You are on page 1of 21

‫القصص‬

‫في‬
‫القرآن الكريم‬

‫إعداد‬
‫إسالم محمود دربالة‬
‫عفا هللا عنه‬
‫‪ISLAMDERBALAH@HOTMAIL.COM‬‬
‫تمهيد‬
‫احلادثة املرتبطة باألسباب والنتائج يهفو إليها السامع ‪ .‬فإذا ختللتها مواطن‬
‫العربة يف أخبار املاضني كان حب االستطالع ملعرفتها من أقوى العوامل على‬
‫رس وخ عربهتا يف النفس ‪ ،‬واملوعظ ة اخلطابي ة تس رد س رًدا ال جيم ع العق ل‬
‫أطرافه ا وال يعي مجي ع م ا يلقي فيه ا ‪ ،‬ولكنه ا حني تأخ ذ ص ورة من واق ع‬
‫احلي اة يف أح داثها تتض ح أه دافها ‪ ،‬ويرت اح املرء لس ماعها ‪ ،‬ويص غي إليه ا‬
‫بشوق وهلفة ‪ ،‬ويتأثر مبا فيها من عرب وعظات ‪ ،‬والقصص الصادق ميثل هذا‬
‫ال دور يف األس لوب الع ريب أق وى متثي ل ‪ ،‬ويص وره يف أبل غ ص وره ‪ :‬قص ص‬
‫القرآن الكرمي ‪.‬‬
‫معنى القصص‪:‬‬
‫القص ‪ :‬تتبع األثر ‪ .‬يقال ‪ :‬قصص ُت أثره ‪ :‬أي تتبعته ‪ ،‬والقصص مصدر‬
‫‪ ،‬ق ال تع اىل ‪  :‬فارت دا على أثارمها قصص ا ‪[‬الكه ف‪ ]64 :‬أي رجع ا‬
‫يقص ان األث ر ال ذي ج اءا ب ه ‪ .‬وق ال على لس ان أم موس ى ‪ ‬وق الت ألخت ه‬
‫قصيه ‪[ ‬القصص‪ ]11 :‬أي تتبعي أثره حىت تنظري من يأخذه ‪ .‬والقصص‬
‫ك ذلك ‪ :‬األخب ار املتتبع ة ق ال تع اىل ‪ ‬إن ه ذا هلو القص ص احلق ‪[ ‬آل‬
‫عم ران‪ ،]62 :‬وق ال ‪  :‬لق د ك ان يف قصص هم ع ربة ألوىل األلب اب ‪‬‬
‫[يوس ف‪ ]111 :‬والقص ة ‪ :‬األم ر ‪ ،‬واخلرب ‪ ،‬والش أن ‪ ،‬واحلال وقص ص‬
‫الق رآن‪ :‬أخب اره عن أح وال األمم املاض ية ‪ ،‬والنب وات الس ابقة ‪ ،‬واحلوادث‬
‫الواقعة _ وقد اشتمل القرآن على كثري من وقائع املاضي ‪ ،‬وتاريخ األمم ‪،‬‬
‫وذك ر البالد وال ديار ‪ .‬وتتب ع آث ار ك ل ق وم ‪ ،‬وحكى عنهم ص ورة ناطق ة ملا‬
‫كانوا عليه ‪.‬‬
‫قال الشيخ حممد بن عثيمني‪ :‬القصص والقص لغة ‪ :‬تتبع األثر‬
‫ويف االصطالح ‪ :‬اإلخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها بعًض ا ‪.‬‬
‫وقص ص الق رآن أص دق القص ص لقول ه تع اىل ‪  :‬ومن أص دق من اهلل‬
‫حديًثا ‪ ‬وذلك لتمام مطابقتها للواقع ‪.‬‬
‫وأحس ن القص ص لقول ه تع اىل ‪  :‬حنن نقص علي ك أحس ن القص ص مبا‬
‫أوحين ا إلي ك ه ذا الق رآن ‪ ‬وذل ك الش تماهلا على أعلى درج ات الكم ال يف‬
‫البالغة وجالل املعىن ‪.‬‬
‫وأنفع القصص لقوله تعاىل ‪  :‬لقد كان يف قصصهم عربة ألويل األلباب‬
‫(‪) 1‬‬
‫‪ ‬وذلك لقوة تأثريها يف إصالح القلوب واألعمال واألخالق‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫أنواع القصص في القرآن‪:‬‬
‫والقصص يف القرآن ثالثة أنواع ‪:‬‬
‫الن وع األول ‪ :‬قص ص األنبي اء ‪ ،‬وق د تض من دع وهتم إىل ق ومهم ‪،‬‬
‫واملعج زات ال يت أي دهم اهلل هبا ‪ ،‬وموق ف املعان دين منهم ‪ ،‬ومراح ل ال دعوة‬
‫وتطوره ا وعاقب ة املؤم نني واملك ذبني ‪ .‬كقص ة ن وح ‪ ،‬وإب راهيم ‪ ،‬وموس ى ‪،‬‬
‫وهارون ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬وحممد ‪ ،‬وغريهم من األنبياء واملرسلني ‪ ،‬عليهم مجيًع ا‬
‫أفضل الصالة والسالم ‪.‬‬
‫الن وع الث اين ‪ :‬قص ص ق رآين يتعل ق حبوادث غ ابرة ‪ ،‬وأش خاص مل تثبت‬
‫ثب وهتم ‪ ،‬كقص ة ال ذين أخرج وا من دي ارهم وهم أل وف ح ذر املوت ‪.‬‬

‫‪ )?(1‬انظر أصول يف التفسري للشيخ حممد بن صاحل العثيمني (‪.)53-52‬‬


‫وطالوت وجالوت ‪ ،‬وابين آدم ‪ ،‬وأهل الكهف ‪ ،‬وذي القرنني ‪ ،‬وقارون ‪،‬‬
‫وأصحاب السبت ‪ ،‬ومرمي ‪ ،‬وأصحاب األخدود ‪ ،‬وأصحاب الفيل وحنوهم‪.‬‬

‫النوع الثالث ‪ :‬قصص يتعلق باحلوادث اليت وقعت يف زمن رسول اهلل ‪‬‬
‫كغ زوة ب در وُاح د يف س ورة آل عم ران ‪ ،‬وغ زوة ح نني وتب وك يف التوب ة ‪،‬‬
‫وغزوة األحزاب يف سورة األحزاب ‪ ،‬واهلجرة ‪ ،‬واإلسراء ‪ ،‬وحنو ذلك ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫فوائد قصص القرآن‪:‬‬


‫وللقصص القرآين فوائد جنمل أمهها فيما يأيت ‪:‬‬
‫‪ -1‬إيض اح أس س ال دعوة إىل اهلل ‪ ،‬وبي ان أص ول الش رائع ال يت يبعث هبا‬
‫كل نيب ‪  :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إال نوحي إليه أنه ال إله إال أنا‬
‫فاعبدون ‪[ ‬األنبياء ‪.]25 :‬‬
‫‪ -2‬تث بيت قلب رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم وقل وب األم ة احملمدي ة‬
‫على دين اهلل وتقوية ثقة املؤمنني بنصرة احلق وجندة ‪ ،‬وخذالن البطل وأهله‪:‬‬
‫‪ ‬وكال نقص علي ك من أنب اء الرس ل م ا نثبت ب ه ف ؤادك ‪ ،‬وج اءك يف ه ذه‬
‫احلق وموعظة وذكرى للمؤمنني ‪[ ‬هود‪. ]12 :‬‬
‫‪ -3‬تصديق األنبياء السابقني وإحياء ذكراهم وختليد آثارهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬إظه ار ص دق حمم د ص لى اهلل علي ه وس لم يف دعوت ه مبا أخ رب ب ه عن‬
‫أحوال املاضني عرب القرون واألجيال ‪.‬‬
‫‪ -5‬مقارعت ه أه ل الكت اب باحلج ة فيم ا كتم وه من البين ات واهلدى ‪،‬‬
‫وحتديه هلم مبا كان يف كتبهم قبل التحريف والتبديل ‪ ،‬كقوله تعاىل ‪  :‬كل‬
‫الطع ام ك ان حال لب ين إس رائيل إال م ا ح رم إس رائيل على نفس ة من قب ل أن‬
‫ت نزل الت وراة ‪ ،‬ق ل ف أتوا ب التوراة فاتلوه ا إن كنتم ص ادقني ‪[ ‬آل عم ران‪:‬‬
‫‪.]93‬‬
‫‪ -6‬والقصص ضرب من ضروب األدب ‪ ،‬يصغى إليها السامع ‪ ،‬وترسخ‬
‫ع ربه يف النفس ‪  :‬لق د ك ان يف قصص هم ع ربة ألوىل األلب اب ‪[ ‬يوس ف‪:‬‬
‫‪.)1( ]111‬‬
‫‪-7‬بيان حكم اهلل تعاىل فيما تضمنته هذه القصص لقوله تعاىل ‪  :‬ولقد‬
‫جاءهم من األنبياء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغين النذر ‪‬‬
‫‪ -8‬بي ان عدل ه تع اىل بعقوب ة املك ذبني لقول ه تع اىل عن املك ذبني ‪  :‬وم ا‬
‫ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آهلتهم اليت يدعون من دون‬
‫اهلل من شيء ملا جاء أمر ربك ‪. ‬‬
‫‪ -9‬بي ان فض له تع اىل مبثوب ة املؤم نني لقول ه تع اىل ‪  :‬إال آل ل وط جنين اهم‬
‫بسحر نعمة من عندنا كذلك جنزي من شكر ‪. ‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -10‬تسلية النيب عما أصابه من املكذبني له لقوله تعاىل ‪ :‬وإن يكذبوك‬
‫فقد كذب الذين من قبلهم جاءهتم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب املنري‬
‫مث أخذت الذين كفروا فكيف كان نكري ‪. ‬‬
‫‪ -11‬ت رغيب املؤم نني يف اإلميان بالثب ات علي ه واالزدي اد من ه إذ علم وا‬
‫جناة املؤمنني السابقني وانتصار من أمروا باجلهاد لقوله تعاىل ‪ :‬‬
‫فاستجبنا له وجنيناه من الغم وكذلك ننجي املؤمنني ‪. ‬‬

‫‪ )?(1‬انظر مباحث يف علوم القرآن للشيخ مناع القطان (‪)318-317‬‬


‫‪ -12‬حتذير الك افرين من االس تمرار يف كف رهم لقول ه تع اىل ‪  :‬أو مل‬
‫يسريوا يف األرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر‬
‫اهلل عليهم وللكافرين أمثاهلا ‪.‬‬

‫فإن أخبار األمم السابقة ال يعلمها إال اهلل‬‫‪‬‬ ‫‪ -13‬إثبات رسالة النيب‬
‫عز وجل لقوله تعاىل ‪  :‬تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما‬
‫كنت تعلمه ا أنت وال قوم ك من قب ل ه ذا ‪ ‬وقول ه ‪ ‬أمل ي أتكم‬
‫نب أ ال ذين من قبلكم ق وم ن وح وع اد ومثود وال ذين من بع دهم ال‬
‫يعلمهم إال اهلل ‪.)1( ‬‬
‫تكرار القصص وحكمته ‪:‬‬
‫يشتمل القرآن الكرمي على كثري من القصص الذي تكرر يف غري موضع ‪،‬‬
‫فالقصة الواحدة قد يتعدد ذكرها يف القرآن‪.‬‬
‫ومن القصص القرآنية ماال يأيت إال مرة واحدة مثل قصة لقمان وأصحاب‬
‫الكهف ومنها ما يأيت متكرًر ا حسب ما تدعو إليه احلاجة وتقتضيه املصلحة‬
‫وال يكون هذا املتكرر على وجه واحد بل خيتلف يف الطول والقصر واللني‬
‫والشدة وذكر بعض جوانب القصة يف موضع دون آخر(‪. )2‬‬
‫ومن حكمة هذا‪:‬‬
‫‪ -1‬بي ان بالغ ة الق رآن يف أعلى مراتبه ا ‪ .‬فمن خص ائص البالغ ة إب راز‬
‫املعىن الواحد يف صور خمتلفة ‪ ،‬والقصة املتكررة ترد يف كل موضع بأسلوب‬
‫يتم ايز عن اآلخ ر ‪ ،‬وتص اغ يف ق الب غ ري الق الب ‪ ،‬وال ميل اإلنس ان من‬

‫‪)?(1‬انظر أصول يف التفسري للشيخ حممد بن صاحل العثيمني (‪.)54-53‬‬


‫‪)?(2‬انظر أصول يف التفسري للشيخ حممد بن صاحل العثيمني (‪.)55-54‬‬
‫تكراره ا ‪ ،‬ب ل تتج دد يف نفس ه مع ان ال حتص ل ل ه بقراءهتا يف املواض ع‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬قوة اإلعجاز _ فإيراد املعىن الواحد يف صور متعددة مع عجز العرب‬
‫عن اإلتيان بصورة منها أبلغ يف التحدي ‪.‬‬
‫‪ -3‬الاهتم ام بش أن القص ة لتمكني عربه ا يف النفس ‪ ،‬ف إن التك رار من‬
‫طرق التأكيد وأمارات االهتمام ‪ .‬كما هو احلال يف قصة موسى مع فرعون‬
‫‪ ،‬ألهنا متثل الص راع بني احلق والباط ل أمت متثيل _ م ع أن القصة ال تك رر يف‬
‫السورة الواحدة مهما كثر تكرارها ‪.‬‬
‫‪ -4‬اختالف الغاية اليت تساق من أجلها القصة _ فتذكر بعض معانيها‬
‫الوافي ة ب الغرض يف مق ام ‪ ،‬وت ربز مع ان أخ رى يف س ائر املقام ات حس ب‬
‫(‪) 1‬‬
‫اختالف مقتضيات األحوال‬
‫‪ -5‬بيان أمهية تلك القصة ألن تكرارها يدل على العناية هبا ‪.‬‬
‫‪ -6‬مراع اة ال زمن وح ال املخ اطبني هبا وهلذا جتد اإلجياز والش دة غالًب ا‬
‫فيما أتى من القصص يف السور املكية والعكس فيما أتى يف السور املدنية ‪.‬‬
‫‪ -7‬ظه ور ص دق الق رآن وأن ه من عن د اهلل حيث ت أيت ه ذه القص ص‬
‫متنوعة بدون تناقض (‪.)2‬‬
‫* * *‬

‫‪)?(1‬مباحث يف علوم القرآن للقطان (‪.)319-318‬‬


‫‪)?(2‬أصول يف التفسري للعثيمني (‪.)55-54‬‬
‫قصص القرآن بين اإليمان واإللحاد‪:‬‬
‫وقد تعرض كتاب اهلل عز وجل لعدد من الشبهات اليت يذيعها املالحدة‬
‫واملستشرقني واملغرضني‪ ،‬وأذياهلم ممن ينتسبون إىل املسلمني ويتسمون‬
‫بأمسائهم‪ ،‬ومن ذلك ما هذى به طه حسني حول قصة إبراهيم عليه السالم‬
‫وبنائه الكعبة(‪ )1‬إال أن علماء اإلسالم تصدوا له وردوا عليه وبينوا احملجة‬
‫بأوضح حجة‪.‬‬
‫ومن ذل ك أن أح د الطالب اجلامعيني يف مص ر ق دم رس الة لني ل درج ة‬
‫( ‪)2‬‬
‫( الدكتوراه) كان موضوعها ‪ ( :‬الفن القصصي يف القرآن ) أثارت جدًال‬
‫طويًال سنة ‪ 1367‬هجرية ‪ ،‬وكتب عنها أحد أعضاء اللجنة الذين اشرتكوا‬
‫يف مناقش ة الرس الة _ وه و األس تاذ أمحد أمني _ تقري ًر ا بعث ب ه إىل عمي د‬
‫كلي ة اآلداب ‪ ،‬ونش ر يف جمة ( الرس الة ) وق د تض من التقري ر نق ًد ا الذًع ا ملا‬
‫كتب ه الط الب اجلامعي ‪ ،‬وإن ك ان أس تاذه املش رف ق د داف ع عن ه ‪ .‬وص در‬
‫األستاذ ( أمحد أمني ) بالعبارة االتية ‪:‬‬
‫( وقد وجدهتا رسالة ليست عادية ‪ ،‬بل هي رسالة خطرية ‪ ،‬أساسها أن‬
‫القصص يف القرآن عمل فين خاضع ملا خيضع له الفن من خلق وابتكار من‬
‫غري التزام لصدق التاريخ ‪( .‬والواقع أن حمم ًد ا فنان هبذا املعىن ) ‪ ،‬مث قال ‪:‬‬
‫( وعلى هذا األساس كتب كل الرسالة من أوهلا إىل آخرها ‪ ،‬وإين أرى من‬
‫الواجب أن ‪.‬‬

‫‪)?(1‬كما يف كتابه على هامش السرية‪.‬‬


‫‪ )?(2‬هو الدكتور حممد أمحد خلف اهلل ‪.‬‬
‫اسوق بعض أمثلة ‪،‬توضح مرامي كاتب هذه الرسالة وكيفة بنائها ) ‪ ،‬مث‬
‫أورد االس تاذ (أمحد أمني) أمثل ة منتزع ة من الرس الة تش هد مبا وص فها ب ه من‬
‫هذه العبارة اجململة(‪.)3‬‬
‫كإدعاء صاحب الرسالة أن القصة يف القرآن ال تلتزم الصدق التارخيي ‪.‬‬
‫وإمنا تتج ه كم ا يتج ه األديب يف تص وير احلادث تص ويًر ا فنًي ا ‪ ،‬وزعم ه أن‬
‫الف رآن خيتل ق بعض القص ص وأن األق دمني أخط أوا يف ع د القص ص الق رآين‬
‫تارًخيا يعتمد عليه ‪..‬‬
‫واملسلم احلق هو الذي يؤمن بأن القرآن كالم اهلل ‪ ،‬وأنه منزه عن ذلك‬
‫التص وير الف ين ال ذي ال يع ىن في ه ب الواقع الت ارخيي‪ ،‬وليس قص ص الق رآن إال‬
‫احلق ائق التارخيي ة تص اغ يف ص ور بديع ة من األلف اظ املنتق اه ‪ ،‬واألس اليب‬
‫الرائعة ‪.‬‬
‫ولع ل ص احب الرس الة درس فن القص ة يف األدب ‪ ،‬وأدرك من عناص رها‬
‫األساس ية اخلي ال ال ذي يعتم د على التص وير‪ ،‬وأن ه كلم ا ارتقى خياهلا ون أى‬
‫عن الواقع كثر الشوق إليها ‪ ،‬ورغبت النفس فيها ‪،‬واستمتعت بقرائتها ‪ .‬مث‬
‫قاس القصص القرآين على القصة األدبية ‪.‬‬
‫وليس القرآن كذلك فإنه تنزيل من عليم حكيم ‪ ،‬وال ي رد يف أخباره إال‬
‫مايكون موافًق ا للواقع ‪ ،‬وإذا كان الفضالء من الناس يتورعون من أن يقولوا‬
‫زوًر ا ويعدون ه من أقبل الرذائل املزرية باإلنسانية ‪ ،‬فكيف يسوغ العاقل أن‬

‫‪ )?(3‬انظر نقد كتاب ( الفن القصصي يف القرآن) –لألس تاذ حمم د اخلض ر حس ني – بالغ ة الق رآن‬
‫صـ ‪.94‬‬
‫يلصق الزور بكالم ذي العزة واجلالل ؟ واهلل تعاىل هو احلق ‪ :‬ذلك بأن اهلل‬
‫هو احلق وأمنا بدعون من دونه هو الباطل ‪[ ‬احلج‪.]62 :‬‬
‫وأرسل رسوله باحلق ‪  :‬إنا أرسلناك باحلق بشًريا ونذيًر ا‪[ ‬فاطر‪.]24 :‬‬
‫‪ ‬والذي أوحينا إليك من الكتاب هو احلق ‪[ ‬فاطر‪.]31 :‬‬
‫‪ ‬يا أيها الناس قد جائكم الرسول باحلق من ربكم ‪[ ‬النساء‪.]17 :‬‬
‫‪ ‬وأنزلنا إليك الكتاب باحلق ‪[ ‬املائدة‪.]48 :‬‬
‫‪‬والذي أنزل إليك من ربك احلق ‪[ ‬الرعد‪.]1 :‬‬
‫وما قصه اهلل تعاىل يف القرآن هو احلق ‪  :‬حنن نقص عليك نبأهم باحلق‬
‫‪[ ‬الكهف‪.]13 :‬‬
‫‪‬نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون باحلق ‪[ ‬القصص‪.)1( ]3 :‬‬
‫* * *‬
‫التربية بالقصص القرآني‪:‬‬
‫للقص ة يف الرتبي ة اإلس المية وظيف ة تربوي ة ال حيققه ا ل ون آخ ر من أل وان‬
‫األداء اللغوي‪.‬‬
‫ذلك أن القصة القرآنية متتاز مبيزات جعلت هلا آثاًر ا نفسية وتربوية بليغة‪،‬‬
‫حمكمة‪ ،‬بعيدة املدى على مر الزمن‪ ،‬مع ما تثريه من حرارة العاطفة ومن‬
‫حيوية وحركية يف النفس‪ ،‬تدفع اإلنسان إىل تغيري سلوكه وجتديد عزميته‬
‫حبسب مقتضى القصة وتوجييها وخامتتها‪ ،‬والِعَربِة منها‪ .‬وتتجلى أهم‬
‫هذه الميزات فيما يلي(‪:)2‬‬
‫امليزات الرتبوية للقصص القرآين‪:‬‬

‫‪ )?(1‬انظر مباحث يف علوم القرآن للقطان (‪.)321-319‬‬


‫‪ )1‬تشد القصة القارئ‪ ،‬وتوقظ انتباهه‪ ،‬دون توان أو تراٍخ ‪ ،‬فتجعله دائم‬
‫التأمل يف معانيها والتتبع ملواقفها‪ ،‬والتأثر بشخصياهتا وموضوعها حىت‬
‫آخر كلمة فيها‪.‬‬
‫ذلك أن القصة تبدأ غالًبا‪ ،‬ويف شكلها األكمل‪ ،‬بالتنويه مبطلب أو وعد‬
‫أو اإلنذار خبطر‪ ،‬أو حنو ذلك مما يسمى عقدة القصة‪ ،‬وقد ترتاكم‪ ،‬قبل‬
‫الوصول إىل حل هذه العقدة‪ ،‬مطالب أو مصاعب أخرى‪ ،‬تزيد القصة‬
‫حبًك ا‪ ،‬كما تزيد القارئ أو السامع شوًقا وانتباًه ا‪ ،‬وتلهًف ا على احلل أو‬
‫النتيجة‪.‬‬
‫ففي مطلع قصة يوسف مثًال‪ ،‬تعرض على القارئ ( رؤيا يوسف عليه‬
‫السالم ) يصحبها وعد اهلل ‪ ،‬على لسان أبيه ‪ ،‬مبستقبل زاهر ‪ ،‬وِنَعم من‬
‫اهلل يسبغها على األسرة الفقرية املتعثرة ‪ ،‬الداعية إىل اهلل ‪.‬‬
‫وتتت ابع املص ائب واملش كالت على بط ل القص ة ( يوس ف علي ه الس الم )‬
‫ويتابع القارئ اهتمامه ينتظر حتقيق وعد اهلل ‪ ،‬ويرتقب انتهاء هذه املصائب‬
‫واملشكالت بتلهف ‪.‬‬
‫‪ )2‬تتعامل القصة القرآنية والنبوية مع النفس البشرية يف واقعيتها الكاملة ‪،‬‬
‫متمثل ة يف أهم النم اذج ال يت يري د الق رآن إبرازه ا للك ائن البش ري ‪ ،‬ويوج ه‬
‫االهتم ام إىل ك ل منوذج حبس ب أمهيت ه ‪ ،‬فُيع رض عرًض ا ص ادًقا يلي ق باملق ام‬
‫وحيقق اهلدف الرتبوي من عرضه ‪ ،‬ففي قصة يوسف يعرض منوذج اإلنسان‬
‫الص ابر على املص ائب يف س بيل ال دعوة إىل اهلل ( يف ش خص يوس ف ) ‪،‬‬

‫اعتمدت يف بعض هذه امليزات على قصة يوسف من خالل تفس ري ((س يد قطب)) (يف ظالل‬ ‫‪2‬‬

‫القرآن ) ص ‪ 1949‬إىل ‪ 1951‬وغريه ‪..‬‬


‫ومنوذج املرأة املرتف ة تع رض هلا حبائ ل اهلوى فمأل قلبه ا احلب والش هوة ‪،‬‬
‫وي دفعها إىل حماول ة ارتك اب اجلرمية ‪ ،‬مث إىل َس جن إنس ان ب ريء خملص ‪ ،‬ال‬
‫ذنب له إال الرتفع عن الدنايا واإلخالص لسيده ‪ ،‬ومراعاة أوامر ربه ‪.‬‬
‫ومنوذج إخ وة يوس ف ‪ :‬ت دفعهم هوات ف الغ رية واحلس د واحلق د واملؤامرة‬
‫واملناورة ومواجهة آثار اجلرمية والضعف واحلرية أمام هذه املواجهة ‪.‬‬
‫ومنوذج يعقوب ‪ :‬الوالد احملب امللهوف والنيب املطمئن املوصول ‪ .‬يعرض‬
‫الق رآن ك ل ه ذه النم اذج البش رية عرًض ا واقعًي ا نظيًف ا من غ ري إفح اش وال‬
‫إغراء بفاحشة أو جرمية ‪ ،‬كما يفعل مؤلفو القصص اليت يسموهنا واقعية أو‬
‫طبيعي ة ‪ ،‬من رواِد جاهلي ة الق رن العش رين ‪ ،‬ذل ك أن من أهم غاي ات القص ة‬
‫القرآنية ‪ :‬الرتبية اخللقية عن طريق عالج النفس البشرية عالًج ا واقعًيا ‪.‬‬
‫فالقص ة القرآني ة ليس ت غريب ة عن الطبيع ة البش رية ‪ ،‬وال حملق ة يف ج و‬
‫مالئكي حمض ‪ ،‬ألهنا إمنا جاءت عالًج ا لواقع البشر ‪ ،‬وعالج الواقع البشري‬
‫ال يتم إال ب ذكر ج انب الض عف واخلط أ على طبيعت ه ‪ ،‬مث بوص ف اجلانب‬
‫اآلخر الواقعي املتسامي الذي ميثل الرسل املؤمنون ‪ ،‬والذي تؤول إليه القصة‬
‫بعد الصرب واملكابدة واجلهاد واملرابطة ‪ ،‬أو الذي ينتهي عنده املطاف لعالج‬
‫ذلك الضعف والنقص ‪ ،‬والرتدي البشري يف مهاوي الشرك أو محأة الرذيلة ‪،‬‬
‫عالًج ا ينهض ب اهلمم ‪ ،‬وي دفع ب النفس للس مو ‪ ،‬م ا اس تطاعت ‪ ،‬إىل أعلى‬
‫القمم ‪ ،‬حيث تنتهي القصة بانتصار الدعوة اإلهلية ‪ ،‬ووصف النهاية اخلاسرة‬
‫للمشركني الذي استسلموا إىل الضعف والنقص ‪ ،‬ومل يستجيبوا لنداء رهبم‬
‫فيزكوا أنفسهم ‪.‬‬
‫‪ )3‬تريب القصة القرآنية العواطف الربانية وذلك ‪:‬‬
‫أ) عن طري ق إث ارة االنفع االت ك اخلوف وال رتقب ‪ ،‬وكالرض ا واالرتي اح‬
‫واحلب ‪ ،‬وك التقزز والك ره ‪ ،‬ك ل ذل ك يث ار يف طي ات القص ة مبا في ه من‬
‫وصف رائع ووقائع مصطفاة ‪ ،‬فقصة يوسف مثًال تريب الصرب والثقة باهلل ‪،‬‬
‫واألم ل يف نص ره ‪ ،‬بع د إث ارة انفع ال اخلوف على يوس ف ‪ ،‬مث االرتي اح إىل‬
‫استالمه منصب الوزارة ‪.‬‬
‫ب) وعن طري ق توجي ه مجي ع ه ذه االنفع االت ح ىت تلتقي عن د نتيج ة‬
‫واحدة هي النتيجة اليت تنتهي إليها القصة ‪ ،‬فتواجه مثًال محاسة قارئ القصة‬
‫حنو يوس ف وأبي ه ‪ ،‬ح ىت يلتقي ا يف ش كر اهلل يف آخ ر القص ة ‪ ،‬ويوج ه ُبْغض‬
‫الشر الذي صدر عن إخوة يوسف حىت يعرتفوا خبطئهم ويستغفر هلم أبوهم‬
‫يف آخر القصة ‪ ،‬وهكذا …‬
‫ج) وعن طري ق املش اركة الوجداني ة حيث ين دمج الق ارئ م ع ج و القص ة‬
‫الع اطفي ح ىت يعيش بانفعاالت ه م ع شخص ياهتا ‪ ،‬ففي قص ة يوس ف يع رتي‬
‫القارئ خوف أو قلق عندما يراد قتل يوسف ‪ ،‬وإلقاؤه يف اجلب ‪ ،‬مث تنس رح‬
‫العواط ف قليًال م ع انف راج الكرب ة عن ه ‪ ،‬مث يع ود الق ارئ إىل ال رتقب عن دما‬
‫يدخل يوسف دار ( العزيز ) وهكذا يعيش القارئ مع يوسف يف سجنه وهو‬
‫يدعوا إىل اهلل ‪ ،‬حىت يفرح بإنقاذه ‪ ،‬مث بتوليه وزارة مصر ‪ ،‬وبنجاة أبيه من‬
‫احلزن ‪ ،‬وهو يف كل ذلك رسول اهلل والداعية إىل دينه ‪.‬‬
‫‪ )4‬متتاز القصة القرآنية باإلقناع الفكري مبوضوع القصة ‪.‬‬
‫أ) عن طريق اإلحياء ‪ ،‬واالستهواء والتقمص ‪ ،‬فلوال صدق إميان يوسف ملا‬
‫ص رب يف اجلب على الوحش ة ‪ ،‬وملا ثبت يف دار ام رأة العزي ز على حمارب ة‬
‫الفاحشة والبعد عن الزلل ‪ ،‬هذه املواقف الرائعة توحي لإلنسان بأمهية مبادئ‬
‫بط ل القص ة وص حتها ‪ ،‬وتس تهويه ص فات ه ذا البط ل وانتص اره بع د ص رب‬
‫ومصابره طويلة ‪ ،‬فيتقمص هذه الصفات حىت إنه لقلدها ولو مل يقصد إىل‬
‫ذلك ‪ ،‬وحىت إنه َل ريّدُد بعض هذه املواقف ويتصورها ويسرتجعها من شدة‬
‫تأثره هبا ‪.‬‬
‫ب) عن طريق التفكري والتأمل ‪ :‬فالقصص القرآين ال خيلو من حماورات‬
‫فكرية ينتصر فيه احلق ‪ ،‬ويصبح مرموًقا حمفوًفا باحلوادث والنتائج اليت تثبت‬
‫ص حته ‪ ،‬وعظمت ه يف النفس وأث ره يف اجملتم ع ‪ ،‬وتأيي د اهلل ل ه ‪ .‬ففي قص ة‬
‫يوس ف جند ح واًر ا ي دور بين ه وبني فت يني عاش ا مع ه يف الس جن ف دعامها إىل‬
‫توحي د اهلل ‪ .‬وقص ة ن وح كله ا ح وار بني احلق والباط ل ‪ ،‬وك ذلك قص ة‬
‫ش عيب ‪ ،‬وص احل وس ائر الرس ل ‪ :‬ح وار منطقي م دعوم باحلج ة والربه ان‬
‫يتخلل القصة ‪ ،‬مث تدور الدوائر على أهل الباطل ويظهر اهلل احلق منتص ًر ا يف‬
‫نتيج ة القص ة ‪ ،‬أو يهل ك الباط ل وأهل ه ‪ ،‬فيتظ اهر اإلقن اع العقلي املنطقي‬
‫واإلث ارة الوجداني ة ‪ ،‬واإلحياء وحب البطول ة ( االس تهواء ) وال دافع الفط ري‬
‫إىل حب القوة وتقليد األقوياء ‪ ،‬تتظاهر كل هذه العوامل وتتضافر ‪ ،‬يؤيدها‬
‫التك رار م رة بع د م رة ‪ ،‬فم ا أك ثر تك رار بعض قص ص الق رآن ح ىت ت ؤدي‬
‫مبجموعها إىل تربية التصور الرباين للحياة وللعقيدة واليوم اآلخر وإىل معرفة‬
‫ك ل ج وانب الش ريعة اإلهلي ة معرف ة إمجالي ة وإىل تربي ة العواط ف الرباني ة من‬
‫حب يف اهلل ‪ ،‬وكراهي ة للكف ر ومحاس ة ل دين اهلل وحلمات ه ‪ ،‬ولرس ل اهلل ‪،‬‬
‫ووالء اهلل وانض واء حتت لوائ ه ‪ ،‬وإىل الس لوك املس تقيم وف ق ش ريعة اهلل ‪،‬‬
‫والتعام ل حس ب أوام ره ‪ ،‬وهبذا حتي ط القص ة القرآني ة نفس الناش ئ بالرتبي ة‬
‫الربانية من مجيع جوانبها العقلية والوجدانية والسلوكية ‪.‬‬
‫أغراض القصة القرآنية(‪:)1‬‬
‫ليست القصة القرآنية عمًال فنًيا مطلًق ا جمرًدا عن األغراض التوجيهية ‪ ،‬إمنا‬
‫هي وسيلة من وسائل القرآن الكثرية إىل حتقيق أغراضه الدينية الربانية ‪ ،‬فهي‬
‫إحدى الوسائل إلبالغ الدعوة اإلسالمية وتثبيتها ‪.‬‬
‫والتعبري القرآين مع ذلك يؤلف بني الغرض الديين والغرض الفين ‪ ،‬وهبذا‬
‫امت ازت القص ة القرآني ة مبيزات تربوي ة وفني ة ‪ ،‬ذكرن ا بعض ها يف الص فحات‬
‫املاض ية حيث الحظن ا أن القص ص الق رآين جَي َع ل اجلم ال الف ين أداة مقص ودة‬
‫للتأثري الوجداين ‪ ،‬وإثارة االنفعاالت وتربية العواطف الربانية ‪.‬‬
‫وسنعرض للقارئ بعض أغراض القصة القرآنية(‪ )2‬لكي يكون املريب على‬
‫بينة ‪:‬‬
‫(‪ )1‬من أهم أغ راض القص ة عموًم ا االعتب ار وق د أجلت ذل ك إىل حبث‬
‫( الرتبي ة ب العربة واملوعظ ة ) وذك رت هن اك بعض خط وات ت دريس القص ة‬
‫للوصول إىل العربة منها باالستجواب ‪.‬‬
‫من هذه األغراض فيوجه الطالب باالستجواب عن كل غرض إىل معرفة‬
‫هذا الغرض ‪ ،‬وحتقيقه يف نفوسهم أو يف سلوكهم أو تربية عقوهلم ووجداهنم‬
‫وعواطفهم ‪ .‬وهاك أهم األغراض ‪:‬‬
‫‪ )1‬ك ان من أغ راض القص ة القرآني ة إثب ات ال وحي والرس الة ‪ ،‬وحتقي ق‬
‫القناع ة ب أن حمم د ‪ ‬وه و األمي ال ذي ال يق رأ وال يع رف عن ه أن ه جيلس إىل‬
‫أحبار اليهود والنصارى ‪ ،‬يتلو على قومه هذه القصص من كالم ربه ‪ ،‬وقد‬

‫‪1‬‬
‫(‪ )1‬التصوير الفين يف الق رآن‪ :‬س يد قطب ص ‪-117‬ص ‪ 128‬الطبع ة الثالث ة دار املع ارف مبص ر‬
‫وقد اقتبست أهم هذه األغراض باختصار ‪.‬‬
‫ج اء بعض ها يف دق ة وإس هاب ‪ ،‬فال يش ك عاق ل يف أهنا وحي من اهلل ‪ ،‬وأن‬
‫حمم د رس ول اهلل يبل غ رس الة رب ه ‪ ،‬والق رآن ينص على ه ذا الغ رض نًص ا يف‬
‫مقدمات بعض القصص أو يف أواخرها فقد جاء يف أول سورة يوس ف ‪ :‬‬
‫إّنا َأْنَز ْلناُه ُقْر آًنا َعَر ِبًّي ا َلَعَّلُك ْم َتْع ِق لوَن ‪ْ ،‬حَنُن َنُقٌّص َعَلْي َك َأْح َس َن اْلَق َص ِص مِب ا‬
‫َأْو َح ْيَنا إَلْيَك هذا اْلُقْر آَن َو ِإْن ُك ْنَت ِم ْن َقْبِلِه ِلِم َن اْلغاِفلَني ‪ [ ‬يوسف ‪2 :‬و‪3‬‬
‫] وجاء يف سورة هود بعد قصة نوح ‪ِ  :‬تْل َك ِم ْن َأْنباِء اْلَغْيِب نوحيها ِإَلْي ْك‬
‫ما ُك ْنَت َتْع َلُم ها َأْنَت َو ال َقْو ُمَك ِم ْن َقْبِل هذا ‪ [ ‬هود ‪] 49 :‬‬
‫‪ )2‬ومن أغراض القصة القرآنية ‪ :‬بيان أن الدين كله من عند اهلل ‪.‬‬
‫‪ )3‬وأن اهلل ينص ر رس له وال ذين آمن وا وي رمحهم وينجيهم من املآزق‬
‫والك روب ‪ ،‬من عهد آدم ونوح إىل عهد حممد ‪ ، ‬وأن املؤمنني كلهم أمه‬
‫واحدة واهلل الواحد رب اجلميع ‪.‬‬
‫وكث ًريا م ا وردت قص ص ع دد من األنبي اء جمتمع ة يف س ورة واح دة ‪،‬‬
‫معروض ة عرًض ا س ريًعا بطريق ة خاص ة لتؤي د ه ذه احلقيق ة ‪ ،‬كم ا يف س ورة‬
‫األنبياء ‪ ،‬حيث ورد ذكر ‪ :‬موسى وهارون ‪ ،‬مث حملة موجزة عن قصة إبراهيم‬
‫ولوط ‪ ،‬وكيف جناهم اهلل وأهلك قومهما ‪ ،‬وقصة نوح ‪ ،‬وجانب من أخبار‬
‫داود وسليمان ‪ ،‬وما أنعم اهلل عليهما ‪،‬‬
‫وأيوب حني جناه اهلل من الضر ‪ ،‬وورد ذكر إمساعيل وإدريس وذي الكفل‬
‫ِن‬
‫وكلهم من الص ابرين الص احلني ‪ .‬وذك ر اهلل لن ا ‪َ  :‬و ذا الّن و إْذ َذَه َب‬
‫ُمغاِض ًبا ‪ [ ‬األنبي اء ‪ ] 87 :‬ق ال تع اىل ‪َ ‬فاْس َتَج ْبنا َل ُه َو َّجَنْين اُه ِم َن اْلَغَّم‬
‫َو َك َذ ِلَك ُنْنجي اْلُم ْؤ ِم نَني ‪ [ ‬األنبي اء ‪ ] 88 :‬مث ق ال تع اىل ‪َ  :‬و َزَك ِر ّي ا ِإْذ‬
‫ن ادى َر َّب ُه َر َّب ال َت َذ ْر ين َفْر ًدا َو َأْنَت َخ ْيُر اْل واِر ثَني ‪ [ ‬األنبي اء ‪ ] 89 :‬‬
‫َفاْس َتَج ْبنا َل ُه َو َو َه ْبَن ا َل ُه ْحَيىَي َو َأْص َلْح نا َل ُه َز ْو َج ْه ِإَّنُه ْم َك انوا ُيس اِر عوَن يف‬
‫اَخْلرْي اِت َو َيْد عوَننا َر َغًبا َو َر َه ًبا َو كانوا لنا خاِش عَني ‪ [ ‬األنبياء ‪ ] 90 :‬وخيتم‬
‫اهلل هذه السلسلة من األنبياء خبرب مرمي وابنها عيسى عليهما السالم ‪َ ‬و اَّل يت‬
‫َأْحَص َنْت َفْر َج ه ا َفَنَف ْخ ن ا فيه ا ِم ْن روِح ن ا َو َجَعْلناه ا َو اْبَنه ا آي ْه ِلْلع اَلمَني ‪‬‬
‫[ األنبياء ‪ ] 91:‬مث خياطب اهلل مباشرة مجيع أنبيائه ورسله وأتباعهم بقوله ‪‬‬
‫ِإَّن هِذِه ُأَّم ُتُك ْم ُأًَّمة واِح ًَد ة َو َأنا َر ُّبُك ْم َفاْع ُبدوِن ‪ [ ‬األنبياء ‪. ] 92 :‬‬
‫فتبني هبذه اآلية الكرمية تقرير الغرض األصيل من هذا االستعراض الطويل‬
‫وه و أن مجي ع األنبي اء ي دينون ديًن ا واح ًد ا وخيض عون ل رب واح د يعبدون ه‬
‫وحده ال يشركون به شيًئا ‪ ،‬وعندما نستعرض خرب كل نيب جند أن اهلل قد‬
‫شد أزره ونصره وجناه من الكرب الذي نزل به ‪ ،‬أو املأزق الذي أوشك أن‬
‫يق ع في ه ‪ ،‬كم ا جنى ذا الن ون ( ي ونس ) واس تجاب لزكري ا ‪ ،‬وكم ا جنى‬
‫إب راهيم وق د أوش ك أن حيرتق بالن ار ؛ وأن ه س بحانه دائًم ا ينعم على رس له‬
‫وال ذين آمن وا إذا ص ربوا وص دقوا ‪ ،‬كم ا أنعم على داود بالنص ر ‪ ،‬وس ليمان‬
‫بامللك ‪ ،‬فشكروا نعمة رهبم ‪.‬‬
‫‪ )4‬ويف ه ذا ش د ألزر املؤم نني ‪ ،‬وتس لية هلم عم ا يالق ون من اهلم وم‬
‫واملص ائب ‪ ،‬وتث بيت لرس ول اهلل ومن تبع ه من أمت ه ‪ ،‬وت أثري يف نف وس من‬
‫ي دعوهم الق رآن إىل اإلميان وأهنم إن مل يؤمن وا ال حمال ة ه الكون ‪ ،‬وموعظ ة‬
‫وذك رى للمؤم نني ‪ ،‬وق د ص رح الق رآن هبذا املع ىن يف قول ه تع اىل ‪َ ‬و ُك َّال‬
‫َنُقُّص َعَلْي َك ِم ْن َأْنباِء الُّر ُس ِل ما ُنَثَّبُت ِب ِه ُفَؤ اَدَك َو جاَءَك ه ِذِه اَحْلُّق َو َمْو ِعَظ ُة‬
‫َو ِذْك رى ِلْلُم ْؤ ِم نَني ‪ [ ‬هود ‪. ] 120 :‬‬
‫وجاء يف سورة العنكبوت حملة خاطفة عن قصة كل نيب ‪ ،‬خمتومة بالعذاب‬
‫ال ذي ع ذب ب ه املذنبون من قوم ه ح ىت ختمت مجي ع القص ص اجململ ة بقول ه‬
‫ِه ِص ِم‬ ‫ِه ِم‬
‫تعاىل ‪َ  :‬فُك ًال َأَخ ْذ نا ِبَذ ْنِب َف ْنُه ْم َمْن َأْر َس ْلنا َعَلْي حا ًبا َو ْنُه ْم َمْن َأَخ َذ ْت ُه‬
‫ِم‬ ‫ِب ِه‬ ‫ِم ِم‬
‫الَّص ْيَحُه َو ْنُه ْم ْن َخ َس ْف نا اَألْر َض َو ْنُه ْم َمْن َأْغ َر ْقن ا ‪َ ،‬و م ا ك اَن اُهلل‬
‫ِلَيْظِلَم ُه ْم َو َلِكْن ك انوا َأْنُفَس ُه ْم َيْظِلم وَن ‪ [ ‬العنكب وت ‪ ] 40 :‬فعلى املريب‬
‫أن يستحضر مكان املوعظة والذكرى من كل قصة ‪ ،‬ليحاور الطالب حواًر ا‬
‫يوجههم إىل معرفتها والتأثر هبا والعمل مبقتضاها ‪.‬‬
‫‪ )5‬ومن أغ راض القص ة يف الرتبي ة اإلس المية ‪ :‬تنبي ه أبن اء آدم إىل خط ر‬
‫غواي ة الش يطان(‪ )1‬وإب راز الع داوة اخلال دة بين ه وبينهم من ذ أبيهم إىل أن تق وم‬
‫الس اعة ‪ ،‬وإب راز ه ذه الع داوة عن طري ق القص ة أروع وأق وى ‪ ،‬وأدعى إىل‬
‫احلذر الش ديد من ك ل هاجس ه يف النفس ت دعو إىل الّش ر ‪ ،‬وملا ك ان ه ذا‬
‫موضوًعا خال ًد ا فقد تكررت قصة آدم يف مواضع شىت ‪ ،‬مما يدعو املريب إىل‬
‫اإلحلاح على هذا املوضوع وتوجيه الطالب إىل احلذر من غواية الشيطان يف‬
‫كل مناسبة مالئمة ‪.‬‬
‫‪ )6‬ومن أغ راض القص ص الرتبوي ة ‪ :‬بي ان ق درة اهلل تع اىل ‪ :‬بياًن ا يث ري‬
‫انفع ال الدهش ة واخلوف من اهلل لرتبي ة عاطف ة اخلش وع واخلض وع واالنقي اد‬
‫وحنوها من العواطف الربانية ‪.‬‬
‫كقص ة ال ذي أمات ه اهلل مائ ة ع ام مث بعث ه(‪ )2‬وقص ة خل ق آدم(‪ ، )3‬وقص ة‬
‫إب راهيم والط ري ال ذي آب إلي ه بع د أن جع ل على ك ل جب ل ج زًءا من ه ق ال‬
‫‪ [ ) ?(1‬األعراف ‪. ] 30 ، 26 ، 25 :‬‬
‫‪ [ ) ?(2‬البقرة ‪. ] 259 :‬‬
‫‪ [ ) ?(3‬البقرة من ‪ 33‬إىل ‪ [، ] 37‬وآل عمران ‪] 59 :‬‬
‫تعاىل‪  :‬وإذ قال إبراهيم رب أرين كيف حتيي املوتى قال أومل تؤمن قال بلى‬
‫ولكن ليطمئن قليب قال فخذ أربعة من الطري فصرهن إليك مث اجعل على كل‬
‫جب ل منهن ج زًءا مث ادعهن يأتين ك س عيا واعلم أن اهلل عزي ز حكيم ‪‬‬
‫[ البقرة‪. ] 260 :‬‬
‫المراجع‬

‫‪ -1‬القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلتقان يف علوم القرآن للسيوطي‪.‬‬
‫‪ -3‬أصول الرتبية اإلسالمية للدكتور عبد الرمحن النحالوي‪.‬‬
‫‪ -4‬أصول يف التفسري للشيخ حممد بن صاحل بن عثيمني‪.‬‬
‫‪ -5‬التصوير الفين يف القرآن للشيخ سيد قطب‪.‬‬
‫‪ -6‬تفسري القرآن العظيم للحافظ ابن كثري‪.‬‬
‫‪ -7‬علوم القرآن للدكتور حممد بكر إمساعيل‪.‬‬
‫‪ -8‬مباحث يف علوم القرآن للدكتور مناع القطان‪.‬‬
‫‪ -9‬حماضرات يف علوم القرآن للدكتور حممد سامل – الدكتور صالح‬
‫الصاوي‪.‬‬
‫‪ -10‬املدخل يف علوم القرآن للشيخ حممد أبو شهبة‪.‬‬
‫‪ -11‬مناهل العرفان يف علوم القرآن للزرقاين‪.‬‬

You might also like