Professional Documents
Culture Documents
الصراع
مع العدو اإلسرائيلي
1
المقدمة
من ٌتؤمل لواقع األمة ٌجد أنها فقدت العزة والمنعة فً مراحل حساسة تجاه أعدابها ،وأصبحت مطمعا ومسرحا مفتوحا
تتداعى علٌها األمم من شتى األقطار ،وتحقق فً واقعها ما قال النبً – صلى هللا علٌة وعلى آلة وسلم – حٌنما قال:
((ٌوشك أن تتداعى علٌكم األمم – كما تتداعى األكلة على قصعتها )) تتداعى علٌكم األمم بدون خوؾ منكم وال قلق،
تتداعى علٌكم األمم باعتباركم أصبحتم مطمعا ومؽنما ومؤكلة وثروة ،فتؤتً األمم من هنا وهناك ،من أمرٌكا ومن أروبا،
ومن سابر األقطار متداعٌةٌ ،دعو بعضها بعضا ٌتحالفون وٌؤتون إلٌكم مستعبدٌن لكم ومستعمرٌن لكم ،محتلٌن ألرضكم،
ناهبٌن لثرواتكم آكلٌن لخٌراتكم .
((ٌوشك أن تتداعى علٌكم األمم كما تتداعى األكلة على قصعتها)) قالوا :أمن قلُّة ٌا رسول هللا نحن ٌومبذ؟ـ ٌعنً :سنكون
قلة قلٌلة ،وأمة صؽٌرة تطمع بها األمم األخرى وٌتداعى علٌها األعداء من كل حدب وصوب؟ قال :ال (أنتم ٌومبذ كثٌر
ولكن ؼثاء كؽثاء السٌلٌ ،نزع الوهن من قلوب أعدابكم ،وٌلقى فً قلوبكم) أمة أصٌبت بالوهن ،ولذلك فهذه األمة التً
هً الٌوم أكثر من ملٌار وستمابة ملٌون حسب التقدٌرات ،ولكنها ال تمثل شٌبا مقارنة بستة مالٌٌن صهٌونً ٌهودي على
أرض فلسطٌن ،هذه األمة اصٌبت بالوهن أصٌبت بالحٌرة ،بانعدام الوعً ،فحدث فٌها ما حدث .
ولهذا نؤخذ دروس مادة الصراع مع العدو اإلسرابٌلً وهذه المادة مهمة جدا ألننا نعٌش هذا الصراع نحن لسنا بعٌدٌن
عن هذا الصراع ،ولذلك من العجٌب أن نجد البعض ٌتصرؾ مع هكذا مواضٌع بالمباالة ،وكؤننا لسنا المستهدفٌن ،وكؤننا
لسنا من هذه األمة اإلسالمٌة التً ٌستهدفها الٌهود ،وكؤن هذا الصراع ؼٌر موجود فً ساحتنا العربٌة واإلسالمٌة مثل ما
ٌحدث الٌوم فً (فلسطٌن والعراق وسورٌا ولٌبٌا والٌمن وبورما) وؼٌرها من البلدان العربٌة واإلسالمٌة.
عندما نتكلم عن صراع ٌعنً هناك ؼالب وهناك مؽلوب ،فإما أن تكون ؼالب وإما أن تكون مؽلوب ،إما أن تكون أنت
العزٌز أو ستكون أنت الذلٌل المقهور.
فموضوع الصراع مع العدو اإلسرابٌلً هو موضوع ٌهم كل فرد ٌنتمً لهذه األمة اإلسالمٌة ،وٌهمنا فً هذا الصراع أن
نكون نحن الؽالبون ،أن نكون نحن المنتصرون.
1ـ أن نزداد وعٌا ،أن نزداد بصٌرة وفهما لألحداث التً تحدث من حولنا.
2ـ أن نستشعر المسإولٌة (علٌنا مسإولٌة أمام هللا وأمام دٌننا وأمام أمتنا).
2
الفصل األول
من نحن ومن هم؟
3
(من نحن ومن هم)
من الضروري أن نعرؾ من نحن ومن هم ،الكثٌر من الناس لم ٌعد ٌعرؾ من نحن ،ولم ٌعد ٌعرؾ من هم أعدابنا الذٌن
نحن معهم فً صراع ،ال ٌعرؾ ما صفاتهم وما أسالٌبهم وكٌؾ هً نفسٌاتهم وكٌؾ كان تارٌخهم.
وبسبب هذا الصراع الذي نعٌشه مع هذا العدو اإلسرابٌلً ،نحن فً أمس الحاجة إلى أن نعرؾ أدق التفاصٌل عن عدونا
التً تكشؾ لنا عن صفاتهم ونفسٌاتهم وخططهم وأسالٌبهم التً ٌستخدمونها الستهداؾ اإلسالم واألمة اإلسالمٌة ،حتى
نستطٌع أن نواجههم ونتؽلب علٌهم.
الكتب التً ألفت عن الٌهود كثٌرة جدا ،مإلفات واسعة ،لكننا نرٌد معلومات صحٌحة ودقٌقة ال تحتمل الخطؤ ،ألننا فً
مرحلة خطٌرة ،مرحلة صراع مع هذا العدو ،فالوقت ال ٌتسع لنجرب ثقافات تحتمل الخطؤ ،وحتى نحسم هذا الصراع
لصالحنا نحن المسلمٌن ،نعود إلى أهم مصدر ،وأصدق وثٌقة إلهٌه تكشؾ لنا أسرار وخفاٌا ونواٌا أعدابنا من الٌهود
والنصارى ،وهو القرآن الكرٌم.
من هم؟
عرض هللا سبحانه وتعالى فً القرآن الكرٌم كثٌرا من أخبار الٌهود بما ٌكشؾ واقعهم وخصوصا فً سورة البقرة وآل
عمران والمابدة واإلسراء والحشر وؼٌرها ،فهذه السور ملٌبة بالحدٌث عن الٌهود ،مما ٌعنً أنه قد ورد ذكر بنً
إسرابٌل فً القرآن بشكل واسع ،وقدم القرآن عرضا شامال لما آتاهم هللا من النعم وكٌؾ كان تعاملهم معها ،وعرض
كثٌرا من سلوكٌاتهم ومواقفهم ونفسٌاتهم بشكل لم ٌحصل ألي أمة من األمم.
وذكر هللا تعالى فً كتابه الكرٌم أنه فضل بنً إسرابٌل على العالمٌن ،قال تعالى (ٌا بنً إسرابٌل اذكروا نعمتً الَّتً
البقرة ()44 أنعمت علٌكم وأ ِّنً فضَّلتكم على العالمٌن)
وعرض كذلك النعم التً أنعم بها علٌهم ،والرعاٌة التً منحهم إٌاها فً أٌام فرعون ومن بعده وفً مختلؾ األزمنة،
وٌلعن الكافرٌن والمتمردٌن منهم ٌ ،لعن الذٌن لم ٌستجٌبوا له ،ولم ٌلتزموا بكتبه السماوٌة التً أنزلها إلى األنبٌاء منهم
،وٌدعوهم فً الوقت نفسه إلى اإلٌمان برسول هللا صلوات هللا علٌه وعلى آله ،و أن ٌكونوا هم أول من ٌإمن بالقرآن
الذي هو مصدق لما معهم من الكتب السماوٌة ،لكنهم عصوا هللا مجددا بعدم استجابتهم للنبً وكان هذا من منطلق الحسد،
أنه لماذا لم ٌؤت الرسول الموعود به فً آخر الزمان من بنً إسرابٌل لٌقفوا معه وٌنصروه ،فلما جاء رسول هللا صلوات
هللا علٌ ه وآله من ؼٌر بنً إسرابٌل وجاء من بنً إسماعٌل حسدوه ،وكذبوا به بعد أن عرفوه كما ٌعرفون أبنابهم ،كما
4
حكى هللا عنهم ،حٌنبذ استحقوا اللعنة وأن ٌؽضب هللا علٌهم أٌضا من جدٌد ،ألنهم كفروا بمحمد صلوات هللا علٌه و آله و
بالقرآن الذي أنزله هللا إلٌه وهو كتاب مصدق لما بٌن أٌدٌهم .
* قدم هللا لنا فً القرآن الكرٌم الكثٌر من صور عناد وكفر وفساد بنً إسرائٌل وتعاملهم مع هللا ومع أنبٌاء هللا وكتبه
ورسله ،ومن ذلك:
{وقالت الٌهود ٌد ل
هللا مؽلولة ؼلَّت أٌدٌهم ولعنوا بما قالوا بل ٌداه مبسوطتان ٌنفق كٌؾ ٌشاء ولٌزٌدنَّ كثٌرا مِّنهم مَّا أنزل
سٌاق هذه اآلٌات ٌبٌن واقع (المابدة من اآلٌة)64 : إلٌك من رَّ بِّك طؽٌانا وكفرا وألقٌنا بٌنهم العداوة والبؽضاء إلى ٌوم القٌامة}
بنً إسرابٌل وضاللهم وخبث نفوسهم ،وجرأتهم فً منطقهم على هللا ،وافترابهم على هللا سبحانه وتعالى حٌث قالوا (ٌد
هللا مؽلولة) وهً كناٌة عن البخل أي أن بنً إسرابٌل اتهموا هللا بالبخل ،كما قالوا (إن هللا فقٌر ونحن أؼنٌاء)لكن هللا
ٌوضح وٌرد على هذه اإلساءة بقوله (بل ٌداه مبسوطتان ٌنفق كٌؾ ٌشاء) أي أن هللا كرٌم وسخً فً عطاءه ،لكن بنو
إسرابٌل أصبحت نفوسهم سٌبة حصل لدٌهم خبث ونظرة سٌبة هلل فحكى هللا عنهم هذه الجرأة علٌه سبحانه وتعالى.
ٌقول هللا سبحانه وتعالى {وا َّتخذ قوم موسى من بعده من حلٌِّهم عجال جسدا لَّه خوار ألم ٌروا أ َّنه ال ٌكلِّمهم وال ٌهدٌهم
بعد أن أنعم هللا على بنً إسرابٌل بتلك النعمة العظٌمة وهً نجاتهم من األعراؾ ()148 سبٌال ا َّتخذوه وكانوا ظالمٌن}
فرعون وبتلك الطرٌقة التً تعتبر آٌة من آٌات هللا الكبرى ،كانوا فً وضعٌة سٌبة جدا فؤنقذهم هللا منها ،وفرق لهم البحر
أمامهم بطرٌقة مذهلة ومدهشة عندما وصلوا إلى البحر وهو مازال كما هو بحر ،ثم ٌضرب نبً هللا موسى علٌه السالم
بعصاه فٌرونه ٌنفلق ،فجعل هللا من انفالق البحر وسٌلة لنجاتهم ،ووسٌلة فً نفس الوقت لهالك عدوهم أمام أعٌنهم
فؤصطفق البحر على فرعون ومن معه ،لكنهم بعد هذه المعجزة العظٌمة تقع منهم تلك الخطٌبة الكبٌرة،
قال هللا تعالى (وجاوزنا ببنً إسرابٌل البحر فؤتوا على قوم ٌعكفون على أصنام لَّهم ۚ قالوا ٌا موسى اجعل لَّنا إلها كما
األعراؾ 138 لهم آلهة ۚ قال إ َّنكم قوم تجهلون)
5
{وا َّتخذ قوم موسى من بعده من حلٌِّهم عجال جسدا لَّه خوار} عبدوا تمثال بصورة العجل ال روح فٌه ،له خوار أي له
صوت كصوت العجل ،وكانت هذه معصٌة كبٌرة وظلم كبٌر ،ظلموا أنفسهم بإتباع الهوى فتورطوا فً أكبر الكبابر ألن
اإلٌمان لم ٌدخل قلوبهم ،وهذا ٌدل على انحطاط ودناءة نفسٌاتهم.
ونحن المسلمون كذلك عندما ال نؤخذ كتاب هللا بقوة سنصل إلى أسوأ مما وصل إلٌه بنً إسرائٌل.
(وأشربوا فً قلوبهم العجل بكفرهم) امتألت قلوبهم بحب العجل ،تقبلوه بسهوله وسرعة كما ٌتقبل الشارب ما ٌشربه،
وذلك بسبب كفرهم ،فدعواهم لإلٌمان تكذبها أفعالهم الخبٌثة ،تشربت وامتألت قلوبهم بحب العجل ولم تتشرب ولم تمتلا
قلوبهم بحب موسى ،وكم هو الفرق بٌن موسى وبٌن العجل ،ألم ٌكن من المفترض أن تتشرب قلوبهم بحب هللا وحب
موسى!! فاإلنسان ال بد أن ٌعشق شٌبا ،إذا لم ٌعشق الحق سٌعشق الباطل.
ألٌس هذا مطلبا متعنتا! مطالب أناس جهلة (لن ُّنإمن لك ح َّتى نرى َّ
هللا جهرة) هإالء القوم قد نسوا كل النعم والمعجزات
التً تمنن هللا بها علٌهم مثل تلك النعمة (وإذ فرقنا بكم البحر) وهذا ٌدل على أن الواقع السٌا ٌإثر على النفوس فٌحط
منهاٌ ،إثر علٌها فتصبح األشٌاء الهامة دون قٌمة عند هذه النفوس
هللا جهرة) وهذه كذلك تمثل حالة العرب الٌوم ،كلنا نحن العرب هذه الحالة مترسخة لدٌنا نحن (لن ُّنإمن لك ح َّتى نرى َّ
العرب نحذوا حذوا بنً إسرابٌل ،هم قالوا (لن ُّنإمن لك ح َّتى نرى َّ
هللا جهرة) والكثٌر منا ٌقول لمن ٌنصحنا وٌوعٌنا
بالخطر األمرٌكً واإلسرابٌلً :لن نإمن لك حتى نرى أمرٌكا ،ونرى األمرٌكً ٌصل إلى بالدنا ،وٌوجه بندقٌته إلى
صدرونا ،لن نإمن لك حتى نرى نسابنا ٌخرجن متبرجات كاألوربٌات فً شوارعنا ،لن نإمن لك حتى نرى القرآن
تمزق صفحاته فً مساجدنا ،لن نإمن ......لن نإمن ........هً الحالة العربٌة التً ضربت العرب وضربت القرآن،
وضربت الدٌن ،نحن نعٌشها (لن نإمن لك حتى نرى هللا جهرة) .نحن ٌجب أن ننسؾ هذه الكلمة من مشاعرنا ومن
6
عقولنا ،ومن أذهاننا (أننً ال أصدق حتى تكون األشٌاء ماثلة أمامً) إذا كنت من هذا النوع إذا أمامك على طاولة
التارٌخ الشواهد الحٌة لهذه ،أال ٌكفٌك شواهد حٌة على مدى 1411عام؟ إذا كنت ممن ٌرٌد أن ٌرى األشٌاء أوال حتى
ٌصدق فهاهً فلسطٌن ....العراق ...سورٌا ...أفؽانستان ...الٌمن ...إلخ .ها هً أمامك األحداث ،تلك األحداث -هً
مثل على كل ما نحدثك عنه إذا كنت ال تكتفً بهذه الشواهد-التً هً شواهد حٌة ،أحداث تجسدت فً التارٌخ بل ترٌد
مودٌال جدٌدا من األحداث -فؤنت أٌضا أسوأ ممن قالوا (لن ُّنإمن لك ح َّتى نرى َّ
هللا جهرة).
تعاملهم مع المالئكة
البقرة ()38 {قل من كان عدول ا لِّجبرٌل فإ َّنه ن َّزله على قلبك بإذن ل
هللا مص ِّدقا لِّما بٌن ٌدٌه وهدى وبشرى للمإمنٌن}
(من كان عدول ا لِّجبرٌل) هم عادوا جبرٌل ،قالوا :من الذي ٌنزل القرآن على محمد؟ قالوا :جبرٌل ،فقالوا :إذا جبرٌل عدوا
لنا.
لعداوتهم هلل ومالبكته ورسله فإنهم البقرة ()38 {من كان عدول ا ِّ لهلل ومِئبكته ورسله وجبرٌل ومٌكال فإنَّ ل
هللا عد لو لِّلكافرٌن}
دخلوا فً حالة عداوة مع هللا ،إذا هللا عدوهم وبالتؤكٌد هو الؽالب على أمره والقاهر فوق عباده.
قال تعالى {ولقد آتٌنا موسى الكتاب وق َّفٌنا من بعده بالرُّ سل وآتٌنا عٌسى ابن مرٌم البٌِّنات وأٌَّدناه بروح القدس أفكلَّما
جاءكم رسول بما ال تهوى أنفسكم استكبرتم ففرٌقا ك َّذبتم وفرٌقا تقتلون} البقرة 84
هنا ٌظهر من مساوئ بنً إسرابٌل كٌؾ تعاملوا مع األنبٌاء الذٌن ٌؤتونهم من بعد ،ومهمة النبً أن ٌهدٌهم من جدٌد
وٌعٌدهم من جدٌد إلى طرٌق الصواب ،وعلى الرؼم من هذا لم ٌعد بنً إسرابٌل ٌستفٌدون من الرسل الجدد الذٌن ٌؤتون
4
فً مرحلة هم أحوج إلى االهتداء بهدٌهم ،وإلى االصؽاء لتوجٌهاتهم ،فوصل بهم الحال إلى أنه إذا جاء الرسول ال ٌتؤقلم
معهم ٌقتلونه أو ٌكذبون به ،أو ٌموت وال ٌكون قد أثر فٌهم أي أثر.
(أفكلَّما جاءكم رسول بما ال تهوى أنفسكم استكبرتم ففرٌقا ك َّذبتم وفرٌقا تقتلون) كان بنً إسرابٌل إذا لم ٌستطٌعوا قتل
النبً فإنهم ٌكذبوه وٌتعاملوا معه بعصٌان وعدم تسلٌم ،ومن هنا ٌتبٌن أن بنً إسرابٌل قد وصلوا إلى درجة أن أصبحت
النعم العظٌمة التً أنعم هللا بها علٌهم مثل نعمة الهداٌة وارسال الرسل إلٌهم لهداٌتهم لٌس لها قٌمة عندهم ،ولهذا وصل
بنً إسرابٌل إلى درجة أن ٌتؤمروا على أنبٌابهم وٌقتلونهم.
طلب نبً هللا موسى علٌه السالم من قومه أن ٌدخلوا القرٌة التً كتب لهم أن ٌدخلوها ،لكنهم عصوا ورفضوا االستجابة
فكانت المابدة 24 لما أمرهم به نبٌهم وقالوا تلك العبارة الخالٌة من األدب (فاذهب أنت وربُّك فقاتال إ َّنا هاهنا قاعدون)
النتٌجة أن جاءتهم العقوبة فً الدنٌا وتاهوا أربعٌن سنه فً صحراء سٌناء.
هللا ٌؤمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أت َّتخذنا هزوا قال أعوذ ب َّ
اهلل أن أكون من الجاهلٌن قال تعالى {وإذ قال موسى لقومه إنَّ َّ
( )64قالوا ادع لنا ربَّك ٌبٌِّن لنا ما هً قال إ َّنه ٌقول إ َّنها بقرة ال فارض وال بكر عوان بٌن ذلك فافعلوا ما تإمرون
( )68قالوا ادع لنا ربَّك ٌبٌِّن لنا ما لونها قال إ َّنه ٌقول إ َّنها بقرة صفراء فاقع لونها تسرُّ ال َّناظرٌن ( )63قالوا ادع لنا ربَّك
هللا لمهتدون ( )41قال إ َّنه ٌقول إ َّنها بقرة ال ذلول تثٌر األرض وال ٌبٌِّن لنا ما هً إنَّ البقر تشابه علٌنا وإ َّنا إن شاء َّ
تسقً الحرث مسلَّمة ال شٌة فٌها قالوا اآلن جبت بالح ِّق فذبحوها وما كادوا ٌفعلون ( )41وإذ قتلتم نفسا فا َّدارأتم فٌها و َّ
هللا
هللا الموتى وٌرٌكم آٌاته لعلَّكم تعقلون ( )43ث َّم قست مخرج ما كنتم تكتمون ( )42فقلنا اضربوه ببعضها كذلك ٌحً َّ
قلوبكم من بعد ذلك فهً كالحجارة أو أش ُّد قسوة وإنَّ من الحجارة لما ٌتفجَّ ر منه األنهار وإنَّ منها لما ٌ َّش َّقق فٌخرج منه
هللا وما َّ
هللا بؽافل عمَّا تعملون (} )44 الماء وإنَّ منها لما ٌهبط من خشٌة َّ
هللا هنا ٌذكر لنا قصة مهمة وفٌها الكثٌر من الدروس والعبر والفائدة لنا ،وفٌها فضح وكشف لنفسٌة بنً
إسرائٌل واالنحطاط الذي وصلوا إلٌه ،هذه القضٌة هً قضٌة بقرة بنً إسرائٌل
من المعلوم أنه حصلت جرٌمة قتل لشخص من بنً إسرابٌل ،فؤرادوا أن ٌجاملوا بعضهم البعض وٌؽطً بعضهم
على بعض حتى ال ٌنفضح الجانً منهم ،فؤمر هللا نبٌه موسى علٌه السالم أن ٌؤمرهم بذبح بقرة حتى ٌنكشؾ القاتل،
فكٌؾ تعامل بنً إسرابٌل مع هذا التوجٌه اإللهً؟! وكٌؾ كان تعاملهم أٌضا مع موسى علٌه السالم؟!
8
هللا تحدث عن هذه القصة بتفاصٌلها ألهمٌتها فٌقول (وإذ قال موسى لقومه إنَّ َّ
هللا ٌؤمركم أن تذبحوا بقرة) ٌعنً هذا
األمر وهذا التوجٌه جاء من جهة هللا سبحانه وتعالى (إنَّ َّ
هللا ٌؤمركم أن تذبحوا بقرة) وكان رد بنً إسرابٌل (قالوا
أت َّتخذنا هزوا)كان الشًء الصحٌح والمفترض منهم إذا كانوا مإمنٌن حقا ،وإذا كانوا صالحٌن أنه بمجرد أن ٌؤمرهم
هللا بؤن ٌذبحوا بقرة ،أن ٌقولوا مباشرة سمعنا وأطعنا وٌتجهوا بدون جدال إلى بقرة فٌذبحوها طاعة هلل ولكنهم قالوا
اهلل أن أكون من الجاهلٌن)ال ٌمكن أن أتخذكم (أت َّتخذنا هزوا) هكذا كان ردهم على نبٌهم فقال لهم موسى(قال أعوذ ب َّ
هللا ٌؤمركم) ومعناها :أٌتخذنا هللا هزوا!! ما كفاهم أنه قال (إنَّ َّ
هللا ٌؤمركم) الحظوا هزوا ،مع أنه هنا ٌقول لهم (إنَّ َّ
كٌؾ هذه واحدة من المظاهر السٌبة.
كذلك قالوا (قالوا ادع لنا ربَّك) هذه إساءة أخرى كٌؾ ردوا على نبٌهم بقلة أدب (ادع لنا ربَّك) وكؤن هللا تعالى هو
رب موسى فقط ولٌس ربهم ،وهذا من الجحود والكفر ،نالحظ كذلك أنهم ال ٌقدرون نبً هللا موسى حق تقدٌره
كرسول من عند هللا وهذا ٌعكس عدم تقدٌرهم ما ٌؤتً من توجٌهات هللا لهم.
( ادع لنا ربَّك ٌبٌِّن لنا ما هً) بدأ بنو إسرابٌل فً الفلسفة وتعقٌد األمور ألنهم لم ٌكن لدٌهم تسلٌم هلل عندها صعلب هللا
علٌهم األمور أكثر ،بالرؼم من أن نبً هللا موسى قال لهم اذبحوا بقرة من البداٌة ٌعنً أي بقرة ،ونتٌجة لفلسفة بنً
إسرابٌل بدأت المسؤلة تصعب وتتعقد عندما قال لهم موسى (قال إ َّنه ٌقول إ َّنها بقرة ال فارض وال بكر عوان بٌن ذلك)
(إنه ٌقول) ٌعنً هللا ٌقول ،ال ٌزال موسى ٌستخدم نفس األسلوب ألنه ٌعلم نفسٌات قومه وٌعلم أنه لو كان األمر منه
فلن ٌستجٌب له بنً إسرابٌل لقلة احترامهم وعدم تقدٌرهم له ولهذا وضح لهم أنه أمر من هللا (إنه ٌقول) ( ،إ َّنها بقرة
ال فارض وال بكر عوان بٌن ذلك) ال تكون كبٌرة فً العمر وال تكون صؽٌرة ،بل تكون ذات عمر متوسط (قالوا ادع
لنا ربَّك ٌبٌِّن لنا ما لونها) الزالوا مستمرٌن فً اإلساءة هلل ولرسوله بنفس األسلوب (ادع لنا ربَّك) والزالوا مستمرٌن
فً الجحود والفلسفة وزٌادة التعقٌد وٌعتقدون أنهم أذكٌاء فقالوا (ما لونها) عادة البقر ال تكون ذات ألوان بشكل كبٌر،
هً فً الؽالب تكون متقاربة اللون ،ولذلك نتٌجة لعدم مسارعتهم فً االستجابة لتوجٌه هللا ولزٌادة فلسفتهم على نبً
هللا موسى ،نجد أن هللا صعب علٌهم المسؤلة أكثر.
( قال إ َّنه ٌقول إ َّنها بقرة صفراء فاقع لونها تسرُّ ال َّناظرٌن) هل ٌوجد بقرة صفراء ذات لون أصفر؟ ومع ذلك ٌحدد هللا
سبحانه وتعالى نسبة اللون األصفر (صفراء فاقع لونها) ٌعنً أن اللون األصفر هو درجات متفاوتة ،صعلب هللا علٌهم
المسؤلة أكثر وأصبحت البقرة نادرة أكثر فؤكثر نتٌجة لفلسفتهم الزابدة ،ونتٌجة لعصٌانهم وتمردهم وخبثهم.
( قالوا ادع لنا ربَّك ٌبٌِّن لنا ما لونها) ...ما لونها! نحن نعٌش الحالة هذه ،ال نضحك على بنً إسرابٌل لوحدهم قضٌة
البقرة والروحٌة التً كانت عند بنً إسرابٌل ما تزال موجودة عندنا كعرب ومسلمٌن ،لنؤخذ دروس وعبر من هذه
القصة ،فعندما ٌؤمرنا هللا تعالً (أقٌموا الصالة -جاهدوا -أنفقوا-ال تتفرقوا -واعتصموا بحبل هللا جمٌعا – تؤمرون
بالمعروؾ وتنهون عن المنكر) ٌجب علٌنا المسارعة فً االستجابة لتوجٌهات هللا تعالى ونحذر أن نكون مثل بنً
إسرابٌل فنتفلسؾ ونجادل ونظهر أنفسنا أذكٌاء عندما نسمع توجٌهات هللا لنا وفً كل توجٌه نتساءل لماذا...
3
كٌؾ...وأٌن ...ووو كما قال بنً إسرابٌل (ما لونها – ماهً) ٌعقدوا األمور فتتعقد وتصعب علٌهم أكثر ،والمفترض
منا نحن المسلمٌن عندما نسمع توجٌهات هللا لنا فً القرآن أن نسارع فً تنفٌذها وبدون مجادلة ألنها توجٌهات إلهٌة
واضحة وبٌلنة ال لبس فٌها وال شك.
( قالوا ادع لنا ربَّك ٌبٌِّن لنا ما هً إنَّ البقر تشابه علٌنا وإ َّنا إن شاء َّ
هللا لمهتدون) أصبحوا هم بقر ،عندما ٌصبح
الناس بقرا تصبح األمور متشابهة علٌهم وؼامضة عندهم ولم ٌعد لدٌهم فهم (إنَّ البقر تشابه علٌنا) وصلوا إلى مرحلة
أصبحوا هم البقر ،كمن ٌقول الٌوم (ما عاد عرفنا الحق من الباطل) (وإ َّنا إن شاء َّ
هللا لمهتدون) ٌعنً نحن على
استعداد أن نلتزم ٌا موسى ولكن بٌلن لنا هذه المرة فقط وإن شاء هللا نجد هذه البقرة المطلوبة ونذبحها (قال إ َّنه ٌقول
إ َّنها بقرة ال ذلول تثٌر األرض وال تسقً الحرث مسلَّمة ال شٌة فٌها) بقرة ؼٌر مذللة للعمل ،بقرة لم تستخدم لجلب
الماء للزراعة وال استخدموها فً زراعة األرض (.مسلَّمة ال شٌة فٌها) مسلمة لٌس فٌها عٌوب ،ال شٌة فٌها ٌعنً ال
ٌوجد فٌها ألوان أخرى فهً على لون واحد ،هنا أصبحت البقرة نادرة أكثر ،وكلما زاد السإال كلما جاءت القضٌة
بشكل نادر أكثر ،وهذا مإشر خطٌر بالنسبة للناس ،إذا مثال موقؾ معٌن طلب منهم ولم ٌنطلقوا فٌه قد ٌبلون بموقؾ
أصعب منه وهكذا.
( قالوا اآلن جبت بالح ِّق) من شدة عنادهم وخبث نفسٌاتهم قالوا لنبً هللا موسى علٌه السالم :اآلن جبت بالحق وكؤن
توجٌه هللا لهم من البداٌة على لسان نبٌه لم ٌكن حق! توجٌه هللا كان حق من أول كلمة (إنَّ َّ
هللا ٌؤمركم أن تذبحوا بقرة)
ألم ٌكن هذا التوجٌه حقا كافٌا؟! لكن بنً إسرابٌل اعتبروا أنفسهم عباقرة وأذكٌاء كٌؾ أنهم استطاعوا أن ٌستخرجوا
من موسى تشخٌصا كامال للحق وأن موسى هو رأى وعرؾ الحق( .فذبحوها) بعدما بحثوا كثٌرا عن هذه البقرة
المطلوبة فوجدوها بعد عناء وجهد جهٌد وبثمن باهض جدا بعد هذا ذبحوها فً األخٌر (وما كادوا ٌفعلون) ذبحوها
رؼما عنهم.
( وإذ قتلتم نفسا فا َّدارأتم فٌها ) كل شخص فً بنً إسرابٌل أراد أن ٌؽطً هذه الجرٌمة ،لكن هللا تعالى قال (و َّ
هللا
مخرج ما كنتم تكتمون) مخرج :اسم فاعل ،أي أن هللا تعالى تكفل بإخراج ما ٌكتمه بنً إسرابٌل عندما حاولوا كتم
الحقٌقة فتكفل هللا بإخراجها رؼما عنهم ،وهذه سنة إلهٌة أن هللا تكفل بفضح الٌهود والنصارى وفضح جرابمهم ولهذا
لم ٌخؾ التارٌخ جرابمهم أبدا ،مثل ما حصل فً الحادي عشر من سبتمبر من العام 2111م عندما دبر الٌهود حادثة
تفجٌر البرجٌن فً نٌوٌورك بؤمرٌكا لٌتهموا بها اإلسالم والمسلمٌن ،من أجل أن ٌوجدوا لهم ذرٌعة ومبرر لدخول
واحتالل البلدان العربٌة واإلسالمٌة تحت مبرر مكافحة اإلرهاب ،وص لدق الكثٌر من الناس أن الذي قام بهذا التفجٌر
هو اسامه بن الدن والقاعدة كما صرحت بهذا قنوات اإلعالم األمرٌكٌة واإلسرابٌلٌة ،وفً الحقٌقة لم ٌكن أسامة
وتنظٌم القاعدة سوى عمالء للٌهود .وبعد مرور سنوات فضحهم هللا تعالى وأخرج ما كانوا ٌكتمونه حٌث جاء فرٌق
من الخبراء األوربٌون وأثبتوا باألدلة القاطعة أن الذي فجر البرجٌن لٌس أسامة وال تنظٌم القاعدة بل االستخبارات
11
اإلسرابٌلٌة ،ومن أكبر األدلة أنه فً ذلك الٌوم الذي حدث فٌه التفجٌر كان حوالً أربعة آالؾ ٌهودي ٌعملون فً
البرج ؼٌر متواجدٌن فً البرجٌن ،والسبب هو معرفتهم بما سٌحدث من تفجٌر للبرجٌن.
( فقلنا اضربوه ببعضها كذلك ٌحً َّ
هللا الموتى) أخذوا جزء من هذه البقرة فضربوا بها الشخص المقتول ،وبقدرة هللا
تعالى قام هذا المقتول حٌا وأخبر بمن قتله ،فكانت هذه آٌة عظٌمة تخشع لها القلوب ،لكن بنً إسرابٌل لم ٌتؤثروا بها
بل قست قلوبهم (ث َّم قست قلوبكم من بعد ذلك) وهذه صفة نفسٌة من صفات بنً إسرابٌل اتصافهم بقسوة القلوب،
وقسوة القلوب تتجسد فً أخالقهم وجرابمهم البشعة ،وصل بنً إسرابٌل إلى هذه الدرجة من قسوة القلوب التً هً
أقسى من الحجارة نتٌجة عدم االستجابة لتوجٌهات هللا.
ٖ .عدم تقدٌر لنعمة هللا علٌهم باألنبٌاء ومإآذاتهم واإلساءة إلٌهم
قال تعالى {قالوا أوذٌنا من قبل أن تؤتٌنا ومن بعد ما جبتنا قال عسى ربُّكم أن ٌهلك عد َّوكم وٌستخلفكم فً األرض فٌنظر
األعراؾ123 كٌؾ تعملون}
تحدث هللا عن بنً إسرابٌل أنهم لم ٌقدروا نعمة هللا علٌهم بالهداٌة وارسال الرسل ،بل آذوا األنبٌاء وأساءوا إلٌهم ،مثلما
أخبرنا هللا عن بنً إسرابٌل كٌؾ تعاملوا مع موسى (ادع لنا ربك) (أتتخذنا هزوا) (اذهب أنت وربك) هكذا تعاملوا مع
موسى بقلة أدب ،وحكى هللا حدٌثهم مع موسى عندما قالوا له ( قالوا أوذٌنا من قبل أن تؤتٌنا ومن بعد ما جبتنا) بمعنى
ماذا فعلت لنا ٌا موسى ،فقد أوذٌنا من قبل أن تؤتٌنا ومن بعد أن جبتنا بقٌنا فً نفس الشقاء والمعاناة ولم ٌتؽٌر حالنا ولم
تتؽٌر وضعٌتنا ،ونسوا أن هللا أنقذهم من فرعون الذي كان ٌذبح أبنابهم أمام أعٌنهم ووكٌؾ كان فرعون وجنوده
ٌؤخذون نسابهم ؼصبا عنهم لٌعملن فً الخدمة فً قصور فرعون ،نسوا أنهم كانوا مستضعفٌن وبال قٌمة عند فرعون
الذي ٌسومهم سوء العذاب وكانوا ٌعٌشون حٌاة الذل واإلهانة إلى أن جاءهم موسى علٌه السالم ،أرسله هللا إلٌهم
مخلصا ومنقذا لهم من ظلم فرعون ،فنقلهم من حٌاة الذل واالستعباد إلى حٌاة العز والكرامة ،ولهذا من العجٌب أن توجد
نفسٌات كهذه التً ٌحملها بنً إسرابٌل نفسٌات ال تقدر هذه النعم العظٌمة التً منل هللا بها علٌهم ،هً نفسٌات مرٌضة
ومنحطة ولألسؾ الٌوم هناك أناس ٌحملون نفس هذه النفسٌة المنحطة والمرٌضة ،فتجد بعضهم ٌقولون ماذا فعل لنا
هإالء المجاهدٌن؟ فنحن ما نزال نعٌش فً نفس الوضعٌة االقتصادٌة السٌبة السابقة!؟ نسوا بؤنهم الٌوم ٌعٌشون فً هذه
المناطق المحررة فً حرٌة وعزة وكرامة لم ٌعٌشوا مثلها من قبل منذ سنوات ،ال ٌقدرون هذه النعمة العظٌمة ،ألنهم
ٌعتبرون النعم المادٌة هً أفضل وأعظم من نعمة الحرٌة والعزة والكرامة واالستقالل من هٌمنة الطؽاة والمستكبرٌن،
فما قٌمة النعم المادٌة إذا خسرنا نعمة الهداٌة ونعمة الحرٌة والعزة والكرامة.
11
ٗ .تؤثرهم بالضالٌن وعدم تؤثرهم بالمرسلٌن
قصة السامري
قال تعالى { وإ ِّنً لؽ َّفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ث َّم اهتدى ( )82وما أعجلك عن قومك ٌا موسى ( )83قال هم
أوالء على أثري وعجلت إلٌك ربِّ لترضى ( )84قال فإ َّنا قد فت َّنا قومك من بعدك وأضلَّهم السَّامريُّ ( )85فرجع موسى
إلى قومه ؼضبان أسفا قال ٌا قوم ألم ٌعدكم ربُّكم وعدا حسنا أفطال علٌكم العهد أم أردتم أن ٌح َّل علٌكم ؼضب من ربِّكم
فؤخلفتم موعدي ( )86قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولك َّنا حمِّلنا أوزارا من زٌنة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السَّامريُّ
( )84فؤخرج لهم عجال جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسً ( )88أفال ٌرون أ َّال ٌرجع إلٌهم قوال وال ٌملك
لهم ضرل ا وال نفعا ( )83ولقد قال لهم هارون من قبل ٌا قوم إ َّنما فتنتم به وإنَّ ربَّكم الرَّ حمن فا َّتبعونً وأطٌعوا أمري}
( )31سورة طه
مشكلة بنً إسرابٌل ونتٌجة النحطاط نفسٌاتهم لم ٌتؤثروا بنبً هللا موسى علٌه السالم ،بل تؤثروا بالضالٌن والمنحرفٌن
مثل السامري الذي عرؾ نقطة ضعؾ بنً إسرابٌل وهً رؼبتهم فً عبادة إله مربً ماثل أمامهم ،عندها أشبع السامري
لهم هذه الرؼبة فصنع لهم عجال ٌعبدوه ،ألنهم كانوا قد تعودوا من فرعون على حٌاة االستعباد والذل والقهر ،وهذا ما
جعل نفوسهم منحطة ودنٌبة تعشق الباطل وتتؤثر بالضالٌن.
12
من ٌؤتً الحتالل أرضك ٌجب أن تتوجه لقتاله فً سبٌل هللا وأن تتوجه فً سبٌل هللا ،أن ترفع بمقصدك إلى
هللا وتتوجه إلى هللا لٌرفعك ،ال أن تنزل تحت وتقول (من أجل الوطن – من أجل تربة الوطن) هذه النكسة
خطٌرة ،انتكس العرب عندما نكسوا نواٌاهم لؤلسفل.
بنً إسرابٌل الذٌن انطلقوا ٌقاتلون فً سبٌل هللا (ألم تر إلى المإل من بنً إسرابٌل من بعد موسى إذ قالوا لنبًٍّ لهم
هللا) هذه القضٌة معروفة عند بنً إسرابٌل ،عندهم معرفة بالسنن اإللهٌة، ابعث لنا ملكا) أي قابدا (نقاتل فً سبٌل َّ
بنو إسرابٌل فاهمون بؤنه ٌجب أن ٌتوجهوا لٌقاتلوا فً سبٌل هللا ،مع أن الدافع لدٌهم هو أنهم أخرجوا من دٌارهم
وأبنابهم ،ألٌس دفاعا عن وطن؟! لكن لو قالوا نقاتل من أجل الوطن ،لن ٌرد النبً علٌهم ،ولن ٌحصل لهم شًء،
معنى هذا أنها قضٌة مإكدة لدٌهم أنه فً الوقت الذي ٌشعرون بؤنهم مضطهدون ومقهورٌن من جانب عدو أخرجهم
من د ٌارهم وأبنابهم ،علٌهم أن ٌنطلقوا فً سبٌل هللا (الحظوا كٌؾ الٌهود خبثاء وسعوا إللؽاء كلمة فً سبٌل هللا من
واقع المسلمٌن لٌضعوا بدال عنها من أجل الوطن – من أجل تربة الوطن) ...صدروها لنا من أجل ننكس رإوسنا.
ألٌس العرب فً األخٌر انتهوا إلى أن دسوا رإوسهم فً التراب ألنهم ٌقولون (وطنٌة -من أجل الوطن -وتربة
الوطن) إلى أن دسوا رإوسهم فً التربةٌ ،ؤتً العدو ٌدوسهم وقد دسوا رإوسهم ،لو رفع الناس رإوسهم إلى هللا،
تحمى أوطانهم وتصان فعال ،فالٌهود ٌخافون ممن ٌسٌرون فً سبٌل هللا بصدق وعلى توجه كتاب هللا
(قال هل عسٌتم إن كتب علٌكم القتال أ َّال تقاتلوا قالوا وما لنا أ َّال نقاتل فً سبٌل َّ
هللا وقد أخرجنا من دٌارنا وأبنابنا)
تكررت جملة (سبٌل هللا) ٌوضح لنا أهمٌة أن ٌتوجه الناس فً (سبٌل هللا) .بالرؼم أن بنو إسرابٌل قد ذكروا الدافع
إلى أن ٌقاتلوا أنهم ٌرٌدون أن تتحرر أوطانهم ،وأن ٌنتقموا من عدوهم ،وألنهم ٌفهمون جمٌعا هذه القضٌة توجهوا
جمٌعا (المأل) وجهاإهم وكبارهم ،توجهوا إلى نبٌهم وطلبوا أن ٌبعث لهم ملكا ،هم ٌركزون جدا فً مسؤلة القٌادة
ٌعلمون أنه البد من قٌادة مختارة بطرٌقة إلهٌة ولٌس تحت أي قٌادة.
( وقال لهم نبٌُّهم إنَّ َّ
هللا قد بعث لكم طالوت ملكا) اختار هللا لهم قابدا (طالوت) ولم ٌكن المأل متوقعٌن أن ٌكون
طالوت هو القابد المختار لهم ،هإالء المأل (الوجهاء وكبار الناس) كانوا منتظرٌن أن ٌبعث هللا لهم ملكا(قابدا) منهم،
أي من كبار القوم من الوجهاء واألؼنٌاء ،ال أن ٌكون من طبقة الفقراء .لكن هللا تعالى هو أعلم بمن ٌصلح للقٌادة،
فاختار طالوت لٌكون القابد لهم ،وهنا اعترض (المأل) الوجهاء وكبار الناس من بنً إسرابٌل على اختٌار هللا
(لطالوت) وقالوا (قالوا أ َّنى ٌكون له الملك علٌنا ونحن أح ُّق بالملك منه ولم ٌإت سعة من المال) لٌس لدٌه أموال
هللا اصطفاه علٌكم وزاده بسطة فً العلم والجسم) اصطفاه علٌكم أي اصطفاء علٌكم كثٌرة ،فقال لهم نبٌهم (قال إنَّ َّ
لكم ،من أجلكم ،فً تؤهٌلٌه لقٌادتهم ،من أجلهم هم ولمصلحتهم هم ،وحتى تكون العملٌة ناجحة وٌنتصرون فً
األخٌر.
هللا ٌإتً ملكه من ٌشاء و َّ
هللا واسع علٌم) فؤن ٌرفض المأل طالوت ألنه فقٌر ،فموضوع المال لٌس مقٌاسا ،ألن ( و َّ
كثٌر من أصحاب رإوس األموال ٌجعله ماله ٌخاؾ فٌتراجع حتى ال تتؤثر مصالحه ،فهل هذه النوعٌة ستقود أمة؟!
13
( وقال لهم نبٌُّهم إنَّ آٌة ملكه أن ٌؤتٌكم ال َّتابوت فٌه سكٌنة من ربِّكم) فٌكون فً هذا القابد الذي اختاره هللا لهم طمؤنٌنة
ألنفسهم ،ونتٌجة القتال فً سبٌل هللا وتحت القٌادة المختارة من هللا سٌنعم الناس بالسكٌنة ،كما هو حال الشعب الٌمنً
الٌوم الذي ٌنعم بالسكٌنة رؼم هذا العدوان الؽاشم والحصار الجابر.
( فلمَّا فصل طالوت بالجنود ) تحرك طالوت هذا القابد الذي اصطفاه هللا مع الجنود الذٌن تبقوا معه بعد أن خرج
عنه كثٌر من المال الذٌن اعترضوا على اختٌار هللا له ،تحركوا باتجاه مٌدان المعركة لمواجهة العدو.
( قال إنَّ َّ
هللا مبتلٌكم بنهر فمن شرب منه فلٌس م ِّنً ومن لم ٌطعمه فإ َّنه م ِّنً إ َّال من اؼترؾ ؼرفة بٌده فشربوا منه
إ َّال قلٌال منهم) طالوت قابد ٌعرؾ مجتمعه ،وٌعرؾ أن مواجهة العدو تتطلب أناس ثابتٌن ،وأنه عندما ٌكون هنالك
أكثرٌة ضعٌفة اإلٌمان فإنهم قد سٌنهزمون ،فٌشكلون هزٌمة منكرة فتكون العاقبة سٌبة أسوأ مما هم علٌه ،فكان هذا
النهر هو اختٌار إلهً ٌكشؾ مدى إٌمان الذٌن مع طالوت ،عندما سقط أكثرٌة من كان مع طالوت فً هذا االختبار
اإللهً فشربوا من النهر فانفصلوا عن جٌش طالوت إال الفبة القلٌلة المإمنة (قٌل لم ٌتبق معه سوى ثالثمابة رجل)
التً ستواجه جٌش تعداده باآلالؾ وٌقوده الملك جالوت بنفسه فعندما ٌخرج الملك ٌعنً ٌخرج بكامل ما لدٌه من
عدة وعتاد وجنود.
( فلمَّا جاوزه هو والَّذٌن آمنوا معه قالوا ال طاقة لنا الٌوم بجالوت وجنوده) ألن القضٌة أصبحت كبٌرة أمامهم،
والمإمنون عادة ٌتفاوتون فً درجة اإلٌمان.
هللا) أي مستشعرٌن لقاء هللا وٌعرفون أهمٌة العمل وأنهم فً سبٌل هللا( ،كم من فبة ( قال الَّذٌن ٌظ ُّنون أ َّنهم مالقو َّ
هللا و َّ
هللا مع الصَّابرٌن) فال تقاس المسؤلة باألرقام. قلٌلة ؼلبت فبة كثٌرة بإذن َّ
( ولمَّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربَّنا أفرغ علٌنا صبرا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرٌن) انقطاع إلى
هللا بمشاعرهم ،بنفسٌاتهم ،وثقة بؤن هللا مع الصابرٌن ،وهذا ٌمثل وعٌا إٌمانٌا ،فكانت نتٌجة هذا اإلٌمان العظٌم
واالعتماد على هللا والثقة به (فهزموهم بإذن ل
هللا) هزموا جالوت وجنوده بإذن هللا (وقتل داوود جالوت) كان داوود
أحد الجنود فً ظل قٌادة طالوت .ألٌس هذا ٌعتبر خزٌا بالنسبة للعدو الذي ٌقدر باآلالؾ ٌنهزم أمام فبة قلٌلة جدا
تقدر بالمبات؟!
ألٌس هذا النصر ٌعتبر مثالً أعلى فً أهمٌة أن ٌكون الناس متوجهٌن فً سبٌل هللا وتحت قٌادة ٌختارها هللا،
ص ْب ًرا َو َث ِّب ْت أَ ْقدَا َم َنا
وأن مواطن الدعاء تكون فً مواطن المواجهة فً المٌدان العملً ( َر َّب َنا أَ ْف ِر ْغ َعلَ ٌْ َنا َ
ص ْر َنا َعلَى ا ْل َق ْو ِم ا ْل َكاف ِِرٌنَ ).
َوا ْن ُ
14
تعاملهم مع كتب هللا المقدسة
الكتب المقدسة هً التوراة واإلنجٌل والقرآن الكرٌم ،جعلها هللا مقدسة لنقدس توجٌهات هللا ،لنطٌع هللا ونلتزم بما جاء
فً هذه الكتب المقدسة ،لكن بنً إسرابٌل أساءوا التعامل مع هذه الكتب المقدسة ،ومن ضمن إساءتهم لها:
أفتطمعون أن ٌإمنوا لكم هإالء الذٌن ترونهم كٌؾ كانوا ٌتعاملون مع هللا ومع آٌاته ومع نعمه التً أنعم بها علٌهم،
كٌؾ أصبحوا فً واقعهم ،وكٌؾ أصبحت تصرفاتهم؟ وكٌؾ انتهوا إلى هذه النتٌجة السٌبة أن ٌحرفوا كالم هللا وهم
ٌعرفون أنه كالم هللا على لسان موسى أو على لسان أي نبً من أنبٌاء هللا (ث َّم ٌحرِّ فونه من بعد ما عقلوه) وفهموه أنه
من عند هللا وفهموا معناه ،ومع هذا ٌحرفونه عندما ٌقدموه لِئخرٌن (وهم ٌعلمون) ألٌست هذه جرأة شدٌدة جدا؟!
فهل تطمعون أنهم ٌمكن أن ٌإمنوا لكم وٌقبلوا منكم! وٌستجٌبوا لكم؟ هإالء ال ٌوجد فٌهم مطمع فال تثقوا بهم ،ومن
ٌثق بهم فهو ؼبً ،ألن بنً إسرابٌل ٌعرفون بؤنهم مكارون ومضللون ولدٌهم جرأة على درجة عالٌة أن ٌحرفوا
كالم هللا وبالتالً هم سٌحرفون أي شًء تقدمه إلٌهم ،فلٌس هناك أمل فً إٌمانهم لقد طبع هللا على قلوبهم بما
اقترفوه ،فإذا كنا مدركٌن أن هإالء لٌس هناك طمع أن ٌإمنوا أن بنً إسرابٌل ال أمل فٌهم ،فكٌؾ ٌؤتً البعض
لٌبحث عن سالم مع بنً إسرابٌل؟ هل ٌرجون منهم أن ٌلتزموا باتفاقٌات معٌنه معهم؟ كٌؾ وهم اجترأوا على هللا
سبحانه وتعالى إن القرآن ٌقطع بعكس ذلك.
هللا لٌشتروا به ثمنا قلٌال فوٌل لهم ممَّا كتبتقال تعالى (فوٌل للَّذٌن ٌكتبون الكتاب بؤٌدٌهم ث َّم ٌقولون هذا من عند َّ
هللا عهدا فلن ٌخلؾ َّ
هللا عهده أم أٌدٌهم ووٌل لهم ممَّا ٌكسبون * وقالوا لن تمسَّنا ال َّنار إ َّال أٌَّاما معدودة قل أ َّتخذتم عند َّ
تقولون على َّ
هللا ما ال تعلمون * بلى من كسب سٌِّبة وأحاطت به خطٌبته فؤولبك أصحاب ال َّنار هم فٌها خالدون *
[سورة البقرة ]82 - 43 والَّذٌن آمنوا وعملوا الصَّالحات أولبك أصحاب الج َّنة هم فٌها خالدون)
عمد بنوا إسرابٌل على إدخال ثقافات مؽلوطة ونسبوها إلى كتب هللا ومن هذه الثقافات المؽلوطة ثقافة الخروج من
النار (وقالوا لن تمسَّنا ال َّنار إ َّال أٌَّاما معدودة) ألنهم ٌعرفون أنهم ٌرتكبون معصٌة كبٌرة عندما ٌحرفون كالم هللا من
بعدما عقلوه وهم ٌعلمون ،ألن قضٌة الخلود فً جهنم قضٌة لٌست سهلة ،وهً قضٌة مرعبة ،ولذلك نجد أن بنً
15
إسرابٌل قدموا هذه الثقافة المؽلوطة (ثقافة الخروج من النار) حتى ٌإل منوا أنفسهم قلٌال قلٌال ،فهذه العقابد الضالة
ٌكون منشإها حاالت نفسٌة عند أصحابها.
إذا ثقافة الخروج من النار هً عقٌدة ٌهودٌة دخلت إلى تراثنا اإلسالمً ،وهللا سبحانه وتعالى قد فضح هذه الثقافة
هللا عهده ۖ أم تقولون على َّ
هللا ما ال تعلمون) وأن الثقافة هللا عهدا فلن ٌخلؾ َّ
والعقٌدة الباطلة بقوله (قل أ َّتخذتم عند َّ
والعقٌدة الصحٌحة فً مسؤلة الخلود فً جهنم (بلى من كسب سٌِّبة وأحاطت به خطٌبته فؤولبك أصحاب ال َّنار ۖ هم
فٌها خالدون) .ولهذا نجد أن لبس الحق بالباطل وتحرٌؾ كتب هللا متعدد األنواع ٌكتبون الكتاب بؤٌدٌهم وٌقولون هو
من عند هللا وما هو من عند هللا ،وهنا ٌلوون ألسنتهم عندما تسمعهم ٌقرإون التً ٌسمونها( :إصحاحا) من اإلنجٌل
ٌقرأها وٌلحنها وهً بٌنها طامات كبٌرة من عندهم وهو ٌلحنها مع باقً من بواقً اإلنجٌل (لتحسبوه من الكتاب)
ٌقدمها على نمط تقدٌمه شًء من الكتاب (وإنَّ منهم لفرٌقا ٌلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من
الكتاب).
الحظ كم تكررت هذه عنهم :وهم ٌعلمون ،وهم ٌعلمون ،وهم ٌعلمون! أي :أن تعرؾ أن هذه نوعٌة ٌجب أن
تكون حذرا جدا فً التعامل معها ٌجب أن تكون حرٌصا على أن تواجهها فعال ولٌس تحاول أنك تتؤقلم معها
وتحاول تمهد قابلٌة لها فً أوساط األمة .وردت كثٌرا كلمة وهم ٌعلمون (وقد كان فرٌق منهم ٌسمعون كالم َّ
هللا
ث َّم ٌحرِّفونه من بعد ما عقلوه وهم ٌعلمون) (ٌا أهل الكتاب لم تكفرون بآٌات َّ
هللا وأنتم تشهدون) (ٌا أهل الكتاب لم
هللا وما هو من عند َّ
هللا) تلبسون الح َّق بالباطل وتكتمون الح َّق وأنتم تعلمون) ألٌست هكذا (وٌقولون هو من عند َّ
ٌقولون هو من عند هللا وما هو ما عند هللاٌ :عنً ٌكذبون فً مسابل ٌقدموها لٌستحلوا بها أموال اآلخرٌن ٌكذبون
فٌها وهم ٌعلمونٌ ،نسبونها إلى هللا وإلى دٌنه وهم ٌعلمون بؤنها كذب وٌحرفون كتبه بؤلسنتهم وبدعاوي أثناء
حدٌثه بها ٌقدمها على نمط تقدٌمه ألشٌاء هً من كتب هللا لٌخدعك لتحسب أنها فً الكتاب وما هً منه وأٌضا
ٌدعً أنها من عند هللا ولٌست من عند هللا (وٌقولون على َّ
هللا الكذب وهم ٌعلمون) إذا فهل ٌمكن أن تكون هذه فبة
تطمبن إلٌها بمعاهدات بٌنك وبٌنها بمواثٌق بٌنك وبٌنها؟ ال ٌمكن أبدا.
مثل علماء السوء الذٌن ٌفتون كما ترٌد السلطة فٌحللوا الحرام وٌحرموا الحالل كعلماء ال سعود
14
عندما ٌكون اإلنسان كما حكى هللا عن بنً إسرابٌل (ٌشترون بآٌات هللا ثمنا قلٌال) (ٌشترون بعهد هللا ثمنا قلٌال) وآٌات
هللا فً هداه ،وعهد هللا هو هداه فٌما عهد به إلٌهم ،فؤن تستبدل بهدى هللا لدٌنا من الدنٌا ،أن تستبدل بهدى هللا شٌبا من
المكانة المعنوٌة :شهادة جامعٌة ،شهادة ثانوٌة ،شهادة تقدٌر ،وظٌفة فً أي مكان كنت ..مقابل أن تدخل فً باطل ،كلها
تعتبر قلٌال؛ ولهذا جاء فً القرآن الكرٌم وهو ٌتحدث عن بنً إسرابٌل (ٌشترون بعهد هللا وأٌمانهم) ٌقول دابما قلٌال قلٌال
كلما تحدث عما جعلوه بدٌال عن الدٌن من الدنٌا ٌقول عنه :ثمنا قلٌال والدنٌا بكلها هً ثمن قلٌل ،أن تستبدل بها تجعلها
بدال عن دٌنك ،تجعلها بدال عن الهدى الذي متعك هللا به ومنحك إٌاه.
فاإلنسان فٌما إذا تمتع بالهدى هو أٌضا بحاجة إلى أن ٌكون حرٌصا على ذلك الهدى؛ ألنه فٌما إذا وقع الضالل سٌكون
ممن ٌقع فً الضالل بعد المعرفة فً الضالل بعد العلم ،فً الضالل بعد الهدى ،وهذا من أسوأ أنواع الضالل ،وأشد
أنواع الضالل ،وأشد الضالل عاقبة على صاحبه :أن ٌضل بعد هدى ،سواء أن ٌستبدل ثقافة أخرى ،عقابد أخرى منهجا
أخر ،أو ٌستبدل بهداه شٌبا من الدنٌا ،والدنٌا بكلها مادٌاتها ومعنوٌاتها تعتبر ثمنا قلٌال لدٌنك ،ألنها ثمن فً الواقع لنفسك،
وهل ترضى لنفسك أن تكون الدنٌا كلها لنفسك؟ وتكون عاقبتك جهنم.
من الذي ٌرضى؟ ألٌس المجرم كما حكى هللا عنه -سٌتمنى ٌوم القٌامة لو أن الدنٌا كلها وهً ذهب له الفتدى بها ٌوم
القٌامة؟ فاإلنسان ٌتمنى لو ٌمتلك أي شًء من الدنٌا كلها بل أقاربه أٌضا فٌجعلهم فداء لنفسه وال ٌدخل جهنم؟ (إنه لٌس
ألنفسكم ثمنا إال الجنة) .فمن ٌستبدل بالهدى شٌبا من الدنٌا فإنه باع نفسه فؤوبق نفسه ،أوبق نفسه – أهلكها -والكثٌر
ال كثٌر ٌبٌعون أنفسهم! ومن هو ذلك الذي باع دٌنه بالدنٌا كلها هل أحد عمل هذه؟ البعض ٌبٌع دٌنه وٌبٌع هداه بؤقل القلٌل
بالشًء البسٌط (كما هو حال مرتزقة العدوان األمرٌكً السعودي) وهذا مما ٌكشؾ ولألسؾ الكبٌر -أنه لٌس للهدى..
لٌس لإلٌمان ..لٌس للدٌن أهمٌة عند الكثٌر منهم إذا ما كان مستعدا أن ٌبٌعه بؤتفه األشٌاء.
إنك من ٌجب أن تحرص على الهدى ،وأال تستبدل به غٌره حتى ولوكان ذلك الشًء هو الدنٌا بكلها.
(أفتإمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من ٌفعل ذلك منكم إ َّال خزي فً الحٌاة ال ُّدنٌا وٌوم القٌامة
[سورة البقرة ]85 ٌر ُّدون إلى أش ِّد العذاب ما َّ
هللا بؽافل عمَّا تعملون)
هللا ذكر عن بنً إسرابٌل هكذا أنهم كانوا على ما نحن علٌهٌ :إمنون ببعض الكتاب وٌكفرون ببعض ،والتوراة بٌن
أظهرهم ،والتوراة ٌقرإونها وٌطبعونها وٌكتبونها ،هل الٌهودي كفر بشًء من التوراة بؤنه لٌس من التوراة؟ التوراة
كلها هم مإمنون بؤنها كتاب هللا ،التوراة عندهم شؤنها كالقرآن عندنا .عندما ٌقول هللا عنهم بؤنهم ٌإمنون ببعض
وٌكفرون ببعض ال ٌعنً بؤنهم هذا االصحاح أو هذا المقطع ٌكفرون بها أي ٌلؽونها ولٌست من كتاب هللا وٌنكرونها؛
لٌس هكذا إنما ألنهم ٌتركون العمل به وٌرفضون العمل وااللتزام بؤشٌاء فً التوراة ،األمر الذي نحن علٌه ،نترك
18
العمل بل نرفض .واقع الرفض لٌس فقط واقع من ٌجهل ثم إذا ما علم التزم وعمل ،بل واقع الرفض الذي ال ٌرٌد أن
ٌعمل ..هذا هو الكفر ،هذا هو الكفر كما قال هللا تعالى {و َّهلل على ال َّناس ح ُّج البٌت من استطاع إلٌه سبٌال ومن كفر فإنَّ
َّ
هللا ؼنًل عن العالمٌن} (آل عمران :من اآلٌة )34أي من رفض وهو مستطٌع فلم ٌحج ورفض لم ٌهتم بالموضوع ،لٌس
مستعدا أن ٌحج كفر.
وكذلك نحن الٌوم
أولٌس واقع األمة هو واقع مخزي؟ من أٌن جاء هذا الخزي؟ هكذا؛ ألنه حصل إٌمان ببعض الكتاب وكفر ببعض
الكتاب ،والبعض الذي كفروا به أو أصبحت األمة فً واقعها كافرة به هو الجزء المهم واألكثر أهمٌة..
ألٌست المساجد قد ملبت الدنٌا؟ مساجد والمصلون ٌملبونها أفواجا ،حتى المرابون ٌصلون أٌضا؟ نحن نصلً ونبنً
مساجد ونحن نطبع القرآن الكرٌم ،ونعمل أعماال أخرى لكن هناك أعماال نتركها هً المهمة وهً المهمة التً ال تقبل
الصالة إال بها وال تعطً الصالة ثمرتها إال معها وبالتوجه إلى أدابها .فالخزي الذي األمة فٌه ٌعنً ذلك أنه كان بسبب
كفرهم ببعض الكتاب الذي تمثل بصورة رفض ألشٌاء مهمة جاءت فً هذا الكتاب لم نتجه إلٌها.
إذا فلٌس الخزي هو من الطبٌعة التً جبلت علٌها الدنٌا من ٌوم خلقها هللا ،وإنما بسبب ما ٌحصل من جانبنا نحن من
تقصٌر فً أداء جوانب مهمة من هدي هللا ،ورفضنا فً عملنا وفً واقعنا للعمل بؤشٌاء كثٌرة مما تضمنتها آٌات هللا فً
كتابه.
فإذا ما قٌمنا وضعٌتنا فوجدنا أن وضعٌة األمة هً فً حالة خزي ..من الذي ٌستطٌع أن ٌقول إن األمة لٌست فً حالة
خزي؟ اسمع التلفزٌون سترى كٌؾ مواقؾ الخزي ،كٌؾ الكلمات المخزٌة تنطلق من الكبار ،وكٌؾ الوقوؾ المخزي
ٌحصل ممن ٌجب علٌهم أن ٌتحركوا فً أوساط األمة؛ إلنقاذها ،ولتبٌٌن كتاب هللا لها انظر كٌؾ هً المواقؾ المخزٌة
لألمة بشكل عام أمام التهدٌدات التً تؤتً من قبل أعدابها ،انظر كٌؾ السكوت المخزي أمام ما ٌحدث من ضربات فً
كل جوانبها ،وداخل كل بقعة ،انظر كٌؾ الحٌاة المخزٌة أن ٌصبح عٌشنا تحت رحمة أعدابنا ،وقوتنا من تحت أٌدي
أعدابنا ..ألٌس هذا خزٌا؟
إذا فهمنا أننا فً حالة خزي ،وفهمنا أن الخزي إنما ٌؤتً إذا ما انطلقنا نحن على هذا النحو :نإمن ببعض
الكتاب ونكفر ببعض ،حٌنها سٌكون فهمنا لواقعنا وفهمنا بؤن هذه نتٌجة لتقصٌرنا سٌدفعنا ذلك إلى أن نصحح
وضعٌتنا ونرجع إلى هللا رجوعا عملٌا صحٌحا.
13
من أسباب لعنهم كذلك
قال تعالى (لعن الَّذٌن كفروا من بنً إسرابٌل على لسان داوود وعٌسى ابن مرٌم ذلك بما عصوا َّوكانوا ٌعتدون ()48
كانوا ال ٌتناهون عن مُّنكر فعلوه لببس ما كانوا ٌفعلون ( )43ترى كثٌرا مِّنهم ٌتولَّون الَّذٌن كفروا لببس ما ق َّدمت لهم
هللا علٌهم وفً العذاب هم خالدون ( )81ولو كانوا ٌإمنون ب َّ
اهلل وال َّنبًِّ وما أنزل إلٌه ما ا َّتخذوهم أولٌاء أنفسهم أن سخط َّ
(المابدة)81: ولكنَّ كثٌرا مِّنهم فاسقون)
ألم ٌسخط علٌهم فً الدنٌا؟ ألم ٌلعنهم فً الدنٌا؟ اللعنة فً الدنٌا ماذا تعنً؟ طردا من رحمة هللا ،ورحمة هللا عندما تؤتً
لتتلمس الكثٌر الكثٌر من مظاهرها تجد كم هً خسارة كبٌرة جدا علٌك أو على أمة من األمم أن ٌلعنها هللا ،طرد من
رحمة هللا ،لم ٌعد ٌحظى برحمة من قبل هللا ،تطرد من عالم التوفٌق واأللطاؾ ،من عالم العناٌة والرعاٌة اإللهٌة؛ فتصبح
فرٌسة للشٌطان ،فرٌسة للمضلٌن ،تصبح إنسانا شرٌرا تنطلق كما انطلق الشٌطان.
هللا سبحانه وتعالى لعن الذٌن كفروا من بنً إسرابٌل على لسان أنبٌابه ،على لسان داوود وعٌسى ابن مرٌم بسبب
انحرافهم وعصٌانهم لتوجٌهات هللا وعداوتهم ألنبٌاء هللا وتحرٌؾ الكتب التً أنزلها هللا علٌهم.
وجمٌع بنً إسرابٌل الٌوم ٌعتبروا كافرٌن ،ألنهم لم ٌإمنوا بالقرآن الكرٌم ولم ٌإمنوا برسول هللا محمد صلوات هللا علٌه
وعلى آله ،وهناك أسباب أخرى أدت إلى لعنهم كما ذكرها هللا فً اآلٌة السابقة ومنها:
لٌحذر اإلنسان من ارتكاب المعاصً (األخالقٌة والدٌنٌة) حتى ال تكون سببا فً أن ٌلعنه هللا وطرده من رحمته.
بنً إسرابٌل كانوا ٌبادرون باالعتداء ،فقد اعتدوا على أنبٌاء هللا وعلى من آمنوا واتبعوا األنبٌاء ،والٌوم العدوان
األمرٌكً السعودي على بلدنا الٌوم ٌمثل اعتداء وهم استحقوا بذلك لعن هللا لهم.
كانوا ٌشاهدون المنكر أمام أعٌنهم وال ٌنهون عنه ،والٌوم كذلك هإالء الذٌن ٌرون هذا العدوان الظالم على بلدنا هذا
المنكر الكبٌر وال ٌعملون على دفع هذا المنكر ،وٌ َّدعون الحٌاد إنما هم ٌتسببون بحٌادهم وعدم نهٌهم عن المنكر فً أن
ٌلعنهم هللا ،هإالء المحاٌدون قال هللا عنهم (لببس ما كانوا ٌفعلون) ،لببس :تستخدم للذمٌ ،عنً الحٌاد وعدم تحمل
المسإولٌة أمر مذموم.
21
العمالة والنفاق والخٌانة (ترى كثٌرا مِّنهم ٌتولَّون الَّذٌن كفروا لببس ما ق َّدمت لهم أنفسهم أن سخط َّ
هللا علٌهم َ .4
وفً العذاب هم خالدون)
(التولً للٌهود والنصارى والذٌن كفروا) .كان بنً إسرابٌل على مدى تارٌخهم عمالء لألقوى ،عمالء للطؽاة ،والٌوم
نرى من أبناء هذه األمة وعلى رأسهم النظام السعودي والنظام اإلماراتً ومن ٌسٌر على خطاهم ٌسارعون فً تولً
الٌهود والنصارى ،هإالء استحقوا بؤن ٌلعنهم هللا ،فالعمالة والنفاق والخٌانة هً فعل مذموم وتسبب سخط هللا والخلود فً
العذاب (ولو كانوا ٌإمنون ب َّ
اهلل وال َّنبًِّ وما أنزل إلٌه ما ا َّتخذوهم أولٌاء) ال ٌمكن أن ٌكون اإلنسان مإمن باهلل ورسوله
وهو ٌتولى الٌهود والنصارى والذٌن كفروا.
.5الفسق (ولكنَّ كثٌرا مِّنهم فاسقون) الفسق هو الزٌادة والتعدي فً ارتكاب المعاصً والذنوب.
هللا فً هذه اآلٌات ٌخبرنا عن أسباب لعنه لبنً إسرابٌل لنحذر من أن نقع فً هذه األسباب التً ارتكبها بنو إسرابٌل
فكانت سببا فً أن ٌلعنهم هللا .لذلك فاهلل لم ٌلعن الذٌن كفروا من بنً إسرابٌل ألنهم ٌهود ..ال ..وإنما بسبب كفرهم
وعصٌانهم وتعدٌهم وفسقهم وعدم نهٌهم عن المنكر وتولٌهم للذٌن كفروا.
فموقف القرآن الكرٌم منهم لٌس موقفا شخصٌا وإنما لما هم علٌه ولو آمنوا باهلل والٌوم اآلخر إٌمان حقٌقً
لما كانت هناك مشكلة معهم.
**********
21