You are on page 1of 2

‫القرآن واجملتمع الذي يدعو إليه‬

‫القرآن هو الكتاب املقدس املنزل على حممد ص لّى اهلل عليه وس لّم‪ ،‬واملنقول إلينا بالتواتر‪،‬‬
‫والّذي يضم بني دفّتيه ما به سعادة املؤمن به‪ :‬من عقيدة وخلق وتشريع‪ .‬وهو كتاب‪ ،‬كما جاء‬
‫ت ِم ْن لَّ ُد ْن َح ِكْي ٍم َخبِرْيٍ } ه ود‪ .1 :‬أوح اه اهلل إىل رس وله ليخ رج‬ ‫ص لَ ْ‬
‫ت ءَ َايتُهُ مُثَّ فُ ِّ‬
‫كم ْ‬
‫{ُأح َ‬
‫في ه‪ْ :‬‬
‫الع الَ ِمنْي َ ‪ .‬نَ َز َل‬
‫ب َ‬ ‫{وِإنَّهُ لََتْن ِزيْ ُل َر ِّ‬
‫النّاس من الظّلمات إىل النّور بإذن رهّب م إىل صراط العزيز احلميد‪َ .‬‬
‫اَألولني}‬‫ان َع َريِب ٍّ ُّمبِنْي ٍ ‪َ .‬وِإنَّهُ لَِف ْي ُزبُِر َّ‬
‫ك لِتَكُو َن ِمن املْن ِذ ِرين‪ .‬بِلِس ٍ‬
‫َْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ه ال ُّر ْو ُح اَألمنْي ُ ‪َ .‬علَى َق ْلب َ ْ َ‬
‫ِِ‬
‫موجهة لإلنسانية‬ ‫الشعراء‪ . 192-196 :‬والقرآن‪ ،‬وإن نزل بني العرب وبلغة العرب‪ ،‬هو دعوة ّ‬
‫َّاس}‬‫ك ِإاَّل َكافَّةً لِّلن ِ‬‫{و َم ا َْأر َس ْلنَ َ‬ ‫وام ة‪ ،‬وجنس وجنس‪َ ،‬‬ ‫وأم ة ّ‬‫عام ة‪ ،‬ال ف رق بني ع رب وعجم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫سبأ‪.28 :‬‬

‫والق رآن ه و كم ا يق ول الرس ول نفس ه يف وص اة ل ه رواه ا علي بن أيب ط الب‪( :‬عليكم‬


‫بكتاب اهلل‪ ،‬فيه نبأ ما قبلكم وخرب ما بعدك‪ ،‬وحكم ما بينكم‪ ،‬هو الفصل ليس باهلزل‪ ،‬ومن اتّبع‬
‫اهلدى يف غريه أضلّه اهلل‪ ،‬ومن دعا إليه هدي إىل صراط مستقيم)‪ .‬وأل ّن القرآن دعوة للناس مجيعاً‪،‬‬
‫يتجه للقلب ليفتّح للموعظة‪،‬‬
‫على اختالف حظوظهم من العقل والقدرة على التفكري‪ ،‬كان منه ما ّ‬
‫يتج ه للعقل ليذعن للمنطق والدليل‪ .‬وكان منه‪ ،‬جبانب هذا وذاك‪ ،‬مل يشتمل على‬ ‫وكان منه ما ّ‬
‫الع الِ ُم ْو َن}‬ ‫ِ‬
‫{و َم ا َي ْعقلُ َه ا ِإاَّل َ‬
‫احلقيق ة س افرة يفهمه ا اجلمي ع‪ ،‬وك ان من ه‪ ،‬م ا جييء يف ش كل أمث ال َ‬
‫العنكبوت‪ .34 :‬وهذا (ألن أمثال والتشبيهات هي الطرق إىل املعاين احملتجبة يف األستار)‪ ، 1‬من‬
‫أجل هذا كله‪ ،‬كان القرآن حريًا أن يصل إىل ما أرد من اهلداية وتبيني احلق من الباطل‪ ،‬فيما كان‬
‫الناس فيه من أم ٍر مريج قبل نزوله‪ ،‬مما يتصل باهلل والعامل واإلنسان‪.‬‬

‫والقرآن نزل بني العرب وبلغة العرب‪ ،‬بعد فرتة نزول اليهودية والنصرانية‪ ،‬فرتة اختلط‬
‫مر الزمن فيما أوحاه اهلل من قبل من الدين الصحيح ما ليس منه‪،‬‬
‫فيها الباطل باحلق‪ ،‬ودخل على ّ‬
‫وس بب ه ذا ابتع د الع امل كث ريا أو قليالً عن العقي دة احلق ة‪ .‬ك ان الب د إذًا من أن يتج ه الق رآن‬

‫‪1‬الزمخشري (تفسير)‪ ،‬ج ‪191 :3‬‬


‫لتصحيح العقيدة قبل كل شيء‪ ،‬ولبيان احلق فيما كان عليه الناس يف بالد العرب اليت كان يتمثل‬
‫فيها الديانات وامللل املختلفة العديدة‪.2‬‬

‫عمن كان من الع رب اليهود يف (يثرب) ‪-‬املدينة اليت هاجر إليها الرسول‬
‫حقيقة‪ ،‬فض الً ّ‬
‫مجيعا عبدة أوثان‬
‫أيضا الوثنيون‪ ،‬الذين وإن كانوا ً‬
‫فيما بعد‪ -‬والنصارى يف اليمن‪ ،‬كان من العرب ً‬
‫وأصنام‪ ،‬كانوا مع هذا خيتلفون فيما بينهم يف اعتقاداهتم الدينية على ما سيجيء‪ ،‬كما كان من‬
‫املوحدين‪ ،‬الذين وصلوا إىل إدراك طرف من احلقيقة بتفكريهم‪.‬‬
‫العرب أخرياً نفر قليل من ّ‬
‫هك ذا‪ ،‬ظه ر الق رآن والع رب يف اختالف دي ين كب ري‪ ،‬ح ىت ك ان منهم ع دد غ ري قلي ل‬
‫يتطلَّعُون لدين جديد يُنق ُذهم مما هم فيه‪ .‬وإذا أردنا ً‬
‫مرجعا صادقًا لبيان هذا الوسط الذي نزل فيه‬
‫القرآن‪ ،‬ولتصوير حظ العرب من التفكري يف املساءل الدينية قبيل ظهور اإلسالم‪ ،‬ال جند أصدق‬
‫وال أبني من الق رآن نفس ه‪ ،‬فه و أق دم كت اب ع ريب موث وق حبفظ ه كم ا ترك ه الرس ول ال ذي بلغ ه‬
‫للناس‪ .‬وبعد هذا نستشهد بالشهرستاين‪ ،‬فكتابه (امللل والنخل) من أجدر املراجع بالثقة يف هذه‬
‫الناحية‪.‬‬

‫هذا أمر طبيعي‪ ،‬ويلمسه من يتصفح القرآن في مواضع كثير جّ دا‪.‬‬ ‫‪2‬‬

You might also like