا مصبوؼة بالربا كٌؾ نعمل؟ ماذا نعمل؟‪.‬‬
‫تؤملوا جٌدا لنرى الحرب التً ٌشنها هللا على الناس؛ ألنهم استساؼوا الربا‪ ،‬المسلمون أنفسهم استساؼوا‬
‫الربا‪ ،‬وهذا من آثار عمل الٌهود‪ ،‬الٌهود بخبثهم‪ ،‬الٌهود هم المعروفون بالربا من مبات السنٌن‪ ،‬لكن‬
‫ون أَنْ‬ ‫ٌِن أُو ُتوا َنصِ ٌبا م َِن ْال ِك َتا ِ‬
‫ب ٌَ ْش َتر َ‬
‫ُون الضَّبللَ َة َوٌ ُِرٌ ُد َ‬ ‫بطرٌقتهم الخبٌثة باإلضبلل‪{ :‬أَلَ ْم َت َر إِلَى الَّذ َ‬
‫َتضِ لُّوا الس َِّبٌ َل} (النساء‪ )ٗٗ:‬لكن هكذا بطرٌقتهم الخبٌثة حتى ٌصبح الربا مستساؼا فً أوساط المسلمٌن‪،‬‬
‫ومستساؼا فً التعامل بٌن تجار المسلمٌن وفً بنوك أموال المسلمٌن‪ ،‬وٌصبح طبٌعٌا وال حتى االستنكار‬
‫الكثٌر من جانب علمابنا‪ ،‬من جانبنا كطبلب علم أٌضا‪ ،‬لم ٌعد هناك قضٌة تدفعنا على االهتمام أن‬
‫نستنكرها‪ ،‬والربا شدٌد جدا‪ ،‬الربا من أكبر الجرابم‪.‬‬
‫أولٌس شٌبا ً مرتبطا ً بالجانب االقتصادي؟ هذا مما ٌإكد أن اإلسلم ٌهتم جداً فٌما ٌتعلق بالمسلمٌن‬
‫بالجانب االقتصادي لعباد هللا‪ ،‬بالجانب االقتصادي للمسلمٌن‪.‬‬
‫الربا أضراره كثٌرة جدا‪ ،‬فً واقع الحٌاة بالنسبة للمسلمٌن ٌإدي إلى تفكٌك العبلقات فٌما بٌنهم‪.‬‬
‫الفرق بٌن النظام االقتصادي االسلمً و النظام االقتصادي الغربً‬
‫جاء اإلسبلم لٌقضً على الربا‪ ،‬وٌضع بدال عنه أجرا عظٌما على القرض‪ ،‬القرض المشروع الذي لست‬
‫ملزما فٌه بؤن تدفع فوابد إضافٌة‪ .‬رأس المال ترده‪ ،‬أقرضك مابة ألؾ تعٌد إلٌه مابة ألؾ‪ ،‬فجعل القرض‬
‫بمثابة صدقة كل ٌوم إلى أجله المحدد‪ ،‬ثم إذا أضفت أجبل لصاحبك باعتباره معسرا ٌعتبر بمثابة صدقتٌن‬
‫فً الٌوم الواحد عن كل ٌوم‪.‬‬
‫القرض جعل هللا علٌه أجرا كبٌرا لٌنطلق المإمن لمساعدة أخٌه‪ ،‬إلعطابه رأس مال لٌستطٌع أن ٌتحرك‬
‫فٌتجر أو ٌزرع‪ ،‬وهو ٌرى نفسه لٌس ملزما بؤكثر من رأس المال‪.‬‬

‫ٔ‪5‬‬
‫الفوابد تكفل هللا بها هو للمقرضٌن‪ ،‬لكن الربا قد ترى الفابدة نسبة بسٌطة ٘‪ %‬أو ٘‪ %ٕ.‬أو حتى ٔ‪%‬‬
‫فإذا بك ترى نفسك بعد سنٌن قد تصبح الفوابد نفسها أكثر من المبلػ‪ ،‬وترى نفسك مرهقا وأنت تعمل على‬
‫أن تتخلص من الفوابد اإلضافٌة‪ ،‬أما رأس المال فهو ذاك ما ٌزال قابما وما ٌزال ٌنتج ما ٌزال ٌحملك‬
‫إضافات كل سنة‪ ،‬كل سنة‪.‬‬
‫من الذي سٌحمل ودا أو ٌرى جمٌبل لذلك الشخص أو لذلك البنك الذي أقرضه على هذا النحو؟ من هو؟‬
‫ألست ستلعنه‪ ،‬وترى نفسك فً حالة أنه أرهقك بهذا التعامل لكن ذلك الذي ٌقرضك قرضا حسنا‪ ،‬قرضا ال‬
‫ربا فٌه سترى له الجمٌل‪ ،‬وترعى له الجمٌل‪ ،‬وتقدر له ما عمل وترتبط به‪ ،‬فٌكون ذلك من أهم الروابط‬
‫فٌما بٌن المسلمٌن وهم ٌعطفون على بعضهم بعض‪ ،‬أما الربا فإنه هو الذي ٌحطم العبلقات فٌما بٌن‬
‫المسلمٌن ناهٌك عما ٌإدي إلٌه من تكدٌس األموال فً فبة محدودة كما هو ظاهر‪ ،‬وتكدٌس األموال فً‬
‫فبة محدودة وهً هً من تستطٌع أن تتؽلب على كل شًء‪ ،‬ثم تتحكم فً الموقؾ والقرار السٌاسً لؤلمة‪.‬‬
‫الربا شدٌد حتى ورد فً الحدٌث ((لدرهم من ربا أعظم عند هللا من خمسة وثبلثٌن زنٌة‪ ،‬أهونها أن تزنً‬
‫بؤمك عند الكعبة)) درهم واحد من ربا‪ ،‬لماذا؟ ألن الجانب االقتصادي بالنسبة للمسلمٌن مهم فً أن‬
‫ٌستطٌعوا أن ٌقفوا فً مواجهة أعدابهم‪ ،‬فً أن ٌستطٌعوا أن ٌقوموا بواجبهم وبمسبولٌتهم أمام هللا من‬
‫العمل على إعبلء كلمته ونصر دٌنه‪ ،‬ونشر دٌنه فً األرض كلها‪.‬‬
‫اإلنسان إذا كانت معٌشته صعبة‪ ،‬المجتمع إذا كانت معٌشته قلقة ٌكاد هذا هو ما ٌصرفه حتى أن ٌرجع هو‬
‫نفسٌا إلى هللا‪ ،‬منشؽل بكٌؾ ٌوفر ألهله القوت‪ ،‬كٌؾ ٌوفر ألسرته حاجٌاتهم‪ ،‬وال ٌفكر بؤن ٌستمع إلى‬
‫مواعظ إلى أن ٌهتدي إلى أن ٌحضر إلى مجلس علم‪ ،‬أو ٌحضر إلى مدرسة ٌستفٌد منها‪ .‬بل تؤتً لتعظه‬
‫وذهنه مشؽول‪ ،‬ذهنه مشؽول‪ ،‬تؤتً األمة فً زمن كزماننا هذا فترى أعداءها ٌهددونها وترى الضربات‬
‫داخلها هنا وهناك ثم ننظر إلى أنفسنا فإذا بنا ال نستطٌع أن نقؾ على أقدامنا‪ ،‬الجانب االقتصادي لنا‬
‫منهار‪.‬‬
‫ألهمٌة المال فً بناء األمة‪ ،‬وفً أن تنطلق األمة فً مواجهة أعدابها وأن تنطلق األمة فً القٌام‬
‫بمسبولٌتها‪ ،‬وألثر الربا السًء فٌما ٌتعلق بهذا الجانب هللا قال‪ :‬إنه سٌحارب‪ .‬ألٌس هذا أقصى ما‬
‫ٌمكنك أن تصل إلٌه مع الطرف اآلخر الذي بٌنك وبٌنه خلف حول قضٌة ما؟ [إما أن تترك وإال فالوجه‬
‫ابٌض] ألٌست هذه العبارة هً آخر شًء؟ ٌدل على أن هذا الشًء مهم لدٌك‪ .‬هذه القضٌة ال أتسامح‬
‫فٌها أبداً‪ .‬هل ٌسمعها أصحاب البنوك؟ هل ٌسمعها التجار؟ هل ٌسمعها الناس جمٌعاً؟ هل ٌرون آثارها‬
‫فً أنفسهم وفً الحٌاة؟ آثار الحرب اإللهٌة؟ نحن نرى آثار الحرب اإللهٌة فً كل شًء‪.‬‬
‫{ َفؤْ َذ ُنوا} إٌذان أي‪ :‬إعبلم { ِب َحرْ ب م َِن َّ ِ‬
‫هللا َو َرسُولِ ِه} ألٌست المعٌشة كل عام تكون أصعب؟ والبركات كل‬
‫عام أقل؟ والنفوس كل عام أشد تباٌنا؟ والقلوب أشد اكتظاما وأشد ضٌقا؟ الصدور تضٌق‪ ،‬النفوس تتباٌن‪،‬‬
‫الحب] هذا نفسه الذي ال نحصل علٌه إال من الخارج نرى أنفسنا‬ ‫المعٌشة تشتد‪ ،‬والمنتجات تتدنى‪ ،‬و [ َ‬
‫نرى الكثٌر ال ٌستطٌع أن ٌشتري إال نصؾ كٌس‪ ،‬و هو كل ما ٌملك داخل البٌت‪ ،‬هل هناك احتٌاط من‬
‫الحبوب داخل البٌوت؟ ال‪ .‬بل وال كٌس واحد‪ ،‬نصؾ كٌس دقٌق‪ ،‬ثم ربع كٌس ثم سٌصل الناس إلى‬
‫الكٌلو‪ ،‬وقد بدأ البٌع بالكٌلو للدقٌق‪.‬‬

‫ٕ‪5‬‬
‫ثم أٌن البدابل؟ هل هناك فً أموالنا‪ ،‬هل هناك من محافظات أخرى داخل ببلدنا منتجات أخرى؟ نحن‬
‫أصبحنا نحارب حتى فً قوتنا ‪ ..‬من الذي أوصلنا إلى هذا؟ هم المرابون الذٌن ثقفهم الٌهود والذٌن‬
‫استساؼوا الربا على أٌدي الٌهود‪ .‬ونحن قلنا أكثر من مرة أنه هكذا ٌعمل الٌهود ٌضلونا من حٌث ال‬
‫نشعر‪ٌ ،‬ضربوننا من حٌث ال نشعر‪ٌ ،‬فسدوننا من حٌث ال نشعر‪ٌ ،‬دوسوننا بؤقدامهم ونحن ال نحس‬
‫بشًء‪ .‬هذا هو ما ٌحصل‪.‬‬
‫كٌؾ لو بعث رسول هللا (صلوات هللا علٌه وعلى آله) من جدٌد إلى هذه الحٌاة ورأى أمته هذه المنتشرة‬
‫فً متخلؾ بقاع العالم تؤكل ربا وتتعامل بالربا ‪ ..‬كٌؾ سٌكون شعوره أمام هذه األمة؟ سٌنظر هل ربما‬
‫أن القرآن ؼٌر موجود‪ ،‬ربما هم لم ٌطلعوا على آٌة كهذه‪ ،‬ثم ٌرى أن القرآن أٌضا ما ٌزال داخل بٌوت‬
‫أعضاء المجالس اإلدارٌة للبنوك‪ ،‬أو مجموعة من التجار أصحاب بنك ٌتعاملون بالربا‪ ،‬المصاحؾ داخل‬
‫بٌوتهم وهم من ٌبنون أٌضا حجرات خاصة للصبلة فً بعض البنوك‪ ،‬وفٌها مجموعة من المصاحؾ‬
‫داخل مبنى البنك! ٌحصل هذا فً بعض البنوك‪.‬‬
‫ٌِن َفإِنْ لَ ْم َت ْف َعلُوا َفؤْ َذ ُنوا‬ ‫أٌن نحن من آٌة‪ٌَ { :‬ا أَ ٌُّ َها الَّذ َ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا ا َّتقُوا َّ َ‬
‫هللا َو َذرُوا َما َبق ًَِ م َِن الرِّ با إِنْ ُك ْن ُت ْم م ُْإ ِمن َ‬
‫ُون} (البقرة‪ )ٕ59:‬وقد أصبح‬ ‫ُون َوال ُت ْظ َلم َ‬ ‫هللا َو َرسُولِ ِه َوإِنْ ُت ْب ُت ْم َفلَ ُك ْم ُرإُ وسُ أَمْ َوالِ ُك ْم ال َت ْظلِم َ‬
‫ِب َحرْ ب م َِن َّ ِ‬
‫الربا عندنا مستساؼا‪ .‬وأصبح شٌبا مؤلوفا لدٌنا ‪ ..‬هذا هو التروٌض من قبل الٌهود الذٌن ٌروضوننا شٌبا‪،‬‬
‫فشٌبا‪ ،‬فشٌبا إلى أن ٌصبح كل فساد من جانبهم مستساؼا‪ٌ ،‬ضربونا ضربة بعد ضربة‪ ،‬صؽٌرة‪ ،‬ثم أكبر‬
‫منها ثم أكبر ثم أكبر حتى تصبح الضربة القوٌة مقبولة ومستساؼة‪ ،‬خبثهم شدٌد‪.‬‬
‫ومن هنا نعرؾ‪ :‬كٌؾ أن اقتراؾ األمة لمعصٌة من هذا القبٌل كالربا أن األمة ستنال عقوبة من هللا على‬
‫ارتكابها‪ ،‬هذا هو وعٌد وجانب من الوعٌد فً الدنٌا‪.‬‬

‫ب َو َت ْكفُ ُرونَ ِب َب ْعض َف َما َج َزا ُء َمنْ ٌَ ْف َعل ُ َذلِ َك ِم ْن ُك ْم إِ َّال خ ِْزي فًِ ا ْل َح ٌَا ِة الد ْن ٌَا َو ٌَ ْو َم‬ ‫{أَ َف ُت ْإ ِم ُنونَ ِب َب ْع ِ‬
‫ض ا ْل ِك َتا ِ‬
‫هللا ُ ِب َغافِل َع َّما َت ْع َملُونَ } (البقرة‪ :‬من اآلٌة‪)55‬‬ ‫ب َو َما َّ‬ ‫ا ْلقِ ٌَا َم ِة ٌُ َردونَ إِلَى أَ َ‬
‫ش ِّد ا ْل َع َذا ِ‬

‫ُون ِب َبعْ ض َف َما َج َزا ُء َمنْ ٌَ ْف َع ُل َذلِ َ‬


‫ك ِم ْن ُك ْم إِ َّال‬ ‫ب َو َت ْكفُر َ‬‫ض ْال ِك َتا ِ‬ ‫ٌقول هللا سبحانه وتعالى أٌضا‪{ :‬أَ َف ُت ْإ ِم ُن َ‬
‫ون ِب َبعْ ِ‬
‫ون} (البقرة‪ :‬من‬ ‫هللا ُ ِب َؽافِل َعمَّا َتعْ َمل ُ َ‬ ‫ون إِلَى أَ َش ِّد ْال َع َذا ِ‬
‫ب َو َما َّ‬ ‫خ ِْزي فًِ ْال َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا َو ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة ٌ َُر ُّد َ‬
‫اآلٌة٘‪ )8‬ألم ٌذكر هنا وعٌدا فً الدنٌا وفً اآلخرة؟ ما بال المرشدٌن دابما ال ٌتحدثون عن الوعٌد فً‬
‫هللا ه َُو ْال ُهدَى} (البقرة‪ :‬من‬ ‫الدنٌا وهو جانب مهم فً تخوٌؾ اإلنسان من معصٌته جانب مهم {قُ ْل إِنَّ ُهدَى َّ ِ‬
‫اآلٌةٕٓٔ) أنت ذاهب ـ وأنت ترٌد أن تإثر فً نفسٌات الناس ـ على منهاج هدي هللا‪ ،‬تجد أن هللا ٌخوفهم‬
‫فً الدنٌا من عقوبات أعمالهم فخوفهم بها‪ ،‬واذكر لهم ماذا ستكون هذه العقوبات‪ ،‬وكٌؾ ستكون‪ ،‬وعلى‬
‫أي نحو ستكون؛ ألن الناس هكذا ٌخافون العاجلة أكثر مما ٌخافون اآلجل‪ ،‬فسٌدفعهم خوفهم من العاجل‬
‫إلى أن ال ٌقعوا فً العقوبة اآلجلة‪ ،‬ألٌس هذا من رحمة هللا؟ إذا خفنا عقوبات فً الدنٌا سٌدفعنا خوفنا من‬
‫العقوبات فً الدنٌا إلى أن نحذر من تلك المعاصً التً تإدي إلٌها وبالتالً سنسلم العقوبة الشدٌدة فً‬
‫اآلخرة وهً جهنم‪.‬‬

‫ٖ‪5‬‬
‫ِك ِم ْن ُك ْم} (البقرة‪ :‬من اآلٌة٘‪ٌ )8‬إمن ببعض من الكتاب وٌكفر ببعض‪ ،‬كما نحن‬ ‫{ َف َما َج َزا ُء َمنْ ٌَ ْف َع ُل َذل َ‬
‫المسلمون فً واقعنا علٌه‪ ،‬نؤخذ الصبلة من الكتاب ونترك الجهاد! نؤخذ الحج ونترك وحدة الكلمة! نؤخذ‬
‫جزءا بسٌطا من داخل القرآن الكرٌم ونترك الجزء األكبر! بل المجتهد هو همه من داخل القرآن خمسمابة‬
‫ض ْال ِك َتا ِ‬
‫ب‬ ‫آٌة على أكثر تقدٌر وٌترك اآلالؾ من اآلٌات األخرى لمجرد التعبد بتبلوتها!‪{ .‬أَ َف ُت ْإ ِم ُن َ‬
‫ون ِب َبعْ ِ‬
‫ك ِم ْن ُك ْم إِ َّال خ ِْزي فًِ ْال َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا} (البقرة‪ :‬من اآلٌة٘‪.)8‬‬
‫ُون ِب َبعْ ض َف َما َج َزا ُء َمنْ ٌَ ْف َع ُل َذلِ َ‬ ‫َو َت ْكفُر َ‬
‫ما معنى الكفر ببعض؟ وما نتٌجته ؟‬
‫حسنا كٌؾ هو الكفر ببعض؟ هل أن أهل الكتاب ٌقولون‪ :‬إن نصؾ التوراة من هللا‪ ،‬ونصفه اآلخر لٌس‬
‫منه؟ ال ‪ٌ ..‬قولون‪ :‬هً كلها من هللا‪ .‬ألٌس كذلك؟ نحن نقول أٌضا‪ :‬القرآن كله من هللا‪ ،‬ونحن فً واقعنا‬
‫نإمن ببعض ونكفر ببعض ‪ ..‬ماذا ٌعنً كفرنا بالبعض اآلخر؟ إنه رفضنا‪ ،‬رفضنا له‪ ،‬ابتعادنا عن‬
‫تطبٌقه‪ ،‬نسٌاننا حتى عن تصنٌفنا له بؤنه جزء من دٌننا‪ ،‬وأن علٌه تتوقؾ نجاتنا ‪ ..‬هكذا نصبح فً واقعنا‬
‫كافرٌن ببعض وإن لم نكن ننكر أن هذا البعض هو من هللا‪.‬‬
‫هللا َو َرسُولِ ِه} هً من هللا؟ هل أحد ٌنكرها؟‬ ‫من الذي ٌنكر أن هذه اآلٌة‪َ { :‬فإِنْ لَ ْم َت ْف َعلُوا َفؤْ َذ ُنوا ِب َحرْ ب م َِن َّ ِ‬
‫حتى وال المرابون أنفسهم ال ٌنكرونها‪ ،‬لكن ألٌسوا عندما ٌنطلقون فً التعامل بالربا كافرٌن ببعض‬
‫الكتاب‪ :‬رافضٌن‪ ،‬والرفض هو‪ :‬كفر‪ ،‬هكذا ٌقول عن العقوبة فً الدنٌا‪َ { :‬ف َما َج َزا ُء َمنْ ٌَ ْف َع ُل َذ ِل َ‬
‫ك ِم ْن ُك ْم إِ َّال‬
‫خ ِْزي فًِ ْال َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا}‪.‬‬
‫الخزي هل هو سهل؟ الخزي ٌجب أن ٌزعجنا كلمة‪{ :‬خزي} ٌجب أن ٌنزعج اإلنسان إذا ما سمع كلمة‬
‫خزي فً الدنٌا‪ ،‬أولٌس الناس قد ٌقاتل بعضهم بعض؛ ألن ذلك الشخص جاء على لسانه كلمة تمس‬
‫عرضه‪ ،‬أو ٌكون الكبلم الذي قاله فٌه أو نسبه إلٌه ٌعنً أن ٌنسب إلٌه مما ٌجعله ٌخزى فٌنفعل وٌؽضب‬
‫وٌقاتل‪.‬‬
‫الخزي شدٌد ‪ ..‬أولٌس واقع هذه األمة هو واقع خزي؟ من أٌن جاء هذا الخزي؟ هكذا؛ ألنه حصل إٌمان‬
‫ببعض الكتاب وكفر ببعض‪ ،‬والبعض الذي كفروا به‪ ،‬أو أصبحت األمة فً واقعها كافرة به هو الجزء‬
‫المهم واألكثر أهمٌة ‪..‬‬
‫ألٌست المساجد قد ملبت الدنٌا؟ مساجد والمصلون ٌملبونها أفواجا‪ ،‬حتى المرابون ٌصلون أٌضا؟ نحن‬
‫نصلً ونبنً مساجد ونحن نطبع القرآن الكرٌم‪ ،‬ونعمل أعماال أخرى لكن هناك أعماال نتركها هً المهمة‬
‫وهً المهمة التً ال تقبل الصبلة إال بها وال تعطً الصبلة ثمرتها إال معها وبالتوجه إلى أدابها‪ .‬فالخزي‬
‫الذي األمة فٌه ٌعنً ذلك أنه كان بسبب كفرهم ببعض الكتاب الذي تمثل بصورة رفض ألشٌاء مهمة‬
‫جاءت فً هذا القرآن لم نتجه إلٌها‪.‬‬
‫إذا فلٌس الخزي هو من الطبٌعة التً جبلت علٌها الدنٌا من ٌوم خلقها هللا‪ ،‬وإنما بسبب ما ٌحصل من‬
‫جانبنا نحن من تقصٌر فً أداء جوانب مهمة من هدي هللا‪ ،‬ورفضنا فً عملنا وفً واقعنا للعمل بؤشٌاء‬
‫كثٌرة مما تضمنتها آٌات هللا فً كتابه‪.‬‬

‫ٗ‪5‬‬
‫فإذا ما قٌمنا وضعٌتنا فوجدنا أن وضعٌة األمة هً فً حالة خزي ‪ ..‬من الذي ٌستطٌع أن ٌقول أن األمة‬
‫لٌست فً حالة خزي؟ اسمع التلفزٌون سترى كٌؾ مواقؾ الخزي‪ ،‬كٌؾ الكلمات المخزٌة تنطلق من‬
‫الكبار‪ ،‬وكٌؾ الوقوؾ المخزي ٌحصل ممن ٌجب علٌهم أن ٌتحركوا فً أوساط األمة؛ إلنقاذها‪ ،‬ولتبٌٌن‬
‫كتاب هللا لها انظر كٌؾ هً المواقؾ المخزٌة لؤلمة بشكل عام أمام التهدٌدات التً تؤتً من قبل أعدابها‪،‬‬
‫انظر كٌؾ السكوت المخزي أمام ما ٌحدث من ضربات فً كل جوانبها‪ ،‬وداخل كل بقعة‪ ،‬انظر كٌؾ‬
‫الحٌاة المخزٌة أن ٌصبح عٌشنا تحت رحمة أعدابنا‪ ،‬وقوتنا من تحت أٌدي أعدابنا ‪ ..‬ألٌس هذا خزٌا؟‪.‬‬
‫فهمنا الصحٌح لوضعٌة الخزي التً نحن فٌها سٌدفعنا ذلك إلى أن نصحح وضعٌتنا‬
‫إذا فهمنا أننا فً حالة خزي‪ ،‬وفهمنا أن الخزي إنما ٌؤتً إذا ما انطلقنا نحن على هذا النحو‪ :‬نإمن ببعض‬
‫الكتاب ونكفر ببعض‪ ،‬حٌنها سٌكون فهمنا لواقعنا وفهمنا بؤن هذه نتٌجة لتقصٌرنا سٌدفعنا ذلك إلى أن‬
‫نصحح وضعٌتنا ونرجع إلى هللا رجوعا عملٌا صحٌحا‪ ،‬لكن إذا فهمنا أن هكذا الدنٌا‪ ،‬وأن علٌنا أن نصبر‬
‫وإن كنا نعرؾ أن هذا خزي‪ ،‬هذا حال الدنٌا والمسلمون هكذا ٌكونون مستضعفٌن‪ ،‬وإذا قلنا نحن أهل‬
‫الحق وجدنا أنفسنا مستضعفٌن أكثر قالوا هذا هو الدلٌل على أننا على حق‪ ،‬أن أهل الحق هم ٌكونون عادة‬
‫مستضعفٌن أكثر‪ ،‬ومساكٌن‪ ،‬وأذالء‪ ،‬ومقهورٌن!! إذا فٌصبح الخزي عبلمة أنك محق ‪ ..‬ألٌس كذلك؟ كلما‬
‫كنت فً خزي أكبر كلما كان ذلك ٌعنً‪ :‬أنك على الحق أكثر وأكثر!‪.‬‬
‫ُون ِب َبعْ ض َف َما َج َزا ُء َمنْ ٌَ ْف َع ُل َذلِ َ‬
‫ك ِم ْن ُك ْم إِ َّال‬ ‫ض ْال ِك َتا ِ‬
‫ب َو َت ْكفُر َ‬ ‫لكنا هنا القرآن الكرٌم ٌقول‪{ :‬أَ َف ُت ْإ ِم ُن َ‬
‫ون ِب َبعْ ِ‬
‫خ ِْزي فًِ ْال َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا} ثم ٌؤتً الربط الذي تراه كثٌرا فً القرآن الكرٌم بٌن الحالتٌن‪ ،‬ال تتوقع بعد الخزي‬
‫فً الدنٌا رفعة فً اآلخرة‪ ،‬توقع بعد الخزي فً الدنٌا عذابا عظٌما فً اآلخرة نعوذ باِّل {خ ِْزي فًِ ْال َح ٌَا ِة‬
‫ون} (البقرة‪ :‬من اآلٌة٘‪ )8‬هكذا ٌجب أن‬ ‫ب َو َما َّ‬
‫هللا ُ ِب َؽافِل َعمَّا َتعْ َمل ُ َ‬ ‫ون إِلَى أَ َش ِّد ْال َع َذا ِ‬
‫ال ُّد ْن ٌَا َو ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة ٌ َُر ُّد َ‬
‫نفهم‪ ،‬وهكذا نرد على من ٌنطلق لٌعلمنا‪ :‬أن هكذا الحٌاة خزي وراءه رفعة فً اآلخرة‪ ،‬ؼٌر صحٌح‪.‬‬
‫القرآن فً أكثر من آٌة ٌربط على هذا النحو‪.‬‬

‫٘‪5‬‬
‫َّ‬ ‫ٌَا َق ْو ِم ادْ ُخلُوا ْاألَ ْر َ‬
‫س َة الَّتًِ َك َت َب هللاُ لَ ُك ْم َوال َت ْر َتدوا َعلَى أَدْ َب ِ‬
‫ار ُك ْم َف َت ْن َقلِ ُبوا‬ ‫ض ا ْل ُم َقدَّ َ‬
‫َخاسِ ِرٌنَ‬
‫وقفة مع بنً إسرابٌل‬
‫دروس مهمة و عبر كثٌرة‬

‫أ‪ .‬عقوبة التٌه هً نتٌجة التفرٌط و العصٌان‬


‫ثم ٌقول سبحانه وتعالى فً آٌة أخرى بعد أن طلب نبً هللا موسى من قومه أن ٌدخلوا القرٌة التً كتب هللا‬
‫هللا َعلَ ٌْ ُك ْم إِ ْذ َج َعل َ فٌِ ُك ْم أَ ْن ِب ٌَا َء َو َج َعلَ ُك ْم ُملُوكا ً‬‫وم ْاذ ُك ُروا ن ِْع َم َة َّ ِ‬‫لهم أن ٌدخلوها ـ القصة مهمة جدا ـ‪ٌَ { :‬ا َق ِ‬
‫هللا ُ لَ ُك ْم َوال َت ْر َتدوا َعلَى‬ ‫س َة الَّتًِ َك َت َب َّ‬ ‫ض ا ْل ُم َق َّد َ‬ ‫ت أَ َحداً مِنَ ا ْل َعالَمٌِنَ ٌَا َق ْو ِم ادْ ُخلُوا ْاألَ ْر َ‬
‫َوآ َتا ُك ْم َما لَ ْم ٌُ ْإ ِ‬
‫ارٌنَ َوإِ َّنا لَنْ َندْ ُخلَ َها َح َّتى ٌَ ْخ ُر ُجوا ِم ْن َها َفإِنْ‬ ‫سى إِنَّ فٌِ َها َق ْوما ً َج َّب ِ‬ ‫ار ُك ْم َف َت ْن َقلِ ُبوا َخاسِ ِرٌنَ َقالُوا ٌَا ُمو َ‬ ‫أَدْ َب ِ‬
‫اب َفإِ َذا‬
‫هللا ُ َع َلٌ ِه َما ادْ ُخلُوا َعلَ ٌْ ِه ُم ا ْل َب َ‬ ‫لن مِنَ الَّذٌِنَ ٌَ َخافُونَ أَ ْن َع َم َّ‬ ‫خلُونَ َقال َ َر ُج ِ‬ ‫ٌَ ْخ ُر ُجوا ِم ْن َها َفإِ َّنا دَا ِ‬
‫سى إِ َّنا لَنْ َندْ ُخلَ َها أَ َبداً َما دَا ُموا‬ ‫هللا َف َت َو َّكلُوا إِنْ ُك ْن ُت ْم ُم ْإ ِمنٌِنَ َقالُوا ٌَا ُمو َ‬ ‫َد َخ ْل ُت ُموهُ َفإِ َّن ُك ْم َغالِ ُبونَ َو َعلَى َّ ِ‬
‫فٌِ َها} (المابدة‪ :‬من اآلٌة‪ )24‬ألٌست هذه معصٌة؟ رفضوا! ما الذي حصل من عقوبة فً الدنٌا؟ { َف ْاذه ْ‬
‫َب‬
‫أَ ْن َت َو َرب َك َف َقاتِل إِ َّنا هَا ُه َنا َقا ِعدُونَ } (المابدة‪ :‬من اآلٌة‪َ { )24‬قال َ َفإِ َّن َها ُم َح َّر َمة َعلَ ٌْ ِه ْم} (المابدة‪ :‬من‬
‫س َن ًة ٌَتٌِ ُهونَ فًِ‬ ‫اآلٌة‪ )26‬بعد هذا جاء بالعقوبة علٌهم فً الدنٌا‪َ { :‬قال َ َفإِ َّن َها ُم َح َّر َمة َعلَ ٌْ ِه ْم أَ ْر َبعٌِنَ َ‬
‫س َعلَى ا ْل َق ْو ِم ا ْل َفاسِ قٌِنَ } (المابدة‪.)26:‬‬ ‫ض َفل َتؤْ َ‬ ‫ْاألَ ْر ِ‬
‫ألٌس هذا وعٌدا فً الدنٌا حصل لبنً إسرابٌل؟ تاهوا أربعٌن سنة فً صحراء [سٌنا] ال ٌبنون مساكن وال‬
‫ٌزرعون ‪ ..‬باآلالؾ تابهٌن مثلما نحن‪ ،‬نحن اآلن فً حالة تٌه‪ ،‬لكن تٌهنا تٌه فكري‪ ،‬تٌه ثقافً نرى‬
‫المشاكل‪ ،‬ونرى المصابب من كل جهة وال ندري ماذا نصنع‪ ،‬وٌصل الحال بنا فً حالة تٌهنا أنه متى ما‬
‫أحد قال لنا‪ :‬هذا حل أو قولوا هكذا ‪ ..‬سخرنا منه‪ ،‬ماذا سٌجدي هذا؟!‪ .‬ال ‪ ..‬دعنا هكذا‪ .‬دعنا نتٌه‪ .‬ألسنا‬
‫فً حالة تٌه؟‪.‬‬
‫حتى تتؤكد أننا فً حالة تٌه ـ كلنا نحن المسلمٌن ـ انظر إلى وسابل اإلعبلم فً التلفزٌون تتحدث عما ٌعمل‬
‫األمرٌكان وعما ٌعمل الٌهود فً كل منطقة وعما ٌعمل النصارى‪ ،‬ثم انظر هل هناك حدٌث عن حل‪ ،‬أو‬
‫حدٌث عن موقؾ إسبلمً أو موقؾ عربً؟ ال ‪ ..‬تابهٌن‪ ،‬فقط ٌهمنا أن نسمع‪ ،‬أن ٌقال حتى كلمة واحدة‬
‫قولوها قد ربما تزعج أولبك قد تزعجهم أو تقلقهم قلٌبل‪ٌ ،‬كون موقفا ال بؤس ال بؤس أقل قلٌل [ماذا ٌعمل‬
‫هذا؟ ‪ ..‬ال‪ .‬دعنا هكذا نتلذذ بالتٌه‪ .‬دعنا هكذا رضٌنا بهذه الحالة ‪ ..‬صفعة هنا وصفعة هنا‪ .‬وإذا أحد انطلق‬
‫قلنا له‪ :‬اسكت‪ .‬وإذا أحد ٌرٌد أن ٌنبهنا على أن ٌكون لنا موقؾ أو أن ٌقول شٌبا أن نصرخ فً وجه‬
‫هإالء األعداء لنزعجهم لنقلقهم‪ .‬قالوا‪ :‬ال ‪ ..‬اسكت ‪ ..‬دعنا]‪.‬‬
‫هكذا التٌه‪ ،‬بنو إسرابٌل تاهوا أربعٌن سنة؛ ألنهم امتنعوا عن أن ٌدخلوا األرض المقدسة التً كتب هللا لهم‬
‫ك َف َقاتِبل إِ َّنا َها ُه َنا َقاعِ ُد َ‬
‫ون}‪.‬‬ ‫فً ذلك الزمان‪ ،‬بل قالوا تلك العبارة القلٌلة األدب‪َ { :‬ف ْاذ َهبْ أَ ْن َ‬
‫ت َو َر ُّب َ‬
‫‪5ٙ‬‬
‫ب‪ .‬هل من الضروري أن ٌتحرك الناس كلهم حتى تتحرك أنت ؟‬
‫والحظوا ‪ ..‬كٌؾ أنه لم ٌكن هناك إال رجلٌن إضافة إلى نبً هللا موسى وهارون دفعوا بهم إلى أن‬
‫ٌشجعونهم لدخول هذه األرض التً كتب هللا لهم‪ ،‬رجلٌن فقط‪ ،‬األؼلبٌة كلهم لٌسوا حول هذا الموضوع‪،‬‬
‫لكن ألم ٌكن كبلم أولبك الرجلٌن كبلما كان مه ّما عند هللا سبحانه وتعالى فسطره فً كتابه وخلد ذكره‪.‬‬
‫رجلٌن‪ ،‬وحتى رجل واحد ألم ٌسطر كبلم رجل واحد مإمن آل فرعون؟ وٌؤتً بصفحة كاملة لمإمن آل‬
‫فرعون فً [سورة ؼافر] ألنه ال عبرة بالمجامٌع التً ال تقول شٌبا مهما كانت ثقافتهم مهما كانت‬
‫مكانتهم‪ ،‬مهما كانت قدراتهم‪ ،‬وأن رجبل واحدا ٌنطلق لٌرشد األمة له قٌمته العظٌمة عند هللا‪ ،‬وهو حجة‬
‫على األمة‪.‬‬
‫لسنا بحاجة إلى أن ننتظر إجماعا كما قد ٌقول البعض ٌنتظر العلماء كلهم أن ٌقولوا‪ ،‬والعلماء كلهم أن‬
‫ٌقفوا والعلماء كلهم أن ٌتحركوا‪ .‬ألٌس هذا هو ما ٌدور عند البعض؟ المهم هو‪ :‬أن ٌكون هناك من ٌقول‬
‫ولو رجل واحد‪ ،‬كمإمن آل فرعون أن ٌكون هناك من ٌقول ولو رجبلن فقط كما حصل لقوم موسى هنا‪:‬‬
‫ون} ٌخافون هللا وٌخافون عقوبته‪ ،‬عقوبة عدم االستجابة والتفرٌط فً‬ ‫ٌِن ٌَ َخافُ َ‬ ‫ُبلن م َِن الَّذ َ‬
‫{ َقا َل َرج ِ‬
‫االستجابة لنبً هللا‪{ .‬أَ ْن َع َم َّ‬
‫هللا ُ َعلَ ِ‬
‫ٌه َما} أنعم علٌهما باإلٌمان‪ ،‬بالوعً‪ ،‬بالفهم‪ ،‬بالتقوى‪ ،‬باالهتداء‪.‬‬

‫َخ ْل ُتمُوهُ َفإِ َّن ُك ْم َؼالِب َ‬


‫ُون} ألنه كما فً األثر (ما ؼزي قوم فً‬ ‫وضعوا لهم خطة‪ْ { :‬اد ُخلُوا َعلٌَ ِْه ُم ْال َب َ‬
‫اب َفإِ َذا د َ‬
‫عقر دورهم إال ذلوا) اهجموا علٌهم الباب فإذا دخلتموه فهم سٌنهزمون نفسٌا وسٌضعفون وٌتفرقون‬
‫وستؽلبونهم‪ .‬ألٌسوا هنا وجهوا لخطة حكٌمة؟‬
‫نبً هللا موسى أمرهم بؤن ٌدخلوا هذه األرض‪ ،‬وهذان الرجبلن تحدثا عن خطة عندما وجدوهم ٌتهربون‬
‫ُون َو َعلَى َّ ِ‬
‫هللا َف َت َو َّكلُوا إِنْ ُك ْن ُت ْم م ُْإ ِمن َ‬
‫ٌِن} توكلوا‬ ‫َخ ْل ُتمُوهُ َفإِ َّن ُك ْم َؼالِب َ‬ ‫من الدخول { ْاد ُخلُوا َعلٌَ ِْه ُم ْال َب َ‬
‫اب َفإِ َذا د َ‬
‫على هللا وادخلوا وستؽلبون ‪ ..‬ألم ٌذكر هللا كبلم الرجلٌن كما ذكر كبلم موسى‪ ،‬ألم ٌسطر كبلم الرجلٌن‬
‫هنا مع كبلم موسى‪ ،‬وكبلم مإمن آل فرعون مع كبلم موسى فً المقام اآلخر أٌضا؟ ألن الكلمة لها‬
‫أهمٌتها‪ ،‬الكلمة التً توجه‪ ،‬الكلمة التً ترشد‪ ،‬الكلمة التً تضع خططا عملٌة‪ ،‬للحفاظ على األمة ولبناء‬
‫األمة‪ ،‬ولتكون األمة ملتزمة بدٌنها لها أهمٌتها‪.‬‬
‫ألم ٌضرب هللا مثبل للكلمة الطٌبة { َك َش َج َرة َط ٌِّ َبة أَصْ ل ُ َها َث ِابت َو َفرْ ُع َها فًِ ال َّس َما ِء ُت ْإتًِ أ ُ ُكلَ َها ُك َّل حٌِن ِبإِ ْذ ِن‬
‫َر ِّب َها} (إبراهٌم‪ :‬من اآلٌةٕ٘)؟ وإن لم تكن إال من رجل واحد ال تنتظر الجمٌع أن ٌقولوا‪ ،‬ال تنتظر الكل‬
‫أن ٌقولوا من العلماء‪ ،‬أو من المثقفٌن‪ ،‬ال تنتظر للحكام للزعماء جمٌعا أن ٌقفوا‪ .‬انظر إلى من ٌتحرك‪،‬‬
‫انظر إلى من ٌقؾ فتحرك معه وقؾ معه‪ ،‬ألم ٌسطر كبلم الرجلٌن على أساس أنه كبلم مطلوب من بنً‬
‫إسرابٌل أن ٌتجهوا على أساسه وأن ٌعملوا به؟ لو كانت خطة خاطبة لما سطرت ولما دونت‪ْ { ،‬اد ُخلُوا‬
‫ٌِن}‪.‬‬ ‫ُون َو َعلَى َّ ِ‬
‫هللا َف َت َو َّكلُوا إِنْ ُك ْن ُت ْم م ُْإ ِمن َ‬ ‫َخ ْل ُتمُوهُ َفإِ َّن ُك ْم َؼالِب َ‬
‫اب} هذه خطة عملٌة عسكرٌة { َفإِ َذا د َ‬ ‫َعلٌَ ِْه ُم ْال َب َ‬
‫هذه خطة صحٌحة سطرت؛ ألنه أصبح مطلوبا من بنً إسرابٌل أن ٌسٌروا علٌها؛ فكانت لها قٌمتها وإن‬
‫لم تصدر من أعٌان ونقباء بنً إسرابٌل جمٌعا‪ ،‬وإنما أتت من رجلٌن‪ .‬وقد ٌكونا رجلٌن من أوسط الناس‬

‫‪55‬‬
‫من أطرؾ الناس‪ ،‬لم ٌذكر أنهما كانا من المؤل‪ ،‬كما ٌقول عن المؤل من كبار الناس‪ ،‬أو من أعٌان الناس أو‬
‫من نقباء بنً إسرابٌل رجلٌن لكن رجلٌن فاهمٌن‪ ،‬أنعم هللا علٌهما باإلٌمان أنعم علٌهما بالهدى‪.‬‬
‫هللا كؤنه ٌقول لنا‪ :‬لو أنهم نفذوا كبلم هذٌن الرجلٌن لما تاهوا أربعٌن سنة‪ .‬ألم ٌتٌهوا أربعٌن سنة عندما‬
‫امتنعوا عن تنفٌذ طلب نبً هللا موسى أن ٌدخلوا وعن الدخول بعد وضع الخطة من قبل الرجلٌن‪ ،‬فتاهوا‬
‫أربعٌن سنة؟ وكؤن هذا ٌقول للكثٌر من الناس الذٌن ٌقولون‪[ :‬سننتظر للعلماء جمٌعا أن ٌقولوا أو ننتظر‬
‫زعماء العرب جمٌعا حتى ٌتحركوا‪ ،‬أو المشاٌخ جمٌعا حتى ٌقولوا] انظر إلى أي رجل أو رجلٌن ٌقوال‬
‫كبلما صحٌحا ٌإدي إلى موقؾ صحٌح وتؤكد بؤنه مطلب من هللا كما كان هنا كبلم الرجلٌن مطلب ِّل من‬
‫بنً إسرابٌل أن ٌسٌروا علٌه وإال لما سطره فً كتابه مع كبلم نبٌه موسى‪.‬‬
‫وهذه قضٌة مهمة؛ ألن الكثٌر قد ٌدخل فً نفسه رٌب وشك عندما نواجه أمرٌكا فٌقول لكن هناك مجامٌع‬
‫من العلماء ال ٌتكلمون بهذا‪ ....‬هل كان هذان الرجبلن ـ اللذان حكى هللا عنهما من بنً إسرابٌل ـ هل كانا‬
‫قمة بنً إسرابٌل؟ أو أن هناك الباقً الكثٌر ممن هم رافضون وممن هم ساكتون ألم ٌكن فً بنً إسرابٌل‬
‫علماء؟ على أقل تقدٌر ممن ٌسمعون موسى وهو ٌتكلم وهو ٌرشد وهو ٌوجه فٌعلمون ما ٌقول ‪ ..‬ألم ٌكن‬
‫فٌهم علماء ووجهاء؟ لكنهم كانوا ساكتٌن أو كان موقفهم كموقؾ اآلخرٌن {لَنْ َن ْد ُخلَ َها أَ َبدا َما َدامُوا فٌِ َها}‪.‬‬
‫هل كان مقامهم بالشكل الذي لم ٌلحظه هللا؟ فٌقول‪[ :‬ما دام قد جلس أعٌان بنً إسرابٌل وسكتوا أو كان‬
‫هذا هو رأٌهم فما قٌمة كبلم الرجلٌن‪ ،‬ال شًء]‪ .‬ال ‪ ..‬اعت َّد بكبلم الرجلٌن وجعل له قٌمته‪ ،‬وجعله كبلما‬
‫عظٌما‪ ،‬وجعل أولبك ال شًء‪ ،‬الذٌن قعدوا من علمابهم من وجهابهم‪ ،‬من عبادهم‪ ،‬رجلٌن فقط والباقً‬
‫ك َف َقاتِبل‬ ‫ماذا؟ إما أن ٌكونوا ساكتٌن أو ٌكونوا ممن ٌقولون‪{ :‬لَنْ َن ْد ُخلَ َها أَ َبدا َما َدامُوا فٌِ َها َف ْاذ َهبْ أَ ْن َ‬
‫ت َو َر ُّب َ‬
‫ون}؛ لنعرف أنه فً كل زمان هل سٌكون هللا مع أولبك الذٌن ٌسكتون من علماء وعباد‬ ‫إِ َّنا َها ُه َنا َقاعِ ُد َ‬
‫ووجهاء وزعماء؟ أو أنه سٌكون مع رجل أو رجلٌن من هنا‪ ،‬أو هناك ٌنطلقون لٌضعوا خططا ً عملٌة‬
‫لؤلمة تسٌر علٌها‪ ،‬وخططا ً لتوعٌة األمة وإلرشاد األمة‪.‬‬
‫أنت عندما تقول‪[ :‬لو كان هذا عمبل صحٌحا لكان العلماء فً المقدمة] أنت فً ذهنٌتك تتصور وكؤن هللا‬
‫هو مع المجامٌع األخرى الجالسة والساكتة ألٌس كذلك؟ تتخٌل وكؤنه هو مع أولبك‪ ،‬وهذا الذي ٌتحرك هو‬
‫شاذ هناك‪.‬‬
‫رجبلن هللا كان معهما وأثنى علٌهما‪ ،‬وجعل الخطة التً قالوها خطة حكٌمة مطلوبة من بنً إسرابٌل ولم‬
‫ٌعتد بالعلماء‪ ،‬وال باألعٌان‪ ،‬وال بالعباد‪ ،‬وال بالوجهاء اآلخرٌن من بنً إسرابٌل ‪ ..‬هل اعتد بهم؟ ال ‪ ..‬بل‬
‫ك‬ ‫تاهوا كما تاه اآلخرون‪ ،‬وتحملوا أوزار قعودهم وسكوتهم‪ ،‬سواء كانوا هم ممن قال‪َ { :‬ف ْاذ َهبْ أَ ْن َ‬
‫ت َو َر ُّب َ‬
‫َف َقاتِبل إِ َّنا َها ُه َنا َقاعِ ُد َ‬
‫ون} الكلمة القبٌحة هذه ‪ ..‬أو قالها آخرون فمشت‪.‬‬
‫إذا ما جاءت كلمة سٌبة من أطراؾ الناس وسكت أولبك الذٌن ٌجب علٌهم أن ٌقفوا ضدها فكؤنها هً كلمة‬
‫تعبر عن موقؾ المجتمع كله؛ ألنه هاهنا قال ٌحكً عن بنً إسرابٌل {قالوا} قالوا ‪ ..‬وكم تحت [الواو] فً‬
‫كلمة {قالوا} تفهم وكؤنه ما عدا الرجلٌن‪.‬‬
‫{ َقالُوا ٌَا مُو َسى إِ َّنا َلنْ َن ْد ُخلَ َها أَ َبدا َما َدامُوا فٌِ َها} فهل تتوقع بؤن الذٌن قالوا هذه العبارة هم من علماء بنً‬
‫إسرابٌل وعباد بنً إسرابٌل‪ ،‬قد ال ٌكون البعض ممن قال هذه العبارة‪ ،‬قد ٌتحاشى عالم من علمابهم‪ ،‬أو‬
‫‪58‬‬
‫عابد من عبادهم أن ٌقول هذه العبارة‪ ،‬لكنها قٌلت ونحن علماء وعباد ووجهاء وأعٌان سكتنا‪ ،‬فكانت هً‬
‫الموقؾ الذي ٌعبر عن الجمٌع‪.‬‬
‫ففً هذه النقطة عبرة لنا نحن ‪ ..‬ال ننتظر للعلماء أن ٌتحركوا كلهم‪ ،‬ال ننتظر للزعماء أن ٌتحركوا كلهم‪،‬‬
‫ال ننتظر للمشاٌخ أن ٌتحركوا كلهم‪ ،‬ال ننتظر لؤلمة أن تتحرك كلها‪ ،‬تحرك بحركة رجل أو رجلٌن ٌقؾ‬
‫مواقؾ صحٌحة وستلمس أنت أن ذلك موقفا صحٌحا‪ ،‬وأقل ما ٌمكن أن تلمسه‪ :‬أن هذا الموقؾ له‬
‫جدوابٌته وٌنفع فٌكفً هذا‪ .‬شًء أفضل من الشًء ألٌس كذلك؟‪.‬‬

‫ج‪ .‬البعض ٌقول سنتحرك فً سبٌل هللا و لكن هذا فٌه خطورة علٌنا‬
‫ثم إذا ما عرفنا بؤنه ٌقال‪ :‬إن عمبل كهذا خطٌر‪ ،‬إذا فاعرؾ أنه عمل خطٌر أٌضا ٌعنً‪ :‬عظٌم له قٌمته‪.‬‬
‫إذا قٌل لك بؤن هذا عمل خطٌر علٌكم‪ ،‬ماذا ٌعنً هذا؟ ألٌس ذلك ٌعنً‪ :‬أن عملك له قٌمته وله أثره البالػ‬
‫على أعداء هللا؟ إذا هو ما ترٌده‪ .‬أو أننا نرٌد أن نبحث عن أعمال ال تضر باآلخرٌن!‪ .‬هل هذا معقول؟‬
‫كٌؾ بإمكانك أن تقؾ فً مواجهة أعداء هللا وبؤعمال ال تكون خطٌرة وال تضر بآخرٌن! ما هو العمل‬
‫هذا؟ ربما النوم‪ ،‬النوم هو لن ٌضر باآلخرٌن لكن سٌضر بك ‪ ..‬ألٌس كذلك؟‬
‫إذا ما انطلقنا فً عمل معٌن‪ ،‬فقٌل لنا‪ :‬هذا عمل خطٌر‪ ،‬فجلسنا‪ ،‬انطلقنا فً عمل آخر‪ ،‬فقٌل‪ :‬هذا خطٌر‪،‬‬
‫جلسنا‪ ،‬أي أننا نرٌد أن نبحث عن عمل نقؾ معه ضد أعداء هللا لكن ال نرٌد أن ٌكون خطٌرا علٌنا‪ ،‬فإذا‬
‫لم ٌكن خطٌرا علٌنا ٌعنً أنه لٌس شدٌد النكاٌة بؤعداء هللا ‪ ..‬ألٌس كذلك؟‬
‫البعض ٌرٌد جهاد من نوع لٌن‪ ،‬أو جهاد انتساب كبعض طلب الجامعة‪ٌ ،‬درس فً الجامعة عن بعد‪.‬‬
‫متى ما قٌل لك‪ :‬عملك هذا خطٌر فإنه شهادة أن عملك هذا مإثر ضد أعداء هللا‪.‬‬
‫فإذا كنت مجاهداً وٌهمك أن تبحث عن األعمال التً ترضً هللا‪ ،‬والتً تكون مإثرة ضد أعداء هللا فإنه‬
‫متى ما قٌل لك‪ :‬إن عملك هذا خطٌر‪ ،‬فهو شهادة أنك على النهج الصحٌح فً مواجهة أعداء هللا‪ ،‬وهو‬
‫شاهد أٌضا على أن علٌك أن تبحث أكثر وأكثر عن ما ٌشكل أكثر خطورة علٌهم‪ ،‬وإن كان أٌضا أكثر‬
‫خطورة علٌك؛ ألنه أحٌانا ـ وهذا هو ما نجهله جمٌعا ـ ننظر إلى الخطورة التً تحدث من وراء ذلك‬
‫العمل من جانب اآلخرٌن‪ ،‬ولكننا ال ننظر إلى خطورة القعود وما توعد هللا على القعود وعلى السكوت من‬
‫عقوبات أقلها الخزي فً الدنٌا والعذاب فً اآلخرة‪ ،‬ال نخاؾ من ذلك ألٌست هذه هً الخطورة البالؽة‬
‫التً ٌجب أن نخافها؟ ألٌس هذا هو الخطر الحقٌقً الذي ٌجب أن نخافه؟ فحٌنبذ قارن بٌن سكوتك وبٌن‬
‫عملك أٌهما سٌكون أخطر علٌك من جانب من؟ الخطورة من جانبه أشد والعقوبة من جانبه أعظم وهو‬
‫هللا‪ .‬هل سكوتً أو انطلقً فً العمل أٌهما أخطر علً؟ من جانب هللا سبحانه وتعالى؟ ستجد أن‬
‫السكوت هو الذي ٌشكل خطرا عظٌما علٌك‪.‬‬
‫نظرة خاطبة‪ ،‬نظرة ال تلتفت إلى جانب الوعٌد ال فً الدنٌا وال فً اآلخرة‪ ،‬متى ما انطلق الناس فً عمل‬
‫فقٌل لهم‪ :‬هذا خطٌر‪ ،‬اتجهت أذهانهم وأنظارهم إلى ذلك الخطر المحتمل من جانب جهة داخلٌة‪ ،‬أو‬
‫خارجٌة وجعلوه كل شًء وارتعدت فرابصهم‪ ،‬واضطربت قلوبهم‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫اس َمنْ ٌَقُو ُل آ َم َّنا ِب َّ ِ‬
‫اِّل}‬ ‫إذا كان الناس على هذا النحو فسٌكونون هم ممن قال هللا عنهم‪َ { :‬وم َِن ال َّن ِ‬
‫ب َّ ِ‬
‫هللا}‬ ‫اس َك َع َذا ِ‬ ‫ِي فًِ َّ ِ‬
‫هللا َج َع َل ِف ْت َن َة ال َّن ِ‬ ‫(العنكبوت‪ :‬من اآلٌةٓٔ) {آمنا} لكن إذا الدنٌا سبلمات { َفإِ َذا أُوذ َ‬
‫(العنكبوت‪ :‬من اآلٌةٓٔ) وجعلها نكاال لما بٌن ٌدٌها وما خلفها‪ ،‬ثم ال ٌعد ٌرفع له رأسا‪ ،‬وال ٌعد ٌرفع له‬
‫ٌدا وال تنطلق من فمه كلمة‪[ .‬ألم نقل لكم أن هذا عمل خطٌر‪ ،‬ألم نقل لكم اتركوا هذا العمل ‪ ..‬ما‬
‫رضٌتم؟] ألٌس هكذا ٌقول الناس؟‪.‬‬

‫ٓ‪8‬‬
‫معرفة هللا ‪ ...‬وعده و وعٌده‬

‫أهمٌة اإلٌمان بالٌوم اآلخر فً معرفة هللا‬

‫ٔ‪8‬‬
‫جهنم‬
‫مكان تنعدم فٌه الرحمة‬

‫فً دعاء االمام زٌن العابدٌن علً بن الحسٌن (سبلم هللا علٌه) وهو ٌستعٌذ باِّل من نار جهنم‪ ،‬فً دعاء‬
‫ٌصؾ فٌه نار جهنم‪ ،‬وٌعلمنا كٌؾ نستعٌذ نحن باِّل من نار جهنم‪.‬‬
‫َؾ َعنْ‬‫صد َ‬ ‫ت ِب َها َمنْ َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َت َوع َّْد َ‬ ‫صا َ‬‫ت ِب َها َعلَى َمنْ َع َ‬ ‫ك َمنْ َنار َت َؽلَّ ْظ َ‬ ‫قال علٌه السبلم‪(( :‬اللَ ُه َّم إ ِّنً أَع ُ‬
‫ُوذ ِب َ‬
‫ض َها‬ ‫ض َها َبعْ ض‪َ ،‬و ٌَصُو ُل َبعْ ُ‬ ‫ظ ْل َمة َو َه ٌِّ ُن َها أَلٌِم‪َ ،‬و َبعٌِ ُد َها َق ِرٌب‪َ ،‬ومِنْ َنار ٌَؤْ ُك ُل َبعْ َ‬ ‫ك‪َ ،‬ومِنْ َنار نو ُر َها ُ‬ ‫ضا َ‬ ‫ِر َ‬
‫ضرَّ َع إلَ ٌْ َها‪َ ،‬والَ‬ ‫َعلَى َبعْ ض‪َ ،‬ومِنْ َنار َت َذ ُر ْال ِع َظا َم َرمٌِما‪َ ،‬و َتسْ قًِ أَهْ لَ َها َحمٌِما‪َ ،‬ومِنْ َنار الَ ُت ْبقًِ َعلَى َمنْ َت َ‬
‫َترْ َح ُم َم ِن اسْ َتعْ َط َف َها‪َ ،‬والَ َت ْق ِد ُر َعلَى ال َّت ْخفٌِؾِ َعمَّنْ َخ َش َع لَ َها َواسْ َتسْ لَ َم إلَ ٌْ َها‪َ ،‬ت ْل َقى ُس َّكا َن َها ِبؤ َ َحرِّ َما لَ َد ٌْ َها مِنْ‬
‫ار ِب َها ْال َفاؼِ َر ِة أَ ْف َوا َه َها‪َ ،‬و َحٌّا ِت َها الصَّالِ َق ِة ِبؤ َ ْن ٌَ ِاب َها‪َ ،‬و َش َر ِاب َها الَّذِي‬ ‫ك مِنْ َع َق ِ‬
‫ال‪َ ،‬وأَع ُ‬
‫ُوذ ب َ‬ ‫ال َو َشدٌِ ِد ْال َو َب ِ‬ ‫أَلٌِ ِْم ال َّن َك ِ‬
‫ك ِل َما با َع َد ِم ْن َها َوأَ َّخ َر َع ْن َها))‪.‬‬ ‫ٌُ َق ِّط ُع أَمْ َعا َء َوأَ ْف ِب َد َة ُس َّكا ِن َها‪َ ،‬و ٌَ ْن ِز ُع قُلُو َب ُه ْم‪َ ،‬وأَسْ َت ْه ِد ٌْ َ‬
‫جهنم كما وصفها هللا سبحانه وتعالى فً القرآن الكرٌم فً آٌات كثٌرة هً أشد من أي عذاب ٌتوعدنا به‬
‫أي أحد من الجن أو اإلنس‪ ،‬هً نار كما قال علٌه السبلم‪(( :‬تؽلظ هللا بها على من عصاه وتوعد بها من‬
‫صدؾ عن رضاه))‪.‬‬
‫لماذا ٌجب علٌنا أال ننسى جهنم و أن نتذكرها دابما؟‬
‫الكل هنا فً الدنٌا ٌخضع ألمرٌكا‪ ،‬وٌخضع للدول الكبرى فً بلدان أوروبا‪ ،‬والكل هنا فً المنطقة‬
‫العربٌة خضعوا إلسرابٌل خوفا من أن تلك الدول تمتلك [قنابل ذرٌة]‪ ،‬وتمتلك [صوارٌخ بعٌدة المدى‬
‫تحمل رإوسا نووٌة]‪ ،‬كل ما لدٌهم ال ٌساوي ٌوما واحدا فً جهنم‪.‬‬
‫لو صب األمرٌكٌون كل ما لدٌهم من قوة علٌك وحدك أنت لما ساوى ذلك كله ٌوما ً واحداً فً نار جهنم؛‬
‫ألنك هنا بؤول ضربة‪ ،‬بؤول شظٌة ستموت‪ ،‬ثم ال تحس بؤي شًء بعد ذلك‪ ،‬ولو صبوا علٌك كل أسلحتهم‪،‬‬
‫ولو افترضنا أٌضا أنك ستبقى حٌا وصوارٌخهم توجه إلٌك‪ ،‬وقنابلهم توجه إلٌك أٌضا حتى آخر قطعة‬
‫ٌمتلكونها لكان ذلك أٌضا ال ٌساوي ساعة واحدة فً قعر جهنم‪.‬‬
‫التخوٌؾ بنار جهنم فً القرآن الكرٌم‪ ،‬التخوٌؾ بنار جهنم الذي تكرر كثٌرا فً آٌات هللا فً القرآن‬
‫الكرٌم‪ ،‬هو جدٌر بؤن نتؤمله جٌدا كلنا‪ ،‬وأن نتدبر تلك اآلٌات‪ .‬حٌنبذ سٌجد كل من تؤملها‪ ،‬ومن تدبرها بؤن‬
‫كل شًء فً هذه الدنٌا من مصاببها‪ ،‬من شدابدها‪ ،‬وكل شًء مما ٌتوعدك به اآلخرون‪ ،‬وكل ما تراه‬
‫عندما ٌستعرضون أسلحتهم فً األٌام الوطنٌة ‪ ..‬ستراه كله لٌس بشًء‪ ،‬لٌس شٌبا بمعنى الكلمة فعبل أمام‬
‫هذه النار التً تؽلظ هللا بها على من عصاه‪ ،‬وتوعد بها من صدؾ عن رضاه‪ .‬حٌنبذ تجد نفسك أنه لٌس‬
‫ٕ‪8‬‬
‫هناك ما ٌجب أن ٌخٌفك‪ ،‬لٌس فً هذه الدنٌا ما ٌنبؽً أن تخاؾ منه أبدا‪ ،‬فبل الموت‪ ،‬وال [قنابل]‪ ،‬وال‬
‫[صوارٌخ]‪ ،‬مهما كانت فتاكة‪ ،‬مهما كانت عظٌمة الدمار‪.‬‬
‫المإمنون بحاجة ماسة إلى أن ٌتدبروا كتاب هللا‪ ،‬نتدبره بشكل جٌد‪ ،‬وبفهم صحٌح‪ ،‬ووعً‪ ،‬نتدبر اآلٌة‬
‫ونلحظ ونحن نتدبرها ما لدى اآلخرٌن كلهم ممن نخافهم فً هذه الدنٌا‪ ،‬أو ٌرٌدون أن نخافهم‪ .‬حٌنبذ‬
‫سٌنطلق المإمن‪ٌ ،‬نطلق وهو ٌرى أن كل عمل ٌعمله فً هذه الدنٌا أمام كل التهدٌدات إنما هو عمل ٌحقق‬
‫لنفسه به األمن من هذه النار العظٌمة‪ ،‬من نار جهنم‪.‬‬
‫نار جهنم أكد القرآن على أنها حقٌقة‪ ،‬وتناول الحدٌث عنها وص َفها كامبل‪ :‬وصؾ شدة تسعرها‪ ،‬والتهابها‪،‬‬
‫وصؾ وقودها‪ ،‬وطعامها‪ ،‬وشرابها‪ ،‬ولباس أهلها فٌها‪ .‬بل نقل كثٌرا من الكلمات التً ٌقولها أولبك الذٌن‬
‫ٌتقلبون بٌن طبقاتها‪ :‬تحسرهم‪ ،‬صراخهم تؤلمهم‪ ،‬تؤسفهم على تفرٌطهم فً هذه الدنٌا‪.‬‬
‫بل لو نعقل ونفهم‪ ،‬أن كل ما ٌتوعدنا به اآلخرون فً هذه الدنٌا‪ ،‬ال ٌساوي الحسرات والندم الذي قد‬
‫ٌتعرض له اإلنسان ٌوم القٌامة إذا قدم على هللا وهو ممن عصاه‪ ،‬وصدؾ عن رضاه ‪ ..‬تلك الحسرات‪،‬‬
‫وذلك الندم الشدٌد ٌقول هللا ‪ -‬وهو ٌنقل لنا صورة من مشاهد ذلك الندم الذي سٌحصل للعاصٌن ‪ٌ -‬قول‬
‫الظالِ ُم َعلَى ٌَ َد ٌْ ِه} (الفرقان‪ :‬من اآلٌة‪ٌ )ٕ5‬عض أنامله من األلم‪ ،‬من الندم‪ ،‬من‬ ‫تعالى‪َ { :‬و ٌَ ْو َم ٌَ َعضُّ َّ‬
‫ُول َس ِبٌبل ٌَا َو ٌْ َل َتا لَ ٌْ َتنً ل ْم أَ َتخ ِْذ فُبلنا َخ ِلٌْبل لَ َق ْد أَ َ‬
‫ضلَّنًِ َع ِن ِّ‬
‫الذ ْك ِر‬ ‫الحسرة‪ٌَ { :‬قُو ُل ٌَا لَ ٌْ َتنًِ ا َّت َخ ْذ ُ‬
‫ت َم َع الرَّ س ِ‬
‫َبعْ َد إِ ْذ َجا َءنًِ} (الفرقان‪ :‬من اآلٌة‪ )ٕ9‬ألٌست هذه كلها عبارات حسرة وندم؟ ندم ٌقطع القلوب‪ٌ ،‬عض‬
‫المجرم‪ٌ ،‬عض الظالم على ٌدٌه ٌعضها من شدة األسؾ‪ ،‬واأللم‪ ،‬من الحسرة والندم‪.‬‬

‫جهنم‪....‬رإٌة من الداخل مرتبطة بالواقع‬

‫اس َت َجا ُبوا ل َِر ِّب ِه ُم ا ْل ُح ْس َنى} (الرعد‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔ8‬الجزاء الحسن وهو‬ ‫ٌقول هللا سبحانه وتعالى‪{ :‬لِلَّذٌِنَ ْ‬
‫جٌ ُبوا لَ ُه َل ْو أَنَّ لَ ُه ْم َما فًِ‬
‫الجنة‪ ،‬والحساب الٌسٌر‪ ،‬واألمن من كل خوؾ ٌوم القٌامة { َوالَّذٌِنَ لَ ْم ٌَ ْس َت ِ‬
‫ض َجمٌِعا ً َو ِم ْثلَ ُه َم َع ُه َال ْف َتد َْوا ِب ِه} (الرعد‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔ8‬الذٌن لم ٌستجٌبوا ِّل‪ .‬وأٌن موضع‬ ‫ْاألَ ْر ِ‬
‫االستجابة؟ هنا فً الدنٌا‪ ،‬وما هو الذي دعانا إلٌه؟ هو القرآن الكرٌم‪ ،‬ورسول هللا (صلوات هللا علٌه وعلى‬
‫آله) تلك دعوة هللا التً ٌرٌد منا أن نستجٌب لها‪ ،‬نستجٌب لها هنا فً الدنٌا‪ ،‬والذٌن لم ٌستجٌبوا ِّل‪،‬‬
‫أعرضوا عن ذكره‪ ،‬انطلقوا فً معاصٌه‪ ،‬انطلقوا وراء هذه الدنٌا لٌنشؽلوا بها‪ ،‬لٌإثروها على اآلخرة‪،‬‬
‫لٌبٌعوا دٌنهم بالقلٌل القلٌل منها‪ .‬هإالء عندما ٌقدمون على هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬سٌتمنى كل واحد منهم لو‬
‫أن له ما فً األرض جمٌعا ومثله معه لسلَّمه راضٌا‪ ،‬ومسارعا إلى تسلٌمه‪ ،‬لو كان ٌقبل منه لٌفدي به‬
‫نفسه من عذاب جهنم‪.‬‬
‫هذه عبرة للكثٌر من عباد هللا‪ ،‬ممن ٌشتد طمعه‪ ،‬وٌقوده جشعه‪ ،‬إلى أن ٌؤخذ شٌبا من هذه الدنٌا حراما‪ ،‬أو‬
‫ٌقبل شٌبا منها مقابل أن ٌدخل فً موقؾ باطل‪ ،‬أو ٌإٌد باطبل‪ ،‬أو ٌقؾ عن نصر حق‪ ،‬لٌفهم هنا وهو فً‬
‫الدنٌا أنه لو كان له األرض كلها وما فٌها‪ ،‬وله أٌضا مثلها أضعافا لكان مسارعا إلى أن ٌفدي نفسه به ٌوم‬
‫ٖ‪8‬‬
‫القٌامة‪ .‬لماذا؟ ألنه سٌرى من العذاب الشدٌد‪ٌ ،‬رى جهنم أمامه‪ ،‬وهو ٌعلم أنه سٌساق إلٌها‪ ،‬وأنه سٌخلد‬
‫فٌها حٌنبذ ٌهون أمامه كل شًء‪.‬‬
‫تلك القطعة من األرض‪ ،‬ذلك المبلػ من المال الذي باع به دٌنه‪ ،‬لم ٌعد شٌبا‪ٌ ،‬تحسر منه ٌوم القٌامة‪،‬‬
‫وٌرى نفسه فً موقع أنه لو كان له مثل هذه األرض‪ ،‬ولٌس فقط تلك القطعة‪ ،‬أو ذلك المبلػ‪ ،‬أو ذلك‬
‫المنصب الذي باع به دٌنه‪ ،‬بل لو كانت له األرض كلها وما فٌها ومثلها معها الفتدى به ٌوم القٌامة من‬
‫سوء العذاب‪.‬‬

‫ب َو َمؤْ َوا ُه ْم َج َه َّن ُم َو ِب ْب َ‬


‫س ا ْل ِم َها ُد}‬ ‫سا ِ‬ ‫سو ُء ا ْل ِ‬
‫ح َ‬ ‫ب} أولبك الذٌن لم ٌستجٌبوا ِّل {لَ ُه ْم ُ‬
‫سا ِ‬ ‫سو ُء ا ْل ِ‬
‫ح َ‬ ‫{أولبِك َل ُه ْم ُ‬
‫(الرعد‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔ8‬ما الذي ٌمنع الناس عن أن ٌستجٌبوا لدعوة هللا فً هذه الدنٌا؟ ألٌس رؼبة فٌما لدى‬
‫اآلخرٌن‪ ،‬أو خوفا مما لدٌهم؟ سواء خوفا من سجونهم‪ ،‬أو وسابل تعذٌبهم‪ ،‬أو خوفا من قنابلهم‬
‫وصوارٌخهم‪ .‬ألٌس هذا هو ما ٌمنع الناس فً الدنٌا؟ لكن هذه اآلٌة تعرض لنا‪ :‬أن الذٌن ٌستجٌبون ِّل‪،‬‬
‫وعدهم هللا بالجنة‪ ،‬والجنة هً كما ورد فً الحدٌث‪(( :‬أن موضع سوط منها خٌر من الدنٌا وما فٌها))؛‬
‫ألن أي نعٌم هنا فً الدنٌا ستفارقه مهما عظم‪ ،‬ومهما كثر‪.‬‬
‫بل قد ٌحدث لك هنا فً الدنٌا وأنت تملك الكثٌر‪ ،‬الكثٌر من وسابل الترؾ والراحة‪ ،‬فٌعرض لك أمراض‬
‫تحول بٌنك وبٌن أن تتمتع بما بٌن ٌدٌك‪ ،‬فترى اآلخرٌن من حولك ٌتمتعون بكل ما لدٌك وأنت ال تستطٌع‬
‫أن تذوق من هذا‪ ،‬وال أن تقرب هذا‪ ،‬من شتى األصناؾ التً تمتلكها‪ ،‬تلك األصناؾ التً بعت بها دٌنك‪،‬‬
‫تلك األصناؾ التً أحبطت بها ذمتك‪ ،‬وأهلكت بها نفسك‪ .‬إذا فلٌس شًء هنا فً الدنٌا من النعٌم‪ ،‬وال من‬
‫وسابل الترؼٌب ما ٌمكن أن تقارن بٌنه وبٌن موضع سوط فً الجنة‪.‬‬
‫فإذا كان اإلنسان ٌسارع هنا فً الدنٌا من أجل أشٌاء ٌرٌد أن ٌحصل علٌها‪ ،‬وهو ال ٌبالً أحبلل كانت أم‬
‫حرام‪ ،‬وال ٌبالً فً ذلك الموقؾ الذي دخل فٌه من أجل الحصول علٌها حق‪ ،‬أم باطل‪ ،‬لماذا ال ٌسارع‬
‫إلى االستجابة إلى هللا لٌحصل على ذلك المقام الرفٌع؟ على ذلك النعٌم العظٌم‪ ،‬النعٌم األبدي‪ ،‬النعٌم الذي‬
‫فٌه كما ورد فً الحدٌث عن النبً (صلوات هللا علٌه وعلى آله) ((فٌها ما ال عٌن رأت وال أذن سمعت‬
‫وال خطر على قلب بشر))‪.‬‬
‫كذلك الذٌن لم ٌستجٌبوا ِّل خوفا من اآلخرٌن علٌنا أن نعود جمٌعا إلى الحدٌث عن جهنم‪ ،‬وإلى التؤمل فً‬
‫أوصاؾ جهنم لنعرؾ أنها هً التً ٌجب أن نخاؾ منها‪ ،‬وأن نحذرها‪ .‬فلننطلق فً االستجابة ِّل مهما‬
‫كانت مكلفة‪ ،‬ومهما كانت صعبة وشدٌدة علٌنا فً الدنٌا‪.‬‬

‫ٌق الَّذٌِنَ َك َف ُروا إِلَى َج َه َّن َم ُز َمراً}‬


‫{ َوسِ َ‬
‫ٌق الَّذ َ‬
‫ٌِن َك َفرُوا إِلَى َج َه َّن َم ُز َمرا} (الزمر‪ )5ٔ:‬نعوذ باِّل‪ ،‬كل واحد منا ٌفكر فٌما لو كان واحدا من‬ ‫{ َوسِ َ‬
‫أولبك الذي سٌساقون إلى جهنم كٌؾ ستكون نفسٌته‪ ،‬وكٌؾ ستكون حسرته‪ ،‬وكٌؾ ستكون آالمه‬
‫ومشاعره‪.‬‬

‫ٗ‪8‬‬
‫ار َج َه َّن َم َدعّا)‬
‫ُّون إِلَى َن ِ‬ ‫ٌق الَّذ َ‬
‫ٌِن َك َفرُوا إِلَى َج َه َّن َم ُز َمرا} ألنهم ٌدفعون دفعا إلٌها كما قال هللا‪ْ ٌَ { :‬و َم ٌُدَ ع َ‬ ‫{ َوسِ َ‬
‫(الطور‪ )ٖٔ:‬ال ٌرٌدون أن ٌذهبوا‪ ،‬فتدفعهم المبلبكة رؼما عنهم وتقودهم فً السبلسل فٌسحبون على‬
‫وجوههم إلى نار جهنم‪.‬‬
‫ت أَب َْوا ُب َها} (الزمر‪ :‬من اآلٌةٔ‪ )5‬جاهزة الستقبالهم { َو َقا َل لَ ُه ْم َخ َز َن ُت َها} (الزمر‪ :‬من‬ ‫{ َح َّتى إِ َذا َجاءُو َها فُت َِح ْ‬
‫اآلٌةٔ‪ )5‬خزنتها ٌستؽربون من الناس‪ ،‬وٌندهشون من الناس‪ :‬ما الذي أدى بكم إلى جهنم؟! ما بالكم؟! {أَلَ ْم‬
‫ت َر ِّب ُك ْم َو ٌُ ْن ِذرُو َن ُك ْم لِ َقا َء ٌَ ْو ِم ُك ْم َه َذا َقالُوا َبلَى} (الزمر‪ :‬من اآلٌةٔ‪ )5‬وهللا‬
‫ون َعلَ ٌْ ُك ْم آ ٌَا ِ‬‫ٌَؤْ ِت ُك ْم ُرسُل ِم ْن ُك ْم ٌَ ْتل ُ َ‬
‫قد جاءتنا الرسل وجاءنا المنذرون وكنا نسمع آٌات هللا ولكنا كنا معرضٌن عنها وال نحسب لها أي‬
‫حساب‪.‬‬
‫{أَلَ ْم ٌَؤْ ِت ُك ْم ُرسُل ِم ْن ُك ْم} (الزمر‪ :‬من اآلٌةٔ‪)5‬؟!! المبلبكة أنفسهم ٌندهشون من أهل جهنم وعندما ٌرون‬
‫ت َر ِّب ُك ْم} (الزمر‪ :‬من اآلٌةٔ‪ )5‬تلك اآلٌات‬ ‫المبلٌٌن تساق إلى جهنم‪{ ،‬أَلَ ْم ٌَؤْ ِت ُك ْم ُرسُل ِم ْن ُك ْم ٌَ ْتل ُ َ‬
‫ون َعلَ ٌْ ُك ْم آ ٌَا ِ‬
‫التً تهدٌكم‪ ،‬تلك اآلٌات التً فٌها ما ٌبعدكم عن أن تصلوا إلى جهنم { َو ٌُ ْن ِذرُو َن ُك ْم لِ َقا َء ٌَ ْو ِم ُك ْم َه َذا} (الزمر‪:‬‬
‫من اآلٌةٔ‪.)5‬؟!‪.‬‬
‫ألٌس هذا حاصل فً القرآن فً كثٌر من اآلٌات الكرٌمة‪ ،‬سور بؤكملها تتحدث عن الٌوم اآلخر؟ سور‬
‫القرآن ملٌبة بالحدٌث باإلنذار لعباد هللا من الٌوم اآلخر‪ ،‬باآلٌات التً تهدي الناس إلى ما ٌبعدهم من سوء‬
‫الحساب ومن عذاب جهنم فً الٌوم اآلخر‪ ،‬ألٌس هذا فً القرآن كثٌر؟ ألٌس القرآن فً كل بٌت؟ فلماذا ال‬
‫نخاؾ؟ ولماذا نخاؾ اآلخرٌن؟ بمجرد ورقة واحدة‪ ،‬أو واحد من زبانٌتهم ٌخٌفنا‪ ،‬وال نخاؾ من أي شًء‬
‫من كل ما نسمع الحدٌث عنه فً كتاب هللا الكرٌم‪ ،‬الذي بٌن أٌدٌنا وفً كل بٌت من بٌوتنا؟‪.‬‬

‫ٌن} (الزمر‪ :‬من اآلٌةٔ‪{ )5‬قٌِ َل ْاد ُخلُوا أَب َْو َ‬


‫اب َج َه َّن َم}‬ ‫ب َعلَى ْال َكاف ِِر َ‬ ‫ت َكلِ َم ُة ْال َع َذا ِ‬
‫{ َقالُوا َب َلى َو َلكِنْ َح َّق ْ‬
‫(الزمر‪ :‬من اآلٌةٕ‪ )5‬ما دام وقد جاءتكم رسل ٌتلون علٌكم آٌات ربكم‪ ،‬وقد أنذرتم لقاء ٌومكم هذا‪ ،‬إذا ما‬
‫ٌن} (الزمر‪ :‬من اآلٌةٕ‪.)5‬‬ ‫س َم ْث َوى ْال ُم َت َكب ِِّر َ‬
‫ٌِن فٌِ َها َف ِب ْب َ‬ ‫بقً هناك أي عذر لكم { ْاد ُخلُوا أَب َْو َ‬
‫اب َج َه َّن َم َخالِد َ‬
‫ٌِن َلمَّا َرأَوُ ا ْال َع َذ َ‬
‫اب ٌَقُول ُ َ‬
‫ون َه ْل إِ َلى َم َرد مِنْ َس ِبٌل}‬ ‫وٌقول هللا سبحانه وتعالى أٌضا‪َ { :‬و َت َرى َّ‬
‫الظا ِلم َ‬
‫(الشورى‪ :‬من اآلٌةٗٗ)‪ ،‬هل هناك سبٌل إلى أن نرجع إلى الدنٌا‪ٌ ،‬بحثون عن الخروج من جهنم بؤي‬
‫وسٌلة‪ ،‬ولو بوعد أنهم سٌعودون إلى الدنٌا ثم ٌنطلقون فً األعمال الصالحة { َه ْل إِلَى َم َرد مِنْ َس ِبٌل}‬
‫ُون مِنْ َطرْ ؾ َخفًِ} (الشورى‪ :‬من اآلٌة٘ٗ)‪ ،‬كؤن هذا‬ ‫ظر َ‬ ‫الذ ِّل ٌَ ْن ُ‬
‫ٌِن م َِن ُّ‬
‫ُون َعلَ ٌْ َها َخاشِ ع َ‬
‫{ َو َت َرا ُه ْم ٌُعْ َرض َ‬
‫ت ْال َجحٌِ ُم‬
‫فً القٌامة وهم فً المحشر؛ ٌنظرون إلى جهنم؛ ألن جهنم تبرز ٌوم القٌامة كما قال هللا‪َ { :‬وبُرِّ َز ِ‬
‫ٌن} (الشعراء‪ )9ٔ:‬فٌرونها وهً تلتهب وتستعر‪ ،‬وٌسمعون صوتها‪ ،‬زفٌرها‪ ،‬وشهٌقها‪ٌ ،‬تساءلون‪:‬‬ ‫او َ‬‫ل ِْل َؽ ِ‬
‫{ َه ْل إِلَى َم َرد مِنْ َس ِبٌل} (الشورى‪ :‬من اآلٌةٗٗ)‪ ،‬هل هناك ما ٌبعدنا عن هذه النار؟‪.‬‬
‫ُون مِنْ َطرْ ؾ َخفًِ} إلى‬
‫ظر َ‬ ‫الذ ِّل ٌَ ْن ُ‬‫ٌِن} مطؤطبٌن رإوسهم ومستكٌنٌن {م َِن ُّ‬ ‫ُون َعلَ ٌْ َها َخاشِ ع َ‬‫{ َو َت َرا ُه ْم ٌُعْ َرض َ‬
‫ٌِن فًِ َع َذاب‬ ‫ٌِه ْم ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة أَال إِنَّ َّ‬
‫الظالِم َ‬ ‫ٌِن َخسِ رُوا أَ ْنفُ َس ُه ْم َوأَهْ ل ِ‬ ‫ٌِن آ َم ُنوا إِنَّ ْال َخاسِ ِر َ‬
‫ٌن الَّذ َ‬ ‫جهنم { َو َقا َل الَّذ َ‬
‫ُمقٌِم}) (الشورى‪ :‬من اآلٌة٘ٗ)‪ .‬المإمنون وهم ٌرون أولبك الذٌن كانوا فً الدنٌا كبارا‪ ،‬الذٌن كانوا فً‬
‫الدنٌا معرضٌن عن دٌن هللا وٌسخرون من عباد هللا سٌرون أنهم فً خسارة عظٌمة‪ ،‬وهم ٌرونهم فً‬
‫وضع سًء‪ ،‬هكذا خاشعٌن من الذل ٌنظرون إلى جهنم نظرات مخٌفة‪ ،‬نظرات شزر‪ :‬ال ٌحاول أن ٌمؤل‬
‫٘‪8‬‬
‫عٌنه من رإٌتها‪ ،‬ال ٌحاول من شدة الخوؾ‪ ،‬هناك ٌتجلى من هو الخاسر‪ ،‬تجلت الخسارة على أفظع ما‬
‫ٌِه ْم ٌَ ْو َم ْال ِق ٌَا َم ِة أَال َذ ِل َ‬
‫ك ه َُو‬ ‫ٌِن َخسِ رُوا أَ ْنفُ َس ُه ْم َوأَهْ ل ِ‬
‫ٌن ‪ -‬حقٌقة هم ‪ -‬الَّذ َ‬ ‫ٌمكن أن تتصور‪{ :‬إِنَّ ْال َخاسِ ِر َ‬
‫ٌِن فًِ َع َذاب ُمقٌِم}‪.‬‬ ‫ْال ُخسْ َرانُ ْالم ُِبٌنُ }‪{ ،‬أَال إِنَّ َّ‬
‫الظالِم َ‬
‫ألنه هنا الحظوا فً الدنٌا قد ٌرى أي شخص من المنافقٌن إذا ما تعرض الناس ألي شًء فرأوهم مثبل‬
‫ٌقادون إلى السجون ألٌسوا هم من ٌسخرون؟ ألٌسوا هم من ٌرون أولبك المإمنٌن خاسرٌن؟ المنافقون‪،‬‬
‫الجاهلون الذٌن ال ٌعرفون من هو الخاسر الحقٌقً‪ٌ ،‬رونك وأنت فً السجن‪ ،‬وأنت تعمل فً سبٌل هللا‪،‬‬
‫ٌرونك وأنت تطارد فٌعتبرون أنفسهم أنهم حكماء وأذكٌاء أنهم هاهم آمنون فً بٌوتهم‪ ،‬وأن أولبك‬
‫خاسرون‪.‬‬

‫أبواب جهنم‬
‫سوم}‬‫س ْب َع ُة أَ ْب َواب لِ ُكل ِّ َباب ِم ْن ُه ْم ُج ْزء َم ْق ُ‬
‫وٌقول سبحانه وتعالى‪َ { :‬وإِنَّ َج َه َّن َم لَ َم ْو ِع ُد ُه ْم أَ ْج َمعٌِنَ لَ َها َ‬
‫(الحجر‪ )ٗٗ:‬ألم ٌتحدث هنا حتى عن أبواب جهنم؟ وتحدث حتى عن مؽالقها‪ ،‬مصافقها‪ ،‬وتحدث عن‬
‫زبانٌتها‪ ،‬تحدث عن كل شًء فٌها ‪ ..‬فؤٌن تفكٌرنا؟ أٌن نظرنا ألنفسنا ولمصالحنا؟ ألٌس هذا هو الذي‬
‫ٌنبؽً أن نخاؾ منه‪.‬‬
‫واألولى بؤن ٌكون أشد قوة‪ ،‬وأعظم قوة فً مقام االستجابة ِّل هم من ٌحملون العلم‪ ،‬هم من هم متعلمون‪،‬‬
‫ومن ٌحملون العلم؛ ألنهم هم من ٌعرفون جهنم أكثر من ؼٌرهم‪ ،‬مع أن جهنم أوصافها فً متناول الناس‬
‫جمٌعا‪ ،‬كل من ٌقرإون كتاب هللا‪.‬‬
‫فلماذا ٌخاؾ العالم؟ ولماذا ٌبحث عن كٌؾ ٌحصل على مبرر لقعوده عن هذا العمل؟ لقعوده عن أن ٌقول‬
‫كلمة الحق؟! لقعوده عن أن ٌقؾ فً وجه الباطل؟! ما الذي ٌنبؽً أن تخاؾ منه؟ لٌس هناك فً الدنٌا ما‬
‫ٌنبؽً أن تخاؾ منه فً مواجهة هذا الخوؾ العظٌم‪ ،‬وهذا العذاب األلٌم فً جهنم‪.‬‬
‫{لَ َها َس ْب َع ُة أَب َْواب} وكؤن هذه األبواب هً أبواب لدركاتها أٌضا‪ ،‬كل طبقة أو كل مقام فً جهنم له فبة من‬
‫الناس‪ ،‬وله باب {لِ ُك ِّل َباب ِم ْن ُه ْم ج ُْزء َم ْقسُوم} ٌدخل منه من هو من أهل ذلك الدرك‪ ،‬سبعة أبواب سواء‬
‫اعتبرتها فً سور واحد وكل باب ٌنفذ إلى درك من دركات جهنم‪ ،‬وكلها سٌبة‪ ،‬وكلها ورطة عظٌمة أن‬
‫تدخل من باب جهنم ثم ٌوصد علٌك‪ ،‬ثم إذا حاولت أن تخرج ٌتلقاك زبانٌتها بمقامع من حدٌد ٌضربونك‬
‫فتعود‪ ،‬سبعة أبواب لسبعة دركات‪.‬‬

‫ثٌابهم‬
‫صب‬‫ص ُموا فًِ َر ِّب ِه ْم َفالَّذٌِنَ َك َف ُروا قُ ِّط َع ْت لَ ُه ْم ثِ ٌَاب مِنْ َنار ٌُ َ‬
‫اخ َت َ‬
‫ان ْ‬ ‫ٌقول هللا سبحانه وتعالى‪َ { :‬ه َذ ِ‬
‫ان َخ ْ‬
‫ص َم ِ‬
‫مِنْ َف ْو ِق ُرإُ وسِ ِه ُم ا ْل َحمٌِ ُم} (الحج‪ )ٔ9:‬ألم ٌتحدث أٌضا عن التروٌشة فً جهنم؟ شراب جهنم ثم أٌضا‬
‫ٌصب من فوق رإوسهم الحمٌم‪ٌ ،‬كونون نظٌفٌن من كل شًء فوق أجسامهم‪ ،‬لكنها تروٌشة خطٌرة جدا‬
‫لٌس معها [شامبو] وال معها صابون وال أي شًء من أدوات التجمٌل‪.‬‬

‫‪8ٙ‬‬
‫شى ُو ُجو َه ُه ُم ال َّنا ُر} (إبراهٌم‪)٘ٓ:‬‬ ‫س َر ِابٌل ُ ُه ْم مِنْ َقطِ َران َو َت ْغ َ‬
‫ثوب المجرم فٌها كما قال هللا فً آٌة أخرى‪َ { :‬‬
‫وهنا ٌصب من فوق رأس المجرم الحمٌم {ٌُصْ َه ُر ِب ِه} (الحج‪ :‬من اآلٌةٕٓ) ٌذاب { َما فًِ ب ُ‬
‫ُطون ِِه ْم َو ْال ُجلُو ُد}‬
‫(الحج‪ :‬من اآلٌةٕٓ) إذا واحد منا متروش بماء ساخن وؼلِط ٌبقً فً [المؽراؾ] قلٌل ساخن وصبه فوق‬
‫ص َه ُر ِب ِه َما فًِ‬ ‫ظهره كٌؾ ٌكون ألمه؟ ٌقوم من مكانه من حرارة بسٌطة ‪ ..‬أما هذه تروٌشة خطٌرة‪ْ ٌُ { :‬‬
‫ُب ُطونِ ِه ْم َوا ْل ُجلُو ُد} إذا أنت فً الدنٌا هنا تؽتسل بالماء الساخن ٌتحمله جسمك من أجل أن تزٌل الوسخ عن‬
‫جسمك‪ ،‬أما تلك التروٌشة فً جهنم‪ ،‬فإنها تذٌب الجلد كله‪ ،‬تذٌب الجلد كله‪ٌُ{ ،‬صْ َه ُر ِبه} ٌذاب به { َما فًِ‬
‫ُب ُطونِ ِه ْم َوا ْل ُجلُو ُد َولَ ُه ْم َم َقا ِم ُع مِنْ َحدٌِد ُكلَّ َما أَ َرادُوا أَنْ ٌَ ْخ ُر ُجوا ِم ْن َها مِنْ َغم أُعٌِدُوا فٌِ َها َو ُذوقُوا َع َذ َ‬
‫اب‬
‫ٌق} (الحج‪ .)ٕٕ:‬ثٌابهم من نار [تفصٌل] قطعت لهم ثٌاب تفصٌل‪ ،‬هنا ثٌاب التفصٌل بثبلثة ألؾ‬ ‫ا ْل َح ِر ِ‬
‫ونحوها [نجوم] هناك لٌس الثوب من نوع كذا [الفاخر] بل نار‪.‬‬
‫كؤنه ٌقول للشباب‪ ،‬طبعا الشباب ٌكونون حرٌصٌن جدا على ثٌاب التفصٌل من أجل أن ٌبدو جمٌبل أمام‬
‫اآلخرٌن‪ٌ ،‬عرض عن ذكر هللا‪ ،‬وهو ٌعرض عن مجالس اإلرشاد‪ ،‬عن مجالس الهداٌة‪ٌ ،‬عرض عن كتاب‬
‫هللا‪ٌ ،‬عٌش فً أجواء من العشق‪ ،‬والحب‪ ،‬واتباع الشهوات‪ ،‬فهو من ٌبحث عن ثٌاب تفصٌل لٌبدو شكله‬
‫جمٌبل‪ ،‬فٌعرؾ أنه قد ٌكون من أولبك الذٌن تفصل لهم ثٌاب فً جهنم {قُ ِّط َع ْ‬
‫ت لَ ُه ْم ِث ٌَاب مِنْ َنار} ما هذا‬
‫ٌعنً تفصٌل؟‪ .‬فً موضع آخر قال‪َ { :‬س َر ِابٌل ُ ُه ْم مِنْ َقطِ َران َو َت ْؽ َشى وُ جُو َه ُه ُم ال َّنا ُر} لم ٌنس القرآن الكرٌم‬
‫أن ٌتحدث حتى ثٌاب أهل النار‪ ،‬كل شًء ذكره‪.‬‬
‫هذه التفاصٌل قارن بٌنها وبٌن أن تطلِّع على تقرٌر عن مختلؾ األسلحة التً تمتلكها أمرٌكا مثبل‪ ،‬أو‬
‫إسرابٌل [صوارٌخ بعٌدة المدى] [صوارٌخ تحمل رإوسا نووٌة] قنابل [هٌدروجٌنٌة] [قنابل ذرٌة] قنابل‬
‫كذا‪ ،‬وأسلحة متعددة‪ .‬ألٌست كلها من تفاصٌل ما ٌمتلكون من وسابل التعذٌب لآلخرٌن؟‪.‬‬
‫قارن بٌنها وبٌن التفاصٌل التً عرضت فً القرآن الكرٌم عن جهنم‪ ،‬ستجد أن هذه هً قد ما ٌتمناها أهل‬
‫جهنم‪ٌ ،‬تمنون فً جهنم أن ٌكون عذابهم من نوع ما تمتلكه أمرٌكا من أسلحة‪ ،‬وسٌعتبرونه حٌنبذ تخفٌفا‬
‫عظٌما‪ ،‬وسٌشكرون هللا‪ ،‬وٌشكرون زبانٌة جهنم‪ ،‬أن قدموا لهم هذا العذاب الخفٌؾ‪ ،‬اللطٌؾ‪ ،‬البسٌط‪،‬‬
‫وٌسلمون ذلك العذاب الشدٌد فً جهنم‪.‬‬

‫{ َعلَ ٌْ َها َملبِ َكة غِلظ شِ دَ اد}‬


‫ال شك أن من هو فً جهنم وٌقال له سنعذبك بما كان لدى األمرٌكٌٌن فً الدنٌا لرآه هٌنا‪ ،‬لرآه هٌنا‪ ،‬وهو‬
‫هذه األشٌاء التً نخاؾ منها فً الدنٌا‪ ،‬تصنعه أمرٌكا‪ ،‬وتراه فً التلفزٌون عندما ٌنطلق الصاروخ هذا‪،‬‬
‫أو ترى نماذجا من أسلحتهم‪ ،‬أو ترى عروضا عسكرٌة من عساكرهم هم أو أي دولة أخرى‪ ،‬فتخاؾ‪ ،‬أو‬
‫ٌكلمونك عن فرق من الجنود تتدرب تدرٌبا خاصا [كمندوز] أو من ٌتدربون فً معسكرات العملٌات‬
‫الخاصة ‪ ..‬أولبك لٌسوا بشًء أمام خزنة جهنم‪ ،‬خزنة جهنم مدربون تدرٌبا عالٌا على تعذٌب الناس‪،‬‬
‫مبلبكة ؼبلظ شداد كما قال هللا عنهم‪َ { :‬علَ ٌْ َها َمبل ِب َكة ؼِ بلظ شِ َداد} (التحرٌم‪ :‬من اآلٌة‪ )ٙ‬وبؤٌدٌهم مقامع من‬
‫حدٌد تلتهب نارا‪ ،‬كلما حاولت أن تقترب من باب من أبواب جهنم ٌضربونك بها‪ .‬هإالء هم من ٌجب أن‬
‫تخاؾ منهم‪ ،‬ال أن تخاؾ من جنود العملٌات الخاصة أو من جنود [الكمندوز] أو من أي جندي آخر‪،‬‬
‫باستطاعتك أن تقتله‪ ،‬باستطاعتك أن تضربه كما ٌضربك‪ ،‬ولٌس بٌده كتلك المقامع التً بٌد زبانٌة جهنم‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫ألم تتعود الدول على أن تعرض أمام شعوبها فرق من الجنود‪ ،‬تدربوا تدرٌبا خاصا‪ ،‬لٌرعبوا الناس بهم؟!‬
‫ارجع إلى القرآن الكرٌم واستعرض الفرق الخاصة المدربة فً جهنم‪.‬‬
‫فمن الذي ٌجب أن تخاؾ منه زبانٌة جهنم‪ ،‬أم جنود العملٌات الخاصة و [الكمندوز] وؼٌرها من الفرق‬
‫األخرى؟‪.‬‬

‫طعامهم وشرابهم‬
‫ٌقول هللا سبحانه وتعالى‪َ { :‬واسْ َت ْف َتحُوا َو َخ َ‬
‫اب ُك ُّل َجبَّار َعنٌِد مِنْ َو َرا ِب ِه َج َه َّن ُم َوٌُسْ َقى مِنْ َماء َ‬
‫صدٌِد ٌَ َت َجرَّ ُع ُه‬
‫ت مِنْ ُك ِّل َم َكان َو َما ه َُو ِب َمٌِّت َومِنْ َو َرا ِب ِه َع َذاب َؼلٌِظ} (ابراهٌم‪ )ٔ5:‬الصدٌد‪:‬‬ ‫َوال ٌَ َكا ُد ٌُسِ ٌ ُؽ ُه َو ٌَؤْتٌِ ِه ْال َم ْو ُ‬
‫ٌقال بؤنه عصارة أهل النار‪ ،‬القٌح‪ ،‬الصدٌد‪ :‬كل فضبلت أجسامهم المحترقة الملتهبة‪ ،‬هً شراب المجرم‬
‫فً جهنم‪.‬‬
‫وم} (الصافات‪ ،)ٕٙ:‬بعد أن ذكر ما أعد هللا‬ ‫ك َخٌْر ُن ُزال أَ ْم َش َج َرةُ َّ‬
‫الز ُّق ِ‬ ‫ٌقول هللا سبحانه وتعالى‪{ :‬أَ َذلِ َ‬
‫ك َخٌْر ُن ُزال ‪ -‬أي‪ :‬ضٌافة وإكراما ‪ -‬أَ ْم َش َج َرةُ‬ ‫سبحانه وتعالى للمتقٌن من النعٌم العظٌم‪ ،‬قال بعده‪{ :‬أَ َذلِ َ‬
‫ٌِم َط ْل ُع َها َكؤ َ َّن ُه رُإُ وسُ ال َّشٌَاطِ ِ‬
‫ٌن َفإِ َّن ُه ْم‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ٌِن إِ َّن َها َش َج َرة َت ْخ ُر ُج فًِ أصْ ِل ال َجح ِ‬ ‫ِلظالِم َ‬ ‫الز ُّقوم إِ َّنا َج َع ْل َنا َها ِف ْت َنة ل َّ‬
‫َّ ِ‬
‫ون ُث َّم إِنَّ لَ ُه ْم َعلَ ٌْ َها لَ َش ْوبا مِنْ َحمٌِم ُث َّم إِنَّ َمرْ ِج َع ُه ْم َ ِ ْ‬ ‫ون ِم ْن َها ْالب ُ‬‫ون ِم ْن َها َف َمالِ ُب َ‬ ‫َآل ِكل ُ َ‬
‫إللَى ال َجح ِ‬
‫ٌِم}‬ ‫ُط َ‬
‫طو َعة َوال َممْ ُنو َعة}‬‫(الصافات‪ )ٙ8:‬كما تحدث عن الفاكهة الكثٌرة التً لٌست كما قال عنها‪{ :‬ال َم ْق ُ‬
‫(الواقعة‪ )ٖٖ:‬فً الجنة فواكه كثٌرة‪ ،‬العنب والرمان والتفاح‪ ،‬ومختلؾ الفواكه التً قد ال نعرؾ كثٌرا‬
‫منها‪.‬‬
‫هناك فً النار أٌضا شجرة هً فاكهة أهل النار نفس اسمها بشع [زقوم] ألٌس اسما مزعجا؟ اسم ؼٌر‬
‫مقبول‪ ،‬وهكذا بعض المفردات تكون هً ؼٌر مقبولة‪ ،‬حتى لو حاولت أن ٌكون اسمها لشًء جمٌل فاالسم‬
‫ال ٌركب على هذا المسمى‪ ،‬اسمها بشع‪ .‬وهً شجرة حقٌقٌة‪ ،‬وهللا بقدرته سبحانه وتعالى هو القادر على‬
‫أن ٌجعل فً النار أشجارا تتؽذى على النار‪ ،‬وتثمر نارا‪ ،‬وتورق نارا‪ ،‬لٌس هناك ما ٌعجز هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬وإن كان الظالمون قد ٌجادلون فً هذه ‪ ..‬كٌؾ شجرة فً جهنم ونحن نعلم أن النار تحرق‬
‫األشجار!‪.‬‬
‫من المعلوم أنه هنا فً الدنٌا ٌقال أن بعض الحٌوانات جلودها ؼٌر قابلة لبلحتراق هنا فً الدنٌا‪ .‬النار ألم‬
‫ٌجعلها هللا سبحانه وتعالى بردا وسبلما على إبراهٌم وهً نار قد ملبوا بها وادٌا تحرق الطٌر عندما ٌمر‬
‫من فوقها‪ ،‬هللا الذي خلق النار ٌستطٌع وهو قادر على أن ٌجعلها بردا فبل تضر إبراهٌم‪ ،‬وٌستطٌع أن‬
‫ٌخلق أشجارا تنمو فعبل تتؽذى على النار كما تتؽذى أشجار الدنٌا على التربة‪ ،‬والماء‪ ،‬والنور‪ ،‬والهواء‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ٌِم} تخرج هً‪ ،‬تنبت‪ ،‬ألٌس كثٌرا من األشجار هنا فً الدنٌا الناس هم‬ ‫{إِ َّن َها َش َج َرة َت ْخ ُر ُج فًِ أصْ ِل ال َجح ِ‬
‫الذٌن ٌزرعونها‪ ،‬أهل النار ؼٌر مستعدٌن أن ٌزرعوا شجرة الزقوم‪ ،‬لكن هً تخرج رؼما عنهم‪ ،‬تنبت ال‬
‫ٌِم} فً نفس أرض الجحٌم‪َ { .‬ط ْل ُع َها}‪ :‬ثمارها أٌضا بشعة { َكؤ َ َّن ُه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تحتاج إلى مزارع‪َ { ،‬ت ْخ ُر ُج فًِ أصْ ِل ال َجح ِ‬
‫ٌن} كل شًء فً جهنم عذاب‪ ،‬وعذاب حتى معنوي أن تكون ثمرة تلك الشجرة التً هو‬ ‫رُإُ وسُ ال َّشٌَاطِ ِ‬
‫‪88‬‬
‫سٌضطر إلى أكلها الجوع ٌكاد ٌمٌته فٌضطر إلى أكل ثمار هذه الشجرة ثمرة بشعة طلعها كؤنه رإوس‬
‫الشٌاطٌن‪ .‬العرب أنفسهم ٌتخٌلون رإوس الشٌاطٌن بشعة‪ ،‬وإال فنحن ال نشاهد رإوس الشٌاطٌن‪ ،‬وقد‬
‫تكون حقٌقة رإوس الشٌاطٌن شكلها بشع جدا‪.‬‬
‫ون} من شدة الجوع ٌؤكل رؼما عنه من هذه الشجرة الشدٌدة المرارة‬ ‫ُط َ‬‫ون ِم ْن َها ْالب ُ‬
‫ون ِم ْن َها َف َمالِ ُب َ‬ ‫{ َفإِ َّن ُه ْم َآل ِكل ُ َ‬
‫التً ٌقال كما روي فً األثر‪ :‬أنه لو أن قطرة واحدة من هذه الشجرة شجرة الزقوم وقعت فً األرض‬
‫ألمرت على أهل األرض معابشهم‪ ،‬شدٌدة المرارة جدا‪ ،‬وهً أٌضا نار هً تؽلً فً البطن‪َ { ،‬فإِ َّن ُه ْم‬
‫ون ُث َّم إِنَّ لَ ُه ْم َعلَ ٌْ َها لَ َش ْوبا مِنْ َحمٌِم} اإلنسان هنا فً الدنٌا ألٌس ٌتعود على‬ ‫ُط َ‬‫ون ِم ْن َها ْالب ُ‬ ‫َآل ِكل ُ َ‬
‫ون ِم ْن َها َف َما ِل ُب َ‬
‫أن ٌشرب أثناء الطعام؟ ٌؤكل زقوم ثم ٌشرب حمٌما بعده‪ .‬كما قال أٌضا فً آٌة أخرى ٌذكر فٌها هذه‬
‫الز ُّقوم َط َعا ُم ْاألَثٌِم َك ْال ُمه ِْل ٌَ ْؽلًِ فًِ ْالب ُ‬
‫ون} (الدخان‪)ٗ٘:‬‬ ‫ُط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َّ ِ‬ ‫الشجرة أنها نار أٌضا ثمرها نار‪{ :‬إِنَّ َش َج َر َ‬
‫ْ ْ‬
‫ٌِم} (الدخان‪ .)ٗٙ:‬كؽلً الماء الساخن جدا‪.‬‬ ‫‪ -‬كالزٌت المحترق تؽلً فً البطن ‪َ { -‬ك َؽلًِ ال َحم ِ‬
‫ألنه هنا فً الدنٌا عادة ما ٌضل اإلنسان‪ ،‬وما ٌصرفه عن طاعة هللا‪ ،‬وٌصرفه عن مواقؾ الحق‪ ،‬هو ما‬
‫ٌقدم إلٌه من إؼراءات من قبل اآلخرٌن‪ ،‬واإلؼراءات طبعا قد ٌكون كثٌر منها متعلق بقضٌة األكل‬
‫والشراب‪ ،‬وعندما ٌكون اإلنسان نفسه ٌرٌد أن ٌتوفر له الطعام الجٌد والشراب الجٌد والسكن الجٌد ولو‬
‫كان على حساب دٌنه فلٌعرؾ أنه سٌرى تلك متعة قصٌرة تنسى‪ ،‬عارضة فً حٌاته ثم ُنسِ ٌت ثم سٌكون‬
‫له طعام من هذا النوع‪.‬‬
‫عندما ٌؤتً حاكم من الحكام ٌحكم بالباطل عندما تقدم له [جالونا] من العسل عندما تقدم له خروفا‪ ،‬عندما‬
‫تنقله إلى بٌتك وتقدم له ؼداء دسما فٌتعاطؾ معك فٌضٌع حق اآلخرٌن مقابل ما أعطٌته‪ ،‬نقول له هنا‪:‬‬
‫أنت أضعت الدٌن‪ ،‬أضعت الحق مقابل طعام وشراب‪ ،‬أنت ستلقى طعاما وشرابا سٌبا‪ ،‬وإذا كانت تلك‬
‫وجبة واحدة فإنك ستؤكل من ذلك الطعام البشع فً اسمه‪ ،‬البشع فً منظره‪ ،‬الذي هو ٌحرق البطن‪ ،‬ستؤكله‬
‫دابما‪ ،‬دابما‪ ،‬وجبة واحدة تبٌع بها الحق‪ ،‬وجبة واحدة دسمة تبٌع بها دٌنك‪ ،‬وجبة واحدة تدخل فً موقؾ‬
‫باطل؛ ألنه هنا قدم لك ؼداء دسما وقدم لك عسبل‪ .‬هناك فً جهنم ما ٌجب أن تتؤمله‪ ،‬هناك زقوم‪ ،‬وهناك‬
‫صدٌد‪ ،‬وهناك حمٌم‪.‬‬
‫كؤن هللا ٌقول لنا‪ :‬إذا آثرتم هذا الطعام فً الدنٌا‪ ،‬وبعتم به دٌنكم‪ ،‬فإنكم ستجدون طعاما سٌبا تؤكلون منه‬
‫دابما‪ ،‬دابما ال ٌنقطع أكلكم منه‪ ،‬حٌنبذ ٌخاؾ اإلنسان‪.‬‬
‫ألن هللا لرحمته عندما ٌذكر هذه التفاصٌل هو من أجل أن نقارن نحن فً الدنٌا فنخاؾ؛ ألنه ال ٌرٌد أن‬
‫ندخل جهنم إال إذا فرضنا أنفسنا على جهنم رؼما عنها‪ ،‬هللا ال ٌرٌد لعباده أن ٌدخلوا جهنم‪ٌ ،‬هدٌهم‪،‬‬
‫ٌذكرهم‪ٌ ،‬خوفهم ٌعرض تفاصٌل هذه النار ألجل أن تقارن بٌنما تسمع من تفاصٌلها وبٌن ما ٌعرض لك‬
‫فً الدنٌا‪ ،‬طعام وشراب هنا‪ ،‬هناك طعام وشراب‪ ،‬فقارن بٌنهما‪ ،‬حٌنبذ تجد بؤن هذا الطعام والشراب الذي‬
‫ٌقدم لك فً الدنٌا لٌس أهبل ألن تبٌع دٌنك به ثم ٌكون جزاإك طعام وشراب من هذا الطعام والشراب‬
‫السٌا فً نار جهنم‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫هو ال ٌذكر هذه األشٌاء لمجرد حكاٌة مشاهد‪ ،‬قصة‪ ،‬بل ألن هللا سبحانه وتعالى ٌعلم أن فً ذكر هذه‬
‫التفاصٌل إذا ما تؤملناها ما ٌخٌفنا وما ٌردعنا‪ ،‬وسنجدها تفاصٌل ماثلة أمام أعٌننا كلما عرض علٌنا شًء‬
‫من حطام الدنٌا‪.‬‬
‫نقول‪ :‬ال‪ ،‬هذا الطعام ال أقبله ألن وراءه طعام الزقوم‪ ،‬هذا الشراب ال أقبله وإن كان عسبل مصفى ألن‬
‫وراءه الصدٌد والحمٌم‪ ،‬هذا الثوب‪ ،‬هذه البذلة ال أقبلها ألن وراءها ثٌاب من نار‪ ،‬وراءها سرابٌل من‬
‫قطران‪ ،‬وهكذا تجد فً تفاصٌل جهنم إذا كنت واعٌا ما ٌجعلك تقارن فً كل مسٌرة حٌاتك عندما تتعرض‬
‫لئلؼراءات من قبل اآلخرٌن التً هً عادة تتعلق بقضٌة الشراب والطعام‪.‬‬

‫المساكن فً جهنم‬
‫ظلَل} (الزمر‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔٙ‬ألٌست‬ ‫ظلَل م َِن ال َّنار َومِنْ َتحْ ت ِِه ْم ُ‬ ‫وٌقول هللا سبحانه وتعالى‪{ :‬لَ ُه ْم مِنْ َف ْوق ِِه ْم ُ‬
‫ِ‬
‫هذه مساكن؟ مساكن فً النار على هذا النحو‪ ،‬السقؾ كله نار‪ ،‬واألرض كلها نار‪ ،‬وما حولهم كله نار‪.‬‬
‫ٌتحدث حتى عن ما ٌشبه المساكن؛ ألن من ٌرٌد لنفسه مسكنا جمٌبل ٌرٌد قصورا فخمة وٌكون طامعا‬
‫فٌها‪ ،‬قد ٌصل به طمعه إلى أن ٌحصل على مبانً من هذه وإن كان مقابل دٌنه فٌدخل فً الباطل‪ ،‬وٌإٌد‬
‫الباطل‪ ،‬وٌصبح صادا عن سبٌل هللا وحربا ألولٌاء هللا؛ ألنه ٌرٌد مسكنا جمٌبل‪ .‬فلٌتذكر بؤنه هناك فً‬
‫ك} (الزمر‪ :‬من اآلٌة‪)ٔٙ‬‬ ‫ظلَل َذلِ َ‬ ‫ظلَل م َِن ال َّنار َومِنْ َتحْ ت ِِه ْم ُ‬ ‫جهنم سٌكون بدال من مسكنه { َل ُه ْم مِنْ َف ْوق ِِه ْم ُ‬
‫ِ‬
‫ون} (الزمر‪ :‬من اآلٌة‪،)ٔٙ‬‬ ‫ك ٌ َُخوِّ ؾُ َّ‬
‫هللا ُ ِب ِه عِ َبا َدهُ ٌَا عِ َبا ِد َفا َّتقُ ِ‬ ‫الحدٌث عن ذلك هو لتخوٌؾ هللا لعباده { َذلِ َ‬
‫خافوا أن تكونوا ممن لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل‪.‬‬
‫متى ما اشتدت حرارة الشمس وهً من فوقنا وبعٌدة جدا عنا ألسنا نهرب لنبحث عن الظل؟ أو تحمل‬
‫(شمسٌة) أو أي شًء تقً به نفسك من حرارة الشمس‪ ،‬أما فً جهنم لٌس هناك ما تقً نفسك منه‪ ،‬حتى‬
‫ما ٌبدو أمامك وأنت فً جهنم وكؤنه ظل هناك هو ظل خادع هو حمٌم‪ ،‬هو نار‪ٌ .‬قال أنه حتى فً جهنم‬
‫ك‬‫ٌتجمع دخان وٌتراء وكؤنه ظبلل‪ ،‬فٌنطلق وإذا كله نار‪ ،‬ذلك الذي ٌراه على شكل ظبلل كله نار‪َ { .‬ذلِ َ‬
‫ٌ َُخوِّ ؾُ َّ‬
‫هللا ُ ِب ِه عِ َبا َدهُ} (الزمر‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔٙ‬فهذا هو الذي ٌجب أن نخافه‪ٌ ،‬خوؾ هللا وهو إلهنا‪ ،‬وهو ربنا‪،‬‬
‫وهو الرحٌم بنا؛ ألنه ال ٌرٌد أن نقع فً هذا العذاب‪.‬‬
‫ولذلك تجد أهل النار فً األخٌر ٌرون أن هللا سبحانه وتعالى لم ٌكن من جانبه أي تقصٌر‪ ،‬وأن كل من‬
‫ٌدخل جهنم سٌرى نفسه جدٌرا فعبل بؤن ٌعذب فٌها‪ ،‬وأن ٌصرخ بملا فٌه فٌها‪ ،‬أما هللا فبل تقصٌر عنده‪،‬‬
‫سٌعرؾ أن رحمته عرضت علٌه فً الدنٌا‪ ،‬وٌعلم أن هللا خوفه فً الدنٌا‪ ،‬وأنه الذي كان ٌعرض عن‬
‫تخوٌؾ هللا‪ ،‬وأنه الذي كان ٌخاؾ ما لدى اآلخرٌن أكثر مما عند هللا‪ ،‬وهذه هً الحماقة أن نخاؾ ما عند‬
‫اآلخرٌن وال نخاؾ ما عند هللا‪.‬‬
‫ٌقول عن أهلها أٌضا‪ُ { :‬كلَّ َما أَ َرادُوا أَنْ ٌَ ْخ ُر ُجوا ِم ْن َها مِنْ َغم أُعِ ٌدُوا فٌِ َها} (الحج‪ :‬من اآلٌةٕٕ) قد تسجن‬
‫فً الدنٌا فً سجن وال ترى أنك فً كل ساعة تسعى إلى باب السجن لتحاول أن تخرج منه‪ ،‬قد تكون فً‬
‫زنزانة‪ ،‬أو فً ؼرفة فتستقر فٌها لكن هنا نار ملتهبة‪ ،‬نار شدٌدة‪ ،‬جسمك كله ٌلتهب نارا وتشرب صدٌدا‪،‬‬
‫وتشرب حمٌما‪ ،‬فٌقطع أمعاءك‪ٌ ،‬ؤتً الفرق داخل جهنم من زبانٌتها ٌصبون فوق رأسك الحمٌم؛ ألنه هنا‬
‫صبُّ مِنْ َف ْو ِق رُإُ وسِ ِه ُم ْال َحمٌِ ُم} (الحج‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔ9‬أنت ال تحاول فً جهنم أن تؽرؾ من مابها‬ ‫ٌقول‪َ ٌُ { :‬‬
‫ٓ‪9‬‬
‫الساخن وتصبه علٌك لكن هناك من ٌمسكك وٌصب الحمٌم من فوق رأسك [ٌُصبُّ ‪ ،‬فعل مبنً للمجهول]‬
‫أي أن هناك طرفا آخر هو ٌصب الحمٌم من فوق رأسك‪.‬‬
‫هناك داخلها مبلبكة ؼبلظ شداد‪ٌ ،‬مسكك وٌصب من فوق رأسك الحمٌم‪ ،‬وٌشرِّ بك الصدٌد رؼما عنك‬
‫{ ٌَ َت َجرَّ ُع ُه َوال ٌَ َكا ُد ٌُسِ ٌ ُؽ ُه َو ٌَؤْتٌِ ِه} (إبراهٌم‪ :‬من اآلٌة‪ )ٔ5‬فً السجون هنا فً الدنٌا ٌقدمون لك طعاما‬
‫وٌقدمون لك شرابا‪ ،‬أجواء الزنزانة‪ ،‬أجواء السجن كلها باردة‪ ،‬بل قد ترى نفسك بحاجة إلى لحاؾ‪ ،‬وأنت‬
‫ال تحاول فً كل لحظة أن تتجه نحو باب السجن لتخرج منه‪.‬‬
‫ٌتمنى اإلنسان لو كانت جهنم مثل هذه السجون لرآها أهلها نعمة كبٌرة أن تكون جهنم وإن كانوا خالدٌن‬
‫فٌها أبدا وهً من نوع سجون الدنٌا‪ ،‬وفٌها وسابل التعذٌب التً فً السجون هنا فً الدنٌا لكانت هٌنة‪،‬‬
‫لكانت هٌنة ‪ ..‬هنا أهل جهنم ٌسعى كل واحد منهم ٌتجه نحو بابها‪ٌ ،‬رٌد أن ٌخرج‪ ،‬هذا نفسه عذاب‪،‬‬
‫ٌحاول حتى ٌصل نحو الباب فٌجد أبوابا موصدة { َعلٌَ ِْه ْم َنار م ُْإ َ‬
‫ص َدة} (البلد‪ )ٕٓ:‬مؽلقة محكمة اإلؼبلق‬
‫{فًِ َع َمد ُم َم َّد َدة} (الهمزة‪ )9:‬من ورابها عمد‪ :‬أعمدة من الحدٌد‪ ،‬من الجانب هذا إلى الجانب هذا‪ ،‬ال‬
‫ٌستطٌع أبدا أن ٌحركها‪ ،‬ال ٌستطٌع أهلها أبدا أن ٌفتحوها‪ ،‬وهناك بجانب األبواب من زبانٌتها الؽبلظ‬
‫الشداد من ٌضربونهم بمقامع من حدٌد‪.‬‬
‫ألٌس هذا هو تعذٌب رهٌب؟ حالة من الؽم الشدٌد؟ وهل هو شهر؟ هل هو سنة؟ لنقول ألنفسنا نحن عندما‬
‫نفكر فً أي عمل فتظهر أمام أذهاننا قابمة من السجون‪ ،‬لقد ترى أطول عقوبة أن تسجن عشرٌن سنة فً‬
‫سجن عادي‪ ،‬أما جهنم فلٌست سنة وال سنتٌن‪ ،‬وال مابة سنة‪ ،‬وال ألؾ سنة‪ ،‬وال ملٌار سنة‪ ،‬ملٌارات‬
‫السنٌن ال تنتهً وهذا هو الشًء الذي ٌرعب اإلنسان‪ ،‬والذي ٌجب أن نخاؾ منه جمٌعا‪ :‬الخلود فً جهنم‪.‬‬
‫قالوا أنه لو قٌل ألهل جهنم أنكم ستبقون فٌها وفً األرض ما بٌن السماوات واألرض ملًء بحبات‬
‫الخردل‪ ،‬وفً كل سنة ٌؤتً طابر ٌؤخذ حبة واحدة منها ‪ -‬حبات الخردل حبات صؽٌرة قد تكون كحبات‬
‫الدخن أو أصؽر ‪ -‬وما بٌن السماوات واألرض ممتلا حبات خردل‪ ،‬وٌقال لهم ستبقون حتى تنتهً هذه‬
‫الحبات الخردل لفرحوا‪ ،‬لفرحوا‪ .‬وتصور أنت كم سٌتسع مثل هذا المجلس من حبات الخردل؟ كم‬
‫ملٌارات! تصور أنت كم ٌتسع هذا الفضاء ما بٌن السماوات واألرض من حبات الخردل‪ ،‬وفً كل سنة‬
‫فقط فً كل سنة ٌؤخذ طابر حبة واحدة‪ ،‬لفرحوا؛ ألنهم حٌنبذ سٌعلمون أن هناك نهاٌة‪ ،‬أن هناك نهاٌة لهذا‬
‫العذاب ولٌكن ملٌارات‪ ،‬ملٌارات السنٌٌن‪.‬‬
‫ألٌس هذا الشًء مزعجا شًء مرعب جدا؟ إذا قٌل للواحد منا‪ :‬أنت ستسجن ثبلث سنٌن‪ ،‬قد ٌخرج من‬
‫دٌن هللا وٌكفر باإلسبلم خوفا من أن ٌسجن ثبلث سنٌن‪ ،‬وقد ٌتخلؾ عن أي عمل هو مما ٌنجِّ ٌه من جهنم‬
‫خوفا من أن ٌسجن سنة واحدة‪ ،‬أما جهنم فالخلود فٌها فً حد ذاته هو الشًء الذي ٌجب أن ٌزعج كل‬
‫إنسان مسلم‪.‬‬

‫{ َوإِ َذا أ ُ ْلقُوا ِم ْن َها َم َكانا َ‬


‫ضٌِّقا ُم َقرَّ ن َ‬
‫ٌِن} (الفرقان‪ :‬من اآلٌةٖٔ) مصفدٌن بالقٌود‪ ،‬هناك العذاب‪ ،‬هناك‬
‫ك ُثبُورا} (الفرقان‪ :‬من اآلٌةٖٔ) واثبوراه‪ ،‬واهبلكاه‪ ،‬معناه دعوا بالهبلك‪ٌ .‬رون‬ ‫الحسرات { َد َع ْوا ُه َنالِ َ‬
‫أنفسهم فً أماكن مضٌقة من جهنم وهم مقٌدون تتحول قٌودهم إلى نار‪ ،‬وأجسادهم إلى نار‪ ،‬وعن أٌمانهم‪،‬‬

‫ٔ‪9‬‬
‫وعن شمابلهم‪ ،‬ومن فوقهم‪ ،‬ومن تحتهم طبقات من النار‪ٌ ،‬دعون هنالك بالثبور [واثبوراه] معناها‪:‬‬
‫واهبلكاه‪ٌ .‬عنً‪ :‬ما أسوأ ما نحن فٌه‪ .‬نعوذ باِّل‪.‬‬

‫ال موت و ال تخفٌف‬


‫ضى َعلٌَ ِْه ْم َف ٌَمُو ُتوا َوال ٌ َُخ َّفؾُ َع ْن ُه ْم مِنْ‬ ‫وٌقول أٌضا سبحانه وتعالى‪َ { :‬والَّذ َ‬
‫ٌِن َك َفرُوا لَ ُه ْم َنا ُر َج َه َّن َم ال ٌُ ْق َ‬
‫صالِحا َؼٌ َْر الَّذِي ُك َّنا َنعْ َمل}‬ ‫ون فٌِ َها َر َّب َنا أَ ْخ ِرجْ َنا َنعْ َم ْل َ‬‫ك َنجْ ِزي ُك َّل َكفُور َو ُه ْم ٌَصْ َط ِر ُخ َ‬
‫َع َذ ِاب َها َك َذلِ َ‬
‫(فاطر‪ :‬من اآلٌة‪ٌ .)ٖ5‬صطرخون صراخا شدٌدا‪ ،‬صراخ األلم‪ ،‬صراخ الحسرة { َر َّب َنا أَ ْخ ِرجْ َنا َنعْ َم ْل‬
‫صالِحا َؼٌ َْر الَّذِي ُك َّنا َنعْ َمل} ماذا ٌقال لهم؟ {أَ َولَ ْم ُن َعمِّرْ ُك ْم َما ٌَ َت َذ َّك ُر فٌِ ِه َمنْ َت َذ َّك َر} (فاطر‪ :‬من اآلٌة‪)ٖ5‬‬ ‫َ‬
‫العمر الذي ٌكفً أن ٌتذكر فٌه منكم من أراد أن ٌتذكر فٌعمل فٌه األعمال الصالحة التً أنتم اآلن‬
‫تطلبونها‪ ،‬هناك فً الدنٌا عمرتم طوٌبل أعمارا طوٌلة وهً أعمار كانت كافٌة‪ ،‬تكفً من كان منكم ٌرٌد‬
‫أن ٌتذكر فٌعرؾ أن األعمال الصالحة هً الوسٌلة لنجاته من جهنم فٌنطلق فٌها‪.‬‬
‫من ٌتذكر فٌما قدم إلٌه من تذكٌر هللا من القرآن الكرٌم والرسول (صلوات هللا علٌه وعلى آله) { َو َجا َء ُك ُم‬
‫ال َّنذٌِ ُر} (فاطر‪ :‬من اآلٌة‪ )ٖ5‬جاءكم من ٌنذركم فً الدنٌا { َف ُذوقُوا} (فاطر‪ :‬من اآلٌة‪ )ٖ5‬ال خروج‪ ،‬وال‬
‫ٌِن مِنْ َنصِ ٌر} (فاطر‪ :‬من اآلٌة‪ )ٖ5‬لن تجدوا هناك من ٌنصركم‪.‬‬ ‫تخفٌؾ‪ ،‬وال رحمة‪َ { ،‬ف َما ل َّ‬
‫ِلظالِم َ‬
‫نار جهنم {ال ٌُ ْق َ‬
‫ضى َع َلٌ ِْه ْم َف ٌَمُو ُتوا} فٌكون الموت راحة‪ ،‬الموت الذي ٌخاؾ الناس منه هنا فً الدنٌا‬
‫فٌقعد‪ ،‬ال ٌقول كلمة الحق خوفا من الموت‪ ،‬ال ٌقؾ موقؾ الحق خوفا من أن ٌموت‪ ،‬مع أنها احتماالت كم‬
‫فً التارٌخ من شواهد ألبطال قاتلوا واستبسلوا‪ ،‬وتعرضوا للموت‪ ،‬وخاضوا ؼمار الموت‪ ،‬ولم ٌنلهم شًء‬
‫‪ ..‬ماتوا على فراشهم‪ ،‬وهم من كانوا ٌرٌدون أن ٌموتوا فً مٌادٌن القتال‪ ،‬أي أن الموت هنا محتمل‪ ،‬فً‬
‫المواقؾ‪ ،‬فً مٌادٌن الجهاد هو ما ٌزال احتماال فقط‪.‬‬
‫من هو ذلك الذي ٌقطع بؤنه سٌموت حتما إذا ما قال كلمة حق‪ ،‬أن هناك من سٌمٌته ال شك‪ ،‬أن هناك من‬
‫سٌمٌته ال شك إذا وقؾ موقفا صحٌحا‪ ،‬من هو ذلك من الناس الذي ٌمكن أن ٌقطع بهذا؟ وعلى الرؼم من‬
‫ذلك من أنها مجرد احتماالت نخاؾ‪ ،‬نقعد‪ ،‬ونتواصى بالخنوع‪ ،‬ونتواصى بالذل بدال من التواصً بالحق‬
‫والتواصً بالصبر علٌه‪.‬‬
‫هناك فً جهنم ‪ -‬هذا الموت الذي ٌخاؾ الناس منه فً الدنٌا فٌصل بهم الخوؾ منه إلى دركات جهنم‬
‫وإلى هذا العذاب الشدٌد ‪ -‬سٌصبح نعمة كبرى ٌتمنونها لو كان باإلمكان أن ٌحصلوا علٌها‪.‬‬
‫ت ُت َرابا} (النبؤ‪ :‬من اآلٌةٓٗ) ٌتمنى أهل جهنم أن‬ ‫ت ٌَ َداهُ َو ٌَقُو ُل ْال َكا ِف ُر ٌَا لَ ٌْ َتنًِ ُك ْن ُ‬ ‫{ ٌَ ْو َم ٌَ ْن ُ‬
‫ظ ُر ْال َمرْ ُء َما َق َّد َم ْ‬
‫ٌموتوا‪ٌ ،‬تمنون أن ٌموتوا‪ ،‬وحٌنبذ سٌرون الموت ولو كانت سكراته شدٌدة‪ ،‬ومزعجة‪ ،‬أقسى أنواع الموت‬
‫لدٌهم لرأوها نعمة‪ ،‬لرأوها نعمة كبٌرة؛ ألنهم سٌصلون إلى حالة ال ٌحسون معها بؤلم ذلك العذاب الشدٌد‬
‫جهنم‪ ،‬فهم ال ٌقضى علٌهم فٌموتوا‪ ،‬فٌكون الموت راحة لهم‪ ،‬لو كان ٌمكن أن ٌموتوا‪ ،‬وال ٌخفؾ عنهم‬
‫ب}‬‫من عذابها‪ ،‬ال ٌخفؾ لحظة واحدة‪ ،‬ال ٌخفؾ ٌوما واحدا‪ْ { .‬ادعُوا َر َّب ُك ْم ٌ َُخ ِّفؾْ َع َّنا ٌَ ْوما م َِن ْال َع َذا ِ‬
‫(ؼافر‪ :‬من اآلٌة‪ٌ )ٗ9‬قول أهل النار لمالك خازن جهنم‪ْ { :‬ادعُوا َر َّب ُك ْم ٌ َُخ ِّفؾْ َع َّنا ٌَ ْوما} ٌوما واحدا من‬
‫العذاب‪ ،‬وال ٌوم واحد‪ٌ ،‬وم واحد فً ملٌار سنة على األقل ‪ ..‬ال ٌقبل وال ٌوم واحد‪.‬‬

‫ٕ‪9‬‬
‫ألٌس هذا هو ما ٌخٌؾ اإلنسان؟ ألٌس كل شًء فً هذه الدنٌا مما ٌخوفنا به اآلخرون ٌبدو هٌنا‪ ،‬وٌبدو‬
‫نعمة عند أهل النار‪ ،‬لو كان باإلمكان أن ٌكون عذابهم كمثله؟ { َك َذ ِل َ‬
‫ك َنجْ ِزي ُك َّل َكفُور} (فاطر‪ :‬من‬
‫اآلٌة‪ )ٖٙ‬ألن هللا ال ٌظلم أحدا؛ ألنهم هم من كانوا فً الدنٌا كافرٌن بنعم هللا‪ ،‬كافرٌن بآٌات هللا‪ ،‬صادٌن‬
‫عن سبٌله‪ ،‬ؼٌر مستجٌبٌن له‪ ،‬هكذا ٌكون جزاإنا لكل كفور‪.‬‬

‫المنافقون فً جهنم ‪ (....‬عذاب خاص بهم )‬


‫ووجدنا القرآن الكرٌم ٌنص على أن فبة هً محسوبة ضمن المسلمٌن هم سٌكونون فً الدرك األسفل من‬
‫النار‪ ،‬هم المنافقون‪ ،‬فً الدرك األسفل من النار؛ ألنهم أخبث عباد هللا‪ ،‬ألنهم أسوأ البشر‪ ،‬ألنهم أرجس‬
‫وألعن البشر جمٌعا‪ ،‬قال هللا عنهم لرسوله (صلوات هللا علٌه وعلى آله)‪ُ { :‬ه ُم ْال َع ُد ُّو َفاحْ َذرْ ُه ْم} (المنافقون‪:‬‬
‫من اآلٌةٗ)‪.‬‬
‫المنافقون هم فبة تعمل فً أوساط المسلمٌن تثبطهم عن نصر دٌن هللا‪ ،‬تخوفهم‪ ،‬ترعبهم‪ ،‬ترجؾ قلوبهم‪،‬‬
‫تشٌع الشابعات التً تقلق نفوسهم‪ ،‬تشٌع الشابعات التً ترعب قلوبهم‪ .‬المنافقون فً كتاب هللا الكرٌم‬
‫تحدث عنهم أسوأ مما تحدث عن الٌهود‪ ،‬والنصارى‪ ،‬والمجوس‪ ،‬والكافرٌن‪ ،‬إذا كانت جهنم لها سبعة‬
‫أبواب‪ ،‬ودركاتها متفاوتة فً الشدة‪ ،‬فإن المنافقٌن فً الدرك األسفل من النار‪.‬‬

‫الخلود فً جهنم‬
‫حقٌقة مرعبة أثبتها القرآن الكرٌم‬

‫ٌِن فٌِ َها أَ َبدا} (النساء‪ :‬من اآلٌة‪َ { )ٔٙ9‬خالِد َ‬


‫ٌِن فٌِ َها} تكرر كثٌرا‪.‬‬ ‫وتكرر الحدٌث عن الخلود فٌها‪َ { :‬خالِد َ‬
‫والخلود فً جهنم‪ ،‬الزٌدٌة هم الطابفة ‪ -‬أعتقد ‪ -‬الوحٌدة الذٌن ٌإمنون بما نص علٌه القرآن الكرٌم من‬
‫خلود أهل النار فً النار‪ ،‬أما اآلخرون فهم من حاولوا ‪ -‬ألن القضٌة مزعجة جدا ‪ -‬من حاولوا أن ٌبحثوا‬
‫عن أي مخرج من الخلود فً جهنم لٌطمبنوا أنفسهم نوعا ما‪.‬‬
‫البعض ٌقولون أنهم سٌخرجون من النار و القرآن الكرٌم ٌقول لهم كما قال للٌهود عندما قالوا‪{ :‬لَنْ َت َم َّس َنا‬
‫هللا ُ َع ْه َدهُ} (البقرة‪ :‬من اآلٌةٓ‪ ،)8‬هل عندكم‬ ‫ِؾ َّ‬ ‫ال َّنا ُر إِ َّال أٌََّاما َمعْ ُدو َدة قُ ْل أَ َّت َخ ْذ ُت ْم عِ ْن َد َّ ِ‬
‫هللا َعهْدا َفلَنْ ٌ ُْخل َ‬
‫ُون} (البقرة‪:‬‬ ‫ون َعلَى َّ ِ‬
‫هللا َما ال َتعْ لَم َ‬ ‫عهد؟ هل عندكم ضمانة أن النار لن تمسكم إال أٌاما معدودة؟ {أَ ْم َتقُول ُ َ‬
‫من اآلٌةٓ‪ .)8‬بل أنتم تقولون على هللا قوال افتراء علٌه‪َ { .‬بلَ َى} ٌإكد من جدٌد أن هذه العقٌدة باطلة { َبلَى‬
‫ت ِب ِه َخطِ ٌ َب ُت ُه َفؤُولَ ِب َ َ‬ ‫ب َس ٌِّ َبة َوأَ َحا َط ْ‬
‫ون} (البقرة‪.)8ٔ:‬‬ ‫ار ُه ْم فٌِ َها َخالِ ُد َ‬‫ك أصْ َحابُ ال َّن ِ‬ ‫َمنْ َك َس َ‬

‫ٖ‪9‬‬
‫هل لدٌنا عهد من هللا؟ فما بالنا‪ ،‬كلنا‪ ،‬علماإنا‪ ،‬عبادنا‪ ،‬وجهاإنا‪ ،‬أفرادنا‪ ،‬طبلبنا‪ .‬كلنا قاعدون وكلنا نرى‬
‫أنفسنا أنه ال أثر لنا فً هذه الحٌاة‪ ،‬ولٌس لنا عمل فً مجال نصر دٌن هللا‪ ،‬فً مجال إعبلء كلمته‪ ،‬فً‬
‫إصبلح عباده‪ ،‬فً محاربة المفسدٌن فً أرضه‪ .‬هل هناك عمل ٌذكر؟ كؤننا نمتلك عقٌدة أنه ال موت‪ ،‬وال‬
‫بعث‪ ،‬وال حساب‪ ،‬وال جنة وال نار { َب ْل َك َّذبُوا ِبالسَّا َع ِة} (الفرقان‪ :‬من اآلٌةٔٔ) الساعة القٌامة البعث‬
‫ب ِبالسَّا َع ِة َسعٌِرا} (الفرقان‪ :‬من اآلٌةٔٔ) نارا تستعر تتلهب‪ ،‬تتوقد‪{ ،‬إِ َذا َرأَ ْت ُه ْم مِنْ َم َكان‬
‫{ َوأَعْ َت ْد َنا لِ َمن َك َّذ َ‬
‫َبعٌِد} (الفرقان‪ :‬من اآلٌةٕٔ) تبدو هً مشتاقة ألعداء هللا‪ ،‬تلتهمهم‪.‬‬
‫{إِ َذا َرأَ ْت ُه ْم مِنْ َم َكان َبعٌِد} هل لجهنم أعٌن ترى بها أولبك‪ ،‬أم أنه تصوٌر؟ أنها لما كانت هً محط ؼضب‬
‫هللا فإنها هً من تتلهؾ شوقا إلى أن تلتهم أعداء هللا فكؤنها هً التً تبحث عنهم {إِ َذا َرأَ ْت ُه ْم مِنْ َم َكان َبعٌِد‬
‫َس ِمعُوا لَ َها َت َؽٌُّظا َو َزفٌِرا} (الفرقان‪ ،)ٕٔ:‬تستعر‪ ،‬تلتهب لشدة تؽٌظها وؼٌظها على أعداء هللا‪َ { .‬ت َؽٌُّظا‬
‫َو َزفٌِرا} صوت هو صوت المتؽٌظ الذي ٌمتلا ؼٌظا على الطرؾ اآلخر‪ ،‬وزفٌرا‪ ،‬الزفٌر‪ :‬هو صوت‬
‫اإلنسان عندما ٌخرج الهواء من فمه قوٌا‪ ،‬والشهٌق هو عودة النفس بقوة إلى الداخل‪.‬‬

‫هل هناك من سٌدخل النار من المسلمٌن أم أنه لن ٌدخلها اال الكافرٌن فقط ؟‬
‫نحن هنا نسمع فً هذه اآلٌات { َوالَّذ َ‬
‫ٌِن َك َفرُوا} (فاطر‪ :‬من اآلٌة‪ )ٖٙ‬وكؤنه فقط أولبك الكافرون أما نحن‬
‫من قد أسلمنا ‪ -‬ولو انطلقنا فً أعمال كؤعمال الكافرٌن ‪ -‬فإننا بعٌدون عن هذا التهدٌد‪ ،‬وعن هذا الوعٌد‪.‬‬
‫هل هذا صحٌح أم ال؟ لٌس صحٌحا أنه فقط من ٌحملون اسم كافر هم وحدهم من سٌعذبون؛ ألن الكافر ال‬
‫ٌعذب على اسمه‪ ،‬ألن اسمه كافر! ٌعذب على أعماله أعمال ٌعملها‪ :‬إعراض عن دٌن هللا‪ ،‬صد عن سبٌل‬
‫هللا‪ ،‬عمل فً سبٌل الطاؼوت‪.‬‬
‫أو لم ٌكن فً المسلمٌن من كانت أعمالهم أسوأ من أعمال أولبك الكافرٌن؟ بلى هناك فً المسلمٌن من‬
‫ٌظلم‪ ،‬فً المسلمٌن من ٌصد عن سبٌل هللا‪ ،‬فً المسلمٌن من ٌقتل القابمٌن بالقسط من عباد هللا‪ .‬فهل أن هللا‬
‫سبحانه وتعالى إنما ٌعذب أولبك على أعمالهم ألن اسمهم كافرٌن؟!‪.‬‬
‫اإلسلم لٌس عبارة عن رخصة للعصاة و المجرمٌن‬
‫أما أنت متى حملت اسم إسبلم فلن تعذب؟ سٌصبح الحال حٌنبذ ٌصبح اإلسبلم عبارة عن رخصة‬
‫للمجرمٌن‪ ،‬أنت ترٌد أن تحصل على ترخٌص لترتكب كل الجرابم ثم ال تعذب؟ إذا قل‪[ :‬ال إله إال هللا‬
‫محمد رسول هللا]‪ٌ .‬صبح اإلسبلم هكذا‪ ،‬وٌصبح الكافرون كل واحد منهم أحمق‪ .‬أنت لم تسلم ألنك ال ترٌد‬
‫أن تبتعد عن هذه األعمال التً أنت علٌها‪ .‬أسلم إذا وبإمكانك أن تستمر علٌها‪ ،‬ثم عندما تقدم فً ٌوم‬
‫القٌامة سٌشفع لك محمد‪ ،‬وتدخل الجنة!‪ٌ .‬صبح اإلسبلم حٌنبذ وسٌلة أمن للمجرمٌن‪ ،‬وبطاقة ترخٌص‬
‫للمجرمٌن‪.‬‬
‫فبدال من أن تكون مجرما‪ ،‬تتهدد بهذا التهدٌد الشدٌد‪ ،‬وٌواجهك المسلمون باالحتقار‪ ،‬وٌواجهونك بسٌوفهم‬
‫فً الدنٌا‪ ،‬كن مجرما محترما‪ ،‬اسلم لتكن مجرما محترما‪.‬‬

‫ٗ‪9‬‬
‫ألٌس هذا هو إسبلم من ٌقولون بؤن الشفاعة ألهل الكبابر؟! اإلنسان هو اإلنسان‪ ،‬رؼباته‪ ،‬شهواته‪،‬‬
‫مطامعه‪ ،‬هو هو‪ ،‬سواء كان ٌهودٌا‪ ،‬أو نصرانٌا‪ ،‬أو وثنٌا كافرا‪ ،‬أو مسلما‪.‬‬
‫أنظر إلى واقع الناس فً هذه الدنٌا اآلن‪ ،‬فً هذا الزمان‪ ،‬ألٌس البشر فٌها من طوابؾ كثٌرة؟ الٌهودي‬
‫والنصرانً‪ ،‬والوثنً‪ ،‬والمسلم‪ ،‬والمسلمون باختبلؾ طوابفهم؟ انظر إلى واقعهم كناس رؼباتهم واحدة‪،‬‬
‫شهواتهم واحدة‪ ،‬مطامعهم واحدة‪ ،‬اإلنسان هو اإلنسان‪ ،‬الجرابم التً تنطلق منك وأنت كافر هً نفسها إذا‬
‫ما سرت وراء شهواتك هً نفسها التً ستنطلق منك وأنت مسلم‪ ،‬تنطلق من الٌهودي‪ ،‬والنصرانً بشكل‬
‫واحد سواء‪.‬‬
‫إذا فلماذا مجرمون ٌعذبون‪ ،‬ومجرمون ال ٌعذبون؛ ألنهم ٌحملون أسماء مختلفة! هل هناك بٌن هللا وبٌن‬
‫أحد قرابة؟ أو هللا سبحانه وتعالى ٌداهن أحدا‪ ،‬أو ٌكٌل بمكٌالٌن‪ ،‬كما نقول عن أمرٌكا؟ الناس هنا ٌقولون‬
‫عن أمرٌكا‪ :‬أنها تكٌل بمكٌالٌن‪.‬‬
‫إذا ما انطلق اإلسرابٌلً لٌقتل الفلسطٌنً ال تلتفت إلٌه‪ ،‬وال تدٌنه‪ ،‬وإذا ما اتجه الفلسطٌنً لٌقاوم وٌدافع‬
‫عن نفسه المحتل ألرضه قالوا‪ :‬إرهابً‪ .‬قالوا‪ :‬هذا كٌل بمكٌالٌن‪ .‬لماذا ال تعاملهم سواء على األقل؟‬
‫فتقول‪ :‬هذا عنؾ‪ ،‬وهذا عنؾ‪ ،‬وهذا إرهاب‪ ،‬وهذا إرهاب‪.‬‬
‫حٌنبذ ستصبح القضٌة هكذا‪ :‬أن هللا سٌكٌل مع الناس بمكٌالٌن‪ ،‬فمجرمون ٌنطلقون فً شتى الجرابم‪،‬‬
‫وكبارها‪ٌ ،‬ظلمون عباد هللا‪ ،‬وٌصدون عن سبٌل هللا‪ ،‬وٌحرفون دٌنه‪ ،‬وٌنشرون الفساد فً أرضه‪،‬‬
‫وٌهتكون أعراض عباده ثم سٌشفع لهم محمد‪.‬‬
‫الكافر ماذا ٌعمل إذا؟! هل هناك نوع آخر لدى الكافر؟ إنما ٌعمل هكذا عندما نقول‪ :‬إن الزنا محرم‪ ،‬هو‬
‫محرم‪ ،‬لكن لماذا ٌعذب علٌه الكافر وال ٌعذب علٌه من اقترفه ممن ٌحمل اسم إسبلم؟ ألٌست عملٌة‬
‫واحدة؟ وجرٌمة واحدة عند الٌهودي‪ ،‬والنصرانً‪ ،‬والكافر والمسلم؟ هً فاحشة‪ .‬الظلم هو نفسه‪ .‬لٌس‬
‫هناك نوع من الظلم ال ٌمكن أن ٌصدر من الكافر‪ ،‬أو ال ٌمكن أن ٌصدر من المسلم‪ ،‬األعمال واحدة التً‬
‫نرٌد أن نفهمها‪ :‬أن الناس كل الناس على اختبلؾ العناوٌن اتجاهاتهم واحدة‪ ،‬وجرابمهم‪ ،‬ومطامعهم‪،‬‬
‫وشهواتهم‪ ،‬ومقاصدهم واحدة ‪ ..‬فلماذا ناس ٌعذبون وناس ال ٌعذبون على جرابمهم؟ ٌصبح الدٌن حٌنبذ‬
‫بدال من أن ٌكون دٌنا للحٌاة‪ ،‬بدال من أن ٌكون دٌنا لمكافحة الجرٌمة‪ ،‬بدال من أن ٌكون دٌنا كما قال هللا‬
‫عنه‪ :‬لٌزكً النفوس‪ ،‬لٌطهرها ٌصبح عبارة عن رخصة لكل من ٌرٌد أن ٌستمر فً إجرامه‪.‬‬
‫فبدال من أن تبقى مستحقا للعذاب الشدٌد‪ ،‬أسلم‪ .‬واإلسبلم مجرد قول‪ ،‬ثم َ‬
‫ابق على أعمالك! وحٌنبذ ال‬
‫جهنم‪ ،‬وحٌنبذ ستدخل الجنة مع المإمنٌن‪ ،‬وسٌشفع لك محمد (صلوات هللا علٌه وعلى آله)!!‪ .‬ألم ٌصبح‬
‫اإلسبلم حٌنبذ عبارة عن رخصة؟ ألم ٌصبح دٌنا بدال من أن ٌكافح الجرٌمة ٌشجع علٌها؟ بدال من أن‬
‫ٌخوؾ النفوس؛ لٌزكٌها‪ ،‬لٌطهرها بتشرٌعاته وهدٌه‪ ،‬هو من ٌإمِّن تلك النفوس لتؽرق فً مستنقع الرذٌلة‬
‫والجرٌمة؟!‪.‬‬
‫هل من المعقول أن ٌكون الصد عن دٌن هللا مسموح لئلنسان الذي ٌحمل اسم إسبلم؟ وهل معقول أن ٌكون‬
‫اإلعراض عن هدي هللا مسموح لمن ٌحمل اسم إسبلم؟ ستصبح كلمة‪[ :‬ال إله إال هللا محمد رسول هللا]‬
‫عبارة عن بطاقة تضعها فً جٌبك‪ ،‬ثم تنطلق إلى أسوأ مما كان علٌه المشركون والكافرون فً أعمالهم‪.‬‬
‫٘‪9‬‬
‫وحٌنبذ سٌكون هذا الدٌن رخصة لظلم الناس‪ ،‬ورخصة لتدنٌس النفوس تنطلق أنت لتضل عباد هللا‪ ،‬من‬
‫الذي سمح لك بهذا؟ هو الدٌن‪ ،‬هو الذي أمننً‪ ،‬ألن بإمكانً أن أنطلق فً مجال كهذا ثم لن أعذب ولن‬
‫أخلد فً جهنم‪ ،‬بل لن تمسنً النار إطبلقا‪ .‬وهذا ما ال ٌجوز على هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وعندما تقرأ فً بعض التفاسٌر فٌقول لك‪ :‬هذه اآلٌات هً تتحدث عن كافرٌن‪ ،‬هً تتحدث عن مشركٌن‬
‫فهً آٌات تعنً أولبك‪ ،‬أما نحن فبل‪ ،‬نحن حملنا اسم إسبلم وسٌشفع لنا رسول هللا فاعرؾ أن هذا ؼرور‪،‬‬
‫وأن هذا خداع‪ ،‬وسٌكون واقع من ٌعتقدون هذه العقٌدة كما حكى هللا عن بنً إسرابٌل‪َ { :‬و َؼرَّ ُه ْم فًِ دٌِن ِِه ْم‬
‫ُون} (آل عمران‪ :‬من اآلٌةٕٗ)‪ .‬هذه افتراءات افتروها أناس سابقون وقدموها لنا ونحن‬ ‫َما َكا ُنوا ٌَ ْف َتر َ‬
‫قبلناها منهم‪ ،‬وبالطبع ال ٌنفق شًء من الباطل إال إذا ما حمل اسم [دٌن] وقدم إلٌنا باسم [دٌن] فٌقال‪ :‬عن‬
‫رسول هللا (صلوات هللا علٌه وعلى آله)‪ ،‬قال رسول هللا (صلوات هللا علٌه وعلى آله)! وٌكون ذلك‬
‫الحدٌث فً بطون المجامٌع الحدٌثٌة التً ٌعتبرونها هً مجامٌع السنة‪ ،‬ألم ٌقدم الباطل باسم دٌن؟ هكذا‬
‫{ َو َؼرَّ ُه ْم فًِ دٌِن ِِه ْم َما َكا ُنوا ٌَ ْف َتر َ‬
‫ُون}‪.‬‬
‫عقٌدة الخروج من النار عقٌدة ٌهودٌة غزت الثقافة االسلمٌة‬
‫فعبل سٌصبح الدٌن هكذا؛ ولهذا هللا سبحانه وتعالى فً القرآن تحدث عن بنً إسرابٌل بؤن كثٌرا من‬
‫ْس َعلَ ٌْ َنا‬‫جرابمهم بما فٌها قتل األنبٌاء‪ ،‬وبٌع الدٌن‪ ،‬وبما فٌها استحبلل أموال اآلخرٌن عندما ٌقولون‪{ :‬لٌَ َ‬
‫ٌِّن َس ِبٌل} (آل عمران‪ :‬من اآلٌة٘‪ )5‬قال عن ما ٌدفعهم إلى ذلك هو‪ :‬أنهم ٌعتقدون أن النار ال‬ ‫فًِ ْاأل ُ ِّمٌ َ‬
‫تمسهم إال أٌاما معدودة‪ .‬أي‪ :‬أن هذه العقٌدة تشجع على الجرٌمة‪ ،‬وتعمل على أن تؽرق النفوس فً‬
‫ك ِبؤ َ َّن ُه ْم َقالُوا لَنْ َت َم َّس َنا ال َّنا ُر إِ َّال أٌََّاما َمعْ ُدو َدات َو َؼرَّ ُه ْم فًِ دٌِن ِِه ْم َما َكا ُنوا‬
‫مستنقع الجرٌمة والرذٌلة { َذلِ َ‬
‫ُون} (آل عمران‪ )ٕٗ:‬ألم ٌعلل بؤن عقٌدة بهذه هً وراء الجرٌمة‪ ،‬وهً عقٌدة تدفعك إلى اإلجرام‪.‬‬ ‫ٌَ ْف َتر َ‬
‫إذا‪ ،‬فلٌست من دٌن هللا لهذا قال‪َ { :‬و َؼرَّ ُه ْم فًِ دٌِن ِِه ْم َما َكا ُنوا ٌَ ْف َتر َ‬
‫ُون} خدعوا أنفسهم بالكذب‪ ،‬وفعبل ال‬
‫تزال عقٌدة قابمة عند الٌهود إلى اآلن‪.‬‬
‫بعض الناس قد ٌسؤل هل ٌرى الٌهود أنهم إلى النار؟ ٌرى أن النار لن تمسه إال أٌاما معدودة‪ ،‬فكل ما‬
‫ٌعمله [نتنٌاهو مثبل] لو رأى نفسه مجرما‪ ،‬لو رأى نفسه مستحقا أن ٌدخل النار‪ ،‬فهو عندما ٌدخلها قد ٌبقى‬
‫فقط سبعة أٌام مقابل سبعة آالؾ سنة هً عمر الدنٌا‪ ،‬أو على أكثر قول لدٌهم سٌبقى الواحد منهم أربعٌن‬
‫ٌوما فً جهنم على عدد األٌام التً عبدوا فٌها العجل‪ ،‬وٌخرج‪ ،‬وحٌنبذ ال ٌكترث بما ٌرتكب فً الدنٌا‪.‬‬
‫هً العقٌدة التً كانت وراء ظلمنا نحن المسلمٌن من داخل المسلمٌن أنفسهم على أٌدي الجبابرة من‬
‫الطواؼٌت‪ ،‬الخلفاء‪ ،‬الملوك‪ ،‬والحكام‪ ،‬والرإساء‪ ،‬والسبلطٌن بمختلؾ العصور‪ ،‬وهناك من علماء السوء‬
‫من ٌإمنهم أن محمدا (صلوات هللا وسبلمه علٌه وعلى آله) سٌشفع لهم مهما كانوا مجرمٌن‪ ،‬فٌنطلقون‬
‫لظلم الناس لتسفك دماإهم‪ ،‬وٌنطلقون للصد عن دٌن هللا‪ ،‬وٌنطلقون فٌه وهم آمنون من جهنم‪ ،‬أنهم لن‬
‫ٌدخلوا جهنم‪.‬‬
‫والٌهودي ٌرى أنه سٌدخل جهنم وسٌبقى أٌاما معدودة‪ ،‬وأما صاحبنا فإنه ٌرى أنه لن تمسه النار إطبلقا‪.‬‬
‫الٌهود قالوا‪{ :‬لَنْ َت َم َّس َنا ال َّنا ُر إِ َّال أٌََّاما َمعْ ُدو َدات}‪.‬‬

‫‪9ٙ‬‬
‫أما نحن المسلمون فقناهم فً هذا القول‪ ،‬فقلنا‪ :‬وال أٌاما معدودة‪ ،‬وال لحظة واحدة‪ ،‬سٌؤخذ بٌدك محمد‬
‫وٌمنحك وسام الشرؾ‪ ،‬شفاعته‪ ،‬فتدخل مع أولبك المإمنٌن الجنة!‪ .‬ألٌس هذا قول أبعد من قول الٌهود؟‬
‫ألٌست عقٌدة أسوأ من عقٌدة الٌهود؟ هً نفسها وراء ظلم الكثٌر من الخلفاء والملوك‪ ،‬والرإساء فً كل‬
‫عصر من العصور‪ ،‬هناك من أمنهم‪.‬‬

‫مشكلة الشرك هو أنه ٌصد الناس عن دٌن هللا و هللا ٌنظر إلى األعمال‪ ،‬ولٌس إلى مجرد األسماء‬

‫القرآن الكرٌم تنزلت كثٌر من آٌاته فً مكة‪ ،‬وعندما تسمع كلمة‪[ :‬كفر] وكلمة‪[ :‬شرك] فؤلن من فً‬
‫الساحة وهو ٌخاطبهم‪ ،‬وٌعمل على أن ٌنقلهم من الوضعٌة التً هم فٌها‪ ،‬هم مشركون‪ ،‬كافرون‪ ،‬فتؤتً‬
‫العبارات على هذا النحو‪ ،‬وألن هللا ٌرٌد من عباده ‪ -‬وهو الشًء البدٌهً لو فهمناه ‪ -‬أنه عندما ترون هذا‬
‫الوعٌد الشدٌد ألولبك فهل تفترضون أننا نرٌد أن ننقلهم من اسم لٌحملوا اسما آخر‪ ،‬ثم لٌبقوا على ما هم‬
‫علٌه‪ ،‬وحٌنبذ فبل ٌعذبون؟!‪.‬‬
‫أنت اسمع عندما ترى اآلٌات الكثٌرة تتهدد الكافر‪ ،‬انظر لماذا الكافر؟ هل ألن اسمه كافر [ك ا ؾ ر]؟ أم‬
‫ألنه على حالة هً تحول بٌنه وبٌن أن ٌتقبل هدى هللا؟ لماذا المشرك؟ ولماذا تلك الهجمة الشدٌدة على‬
‫أشخاص ٌعبدون أحجارا وهم ٌعلمون‪ ،‬وهللا ٌعلم‪ ،‬ورسوله ٌعلم أن تلك الحجر ال تستطٌع أن تعارض هللا‪،‬‬
‫وال أن تكون ندا ِّل‪ ،‬وال أن تكون كفإا ِّل‪ ،‬وال أن تنازع هللا فً ملكه‪ ،‬لماذا هذه الهجمة؟‪ .‬ألن هذا‬
‫الشخص الذي ٌعبدها وال ٌإمن باِّل كإله واحد‪ ،‬هو نفسه لن ٌكون لدٌه قابلٌة أن ٌتقبل هدي هللا‪ ،‬سٌبقى‬
‫معرضا عن تقبل هدي هللا ‪ ...‬الشرك لهذا‪.‬‬
‫إضافة إلى أنه قول باطل‪ ،‬تؤثٌره على صاحبه أنه إذا أنا لست مإمنا بوحدانٌة هللا‪ ،‬فلن أإمن برسوله‪ ،‬ولن‬
‫أإمن بكتابه‪ ،‬وحٌنبذ ٌكون واقعً أننً معرض عن هدي هللا‪ ،‬بل سٌنطلق ذلك المشرك إلى مٌادٌن القتال‬
‫للصد عن سبٌل هللا‪.‬‬
‫فالمشكلة األساسٌة فً الشرك بالنسبة لصاحبها‪ :‬هو أنه على وضعٌة تجعله معرضا عن هدي هللا‪ ،‬وصادا‬
‫عن سبٌله‪ .‬فهل اإلعراض عن دٌن هللا وهدٌه‪ ،‬والصد عن سبٌله ؼٌر مسموح هنا ومسموح هنا؟ هو نفسه‬
‫ٌصدر ممن ٌحمل اسم إسبلم‪ .‬ألٌس كذلك؟ الكثٌرون ٌصدون عن سبٌل هللا { ٌَا أَ ٌُّ َها الَّذ َ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا إِنَّ َكثٌِرا‬
‫ان} (التوبة‪ :‬من اآلٌةٖٗ) ألٌسوا علماء دٌن؟ أم مشركون؟ علماء دٌن‪{ ،‬لَ ٌَؤْ ُكلُ َ‬
‫ون أَم َْوا َل‬ ‫َ‬
‫م َِن ْاألحْ َب ِ‬
‫ار َوالرُّ هْ َب ِ‬
‫ٌل َّ ِ‬
‫هللا} (التوبة‪ :‬من اآلٌةٖٗ)‪.‬‬ ‫اس ِب ْالبَاطِ ِل َو ٌَ ُ‬
‫ص ُّد َ‬
‫ون َعنْ َس ِب ِ‬ ‫ال َّن ِ‬
‫ٌِن َك َفرُوا} وٌقول‪{ :‬إِنَّ ْال ُم ْش ِر ِكٌ َْن}‪ ،‬نحن‬
‫فؤولبك الذٌن ٌقولون‪[ :‬هذا تهدٌد للكافرٌن الحظ هو ٌقول‪َ { :‬والَّذ َ‬
‫لسنا كفارا وال مشركٌن] طٌب ما الذي تؽٌر لدٌنا؟ أنت تعتبر أن مجرد تؽٌٌر االسم هو كل شًء؟! إن هللا‬
‫ٌنظر إلى األعمال‪ ،‬ولٌس إلى مجرد األسماء‪ٌ ،‬نظر إلى األعمال‪ ،‬وٌنظر إلى القلوب‪ .‬نقول‪ :‬هإالء‬
‫الكافرون ما هً المشكلة لدٌهم؟ ألنهم هكذا‪ :‬صادون عن سبٌل هللا‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫ولهذا تعرض القرآن الكرٌم ‪ -‬عندما تتؤملوا آٌاته ‪ -‬تعرض بالتفصٌل ألعمال المشركٌن‪ ،‬ألم ٌقل فً‬
‫ٌل َّ ِ‬
‫هللا}‬ ‫ون َعنْ َس ِب ِ‬ ‫الز َكا َة} (فصلت‪ :‬من اآلٌة‪ )5‬ألم ٌقل فً بعضها أنهم { ٌَ ُ‬
‫ص ُّد َ‬ ‫ون َّ‬ ‫بعضها‪{ :‬الَّذ َ‬
‫ٌِن ال ٌ ُْإ ُت َ‬
‫ت} (النساء‪ :‬من اآلٌة‪)5ٙ‬؟‬ ‫ٌل َّ‬
‫الطا ُؼو ِ‬ ‫(األعراؾ‪ :‬من اآلٌة٘ٗ)؟ ألم ٌقل فً بعضها أنهم { ٌُ َقا ِتلُ َ‬
‫ون فًِ َس ِب ِ‬
‫هو ٌتعرض بالتفصٌل ألعمال الكافرٌن‪ ،‬وألعمال المشركٌن‪ ،‬وأنها هً األعمال الممقوتة‪.‬‬
‫وإنما مسؤلة الشرك هً نفسها وراء أن ٌكونوا على هذه الحالة‪ ،‬فٌتوجه الكبلم كثٌرا إلى الشرك لٌقلعه من‬
‫نفوسهم‪ ،‬لتصبح تلك النفوس قابلة ألن تهتدي بهدي هللا‪ ،‬وألن تبتعد عن الصد عن سبٌله‪ ،‬وألن تلتزم‬
‫بدٌنه‪ ،‬فٌقلع الشرك من قلوبهم‪ٌ ،‬قلع الشرك من أذهانهم‪ ،‬وتقالٌدهم وأفكارهم‪ ،‬آلثاره؛ ألنه معلوم عن هللا‬
‫سبحانه وتعالى أنه ال تضره معصٌة من عصاه‪ ،‬وال تنفعه طاعة من أطاعه‪ ،‬وكل هدٌه ٌتوجه إلٌنا نحن؛‬
‫ألننا نحن المحتاجون إلٌه‪ٌ ،‬توجه إلى أنفسنا‪ ،‬وألن كل عمل باطل هو فساد علٌنا نحن‪ ،‬هو ضد مصالحنا‬
‫نحن‪.‬‬
‫فعندما ٌؤتً لٌتحدث عن الشرك والكفر‪ ،‬لٌس ألنه أصبح ٌخاؾ من ذلك الصنم‪ ،‬أو أنه إذا تجمع اآلالؾ‬
‫حول ذلك الصنم سٌنازعه هذا الصنم فً ملكه؛ إنما لٌبعد هإالء عن عقٌدة جعلتهم ٌبتعدون عن هدي هللا‪،‬‬
‫وجعلتهم ٌنطلقون فً الصد عن سبٌله‪ ،‬وجعلتهم بعٌدٌن عن التخلق باألخبلق التً أراد أن ٌتخلق بها‬
‫عباده الذٌن ٌسٌرون على هدٌه‪.‬‬
‫إذا فكل من صد عن سبٌل هللا‪ ،‬كل من ابتعد عن دٌن هللا‪ ،‬كل من أعرض عن هدي هللا‪ ،‬وإن كان ٌحمل‬
‫اسم مسلم‪ ،‬حكمه حكم أولبك‪ .‬وهذه قضٌة مفروغ منها فً القرآن الكرٌم؛ مفروغ منها؛ ألنه من ؼٌر‬
‫الطبٌعً‪ ،‬ومن ؼٌر المقبول أن تفترض أن المسؤلة إنما هً مجرد تؽٌٌر اسم‪ ،‬فتقول‪ :‬أولبك فقط ألن‬
‫اسمهم [كافرٌن] أما نحن فلو انطلقنا فً نفس األعمال التً تصدر منهم فإننا قد أصبحنا مإمّنٌن من عذاب‬
‫هللا‪ ،‬هذا شًء ؼٌر طبٌعً‪.‬‬
‫هللا البشر كلهم عبٌده‪ ،‬وهو رب العالمٌن جمٌعا‪ ،‬ولن ٌكٌل بمكٌالٌن معهم‪ ،‬لن ٌعذب هذا المجرم على‬
‫أعمال هً نفسها التً ال ٌعذب علٌها شخصا آخر صدرت منه‪ ،‬وحالته وموقفه حالة هذا الشخص اآلخر‪.‬‬
‫ال ٌمكن‪ ،‬إال إذا كان هناك توبة‪.‬‬

‫التوبة‬
‫والتوبة ألم ٌتوجه األمر بالتوبة إلى المسلمٌن؟ لماذا التوبة؟ لو أن المسؤلة هكذا مفروغ منها أن الكبلم كله‬
‫حول الكافرٌن حول المشركٌن أما نحن فقد أسلمنا لما كنا بحاجة إلى توبة إذا فلماذا التوبة؟ التوبة ال بد‬
‫منها؛ ألنك أنت أٌها المسلم فٌما لو اقترفت عمبل من أعمال أولبك ستعذب فهذه هً التوبة تب‪.‬‬
‫والتوبة معناها‪ :‬اإلقبلع عن المعصٌة‪ ،‬الرجوع إلى هللا‪ ،‬الندم على ما صدر من اإلنسان من تقصٌر‪ ،‬من‬
‫تفرٌط فً جنب هللا‪ ،‬من تقصٌر فً األعمال التً ترضً هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬ما حدث منه من معاصً ال‬
‫بد أن ٌتوب منها‪ ،‬وإذا لم ٌتب فبل فرق بٌنه وبٌن ذلك الشخص اآلخر‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫المنافقون مصٌرهم جهنم مع أنهم محسوبون على المسلمٌن‬
‫ألم ٌقل عن المنافقٌن‪ :‬أنهم فً الدرك األسفل من النار؟ وال تصدقوا أن المنافقٌن هم كلهم من ٌبطن الكفر‬
‫وٌظهر اإلسبلم‪ .‬بل إن فً المنافقٌن من ذكر هللا عنهم بؤنهم فً واقعهم معترفون‪ ،‬مإمنون كإٌمان أي‬
‫واحد منا بؤن هللا هو رب العالمٌن‪ ،‬وهو اإلله وحده‪ ،‬وأن القرآن من عنده‪ ،‬وأن محمدا رسوله (صلوات‬
‫ُورة ُت َن ِّب ُب ُه ْم ِب َما فًِ قُل ُ ِ‬
‫وب ِه ْم} (التوبة‪ :‬من‬ ‫ون أَنْ ُت َن َّز َل َعلٌَ ِْه ْم س َ‬
‫هللا علٌه وعلى آله) ألم ٌقل هو‪ٌَ { :‬حْ َذ ُر ْال ُم َنا ِفقُ َ‬
‫اآلٌةٗ‪ )ٙ‬ألم ٌقل هكذا؟‪ٌ .‬علمون أن القرآن منزل من عند هللا بل هم ٌخافون؛ ألنهم ٌعلمون أن هللا علٌم‬
‫بذات الصدور‪ ،‬فهو ٌعلم ما ٌسرونه فً أنفسهم فٌخافون أن تتنزل سورة تفضحهم‪ ،‬أي هم مإمنون بالقرآن‬
‫أنه من عند هللا‪ ،‬ومإمنون بؤن هذا الرجل هو رسول هللا (صلوات هللا علٌه وعلى آله)‪ ،‬الذي ٌتنزل علٌه‬
‫َ‬
‫ار} (النساء‪ :‬من اآلٌة٘ٗٔ)‪.‬‬ ‫ٌِن فًِ ال َّدرْ كِ ْاألسْ َف ِل م َِن ال َّن ِ‬‫القرآن‪ ،‬ومع هذا قال هللا عنهم‪{ :‬إِنَّ ْال ُم َنا ِفق َ‬
‫قد ٌكون هناك فبة‪ ،‬فبة قلٌلة من المنافقٌن هم من قد ٌقال عنهم أنهم فً واقعهم مبطنون للكفر‪ ،‬أي هم ؼٌر‬
‫مإمنٌن باِّل‪ ،‬وال مإمنٌن بكتابه‪ ،‬وال مإمنٌن برسوله‪ ،‬إنما ألجؤتهم الظروؾ إلى أن ٌتلونوا خوفا على‬
‫أنفسهم‪ ،‬هذه النوعٌة من المنافقٌن إنما تكون فً فترات محدودة‪ ،‬فً الفترة التً تكون الؽلبة فٌها لجانب‬
‫اإلسبلم‪ ،‬لجانب الحق فٌرى الكفار أنفسهم مضطرٌن إلى أن ٌتمظهروا باإلسبلم من أجل أن ٌؤمنوا على‬
‫أنفسهم وأموالهم‪.‬‬
‫لكن تجد المنافقٌن هم من كانوا كثٌرٌن فً المدٌنة‪ ،‬وهم من أهل المدٌنة‪ ،‬ومن ؼٌر أهل المدٌنة‪ ،‬وهم من‬
‫قال عنهم أنهم مذبذبٌن ال إلى هإالء وال إلى هإالء ‪ ..‬فبل هم مع المإمنٌن وال هم كفار مع الكافرٌن‪ .‬هم‬
‫ٌتلونون ٌظهر نفسه للكافرٌن وكؤنه معهم‪ ،‬ومتى ما كانت الؽلبة للمسلمٌن أظهر نفسه أنه معهم وتملق‬
‫َ‬
‫ار} (النساء‪ :‬من‬ ‫ٌِن فًِ ال َّدرْ كِ ْاألسْ َف ِل م َِن ال َّن ِ‬
‫لهم‪ ،‬وأظهر أنه واحد منهم‪ٌ ،‬قول عنهم‪{ :‬إِنَّ ْال ُم َنا ِفق َ‬
‫اآلٌة٘ٗٔ) بل وجدنا القرآن الكرٌم ٌتوعد بالعذاب الشدٌد‪ ،‬بالعذاب العظٌم لمن قتل مإمنا متعمدا‪ٌ ،‬توعد‬
‫بالخلود فً النار لمن لم ٌلتزم بحدود هللا فً الموارٌث فً [سورة النساء] ٌتوعد‪ ،‬والموارٌث تخاطب من؟‬
‫ألٌست خطابا للمسلمٌن؟ ٌتوعد بالعذاب‪ ،‬والخلود فً جهنم لمن ال ٌقؾ عند حدود هللا وٌلتزم بما حدده هللا‬
‫سبحانه وتعالى فً قضٌة الموارٌث وحدها خلً عنك أشٌاء كثٌرة أخرى‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫أهم مصدر لمعرفة النبً ( صلوات‬

‫هللا علٌه و آله )‬

‫هو‬
‫القرآن الكرٌم‬
‫ٓٓٔ‬
‫معالم الدٌن االسلمً‬

‫و تطبٌق النبً صلوات هللا علٌه و آله‬


‫لها فً حٌاته‬

‫ٔٓٔ‬
‫ٔ‪ .‬أول هذه المعالم الربٌسٌة أن اإلسلم دٌن تحرر من الطاغوت واالستكبار‬

‫أ‪ .‬أهمٌة هذا المعلم‬


‫هو دٌن ٌإسس لئلنسان أن ٌسٌر فً هذه الحٌاة على أساس مستقل‪ ،‬أساس من المبادئ والقٌم واألخبلق‬
‫والتشرٌعات والتعلٌمات والتوجٌهات ٌستقل به وٌفصله عن التبعٌة لكل قوى الطاؼوت والضبلل هذا مبدأ‬
‫ربٌسً ومعلم أساسً ومسؤلة لها تؤثٌرها المباشر كلما استوعبناها جٌدا وكلما التزمنا بها فً واقع الحٌاة‬
‫كلما تحررنا‪.‬‬
‫واحد من أكبر المشاكل التً نعانٌها فً هذا العصر هو ما نعانٌه من هٌمنة المستكبرٌن والطاؼوت على‬
‫أمتنا اإلسبلمٌة وتدخلهم فً كثٌر من شبون حٌاتنا وواقعنا‪ .‬حضور الطاؼوت واالستكبار وتؤثٌره فً‬
‫ساحتنا اإلسبلمٌة فً عالمنا العربً وأكثر البلدان اإلسبلمٌة حضور مإثر فً كل مجاالت الحٌاة فً كل‬
‫شبون الناس ومتحكم ومستبد ونتج عن ذلك كثٌر من المظالم وكثٌر من المآسً وتؤثٌر مباشر وصل‬
‫لدرجة تعطٌل ثمرة اإلسبلم فً واقع الحٌاة الثمرة التً سنتحدث عنها إن شاء هللا فً أخر الكبلم‪ ،‬هذه‬
‫نقطة جوهرٌة وربٌسٌة ومهمة‪.‬‬
‫ب‪ .‬التطبٌق النبوي لهذا المعلم‬
‫الرسول صلوات هللا علٌه وعلى آله منذ بداٌة حركته بالرسالة فً أوساط الناس لم ٌقبل أبدا بؤن ٌدهن مع‬
‫الطاؼوت وأن ٌتؤقلم مع الطاؼوت وأن ٌطوع نفسه أو من معه من أبناء اإلسبلم ممن آمنوا به للطاؼوت‬
‫أبدا وبشكل بدٌهً وتلقابً ما إن ٌسلم اإلنسان حتى ٌعتبر إسبلمه آنذاك خروجا من تحت عباءة الطاؼوت‬
‫وتحررا من سٌطرة وسلطة الطاؼوت وهذا من أكبر ما كان ٌزعج الطؽاة والمستكبرٌن كانوا ٌنزعجون‬
‫من هذه النقطة‪.‬‬
‫اإلسبلم فً حركة الرسول به لم ٌكن مجرد طقوس تقٌمها فً وقت تتؤقلم فٌه فً مسٌرة حٌاتك بكلها تحت‬
‫سٌطرة الطاؼوت وهٌمنة الطاؼوت فً والءاتك فً مواقفك فً مسٌرة حٌاتك‪ ،‬ال‪ ،‬كان الدخول الصادق‬
‫فً اإلسبلم ٌعنً الخروج والتحرر من سٌطرة الطاؼوت والقرآن الكرٌم أكد هذا على مستوى الرسالة‬
‫اإللهٌة حتى فً عصر األنبٌاء قبل خاتم األنبٌاء رسول هللا محمد صلوات هللا علٌه وعلى آله ( َولَ َق ْد َب َع ْث َنا‬
‫وت) وهذه مسؤلة تزعج الطواؼٌت فً كل زمن ولهذا‬ ‫الطا ُؼ َ‬ ‫فًِ ُك ِّل أُمَّة رَّ سُوال أَ ِن اعْ ُب ُدوا َّ َ‬
‫هللا َواجْ َت ِنبُوا َّ‬
‫فهذا المبدأ بحد ذاته كفٌل بتحرٌر األمة من هٌمنة الطاغوت وإذا تحررت فعلٌا من هٌمنة الطاغوت‬
‫وانفصلت عن التبعٌة لقوى الطاغوت والضلل وانطلقت فً مسٌرة حٌاتها على أساس المبادئ والقٌم‬
‫واألخلق والتشرٌعات اإللهٌة التً أتى بها اإلسلم كما هً فً القرآن الكرٌم وكما هً فً حركة رسول‬
‫هللا صلوات هللا علٌه وعلى آله وبعٌداً عن الزٌف واالعوجاج الذي ال ٌمثل حقٌقة اإلسلم فؤن األمة‬
‫سٌتغٌر واقعها بشكل تام وستتخلص من معظم مشاكلها وستكسب رإٌة إلهٌة صحٌحة تسٌر علٌها فً‬
‫الحٌاة و طاقة معنوٌة عالٌة تساعدها على الصبر والتحمل وتوفر لها االندفاع الكافً والهابل والعظٌم‬
‫والحافز الكبٌر جداً لتتحرك فً الطرٌق وكذلك تحظى برعاٌة عظٌمة من هللا سبحانه وتعالى رعاٌة‬
‫ٕٓٔ‬
‫شاملة رحمة هداٌة بكل أشكال الرعاٌة اإللهٌة حسب الوعود اإللهٌة فً القرآن الكرٌم التً شملت كل‬
‫نواحً الحٌاة هذا المبدأ المهم الذي طبق ُه رسول هللا صلوات هللا علٌه وعلى آله ‪.....‬عندما نجد الٌوم فً‬
‫واقع الحال بعض من ٌسمون أنفسهم باسم علماء البعض منهم نعنً علماء السوء ألن العلماء هم فً واقع‬
‫الحال صنفان علماء سوء وعلماء ربانٌون علماء السوء منهم تجدهم وهم ٌقدمون أنفسهم باسم ورثة‬
‫األنبٌاء كمثل ما نرى علٌه هٌبة كبار العلماء فً السعودٌة كٌؾ ٌصبحون كلسان وقلم للطاؼوت هُناك‬
‫ٌفتون دابما بما ٌُرٌده ما أراد أن ٌفعل ُه هو ابتداء من نوازعه من دوافعه من رؼبات ِه هو رؼباته الناتجة‬
‫عن ما هو علٌه من طؽٌان وفساد وظلم وهوى النفس ٌؤتون هم لٌقدموا على هذا ختم الفتوى الشرعٌة‬
‫وٌقدمون مسوؼات دٌنٌة لذلك الذي انطلق فٌه الطاؼوت بدافع هوى النفس قد ٌكون فسادا قد ٌكون ظلما‬
‫قد ٌكون جرٌمة قد ٌكون شرا قد ٌكون منكرا بؤي عنوان من عناوٌن السوء وٌشرعنون ل ُه ذلك وٌبنون‬
‫واقع الدٌن على تدجٌن األمة للطاؼوت ؛ رسول هللا لم ٌفعل ذلك أبدا ؛ لقد كان على درجة عالٌة وعظٌمة‬
‫وال ٌصل إلٌها إي بشر آخر فٌما هو علٌه من الصبلبة والثبات وقوة الموقؾ والثبات واالستقامة على‬
‫الموقؾ والتحمل فً مواجهة كل الصعاب وكل التحدٌات والثبات على الموقؾ تجاه كل ما ٌواجه ب ِه من‬
‫قوى الطاؼوت من حمبلت دعابٌة كبٌرة ومكثفة ومن مإامرات متنوعة ومكابد متعددة فإذا هو ذلك الثابت‬
‫والشامخ والذي ال ٌتزعزع أبدا وال ٌتراجع نهابٌا وال ُتحنٌه العواصؾ مهما كانت وال تدفع ُه التحدٌات‬
‫مهما كبرت لبلستسبلم أبدا أو الٌؤس‪ ،‬درجة عالٌة جدا من الثبات والتماسك وصلت ب ِه إلى درجة أن قال‬
‫هللا عن ذلك المجتمع الذٌن كانوا قوما خصمٌن ولدا وسٌبٌن وشرسٌن وقساة قلوب سٌبٌن جدا أن قال هللا‬
‫ون) كانوا ٌتمنون وٌودون لو ٌتقبل رسول هللا أن ٌدخل معهم فً مداهنة‬ ‫عنهم ( َو ُّدوا لَ ْو ُت ْدهِنُ َفٌ ُْد ِه ُن َ‬
‫وأجواء من المجامبلت ونحو من ذلك فٌتؽاضى عن بعض باطلهم وٌتؽاضون ل ُه عن بعض ما علٌه من‬
‫الحق‪ ،‬لكن المسؤلة لٌست كذلك ؛ المبادئ والقٌم والتعلٌمات اإللهٌة لٌست للمقاٌضة ؛ لٌست للمقاٌضة بها‬
‫والتنازل عنها مع الطاؼوت حتى ٌتمكن هذا الطرؾ أو ذاك من التؤقلم مع الطاؼوت ألنهم تركوا ل ُه شٌبا‬
‫والشًء الذي ٌتركوه عادة هو الشًء الذي انفصل أو بتر عن سٌاقه عن جذوره عن أساسه عن مبدبه عن‬
‫ثمرته ولم ٌعد ل ُه جدوى مهمة فً واقع الحٌاة‪.‬‬
‫ت َوٌ ُْإمِن ِب َّ ِ‬
‫اِّل َف َق ِد اسْ َت ْم َس َ‬
‫ك‬ ‫هذا ال َمعْ لَ ْم الربٌسً أكد علٌه القرآن الكرٌم ٌقول هللا تعالى‪َ ( :‬ف َمن ٌَ ْكفُرْ ِب َّ‬
‫الطا ُؼو ِ‬
‫ِب ْالعُرْ َو ِة ْالوُ ْث َقى َال ان ِف َ‬
‫صا َم لَ َها)‪.‬‬

‫ج‪ .‬هذا المعلم المهم ٌفضح العملء و تشوٌههم للدٌن‬


‫فإذا َمعْ لَم ربٌسً ومبدأ أساسً فً هذا اإلسبلم أكد علٌه القرآن الكرٌم وهو من أول مضامٌن الشهادة‬
‫الربٌسٌة فً اإلسبلم التً ٌدخل بها اإلنسان فً اإلسبلم "أشهد أن ال إله إال هللا" وتجلّى ذلك فً سلوك‬
‫وممارسات وحركة الرسول (صلى هللا وعلى آله وسلم) باإلسبلم هو هذا المبدأ‪ ،‬الكفر بالطاؼوت التحرر‬
‫من سٌطرة الطاؼوت‪ ،‬االستقبلل بكل ما تعنٌه الكلمة‪ ،‬االستقبلل الثقافً والفكري والعملً‪ ،‬االستقبلل فً‬
‫مسٌرة الحٌاة‪ ،‬فٌما تقوم علٌه من مبادئ وقٌ ْم وأخبلق وتشرٌعات‪ ،‬االستقبلل الكلً عن التبعٌة لكل قوى‬
‫الطاؼوت وقوى االستكبار والقوى الظبلمٌة التً تسٌر على اتجاهات باطلة فً هذه الحٌاة‪.‬‬

‫ٖٓٔ‬
‫نحن نقول هذا من أهم وأعظم ما نحتاج إلى ترسٌخه بشكل كبٌر والقابم على أساس اإلقتداء بالرسول من‬
‫موقعه فً القدوة والقٌادة‪ ،‬والتمسك بالقرآن كمنهج فً هذه الحٌاة هو االتجاه الصحٌح الذي ٌعبّر حقٌقة‬
‫عن اإلسبلم‪.‬‬
‫االتجاهات التً نراها الٌوم حاضرة فً ساحتنا العربٌة و اإلسبلمٌة بشكل كبٌر تق ِّدم نفسها باسم اإلسبلم‬
‫ونراها بوضوح فً حالة من التبعٌة العمٌاء لقوى الطاؼوت واالستكبار ألمرٌكا وإسرابٌل‪ ،‬لنعً جٌدا‬
‫ولندرك بشكل تام‪ ،‬أنها قوى زٌؾ أنها تمثل الزٌؾ وال تمثل الحقٌقة‪ ،‬تمثل الزٌؾ فقط‪ ،‬وال تعبّر عن‬
‫حقٌقة اإلسبلم فً مبادبه وأخبلقه‪ ،‬وهً حولت اإلسبلم إلى طقوس وشكلٌات بترتها عن سٌاقها‪ ،‬وفصلتها‬
‫عن أساسها‪ ،‬وحالت بٌنها وبٌن ثمرتها‪ ،‬وطوّ عتها لبلستؽبلل فً واقع الحٌاة‪ ،‬وجعلت منها وسٌلة‬
‫لبلستؽبلل والخداع‪ ،‬هذا الذي حاصل كما هو حال النظام السعودي والقوى التكفٌرٌة والقوى الظبلمٌة‬
‫بكل أشكالها وأنواعها‪ ،‬من المنافقٌن والضالٌن والمبطلٌن والفاسدٌن المشوهٌن لئلسبلم‪.‬‬
‫ثم من ٌسعى إلى التحرر من ٌنجذب لعنوان كهذا لٌعً جٌدا أنه ال تحرر بما تعنٌه الكلمة وال استقبلل عن‬
‫التبعٌة بما تعنٌه الكلمة ألمتنا اإلسبلمٌة إال باالستقامة على نهج هللا واالقتداء والتمسك برسول هللا صلى‬
‫هللا علٌه وآله وسلم من خبلل االهتداء بالقرآن واالقتداء بالرسول‪ ،‬هذا الذي ٌحقق استقبلال فعلٌا‪ ،‬أما أن‬
‫ٌتجه اإلنسان نحو الشرق أو نحو الؽرب لٌقلد أو ٌحذو حذو هذا الطرؾ أو ذاك فً بعض من العناوٌن‪،‬‬
‫ثم ٌتجه على أساس باطل فً هذه الحٌاة لن ٌصل إلى نتٌجة‪ ،‬لن ٌصل إلى نتٌجة‪.‬‬

‫ٕ‪ .‬اإلسلم دٌن وعً ونور وبصٌرة‪،‬‬

‫ٌحرر اإلنسان من التبعٌة الفكرٌة للمفاهٌم الضبللٌة الشٌطانٌة والطاؼوتٌة‪ ،‬وٌمنح اإلنسان الرإٌة‬
‫الصحٌحة والفهم الصحٌح والنظرة الصحٌحة إلى الواقع من حوله‪ ،‬هذه مسؤلة مهمة جدا‪ ،‬وال تإخذ بعٌن‬
‫االعتبار بشكل بارد فً كثٌر مما ٌُق َّدم من عناوٌن فً الساحة اإلسبلمٌة‪ ،‬وهً من أهم المسابل على‬
‫اإلطبلق والذي ٌتؤمل فً واقع أمتنا ٌجد أنها ال تفتقر إلى شًء مثلما هً مفتقرة إلى الوعً إلى البصٌرة‬
‫إلى النور‪ٌ ،‬ستخدم األعداء بكل أشكالهم من خارج األمة ومن داخل األمة كل القوى الظبلمٌة هً تقدم‬
‫مفاهٌم ظبلمٌة نشاط هابل تحت العنوان الفكري والتثقٌفً والتعلٌمً واإلعبلمً‪ ،‬والتؤثٌر على الرأي العام‬
‫ّ‬
‫وٌمثل ذلك عامبل سٌبا وخطٌرا‬ ‫تؤثٌر على المفاهٌم على األفكار على التصورات على النظرة إلى الواقع‪،‬‬
‫جدا‪ ،‬كبّل األمة وطوعها ألعدابها ّ‬
‫وأثر علٌها‪ ،‬وحال بٌن الكثٌر من أبنابها وبٌن أن ٌُبصروا أن ٌعوا أن‬
‫ٌفهموا األمور بشكل صحٌح‪ ،‬وأمكن األعداء أن ٌستؽلوهم أسوأ حالة من االستؽبلل‪.‬‬
‫ان َمٌْتا َفؤَحْ ٌَ ٌْ َناهُ َو َج َع ْل َنا لَ ُه ُنورا ٌَ ْمشِ ً ِب ِه فًِ‬
‫اإلسبلم ٌقول هللا عن قرآنه عن نوره عن هدٌه‪( :‬أَ َو َمنْ َك َ‬
‫ارج ِم ْن َها) الحالة مختلفة‪ ،‬نور اإلسبلم هو نور لحركتك فً الحٌاة‬ ‫ت لٌَ َ‬ ‫اس َك َمنْ َم َثل ُ ُه فًِ ُّ‬
‫الظل ُ َما ِ‬ ‫ال َّن ِ‬
‫ْس ِب َخ ِ‬
‫لمواقفك التجاهاتك ألعمالك ولتصرفاتك‪ُ ،‬تبنى على أساس تلك التعلٌمات وتلك الحقابق‪ ،‬وتلك البصابر‬
‫التً ٌقدمها هللا سبحانه وتعالى لعباده‪ ،‬فٌنظرون نظرة صحٌحة ونظرة سلٌمة ونظرة مستقٌمة‪.‬‬

‫ٗٓٔ‬
‫فً العهد الجاهلً األول ما قبل بعثة الرسول محمد (صلوات هللا علٌه وعلى آله) كان هناك فً الساحة‬
‫كثٌر من المفاهٌم الخاطبة والظبلمٌة تسٌطر على تفكٌر الناس على نظرتهم‪ ،‬فً كبٌر المسابل وصؽٌرها‪،‬‬
‫من مسؤلة التوحٌد واأللوهٌة إلى أبسط القضاٌا‪ ،‬وكانت تلك المفاهٌم ُتق َّدم كحقابق ٌُخدع بها الناس ُتق ّدم إلى‬
‫الناس على أنها الحق والحقٌقة وٌُص ّدق البعض من الناس ذلك‪ ،‬ولكن نور اإلسبلم أتى لٌنقذ الناس من ذلك‬
‫ك) ٌخاطب الرسول (صلوات هللا علٌه وعلى آله) ( ِك َتاب أَ َ‬
‫نز ْل َناهُ إِلَ ٌْ َ‬
‫ك‬ ‫أوال‪ ،‬فاِّل ٌقول‪ِ ( :‬ك َتاب أَ ْن َز ْل َناهُ إِلَ ٌْ َ‬
‫ور) ٌقول هللا‪( :‬ه َُو الَّذِي ٌُ َن ِّز ُل َعلَى َع ْب ِد ِه آ ٌَات َب ٌِّ َنات لٌِّ ُْخ ِر َج ُكم م َِّن‬ ‫اس م َِن ُّ‬
‫الظل ُ َما ِ‬ ‫لِ ُت ْخ ِر َج ال َّن َ‬
‫ت إِلَى ال ُّن ِ‬
‫ُّ‬
‫الظل ُ َما ِ‬
‫ت إِلَى ال ُّن ِ‬
‫ور)‪.‬‬
‫الظلمات هً مفاهٌم هً أفكار ٌا أٌها الناس‪ ،‬الظلمات ٌمكن أن ُتق ّدم ضمن كتب مفاهٌم ظبلمٌة‪ُ ،‬تقدم‬
‫ضمن كتب وٌمكن أن ُتق َّدم على منابر فً مساجد وٌمكن أن ُتق َّدم من أبواق ضالة مضلّة عبر وسابل‬
‫اإلعبلم‪ ،‬لها أشكال متعددة ووسابل متنوعة‪ ،‬لتإثر على الناس لتإثر على مفاهٌمهم ونظرتهم وفكرتهم‬
‫الصحٌحة والسلٌمة‪ ،‬ولكن إذا تؤصل فً واقعنا الرجوع إلى االقتداء بالرسول واالهتداء بالقرآن بشكل‬
‫صحٌح نتخلص من كل المفاهٌم الظبلمٌة‪ ،‬ونمتلك قدرا عالٌا من الوعً والفهم الصحٌح والنظرة‬
‫الصحٌحة والتقٌٌم الصحٌح والفرز الصحٌح حتى داخل مجتمعنا اإلسبلمً‪.‬‬
‫ٌتجلى لنا من هو الصادق من الكاذب‪ ،‬بحسب المعاٌٌر والمواصفات القرآنٌة‪ٌ ،‬تجلى لنا من هو المنافق‬
‫من المإمن حقا‪ٌ ،‬تجلى لنا من هو الذي فً قلبه مرض‪ ،‬ممن ٌنطلق بصدق وإخبلص وسبلمة قلب فً‬
‫حركته فً هذه الحٌاة وفً داخل األمة‪ ،‬كل ذلك ٌتجلّى بحسب المواصفات والمعاٌٌر القرآنٌة الهادٌة‪،‬‬
‫ٌتجلى لنا من هو العدو الحقٌقً الذي ٌجب أن ُنعادٌه وماهً مسإولٌتنا‪ ،‬وٌتجلى لنا من هو الصدٌق حتى‬
‫ال نكون ّ‬
‫سذجا وٌخدعنا اآلخرون فً والءاتنا ومواقفنا‪ٌ ،‬تجلى لنا ماهو الذي ٌعبّر عن حقٌقة اإلسبلم‪،‬‬
‫وماهو الزٌؾ الذي ٌُستخدم فقط من قوى الطاؼوت واالستكبار والنفاق للخداع واالستؽبلل‪ ،‬تتجلى‬
‫األمور‪ ،‬دٌن هللا هو فرقان‪ ،‬فرقان نور ٌعطٌنا بصٌرة فً الواقع فنمٌز وندرك الفوارق بٌن حق وباطل‪،‬‬
‫بٌن صادق وكاذب‪ ،‬بٌن زٌؾ وحقٌقة‪ ،‬فبل ُنخدع وهذا من أحوج ما تحتاج إلٌه األمة‪ ،‬وتضررت بشكل‬
‫كبٌر بقدر ما ؼاب عنها من ذلك وما خسرته منه‪.‬‬

‫‪ .3‬اإلسلم هو دٌن الزكاء والطهارة ومكارم األخلق‬

‫أ‪ .‬أهمٌة زكاء النفس و طهارتها‬


‫من أهم الجوانب الربٌسٌة فً اإلسبلم هو هذا الجانب الزكاء مسؤلة التزكٌة للنفوس حتى تستقٌم فً هذه‬
‫الحٌاة وتصلح‪ ،‬اإلنسان ال ٌمكن صبلحه إال بالتزكٌة وإال فاإلنسان ٌتؤثر سلبا وتتدنس نفسٌته ثم ٌتصؾ‬
‫بمساوئ األخبلق فتصبح نفسٌته المدنسة مٌالة نحو كل ما هو سًء وبالتالً لدٌها قابلٌة لبلرتباط بكل‬
‫جهات الطاؼوت بكل جهات الشر واالنسجام معه تصبح مرتاح جدا لبلرتباط بالٌهود الصهاٌنة باألعداء‬
‫بكل أشكالهم وفباتهم بالمنافقٌن أو بؤولٌاء المنافقٌن من أعداء األمة ألنه ٌحس باالنسجام النفسً معهم‬
‫نفسٌة مدنسة نفسٌة خبٌثة نفسٌة سٌبة اإلنسان ٌحتاج إلى زكاء النفس وال ٌمكن له االستقامة على منهج هللا‬
‫إال بتزكٌة النفس وإال إذا خبثت النفس وفسدت النفس اتجه اإلنسان اتجاها سٌبا فً واقعه العملً فً‬
‫٘ٓٔ‬
‫سلوكه فً تصرفاته ثم فً األخٌر فً والءاته وفً مواقفه وال ٌرى نفسه فً األخٌر منشدا بشكل صحٌح‬
‫بشكل قوي بشكل فعال لمنهج هللا سبحانه وتعالى بل ٌرى نفسه قد ابتعد كثٌرا عن ذلك المنهج اإللهً‪.‬‬

‫ب‪ .‬إهتمام النبً صلوات هللا علٌه و آله بتزكٌة النفوس بالقرآن‬

‫ولذلك كان من المهام الربٌسٌة للرسول صلى هللا علٌه وآله وسلم وللقرآن كذلك التزكٌة ؛ التزكٌة للنفس‬
‫البشرٌة وهً مهمة ربٌسٌة لؤلنبٌاء كلهم وللرسل كلهم ولكتب هللا كلها ومساحة كبٌرة من جهد األنبٌاء‬
‫ومساحة كبٌرة من كتب هللا سبحانه وتعالى اتجهت إلى النفس البشرٌة بهدؾ تزكٌتها على مستوى ما ٌقدم‬
‫على مستوى التعببة الروحٌة واإلٌمانٌة وعلى مستوى الجانب التربوي وعلى مستوى الكثٌر من‬
‫التشرٌعات فٌما أمرنا هللا به وكذلك فٌما نهانا عنه انصب ذلك فً كثٌر منه نحو تزكٌة هذه النفس البشرٌة‬
‫فٌما ٌسمو بها فٌما ٌعزز فٌها عناصر الخٌر النفس البشرٌة هً قابلة ألن تتربى على مساوئ األخبلق أو‬
‫على مكارم األخبلق ألن تنمو فٌها عناصر الخٌر أو تنمو فٌها عناصر الشر فً أن تنمو فٌها بذرات‬
‫التقوى أو تنمو فٌها بذرات الفجور ولهذا ٌقول هللا سبحانه وتعالى فً كتابه الكرٌم [ َو َن ْفس َو َما َس َّوا َها (‪)5‬‬
‫اب َمن َدسَّا َها] فالنفس‬ ‫ُور َها َو َت ْق َوا َها] عندما ٌقول جل شؤنه [ َق ْد أَ ْفلَ َح َمن َز َّكا َها (‪َ )9‬و َق ْد َخ َ‬ ‫َفؤ َ ْل َه َم َها فُج َ‬
‫البشرٌة ألهمت التقوى وألهمت الفجور ولدٌها القابلٌة للتقوى ولدٌها القابلٌة للفجور ولدٌها القابلٌة للتربٌة‬
‫على الخٌر وحب الخٌر وعناصر الخٌر والسمو والعشق لمكارم األخبلق ولدٌها كذلك القابلٌة ألن تتنامى‬
‫فٌها كل عناصر الشر والسوء ومساوئ األخبلق‪ .‬فاإلسبلم ٌعطً أهمٌة كبٌرة للتزكٌة والرسول صلوات‬
‫هللا علٌه وعلى آله من مهامه الربٌسٌة العمل على التزكٌة ٌقول هللا جل شؤنه ( َك َما أَرْ َس ْل َنا فٌِ ُك ْم َرسُوال ِم ْن ُك ْم‬
‫ُون) وهو ٌقول وٌزكٌكم‬ ‫اب َو ْال ِح ْك َم َة َو ٌُ َعلِّ ُم ُك ْم َما لَ ْم َت ُكو ُنوا َتعْ لَم َ‬
‫ٌَ ْتلُو َعلَ ٌْ ُك ْم آ ٌَا ِت َنا َوٌ َُز ِّكٌ ُك ْم َو ٌُ َعلِّ ُم ُك ُم ْال ِك َت َ‬
‫أٌضا َ نجد فً القرآن الكرٌم تركٌز كبٌر جداَ على التزكٌة فمثبلَ كثٌر من الجوانب اإلٌمانٌة هً تساعد‬
‫اإلنسان على زكاء النفس اإلٌمان باِّل جل شؤنه كما فً القرآن الكرٌم اإلٌمان بإلوهٌته بربوبٌته وملكه‬
‫ورقابته وجزابه وأسمابه الحسنى وأنه العزٌز والمنتقم وعالم الؽٌب والشهادة والشاهد على العباد إلى‬
‫أخره ‪.‬‬
‫اإلٌمان بالمعاد والحساب والجزاء والجنة والنار كل ذلك ٌساعد اإلنسان على تزكٌة نفسه وعلى االستقامة‬
‫فً هذه الحٌاة ٌمثل حافزاَ كبٌرا جدا وباعثا َ مهما َ للتزكٌة‪ ....‬عندما نجد كثٌر من التشرٌعات ٌؤمرنا هللا‬
‫بؤشٌاء هً فً نفسها التزام بما فٌه زكاء للنفس أو بما ٌحمً النفس البشرٌة وٌحفظها من مإثرات سلبٌة‬
‫أخرى تدنسها وتإثر على زكابها وكذلك فً ما نهى هللا عنه أشٌاء كثٌرة نهى عنها باعتبار تؤثٌرها السلبً‬
‫على زكاء النفوس ‪ .‬وهكذا لنلحظ أن من العناصر الربٌسٌة والمهمة جداَ هو هذا الجانب وأن اإلسبلم‬
‫أعطاه اهتماما َ كبٌراَ ومساحة كبٌرة سواء فً الجانب الروحً فً الجانب التربوي فً الجانب التشرٌعً‬
‫أهمٌة كبٌرة جداَ‪.‬‬

‫‪ٔٓٙ‬‬
‫ج‪ .‬مشكلة المنافقٌن تدنس نفسٌاتهم‬
‫ولهذا ٌتحدث القرآن الكرٌم عن االختبلل فً الوالء فٌجعل مرده اختبلال فً زكاء النفوس عندما ٌقول جل‬
‫ارى أَ ْولِ ٌَا َء َبعْ ُ‬
‫ض ُه ْم‬ ‫ٌِن آ َم ُنوا َال َت َّتخ ُِذوا ْال ٌَهُو َد َوال َّن َ‬
‫ص َ‬ ‫شؤنه هللا سبحانه وتعالى فً كتابه الكرٌم [ ٌَا أَ ٌُّ َها الَّذ َ‬
‫ٌِن فًِ قُل ُ ِ‬
‫وب ِهم‬ ‫ٌِن (ٔ٘) َف َت َرى الَّذ َ‬ ‫الظالِم َ‬ ‫أَ ْولِ ٌَا ُء َبعْ ض َو َمن ٌَ َت َولَّهُم مِّن ُك ْم َفإِ َّن ُه ِم ْن ُه ْم إِنَّ َّ َ‬
‫هللا َال ٌَ ْهدِي ْال َق ْو َم َّ‬
‫ُون فٌهم] هذه حالة ؼٌر صحٌة ؼٌر سلٌمة أبدا اختبلل فً زكاء اإلنسان؛ اإلنسان الذي‬ ‫ارع َ‬‫م ََّرض ٌُ َس ِ‬
‫ٌفعل ذلك عنده اختبلل كبٌر فً واقعه النفسً فً مشاعره إما جبن أو بخل أو شك أو أي آفة من اآلفات‬
‫الخطٌرة جدا التً تفتك بؤخبلق اإلنسان‪.‬‬

‫د‪ .‬المفاسد االخلقٌة وسٌلة للسٌطرة على الشعوب‬


‫وبقدر ما تبقى األمة مهتمة بهذا الجانب بقدر ما تجد نفسها منسجمة مع الحق ومبتعدة فً نفسها عن‬
‫طرٌق الباطل عن التبعٌة لؤلعداء ألن أولبك األعداء الذٌن ٌرتبط بهم البعض هم فً واقعهم منبع للشر‬
‫منبع للفساد منبع للرذابل لو نؤتً الٌوم إلى الصهٌونٌة العالمٌة إلى أمرٌكا حتى طرٌقة ؼزوها للشعوب‬
‫وسعٌها للسٌطرة علٌهم مساحة كبٌرة من أنشطتها وأسالٌب استهدافها للشعوب عن طرٌق مساوئ األخبلق‬
‫عن طرٌق الرذابل عن طرٌق المفاسد تجعل من هذا األسلوب بنفسه وسٌلة للسٌطرة على الشعوب نفسها‬
‫توجد بٌبة تساعد على الفساد وتستؽل تلك البٌبة بما أوجدت فٌها من وسابل وعناصر وتعمل لذلك بكل‬
‫األسالٌب فإذا أفسدت بٌبة معٌنة أو شعبا معٌنا أو مجتمعا َ معٌنا َ أو بلداَ معٌنا فهً تضمن سٌطرتها علٌه‬
‫وأنه قد فقد كل حاالت المنعة النفسٌة من سٌطرة اآلخرٌن مثبلَ من القٌم المهمة والعظٌمة العزة ؛ العزة فً‬
‫مفهومها اإلٌمانً ال تبقى مع الدناءة مع االنحطاط مع مساوئ األخبلق ‪ ،‬تحتاج العزة إلى مكارم األخبلق‬
‫ألن اإلنسان إذا أصبح منحطا َ سٌبا َ فاسداَ ٌمكن له أن ٌقبل بالهوان ٌمكن له أن ٌقبل بسٌطرة األعداء ٌمكن‬
‫له أن ٌقبل بؤي شًء‪ ،‬فهذا الجانب ٌمثل جانبا َ ربٌسٌا مهما َ فً اإلسبلم وكثٌر من الناس ٌمكن أن ٌكون‬
‫فاهما َ أو واعٌا َ أو عارفا َ كمجرد معرفة ؛ معرفة ذهنٌة لكن إذا لم ٌكن مع هذه المعرفة زكاء نفس فٌمكن‬
‫أن ٌفعل الؽلط وهو ٌعرؾ أنه ؼلط ٌمكن أن ٌتجه فً صؾ الباطل وهو ٌدرك أنه ٌتجه فً صؾ الباطل‪،‬‬
‫البعض ٌصل إلى درجة أن ٌبٌع نفسه وموقفه وٌنظم إلى صؾ الباطل بكل ما ٌفعله أولبك الذٌن ٌنظم إلى‬
‫صفهم ؛ ما هم علٌه من أهداؾ سٌبة وما هم ٌرتكبونه من جرابم فظٌعة وال ٌتحرج أبدا أن ٌكون فً‬
‫صفهم‪ ...‬لماذا؟ ألن نفسٌته خبثت وتدنست وانعدمت فٌه مكارم األخبلق ومات ضمٌره لم ٌعد عنده ضمٌر‬
‫حً مات ضمٌره فبل ٌكفً وعً أو معرفة ذهنٌة ومعرفة عادٌة إذا لم ٌترافق معها زكاء للنفوس‪.‬‬

‫‪ .4‬االسلم دٌن عدل ودٌن مسإولٌة‬


‫من المحاور الربٌسٌة العمل على إقامة العدل فً واقع الحٌاة ومحاربة الظلم والطؽٌان واإلجرام فهذا‬
‫عنصر ربٌسً فً اإلسبلم ونجد فً القرآن الكرٌم تؤكٌد كبٌر جداَ لدرجة أنه جعل هذه المسؤلة ربٌسٌة فً‬
‫رساالت هللا بكلها من أولها إلى خاتم األنبٌاء وسٌد المرسلٌن محمد صلوات هللا وسبلمه علٌه وعلى آله ‪.‬‬

‫‪ٔٓ5‬‬
‫ان لِ ٌَقُو َم‬ ‫اب َو ْالم َ‬
‫ٌِز َ‬ ‫ت َوأَ َ‬
‫نز ْل َنا َم َع ُه ُم ْال ِك َت َ‬ ‫هللا جل شؤنه ٌإكد هذا فً القرآن الكرٌم ( ل َق ْد أَرْ َس ْل َنا ُر ُسلَ َنا ِب ْال َب ٌِّ َنا ِ‬
‫ال َّناسُ ِب ْالقِسْ طِ ) ‪ .‬فالقسط ٌعتبر فً دٌن اإلسبلم مسبولٌة ربٌسٌة على الناس على كل منتمً لئلسبلم أن‬
‫ٌدرك أن من مسبولٌاته أن من التزاماته الدٌنٌة أن ٌكون ساعٌا َ إلقامة العدل فً هذه الحٌاة وضداَ للظلم‬
‫والطؽٌان ‪.‬‬
‫هذه مسؤلة مهمة جدا وؼابت فً الساحة اإلسبلمٌة‪ ،‬ؼابت إلى حد كبٌر‪ ،‬وأصبح الكثٌر من المنتمٌن إلى‬
‫اإلسبلم ٌعتبر نفسه ؼٌر معنًّ نهابٌا بهذا األمر‪ٌ ،‬حصل ظلم وهذا الزمن مظالم كبٌرة جدا عندما ننظر‬
‫إلى ظلم تحالؾ العدوان لشعبنا الٌمنً‪ ،‬ظلم إسرابٌل للشعب الفلسطٌنً ظلم هنا وهناك‪ ،‬الساحة اإلسبلمٌة‬
‫ممتلبة بالظلم‪ ،‬ونحن نقول أن هذا الواقع الذي تعٌشه األمة فً المنطقة العربٌة وفً بلدان كثٌرة ٌشهد على‬
‫فجوة كبٌرة عن أشٌاء مهمة وأساسٌة فً اإلسبلم‪ٌ ،‬شهد على مستوى وحجم االنحراؾ الذي حصل فً‬
‫واقع األمة عن أساسٌات هذا اإلسبلم‪ ،‬ألن المسلمٌن وصلوا إلى حالة واقعهم فٌها هو أسوأ واقع فً العالم‪،‬‬
‫الظلم فً ساحتهم أكثر من أي ساحة عالمٌة أخرى‪ ،‬بٌبة مفتوحة أمام الفساد بٌبة مفتوحة أمام الضبلل‪،‬‬
‫بٌبة ٌتلعب فٌها أعداء األمة بكل بساطة بٌبة ٌتحرك فٌها الكثٌر من أبناء األمة من المنتسبٌن لؤلمة وإلى‬
‫دٌنها فً خدمة أعدابها بكل وضوح وعبلنٌة وٌفاخرون بذلك‪ ،‬وبٌبة فٌها كل أشكال وأنواع المفاسد‪ ،‬وفٌها‬
‫سهولة فً عملٌة االستقطاب من كل فبات الضبلل كل فترة وأنت تسمع بفبة ضالة جدٌدة تستقطب من‬
‫داخل الساحة العربٌة‪ ،‬وكل فترة وأتى عنوان وأخذ له ما أخذ‪.‬‬
‫هذه الحالة ؼٌر صحٌة ؼٌر سلٌمة ؼٌر طبٌعٌة‪ ،‬حالة خطٌرة جدا فً واقع األمة‪ ،‬هً تستدعً أن ٌلتفت‬
‫الناس بجدٌّة إلى معرفة مستوى الخلل وما ٌنبؽً على األمة وما علٌها من مسإولٌة فً معالجة هذا الخلل‬
‫وفً أن تتجه االتجاه الصحٌح الذي ٌُصلح واقعها‪ ،‬ألنه ال إمكانٌة أبدا للتؽٌٌر نحو األفضل إال بذلك‪،‬‬
‫هللا الَ ٌُ َؽ ٌِّ ُر َما ِب َق ْوم َح َّتى ٌُ َؽ ٌِّرُو ْا َما ِبؤ َ ْنفُسِ ِه ْم) ‪.‬‬
‫باالتجاه الجاد بدءا من تؽٌٌر ما باألنفس (إِنَّ ّ َ‬
‫إذا كان لدٌنا وعً بؤن من مسإولٌاتنا كمسلمٌن أن نعمل على إقامة العدل هذا ٌحتاج إلى تحرك جاد‪ ،‬إلى‬
‫مسإولٌات عملٌة إلى وحدة كلمة وإلى تحرك بجدٌّة فً الواقع إلقامة العدل وال ٌمكن أن نقٌم العدل إال‬
‫وأن نحارب الظلم‪ ،‬هناك فً الساحة فبات ظالمة مكونات ظالمة من داخل األمة ومن خارج األمة‪ ،‬إذا‬
‫أردنا أن نقٌم العدل البد أن نقؾ فً وجه أولبك الطؽاة الظالمٌن المتسلطٌن المجرمٌن‪ ،‬هناك كٌانات كبٌرة‬
‫دول حكومات متسلطة ظالمة وال ٌمكن أن ندفع ظلمها إال بموقؾ بتحرك بتحمّل مسإولٌة بجدٌّة‪،‬‬
‫فاإلسبلم دٌن عدل وقسط وال ٌقبل أبدا بؤن ٌعبّر عنه أولبك الطؽاة الظالمون الجابرون المفسدون‪ٌ ،‬ؤتٌك‬
‫طاؼٌة مجرم من موقعه فً السلطة وهو ٌوالً أمرٌكا وٌتحرك فً خدمة أمرٌكا وٌقدم نفسه والٌا باسم‬
‫اإلسبلم وحاكما باسم اإلسبلم وٌقدم نفسه كملك أو أمٌر أو بؤي صفة من الصفات ألنه ٌمثل اإلسبلم وٌمثل‬
‫األمة اإلسبلمٌة فً الوقت الذي هو حسب التوصٌؾ القرآنً ظالم وطاؼٌة ومجرم ومنافق وفاسق وفاجر‬
‫إلى آخر التسمٌات القرآنٌة التً تنطبق علٌه بما ٌفعل بما ٌتصرؾ بما هو فٌه فً والءاته فً تبعٌته‬
‫ألعداء األمة فً اتجاهاته فً سٌاساته فً كل ماهو علٌه‪.‬‬
‫ٌِن ِب ْالقِسْ طِ ) هذا أمر من هللا‬ ‫فاإلسبلم دٌن عدل ودٌن قسط وهللا هو القابل‪ٌَ ( :‬ا أَ ٌُّ َها الَّذ َ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا ُكو ُنوا َق َّوام َ‬
‫سبحانه وتعالى لكل الذٌن ٌحسبون أنفسهم على هذا اإلسبلم أن ٌكونوا قوّ امٌن بالقسط‪ ،‬وهذا ٌعنً‬
‫استمرارٌة‪ ،‬مسإولٌة مستمرة أنتم مستمرون علٌها‪ ،‬مسٌرة حٌاة ومنهج حٌاة ومسار مستمر‪ ،‬ألنه ال ٌمكن‬
‫‪ٔٓ8‬‬
‫إقامة القسط إال بهذا أن تكون المسؤلة مسؤلة مسٌرة مستمرة عمل مستمر نشاط مستمر ما هو أن المسؤلة‬
‫مسؤلة هبه وانتهى الموضوع فهذا ال ٌمكن‪ ،‬كونوا قوامٌن بالقسط شهداء ِّل وفً آٌة أخرى‪ُ ( :‬كو ُنوا‬
‫ش َه َدا َء ِب ْالقِسْ طِ ) ومإدى اآلٌتٌن واحد فً النهاٌة هً مسإولٌة نتحرك بها فً واقع هذه الحٌاة‪.‬‬ ‫ٌِن ِ َّ ِ‬
‫ِّل ُ‬ ‫َق َّوام َ‬
‫فؤن ٌتصور البعض أن باإلمكان أن ٌكون معبّرا عن اإلسبلم فً أصالته فً امتداده الصحٌح اإلقتداء‬
‫برسول هللا والتمسك بالقرآن‪ ،‬وٌكون إما فً صؾ الطؽاة الظالمٌن المجرمٌن الذٌن ٌُمٌتون العدل بتبعٌتهم‬
‫ألعداء األمة وٌظلمون األمة بماهم علٌه وبماهم فٌه وما ٌفعلونه وما ٌمارسونه‪ ،‬أو أن ٌتؽاضى وأن‬
‫ٌصمت وأن ٌجمد وأن ٌترك الساحة مفتوحة أمامهم وال ٌسعى إلقامة العدل وإماتة الظلم‪ ،‬وٌعتبر نفسه فً‬
‫الموقؾ الصحٌح أو االتجاه الصحٌح‪ ،‬هو مخطا بكل ماتعنٌه الكلمة‪ ،‬وهو بعٌد عن المسار الصحٌح‬
‫لئلسبلم فً معالمه المهمة والربٌسٌة‪.‬‬
‫الٌوم قدم اإلسلم للكثٌر من أبناء األمة إسلم إسلما ال ٌحق حقا وال ٌبطل باطل وال ٌثمر عدال وال‬
‫ٌصلح واقعا وال ٌبنً أمة ‪.‬‬

‫المسإولٌة فً القرآن‬
‫جانب المسإولٌة جانب واسع ٌشمل مجاالت متعددة المسإولٌة فً إقامة العدل والحق فً الحٌاة‪،‬‬
‫المسإولٌة فً األمر بالمعروؾ والنهً عن المنكر كما قرأنا فً المحاضرات الماضٌة قول هللا تعالى ( ٌَا‬
‫ِّل) تحدثنا عن هذه اآلٌة المباركة أٌضا قول هللا تعالى ( ُك ْن ُت ْم‬ ‫ش َه َدا َء ِ َّ ِ‬
‫ٌِن ِب ْالقِسْ طِ ُ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا ُكو ُنوا َق َّوام َ‬ ‫أَ ٌُّ َها الَّذ َ‬
‫اِّل) خٌرٌة هذه األمة وما كان‬ ‫ون ِب َّ‬
‫ُون ِب ْال َمعْ رُوؾِ َو َت ْن َه ْو َن َع ِن ْال ُم ْن َك ِر َو ُت ْإ ِم ُن َ‬ ‫اس َتؤْ ُمر َ‬ ‫َخٌ َْر أُمَّة أ ُ ْخ ِر َج ْ‬
‫ت لِل َّن ِ‬
‫علٌه أخٌارها فً الماضً هو االلتزام بهذه التعلٌمات اإللهٌة باألمر بالمعروؾ والنهً عن المنكر‬
‫واإلٌمان باِّل‪ ،‬أخٌار هذه األمة فً الماضً كانوا أخٌاراَ بهذه القٌم بهذه االلتزامات بهذه التوجٌهات اإللهٌة‬
‫ومدى التزامهم‪ ،‬بها األمة بعدهم كذلك لن تكون خٌر َة إال بمدى التزامها بهذه الن الخٌرٌة اقترنت بهذا‬
‫تؤمرون بالمعروؾ وتنهون عن المنكر وتإمنون باِّل ‪ .‬من ال ٌسٌر فً هذا االتجاه حتى لو كان ٌعتبر‬
‫نفسه من األخٌار إما باعتباره بصفة عالم دٌن أو بصفت ِه بصفة عابد ٌقدم نفسه بصفة عابد أو بؤي شكل‬
‫من األشكال كمصلح فً هذه الحٌاة أو أي شًء أي عنوان آخر لٌس من األخٌار أبدا؛ من ال ٌتجه هذا‬
‫االتجاه كشخص أو كمجتمع أو كؤمة‪ ،‬بل ٌمكن لؤلمة بتعطٌلها لمسإولٌتها هذه وابتعادها عن هذه التعلٌمات‬
‫اإللهٌة أن تتحول إلى أسوأ أمة بدال أن تكون خٌر أمة؛ تكون أسوأ أمة أخرجت للناس أمة قلٌلة الخٌر‬
‫متعطلة عن القٌام والنهوض بمسإولٌاتها بما أتاح المجال لقوى الشر والفساد أن تطؽى بفسادها وظلمها‬
‫وإجرامها فً هذا العالم كذلك المسإولٌة المتعلقة بالجهاد فً سبٌل هللا الفرٌضة العظٌمة المهمة التً البد‬
‫منها لكً تتمكن األمة من االستقامة فً السٌر على أساس منهج هللا و أي مجتمع كمجتمع ٌسعى ألن‬
‫ٌتحرك على أساس منهج هللا ٌسعى متحرراَ من سٌطرة الطاؼوت ومستقبلَ من التبعٌة لبلستكبار‬
‫والطاؼوت سٌمنع سٌقاتل سٌعادى إن أراد السٌر فً هذا االتجاه الذي ٌتناقض كلٌا َ مع قوى الطاؼوت‬
‫والشر واإلجرام والفساد فً هذا العالم ؛ سٌمنع الناس ألنه ٌراد لهم من قبل تلك القوى الشٌطانٌة أن‬
‫ٌكونوا خاضعٌن أن ٌكونوا مذعنٌن أن ٌكونوا مستسلمٌن ومستكٌنٌن ثم أن ٌكونوا مستؽلٌن ومستعبدٌن‬
‫‪ٔٓ9‬‬
‫نحن‬
‫لقوى الطاؼوت ‪ .‬ما الذي ترٌده أمرٌكا منا الٌوم إال أن نخضع لسٌطرتها بشكل مطلق إال أن تستؽلنا َ‬
‫كبشر ومواردنا االقتصادٌة ومناطقنا حتى على مستوى أراضٌنا بكل شًء ترٌد أن تستؽل كل شًء ما‬
‫الذي ٌرٌده عمبلء أمرٌكا؟ إال عملٌة إخضاع لطاؼوتهم األمرٌكً على نحو ما ٌرٌد وبما ٌسعى له فإذا‬
‫هذه األمة إذا أرادت أن تتحرك ستقمع سٌسعى اآلخرون الستهدافها وٌقوم لها أعداء تختلؾ معهم تتناقض‬
‫معهم فً اتجاهاتهم فً أرادتهم فٌما ٌسعون له من سٌطرة واستعباد‪.‬‬
‫األمة البد أن تدافع عن نفسها وتواجه هذا العدو الذي ٌعتدي علٌها وٌسعى الستهدافها بكل الوسابل‬
‫واألعداء هم ٌستهدفون األمة عسكرٌا‪ٌ ،‬ستهدفونها اقتصادٌاَ‪ٌ ،‬ستهدفونها ثقافٌا َ وفكرٌا َ وإعبلمٌا َ وكل ما‬
‫ٌدخل فً إطار ما ٌسمى الٌوم بالحرب الناعمة االستهداؾ لؤلمة بكل أشكال االستهداؾ ‪ .‬فً ظل واقع‬
‫كهذا كٌف نتحرك؟ من هو قدوتنا؟ ما هً المنهجٌة التً ٌنبغً أن نتبعها؟ ما هً الرإٌة التً ٌنبغً أن‬
‫نعتمد علٌها؟ نعود إلى رسول هللا صلوات هللا علٌه وعلى آله نعود إلى القرآن الكرٌم ماذا فعل رسول‬
‫هللا؟ ما الذي وجهنا إلٌه هللا فً القرآن الكرٌم؟ هل وجهنا بالقعود والسكوت والجمود واالستسلم؟ هل‬
‫أمرنا بالخنوع والخضوع للطغاة؟ هل علمنا القرآن الكرٌم أن نكون أمة مٌتة اإلحساس مٌتة الشعور‬
‫غافلة عن أعدابها الهٌة باألشٌاء التافهة فً واقع حٌاتها وغٌر منتبهة إلى الواقع من حولها؟ هل علمنا‬
‫أن نبنً واقعنا لنكون أمة ضعٌفة عاجزة؟ تتجه إلى االعتماد على أعدابها فً كل شًء؟ أم أن للقران‬
‫منهجا َ آخر غٌر هذا المنهج الذي ٌحدثنا به الكثٌر من الضالٌن من المرجفٌن والمنافقٌن والذٌن فً‬
‫قلوبهم مرض من الخانعٌن من الجاهلٌن؟ أم أن للرسول صلى هللا علٌه وآله وسلم فً مسٌرته العملٌة‬
‫فً تطبٌق القرآن وفً إقامة هذا الدٌن سٌرة مختلفة عما ٌحاول اآلخرون باسم الدٌن أو تحت عناوٌن‬
‫أخرى أن ٌخدعونا به لتدجٌننا لصالح أعدابنا؟ عودة بسٌطة إلى القرآن الكرٌم تجد سوراَ بؤكملها سوراَ‬
‫بؤكملها تبنً واقع هذه األمة على درجة عالٌة من االنتباه والٌقظة والحذر والوعً واإلحساس العالً‬
‫بالمسإولٌة والسعً الن تكون أمة قوٌة وأن تكون أمة حرة وعزٌزة وأبٌة وثابتة فً وجه أعدابها وأن‬
‫تحمل فً مشاعرها العزة والقوة والحرٌة واإلباء وأن تتحرك بكل جدٌة فً مواجهة التحدٌات واألخطار‬
‫التً ٌستهدفها بها أعدابها ‪.‬‬

‫كٌف تحدث القرآن عن المتخاذلٌن؟‬


‫آٌات من سورة التوبة تتحدث عمن تخاذل فً ؼزوة تبوك‬

‫حالة التثاقل حالة غٌر مقبولة نهابٌا َ فً اإلسلم‬


‫عندما نعود إلى القرآن الكرٌم مثبلَ فً سورة التوبة "سورة التوبة من أولها إلى أخرها" سورة استنفار‪،‬‬
‫سورة تعببة‪ ،‬سورة تحفٌز‪ ،‬سورة تعطً وعٌا َ عالٌا عن العدو وكٌؾ ٌنبؽً أن نكون فً مواجهة العدو‬
‫سورة واحدة‪ ،‬عندما نؤتً إلى القرآن الكرٌم سنرى كٌؾ هو موقؾ القرآن الكرٌم من الحاالت التً تسعى‬
‫أو الجهات التً تسعى بؤن تتجه باألمة أثناء التحدٌات وعندما ٌوجد الخطر إلى اتجاهات الخنوع والجمود‬
‫ٓٔٔ‬
‫واالستسبلم والتخاذل والتنصل عن المسإولٌة كٌؾ ٌتخاطب معها القرآن الكرٌم كٌؾ ٌصنفها كٌؾ ٌعتبر‬
‫موقفها شاذاَ بكل ما تعنٌه الكلمة ال هو ٌنسجم مع الفطرة وال هو ٌنسجم مع اإلنسانٌة وال هو ٌنسجم مع‬
‫الدٌن موقؾ سٌا سلبً خاطا بكل ما تعنٌه الكلمة ال ٌمثل أي خٌر وال أي مصلحة لؤلمة‪.‬‬
‫ٌِن آ َم ُنوا َما لَ ُك ْم إِ َذا‬ ‫نؤتً إلى بعض النصوص القرآنٌة فً سورة التوبة ٌقول هللا سبحانه وتعالى ( ٌَا أَ ٌُّ َها الَّذ َ‬
‫هللا َّاثا َق ْل ُت ْم إِلَى ْاألَرْ ِ‬
‫ض أَ َرضِ ٌ ُتم ِب ْال َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا م َِن ْاآلخ َِر ِة َف َما َم َتا ُع ْال َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا‬ ‫ٌل َّ ِ‬
‫قٌِ َل لَ ُك ُم ان ِفرُوا فًِ َس ِب ِ‬
‫هللا ُ َعلَى‬ ‫فًِ ْاآلخ َِر ِة إِ َّال َقلٌِل (‪ )ٖ8‬إِ َّال َتن ِفرُوا ٌُ َع ِّذ ْب ُك ْم َع َذابا أَلٌِما َو ٌَسْ َت ْب ِد ْل َق ْوما َؼٌ َْر ُك ْم َو َال َتضُرُّ وهُ َشٌْبا َو َّ‬
‫ُك ِّل َشًْ ء َقدٌِر) هذه اآلٌة بخطابها هذا المإثر والمستنفر الذي ٌحًٌ فً األمة حالة النفٌر حالة الٌقظة‬
‫العالٌة الذي ٌخرج الناس من حالة الؽفلة والجمود هو ٌؤتً لٌتخاطب ولٌواجه حالة هً حالة التثاقل ٌعنً‬
‫لٌست بالدرجة التً تصل إلى حد التنصل الكلً عن المسإولٌة‪ ،‬ال‪ ،‬مسؤلة التثاقل البعض مثبلَ ٌتنصل كلٌا َ‬
‫عن المسإولٌة عازفا َ نهابٌا َ على أن ٌكون له أي موقؾ عن أن ٌلتفت أصبل إلى هذا الموضوع‪ ،‬البعض قد‬
‫ٌكون ال باس متفاعبلَ لكن بشكل بطًء وبشكل متثاقل حتى حالة التثاقل حالة ؼٌر مقبولة نهابٌا َ فً‬
‫اإلسبلم الحالة التً ٌبنى علٌها واقع المجتمع اإلسبلمً إذا كان متفاعبلَ مع هدى هللا ومقببلَ إلى آٌات هللا‬
‫ؼٌر معرض عنها أن ٌعٌش هذه الروحٌة العالٌة من التفاعل واالستجابة والٌقظة واالنتباه والمبادرة‬
‫والمسارعة ولٌس فً حالة من التثاقل والتباطإ ألن طبٌعة هذه المسإولٌة ومستوى األخطار ٌقتضً من‬
‫األمة أن تكون ٌقظة ومبادرة ومسارعة وأن ال تكون على هذا النحو من التثاقل والتباطإ فً مواجهة‬
‫األخطار وأمام التحدٌات ٌسبب لؤلمة نكبات كبٌرة‪ ،‬أحٌانا فً فارق البعض من الوقت تنكب أمة تخسر‬
‫ض)‬ ‫هللا َّاثا َق ْل ُت ْم إِلَى ْاألَرْ ِ‬ ‫ٌل َّ ِ‬
‫معركة‪ ،‬وتتٌه وتتحمل تبعات كبٌرة جدا نتٌجة لتثاقلها (إ َذا قٌِ َل لَ ُك ُم ان ِفرُوا فًِ َس ِب ِ‬
‫هذه الحالة هً حالة ؼٌر صحٌة ؼٌر سلٌمة ؼٌر إٌجابٌة‪ ،‬أٌن هذا المنطق من منطق من ٌثبط من ٌخذل‬
‫من ٌجمد الناس‪ ،‬من ٌمٌت فٌهم روح المسإولٌة واإلحساس بالمسإولٌة (إِ َّال َتن ِفرُوا ٌُ َع ِّذ ْب ُك ْم َع َذابا أَلٌِما‬
‫هللا ُ على ُك ِّل َشًْ ء َقدٌِر ) هذا وعٌد إلهً‪ ،‬وعٌد بالعذاب من هللا‪،‬‬ ‫َو ٌَسْ َت ْب ِد ْل َق ْوما َؼٌ َْر ُك ْم َو َال َتضُرُّ وهُ َشٌْبا َو َّ‬
‫وعٌد لمن؟ للكافرٌن للٌهود؟ للنصارى؟ هذا وعٌد للذٌن آمنوا‪ ،‬للذٌن ٌصلون وٌصومون وٌزكون‪،‬‬
‫وٌعملون بعض األعمال بصفة أنها أعمال صالحة‪ ،‬ولكنهم ال ٌرٌدون الجهاد فً سبٌل هللا‪ ،‬ال ٌرٌدون أن‬
‫ٌتحملوا مسإولٌة‪ ،‬أمام التحدٌات واألخطار التً تعانً منها األمة وستإدي إلى ضٌاع هذه األمة وضٌاع‬
‫كل ما لدٌها‪ٌ ،‬رٌدون إسبلما ال مسإولٌة فٌه ال تحرك فٌه‪ ،‬ال موقؾ فٌه‪ ،‬هذه النوعٌة من الناس‬
‫موعودون من هللا بالعذاب "إال تنفروا ٌعذبكم عذابا ألٌما"‪ ،‬حٌنها ال تؽنً عنكم صبلتكم وال ٌؽنً عنكم‬
‫صٌامكم وال تؽنً عنكم أعمالكم من النوافل والمستحبات ألنكم فرطتم فً فرٌضة مهمة جدا هً تدلل على‬
‫مدى مصداقٌة اإلنسان حتى فً انتمابه اإلٌمانً‪ ،‬فً مصداقٌته مع هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬فاِّل ٌتوعد بالعذاب‬
‫فً خطابه للذٌن آمنوا‪ ،‬للمنتمٌن إلى هذا الدٌن‪ ،‬ألولبك الذٌن ٌذهبون إلى المساجد وٌعودون منها ولكن ال‬
‫ٌرٌدون أبدا أن ٌتحملوا هذه المسإولٌة وال أن ٌلتفتوا إلٌها‪ ،‬ثم نؤتً أٌضا فً القرآن الكرٌم فً نفس سورة‬
‫التوبة‪ ،‬تجد اآلٌات التً تبٌن كٌؾ هو اتجاه رسول هللا صلوات هللا علٌه وعلى آله‪ ،‬وأن الحاالت التً‬
‫ٌتجه فٌها البعض متنصبل عن المسإولٌة متهربا من أداء هذه المسإولٌة هً اتجاه منحرؾ‪ ،‬منحرؾ‪،‬‬
‫أولبك ال ٌقتدون برسول هللا‪ ،‬من ٌسلكون سلوك الجمود والقعود والتخاذل هم ال ٌقتدون برسول هللا صلى‬
‫هللا علٌه وعلى آله وسلم‪ ،‬من كان منهم باسم عالم أو متعلم أو مرشد أو خطٌب جامع أو إمام مسجد أو أٌا‬
‫ان ِألَهْ ِل‬ ‫كان و بؤي صفة كان‪ ،‬هو ال ٌقتدي برسول هللا صلى هللا علٌه وعلى آله وسلم ‪ ،‬هللا ٌقول‪َ (:‬ما َك َ‬
‫ٔٔٔ‬
‫هللا َو َال ٌَرْ َؼبُوا ِبؤَنفُسِ ِه ْم َعن َّن ْفسِ ِه)‪ ،‬ما ٌنبؽً لهم‬ ‫ُول َّ ِ‬ ‫ب أَن ٌَ َت َخلَّفُوا َعن رَّ س ِ‬ ‫ْال َمدٌِ َن ِة َو َمنْ َح ْولَهُم م َِّن ْاألَعْ َرا ِ‬
‫أبدا أن ٌتخاذلوا عن الجهاد‪ ،‬فً الوقت الذي كان من ٌدعو إلى الجهاد وٌقٌم فرٌضة الجهاد هو رسول هللا‬
‫الذي هو القدوة واألسوة‪ ،‬والذي ٌجب أن ٌحذو الناس حذوه‪ ،‬أن ٌقتدوا به‪ ،‬عندما ترٌد أن تمتنع عن أداء‬
‫هذه الفرٌضة وقدوتك فً أدابها والقٌام بها هو رسول هللا الذي كان مجاهدا‪ ،‬داعٌا إلى الجهاد‪ ،‬قابدا للجهاد‬
‫محركا لؤلمة فً الجهاد فً سبٌل هللا‪ ،‬فتؤتً أنت إما لتقعد وإما لتثبط اآلخرٌن أٌضا‪" ،‬ما كان ألهل‬
‫المدٌنة"‪ ،‬ما ٌلٌق بهم أبدا‪ ،‬ومن حولهم من األعراب‪ ،‬أٌضا األمة بكلها من بعد رسول هللا إلى قٌام الساعة‪،‬‬
‫ما ٌنبؽً لها أن تتثاقل وال أن تتخاذل وال أن تثبط وال أن تجمد وال أن تشطب المسإولٌة فً الدفاع عن‬
‫نفسها ومبادبها وقٌمها وعرضها وأرضها وحرٌتها واستقبللها من خبلل الجهاد فً سبٌل هللا الذي ٌوفر‬
‫لها المنعة والحماٌة وٌدفع الخطر عنها‪ ،‬ما ٌنبؽً لها أن تتنصل عن هذه المسإولٌة‪ ،‬ألن القدوة فً أداء‬
‫ك ِبؤ َ َّن ُه ْم َال‬‫هذه المسإولٌة والقٌام بها وباعتبارها فرٌضة إلهٌة هو رسول هللا صلى هللا علٌه وآله وسلم‪َ ( ،‬ذ ِل َ‬
‫ون مِنْ َع ُدو َّنٌْبل‬ ‫ون َم ْوطِ با ٌَ ِؽ ُ‬
‫ٌظ ْال ُك َّف َ‬
‫ار َو َال ٌَ َنال ُ َ‬ ‫ٌل َّ ِ‬
‫هللا َو َال ٌَ َط ُب َ‬ ‫صة فًِ َس ِب ِ‬ ‫صب َو َال َم ْخ َم َ‬ ‫ٌُصِ ٌ ُب ُه ْم َظ َمؤ َو َال َن َ‬
‫ٌرة َو َال‬ ‫ٌِرة َو َال َك ِب َ‬
‫صؽ َ‬ ‫ون َن َف َقة َ‬‫ٌِن (ٕٓٔ) َو َال ٌُن ِفقُ َ‬ ‫هللا َال ٌُضِ ٌ ُع أَجْ َر ْالمُحْ سِ ن َ‬
‫صالِح إِنَّ َّ َ‬ ‫ِب َلهُم ِب ِه َع َمل َ‬ ‫إِ َّال ُكت َ‬
‫ون) فالمإمنون علٌهم أن ٌقتدوا برسول هللا‬ ‫هللا ُ أَحْ َس َن َما َكا ُنوا ٌَعْ َمل ُ َ‬
‫ِب َل ُه ْم لِ ٌَجْ ِز ٌَ ُه ُم َّ‬ ‫ٌَ ْق َطع َ‬
‫ُون َوادٌِا إِ َّال ُكت َ‬
‫وأن ٌدركوا أن كل عناء فً سبٌل أداء هذه المسإولٌة وكل مشقة ٌقابلها مكافؤة عظٌمة من هللا‪ٌ ،‬قابلها‬
‫األجر‪ٌ ،‬قابلها الفضل‪ٌ ،‬قابلها الرحمة ٌقابلها المكافؤة بالنصر والعزة والكرامة‪ٌ ،‬قابلها حسن ثواب الدنٌا‬
‫وحسن ثواب اآلخرة‪ٌ ،‬قابلها الخٌر كل الخٌر فٌما وعد هللا به األمة إذا استجابت إذا نهضت إذا تحملت‬
‫مسإولٌتها فٌما ٌمنحها هللا من رعاٌة ونصر وتؤٌٌد وتمكٌن وخٌر الدنٌا واآلخرة‪ ،‬فالمسؤلة مهمة جدا‪ ،‬فما‬
‫كان ألي عالم وال ألي خطٌب وال ألي مثقؾ وال ألي شخص ٌنتمً إلى هذا اإلسبلم أن ٌجمد وأن ٌمٌت‬
‫من نفسه روح الشعور بالمسإولٌة أو أن ٌتجه فً الساحة للتثبٌط والتخذٌل وزرع الوهن والٌؤس فً‬
‫نفوس الناس والسعً ألن تجمد هذه األمة وأن تستكٌن وهً تواجه أكبر األخطار والتحدٌات من قوى‬
‫الطاؼوت المستكبرة وعلى رأسها أمرٌكا وإسرابٌل ومن معهما من العمبلء الذٌن ٌعملون لصالحهما من‬
‫داخل أبناء األمة‪.‬‬
‫مرحلة مهمة ال تقل عن أي مرحلة تمثل خطورة بالؽة على األمة فٌما مضى من الزمن‪ ،‬مرحلة تستدعً‬
‫إحٌاء هذه الفرٌضة‪.‬‬

‫أما المتخاذلٌن فٌقول عنهم‪.....‬‬

‫ول َّ ِ‬
‫هللا )‬ ‫س ِ‬ ‫( َف ِر َح ا ْل ُم َخلَّفُونَ ِب َم ْق َع ِد ِه ْم خ َِل َ‬
‫ف َر ُ‬
‫عندما نؤتً أٌضا إلى القرآن الكرٌم كٌؾ ٌتحدث أٌضا فً هذا السٌاق‪ٌ ،‬قول هللا سبحانه وتعالى‪َ ( :‬ف ِر َح‬
‫هللا )‪ ،‬المخلفون‪ ،‬هذه السمة وهذا التوصٌؾ الذي ٌمثل فعبل عبلمة سلبٌة‬ ‫ُول َّ ِ‬ ‫ْالم َُخلَّفُ َ‬
‫ون ِب َم ْق َع ِد ِه ْم خ َِبل َ‬
‫ؾ َرس ِ‬
‫لمن ٌتصفون به‪ ،‬المخلفون هم أولبك الذٌن تنصلوا عن المسإولٌة‪ ،‬هم أولبك الذٌن لم تحركهم ال فطرتهم‬
‫وال مشاعرهم اإلنسانٌة وهم ٌرون الخطر على أمتهم من حولهم‪ ،‬الخطر الذي ٌشملهم كما هو خطر على‬
‫األمة بكلها‪ ،‬رضوا ألنفسهم بالتنصل عن المسإولٌة‪ ،‬رضوا ألنفسهم أن ٌعٌشوا فً واقع الذل والهوان‬
‫ٕٔٔ‬
‫والجمود واالستسبلم‪ ،‬رضوا ألنفسهم بالخنوع‪ ،‬ال ٌمتلكون الطاقة اإلٌمانٌة والدافع اإلٌمانً وال الضمٌر‬
‫اإلنسانً وال اإلحساس بالواقع من حولهم‪ ،‬قلوب مٌتة وجامدة وباردة‪ ،‬ال تلتفت وال تتفاعل مع ما حولها‬
‫هللا) كان لهم ذنبان‪ ،‬الذنب األول هو قعودهم‪ ،‬قعودهم بنفسه ذنب‪،‬‬‫ُول َّ ِ‬ ‫( َف ِر َح ْالم َُخلَّفُ َ‬
‫ون ِب َم ْق َع ِد ِه ْم خ َِبل َ‬
‫ؾ َرس ِ‬
‫وتخلفهم عن النهوض بالمسإولٌة والتحرك ذنب‪ ،‬وإضافة إلى ذلك فرحوا‪ ،‬فرحهم هو ذنب آخر‪ ،‬الفرح‬
‫بقعودهم‪ ،‬ألنهم ٌعتبرون قعودهم هو الصواب وهو السٌاسة وهو الحكمة وأنهم أذكٌاء وأنهم عباقرة‪ ،‬لم‬
‫ٌورطوا أنفسهم كما فعل اآلخرون‪ٌ ،‬رون فً نهوض اآلخرٌن بالمسإولٌة وتحركهم للتصدي للخطر أنه‬
‫تورط‪ ،‬وأنه ؼباء سٌاسً‪ ،‬وأنه حماقة‪ ،‬وأنه كان ٌنبؽً لهم أن ٌخنعوا وأن ٌستكٌنوا وأن ٌستسلموا ألعداء‬
‫األمة‪ ،‬فهم فرحوا بما هم علٌه من قعود واعتبروا أنفسهم أذكٌاء وعباقرة وسٌاسٌٌن وحكماء وأن اآلخرٌن‬
‫أؼبٌاء ومتهورٌن‪،‬‬
‫ٌل َّ ِ‬
‫هللا ‪).....‬‬ ‫( َو َك ِرهُوا أَنْ ٌُ َجا ِهدُوا ِبؤ َ ْم َوالِ ِه ْم َوأَ ْنفُسِ ِه ْم فًِ َ‬
‫س ِب ِ‬
‫( َو َك ِرهُوا أَنْ ٌ َُجا ِه ُدوا ِبؤَمْ َوال ِِه ْم َوأَ ْنفُسِ ِه ْم فًِ َس ِب ِ‬
‫ٌل َّ ِ‬
‫هللا )‪ ،‬عندهم كره للجهاد‪ ،‬وصل بهم الحال إلى أن‬
‫ٌكرهوا الجهاد فً سبٌل هللا بالمال والنفس‪ ،‬لٌس عندهم أي رؼبة فً ذلك‪ ،‬وال أي اندفاع‪ ،‬هذا ٌدل على‬
‫خواء إٌمانً‪ ،‬على فراغ‪ ،‬ألن الجانب اإلٌمانً ثمرته فً النفس‪ ،‬رؼبة فٌما هو رضا ِّل‪ ،‬هذا أمر ال شك‬
‫فٌه‪ ،‬ثمرة اإلٌمان رؼبة‪ ،‬اندفاع تفاعل مع ما فٌه مرضاة هللا سبحانه وتعالى‪ ،‬هإالء على العكس‪ ،‬كرهوا‪،‬‬
‫معقد من الجهاد‪ٌ ،‬عنً البعض من شدة تعقده ال ٌرؼب حتى بؤن ٌسمع الكبلم‪ ،‬حتى اسم الجهاد‪ ،‬عنده‬
‫عقدة نفسٌة من نفس االسم‪ ،‬وعلى هذا ٌجري الحال فً بعض المناطق‪ ،‬ال ٌرؼب حتى أن ٌسمع فً‬
‫خطبة جمعة أو فً حدٌث أو فً تذكٌر بآٌات هللا‪ ،‬أي كلمة فٌها مفردة قتال فً سبٌل هللا أو جهاد فً سبٌل‬
‫هللا‪ ،‬هذه الحالة الشاذة سنتحدث عنها على ضوء بعض اآلٌات إن شاء هللا أٌضا فٌما سٌؤتً‪.‬‬

‫( َو َك ِرهُوا أَنْ ٌ َُجا ِه ُدوا ِبؤَمْ َوال ِِه ْم َوأَ ْنفُسِ ِه ْم فًِ َس ِب ِ‬
‫ٌل َّ ِ‬
‫هللا َو َقالُوا َال َت ْن ِفرُوا فًِ ْال َحرِّ ) ال ٌكتفً بؤن ٌقعد بكل ما‬
‫هو علٌه من عار القعود‪ ،‬عار التخلؾ‪ ،‬هذا الذي شهد علٌه أنه قد تفرغ من كل المشاعر اإلنسانٌة‬
‫والدوافع اإلٌمانٌة ال ٌكتفً بل ٌتجه إلى اآلخرٌن لتثبٌطهم تحت أي عنوان‪ ،‬أما عنوان مثل هذا العنوان‪،‬‬
‫ال تنفروا فً الحر‪ ،‬أو أي إشكالٌة ٌستؽلها أو أي عنوان آخر ٌرى أنه وسٌلة للتثبٌط ٌسعى للتثبٌط من‬
‫ُون) ‪ ،‬ألنهم موعودن بالعذاب‪ ،‬هم موعودون بعذاب هللا‪ ،‬نعوذ‬ ‫خبلله (قُ ْل َنا ُر َج َه َّن َم أَ َش ُّد َح ّرا لَ ْو َكا ُنوا ٌَ ْف َقه َ‬
‫باِّل‪ ،‬قل نار جهنم أشدا حرا‪ ،‬هذا وعٌد بجنهم‪ ،‬لو كانوا ٌفقهون‪ ،‬ألنهم قد تبلدوا وانؽلقت عندهم كل منافذ‬
‫الوعً‪ ،‬المتخلفون الجامدون القاعدون ٌصلون إلى هذه الحالة من الخذالن‪َ ( ،‬ف ْل ٌَضْ َح ُكوا َقلٌِبل) فٌما هم‬
‫علٌه من تباه وارتٌاح بتخلفهم‪ ،‬واستخفاؾ باآلخرٌن والسخرٌة من اآلخرٌن الذٌن تحركوا فً مسإولٌتهم‬
‫( َو ْل ٌَ ْب ُكوا َكثٌِرا) ألن أمامهم فً جنهم العذاب الشدٌد الذي سٌكونون فٌه فً حالة بكاء ال انقطاع له ( َج َزاء‬
‫ُون) ‪ ،‬مع أن البعض حتى فً الدنٌا تصل إلٌهم ولٌبكوا كثٌرا‪،‬‬ ‫ِب َما َكا ُنوا ٌَ ْكسِ ب َ‬

‫ًِ أَ َبدًا‬
‫َفقُل لَّن َت ْخ ُر ُجوا َمع َ‬
‫ًِ أَ َبدا َولَن ُت َقا ِتلُوا َمع َ‬
‫ًِ َع ُدوّ ا إِ َّن ُك ْم‬ ‫وج َفقُل لَّن َت ْخ ُرجُوا َمع َ‬ ‫هللا ُ إِلَى َطا ِب َفة ِّم ْن ُه ْم َفاسْ َتؤْ َذ ُنو َ ْ‬
‫ك َّ‬
‫ك لِل ُخ ُر ِ‬ ‫( َفإِن رَّ َج َع َ‬
‫ٌِن)‪ ،‬البعض ٌصل بهم الحد من سخط هللا ومقته علٌهم عندما‬ ‫َرضِ ٌ ُتم ِب ْالقُعُو ِد أَ َّو َل َمرَّ ة َفا ْق ُع ُدوا َم َع ْال َخالِف َ‬
‫ٌتخاذلون فً مرحلة حساسة‪ ،‬مرحلة مصٌرٌة‪ ،‬تكون األمة فٌها فً مشكلة كبٌرة وفً مواجهة تحدٌات‬
‫ٖٔٔ‬
‫وأخطار كبٌرة وفً أشد الظروؾ وأقسى المراحل وأصعب المراحل ٌتخاذلون ٌثبطون ٌشمتون‪،‬‬
‫ٌسخرون‪ٌ ،‬ستهزإون‪ ،‬ثم عندما تجتاز األمة تلك المرحلة الخطرة جدا‪ ،‬تلك الظروؾ الصعبة والحساسة‬
‫والمصٌرٌة وتخرج منها بالنصر وتنفتح لها آفاق االنتصارات وتؤتً مراحل متقدمة‪ ،‬األمة فٌها فً مرحلة‬
‫انتصارات وقد تجاوزت تلك المراحل الخطرة للؽاٌة والصعبة جدا‪ٌ ،‬ؤتً البعض فً تلك المراحل لٌتحرك‬
‫فٌما بعد‪ ،‬وٌعتبر نفسه ذكٌا أنه فً المراحل الخطٌرة والصعبة والحساسة قعد وتخاذل‪ ،‬مثل هذه النوعٌة ال‬
‫ٌقبل هللا منها وال ٌنبؽً للمإمنٌن أن ٌقبلوا منها أن تتحرك فٌما بعد‪ ،‬ممنوعة خبلص‪ ،‬مقتت وخذلت‪،‬‬
‫ألنها حتى لو تحركت فٌما بعد هً ال تتحرك بدافع إٌمانً‪ ،‬إما بدافع مادي‪ ،‬بدافع المكاسب فً مرحلة‬
‫اطمؤنت فٌها من المخاطر‪ ،‬وفً المرحلة التً هً صعبة والمرحلة التً فٌها أخطار كبٌرة تنصلت‬
‫وتخاذلت‪ ،‬مثل هذه الفبة بالذات ال ٌنبؽً أن تقبل فٌما بعد أبدا‪ ،‬بهذا التعبٌر القرآنً‪:‬‬
‫"فقل لن تخرجوا معً أبدا"‪ ،‬نهابٌا ألنهم ال ٌتحركون بدافع إٌمانً نهابٌا‪ ،‬ولن تقاتلوا معً عدوا‪ ،‬إنكم‬
‫رضٌتم بالقعود أول مرة أنتم قعدتم برضا بذلك القعود‪ ،‬البعض من الناس قد ٌقعد وهو ٌحس بالذنب‪،‬‬
‫وٌستشعر التقصٌر‪ ،‬وٌقول وهللا نحن مقصرون لؤلسؾ وقعودنا هو خطؤ‪ ،‬لكن البعض ال‪ٌ ،‬قعد برضا‬
‫بارتٌاح لما هو فٌه من تخاذل‪ ،‬هذا إنسان عدٌم اإلحساس‪ ،‬منعدم اإلٌمان‪ ،‬هذا إنسان قد وصل إلى درجة‬
‫خطٌرة جدا من االنسبلخ والتفرغ من كل القٌم اإلنسانٌة والفطرٌة واإللهٌة‪ ،‬إنسان بلػ ؼاٌة السوء جدا‪،‬‬
‫وأحٌانا تكون هناك أحداث مإلمة للؽاٌة تحرك أي إنسان بقً فٌه شًء من اإلحساس اإلنسانً مظالم‬
‫كبٌرة جرابم كبٌرة معاناة كبٌرة‪ ،‬وٌكون األعداء على مستوى فظٌع جدا من عدوانٌتهم وإجرامهم‪ ،‬إنسان‬
‫ٌرضى لنفسه بالقعود فً واقع كهذا فاعتبره لم ٌعد له من كلمة إنسان إال االسم وإال قد صار حٌوانا متبلدا‬
‫لم ٌعد ٌمتلك المشاعر اإلنسانٌة‪ ،‬البعض ٌشاهد مشاهد مؤساوٌة جدا من جرابم األعداء وال ٌحركه ذلك‪،‬‬
‫ٌلحظ عدوانا وحشٌا وإجرامٌا وببؽً كبٌر وال ٌستفزه ذلك وال ٌإثر فٌه ذلك‪ ،‬ال آٌات هللا تإثر فٌه من‬
‫القرآن وال الواقع من حوله وال المآسً من حوله وال األحداث من حوله تإثر فٌه وال تحركه‪ ،‬ماذا ٌعنً‬
‫ذلك؟ ٌرضى لنفسه بالقعود وٌرتاح وٌضحك ٌشعر بالسرور فً ماهو فٌه وهو فً حالة ال تلٌق أبدا ٌعنً‬
‫بإنسان ٌحمل الشعور اإلنسانً ال تلٌق بإنسان بقً له فٌه ذرة من اإلحساس والوجدان والمشاعر‬
‫اإلنسانٌة‪ ،‬مثل هذه النوعٌة ال ٌُقبل منها (إِ َّن ُك ْم َرضِ ٌ ُت ْم ِب ْالقُعُو ِد أَ َّو َل َمرَّ ة) رضٌتم بالقعود كما قلنا البعض قد‬
‫ٌقعد وهو ٌحس بالذنب وقد ٌتوب فٌما بعد وٌنطلق‪ ،‬لكن تلك الفبة التً رضٌت بالقعود خبلص ( َفا ْق ُع ُدوا‬
‫ٌِن) اقعدوا كما النساء والصبٌان‪ ،‬النساء اللواتً لهن عذرهن فً التخلؾ‪ ،‬وكاألطفال الصؽار؛‬ ‫َم َع ْال َخالِف َ‬
‫أما موقفكم فلٌس بمناسب أبدا ؛ ٌعنً فً حالة الجمود والتخاذل والتنصل عن المسإولٌة‪ٌ ،‬عنً حالة معٌبة‬
‫ٌِن) ٌعنً أنتم فً حالة معٌبة ال تش ّرفكم أبدا كرجال‪ٌ ،‬فترض أنكم من تذهبون وتعلّق‬ ‫( َفا ْق ُع ُدوا َم َع ْال َخالِف َ‬
‫علٌكم نساإكم األمل ألنكم حماة للعرض واألرض والشرؾ‪ ،‬ولكن تبقون أٌها المتخاذلون أنتم بحاجة لمن‬
‫ٌحمٌكم أنتم والنسوان واألطفال حالكم حال تلك النسوة وتلك األطفال الذٌن هم بحاجة إلى من ٌحمل نخوة‬
‫وشهامة ومروءة وعزة وإباء فٌذهب لحماٌة تلك الفبات الضعٌفة والمستهدفة من جانب األعداء‪.‬‬
‫فعندما ٌقول هللا ( َفا ْق ُع ُدوا َم َع ْال َخالِف َ‬
‫ٌِن ) ٌعنً أنكم فً وضعٌة معٌبة ومخزٌة ومشٌنه وؼٌر البقة بكم‪،‬‬
‫انظروا كٌؾ هو منطق القرآن‪ ،‬البعض ٌكونون فً حالة من التباهً بما هم علٌه من قعود‪ ،‬كٌؾ ٌتحدث‬
‫عنهم القرآن الكرٌم‬

‫ٗٔٔ‬
‫ات أَ َبدًا َوال َتقُ ْم َعلَى َق ْب ِر ِه)‬
‫صل ِّ َعلَى أَ َحد ِم ْن ُه ْم َم َ‬
‫( َوال ُت َ‬
‫ات أَ َبدا َوال َتقُ ْم َعلَى َقب ِْر ِه) هذه الفبة التً رضٌت بالقعود وافتخرت بقعودها‪،‬‬ ‫ص ِّل َعلَى أَ َحد ِم ْن ُه ْم َم َ‬‫( َوال ُت َ‬
‫وبررت قعودها وأصرّت على أنه هو الموقؾ الصحٌح والسلٌم والحكٌم‪ ،‬تحت أي تبرٌر‪ ،‬هإالء مقاطعة‬
‫لهم حتى بالصبلة علٌهم‪َ ( ،‬وال َتقُ ْم َع َلى َقب ِْر ِه) ال تقم حتى على قبره‪ ،‬فبة ال ٌنبؽً أن ٌتعامل معها المجتمع‬
‫باحترام أبدا‪ ،‬ال فً حٌاتها وال فً مماتها‪ ،‬وتقاطع إلى هذه الدرجة من المقاطعة‪ ،‬لماذا؟ ألن اإلنسان إذا‬
‫وصل إلى حالة الرضا بالقعود ومات عنده روح اإلحساس بالمسإولٌة بشكل تام فإن هذا ٌعنً أنه فقد‬
‫مبطنْ ‪ ،‬هو فقد الثقة باِّل سبحانه وتعالى‪ ،‬إذا‬ ‫مبطنْ فً وجدانه وفً أعماق نفسه كفر ّ‬ ‫إٌمانه فً داخله كفر ّ‬
‫كنت تعتبر نفسك مإمنا ومتدٌنا ألن البعض ٌعتبر نفسه حتى متدٌنا وأكثر من ؼٌره‪ ،‬فماهو هذا التدٌن‬
‫الذي ال ٌنسجم مع القرآن ال ٌلتقً مع القرآن ال ٌتجاوب مع آٌات هللا وتوجٌهاته‪ ،‬أي تدٌن هذا؟! آٌات هللا‬
‫فٌها وعٌد على ترك الجهاد فً سبٌل هللا وعٌد بالعذاب‪ ،‬فٌها تؤكٌد على أن اإلنسان الذي ٌُعرض عن هذه‬
‫وٌعطل هذه الفرٌضة فقد إٌمانه فقد إٌمانه وأنه ال ٌعتبر عند هللا من المإمنٌن وال ٌسٌر فً‬ ‫ّ‬ ‫الفرٌضة‬
‫ٌن) فالمسؤلة‬ ‫ٌِن َجا َه ُدوا مِن ُك ْم َو ٌَعْ لَ َم الص ِ‬
‫َّاب ِر َ‬ ‫طرٌق الجنة‪( ،‬أَ ْم َحسِ ْب ُت ْم أَن َت ْد ُخلُوا ْال َج َّن َة َولَمَّا ٌَعْ لَم َّ‬
‫هللا ُ الَّذ َ‬ ‫ِ‬
‫ون) فهم عاشوا فً واقعهم لما وصلوا‬ ‫اِّل َو َرسُولِ ِه َو َما ُتوا َو ُه ْم َفاسِ قُ َ‬ ‫واضحة جدا‪ٌ ،‬قول هللا‪( :‬إِ َّن ُه ْم َك َفرُوا ِب َّ ِ‬
‫إلى درجة الرضا بماهم علٌه من قعود وجمود وتنصل عن المسإولٌة‪ ،‬وتفرّج على واقع األمة‪ ،‬معنى ذلك‬
‫أنهم وصلوا إلى حالة سٌبة وحالة مخزٌة وحالة من انعدام تلك المبادئ اإلٌمانٌة والقٌم واألخبلق اإلٌمانٌة‬
‫التً ٌُفترض أن ُتحًٌ فٌهم روح الشعور بالمسإولٌة‬
‫ج ْب َك أَ ْم َوال ُ ُه ْم َو َال أَ ْو َال ُد ُه ْم)‬
‫( َف َل ُت ْع ِ‬
‫هللا ُ لِ ٌُ َع ِّذ َبهُم‬
‫ك أَم َْوال ُ ُه ْم َو َال أَ ْو َال ُد ُه ْم) فبل تعول علٌهم وال على إمكاناتهم وال تإمل فٌهم (إِ َّن َما ٌ ُِرٌ ُد َّ‬ ‫( َف َبل ُتعْ ِج ْب َ‬
‫ُون) هً عذاب نفسً علٌهم‪ ،‬هم فً حالة من األلم والقلق‬ ‫ِب َها فًِ ْال َح ٌَا ِة ال ُّد ْن ٌَا َو َت ْز َه َق أَنفُ ُس ُه ْم َو ُه ْم َكا ِفر َ‬
‫ُورة أَنْ آ ِم ُنوا ِب َّ ِ‬ ‫ُ‬
‫اِّل َو َجا ِه ُدوا َم َع َرسُولِ ِه‬ ‫تس َ‬ ‫علٌها حتى ال تتضرر أو ٌخسرون شٌبا منها‪َ ( ،‬وإِ َذا أ ِ‬
‫نزلَ ْ‬
‫ٌِن) هذه الفبة المٌالة للقعود المٌالة للجمود المتنصلة‬ ‫ك أُولُو َّ‬
‫الط ْو ِل ِم ْن ُه ْم َو َقالُوا َذرْ َنا َن ُكن م ََّع ْال َقاعِ د َ‬ ‫اسْ َتؤْ َذ َن َ‬
‫عن المسإولٌة المتهربة من القٌام بالواجب المتفرجة على ما تعانٌه األمة من حولها وما تواجهه من‬
‫أخطار وتحدٌات‪ ،‬وكؤنها ؼٌر معنٌة بشًء‪،‬‬
‫ضوا ِبؤَن ٌَ ُكو ُنوا َم َع ا ْل َخ َوالِ ِ‬
‫ف)‬ ‫( َر ُ‬
‫( َرضُوا ِبؤَن ٌَ ُكو ُنوا َم َع ْال َخ َوالِؾِ ) ‪ ،‬رضوا ألنفسهم أن ٌكونوا ببل ضمٌر‪ ،‬ببل موقؾ‪ ،‬معٌب فً حق‬
‫اإلنسان أن ٌكون ببل موقؾ‪ ،‬هللا قد أعطاك طاقة وقدرة تستطٌع أن تكون صاحب موقؾ‪ ،‬إٌمانك ٌفرض‬
‫علٌك أن تكون صاحب موقؾ إن كان فٌك إٌمان‪ ،‬الدٌن الذي تنتمً إلٌه ٌفرض علٌك أن ٌكون لك موقؾ‪،‬‬
‫أٌن هو موقفك؟ ( َرضُوا ِبؤَن ٌَ ُكو ُنوا َم َع ْال َخ َوالِؾِ ) وهذه حالة خطٌرة جدا‪ ،‬حالة الرضا‪ ،‬ألن البعض كما‬
‫قلت قد ٌستشعر التقصٌر والذنب وٌعترؾ على نفسه بالتقصٌر لقعوده‪ ،‬لكن البعض راضون بماهم علٌه‪،‬‬
‫راضٌن بماهم علٌه ومرتاحٌن فٌما هم علٌه‪ ،‬وهذه قضٌة خطٌرة جدا‪ ،‬تسبب مقت من هللا مقت شدٌد جدا‬
‫وخزي من هللا وسخط كبٌر من هللا سبحانه وتعالى‪ُ ،‬‬
‫وطبع على قلوبهم‪ ،‬هذه حالة خطٌرة جدا‪،‬‬

‫٘ٔٔ‬
‫عقوبات إلهٌة على المتخاذلٌن والمتنصلٌن عن المسإولٌة‬

‫من أكبر العقوبات اإللهٌة على المتخاذلٌن والمتنصلٌن عن المسإولٌة والراضٌن بالقعود‪ ،‬أن من أكبر‬
‫ما ٌعاقبهم هللا به أن ٌطبع على قلوبهم وإذا طبع على قلب اإلنسان فهو ٌتعرض لحالتٌن خطٌرتٌن جداً‪:‬‬
‫‪ .1‬الحالة األولى‪ :‬انعدام المشاعر اإلنسانٌة‪ ،‬مهما حدث فقد أصبح قلبه قد طبع علٌه قلبا ً شبه مٌت‪،‬‬
‫ال ٌتفاعل ال ٌتؤثر بؤي أحدات‪ ،‬هذا اإلنسان المطبوع على قلبه‪ ،‬لو ٌشاهد ما شاهد من المآسً‬
‫لو ٌشاهد ما ٌشاهد أو ٌسمع بما ٌسمع من جرابم‪ ،‬من هتك للعرض من أمور فظٌعة جداً‪ ،‬أي‬
‫إنسان فٌه حٌاة إنسانٌة‪ ،‬حٌاة الشعور حٌاة اإلحساس حٌاة الوجدان حٌاة القٌم ٌتؤلم ٌتؤثر ٌتفاعل‬
‫ٌترتب على تفاعله هذا موقف‪ ،‬ولكن من ُطبع على قلبه‪ ،‬ال‪ٌ ،‬حصل ماحصل‪ٌ ،‬حدث ماحدث‪ٌ ،‬قع‬
‫ماٌقع‪ ،‬المآسً الكبٌرة ال تإثر فٌه‪ ،‬ال ٌتفاعل معها‪ ،‬بارد مهما حصل فهو ذلك البارد‪ّ ،‬‬
‫الل مبالً‬
‫ّ‬
‫الل ملتفت إلى ماهناك‪ ،‬بل الذي قد ٌسخر من كل ذلك وٌعتبره شٌبا ً طبٌعٌا ً وٌسخر من أولبك‬
‫الذٌن ٌعٌشون تلك المؤساة‪.‬‬

‫ٕ‪ .‬المشكلة الثانٌة والحالة الثانٌة‪ :‬الخطٌرة جداً لمن ُطبع على قلبه انغلق حالة الفهم عنده كل‬
‫نوافذ الفهم ُتقفل عنده مق ّفل ماعاد ٌفهم ٌتبلد وٌتحول إلى غبً بشكل رهٌب جداً‪ ،‬تكون نظرته‬
‫إلى األحداث وإلى الواقع نظرة غٌر صحٌحة بالمرة‪ ،‬نظرة غبٌة تماماً‪ ،‬نظرة جاهلة ال ٌنظر‬
‫نظرة صحٌحة ال ٌفهم األشٌاء بشكل صحٌح ال ٌفهم األحداث بشكل صحٌح‪ٌ ،‬تحول إلى أسوأ‬
‫حالة من الغباء‪ ،‬أغبى من حمار أهله إن كان لدٌه حمار فً المنزل ٌصبح أغبى من ذلك الحمار‬
‫الذي فً المنزل غبً إلى درجة رهٌبة جداً ال ٌفهم األحداث نهابٌا ً وال عواقبها وال مساراتها وال‬
‫ما ٌترتب علٌها وٌنظر إلى األشٌاء من حوله نظرة غبٌة بكل ما تعنٌه الكلمة هذه عقوبة خطٌرة‬
‫جداً‪ ،‬ألن من أعظم ما ٌتمٌز به اإلنسان هو إحساسه‪ ،‬وجدانه‪ ،‬مشاعره الحٌة‪ ،‬وأٌضا فهمه‪ ،‬وعٌه‪،‬‬
‫بصٌرته‪ ،‬فإذا فقد ذلك اإلحساس وذلك الشعور اإلنسانً الحً المتفاعل مع الواقع من حوله وفقد‬
‫البصٌرة والوعً والنظرة الصاببة والفهم الصحٌح لما ٌدور فً هذه الحٌاة فقد قٌمته اإلنسانٌة‬
‫وخاصٌته اإلنسانٌة وأصبح كاألنعام بل هم أضل كما ٌتحدث القرآن فً آٌة أخرى‪ ،‬فمن أسوأ ما‬
‫ٌعاقب به اإلنسان الذي رضً بالقعود والجمود هو هذه العقوبة اإللهٌة ‪.‬‬

‫سول ُ َوالَّذٌِنَ آ َم ُنوا َم َع ُه َجا َهدُوا ِبؤ َ ْم َوالِ ِه ْم َوأَنفُسِ ِه ْم)‬ ‫َٰ‬
‫الر ُ‬ ‫(لَك ِ‬
‫ِن َّ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا َم َع ُه َجا َه ُدوا ِبؤَم َْوال ِِه ْم َوأَنفُسِ ِه ْم) هذه آٌة عجٌبة جدا ومإثرة فً هذا السٌاق‬ ‫ِن الرَّ سُو ُل َوالَّذ َ‬
‫(لَك ِ‬
‫مإثرة لكل القاعدٌن والجامدٌن والمتنصلٌن عن المسإولٌة والمتخاذلٌن‪ ،‬اسمعوا ما ٌقوله هللا تحدث عن‬
‫ٌِن) ال ٌرٌدوا بؤن ٌتحركوا أبدا ( َرضُوا ِبؤَن ٌَ ُكو ُنوا َم َع‬ ‫المتخلفٌن المٌالٌن للقعود ( َذرْ َنا َن ُكن م ََّع ْال َقاعِ د َ‬
‫ٌِن آ َم ُنوا َم َع ُه َجا َه ُدوا ِبؤَمْ َوال ِِه ْم َوأَنفُسِ ِه ْم‬
‫ِن الرَّ سُو ُل َوالَّذ َ‬
‫ُون (‪ )85‬لَك ِ‬ ‫ط ِب َع َعلَى قُل ُ ِ‬
‫وب ِه ْم َف ُه ْم َال ٌَ ْف َقه َ‬ ‫ْال َخ َوالِؾِ َو ُ‬

‫‪ٔٔٙ‬‬
‫) رسول هللا مجاهد جاهد بالمال والنفس‪ ،‬والذٌن آمنوا معه الذٌن كانوا معه بما تعنٌه كلمة "معه" كانوا‬
‫معه فً الموقؾ كانوا معه مجاهدٌن ولم ٌكونوا فقط على النحو الذي علٌه الكثٌر من الناس ممن ٌقول أنا‬
‫مإمن برسول ومع رسول هللا إذا كنت مإمنا مع رسول هللا ستكون فً طرٌق الجهاد‪ ،‬هذا هو طرٌقه هو‬
‫سٌد المجاهدٌن هو إمام المجاهدٌن هو قدوة المجاهدٌن‪ ،‬لكن الرسول والذٌن آمنوا معه جاهدوا بؤموالهم‬
‫وأنفسهم‪ ،‬أٌن من ٌؤتً لٌقول إنه من ورثة األنبٌاء ثم ٌكون قاعدا وجامدا ومتخاذال ومتنصبل عن‬
‫المسإولٌة أٌن هو من اإلتباع لرسول هللا واالقتداء برسول هللا صلوات هللا علٌه وعلى آله؟!‪.‬‬
‫أٌن الكثٌر من أبناء اإلسبلم ممن فصلوا أنفسهم وانفصلوا كلٌا عن جانب المسإولٌة وأصبحوا ٌتعاملون‬
‫مع اإلسبلم مجرد طقوس‪ ،‬مجرد طقوس منقطعة ومبتوتة ومفصولة من جذورها ومن ثمرتها‪ ،‬ال بقً لها‬
‫ارتباط بجذور وأسس وال بقً لها عبلقة بثمرة ونتابج‪.‬‬
‫ُون) هم المفلحون هذا هو طرٌق الفبلح واالتجاه الصحٌح (أَ َع َّد‬ ‫ك ُه ُم ْال ُم ْفلِح َ‬ ‫ات َوأُولَ ِب َ‬‫ك لَ ُه ُم ْال َخٌ َْر ُ‬‫(ۚ َوأُو َل ِب َ‬
‫ُون م َِن ْاألَعْ َرا ِ‬
‫ب‬ ‫ك ْال َف ْو ُز ْالعَظِ ٌ ُم (‪َ )89‬و َجا َء ْال ُم َع ِّذر َ‬ ‫هللا ُ لَ ُه ْم َج َّنات َتجْ ِري مِن َتحْ ِت َها ْاألَ ْن َها ُر َخالِد َ‬
‫ٌِن فٌِ َها َذلِ َ‬ ‫َّ‬
‫ٌِن َك َفرُوا ِم ْن ُه ْم َع َذاب أَلٌِم) انظروا كٌؾ ٌتخاطب مع‬ ‫هللا َو َرسُولَ ُه َسٌُصِ ٌبُ الَّذ َ‬ ‫ٌِن َك َذبُوا َّ َ‬
‫لٌِ ُْإ َذ َن لَ ُه ْم َو َق َع َد الَّذ َ‬
‫هللا َو َرسُولَ ُه) ؼٌر األوفٌاء من الناس‪ ،‬المتنصلٌن عن المسإولٌة فً الظروؾ‬ ‫ٌِن َك َذبُوا َّ َ‬
‫القاعدٌن ( َو َق َع َد الَّذ َ‬
‫والمراحل الحساسة واالستثنابٌة والمصٌرٌة والخطٌرة جدا‪ ،‬ال وفاء فٌهم ال لدٌنهم‪ ،‬لٌسو أوفٌاء مع هللا‬
‫كذبوا هللا‪ ،‬لٌسو أوفٌاء مع هللا وال مع رسوله وال مع دٌنهم وال مع أمتهم‪ ،‬هذا هو حال الذٌن ٌقعدون‬
‫هللاَ َو َرسُولَ ُه) كلمة مإثرة جدا هذه‪ ..‬كلمة مإثرة جدا ( َو َق َع َد‬ ‫ٌِن َك َذبُوا َّ‬
‫وٌتنصلون عن المسإولٌة ( َو َق َع َد الَّذ َ‬
‫ٌِن َك َفرُوا ِم ْن ُه ْم َع َذاب أَلٌِم) ألن اإلنسان ٌعٌش حالة الكفر فً قلة ثقته‬ ‫هللا َو َرسُولَ ُه َسٌُصِ ٌبُ الَّذ َ‬ ‫ٌِن َك َذبُوا َّ َ‬ ‫الَّذ َ‬
‫باِّل فً نظرته المنفصلة كلٌا عن توجٌهات هللا‪ ،‬وكذلك فٌما ٌتعلق برفضه للحق ولتوجٌهات هللا وأوامره‪.‬‬

‫معذورون عن الجبهات و لٌس عن الجهاد‬


‫صحُوا ِ َّ ِ‬
‫ِّل َو َرسُولِ ِه)‬ ‫ون َح َرج إِ َذا َن َ‬
‫ون َما ٌُن ِفقُ َ‬
‫ٌِن َال ٌَ ِج ُد َ‬ ‫ض َع َفا ِء َو َال َعلَى ْال َمرْ َ‬
‫ضى َو َال َعلَى الَّذ َ‬ ‫(لٌَّ َ‬
‫ْس َعلَى ال ُّ‬
‫ٌعنً حتى الضعفاء والمرضى والمعذورٌن من الجهاد عذرهم فً بقابهم مثبل مشروط‪ ،‬اإلذن لهم مشروط‬
‫بؤن ٌكونوا ناصحٌن‪ ،‬بالكبلم الطٌب بالكبلم المإثر بالتشجٌع للجهاد بكل ما ٌمتلكونه مما ٌستطٌعون فعله‬
‫فً إطار إحٌاء الجهاد والتشجٌع علٌه والترؼٌب فٌه وما إلى ذلك‪.‬‬
‫ت َال أَ ِج ُد َما‬ ‫ٌِن إِ َذا َما أَ َت ْو َ‬
‫ك لِ َتحْ ِملَ ُه ْم قُ ْل َ‬ ‫هللا ُ َؼفُور رَّ حٌِم (ٔ‪َ )9‬و َال َعلَى الَّذ َ‬ ‫ٌِن مِن َس ِبٌل َو َّ‬ ‫( َما َعلَى ْالمُحْ سِ ن َ‬
‫ون) هذه الفبة التً ال تستطٌع أن تمول‬ ‫أَحْ ِمل ُ ُك ْم َعلَ ٌْ ِه َت َولَّوا َّوأَعْ ٌُ ُن ُه ْم َتفٌِضُ م َِن ال َّدم ِْع َح َزنا أَ َّال ٌَ ِج ُدوا َما ٌُن ِفقُ َ‬
‫نفسها ولٌس هناك من ٌمولها لتتحرك فً سبٌل هللا‪ ،‬وهً راؼبة فً الجهاد كل هذه الرؼبة إلى درجة‬
‫ك َو ُه ْم‬‫ٌِن ٌَسْ َتؤْ ِذ ُنو َن َ‬
‫ون (ٕ‪ )9‬إِ َّن َما الس َِّبٌ ُل َعلَى الَّذ َ‬ ‫( َت َولَّوا َّوأَعْ ٌُ ُن ُه ْم َتفٌِضُ م َِن ال َّدم ِْع َح َزنا أَ َّال ٌَ ِج ُدوا َما ٌُن ِفقُ َ‬
‫ُون) ٌعنً فهم فً حالة من‬ ‫وب ِه ْم َف ُه ْم َال ٌَعْ لَم َ‬ ‫أَ ْؼ ِن ٌَا ُء َرضُوا ِبؤَن ٌَ ُكو ُنوا َم َع ْال َخ َوالِؾِ َو َط َب َع َّ‬
‫هللا ُ َعلَى قُل ُ ِ‬
‫الخذالن الرهٌب والتبلد الشدٌد والعجٌب جدا‪.‬‬

‫‪ٔٔ5‬‬
‫أخٌرا‬
‫فإذا مسٌرة اإلسبلم فً حركة رسول هللا وعندما هاجر‪ ،‬ركز علٌها بشكل كبٌر‪ ،‬جانب ربٌسً فٌها هو‬
‫التحمل للمسإولٌة‪.‬‬
‫نحن أمة ٌجب أن نسعى ألن نكون أمه متحررة مستقلة مجاهدة تتحرك لمواجهة التحدٌات واألخطار‪،‬‬
‫تواجه أعداءها‪ ،‬وال تخنع لهم وال تستسلم لهم وال تقؾ فً حالة من الجمود والعجز واالستسبلم حتى‬
‫ٌسحقها أعداإها ‪ ..‬ال‪.‬‬

‫اس َتؤْ ُمر َ‬


‫ُون‬ ‫ٌجب أن نكون أمة حٌة‪ ،‬أمة ( َوأَعِ ُّدوا َل ُه ْم َما اسْ َت َطعْ ُت ْم مِنْ قُ َّوة) أمة ( ُك ْن ُت ْم َخٌ َْر أُمَّة أ ُ ْخ ِر َج ْ‬
‫ت لِل َّن ِ‬
‫اِّل) األمة التً رسولها ونبٌها هو سٌد المجاهدٌن وذلك الرجل‬ ‫ون ِب َّ ِ‬ ‫ِب ْال َمعْ رُوؾِ َو َت ْن َه ْو َن َع ِن ْال ُم ْن َك ِر َو ُت ْإ ِم ُن َ‬
‫العظٌم الذي كان ٌتحرك بشكل ال مثٌل له فٌما ٌتعلق بالنهوض بالمسإولٌة ال مثٌل له ولم ٌشهد له التارٌخ‬
‫مثٌبل أبدا‪ .‬فهذا ما ٌجب أن نعٌه جٌدا‪.‬‬

‫‪ٔٔ8‬‬
‫مكار ِم‬
‫ِ‬ ‫كان من دعاء اإلمام زٌن العابدٌن علً بن الحسٌن بن علً بن أبً طالب ( علٌه السبلم ) فً‬
‫األخبلق ومرضِ ًِّ األفعال‬
‫____________________‬
‫ٌِن‪َ ،‬وا ْن َت ِه ِب ِن ٌَّتًِ إلَى أَحْ َس ِن‬ ‫ض َل ْال ٌَق ِ‬ ‫ان‪َ ،‬واجْ َع ْل ٌَقٌِنًِ أَ ْف َ‬ ‫اإل ٌْ َم ِ‬ ‫أك َم َل ِ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َو َبلِّ ْػ ِبإ ٌْ َمانًِ ْ‬ ‫أَللَّه َّم َ‬
‫ك ٌَقٌِنًِ‪َ ،‬واسْ َتصْ لِحْ ِبقُ ْد َرت َ‬
‫ِك‬ ‫صحِّ حْ ِب َمـا عِ ْن َد َ‬
‫ك ِن ٌَّتًِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ال‪ .‬أللَّ ُه َّم َو ِّفرْ ِبل ُ ْط ِف َ‬ ‫ال ِّنٌَّـاتِ‪َ ،‬و ِب َع َملًِ إلى أَحْ َس ِن األعْ َم ِ‬
‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َوا ْك ِفنًِ َما ٌَ ْش َؽلُنًِ االهْ ِت َما ُم ِبهِ‪َ ،‬واسْ َتعْ م ِْلنًِ ِب َما َتسْ ؤَلُنًِ َؼدا َع ْن ُه‬ ‫َما َف َس َد ِم ِّنً‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬
‫ك‪َ ،‬والَ َت ْف ِت ِّنً ِبال َّن َظ ِر‪َ ،‬وأَعِ َّزنًِ‪َ ،‬وال َت ْب َتلِ ٌَ ِّنً‬ ‫َواسْ َت ْف ِر ْغ أٌََّامًِ فٌِ َما َخلَ ْق َتنًِ لَهُ‪َ ،‬وأَ ْؼ ِننًِ َوأَ ْوسِ عْ َعلَىَّ فًِ ِر ْز ِق َ‬
‫اس َعلَى ٌَدَيَّ ْال َخٌ َْر‪َ ،‬وال َتمْ َح ْق ُه ِب ْال َمنِّ ‪َ ،‬و َهبْ لًِ‬ ‫ك َوالَ ُت ْفسِ ْد عِ َبا َدتًِ ِب ْالعُجْ بِ‪َ ،‬وأَجْ ِر لِل َّن ِ‬ ‫ِب ْال ِكب ِْر‪َ ،‬و َع ِّب ْدنًِ لَ َ‬
‫اس د ََر َجـة إال ّ‬ ‫صـ ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َوال َتـرْ َفعْ نًِ فًِْ ال َّن ِ‬ ‫َم َعال ًَِ األَ ْخبلَ ِق‪َ ،‬واعْ صِ مْ نًِ م َِن ْال َف ْخ ِر‪ .‬اللَّ ُه َّم َ‬
‫ت لًِ ِذلَّة بَاطِ َنة عِ ْن َد َن ْفسِ ً ِب َق َد ِر َها‪ .‬أللَّ ُه َّم‬ ‫ِث لًِ عِ ّزا َظاه َِرا إال ّ أَحْ د َْث َ‬ ‫َح َط ْط َتنًِ عِ ْن َد َن ْفسِ ً م ِْثلَ َها‪َ ،‬وال ُتحْ د ْ‬
‫صالِح ال أَسْ َت ْب ِد ُل ِبهِ‪َ ،‬و َط ِرٌ َق ِة َحق ال أَ ِز ٌْ ُػ َع ْن َها‪َ ،‬و ِن ٌَّ ِة ُر ْشد الَ‬ ‫آل م َُحمَّد‪َ ،‬و َم ِّتعْ نًِ ِبهُدى َ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َو ِ‬ ‫َ‬
‫ك َقبْـ َل‬ ‫ان َفـا ْق ِبضْ نًِ إلٌَْـ َ‬ ‫ان ُعم ِْري َمرْ َت َعا لِل َّش ٌْ َط ِ‬ ‫ك‪َ ،‬فإ َذا َك َ‬ ‫ان ُعم ِْريْ ِب ْذلَة فًِ َطا َع ِت َ‬ ‫ك ِف ٌْ َها َو َعمِّرْ نًِ َما َك َ‬ ‫ش ُّ‬ ‫أَ ُ‬
‫ك َع َلًَّ ‪ .‬أللَّ ُه َّم ال َتدَعْ َخصْ لَة ُت َعابُ ِم ِّنً إال ّ أَصْ لَحْ َت َها‪َ ،‬وال َعآ ِب َبة‬ ‫ض ُب َ‬‫ك إلًََّ ‪ ،‬أَ ْو ٌَسْ َتحْ ِك َم َؼ َ‬ ‫أَنْ ٌَسْ ِب َق َم ْق ُتـ َ‬
‫آل م َُحمَّد َوأَ ْب ِد ْلنًِ مِنْ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َو ِ‬ ‫صة إال ّ أَ ْت َم ْم َت َها‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬ ‫أ ُ َإ َّنبُ ِب َها إال ّ َح َّس ْن َت َها‪َ ،‬والَ أ ُ ْكرُو َمـة فًَِّ َنا ِق َ‬
‫الث َق َة‪َ ،‬ومِنْ َع َد َاو ِة األَ ْد َنٌ َْن‬ ‫صبلَح ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫بان ال َم َح َّب َة َومِنْ َح َس ِد أهْ ِل ال َب ْؽًِ ال َم َو َّد َة‪َ ،‬ومِنْ ظِ َّن ِة أهْ ِل ال َّ ِ‬
‫ض ِة أَهْ ِل ال َّش َن ِ ْ‬ ‫ِب ْؽ َ‬
‫ٌن َتصْ حٌ َح‬ ‫ار َ‬ ‫ـر َة‪َ ،‬ومِنْ حُبِّ ْال ُم َد ِ‬ ‫ٌن ال ُّنصْ َ‬‫الن األَ ْق َر ِب َ‬
‫وق َذ ِوي األرْ َح ِام ْال َم َبرَّ َة‪ ،‬ومِنْ خ ِْـذ ِ‬
‫َ‬
‫ْال َوال ٌَ َة‪َ ،‬ومِنْ ُعقُ ِ‬
‫ٌِن َحبلَ َو َة األَ َم َن ِة‪.‬‬‫الظالِم َ‬‫ار ِة َخ ْوؾِ َّ‬ ‫ٌن َك َر َم ْال ِع ْش َرةِ‪َ ،‬ومِنْ َم َر َ‬ ‫ْال ِم َقةِ‪َ ،‬ومِنْ َر ِّد ْال ُمبلَ ِبسِ َ‬
‫ص َمنًِ َو َظ َفرا ِب َمنْ َعا َن َدنًِ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َواجْ َع ْل لًِْ ٌَدا َعلَى َمنْ َظلَ َمنًِ َولِ َسـانا َعلَى َمنْ َخـا َ‬ ‫أللَّ ُه َّم َ‬
‫ص َبنًِ َو َسبلَ َمة ِممَّنْ َت َو ِّع َدنًِ‬ ‫َو َهبْ لًِ َم ْكرا َعلَى َمنْ َكا ٌَ َدنًِ َوقُ ْد َرة َعلَى َم ِن اضْ َط َه َدنًِ َو َت ْكذٌِبا لِ َمنْ َق َ‬
‫ض َمنْ‬ ‫ـار َ‬ ‫النْ أ َع ِ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِهِ‪َ ،‬و َس ِّد ْدنًِ ِ‬ ‫َو َو ِّف ْقنًِ لِ َطا َع ِة َمنْ َس َّد َدنًِ َو ُم َتا َب َع ِة َمنْ أَرْ َش َدنًِ أللَّ ُه َّم َ‬
‫ِؾ‬‫صلَ ِة وأ ُ َخـال َ‬ ‫ٌِب َمنْ َح َر َمنًِ ِب ْال َب ْذ ِل َوأ ُ َكاف ًَِ َمنْ َق َط َعنًِ ِبال ِّ‬ ‫ي َمنْ َه َج َرنًِ ِب ْال ِبرِّ َوأُث َ‬ ‫ـز َ‬ ‫َ‬
‫ـح‪َ ،‬وأجْ ِ‬ ‫َؼ َّشنًِ ِبال ُّنصْ ِ‬
‫صـ ِّل َعلَى م َُحمَّـد َوآلِـ ِه َو َحلِّنًِ‬ ‫كر ْال َح َس َن َة َوا ُ ْؼضِ ًَ َع ِن ال َّس ٌِّ َبـ ِة‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬ ‫الذ ْك ِر‪َ ،‬وأَنْ أَ ْش َ‬ ‫اؼ َتا َبنًِ إلَى حُسْ ِن ِّ‬ ‫َم ِن ْ‬
‫ض ِّم أَهْ ِل ْالفُرْ َق ِة‬ ‫إط َفا ِء ال َّناب َِر ِة َو َ‬ ‫ٌِن فًِْ َبسْ طِ ْال َع ْد ِل َو َك ْظم ْال َؽٌْظِ َو ْ‬ ‫ٌِن‪َ ،‬وأَ ْل ِبسْ نًِ ِزٌ َن َة ال ُم َّتق َ‬ ‫ِبح ِْل ٌَـ ِة الصَّالِح َ‬
‫ِ‬
‫ٌِن ْال َع ِرٌ َكةِ‪َ ،‬و َخ ْف ِ ْ‬ ‫ار َفةِ‪َ ،‬و َس ْت ِر ْال َعا ِب َبةِ‪َ ،‬ول ِ‬ ‫ْن َوإ ْف َشا ِء ْال َع ِ‬ ‫ت ْال َبٌ ِ‬ ‫َوإصْ بلَ ِح َذا ِ‬
‫ـاح‪َ ،‬وحُسْ ِن الس َ‬
‫ٌِّرةِ‪،‬‬ ‫ض ال َج َن ِ‬
‫ال َعلَى‬ ‫ض ِ‬ ‫ٌر َواإل ْف َ‬ ‫ار ال َّت َفض ُِّل‪َ ،‬و َترْ كِ ال َّتعْ ِب ِ‬ ‫ْق إلَى ا ْل َفضِ ٌلَةِ‪ ،‬وإ ٌْ َث ِ‬ ‫ب ْالم َُخالَ َقـةِ‪َ ،‬وال َّسب ِ‬ ‫ٌـح‪َ ،‬وطِ ٌْ ِ‬ ‫ون الرِّ ِ‬ ‫َو ُس ُك ِ‬
‫ار ال َّشرِّ َوإنْ‬ ‫ـر مِنْ َق ْـولًِ َوفِعْ لًِ ‪َ ،‬واسْ ت ِْك َث ِ‬ ‫ْـر َوإنْ َك ُث َ‬ ‫ـز َواسْ ِت ْقبلَ ِل َ‬
‫الخٌ ِ‬ ‫َؼٌ ِْر ْالمُسْ َتح ِِّق َوالـ َق ْو ِل ِب ْال َح ِّق َوإنْ َع َّ‬
‫َع َومُسْ َتعْ م ِِل الرَّ أي‬ ‫ْ‬ ‫الطا َع ِة َول ُ ُزوم ْال َج َما َع ِة َو َر ْف ِ َ‬ ‫ك لًِ ِبد ََوام َّ‬ ‫أك ِم ْل َذلِ َ‬ ‫َق َّل مِنْ َق ْولًِ َوفِعْ لًِ‪َ ،‬و ْ‬
‫ض أهْ ِل ال ِبد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك فًَِّ إ َذا َنصِ ب ُ‬
‫ْت‪،‬‬ ‫ُرت ‪َ ،‬وأَ ْق َوى قُ َّو ِت َ‬ ‫ك َعلًََّ إ َذا َكب ُ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َواجْ َع ْل أَ ْو َس َع ِر ْز ِق َ‬ ‫ْالم ُْخ َت َر ِع‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬
‫ك‪َ ،‬والَ م َُجا َم َع ِة َمنْ‬ ‫بلؾِ َم َح َّب ِت َ‬ ‫ض لِ ِخ َ‬ ‫ك َوالَ ِبال َّت َعرُّ ِ‬ ‫ك َوال ْال َع َمى َعنْ َس ِبٌلِ َ‬ ‫َوالَ َت ْب َتلِ ٌَ ّنً ِبال َك َس ِل َعنْ عِ َبا َد ِت َ‬
‫اجةِ‪،‬‬ ‫ك عِ ْن َد ْال َح َ‬ ‫ُور ِة َوأَسْ ؤَل ُ َ‬ ‫ضر َ‬ ‫ك عِ ْن َد ال َّ‬ ‫ك‪ .‬أللَّ ُه َّم اجْ َع ْلنًِ أص ُْو ُل ِب َ‬ ‫ار َق ِة َم ِن اجْ َت َم َع إلَ ٌْ َ‬ ‫َت َفرَّ َق َع ْن َك‪َ ،‬وال ُم َف َ‬
‫ك إ َذا‬ ‫ْ‬ ‫ك إ َذا اضْ ُ‬ ‫ك عِ ْن َد ْال َمسْ َك َن ِة ‪َ ،‬وال َت ْف ِت ّنً ِباالسْ ِت َعا َن ِة ِب َؽٌ ِْر َ‬ ‫َوأَ َت َ‬
‫ُإال َؼٌ ِْر َ‬ ‫ُوع لِس ِ‬ ‫ت‪َ ،‬وال ِبال ُخض ِ‬ ‫ط ِررْ ُ‬ ‫ضرَّ ُع إلَ ٌْ َ‬
‫ك ٌَا أَرْ َح َم‬ ‫ض َ‬ ‫ك خ ِْذال َن َك َو َم ْن َع َك َوإعْ َرا َ‬ ‫ْت َفؤَسْ َتح َِّق ِبذلِ َ‬ ‫ك إ َذا َر ِهب ُ‬ ‫ضـرُّ ِع إلَى َمنْ ُدو َنـ َ‬ ‫ت ‪َ ،‬والَ ِبـال َّت َ‬ ‫ا ْف َت َقـرْ ُ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ٌِن‪ .‬أللَّ ُه َّم اجْ َع ْل َما ٌ ُْلقًِ ال َّش ٌْ َطانُ فًِ َر ْوعِ ً م َِن ال َّت َم ِّنً َوال َّت َظ ِّنً َو ْال َح َسـ ِد ِذ ْكـرا ِل َع َظ َم ِت َ‬ ‫الرَّ ا ِحم َ‬
‫‪ٔٔ9‬‬
‫ِك‪َ ،‬و َت ْد ِبٌرا َعلَى َع ُدوِّ َك‪َ ،‬و َما أَجْ َرى َع َلى لِ َسانًِ مِنْ لَ ْف َظ ِة فُحْ ش أَ ْو هُجْ ر أَ ْو َش ْت ِم عِ رْ ض‬ ‫َو َت َف ُّكرا فًِ قُ ْد َرت َ‬
‫الث َنا ِء‬ ‫إؼ َراقا فًِ َّ‬ ‫ك َو ْ‬ ‫ك ُن ْطقا ِب ْال َح ْم ِد لَ َ‬ ‫ب أَ ْو َسبِّ َحاضِ ر‪َ ،‬و َما أَ ْش َب َه َذ ِل َ‬ ‫ب م ُْإمِن َؼا ِب ِ‬ ‫اؼ ِت ٌَا ِ‬ ‫أَ ْو َش َها َد ِة بَاطِ ل أو ْ‬
‫صـ ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِـ ِه‬ ‫ك‪ .‬أللّ ُه َّم َ‬ ‫صاء لِ ِم َن ِن َ‬ ‫ك َوإحْ َ‬ ‫ك َواعْ ت َِرافا ِبإحْ َسا ِن َ‬ ‫ش ْكرا لِنِعْ َم ِت َ‬ ‫ك َو ُ‬ ‫ك‪َ ،‬و َذ َهابا فًِ َت ْمجٌ ِد َ‬ ‫َعلَ ٌْ َ‬
‫ْض ِم ِّنً‪َ ،‬والَ أَضِ لَّنَّ َو َق ْد أَ ْم َك َن ْت َ‬
‫ك‬ ‫ت ال َقا ِد ُر َعلَى ْال َقب ِ‬ ‫ت مُطِ ٌق لِل َّد ْف ِع َع ِّنً‪َ ،‬وال أَ ْظ ِل َمنَّ َوأَ ْن َ‬ ‫َوالَ ا ُ ْظ َل َمنَّ َوأَ ْن َ‬
‫ت‪َ ،‬وإلَى‬ ‫ك َو َف ْد ُ‬ ‫ك وُ جْ دِي‪ .‬أللَّ ُه َّم إلَى َم ْؽف َِر ِت َ‬ ‫ك وُ سْ عًِ‪َ ،‬وال أَ ْط َؽ ٌَنَّ َومِنْ عِ ْن ِد َ‬ ‫ِه َدا ٌَتًِ‪َ ،‬والَ أَ ْف َتق َِرنَّ َومِنْ عِ ْن ِد َ‬
‫ك‪َ ،‬والَ فًِ‬ ‫ْس عِ ْندِي َما ٌُو ِجبُ لًِ َم ْؽف َِر َت َ‬ ‫ت‪َ ،‬ولٌَ َ‬ ‫ك َو ِث ْق ُ‬ ‫ت‪َ ،‬و ِب َفضْ لِ َ‬ ‫ك ا ْش َت ْق ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وإلَى َت َجـاوُ ِز َ‬ ‫ص ْـد ُ‬ ‫ك َق َ‬ ‫َع ْف ِو َ‬
‫ض ْل‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َو َت َف َّ‬ ‫ت َعلَى َن ْفسِ ً إالَّ َفضْ ل ُ َك‪َ ،‬ف َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َما لًِ َبعْ َد أَنْ َح َكمْ ُ‬ ‫َع َملًِ َما أَسْ َتح ُِّق ِب ِه َع ْف َو َ‬
‫ضى‪ .‬أللَّ ُه َّم‬ ‫ًِ أَ ْز َكى َواسْ َتعْ م ِْلنًِ ِب َما ه َُو أَرْ َ‬ ‫َعلًََّ أللَّ ُه َّم َوأَ ْنطِ ْقنًِ ِب ْالهُدى‪َ ،‬وأَ ْل ِه ْمنًِ أل َّت ْق َـوى َو َو ِّف ْقنًِ لِلَّتًِْ ه َ‬
‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َو َم ِّتعْ نًِ‬ ‫ُوت َوأَحْ ٌَى‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬ ‫ك أَم ُ‬ ‫الط ِرٌ َقـ َة ْالم ُْثلَى‪َ ،‬واجْ َع ْلنًِ َعلَى ِملَّ ِت َ‬ ‫اسْ لُكْ ِب ًَ َّ‬
‫صالِحًِ ْال ِع َبادِ‪َ ،‬وارْ ُز ْقنًِ َف ْو َز ْال َم َعادِ‪،‬‬ ‫صادِ‪َ ،‬واجْ َع ْلنًِ مِنْ أَهْ ِل ال َّس َدادِ‪َ ،‬ومِنْ أَ ِدلَّ ِة الرَّ َشادِ‪َ ،‬ومِنْ َ‬ ‫ِباال ْق ِت َ‬
‫ص َها‪َ ،‬وأَبْق لِ َن ْفسِ ً مِنْ َن ْفسِ ً َمـا ٌُصْ لِ ُح َها؛ َفإنَّ َن ْفسِ ً‬ ‫ك مِنْ َن ْفسِ ً َمـا ٌ َُخلِّ ُ‬ ‫صا ِد‪ .‬أللَّ ُه َّم ُخ ْذ لِ َن ْفسِ َ‬ ‫َو َسبلَ َم َة ْالمِرْ َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ك اس ِت َؽا َثتًِ إنْ َك ِر ْث ُ‬ ‫ت‪َ ،‬و ِب َ‬ ‫ت ُم ْن َت َجعًِ إنْ ح ُِر ْم ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وأَ ْن َ‬ ‫ت ُع َّدتًِ إنْ َح َز ْن ُ‬ ‫َهالِ َكة أَ ْو َتعْ صِ َم َها‪ .‬أَللَّ ُه َّم أَ ْن َ‬
‫ب‬‫الطلَ ِ‬ ‫ت َت ْؽٌٌر‪َ .‬فا ْم ُننْ َعلًََّ َق ْب َل ْال َببل ِء ِب ْال َعا ِف ٌَةِ‪َ ،‬و َق ْب َل َّ‬ ‫صبلَح‪َ ،‬وفٌِ َما أ ْن َكرْ َ‬ ‫ات َخلَؾ‪َ ،‬ولِ َما َف َس َد َ‬ ‫ك ِممَّا َف َ‬ ‫َوعِ ْن َد َ‬
‫ضبلَ ِل ِبالرَّ َشادِ‪َ ،‬وا ْك ِفنًِ َمإُ و َن َة َم َعرَّ ِة ْال ِع َبادِ‪َ ،‬و َهبْ لًِْ أَمْ َن ٌَ ْو ِم ْال َم َعادِ‪َ ،‬وا ْم َنحنًِ ُحسْ َن‬ ‫ِب ْال ِجدةِ‪َ ،‬و َق ْب َل ال َّ‬
‫اونًِ‬ ‫ك‪َ ،‬و َد ِ‬ ‫ك‪َ ،‬وأَصْ لِحْ نًِ ِب َك َرمِـ َ‬ ‫اؼ ُـذنًِ ِبنِعْ َم ِت َ‬ ‫ك‪َ ،‬و ْ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّـد َوآلِـ ِه َو ْاد َرأ َع ّنً ِبل ُ ْطفِـ َ‬ ‫االرْ َشا ِد‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬
‫ت‬‫ت َعلًََّ األمُـو ُر ألِهْ َدا َهـا‪َ ،‬وإ َذا َت َشا َب َه ِ‬ ‫ك‪َ ،‬و َو ِّفقنًِ إ َذا ا ْش َت َكلَ ْ‬ ‫ضـا َ‬ ‫وجلِّ ْلنًِ ِر َ‬ ‫ك‪َ ،‬‬ ‫ِـك‪َ ،‬وأَظِ لَّنًِْ فًِ َذ َرا َ‬ ‫ص ْنع َ‬ ‫ب ُ‬
‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآ ِل ِه َو َتوِّ جْ نًِ ِب ْال ِك َفا ٌَةِ‪َ ،‬وسُمْ نًِ‬ ‫ضا َها‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬ ‫ألرْ َ‬ ‫ت ْال ِملَ ُل ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ألز َكا َها‪َ ،‬وإ َذا َت َنا َق َ‬ ‫األعْ َما ُل ْ‬
‫حُسْ َن ْال ِوال ٌَةِ‪َ ،‬و َهبْ لًِْ صِ ْد َق ْال ِه َدا ٌَةِ‪َ ،‬وال َت ْف ِت ِّنً ِبال َّس َعةِ‪َ ،‬وامْ َنحْ نًِ حُسْ َن ال َّد َعةِ‪َ ،‬وال َتجْ َع ْل َعٌْشِ ً َك ّدا َك ّدا‪،‬‬
‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّـد َوآلِـ ِه َوا ْم َنعْ نًِ‬ ‫ك ِن ّدا‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬ ‫ك ضِ ّدا َوال أَ ْدعُو َم َع َ‬ ‫َوالَ َت ُر َّد ُد َعابًِ َعلًََّ َر ّدا؛ َفإ ِّنً ال أَجْ َع ُل لَ َ‬
‫م َِن الس ََّرؾِ َو َحصِّنْ ِر ْزقًِ م َِن ال َّتلَؾِ ‪َ ،‬و َو ِّفرْ َملَ َكتًِ ِب ْال َب َر َك ِة فٌِهِ‪َ ،‬وأَصِ بْ ِبً َس ِبٌ َل ْال ِه َدا ٌَ ِة ل ِْل ِبرِّ فٌِ َما ا ُ ْنف ُِق‬
‫االك ِت َسابِ‪َ ،‬وارْ ُز ْقنًِ مِنْ َؼٌ ِْر احْ ِت َساب‪َ ،‬فبلَ أَ ْش َت ِؽ َل َعنْ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َوا ْك ِفنًِ َمإُ و َن َة ْ‬ ‫ِم ْن ُه‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬
‫ك ِممَّا‬ ‫ك َما أَ ْطلُبُ ‪َ ،‬وأَ ِجرْ نًِ ِبع َِّز ِت َ‬ ‫ب‪ .‬أللَّ ُه َّم َفؤ َ ْطلِ ْبنًِ ِبقُ ْد َر ِت َ‬ ‫ت ْال َم ْك َس ِ‬ ‫ب َوال أَحْ َت ِم َل إصْ َر َت ِب َعا ِ‬ ‫ك ِب َّ‬
‫الطلَ ِ‬ ‫عِ َبا َد ِت َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫تار َفؤَسْ َترْ ِز َق أَهْ َل ِر ْز ِق َ‬ ‫ار‪َ ،‬والَ َت ْب َت ِذ ْل َجاهًِ ِباإل ْق ِ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َوصُنْ َوجْ ِهً ِب ْال ٌَ َس ِ‬ ‫أَرْ َهبُ ‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬
‫ت مِنْ ُدون ِِه ْم َولًُِّ اإلعْ َطا ِء‬ ‫ك‪َ ،‬فؤ ْف َتت َِن ِب َح ْم ِد َمنْ أَعْ َطانًِ‪َ ،‬وا ُ ْب َتلَى ِبـ َذ ِّم َمنْ َم َن َعنًِ َوأَ ْن َ‬ ‫ار َخ ْل ِق َ‬‫َوأَسْ َتعْ طِ ًَ شِ َر َ‬
‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِـ ِة َوارْ ُز ْقنًِ صِ حَّ ة فًِْ عِ َبا َدة‪َ ،‬و َفراؼا فًِ َز َها َدة‪،‬‬ ‫َو ْال َم ْن ِع‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬
‫ك أَ َملًِ‪َ ،‬و َس ِّه ْل‬ ‫ك أَ َجلً‪َ ،‬و َح ِّق ْق فًِ َر َجا ِء َرحْ َم ِت َ‬ ‫َوعِ ْلما فًِ اسْ تِع َمـال‪َ ،‬و َو َرعـا فًِ إجْ َمال‪ .‬أللَّ ُه َّم ْ‬
‫اخ ِت ْم ِب َع ْف ِو َ‬
‫ك فًِ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َو َن ِّب ْهنًِ لِ ِذ ْك ِر َ‬ ‫ٌِع أَحْ َوالًِْ َع َملًِ‪ .‬أللَّ ُه َّم َ‬ ‫ك ُس ُبلًِ‪َ ،‬و َحسِّن فًِ َجم ِ‬ ‫ضا َ‬ ‫وغ ِر َ‬ ‫ُ‬
‫إلَى ُبل ِ‬
‫أك ِم ْل لًِ ِب َها َخٌ َْر‬ ‫ك َسبٌبل َس ْهلَة ْ‬ ‫َّام ْال ُم ْهلَةِ‪َ ،‬وا ْن َهجْ لًِ إلى َم َح َّب ِت َ‬ ‫َ‬ ‫ت ْال َؽ ْفلَةِ‪َ ،‬واسْ َتعْ م ِْلنًِ ِب َطا َعتِـ َ‬ ‫أَ ْو َقا ِ‬
‫ك فًِ أٌ ِ‬
‫صل َعلَى‬ ‫ت ُم َ‬ ‫ك َق ْبلَهُ‪َ ،‬وأَ ْن َ‬ ‫ْت َعلَى أَ َحد مِنْ َخ ْل ِق َ‬ ‫صلٌَّ َ‬‫ض ِل َمـا َ‬ ‫ص ِّل َعلَى م َُحمَّد َوآلِ ِه َكؤ َ ْف َ‬ ‫ِـر ِة‪ .‬أللَّ ُه َّم َو َ‬
‫ال ُّد ْن ٌَا َواآلخ َ‬
‫ار‪.‬‬ ‫ك َع َذ َ‬
‫اب ال َّن ِ‬ ‫أَ َحد َبعْ َدهُ‪َ ،‬وآتِنا فًِ ال ُّد ْن ٌَا َح َس َنة َوفًِ اآلخ َِر ِة َح َس َنة ‪َ ،‬و ِقنًِ ِب َرحْ َم ِت َ‬

‫ٕٓٔ‬

You might also like