You are on page 1of 23

‫يسر شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫أن تقدم لكم تفريغًا حملاضرة‬


‫بعنوان‬

‫الصدقة برهان‬

‫للشيْخ‬
‫ِّ‬
‫د‪ .‬هشام بن خليل الحوسني‬
‫حفظه اهلل‬
‫‪3‬‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫‪‬‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪.‬‬

‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن نبينا محمدً ا عبده ورسوله‪،‬‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫ثم أما بعد‪..‬‬

‫فموضوع حديثنا يف هذه الليلة ‪-‬بإذن اهلل تعالى‪ -‬عن الصدقة‪ ،‬وكما تم العنوان لها‬
‫بعنوان‪« :‬الصدقة برهان» كما قال النبي ‪ ،‬أخرج اإلمام مسلم ‪ ‬يف صحيحه من حديث‬
‫اإليمان‪ ،‬وا ْل َح ْمدُ لِل ِه َت ْمألُ‬
‫ِ‬ ‫ور َش ْط ُر‬ ‫أبي مالك األشعري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬ال ُّط ُه ُ‬
‫ض‪ ،‬والصال ُة‬ ‫واألر ِ‬ ‫حان اهللِ وا ْلحمدُ لِل ِه َتم ََل ِن ‪َ -‬أو َتمألُ‪ -‬ما بين السم ِ‬
‫وات‬ ‫وس ْب َ‬ ‫الم َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫يزان‪ُ ،‬‬
‫آن ُحج ٌة َل َك‪ْ ،‬أو َع َل ْي َك‪ ،‬ك ُُّل الن ِ‬
‫اس َي ْغدُ و َفبائ ٌع‬ ‫هان‪ ،‬والص ْب ُر ِضيا ٌء‪ ،‬وا ْل ُق ْر ُ‬
‫ُور‪ ،‬والصدَ َق ُة ُب ْر ٌ‬ ‫ن ٌ‬
‫َن ْف َس ُه َف ُم ْعتِ ُقها‪ْ ،‬أو ُموبِ ُقها»(‪.)1‬‬

‫نبينا ‪ ‬أشار يف هذا الحديث إلى مسائل هامة ينبغي على المسلم أن يتأملها ويستفيد‬
‫منها‪.‬‬

‫فاإليمان كما ذكر أهل العلم نوعان‪ :‬فعل وترك‪ ،‬فعل للمأمور‪ ،‬وترك للمحظور‪ ،‬لذلك‬
‫ِ‬ ‫ور َش ْط ُر‬
‫اإليمان» واإليمان هنا يف هذا الحديث بمعنى‪ :‬الصالة‪ ،‬كما قال‬ ‫قال النبي ‪« :‬ال ُّط ُه ُ‬
‫اهلل تعالى ‪ :‬ﱡﭐﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄﲅﱠ أي‪ :‬صالتكم إلى بيت المقدس‪ ،‬فهذا‬
‫الطهور والوضوء هو نصف اإليمان‪ ،‬أي أنه نصف هذه الصالة‪ ،‬ألن الصالة هي سؤال هلل‬
‫‪ ‬ودعاء له وتقرب إليه‪ ،‬وال تصح هذه الصالة إال بالطهور والوضوء‪ ،‬فلذلك كانت مفتاح‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪.)43‬‬


‫الصدقة برهان‬ ‫‪‬‬ ‫‪4‬‬

‫الصالة‪ ،‬والصالة مفتاح الجنة‪ ،‬فالعبد ُي ْغ َفر له من السيئات والخطايا هبذه الصالة التي‬
‫ُيش َت َرط لها هذا الشرط وهو‪ :‬أن يصليها ُمسبِ ًغا لوضوئه‪ ،‬كما جاء يف الحديث الصحيح يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل عليه‪،‬‬
‫َب ُ‬ ‫صحيح مسلم ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪« :‬ما من ُم ْسل ٍم َي َت َطه ُر‪ ،‬ف ُيت ُّم ال ُّط ُه َ‬
‫ور الذي َكت َ‬
‫ارات لِما ب ْينَها»(‪ ،)1‬ثم أخرب النبي ‪ ‬عن مسألة‬ ‫الخمس‪ ،‬إال كان َْت َك ّف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ُي َص ِّلي هذه الص َلوات َ ْ َ‬
‫وذكر اهلل ‪ ‬وأهنا تمأل ما بين السموات واألرض‪.‬‬ ‫التحميد والتسبيح والتهليل ِ‬

‫والتحميد‪ :‬هو إثبات األوصاف الكاملة هلل ‪ ‬والنعوت الجليلة والمحامد هلل ‪.‬‬

‫والتسبيح‪ :‬هو تنزيهه عن النقائص والعيوب واآلفات‪.‬‬

‫فالتسبيح والتحميد يمألن ما بين السماء واألرض‪.‬‬

‫هان‪ ،‬والص ْب ُر ِضيا ٌء» وكلها أنوار يعطيها اهلل ‪ ‬لعباده‬


‫ُور‪ ،‬والصدَ َق ُة ُب ْر ٌ‬
‫ثم قال‪« :‬والصال ُة ن ٌ‬
‫المؤمنين‪ ،‬فالصالة نور‪ ،‬والصدقة برهان‪ ،‬والصرب ضياء‪ ،‬وهي كلها نور من اهلل ‪ ،‬فالصالة‬
‫نور للعبد يف دنياه يف حياته‪ ،‬يف حياته الربزخية‪ ،‬يف آخرته‪ ،‬كلها نور‪ ،‬لذلك كانت كما قال أهل‬
‫ِ‬
‫الصالة»(‪ )2‬كما قال النبي ‪.‬‬ ‫العلم‪ :‬كانت قرة عيون المتقين‪« ،‬وجع َل ْت قر ُة َعيني يف‬

‫نور يقذفه اهلل ‪ ‬يف قلب هذا العبد‪ُ ،‬ين ِ ُير له بصره‪ ،‬و ُتن ِ ُير له بصيرته‪ ،‬و ُتن ِ ُير له‬
‫فالصالة ٌ‬
‫َد ْر َب ُه يف اآلخرة يوم أن ُتقسم األنوار وتوزع على أصحاهبا بقدر أعمالهم وإيماهنم باهلل ‪،‬‬
‫ولذلك وصفها النبي ‪ ‬بأهنا نور‪.‬‬

‫وكذلك قال ‪ ‬عن الصدقة‪« :‬والصدَ َق ُة ُب ْر ٌ‬


‫هان» والربهان‪ :‬هو الشعاع الذي ‪-‬كما‬
‫يقولون‪ -‬الذي يلي وجه الشمس‪ ،‬ومنها الحديث الذي قد جاء يف حديث أبي موسى‪ :‬أن‬
‫نورا‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ٌ‬
‫برهان كربهان الشمس ‪ ،‬ما معنى هذا؟ أي‪ :‬أن لها ً‬ ‫روح المؤمن تخرج من جسده لها‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪.)231‬‬


‫(‪ )2‬سنن النسائي (‪.)3950‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ِ :‬حلية األولياء ألبي نعيم‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بيروت (‪ .)262 /1‬ومصنف ابن شيبة‪ ،‬ط‪.‬‬
‫ِ‬
‫مكتبة الرشد ‪ -‬الرياض (‪ .)141 /7‬ولفظه من المصنف كما يلي‪َ :‬ع ْن َأبِي ُم َ‬
‫وسى‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ت ْخ ُر ُج‬
‫‪5‬‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫ومنه كذلك ‪-‬كما يقول أهل العلم‪ُ -‬س ِّميت الحجة القاطعة بالربهان‪ ،‬لماذا؟ لوضوحها‬
‫وظهورها‪ ،‬وهذا النور وهذا الوضوح إنما ناله المسلم ألنه قد أخرج هذا المال من طِ ِ‬
‫يب‬
‫أن يبخل الناس بالصدقة ويمنعوهنا؛ يكون هذا المسلم الذي‬ ‫أن بخل الناس‪ ،‬يوم ْ‬ ‫نفسه‪ ،‬يوم ْ‬
‫س هبا‪ُ ،‬معطِ ًيا ُم ِنف ًقا ُمم َتثِ ًال أمر نبيه ‪ ،‬كما قال ‪« :‬ما‬ ‫ب الن ْف ِ‬ ‫يخاف اهلل ‪ ‬ويريد مرضاته َط ِّي َ‬
‫ُ‬
‫ويقول‬ ‫ط ُمن ِْف ًقا َخ َل ًفا‪،‬‬
‫قول أحدُ ُهما‪ :‬اللهم‪ ،‬أ ْع ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من َيو ٍم ُي ْصبِ ُح العبا ُد فيه إال َم َلكان َين ِْزالن‪ ،‬ف َي ُ َ‬
‫ط ُم ْم ِس ًكا َت َل ًفا»(‪ ،)1‬فلذلك دل هذا األمر وهذه الصدقة دلت على وجود‬
‫اآلخر‪ :‬اللهم‪ ،‬أ ْع ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫برهان على إيمانه‪ ،‬لذلك‬ ‫ٌ‬ ‫اإليمان يف قلب صاحبها الذي قد تصدق وأنفق هذا المال‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪:‬‬ ‫ثالث َم ْن َف َع َل ُهن فقدْ َط ِع َم ط ْع َم‬ ‫قال النبي ‪ ‬كما جاء يف الحديث الصحيح قال‪ٌ « :‬‬
‫اهلل‪ ،‬وأ ْع َطى زكا َة مال ِ ِه ط ِّي َب ًة بِها ن ْف ُس ُه‪ ،‬رافِدَ ًة عليه كل‬
‫وحدَ ُه وأن ُه ال إل َه إال ُ‬
‫اهلل ْ‬
‫َم ْن ع َبدَ َ‬
‫عا ٍم»(‪« ،)2‬رافِدَ ًة عليه»‪ :‬أي‪ :‬أهنا تعينه على هذا اإليمان‪ ،‬وتعينه على هذه التقوى‪ ،‬والقرب‬
‫يم اهللِ ال َيف َع ُل ذلك إال مؤمِ ٌن»(‪ )3‬لماذا؟‬
‫من اهلل ‪ .‬لذلك كان أبو الدرداء ‪ ‬يقول‪« :‬وأ ُ‬
‫ألنه لما امتأل قلبه باإليمان‪ ،‬وبتصديق وعد اهلل ووعيده‪ ،‬واليقين بأن ما أعطاه اهلل ‪ ‬له وما‬

‫خره ليو ٍم عظيم‪ ،‬واد َ‬


‫خره لذلك اليوم الذي يحتاج فيه‬ ‫أنفقه يف سبيل اهلل ‪‬؛ إنما هو مما اد َ‬
‫إلى هذه الحسنات التي يراها أمامه بإذن اهلل ‪.‬‬

‫فإ ًذا هذا اإلنفاق وهذا السبب الذي قد ُس ِّميت ألجله الصدقة بأهنا برهان‪ ،‬قيل‪ :‬ألن‬
‫المال الذي ُت ِ‬
‫ح ُّبه النفوس‪ ،‬وتبخل به‪َ ،‬س َم َحت نفسه بإخراجها وإنفاقه‪ ،‬مع وجود البخل‬

‫ك»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َي ْص َعدُ بِ َها ا ْل َم َالئِ َك ُة ال ِذي َن َيت ََوف ْون ََها َف َت َلق ُ‬
‫اه ْم‬ ‫َن ْفس ا ْلمؤْ مِ ِن و ِهي َأ ْطيب ِريحا مِن ا ْل ِمس ِ‬
‫ْ‬ ‫ً َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫ون‪:‬‬‫ون‪ُ :‬ف َال ٌن َو َي ْذك ُُرو َن ُه بِ َأ ْح َس ِن ع ََملِ ِه‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬ ‫ون‪َ :‬م ْن َه َذا َم َع ُك ْم؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫ون السم ِ‬
‫اء َف َي ُقو ُل َ‬ ‫َم َالئِ َك ٌة ُد َ‬
‫َ‬
‫اء»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف ُي ْش ِر ُق َو ْج ُه ُه َف َي ْأتِي الرب‬ ‫حياكُم اهلل وحيا من مع ُكم»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف ُت ْفتَح َله َأبواب السم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َْ ُ‬ ‫َ ُ ُ َ َ َ ْ ََ ْ‬
‫س»‪.‬‬‫ان مِ ْث ُل الش ْم ِ‬
‫َول ِ َو ْج ِه ِه ُب ْر َه ٌ‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪ ،)1442‬صحيح مسلم (‪.)1010‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود (‪.)1580‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود (‪.)429‬‬
‫الصدقة برهان‬ ‫‪‬‬ ‫‪6‬‬

‫ُّ‬
‫والشح يف قلب الناس بشكل عام‪ ،‬لكنه لما ذاق طعم اإليمان‪ ،‬وصدق بوعد اهلل ‪ ‬ووعيده؛‬
‫سهال عليه‪ ،‬بل كان ُمنقا ًدا له وطيب ًة هبا نفسه كما أخرب النبي ‪.‬‬
‫كان ذلك ً‬

‫ثم وصف النبي ‪ ‬الصرب بالضياء‪ ،‬والضياء كما يقول أهل العلم‪ ،‬الضياء‪ :‬هو النور‬
‫وس ِّمي‬
‫الذي قد يكون معه شي ٌء من الحرارة نوع من الحرارة‪ .‬لذلك ُس ِّميت الشمس ضياء‪ُ ،‬‬
‫القمر نور؛ ﱡﭐﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﱠ‪ ،‬فالشمس لما كان يف نورها شي ٌء من‬
‫يفرق به أهل‬
‫وس ِّمي القمر بالنور‪ .‬فهذا الذي ِّ‬
‫اإلحراق وشي ٌء من الحرارة‪ُ ،‬س ِّميت ضيا ًء‪ُ .‬‬
‫العلم بين النور والضياء‪.‬‬

‫فالضياء‪ :‬هو نور لكن قد يصاحبه شيء من الحرارة وشيء من اإلحراق‪ ،‬لماذا؟ ألن‬
‫الصرب قد يكون فيه شيء من األلم‪ ،‬أو شيء من الصعوبة‪ ،‬لكن مع وجود هذه الصعوبة إال‬
‫أن المسلم يصرب ويحتسب األجر عند اهلل ‪ ،‬لذلك ُس ِّمي الصرب ضياء‪.‬‬

‫هان‪ ،‬والص ْب ُر ِضيا ٌء» هذه كلها من أنواع النور التي يو ِّفق‬
‫ُور‪ ،‬والصدَ َق ُة ُب ْر ٌ‬
‫فإ ًذا «الصال ُة ن ٌ‬
‫اهلل ‪ ‬لها المسلم‪.‬‬
‫وص َفت بالنور‪ ،‬وشريعة موسى ‪ِ ‬‬
‫وص َفت بأهنا ضياء‪ ،‬قال اهلل ‪‬‬ ‫شريعة النبي ‪ِ ‬‬

‫ﱡﭐﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱠ‬ ‫عن شريعة موسى ‪ ‬قال‪:‬‬


‫[األنبياء‪ ،]48 :‬ﱡﭐﱶ ﱷ ﱸﭐﱠ لماذا؟ ألن شريعة موسى ‪ ‬لما شد َد أهلها؛ شد َد‬
‫اهلل ‪ ‬عليهم‪ ،‬وكان فيها من األغالل واألثقال ما فيها؛ لذلك ِ‬
‫وص َفت بأهنا ضياء‪ ،‬مع أن فيها‬
‫نور‪ ،‬وقد أخرب اهلل ‪ ‬عن هذا قال‪ :‬ﱡﭐﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷﱠ [المائدة‪ ،]44 :‬إال أن‬
‫الغالب على شريعة من قبلنا شريعة موسى ‪ ‬بأهنا وصفت بأهنا ضياء‪ ،‬لكن شريعة محمد‬
‫‪ ‬لو تأملتم كتاب اهلل ‪ ‬لوجدتم أن اهلل ‪ ‬قال‪ :‬ﱡﭐﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬

‫ﱳﱠ [المائدة‪ ،]15 :‬فاهلل ‪ ‬وصف هذه الشريعة‪ ،‬شريعة محمد ‪ ‬بأهنا نور يقذفه اهلل ‪‬‬
‫يف قلب من اتبع هذا الوحي واتبع هذا الدين وآمن بما جاء به محمد ‪ ،‬فهي شريعة سمحة‪،‬‬
‫شريعة طيبة‪ ،‬ختم اهلل ‪ ‬هبا سائر الشرائع‪ ،‬وختم اهلل هبذا النبي الكريم سائر شرائع األنبياء‪،‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫لذلك أخرب اهلل ‪ ‬ووصفها هبذا الوصف الذي فيه من الجمال والكمال ما فيه‪.‬‬

‫آن ُحج ٌة َل َك‪ْ ،‬أو َع َل ْي َك» فالقرآن إما شاهد لك أو شاهد عليك‪،‬‬ ‫قال بعد ذلك النبي ‪« :‬وا ْل ُق ْر ُ‬
‫وماح ٌل ُم َصد ٌق‪ ،‬من َجع َله أما َمه قا َده إلى الجن ِة ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫شافع ُم َشف ٌع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫كما قال ابن مسعود‪« :‬‬
‫ار»(‪ )1‬والعياذ باهلل‪.‬‬ ‫ظهره سا َقه إلى الن ِ‬ ‫لف ِ‬ ‫ومن جع َله َخ َ‬

‫اس َي ْغدُ و َفبائ ٌع َن ْف َس ُه َف ُم ْعتِ ُقها‪ْ ،‬أو ُموبِ ُقها»‪ ،‬وهذا مصداق قول‬
‫ثم قال النبي ‪« :‬ك ُُّل الن ِ‬

‫اهلل ‪ ‬ﱡﭐﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬

‫ﱳﱠ [الشمس‪.]10 - 7 :‬‬

‫اك َر َق َبتِ ِه‪َ ،‬ال َي ْأ َم ُن‬


‫قال الحسن البصري ‪« :‬إِن ا ْلم ْؤمِن َأ ِسير فِي الدُّ ْنيا يسعى فِي فِ َك ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َ‬
‫َش ْي ًئا َحتى َي ْل َقى َ‬
‫اهلل ‪ »‬فهو يسير يف هذه الدنيا يفعل ما يكون فيه فكاك أسره وفكاك رقبته‪،‬‬
‫حتى ُي ْقبِ َل على اهلل ‪ ‬وقد خلص نفسه من عذاب اهلل ‪ ،‬كما قال النبي ‪« :‬يا َم ْع َش َر‬
‫ش ‪-‬أو كَلِم ًة نَحو َها‪ْ -‬اشتَروا أ ْن ُفس ُكم؛ ال ُأ ْغنِي َعنْ ُكم مِن اهللِ شي ًئا‪ ،‬يا بنِي ِ‬
‫عبد من ٍ‬
‫َاف‪ ،‬ال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُق َر ْي ٍ ْ َ ْ َ‬
‫ب‪ ،‬ال ُأ ْغنِي َعن َْك مِ َن اهللِ شي ًئا‪ ،‬و َيا َص ِفي ُة‬ ‫المطلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ب َن عبد ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأ ْغني َعنْ ُك ْم م َن اهلل شي ًئا‪ ،‬يا َعب ُ‬
‫ت مِن َمالِي‪،‬‬ ‫ْك مِن اهللِ شي ًئا‪ ،‬ويا َفاطِم ُة بن َْت محم ٍد‪ ،‬سلِينِي ما ِش ْئ ِ‬‫سول اهللِ‪ ،‬ال ُأ ْغنِي َعن ِ‬
‫َعم َة ر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال ُأ ْغنِي َعن ِْك مِ َن اهللِ شي ًئا»(‪ ،)2‬فالنبي ‪ ‬أوصانا هبذه الوصايا النفيسة الغالية بأن المؤمن‬
‫عليه أن يسعى يف ما فيه فكاك رقبته ونجاته يوم القيامة‪ ،‬يقول الحسن البصري ‪« :‬ابن آدم‬
‫إنك تغدو أو تروح يف طلب األرباح فليكن همك نفسك‪ ،‬فإنك لن تربح مثلها أبدً ا»‪ .‬نعيش‬
‫يف هذه الدنيا ونركض خلف ملذاهتا وشهواهتا وزينتها‪ ،‬ثم سرعان ما نرتكها ونقبل على ربنا‬
‫خيرا فليبشر الواحد منا هبذا الخير الذي قدمه‪ ،‬وإن قدم سو ًءا فنعوذ باهلل من‬
‫‪‬؛ فإن قدمنا ً‬
‫أن يكون حالنا مثل هؤالء‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح ابن حبان (‪ ،)124‬وشعب اإليمان للبيهقي (‪.)1855‬‬


‫ناف‪ْ ،‬اشت َُروا أ ْن ُف َس ُك ْم مِ َن اهللِ‪ ،‬يا‬
‫عبد م ٍ‬
‫َ‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪ ،)4771‬ويف لفظ آخر (‪« :)3527‬يا بنِي ِ‬
‫َ‬
‫سول اهللِ‪ ،‬يا فاطِ َم ُة بن َْت‬ ‫بن ال َع ّوا ِم َعم َة ر ِ‬
‫َ‬ ‫الز َب ْي ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ْاشت َُروا أ ْن ُف َس ُك ْم مِ َن اهلل‪ ،‬يا ُأم ُّ‬
‫المطلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َبني عبد ُ‬
‫ِ‬

‫ُم َحم ٍد‪ْ ،‬اشت َِريا أ ْن ُف َس ُكما مِ َن اهللِ ال أ ْملِ ُك َل ُكما مِ َن اهللِ شي ًئا‪َ ،‬سالنِي مِن مالِي ما ِش ْئتُما»‪.‬‬
‫الصدقة برهان‬ ‫‪‬‬ ‫‪8‬‬

‫كثير من الناس يسعى ويجري خلف ملذات هذه الدنيا‪ ،‬وال يسعى خلف هذا الربح‬
‫العظيم‪ ،‬وهو أن يربح نفسه وينجيها من خسرانه يف ذلك اليوم‪.‬‬

‫وينجي هذه‬
‫ِّ‬ ‫فخير األرباح التي يجنيها المسلم يوم أن يفتك رقبته من عذاب اهلل ‪‬‬
‫النفس من عذاب أليم؛ لذلك شرع اهلل ‪ ‬لنا هذه الصدقات وهذه الزكوات واألعطيات‬
‫التي يكون فيها من فكاك أسر المسلم لنفسه‪ ،‬ومن فكاك رقبته وإبعادها وتخليصها من‬
‫عذاب اهلل ‪ ،‬كما قال اهلل ‪ :‬ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬

‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴﱠ [المنافقون‪ ،]10 :‬لكن هل ُي َمكن من‬


‫ذلك؟ هل ُي ْق َبل طلبه هذا؟ ﱡﭐﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽﱠ [المنافقون‪ ،]11 :‬فاهلل ‪ ‬أعطانا‬
‫هذه الفرصة وأمهلنا‪ ،‬وأعطانا هذا العقل الذي نميز به الصواب من الخطأ‪ ،‬ثم أرسل لنا‬
‫الرسل ليبينوا لنا الخير من الشر‪ ،‬ويهدونا سواء السبيل‪ ،‬فأفلح من اتبعهم‪ ،‬وخاب وخسر من‬
‫ابتعد عن طريقهم وسار وتنكب الطريق الذي رسموه لنا عليهم أفضل الصالة والسالم‪.‬‬

‫عظيما ﱡﭐﳌ ﳍ ﳎ‬
‫ً‬ ‫نبينا ‪ ‬أخرب عن فضل هذه الصدقة وأهنا تقع عند اهلل ‪ ‬موق ًعا‬
‫ﳑ ﳓ ﳔ ﳕﱠ [سبأ‪ ،]39 :‬ما تنفق يا ابن آدم من نفقة صغير ًة كانت أو‬
‫ﳒ‬ ‫ﳏﳐ‬

‫كبيرة إال وهي تقع يف يد اهلل ‪ ،‬فيربيها لك وينميها لك اهلل ‪ ‬حتى تصبح كأمثال الجبال‪،‬‬
‫وهذا فضل عظيم من اهلل ‪ ،‬لكن أخلِص النية‪ ،‬واحتسب األجر عند اهلل ‪ ،‬واعلم أن‬
‫الذي طلب منك أن تتصدق وأن تنفق‪ ،‬هو الذي أعطاك هذا الكثير وطلب منك هذا الشيء‬
‫القليل‪.‬‬

‫ب‪ ،‬وإن‬ ‫وال َي ْق َب ُل ُ‬


‫اهلل إال الط ِّي َ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫يقول النبي ‪َ « :‬من َت َصد َق ب َعدْ ِل َت ْم َر ٍة مِن ك َْس ٍ‬
‫ب َط ِّي ٍ‬

‫احبِ ِه‪ ،‬كما ُي َر ِّبي َأ َحدُ ك ُْم َف ُلو ُه ‪-‬يعني‪ُ :‬م ْه َر ُه الصغير حين يولد‪-‬‬ ‫اهلل ي َت َقب ُلها بي ِمين ِ ِه‪ُ ،‬ثم يربيها لِص ِ‬
‫ُ َ ِّ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ِ‬ ‫حتى َت ُك َ ِ‬
‫ألحدكم كما ُي َر ِّبي أحدُ كم‬ ‫الج َب ِل»(‪ ،)1‬وجاء يف رواية الرتمذي قال‪« :‬ف ُي َر ِّبيها‬ ‫ون م ْث َل َ‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪.)1410‬‬


‫‪9‬‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫مثل ُأ ُح ٍد»(‪ ،)1‬حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد‪ ،‬مثل جبل أحد‪،‬‬
‫لتصير َ‬
‫ُ‬ ‫مهر ُه حتى إن ال ُّلقم َة‬
‫َ‬
‫هذه النفقة الصغيرة اليسيرة التي أنفقتها واحتسبت األجر فيها لكنها من طِيب نفس منك‪،‬‬
‫رباها اهلل ‪ ‬لك ونماها لك حتى صارت كأمثال الجبال‪.‬‬

‫وقال ‪ ‬كما جاء يف صحيح مسلم‪ ،‬من حديث أبي هريرة ‪ ‬قال‪« :‬ما َن َق َص ْت َصدَ َق ٌة‬
‫ِ ِ‬ ‫اهلل َع ْبدً ا ب َع ْف ٍو‪ ،‬إال ِع ًّزا‪ ،‬وما َت َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أحدٌ لله إال َر َف َع ُه ُ‬
‫اهلل ‪ ،)2(»‬ما نقصت‬ ‫واض َع َ‬ ‫من مال‪ ،‬وما زا َد ُ‬
‫صدقة من مال‪ ،‬لو نظرت يف هذه األعطيات وهذه الصدقات التي ُت ِ‬
‫خر ُجها‪ ،‬نعم قد ينقص‬
‫حسا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫من مالك النقص الحسي الذي تراه بعينك‪ ،‬كأن يكون لك مئة درهم ف ُتنفق منها فتقل ً‬
‫لكنها يبارك اهلل ‪ ‬لك فيها‪ ،‬فيقي هذا المال من الشرور واآلفات‪ ،‬ويبعدك عن المصائب‬
‫التي تنفق بسببها أضعاف أضعاف ما تنفقه يف هذه النفقة‪ ،‬فيبارك اهلل ‪ ‬لك يف هذا المال‪،‬‬
‫لذلك قال اهلل ‪ :‬قال النبي ‪« :‬ما َن َق َص ْت َصدَ َق ٌة مِن ٍ‬
‫مال» ما تنقص شي ًئا من مالك‪ ،‬وإنما‬
‫يبارك اهلل ‪ ‬لك يف هذا المال وينميه لك ويجعله كأمثال الجبال‪ ،‬روى الرتمذي ‪ ‬من‬
‫حديث عائشة ‪ :‬أهنم قد ذبحوا شاة فقال النبي ‪ ‬لها‪« :‬ما َب ِق َي منها؟» قالت‪ :‬ما بقي منها‬
‫إال كتفها‪- ،‬أي‪ :‬أهنا وزعتها وأنفقتها على جيراهنا وعلى من يحتاجها‪ ،‬وما بقي منها إال كتف‬
‫غير كتِ ِفها»(‪ )3‬يشير إلى ما هو مدخر عند اهلل ‪‬‬ ‫ِ‬
‫هذه الشاة‪ -‬قال النبي ‪ ‬لها‪« :‬بقي ك ُّلها َ‬
‫لك‪ ،‬وستجده أمامك يوم القيامة يوم أن يبحث الناس عن حسنة والحسنتين‪ ،‬وتأيت أنت وقد‬
‫أنفقت وبذلت يف سبيل اهلل ‪ ‬ولم تبخل نفسك هبذه النفقات‪ ،‬فتجد هذه الخيرات أمامك‬
‫بإذن اهلل وبفضله ومنته وكرمه‪.‬‬

‫يقول ال َع ْبدُ ‪ :‬مالِي‪ ،‬مالِي‪ ،‬إنما له مِن‬


‫جاء عنه كذلك ‪ ‬من حديث أبي هريرة قال‪ُ « :‬‬
‫ب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الث‪ :‬ما أك ََل فأ ْفنَى‪ْ ،‬أو َلبِ َس فأ ْب َلى‪ْ ،‬أو أ ْع َطى فا ْق َتنَى‪ ،‬وما ِس َوى َ‬
‫ذلك َفهو ذاه ٌ‬ ‫مال ِ ِه َث ٌ‬

‫(‪ )1‬سنن الرتمذي (‪.)664‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم (‪.)2588‬‬
‫(‪ )3‬سنن الرتمذي (‪.)2470‬‬
‫الصدقة برهان‬ ‫‪‬‬ ‫‪10‬‬

‫وتار ُك ُه لِلن ِ‬
‫اس»(‪ ،)1‬ال يبقى لك من مالك إال هذه األمور الثالثة‪ ،‬وهو أن ماله ال يخلو من‬ ‫ِ‬

‫هذه األمور الثالثة‪ :‬ما أكلت فأفنيت فهو ذاهب‪ ،‬وما لبست فأبليت فهو كذلك ذاهب‪ ،‬وما‬
‫أعطيت فاقتنيته‪ُ ،‬تعطِيه ف ُيدخر لك عند اهلل ‪ ،‬وتتصدق به فينميه اهلل ‪ ‬لك‪ ،‬وما سوى‬
‫ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس‪.‬‬

‫ب إ َل ْي ِه مِن مال ِ ِه؟»‬


‫أح ُّ‬
‫مال ِ ِ ِ‬
‫وارثه َ‬ ‫لذلك قال ‪ ‬كما هو يف حديث ابن مسعود قال‪َ « :‬أ ُّي ُك ْم ُ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬من مِنا يحب مال وارثه أشد من حبه لماله؟‪ -‬قالوا‪ :‬يا ر َ ِ‬
‫ب‬ ‫أحدٌ إال ما ُل ُه َ‬
‫أح ُّ‬ ‫سول اهلل‪ ،‬ما منا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وارثِ ِه ما أخ َر»(‪ ،)2‬فما‬ ‫ومال ِ‬ ‫إ َل ْي ِه‪- ،‬يعني‪ :‬أحب إليه من مال وارثه‪ ،-‬قال‪« :‬فإن ما َل ُه ما َقد َم‪ُ ،‬‬
‫قدمته لنفسك يف هذا اليوم هو مالك‪ ،‬وما أخرته وأبقيته ثم أخذه منك الورثة الذين سيرثونه‬
‫كثيرا منهم يحب مال‬
‫من بعدك فهو ليس بمالك‪ ،‬فإن نظرت يف حقيقة الناس وجدت أن ً‬
‫وارثه ويقدمه على محبة ماله‪ ،‬وهذا إن دل على أمر فيدل على ضعف اإليمان باهلل ‪ ‬وقلة‬
‫اليقين بوعده ووعيده ‪ ،‬وإال لو أن القلب تأمل يف هذه األمور لفض َل أن يدخر لنفسه ما هو‬
‫أكمل وأفضل عند اهلل ‪.‬‬

‫ض‪َ ،‬ف َس ِم َع َص ْو ًتا يف َسحا َب ٍة‪:‬‬ ‫األر ِ‬ ‫ٍ ِ‬


‫جاء يف حديث أبي هريرة ‪َ « :‬ب ْينا َر ُج ٌل ب َفالة م َن ْ‬
‫الشراجِ َق ِد‬ ‫لك ِّ‬ ‫حاب‪ ،‬فأ ْف َر َغ ما َء ُه يف َحر ٍة‪ ،‬فإذا َش ْر َج ٌة مِن تِ َ‬
‫ذلك الس ُ‬ ‫الن‪َ ،‬ف َتنَحى َ‬ ‫اس ِق ح ِدي َق َة ُف ٍ‬
‫ْ َ‬
‫بم ْسحاتِ ِه‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫ذلك الماء كُله‪َ ،‬ف َتتَبع الماء‪ ،‬فإذا رج ٌل قائِم يف ح ِدي َقتِ ِه يحو ُل الماء ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫است َْو َع َب ْت َ‬ ‫ْ‬
‫فقال له‪ :‬يا َع ْبدَ اهللِ ل ِ َم‬
‫ال ْس ِم الذي َس ِم َع يف السحا َب ِة‪َ ،‬‬ ‫الن‪ ،‬ل ِ ِ‬ ‫اس ُم َك؟ َ‬
‫قال‪ُ :‬ف ٌ‬ ‫ِ‬
‫له‪ :‬يا َع ْبدَ اهلل ما ْ‬
‫اس ِق َح ِدي َق َة‬ ‫ماؤ ُه ُ‬
‫يقول‪ْ :‬‬ ‫حاب الذي هذا ُ‬ ‫فقال‪ :‬إنِّي َس ِم ْع ُت َص ْو ًتا يف الس ِ‬ ‫اس ِمي؟ َ‬ ‫ِ‬
‫َت ْس َأ ُلني َع ِن ْ‬
‫قال‪ :‬أما إ ْذ ُق ْل َت هذا‪ ،‬فإنِّي أ ْن ُظ ُر إلى ما َي ْخ ُر ُج مِنْها‪ ،‬فأ َت َصد ُق‬ ‫ال ْس ِم َك‪َ ،‬فما َت ْصن َُع فيها؟ َ‬‫الن‪ِ ،‬‬
‫ُف ٍ‬

‫وعيالِي ُث ُل ًثا‪ ،‬و َأ ُر ُّد فيها ُث ُل َث ُه»(‪ ،)3‬فلما أن نما هذا المال‪ ،‬ولما أن حرص على‬ ‫ب ُث ُلثِ ِه‪ ،‬وآك ُُل أنا ِ‬

‫الصدقة من هذه األموال؛ بارك اهلل ‪ ‬له يف هذا المال‪ ،‬بل أرسل له ما يكون سب ًبا يف استمرار‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪.)2959‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪.)6442‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم (‪.)2984‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫هذه الحديقة وهذا البستان ليكثر ماله ويكثر خيره ويبارك اهلل ‪ ‬له يف هذا المال‪.‬‬
‫ِ‬
‫أحدٌ إال‬ ‫يقول النبي ‪ ‬كما هو يف حديث عدي بن حاتم ‪ ‬يف الصحيحين‪« :‬ما من ُكم َ‬
‫مان‪َ ،‬ف َينْ ُظ ُر أ ْي َم َن منه فال َي َرى إال ما َقد َم مِن َع َملِ ِه‪ ،‬و َينْ ُظ ُر‬ ‫َس ُي َك ِّل ُم ُه َر ُّب ُه َ‬
‫ليس ب ْينَ ُه وب ْينَ ُه ُت ْر ُج ٌ‬
‫وج ِه ِه‪ ،‬فات ُقوا الن َار ولو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أش َأ َم منه فال َي َرى إال ما َقد َم‪ ،‬و َينْ ُظ ُر ب ْي َن َيدَ ْيه فال َي َرى إال الن َار ت ْلقا َء ْ‬ ‫ْ‬
‫بش ِّق َت ْم َر ٍة»(‪ ،)1‬ال تستهن بصدقة تتصدقها‪ُ ،‬فرب درهم َس َبق ألف درهم‪ ،‬فقد ال يكون لك‬
‫ِ‬

‫عظيما‬
‫ً‬ ‫من األموال الشيء الكثير الذي تنفقه‪ ،‬لكن هذا الذي تنفقه قد يساوي عندك شي ًئا‬
‫فيبارك اهلل ‪ ‬لك يف هذا اإلنفاق‪ ،‬ويجعله ساب ًقا لنفقات كثيرة قد ينفقها كثير من الناس‬
‫يسيرا‪ ،‬فلذلك ُرب درهم كما يقول النبي ‪ ‬يسبق ألف درهم(‪،)2‬‬
‫وهي عنده ال تمثل إال شي ًئا ً‬
‫بش ِّق َت ْم َر ٍة‪َ ،‬ف ْل َي ْف َع ْل»(‪ ،)3‬فال تبخل وال‬
‫ار ولو ِ‬
‫أن َي ْستَتِ َر مِ َن الن ِ‬
‫َطاع مِن ُكم ْ‬
‫است َ‬‫ويقول ‪َ « :‬م ِن ْ‬
‫تدعوك نفسك لل ُبعد عن الصدقة بأن تقول لك‪ :‬بأنك ال تملك شي ًئا‪ ،‬وأنك ليس لك من‬
‫المال شيء‪ .‬بل أنفق بقدر استطاعتك‪ ،‬وبقدر ما يملك الواحد منا‪ ،‬فيبارك اهلل ‪ ‬له يف هذا‬
‫يسيرا‪.‬‬
‫الذي ينفقه ولو كان شي ًئا ً‬

‫كعب ب َن ُعجر َة!‬


‫ُ‬ ‫يقول النبي ‪ ‬كما يف حديث جابر‪ ،‬يقول لكعب بن عجرة‪« :‬يا‬
‫ِ‬
‫كعب ب َن‬
‫ُ‬ ‫النار‪ ،‬يا‬ ‫ربان‪ ،‬والصيا ُم ُجنةٌ‪ ،‬والصدق ُة ُتطف ُئ الخطيئ َة كما ُي ُ‬
‫طفئ الما ُء َ‬ ‫الصال ُة ُق ٌ‬

‫فمعتِ ٌق رقبتَه»(‪ ،)4‬فعلى المسلم‬


‫نفسه ُ‬
‫بتاع َ‬
‫فموبق رقبتَه‪ ،‬و ُم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫نفسه‬
‫فبائع َ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫غاديان‪،‬‬ ‫الناس‬
‫ُ‬ ‫ُعجر َة!‬
‫أن يتفكر يف هذا وينظر يف حاله‪ ،‬ويعلم أن الصدقة تطفئ غضب الرب ‪ ،‬وأن الصدقة‬
‫تبعده عن آثار الخطايا والذنوب والمعاصي وتمحو هذه الخطايا والسيئات‪ ،‬حتى ُيقبل على‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪ ،)7512‬وصحيح مسلم (‪.)1016‬‬


‫ف» َقا ُلوا‪َ :‬يا‬ ‫ول اهللِ ‪َ s‬ق َال‪« :‬سب َق ِدر َهم مِا َئ َة َأ ْل ِ‬ ‫(‪ )2‬سنن النسائي (‪ ،)2540‬ولفظه‪َ :‬ع ْن َأبِى ُه َر ْي َر َة َأن َر ُس َ‬
‫َ َ ْ ٌ‬
‫ان َف َأ َخ َذ َأ َحدَ ُه َما َفت ََصد َق بِ ِه‪َ ،‬و َر ُج ٌل َل ُه َم ٌال كَثِ ٌير َف َأ َخ َذ مِ ْن‬
‫ف؟ َق َال‪« :‬رج ٌل َله ِدر َهم ِ‬
‫َ ُ ُ ْ َ‬ ‫ول اهللِ َو َك ْي َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ض مال ِ ِه مِا َئ َة َأ ْل ٍ‬
‫ف َفت ََصد َق بِ َها»‪.‬‬ ‫ُع ْر ِ َ‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪ ،)6539‬وصحيح مسلم (‪ )1016‬واللفظ له‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند اإلمام أحمد (‪.)15284‬‬
‫الصدقة برهان‬ ‫‪‬‬ ‫‪12‬‬

‫اهلل ‪ ‬وال يبخل بل ينفق مما أتاه اهلل ‪.‬‬


‫سول اهللِ ‪ ‬م َث َل الب ِ‬
‫خي ِل‬ ‫روى أبو هريرة ‪ ‬كما يف الصحيحين قال‪َ « :‬ض َر َب َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لباسا من حديد‪ ،‬كمثل‬ ‫وا ْل ُمت ََصدِّ ق‪ ،‬ك ََم َث ِل َر ُج َل ْي ِن عليهما ُجنتان من َحديد» كأهنما يلبسان ً‬
‫يهما» أي‪ :‬أن‬ ‫يهما إلى ُث ِد ِّي ِهما و َتراقِ ِ‬
‫اض ُطر ْت أ ْي ِد ِ‬
‫يد‪َ ،‬ق ِد ْ‬
‫تان مِن ح ِد ٍ‬
‫َ‬
‫«كَم َث ِل رج َلي ِن عليهما جن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫مثل البخيل والمتصدق‪ ،‬كمثل رجلين لبسا جنتان من حديد‪ ،‬وربطت هذه األيدي إلى‬
‫بصدَ َق ٍة ا ْن َب َس َط ْت عنْه‪ ،‬حتى ُت َغ ِّش َي أنامِ َل ُه‬ ‫ُث ِد ِّي ِهما وإلى َتراقِ ِ‬
‫يهما « َف َج َع َل ُ‬
‫المت ََصدِّ ُق كُلما َت َصد َق َ‬
‫و َت ْع ُف َو أ َث َر ُه» جعل المتصدق كلما يتصدق كلما انبسطت هذا الربط وهذا اإلغالق‬
‫بصدَ َق ٍة‬ ‫ِ‬
‫وج َع َل ال َبخ ُيل كُلما َهم َ‬ ‫وس ُهل عليه االفتكاك والتخلص من هذا القيد‪َ « ،‬‬ ‫واإلحكام‪َ ،‬‬
‫َق َل َص ْت‪ ،‬و َأ َخ َذ ْت ك ُُّل َح ْل َق ٍة َمكانَها» فأما البخيل‪ :‬كلما أراد أن يتحرك‪ ،‬كلما َق َل َص ْت‪ ،‬أي‪:‬‬
‫انجمعت واشتدت عليه وأخذت كل حلقة بمكاهنا‪ ،‬قال أبو هريرة ‪« :‬فأنا َر َأ ْي ُت َر َ‬
‫سول‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫بإص َبعه يف َج ْيبِه ْ‬
‫فلو َر َأ ْي َت ُه ُي َو ِّس ُعها وال َت َوس ُع»(‪ ،)1‬وال تتوسع أي‪ :‬هذا حال‬ ‫اهللِ ‪ُ ‬‬
‫يقول‪ْ :‬‬
‫البخيل يريد أن يحركها فال تتحرك‪ ،‬وهذا لما بخل عن النفقة يف هذه الدنيا حين قدرته وحين‬
‫تمكنه واستطاعته‪ ،‬كان ذلك شا ًقا عليه يف اآلخرة‪ .‬وأما الكريم الذي لم يبخل بما أتاه اهلل ‪‬‬
‫فوسع اهلل ‪ ‬عليه‪.‬‬

‫وجاء يف حديث عقبة بن عامر ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬ك ُُّل ا ْم ِر ٍئ فِى‬
‫ظِ ِّل َصدَ َقتِ ِه َحتى ُي ْف َص َل َب ْي َن الن ِ‬
‫اس‪َ ،‬أ ْو َق َال‪ُ :‬ي ْح َك َم َب ْي َن الن ِ‬
‫اس»(‪ ،)2‬أي أن هذه الصدقة التي‬
‫ظال يوم القيامة‪ ،‬كما جاء يف حديث السبعة الذين يظلهم اهلل يف‬ ‫تتصدق هبا تعينك وتكون لك ً‬
‫اها حتى ال َت ْع َل َم ِش َما ُل ُه ما‬ ‫بصدَ َق ٍة ْ‬
‫فأخ َف َ‬ ‫ور ُج ٌل َت َصد َق َ‬
‫ظله يوم ال ظل إال ظله‪ ،‬و َذ َكر منهم‪َ « :‬‬
‫ُتن ِْف ُق َي ِمينُ ُه»(‪ ،)3‬فيظله اهلل ‪ ‬يف ظله يوم ال ظل إال ظله‪ ،‬يوم أن تدنو الشمس من الخالئق‪،‬‬
‫عظيما‪ ،‬ويزداد هبم الحر‪ ،‬ويطول هبم الموقف‪ ،‬وصاحب‬
‫ً‬ ‫ويكون يبلغ العرق هبم مبل ًغا‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪ ،)1443‬وصحيح مسلم (‪.)1021‬‬


‫(‪ )2‬مسند اإلمام أحمد (‪.)١٧٦٠٦‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪.)1423‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫الصدقة يتنعم هبذا الظل الذي يظله اهلل ‪ ‬به جزا ًءا وفا ًقا‪ ،‬كما أنه استجاب ألمر اهلل ‪ ‬يف‬
‫هذه الدنيا ولم يبخل بما أتاه اهلل‪ ،‬كذلك وسع اهلل ‪ ‬عليه وفرج عنه يف ذلك اليوم‪.‬‬

‫ال ُي ْخطِ ُئ ُه َي ْو ٌم إِال‬


‫َان َأ ُبو ا ْل َخ ْي ِر مرثد ‪َ ‬‬
‫لذلك يقول يزيد ابن أبي حبيب‪ ،‬يقول‪َ « :‬وك َ‬
‫يه بِ َش ْى ٍء َو َل ْو َك ْع َك ًة َأ ْو َب َص َل ًة َأ ْو ك ََذا»(‪ ،)1‬وهذا من حرص الصحابة ‪ ‬على‬
‫َتصد َق فِ ِ‬
‫َ‬
‫اإلنفاق‪ ،‬ال يفرط بيومه بل يجعل أيامه كلها فيها الصدقات‪ ،‬ولو لم يجد شي ًئا فينفق مما‬
‫كمه‬ ‫يجده‪ ،‬قال‪َ « :‬و َل ْو َك ْع َك ًة َأ ْو َب َص َل ًة» يقول يزيد‪« :‬وما رأيته داخالً المسجد ُّ‬
‫قط إال ويف ِّ‬
‫صدقة‪ ...‬حتى ربما رأيت البصل يحمله‪ :‬قال‪ :‬فأقول يا أبا الخير إن هذا ينت ُن ثيابك‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫يا أبن أبي حبيب أما إن لم أجد يف البيت شيئا أتصدق به غيره‪ ،‬إنه حدثني رجل من‬
‫أصحاب رسول اهلل ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ :‬ظِ ُّل المؤمن يوم القيامة صدقته»(‪ ،)2‬أو كما قال‬
‫‪ .‬فال يريدون أن يفوهتم شيء من هذه الخيرات وهذه الفضائل العظيمة‪ ،‬بل يكونون من‬
‫السباقين لها‪.‬‬

‫القبور ‪ ،‬وإنما َي ْستَظِ ُّل المؤم ُن يو َم‬


‫ِ‬ ‫لذلك قال ‪« :‬إن الصدق َة َل ُت ْط ِف ُئ عن أهلِها َحر‬
‫القيامة يف ظِ ِّل َصدَ َقتِ ِه»(‪.)3‬‬
‫ِ‬

‫فالصدقة لها فوائد عظيمة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أهنا تقي العبد من حر القبور‪ ،‬وتكون عليه بر ًدا وسال ًما‪ ،‬يوم أن تضيق القبور على‬
‫أصحاهبا يوسع اهلل ‪ ‬على هؤالء المنفقين المتصدقين المقبلين على أمر اهلل ‪.‬‬

‫ومن فوائدها كذلك أن العبد يستظل بظل صدقته يوم القيامة‪.‬‬


‫وسئل النبي ‪ ‬ماذا ُي ِ‬
‫نجي العبد من النار؟ قال‪« :‬اإليمان باهلل» فقيل‪ :‬يا نبي اهلل مع‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬مسند اإلمام أحمد (‪.)١٧٦٠٦‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الرتغيب والرتهيب للمنذري‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بيروت (‪.)16 /2‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬تخريج المسند لشعيب األرناؤوط (‪.)569/28‬‬
‫الصدقة برهان‬ ‫‪‬‬ ‫‪14‬‬

‫اإليمان عمل؟ قال‪« :‬أن ترضخ مما خولك اهلل‪ ،‬وترضخ مما رزقك اهلل»(‪ ،)1‬يعني‪ :‬أن تعطي‬
‫مما مل َك َك اهلل ‪ ،‬وتعطي مما رزقك اهلل ‪.‬‬

‫معاشر الفضالء‪ ،‬لو نظرنا يف أحوالنا لوجدنا أن اهلل ‪ ‬قد من علينا بالكثير الكثير‪ ،‬وما‬
‫أد ْينا شكر هذه النعمة ولو بالقليل‪ ،‬فإذا أنفق المسلم القليل‪ ،‬فماذا يضره؟ وماذا عساه ينقص‬
‫من ماله؟ إن عود نفسه‪ ،‬والنفس كالطفل إن عودهتا على هذا األمر تعتاد‪ ،‬لكن إن عودهتا‬
‫فعودها على هذا الخير وهذا الفضل‬
‫على اإلمساك والشح والبخل فإهنا تمسك وال تنفق‪ِّ ،‬‬
‫ولو بالقليل‪َ ،‬ع ِّو ْدها على الخيرات‪َ ،‬ع ِّو ْدها على الفضائل‪َ ،‬ع ِّو ْدها على اإلنفاق يف سبيل اهلل‪،‬‬
‫عود أبنائك‪ ،‬أعطي ولدك‪ ،‬علمه أن ينفق‪ ،‬وأن تكون النفقة ال أذية فيها‪ ،‬وأن تكون بال ٍ‬
‫منن‬ ‫ِّ‬
‫وال أذى للناس‪ ،‬بل يعطي المحتاج والمسكين‪ ،‬فليعطيه بشكل ال يكون فيه جرح له أو فيه‬
‫عو ُدوا أطفالكم‪ ،‬ولنُ َع ِّود أنفسنا‬
‫أذية له‪ ،‬بل يعطيه ويفرح هبذا العمل أنه قد قام بعمل طيب‪ِّ ،‬‬
‫كذلك على اإلنفاق والبذل يف سبيل اهلل ‪ ،‬ألن هذا الذي ُيدخر لنا بعد مماتنا‪ ،‬نسأل اهلل‬
‫‪ ‬أن يبارك لنا ولكم فيما أعطانا وفيما أنفقنا‪.‬‬

‫جاء يف حديث أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪َ « :‬خ ْي ُر الصدَ َق ِة َما َأ ْب َق ْت َغنَا ًء‪َ ،‬وا ْل َيدُ‬
‫الس ْف َلى‪َ ،‬وا ْبدَ ْأ َم ْن َت ُع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول»(‪ ،)2‬كثير من الناس قد يأخذ هذا األمر ومسألة‬ ‫ا ْل ُع ْل َيا َخ ْي ٌر م َن ا ْل َيد ُّ‬
‫الصدقة وأنه ال بد أن يبذل ويفهمها على غير فهمها الصحيح‪ ،‬فيظن أن الشرع يطالبك بأن‬
‫تنفق كل ما عندك‪ ،‬وهذا غير سديد‪ ،‬فالنبي ‪ ‬يقول‪« :‬ا ْبدَ ْأ َم ْن َت ُع ُ‬
‫ول»‪ ،‬وبين النبي ‪ ‬حتى‬
‫اللقمة التي تضع يف فِ ِّي امرأتك لك فيها أجر(‪ ،)3‬ولك فيها خير‪ ،‬ولك فيها صدقة‪ .‬هذا‬
‫العمل وهذا اإلنفاق الذي تنفقه على أسرتك‪ ،‬على ولدك‪ ،‬على زوجتك‪ ،‬على والديك‪ ،‬هذا‬
‫من الصدقات التي ُتدخر لك‪ ،‬و ُتح َتسب لك عند اهلل ‪ ،‬و« َخ ْي ُر الصدَ َق ِة َما َأ ْب َق ْت َغنَا ًء» أي‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الرتغيب والرتهيب للمنذري‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بيروت (‪.)18 /2‬‬
‫(‪ )2‬صحيح ابن خزيمة (‪.)2436‬‬
‫وج َه اهللِ إال ُأ ِج ْر َت هبا‪ ،‬حتى ال ُّل ْق َم َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪ )4409‬بلفظ‪« :‬و َل ْس َت ُتنْف ُق َن َف َق ًة َت ْبتَغي هبا ْ‬
‫َت ْج َع ُلها يف فِي ا ْم َر َأتِ َك»‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫محتاجا للناس ولصدقاهتم ولنفقاهتم‪ ،‬فلذلك قال‬ ‫خيرا من أن تبقى‬ ‫ِ‬


‫ً‬ ‫أنك أن تبقى قو ًيا ُمعط ًيا‪ً ،‬‬
‫الس ْف َلى‪َ ،‬وا ْبدَ ْأ َم ْن َت ُع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول»‪.‬‬ ‫‪َ « :‬وا ْل َيدُ ا ْل ُع ْل َيا َخ ْي ٌر م َن ا ْل َيد ُّ‬

‫ُك‪َ :‬أن ِْف ْق َع َلي َأ ْو‬ ‫ول ا ْم َر َأ ُت َك‪َ :‬أن ِْف ْق َع َلي َأ ْو َط ِّل ْقنِي َو َي ُق ُ‬
‫ول َم ْم ُلوك َ‬ ‫قال أبو هريرة ‪َ « :‬ت ُق ُ‬

‫ول َو َلدُ َك‪ :‬إِ َلى َم ْن َتكِ ُلنَا»(‪ ،)1‬يف هذا الحديث ويف هذا الكالم من أبي هريرة ‪‬‬ ‫بِ ْعنِي َو َي ُق ُ‬
‫يوسع على عياله وال يبخل عليهم بالنفقة‪ ،‬يكون‬
‫إرشاد وتوجيه لنا بأن المسلم عليه أن ِّ‬
‫منضب ًطا يف مثل هذه األمور بالضوابط الشرعية‪ ،‬وبما أباحه اهلل ‪ ‬له من غير إفراط وال‬

‫تفريط‪ ،‬بل ما تنفقه على عيالك وزوجتك وولدك هو صدق ٌة عنك‪ ،‬وكذلك ٌ‬
‫رفع للحرج‬
‫عنك‪ ،‬ورفع لإلثم عنك‪ ،‬فأنت ُم َطا َلب بالنفقة عليهم‪ .‬كثير من األبناء أو كثير من الزوجات‬
‫قد تشتكي من بخل زوجها وقلة إنفاقه‪ ،‬وقد تكون مخطئة أو مصيبة يف هذا‪ ،‬لكن العربة‬
‫ً‬
‫معتدال يف هذا‪ ،‬غير‬ ‫بمسألة االنضباط واالعتدال يف مثل هذه األمور‪ ،‬فال بد للمسلم أن يكون‬
‫يوسع عليهم بقدر ما‬
‫بخيل على أوالده وعلى امرأته‪ ،‬غير معسر عليهم يف النفقة‪ ،‬بل ال بد أن ِّ‬
‫أتاه اهلل ‪ ،‬بالذي أباحه اهلل سبحانه وبغير كلفة وبغير إسراف أو مخيلة‪ ،‬فال إفراط وال‬
‫تفريط‪ ،‬ال يعطيهم بحيث يفسدهم‪ ،‬وال أنه يبخل عليهم بحيث أنه كذلك يفسدهم ويجعلهم‬
‫ً‬
‫معتدال يف إنفاقه ويف عطاياه ويف كرمه‪ ،‬لذلك قال‬ ‫محتاجين للناس‪ ،‬فالمسلم عليه أن يكون‬
‫النبي ‪َ « ‬وا ْبدَ ْأ َم ْن َت ُع ُ‬
‫ول»‪ ،‬فهؤالء الذين تحت واليتك وتحت تصرفك من أبناء وزوجة‬
‫والقوامة قد أعطاها اهلل ‪ ‬لك‪ ،‬فينبغي عليك أن تحسن يف هذه القوامة‪ ،‬وأن تكون خائ ًفا‬
‫من اهلل ‪ ‬مراق ًبا له يف مثل هذه األمور‪ ،‬وال تكون ممن يعسر عليهم فيكون سب ًبا يف تنفيرهم‬
‫أو سب ًبا يف التقصير يف حقهم‪.‬‬

‫جاء كذلك من فضائل الصدقة‪ :‬ما جاء يف حديث ابن مسعود الموقوف عليه عند‬
‫ت ا ْم َرأ ٌة َفن ََز َل ْت إلى َجنْبِ ِه‬
‫راهبا َعبدَ اهلل يف صومعتِ ِه ِستِّين سنَةً‪َ ،‬فجاء ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫البيهقي وغيره قال‪« :‬أن ً َ َ َ ْ َ َ‬
‫يال ُثم َس َق َط يف َي ِد ِه» أي أنه خاف من اهلل ‪ ‬ومن هذا الذنب الذي‬ ‫َفن ََز َل إ َل ْيها َفوا َق َعها ِست َل ٍ‬

‫(‪ )1‬صحيح ابن خزيمة (‪.)2436‬‬


‫الصدقة برهان‬ ‫‪‬‬ ‫‪16‬‬
‫يه َثال ًثا ال ي ْطعم َشي ًئا‪َ ،‬ف ُأتِي بِر ِغ ٍ‬
‫يف َف َك َس َر ُه َفأ ْعطى َر ُج ًال‬ ‫جدً ا َفأوى فِ ِ‬ ‫فعله « َف َهر َب‪َ ،‬فأتى مس ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آخر َعن ي ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫وح ُه‪،‬‬‫الم ْوت َف َق َب َض ُر َ‬ ‫اهلل إ َل ْيه َم َل َك َ‬
‫ساره ن ْص َف ُه‪َ ،‬ف َب َع َث ُ‬ ‫َع ْن َيمينه ن ْص َف ُه وأ ْعطى َ َ ْ َ‬
‫الست ُة يف كِف ٍة» الستة أيام التي قد عصى اهلل ‪ ‬فيها‬ ‫ِ ِ‬
‫ووض َعت ِّ‬
‫ِ ٍ‬
‫ُّون يف كفة‪ُ ،‬‬‫الست َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َف ُوض َعت ِّ‬
‫ِ‬
‫الست ُة» رجحت الست بماذا؟ بالستين سنة التي عبد اهلل ‪ ‬فيها‪،‬‬ ‫وضعت يف كفة « َف َر َج َحت ِّ‬
‫يف َف َر َج َح»(‪ )1‬وضع الرغيف يف كفة فرجح ماذا؟ هبذه‬ ‫فرجحت هذه الست « ُثم ُو ِض َع الر ِغ ُ‬
‫ظهر لك عظيم فضل اهلل ‪ ،‬وأن اهلل ‪ ‬ال يضيع أجر المحسنين‪ ،‬وأن على‬ ‫الست‪ .‬وهذا ُي ِ‬

‫المسلم مهما أذنب ومهما اقرتف من ذنوب ومن معاص و ُب ْع ٍد عن اهلل ‪ ‬فينبغي عليه أن ال‬
‫يكون هذا ُم َيئ ًسا له مبعدً ا له عن اهلل ‪ ،‬ويقول له‪ :‬يا فالن ‪-‬تحدثه نفسه‪ -‬أين أنت والتوبة؟‬
‫أين أنت واإلقبال على اهلل؟ أنت فعلت وفعلت وفعلت‪ ،‬هكذا ُي َقنِّ ُطه الشيطان من رحمة اهلل‪،‬‬
‫رحيما‬
‫ً‬ ‫ويلقي يف قلبه اليأس من روح اهلل ‪ ،‬لكن َمن َعمر قلبه باإليمان‪ ،‬وتذكر أن له ر ًبا‬
‫‪ُ ‬ي ْقبِل عليه ويغفر الزالت ويتوب عن السيئات‪ ،‬فإنه ال يرتدد يف أن ُي ْقبِل على اهلل ‪‬‬
‫ويكفر هذه الخطايا والسيئات بتلك الحسنات التي تمحو هذه الخطايا‪ .‬فانظر إلى هذا‬
‫الرجل وما كان من صنيعه‪ ،‬وماذا كان من إكرام اهلل ‪ ‬له‪ ،‬فهذه من فضائل الصدقة التي قد‬
‫عظيما‪ ،‬ويكون لها القدر‬
‫ً‬ ‫يغفل عنها كثير منا وال ينتبه لها‪ ،‬بل هي مما تقع عند اهلل ‪ ‬موق ًعا‬
‫الكبير عند اهلل ‪.‬‬

‫وح َر ُج ٍل مِم ْن َ‬
‫كان َق ْب َل ُك ْم‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جاء فيما أخرب به النبي ‪َ « :‬ت َلقت َ‬
‫المالئ َك ُة ُر َ‬
‫أن ُينْظِ ُروا‬
‫اس َفآ ُم ُر فِتْيانِي ْ‬
‫قال‪ُ :‬كن ُْت ُأدايِ ُن الن َ‬ ‫أ َع ِم ْل َت مِ َن َ‬
‫الخ ْي ِر شي ًئا؟ َ‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬قالوا‪َ :‬ت َذك ْر‪َ ،‬‬
‫وس ِر» أي أنه كان يبايع الناس ويداينهم‪ ،‬فإن أتيتم إلى م ِ‬
‫عسر‬ ‫المع ِسر‪ ،‬ويتَجو ُزوا َع ِن الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ َ َ‬
‫بذلك منه‪َ ،‬ت َ‬
‫جاو ُزوا عنْه»(‪ ،)2‬فانظر إلى عظيم فضل‬ ‫َ‬ ‫أح ُّق‬
‫اهلل ‪ :‬ن َْح ُن َ‬
‫قال ُ‬‫فيسروا عليه «ف َ‬
‫ِّ‬
‫اهلل‪ ،‬وإلى كبير جزاءه ‪ ،‬وتنظر إلى تقصيرنا يف هذه األمور وتفريطنا يف حق اهلل ‪ ،‬فتجد‬
‫أن ربنا ‪ ‬أرحم بنا من أنفسنا‪ ،‬ربك كريم يحب منك اإلقبال عليه‪ ،‬وأن تعامل الناس كما‬

‫(‪ )1‬صحيح ابن حبان (‪.)378‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪ ،)2077‬وصحيح مسلم (‪ )1561( )1560‬واللفط له‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫ب الدُّ ْن َيا‪،‬‬‫تحب أن يعاملك اهلل ‪ ،‬لذلك قال النبي ‪َ « :‬من نَف َس عن ُم ْؤمِ ٍن ك ُْر َب ًة مِن ك َُر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهلل عنْه ك ُْر َب ًة مِن ك َُر ِ‬
‫اهلل عليه يف الدُّ ْن َيا‬‫ب َيو ِم الق َيا َمة‪َ ،‬و َمن َيس َر ع َلى ُم ْعس ٍر‪َ ،‬يس َر ُ‬ ‫نَف َس ُ‬
‫اآلخ َر ِة»(‪ ،)1‬لذلك حثنا نبينا ‪ ‬بالتيسير على الناس وعدم التشديد عليهم وتيسير‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫رجال قد أعطاه من‬
‫معامالهتم‪ ،‬يقول أبو قتادة ‪ ‬كما ثبت يف الحديث الصحيح‪ :‬أنه رأى ً‬
‫المال وتعسرت عليه مسألة إرجاع هذا المال‪ ،‬فتوارى عن أبي قتادة ‪ ،‬ثم وجده فقال له‪:‬‬
‫إن معسر‪ ،‬يعني ال أستطيع أن أسدد لك هذا المال‪ ،‬فقال له أبو قتادة ‪ ،‬أهلل؟ يعني تحلف‬
‫باهلل أنك معسر‪ ،‬قال‪ :‬واهلل إن معسر‪ ،‬فقال ‪ :‬فإن سمعت النبي ‪ ‬يقول‪َ « :‬من َسر ُه َأ ْن‬
‫الق َيا َم ِة‪َ ،‬ف ْل ُينَ ِّف ْس عن ُم ْع ِس ٍر‪َ ،‬أ ْو َي َض ْع عنْه»(‪ ،)2‬لذلك حث اإلسالم‬
‫ب يو ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل من ك َُر ِ َ‬
‫ِ‬
‫ُينْج َي ُه ُ‬
‫على مسألة التيسير على الناس‪ ،‬ال شك وال ريب أنك صاحب هذا المال‪ ،‬وأنك قد أقرضته‬
‫وأنك قد أعطيته وتفضلت عليه بمثل هذا‪ ،‬لكن الناس قد تمر هبم شدائد وتمر هبم أمور‪،‬‬
‫ويكون صاد ًقا يف هذا األمر وغير مفرط فيه‪ ،‬لكن يقدر اهلل ‪ ‬عليه أنه يتعسر عليه السداد‪،‬‬
‫ويتعسر عليه اإلرجاع‪ ،‬إرجاع المال لصاحبه‪ ،‬فيقع يف حرج شديد‪ ،‬بل يتعرض ِع ُ‬
‫رضه‬
‫للكالم واالهتام‪ ،‬فلذلك إن نفست عنه وأخرجته من هذا الكرب ومن هذا الهم العظيم‪،‬‬
‫نائع‬
‫نفس اهلل ‪ ‬عنك كرب يوم القيامة‪ ،‬لذلك قال النبي ‪ ‬كما يف حديث أبي أمامة‪َ « :‬ص ُ‬
‫ضب الر ِّب‪ ،‬وصل ُة الر ِح ِم زياد ٌة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السوء‪ ،‬والصدق ُة خف ًّيا ُت ُ‬
‫طفئ َغ َ‬ ‫مصارع ُّ‬
‫َ‬ ‫المعروف تقي‬
‫ال ُع ُمر»(‪.)3‬‬

‫فعلينا معاشر الفضالء أن ندخر ألنفسنا شي ًئا إن أتينا يوم القيامة نرجو من اهلل ‪ ‬أن‬
‫يكون هذا الشيء ناف ًعا لنا وشفي ًعا لنا بين يدي اهلل ‪ ،‬فصنائع المعروف ووقوفك بجانب‬
‫أخيك المسلم يف ألوائِه وشدته وكربه‪ ،‬هذا من تفريج الكربة على المسلمين‪ ،‬ومن صنائع‬
‫المعروف التي يعني جعلها اهلل ‪ ‬على يديك‪ ،‬فال تبخل على نفسك وكن من الحريصين‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم (‪.)2699‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم (‪.)1563‬‬
‫(‪ )3‬المقاصد الحسنة للسخاوي (‪.)310‬‬
‫الصدقة برهان‬ ‫‪‬‬ ‫‪18‬‬

‫على أن تنال األجر العظيم عند اهلل ‪.‬‬

‫ِ‬
‫المسكين‬ ‫كذلك جاء يف حديث سلمان ابن عامر ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ‪« :‬الصدق ُة على‬
‫وصل ٌة»(‪ ،)1‬فالصدقة على الناس بشكل عام هي‬ ‫ِ‬
‫اثنتان‪ :‬صدق ٌة ِ‬ ‫صدق ٌة وهي على ذي الر ِ‬
‫حم‬
‫لها أجر الصدقة عند اهلل ‪ ،‬وأما إن كانت على قريب أو ذي رحم فهي مضاعفة‪ ،‬فلك أجر‬
‫الصدقة ولك أجر الصلة‪.‬‬

‫محتاجا فتصدقت مِن ُحليها أو من مالها على‬


‫ً‬ ‫فقيرا‬
‫وهكذا المرأة إن كان زوجها ً‬
‫زوجها فكان لها أجر القرابة وأجر الصدقة‪ ،‬كما جاء يف حديث زينب الثقفية امرأة ابن‬
‫مسعود لما سألت النبي ‪ ‬وأن ابن مسعود كان خفيف اليد ‪-‬يعني ما كان له عمل‪ -‬هل‬
‫أج ُر ال َق َرا َب ِة‪ ،‬و َأ ْج ُر الصدَ َق ِة»(‪ ،)2‬أو كما قال‬ ‫ِ‬
‫تجزء الصدقة عليه؟ فقال النبي ‪َ « :‬ل َها ْ‬
‫أج َران‪ْ :‬‬
‫‪ .‬فالشاهد من هذا أن الصدقة تقع على الغريب صدقة‪ ،‬وأما على القريب فإهنا تكون لك‬
‫فيها أجران‪ :‬أجر القرابة‪ ،‬وأجر الصدقة‪.‬‬

‫وهناك مسألة كذلك نبه عليها أهل العلم يف مسألة الصدقات وهي‪ :‬أن القرض على‬
‫قرضا فيكون هذا كأنما تصدق نصف صدقة‪ ،‬جاء يف‬
‫مسلما ً‬
‫ً‬ ‫نصف الصدقة‪ ،‬من أقرض‬
‫مسلما‬
‫ً‬ ‫قرض‬ ‫ٍ‬
‫مسلم ُي ُ‬ ‫الحديث الصحيح عن النبي ‪ ‬من حديث ابن مسعود قال‪« :‬ما من‬
‫قرضا مر ِ‬
‫تين إال كان كصدَ َقتها مر ًة»(‪ ،)3‬فالنبي ‪ ‬أرشد إلى أن هذا القرض وهذا اإلكرام‬ ‫ً‬
‫منك لمسلم متعفف إنما يكون على نصف أجر الصدقة‪.‬‬

‫وجاء يف الطربان بسند حسن عن ابن مسعود ‪ ‬كذلك قال‪ :‬قال النبي ‪ُ « :‬‬
‫كل‬
‫ٍ‬
‫قرض َصدَ ق ٌة»(‪ ،)4‬فما تقرضه للناس يكون لك صدقة عند اهلل ‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح ابن حبان (‪.)3344‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪ ،)1466‬وصحيح مسلم (‪.)1000‬‬
‫(‪ )3‬سنن ابن ماجه (‪.)2430‬‬
‫(‪ )4‬المعجم األوسط للطربان (‪.)3498‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪‬‬ ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

‫كذلك من أنواع الصدقات‪ :‬ما تنفقه المرأة من طعام بيتها‪ ،‬وهذا كان من صحابة النبي‬
‫‪ ‬مِن النساء َمن تسأله بأنه ليس لها من المال إال ما يدخل عليها من زوجها‪ ،‬فماذا لها؟ فبين‬
‫لها النبي ‪ ‬أن ما تنفقه المرأة بإذن من زوجها‪ ،‬فإنما هو له كذلك شطر هذه الصدقة‪ ،‬ولها‬
‫غير ُم ْف ِسدَ ٍة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أجر‪ ،‬قال النبي ‪ ‬كما يف حديث عائشة قال‪« :‬إِ َذا َأ ْن َف َقت َ‬
‫الم ْر َأ ُة من َط َعا ِم َب ْيت َها َ‬
‫ص َب ْع ُض ُه ْم‬ ‫از ِن مِ ْث ُل َ‬
‫ذلك‪ ،‬ال َينْ ُق ُ‬ ‫ب‪ ،‬ول ِ ْل َخ ِ‬ ‫ِ‬
‫كان َل َها َأ ْج ُر َها بما َأ ْن َف َق ْت‪ ،‬ول َز ْو ِج َها َأ ْج ُر ُه بما ك ََس َ‬
‫َ‬
‫َأ ْج َر َب ْع ٍ‬
‫ض شي ًئا»(‪.)1‬‬

‫فهذا إذن من الصدقات التي بينها النبي ‪ ‬ونختم هبذا الحديث وصلى اهلل وسلم‬
‫وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪ ،)1425‬وصحيح مسلم (‪.)1024‬‬


‫الصدقة برهان‬  20

‫حسابات شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬


:‫ يسعدنا أن نتواصل على المواقع التالية‬,‫ليصلكم جديد شبكة بينونة‬
⓵ 【 ‫ تويتر‬Twitter 】
https://twitter.com/BaynoonaNet
⓶ 【 ‫ تيليجرام‬Telegram 】
https://telegram.me/baynoonanet
⓷ 【 ‫ فيسبوك‬Facebook 】
https://m.facebook.com/baynoonanetuae/
⓸ 【 ‫ انستقرام‬Instagram 】
https://instagram.com/baynoonanet
⓹ 【 ‫ واتساب‬WhatsApp 】
‫احفظ الرقم التالي في هاتفك‬
https://api.whatsapp.com/send?phone=971555409191 ☏
"‫أرسل كلمة "اشتراك‬
‫تنبيه في حال عدم حفظ الرقم لديك‬
(( ‫)) لن تتمكن من استقبال الرسائل‬
⓺【 ‫】 تطبيق اإلذاعة‬
‫ألجهزة األيفون‬
https://appsto.re/sa/gpi5eb.i
‫ألجهزة األندرويد‬
https://goo.gl/nJrA9j
⓻ 【 ‫ يوتيوب‬Youtube 】
https://www.youtube.com/c/BaynoonanetUAE
⓼ 【 ‫ تمبلر‬Tumblr 】
https://baynoonanet.tumblr.com/
⓽ 【 ‫ بلوجر‬Blogger 】
https://baynoonanet.blogspot.com/
⓾ 【 ‫ فليكر‬Flickr 】
https://www.flickr.com/photos/baynoonanet/
⑪ 【 ‫】 لعبة كنوز العلم‬
‫ألجهزة األيفون‬
https://goo.gl/Q8M7A8
‫ألجهزة األندرويد‬
https://goo.gl/vHJbem
【 ‫ في كي‬Vk 】
https://vk.com/baynoonanet
21  ‫شبكة بينونة للعلوم الشرعية‬

【 ‫ لينكدان‬Linkedin 】
https://www.linkedin.com/in/669392171-‫الشرعية‬-‫للعلوم‬-‫بينونة‬-‫شبكة‬
【 ‫ ريديت‬Reddit 】
https://www.reddit.com/user/Baynoonanet
【 ‫ تشينو‬chaino 】
https://www.chaino.com/profile?id=5ba33e0c772b23d5bb7d
af0a
【 ‫ بنترست‬Pinterest 】
https://www.pinterest.com/baynoonanet/
【 ‫ سناب شات‬Snapcha 】
https://www.snapchat.com/add/baynoonanet
【 ‫】 تطبيق المكتبة‬
‫ألجهزة األيفون‬
https://apple.co/33uUnQr
‫ألجهزة األندرويد‬
https://goo.gl/WNbvqL
【 ‫】 تطبيق الموقع‬
‫ألجهزة األيفون‬
https://apple.co/2Zvk8OS
‫ألجهزة األندرويد‬
https://bit.ly/3fFoxWe
【 ‫】 البريد اإللكتروني‬
info@baynoona.net
【 ‫】 الموقع الرسمي‬
http://www.baynoona.net/ar/

You might also like