Professional Documents
Culture Documents
تأليف
أبي أنس
ماجد إسالم البنكاني
حنم ُده ،ونس تعينه ،ونس تغفره ،ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا ،ومن َّ
إن احلم َد هلل َ
مضل له ،ومن يُضلل فال هادي له.
سيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال ّ
+ . وأشهد أ ّن حممداً عبده ورسولُه،وأشهد أ ّن ال إله إالّ اهللُ وحده ال شريك له
)1(
"
."
)2(
"
،أما بعد
وشر األمور، وخري اهلدى هدي حممد، فإن خري الكالم كالم اهلل تعاىل
. وكل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة، حمدثاهتا
احلمد هلل ال ذي َم َّن على عب اده أن جعل الق رآن ه دى وش فاء للمؤم نني
اءتْ ُك ْم َم ْو ِعظَ ةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ِش َفاءٌ لِ َما فِي ُ ﴿يَا أ َُّي َها الن:حيث قال سبحانه
َ َّاس قَ ْد َج
َ ِض ِل اللَّ ِه َوبَِر ْح َمتِ ِه فَبِ َذل
ك َفلَْي ْف َر ُح وا ُه َو ْ ين * قُ ْل بَِفِ ِ الص ُدو ِر و ُه ًدى ور ْحمةٌ لِل
َ ْم ْؤمن
ُ َ ََ َ ُّ
)3(.﴾َخْي ٌر ِم َّما يَ ْج َمعُو َن
. ) سورة آل عمران1(1
. ) سورة األحزاب2(2
. )58-57( ) ) سورة يونس آية3
ومن فضل اهلل تعاىل على املؤمنني أن جعل األمراض اليت قدرها عليهم
كفارات للذنوب واخلطايا ،فعن ابن مسعود > ،أن رسول اهلل $قال" :ما
من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إال حط اهلل به سيئاته كما
تحط الشجرة ورقها ")1(.
ومن األدوية النافعة بإذن اهلل تعاىل ،الرقية الشرعية الثابتة يف الكتاب والسنة
الصحيحة ،فعلى العبد أن يلجأ إىل اهلل سبحانه وتعاىل يف اخلري والشر ،ويف
يب ِ
السر والعلن ،وأن يدعوه يف كشف الضر عنه ،قال اهلل تعاىل :أ ََّم ْن يُج ُ
وء)2(.
الس َ ضطََّر إِ َذا َد َعاهُ َويَ ْك ِش ُ
ف ُّ ال ُْم ْ
فإنه ال شايف إال اهلل ،وال منجي إال هو سبحانه وتعاىل ،قال تعاىلَ :وإِ َذا
ت َف ُه َو يَ ْش ِفي ِن)3( . َم ِر ْ
ض ُ
ففي القرآن الكرمي والسنة الصحيحة أنواعاً من العالجات واألدوية النافعة
بإذن اهلل تعاىل ،فأحببت أن أمجعها للقارئ الكرمي لكي يكون على علم هبا،
وأن يستخدمها لينتفع هبا بإذن اهلل تعاىل ،وعلينا أن ال نعدل عنها إىل األدوية
) )1رواه البخاري يف كتاب املرض برقم ( )5660ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب برقم (
.)6511
) )2سورة النمل آية (. )62
) )3سورة الشعراء آية (. )80
الكيميائية يف العصر احلاضر ،وعليه أن يتداوى بالغذاء بدل الدواء ما أمكنه
ذلك .
ق ال ابن حجر رمحه اهلل تع اىل يف تعليقه على ح ديث املرأة اليت تص رع:
"وفيه أن عالج األم راض كلها بال دعاء وااللتج اء إىل اهلل أجنع وأنفع من
العالج بالعق اقري ،وأن ت أثري ذلك وانفع ال الب دن عنه أعظم من ت أثري األدوية
البدنية ،ولكن إمنا ينجع بأمرين :أحدمها من جهة العليل وهو صدق القصد،
واآلخ ر :من جهة املداوي وهو ق وة توجهه وق وة قلبه ب التقوى والتوكل واهلل
أعلم".اهـ)1( .
أس أل اهلل الك رمي رب الع رش العظيم أن جيعل ه ذا الكت اب س بباً لنفع
املسلمني ،وأن يكون سبباً الرتباطهم بالقرآن الكرمي والسنة املطهرة اليت ال
غىن للمسلم عنهما ،وأن جيعله خالصاً لوجهه الكرمي ،وأن جيعل له القبول يف
األرض وأن جيعل أعمالنا وأقوالنا حجة لنا ال حجة علين ا ،وأن ينفعنا هبا يف
يوم الدين ،إنه ويل ذلك والقادر عليه .آمني .
)(1رواه مسلم يف صحيحه برقم ( ،)2199باب استحباب الرقية من العني والنملة واحلمة
والنظرة.
2
() سورة املائدة اآلية (. )3
ق ال ابن مفلح احلنبلي :أن ه ذه الش ريعة كاملة كما ق ال تع اىل الَْي ْو َم
الم ِدين اً،
يت لَ ُك ُم اأْلِ ْس َ ض ُ ت َعلَْي ُكم نِ ْعمتِي ور ِ
ْ َ ََ ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْم ُ
أَ ْك َمل ُ
وأهنا تض منت مجيع الطب احملت اج إليه نص اً أو ظ اهراً أو إمياءً أو قياس اً،
وكيف ال يكون األمر كذلك وهي شريعة سيد ولد آدم صلوات اهلل وسالمه
عليه ال ذي أرس له اهلل س بحانه رمحة للع املني ،وبعثه إىل الن اس عام ةً ،وإىل
اإلنس واجلن مبصاحل الدنيا واآلخرة ،فاشتملت شريعته الطاهرة على مصاحل
األبدان كما اشتملت على مصاحل القلوب ،وفيها من الطب احملتاج إليه ما ال
يعلمه إال األش ياء وأتب اعهم كما س بق ذك ره ،وه ذا مما شك فيه وال ينكر
ت لِلن ِ
َّاس ذلك إال جاهل أو معان د ،وقد ق ال تع اىلُ :ك ْنتُ ْم َخ ْي َر أ َُّم ٍة أُ ْخ ِر َج ْ
() 2
.)1(.اهـ.
آداب و ضوابط الراقي
هناك آداب وضوابط تخص كل من يعالج بالقرآن
والسنة ،فعلى الراقي أن
يتحلى باآلداب والضوابط التالية:
أن تكون الرقية شرعية وثابتة يف الكتاب والسنة. -1
1
() سورة آل عمران اآلية (. )110
2
() اآلداب الشرعية طبعة مؤسسة الرسالة.
-2أن يتوكل ويعتمد على اهلل تعاىل وأن يتضرع إىل اهلل بشفاء هذا
املريض ،وعلى املريض كذلك أن يعتمد على اهلل تعاىل ألنه
سبحانه هو الشايف ال أحد غريه .
-3على املعاجل أن يتقي اهلل تعاىل وأن ال يتعامل مع اجلن أو السحر
أو استخدام أمور غري شرعية بعالجه للمرضى ،ألن هذه األمور
كلها حرام وتُعد من الكبائر ،بل ويؤدي بعضها إىل الكفر
والعياذ باهلل .
-4أن يكون على طهارة .
-5وعلى املعاجل كذلك أن يأمر املريض باملعروف مثل احملافظة على
الصلوات وبقية العبادات واحملافظة على األذكار العامة كأذكار
الصباح واملساء والنوم وما شابه ذلك ،وأن ينهاه عن املنكر
كسماع األغاين واملوسيقى وما شابه ذلك.
-6وعليه أن ال يتكلم مع اجلن إذا نطق على لسان املريض ،بل
يستمر بقراءة القرآن ،ألن الكالم مع اجلن فيه راحة له والقرآن
عذاب عليه ،فأنت ترفع عنه العذاب وترحيه وهذا الذي يريده
اجلن فاحذر من هذا.
-7وعلى املعاجل أيضاً أن ال يتكلم أي شيء خبصوص املريض الذي
عاجله أو يفتخر هو مبعاجلته لفالن من الناس ،ألن هذا مدخل كبري للشيطان
ومزلق خطري ،ورمبا يؤدي للرياء وبالتايل حُي بط العمل والعياذ باهلل ،وفيها
تشهري باملمريض ،ورمبا يؤدي للغرور ،عليه أن يكثر من دعاء :يا حي يا
قيوم برمحتك أستغيث أصلح يل شأين كله و ال تكلين إىل نفسي طرفة عني.
( )1
-8أن يوصي املريض بأن جيعل له ورد من القرآن كل يوم ،مع
انكساره بني يدي اهلل وتضرعه بشفائه .
والرقية الشرعية تكون بكل القرآن الكرمي يقرأ على املريض بأي جزء أو أي
آية ويكون فيه الشفاء بإذن اهلل تعاىل ،ولكن هناك بعض اآليات والسور
يكون فيها النفع أكثر بإذن اهلل تعاىل وجاء يف بعضها النصوص.
وهي :
-1سورة الفاحتة .
-2أول مخس آيات من سورة البقرة .
-3آية 102من سورة البقرة ،واتبعوا ما تتلوا الشياطني على ملك
سليمان ،كاملة.
-4آية الكرسي .
-5آخر آيتني من سورة البقرة ،آمن الرسول إىل آخر السورة .
-6سورة اإلخالص .
)(1رواه البخاري برقم ( ،)6175باب يدخل اجلنة سبعون ألفا بغري حساب.
املقصود أن الذي يتعاطى طلب الرقية دون أن يرقي نفسه ويتعاطى ذلك
دائما ويتعلق بالراقي هذا من ضعف توكله على اهلل إذا كان هذا من طبعه،
وهلذا كان األكمل أن ال يتعلق قلب املرء بالراقي وبالرقية.
صفات الراقي
للراقي صفات يجب أن يتحلى بها وأن تتوفر فيه:
أوال :أن يكون خملصاً هلل جل وعال ،فال يقع يف شيء من الشرك ال يف
قول من أقواله ،وال يف عمل من أعماله ،وإذا شرع يف رقية أحد من الناس
استعاذ باهلل جل وعال واستعان به سبحانه وتعاىل طالباً من املوىل الكرمي أن
جيعل النفع والشفاء يف هذه الرقية.
اخلصلة الثانية :من صفات الراقي أن يكون على علم مبشروعية الرقية وما
فيها من أذكار وأدعية ،ويكون ذلك إما بعلمه بالسنة النبوية الصحيحة ،أو
بعرض رقيته على أحد من أهل العلم وإجازة رقيته منه ،أما عدم علمه بالسنة
النبوية وعدم سؤاله أهل العلم عن صحة رقيته فإن مثل هذا خيشى من إساءته
يف الرقية ،وينبغي أال مي ّكن من أن يرقي اآلخرين.
الصفة الثالثة :أن يقصد الراقي من رقيته نفع إخوانه من املسلمني ،إذ إن
حرص املسلم على نفع إخوانه من املسلمني أمر مطلوب شرعاً ،ويدل على
اع أَ ْن َيْن َف َع (م ِن ْ
استَطَ َ ذلك حديث جابر رضي اهلل عنه رضي اهلل عنهما قال َ
َخاهُ َف ْلَي ْف َع ْل) ونفع اإلخوان نفع احملتاج نفع املريض إحسان ولو أخذ عليه
أَ
جعال لكن النفع إحسان و اإلحسان مطلوب بني العباد ،وأحب العباد إىل
اهلل أنفعهم إىل عباد اهلل.
الصفة الرابع :وينبغي ملن يقوم بالرقية الشرعية أن حيرص على أن جيعل
قلب املرقي معلق باهلل عز وجل وأال ينسب إىل نفسه أي قدر من الفضل أو
التأثري ،كقول البعض أنا رقيت فالن وشفي من مرض كذا ،وأنا قرأت على
فالن وشفي من كذا ،أو أنا قرأت على فالن وشفي من كذا
وكذا...ويستحب ملن يقوم بالرقية الشرعية أن يكون متواضعاً ذا خشوع
وخضوع هلل عز وجل.
وعليه أن ينفع أخوانه مبا أعطاه اهلل جل وعال ،ويعلق الناس باألذكار
املشروعة واألوراد اليت ثبتت يف السنة وحنو ذلك ،ويأمرهم باخلري وينهاهم
عن الشر ,ويفتح هلم أسباب اخلري ،هلذا صار كثري ممن رأينا ,كثري خاصة
اجلهلة والنساء يتعلقون بالراقي من حيث هو ،فالن رقيته كذا ورمبا ما قرأ
كلمة أبدا ،أو رمبا قرأ شيئا يسريا وحنو ذلك؛ يعين ما اجتهد وحترى الصواب
وحترى اآليات اليت تنفع وحنو ذلك ،وإمنا هكذا باالسم ،وهذا غري حممود؛
بل الذي ينبغي أن ينصح الراقي الناس بأن النافع هو اهلل جل وعال ،وأنا
صاحب سبب والرقية أيضا سبب ،ويعلمهم األوراد احملمودة ويعلمهم اخلري
وينهاهم عن الشر.
وأيضاً من صفات الراقي :أن يكون متنـزها عن موارد الزلل والفتنة،
خاصة يف الرقية على النساء؛ ألن الشيطان رمبا دخل على اإلنسان من جهة
الرقية يف اخللوة باملرأة ،أو يف وضع يده على املرأة ،أو حنو ذلك مما يبغي عنه
شرعا.
فالواجب على الراقي أن حيذر من وسائل الشيطان ومن سبل الفتنة اليت
رمبا أدت به إىل افتتان يف الدين والعياذ باهلل ،وحصل هذا من بعض من
تعاطوا الرقية ،و نسأل اهلل للجميع قَبول التوبة واهلداية إىل سواء الصراط.
أما املرقي الذي يُرقى عليه املريض ،الذي أصابته عني ،أوال من صفاته اليت
ينبغي أن يتحلى هبا:
أوال أن يعظم الرجاء واالستعانة واالستعاذة باهلل جل وعال ،واهلل سبحانه
ِ
ف لَهُ إِاَّل ُه َو َوإِ ْن يُِر ْد َكضٍّر فَاَل َكاش َ ك اللَّهُ بِ ُ
لعباده﴿وإِ ْن مَيْ َس ْس َ
َ وتعاىل قال
يب بِِه َم ْن يَ َشاءُ ِم ْن ِعبَ ِاد ِه﴾[يونس ،]107:وقال خِب َ ٍ فَاَل ر َّاد لَِف ْ ِ ِ ِ
ضله يُص ُ َ رْي
ِ
ف لَهُ إِاَّل ُه َو َوإِ ْن ضٍّر فَاَل َكاش َ ك اللَّهُ بِ ُ
﴿وإِ ْن مَيْ َس ْس َ
جل وعال يف آية األنعام َ
مَيْسسك خِب ٍ َفهو علَى ُكل شي ٍء قَ ِدير( )17وهو الْ َق ِ
اه ُر َف ْو َق ِعبَ ِاد ِه َو ُه َو َ َُ ِّ َ ْ ٌ َ ْ َ َرْي ُ َ َ
ت َف ُه َوضُ ﴿وإِ َذا َم ِر ْ احْلَ ِك ِ
يم اخْلَبريُ﴾[األنعام ،]18-17:قال أيضا سبحانه َ ُ
ني﴾[الشعراء.]80: يَ ْش ِف ِ
أعظم الرجاء يف اهلل جل وعال، فإذن أنت يا من حتتاج إىل من يرقيكِ :
كما تذهب إىل الطبيب وتعرف أن الطبيب سبب و النافع هو اهلل جل وعال،
فكذلك الراقي سبب والنافع هو اهلل جل جالله.
أيضا أيها املرقي يا من حيتاج إىل الرقية إياك والوسواس ،فإن جمال العني
واحلسد جمال للوسواس ,اإلنسان ينظر -الرجل أو املرأة -فينظر ويقول أنا
أصابين كذا ،أو يقول أصابين فالن كذا ،أو أصابين باحلسد ,أو أصابين
بكذا ،ويأيت إىل أوهام كثرية ويعظم عنده األمر ،ويورثه هذا مرضا على
مرضه ،والواجب على العبد أن يعظم التوكل على اهلل جل وعال وأن يأخذ
األسباب؛ ولكن ال جيعل للشيطان من قلبه نصيبا يف أنه يوسوس له ويضعفه؛
ألنه إذا ضعف تسلَّط عليه أكثر.
ومن صفات املرقي أن يتعلم األوراد هو بنفسه ،ليس دائما حيتاج إىل
الناس هو يرقي بنفسه ،يرقي نفسه بفاحتة الكتاب ،وبسورة اإلخالص
واملعوذات ،وبآية الكرسي قبل أن ينام ,وباألوراد طريف النهار وبعد
الصلوات املكتوبة ،وحنو ذلك ،فتحصنه؛ ألن هذه األدعية والرقى تنفع دفعا
وتنفع رفعا؛ يعين تنفع بدفع السوء تكون مثل اللباس مثل احلديد الذي
حيصنك من الضرر الذي يأيت بك ,فهي مثل األلبسة اليت تقي ألهنا سبب
نافع ،واهلل جل وعال هو النافع الضار سبحانه وتعاىل.
هناك خمالفات خنتم هبا الكالم يقع فيها الذين يرقون وأيضا الذين
يسرتقون.
مخالفات الراقي
الراقني:
أما خمالفات َّ
يتفرغ هلا تفرغا كامال،
أوهلا وأعظمها أن يتخذ القراءة والرقية حرفة َّ
واملعلوم أن الناس حباجة إىل الرقية ،والتفرغ هلا مل يكن من هدي الصحابة يف
والسالَ ُم مع أن فيهم راقني ،ومل يكن من هدي الصحابة الصالَةُ َّعهده َعلَْي ِه َّ
وال التابعني ،وإمنا نشأ في أعصر متأخرة ،فالذي عليه هدي السلف الصاحل
والذي دلت عليه السنة أن ينفع املرء إخوانه جبُعل أو بغري جعل يف الرقية؛
ولكن ال يتفرغ هلا ال يتخذ الرقية حرفة يكون كالطبيب املتفرغ هلا ،وهذا
من جهة أنه مل يرد أو مل يكن يف الزمن األول يف قيام احلاجة إليه.
أيضا من جهة أخرى فيما رأينا من الذين تفرغوا أورثتهم أشياء ممنوعة
كثرية ،فمن تفرغ للرقية جتد عنده أشياء من املخالفات؛ ألنه حيتاج إىل أشياء
يفعلها وإىل أشياء يرتكها ،وفعلوا أشياء من بيع من غري برهان ،ومن فعل
بالرقية عن طريق األشرطة وعن طريق األصوات يكون هو يقرأ يف غرفة
والسماعات يف غرفة أخرى على الراقني ،وحنو ذلك مما فيه خمالفة للوارد،
وهذا ينبغي أن مينع سدا للذريعة؛ ألنه رمبا أفضى إىل أشياء مذمومة من
توسع هؤالء القراء يف أشياء ال جتوز أو مل يأذن هبا الشرع.
أيضا من املخالفات اليت هي منتشرة عند القراء ،وهي أيضا أشد من
األوىل ،هي استخدام بعضهم لقرينه من اجلن ،وهذه شبهة شبَّه هبا بعض
القراء ،وحىت سرت يف بعض منهم ،وهو أنه يقول :أستعني مبسلم اجلن أو
بقريين ,أستعني مبسلم اجلن إذا حضروا أو بقريين يف معرفة ما باملرقي ,معرفة
ما به :هل به عني؟ هل به سحر؟ هل فيه كذا وكذا؟
واالستعانة باجلن األصل فيها املنع ،أجاز بعض العلماء أنَّه إذا عرض اجلين
أحيانا -يعين نادرا -عرض للمسلم إلبداء إميانه له فإنه له أن يفعل ذلك؛
لكن ليس هذا من هدي النيب وال صحابته؛ بل قال شيخ اإلسالم ابن تيمية
وغريه ،النيب $له من اجلن حاالن:
األول :أن يأمرهم وينهاهم؛ يأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن ضده؛ ألهنم
مكلفون ،فهم مثل غريهم يف األمر والنهي.
والحال الثانية :مع اجلن شياطني اجلن هي أن يستعيذ باهلل جل وعال من
شرهم ،وأن يسرتق بالرقى احملمودة املشروعة لدفع شرورهم.
صلَّى
أما االستعانة باجلن حىت ولو كان حاضرا فلم يكن عليه هدي النيب َ
اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وال صحابته ،ومن أجاره من العلماء فإمنا هو إذا عرض يف
حال معينة ،وهذا ال ينبغي أن يكون يف حال الرقية.
فإذن الواجب هو ترك االستعانة باجلن؛ ألن هذه وسيلة من وسائل الشر
والشرك باهلل جل وعال.
مث أيضا فيمن استعان مبسلم اجلن هذا ْأورثهم أهنم جعلوا هناك مصائب
وفرقة وشحناء يف النفوس من جراء إخبارهم مبا أخرب به من زعموا أنه من
مسلمي اجلن ،خيربهم أنه هذا فيه عني وهذه العني من زوجته الثانية ,من
بنت ،أو سحر أو شيء هو من كذا ،فيحدِّث مبا أخربه به هذا اجلين ،واجلين
قَبول خربه مبا خُي رب به متوقف على أنه عدل وأنه ثقة ،وعدالة اجلن ال تعلم
حىت ولو كان قرين اإلنسان أو كان حاضرا معه ،ال تعلم عدالة اجلين هل هو
عدل أم غري عدل وهلذا ذكر علماء احلديث يف كتب املصطلح على أن كتب
املصطلح أن رواية اجلين مسلم اجلن روايتهم ضعيفة؛ ألن الرواية يف صحتها
موقوفة على معرفة العدالة معرفة الثقة وهنا ال سبيل إىل الوصول إليه ،فكيف
خيرب خبرب اجلين هذا الذي يزعم أنه مسلم؛ خيرب بأنه أخربه اجلين بأن هذا فيه
سحر من فالنة ,هذه املرأة فيها سحر من زوجة زوجها الثانية -من ضرهتا-
أو من امرأة أبيها أو من عمتها ،فيخرب بذلك فتقع شحناء وقطيعة إىل آخره,
بل قد يقول البالء من زوجك ,زوجك فعل كذا وكذا ،وهذا ال جيوز
اعتماده ،وال جيوز االستعانة باجلن يف ذلك سدا لذريعة الشرك باهلل وللفرقة
اليت قد حتصل يف املؤمنني.
أيضا من املخالفات يف الراقني :أهنم تساهلوا يف املشروع يف الرقية ،ولكثرة
الناس وقِلَّة الوقت أصبحوا يرقون بأنواع من الرقية يف وسيلتها هي خمالفة
للوسيلة املشروعة؛ مثال بعضهم يصنع أختاما؛ ختم فيه اآلية خيتم هبا على
زعفران مث يضع فيه األوراق ،وأنا رأيت من ذلك ختم كبري خيتم به على
الورقة ،واخلتم ال بد فيه من ضرب على الورقة ،وهذه آية من القرآن وهذا
حمرم مث يضربه على الورقة
امتهان للقرآن؛ ألنه يأيت خيتم فيه آية القرآن َّ
ضربا ،هذا خمالفة؛ ألنه امتهان للقرآن وامتهان القرآن حمرم.
من ذلك مثال أنه يأيت مبا يسميه :قراءة عادية ،وقراءة مركزة ،ويقولون
أيضا قراءة ملكية ،كيف؟ يقول هذا قرأت فيه كذا وإىل آخره ،وهذا كله
وسيلة من وسائل أكل أموال الناس بالباطل ،وخالف األصل ,األصل أن
يُقرأ باملشروع دون تفريق ،ال تقول هذه قراءة عادية خبمسني لاير ،وقراءة
ممتازة مبائتين ،وقراءة ملكية بألف ،هذا مما ال يسوغ؛ ألنه أوال يُفضي إىل
أشياء منكرة ،مث هو أيضا مما هو خمالف ملا جاء يف نصوص السنة؛ يعين يف
أصل الرقية ,هذا مما ينبغي احلذر منه وخمالفته ،وأن يكون املرء الراقي يكون
خملصا صادقا معتمدا على املشروع ،تاركا لغري املشروع ،حذرا من مزلة
الشيطان له.
هذه بعض املخالفات اليت يقع فيها بعض الذين يرقون.
السحرةومن جهة أخرى هناك املخالفات العظيمة الشركية اليت يقع فيها َّ
واملشعوذون واملتطببة بالباطل ,فيأتون بالرقى كما ذكرنا لكم الشركية،
يُعطون أوراق فيها أمساء شياطني أو فيها أمساء غري معروفة أو حنو ذلك،
فهذا احلذر احلذر منه؛ ألنه شرك باهلل جل وعال ،وقد يكون معه والعياذ باهلل
بذبح لغري اهلل جل جالله مما خيرج املرء من دين اهلل؛ ألنه شرك أكربوصية ٍ
وعبادة جيب أن تكون هلل جل جالله ،أو يأمره بأن يفعل أشياء من الشرك
والعياذ باهلل ،أو من الكفر كإهانة املصحف وحنو ذلك مما هو كفر باهلل جل
جالله.
هلذا جيب على اجلميع التعاون على الرب والتقوى والتعاون على إنكار
املنكرَ ،من علم أنه يتخذ يف قراءته أو يف رقيته أساليب غري شرعية من
الشرك والشعوذة والدَّجل فإنه جيب اإلبالغ عنه ،وال تربأ ذمتك حىت تبلغ
عنه؛ ألن هؤالء يفسدون يف األرض ،واهلل جل وعال أمر بإصالح األرض
وهنى عن إفسادها ،وواجب التعاون إذا علمت أو رأيت فيجب عليك أن
حتذر من أن تسكت ،وجيب عليك أن تبلغ ،تبلغ من؟ تبلغ جهات
االختصاص ،اهليئة ،أو تبلغ اإلمارة ،أو تبلغ القاضي يف البلد ،أو احملكمة أو
حنو ذلك مما تربأ به ذمتك ،أو تبلغ بعض أهل العلم الذين تعرفهم مما تربأ ,ال
جيوز السكوت.
تبص ُرك عن قرب وبدون تعمق يف موضوع هذه احملاضرة هذه كلمات ِّ
وهو الرقى وأحكامها.
وال بد للجميع بالعناية هبذا املوضوع ،وأن يتفقهوا يف الدين؛ ألن من يرد
اهلل به خريا يفقهه يف الدين.
وأن ينتبهوا للنساء يف البيوت وللجهلة من أن يذهبوا إىل َّقراء أو إىل من
يرقي بدون أن تعلم شخصه ،وعدالته ،وثقته ،وأمانته ،وحسن استعماله
للرقية.
الواجب على اجلميع أن يتعلم ،وأن حيذر من وسائل الشرك ،وأن حيرص
على السنة ،وما جاء فيها من إرشاد وبيان ،فاخلري كل اخلري يف إتباع سنة
والسالَ ُم؛ ألنه ال خري إال دلنا عليه ،وال شر إال حذرنا الصالَةُ َّ
حممد عليه َّ
منه ,فدلنا على الرقية املشروعة ،وذلك بالقرآن أو مبا أرشد إليه َعلَْي ِه َّ
الصالَةُ
والسالَ ُم من األدعية املعروفة ،وكذلك هنانا عن الشر من الرقى الشركية وما َّ
والسالَ ُم بكل خري وحضنا شاهبها مما هو وسيلة إليها ,وأمرنا َعلَْي ِه َّ
الصالَةُ َّ
عليه.
الشرعية
الرقية الشرعية
الرقية
والسنة
بالقرآن والسنة
بالقرآن
أنزل اهلل سبحانه وتعاىل القرآن على نبيه $وجعل فيه الشفاء والرمحة،
وأوصى رسول اهلل $بالعالج بالقرآن ورخص به .
ومن األدوية النافعة بإذن اهلل تعاىل ،الرقية الشرعية الثابتة يف الكتاب
العزيز والسنة الصحيحة املطهرة ،فعلى العبد أن يلجأ إىل اهلل سبحانه وتعاىل
يف اخلري والشر ،ويف السر والعلن ،وأن يدعوه يف كشف الضر عنه ،فإنه
ال شايف إال اهلل ،وال منجي إال هو سبحانه وتعاىل .
ت َف ُه َو يَ ْش ِفي ِن)1(. قال اهلل تعاىل َ :وإِ َذا َم ِر ْ
ض ُ
أي :ال أحد يق در على ش فائي من األم راض واألس قام إال اهلل س بحانه
وتعالى ،فهو سبحانه بيده الشفاء ورفع الضر .
قال ابن حجر العسقالين يف تعليقه على حديث املرأة اليت تصرع:
) )1سورة الشعراء الآية (. )80
-1ويف احلديث فضل من يصرع ،وأن الصرب على باليا الدنيا يورث
اجلنة.
-2وأن األخذ بالشدة أفضل من األخذ بالرخصة ملن علم من نفسه
الطاقة ومل يضعف عن التزام الشدة .
-3وفيه دليل على جواز ترك التداوي .
-4وفيه أن عالج األمراض كلها بالدعاء وااللتجاء إىل اهلل أجنع
وأنفع من العالج بالعقاقري .
-5وأن تأثري ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثري األدوية البدنية ،
ولكن إمنا ينجع بأمرين أحدمها من جهة العليل وهو صدق
القصد ،واآلخر من جهة املداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه
بالتقوى والتوكل واهلل أعلم )1(.
وقد كان النيب $قد هنى عن الرقى مث رخص بعد ذلك ،بل حث عليها،
وقال عليه الصالة والسالم من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل.
فعن جابر قال :هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن الرقى ،فجاء آل
عمرو بن حزم إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،فقالوا :يا رسول اهلل إنه
كانت عندنا رقية نرقي هبا من العقرب وإنك هنيت عن الرقى ،قال فعرضوها
() 2
عليه ،فقال" :ما أرى بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه".
) )1فتح الباري (.)10/115
)(2رواه مسلم برقم ( ،)2199باب ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك.
واستفتاه عثمان بن أيب العاص رضي اهلل عنه وشكا إليه وجعا جيده يف جسده
منذ اسلم ،فقال" :ضع يدك على الذي يأمل من جسدك ،وقل باسم اهلل ثالثا،
( )1
وقل سبع مرات :أعوذ بعزة اهلل وقدرته من شر ما أجد وأحاذر".
وكذلك من األحاديث اليت رخص فيها رسول اهلل $يف الرقية من العين،
والحمة ،والنملة ،وغيرها.
فعن عائشة :أن رسول اهلل $دخل عليها وامرأة تعاجلها أو ترقيها ،فقال:
"عالجيها بكتاب اهلل" )2(.
قال أبو حامت :قوله ( :$عاجليها بكتاب اهلل) أراد :عاجليها مبا يبيحه كتاب
اهلل ،ألن القوم كانوا يرقون يف اجلاهلية بأشياء فيها شرك فزجرهم هبذه
اللفظة عن الرقى إال مبا يبيحه كتاب اهلل دون ما يكون شركاً.
وعن أنس > قال :قال رسول اهلل " :$ال رقية إال من عي ٍن ،أو حمة ٍ ،أو
()3 ٍ
دم يرقأ".
وأخرجه مسلم ،عن بريدة بن احلصني > قوله" :ال رقية إال من عين ،أو
() 4
حمة".
)3(4صحيح مسلم برقم ( ،)220باب الدليل على دخول طوائف من املسلمني اجلنة بغري حساب
وال عذاب.
)4(1شرح النووي (.)14/168
)1(2أخرجه أمحد يف مسنده ( ،)6/372وأبو داود برقم ( ،)3887السلسلة الصحيحة رقم (
. )1931
)2(3اجلامع يف غريب احلديث (. )2/168
رسول اهلل! إين كنت أرقي يف اجلاهلية من النملة وإين أريد أن أعرضها
عليك ،فعرضت عليه ،فقالت :بسم اهلل ضلت حىت تعود من أفواهها وال
تضر أحدا ،اللهم اكشف البأس رب الناس.
قال :ترقي هبا على عود سبع مرات وتقصد مكانا نظيفا وتدلكه على حجر
خبل مخر حاذق وتطليه على النملة .
ويف احلديث :دليل على جواز تعليم النساء الكتابة.
() 1
وعن أنس ،أن النيب" $رخص في الرقية من الحمة والعين والنملة".
والحمة بالتخفيف :السم ،ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة ،ألن السم
خيرج منها.
)1(1أخرجه مسلم يف السالم برقم ( ، )2196باب استحباب الرقية من العني والنملة واحلمة
والنظرة .
وعن أم سلمة< ،أن النيب $رأى يف بيتها جارية يف وجهها سفعة ،فقال:
()1
"استرقوا لها فإن بها النظرة".
قوله سفعة :أي أثر سواد ،أو غربة ،أو صفرة .
وقوله اسرتقوا :الرقية هي ما يتعوذ به ،ويف القاموس قال الطييب :ما يرقى به
من الدعاء لطلب الشفاء .
النظرة :أي أصابتها عني .
قال ابن حجر :واختلف يف املراد بالنظرة ،فقيل :عني من نظر اجلن ،وقيل:
من اإلنس ،وبه جزم أبو عبيد اهلروي ،واألوىل أنه أعم من ذلك وأهنا
أصيبت بالعني ،فلذلك أذن $يف االسرتقاء هلا ،وهو دال على مشروعية
()2
الرقية من العني.
وقد عاجل السلف بالرقية الشرعية.
قال صاحل بن اإلمام أمحد رمحه اهلل تعاىل :اعتللت مرة فقرا يل أيب يف ماء
ونفث فيه ،مث أمرين بشربه وأن أغسل رأسي .
وكذلك روى عبد اهلل بن اإلمام أمحد يف جواز ذلك.
1
( )2رواه البخاري برقم ( ،)5607ما أنزل اهلل من داء إال أنزل معه دواء ،ومسلم برقم (
،)5679باب استحباب الرقية من العني والنملة واحلمة والنظرة .
)(2فتح الباري (.)10/202
املقصود من هذا أن إيصال املاء إيصال القراءة ،إيصال الرقية بالنفخ
بالنفس أو بالنفث إىل املاء مث يسقاه املريض أو يصب عليه أن هذا ال بأس به
لفعل السلف له ومل يُنكر؛ وألن له أصال يف السنة.
قال صاحل بن عبدالعزيز آل الشيخ :لكن كلما كانت الرقية ِ
مباشَرة كلما
كانت أفضل ،وهلذا قال اجلد الشيخ حممد بن إبراهيم رمحه اهلل تعاىل ورفع
درجته يف اجلنة قال :كلما الوقت كان أنفع يعين يقرأ يف املاء كان أقرب
بالنفخ أقرب بالنفث أقرب بالرقية كلما كان أنفع ،وكلما كانت الوسائط
أقل كان أنفع؛ يعين قراءة املرء على نفسه يعين ما فيها واسطة ،واسطة
واحدة؛ لكن كون املرء يقرأ على اإلنسان صار هناك واسطة ثانية ،كون
أيضا ينفث يف ماء مث املاء يشرب ويغسل به صار هناك واسطة ثالثة ،أو
كونه يكتب يف صحن ويغسل بزعفران أو بنحوه مث يشرب هنا صار عندنا
واسطة ثالثة كلما ضعفت ،وهلذا كان األعلى ما ثبت يف السنة وهو القراءة
املباشرة من اإلنسان على نفسه أو بقراءة أحد عليه مث القراءة باملاء ،مث
القراءة بالكتابة يف الورق وحله باملاء هذا مما يسوغ .
مث قال :ووصييت للجميع العمل مبا مسعتم من التوجيهات والفائدة من جهة
الرقية ،كثري من الراقني ليس عندهم البصرية يف الرقية ،وكثري منهم حيدث
منهم ما ال ينبغي ،وينبغي للمؤمن أن يتوخى إذا أراد الرقية يتوخى املعروفني
باخلري واملعروفني باالستقامة املعروفني بالعلم ،حىت ال يقع فيما خيالف
الشرع.
ِ َّ وقد مسعتم ما جاء يف احلديث يقول َ َّ
سصلى اهللُ َعلَْيه َو َسل َم «:الَ بَأْ َ
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم «:ال رقية إال من ِ
الرقَى َما مَلْ تَ ُك ْن ش ْركاً» ،ويقول َ
بّ
ِ
عني أو محة» ،والعني عني العائن ،واحلمة سم ذوات السموم؛ يعين أهنا أوىل
من غريها ،وإال فالرقية لكل شيء من األمراض ،أو ما يعرض لإلنسان من
البالء.
وقد رقى الصحابة رضي اهلل عنهم لديغا فعافاه اهلل ،رقاه بعضهم بالفاحتة
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ملا أخربوه «أصبتم» صوهبمفعافاه اهلل ،وقال هلم النيب َ
ومل يعنف عليهم ،وأخذوا جعال من أصحاب املريض ،ورقاه بالفاحتة.
صلَّى اهللُ
فاملقصود أن الرقية أمرها ال بأس به ،وهي رقية شرعية كما قال َ
الرقَى َما مَلْ تَ ُك ْن ِش ْركاً» وكان يرقي ،قد رقى ورقي َعلَْي ِه وسلَّم «الَ بأْ ِ
سب ّ ََ َ َ َ
والسالَ ُم.
الصالَةُ َّ َعلَْي ِه َّ
وكان الصحابة يرقون.
والرقية تكون بالقرآن ،وتكون مبا جاء يف األحاديث ،وتكون باألدعية
الطيبة املباحة ،املؤمن يتحرى لرقيته ،ما جاءت به النصوص ،ويتحرى ما
يتعلم من األدعية الطيبة يدعو هبا للمرقي ،ويتحرى اإلخالص يف ذلك،
ويعلم أن اهلل سبحانه هو الذي بيده الشفاء والعافية ،وإمنا الرقية سبب من
األسباب.
فعلى الراقي واملرقي الثقة باهلل والتعلق باهلل ،واإلميان بأنه سبحانه هو بيده
الضر والنفع والعطاء واملنع والشفاء والعافية ،وتكون القلوب معلقة به
سبحانه ،ومطمئنة إليه يعلم الراقي واملرقي أن الشفاء بيد اهلل ،فيعلق رجاءه
باهلل ،ويسأل اهلل أن ينفع باألسباب سواء األسباب رقية أو كي أو عالج
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قال « ِعبَ َاد اهلل َتَ َد َاو ْوا َوالَ َتتَ َد َاو ْوا
بأدوية أخرى ،النيب َ
حِب ََر ٍام».)1(.
مث قال :ومما ينبغي التنبيه عليه كما نبه عليه فضيلة الشيخ صاحل :احلذر من
سؤال اجلن ،واالعتماد على أقواهلم ،يقول :هذا سحرته أخته أو أخت
زوجته أو أمه أو فالنة أو فالن .كل هذا باطل ،كل هذا كذب وال جيوز
االعتماد على ذلك ،وال جيوز للراقي سؤاهلم وال االعتماد على قوهلم؛ ألن
فيهم الكذاب وفيهم اجملهول وفيهم الفاسق وفيهم الكافر ،فال جيوز االعتماد
عليهم وال سؤاهلم ،وإمنا يرقيه ،وإذا كان به جن تكلم مع اجلين وعظه
وأن هذا ظلم وأنه ال جيوز له والواجب وذكره وحذره من البقاء يف اإلنسيَّ ، َّ
عليه اخلروج وأن يتق اهلل وإن كان مسلما أن يراقب اهلل وحيذر مغبة الظلم.
)(1رواه البخاري برقم ( ،)5387وأخرجه مسلم يف السالم باب ال عدوى وال طرية وال هامة
وال صفر ،برقم (.)2220
)(2فتح الباري (.)10/242
وعن جابر> قال :قال رسول اهلل " :$ال عدوى ،وال غول ،وال صفر ".
() 1
ويف رواية عنه > ،يقول :مسعت النيب $يقول" :ال عدوى ،وال صفر ،وال
غول" .)2( .
وعن عبد ال رمحن بن أيب الزن اد ،عن أبيه ،ق ال :ح دثين رج ال أهل رض ًى
وقناعة من أبن اء الص حابة وأولية الن اس أن رس ول اهلل ق ال " :ال ع دوى ،
وال هامة ،وال صفر ،واتقوا المجذوم كما يتقى األسد" .)3( .
وعن أيب هريرة > قال :قال رسول اهلل" :$ال عدوى ،وال طيرة ،وال هامة،
( )4
وفر من المجذوم كما تفر من األسد " .
وال صفرةّ ،
الصفر :دواب البطن ،قال أبو عبيدة :مسعت يونس يسأل رؤبة بن العجاج
()5
عن الصفر ،فقال :هي حيّة تكون يف البطن تصيب املاشية.
عدوى :يقال ْ
أع َدى فالن فالنا من ُخلُقه أو من علة به أو من جرب ويف
والع ْد ُو احلضر تقول َع َدا يعدو
احلديث ال عدوى أي ال يعدي شيء شيئاً َ
َج َذ ُم :الـمقطوع الـيَد ،وقـيل :هو الذي ذهبت وقوله " :مجذوم" ،األ ْ
ـج َذمةُ: ِ ِ
ـج ْذمةُ و ال َ
َج َذ َمها ،و ال َ
ت يَ ُده َج َذماً و َج َذمها و أ ْ
أَناملُهَ ،جذ َم ْ
ـج ْذم منها .و ال ِـج ْذمة :القطعة من الـحبل وغريه .وحبل ِج ْذ ٌم موضع ال َ
رينة َحْبلُها ِج ْذ ُم
مـج ُذومٌ :مقطوع ،قال :هالَّ تُسلِّـي حاجةٌ عرضت علَق ال َق ِ
ََ َ ْ َ َ َ َ َْ
َج َذم الـيَ ِد ،وهو الذي ذهبت أَصابع كفـيه .ويقال :ما ـج َذم :مصدر األ ْو ال َ
ِ
ـجذام من الدَّاء :معروف َجذمه حتـى َجذم.وال ُ الذي َج َّذ َم يَديه وما الذي أ ْ
() 3
لِتَ ُّ
ـجذم األَصابع وتقطُّعها.
ويف رواية":ال ع دوى ،وإذا رأيت المج ذوم ففر منه كما تفر من
()3
األسد"
وعن أيب هريرة أيضاً قال :قال رسول اهلل " : $ال يورد الممرض على
المصح" .)4( .
قال النووي :قال مجهور العلماء :جيب اجلمع بني هذين احلديثني ومها
صحيحان ،قالوا :وطريق اجلمع أن حديث ال عدوى املراد به نفي ما كانت
اجلاهلية تزعمه وتعتقده أن املرض والعاهة تعدي بطبعها ال بفعل اهلل تعاىل.
وأما حديث« :ال يورد ممرض على مصح» فأرشد فيه إىل جمانبة ما حيصل
الضرر عنده يف العادة بفعل اهلل تعاىل وقدره ،فنفى يف احلديث األول العدوى
بطبعها ومل ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر اهلل تعاىل وفعله .وأرشد يف
الثاين إىل االحرتاز مما حيصل عنده الضرر بفعل اهلل وإرادته وقدره ،فهذا
ويف رواية عنه> ق ال :ق ال رس ول اهلل " :$أص دق الط يرة الف أل ،والعين
حق".)4(.
وعن عقبة بن ع امر اجلهين ق ال :س ئل رس ول اهلل $عن الط رية؟ ق ال
":أصدقها الفأل ،وال تر ّد مسلماً" .)5( .
)(2السلس لة الص حيحة رقم ( ،)789والظالل (266و ،)267وص حيح م وارد الظم آن رقم (
.)1196
)(2السلسلة الصحيحة برقم ( ،)789وانظر صحيح اجلامع رقم (. )630-629
)(3الكلم الطيب برقم ( ،)248صحيح موارد الظمآن برقم (.)1197
)(4السلسلة الصحيحة ()2576و (. )6/1088
)(5السلسلة الصحيحة (. )6/155
وعن أيب هريرة> قال :قال رسول اهلل" : $ال شيء في الهام ،والعين حق
،وأصدق الطير الفأل" .)1( .
وعن بريدة ،قال :كان رسول اهلل " :$ال يتطير من شيء ،غير أنه إذا أراد
أن يأتي أرضاً ؛ سأل عن اسمها ،فإن كان حسناً؛ ُرئي البشر من وجهه،
( )2
وإن كان قبيحاً ؛ ُرئي ذلك من وجهه".
عن ابن عب اس ق ال :ق ال رس ول اهلل " :$ليس منّا من س حر ،أو ُس حر له
() 3
،تكهن ،أو تُ ُكهن له أو تطير ،أو تُطير له ".
قال حافظ احلكمي :واجلمع بني نفي العدوى وبني النهي عن إيراد املمرض
على املصح واألمر بالفرار من اجملذوم وما يف معناها من ثالثة أوجه كلها نفي
العدوى فيها على إطالقه.
الوجه األول :أنه صلى اهلل عليه وسلم أمر بالفرار من اجملذوم لئال يتفق
للمخالط شيء من ذلك ابتداء ال بالعدوى املنفية فيظن أنه بسبب املخالطة
فيعتقد ثبوت العدوى اليت نفاها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيقع يف
احلرج ،فأمر صلى اهلل عليه وسلم بتجنب ذلك شفقة منه على أمته ورمحة
هبم وحسما للمادة وسدا للذريعة ال إثباتا للعدوى كما يظن بعض اجلهلة من
األطباء ،والدليل على ذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم لألعرايب الذي استشهد
)(1أخرجه البخاري يف األدب املفرد ( ، )914الصحيحة رقم (. )2949
)(2الصحيحة برقم( ،)762صحيح موارد الظمآن رقم (.)1198
)(3الصحيحة برقم (. )2650
لصحة العدوى بكون البعري األجرب يدخل يف اإلبل الصحاح فتجرب فقال
له صلى اهلل عليه وسلم فمن أعدى األول يعين أن اهلل تعاىل ابتدأ املرض يف
الباقي كما ابتدأه يف األول ال أن ذلك من سريان املرض بطبيعته من جسد
إىل آخر.
الوجه الثاين :أن هنيه صلى اهلل عليه وسلم عن املخالطة ألهنا من األسباب اليت
أجرى اهلل تعاىل العادة بأهنا تفضي إىل مسبباهتا ال استقالال بطبعها ولكن اهلل
سبحانه وتعاىل هو الذي خلق األسباب ومسبباهتا فإن شاء تعاىل أبقى السبب
وأثر يف مسببه بقضاء اهلل تعاىل وقدره وإن شاء سلب قواها فال تؤثر شيئاً،
ومن قوي إميانه وكمل توكله وثقته باهلل وشاهد مصري األمور كلها إىل رب
األرباب ومسبب األسباب كما أن مصدرها من عنده عز وجل فنفسه أبيه
ومهته علية وقلبه ممتلئ بنور التوحيد فهو واثق خبالق السبب ليس لقلبه إىل
األسباب أدىن التفات سواء عليه فعلها أو مل يفعلها ،والدليل على ذلك ما
روى أبو داود رمحه اهلل تعاىل ،حدثنا عثمان بن أيب شيبة ،حدثنا يونس بن
حممد ،حدثنا مفضل بن فضالة عن حبيب بن الشهيد ،عن حممد بن املنكدر،
عن جابر رضي اهلل عنه ،أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أخذ بيد جمذوم
فوضعها معه يف القصعة ،وقال" :كل ثقة باهلل ،وتوكل عليه" ،ففي أمره
صلى اهلل عليه وسلم مبجانبة اجملذوم إثبات لألسباب اليت خلقها اهلل عز
وجل ،ويف أكله صلى اهلل عليه وسلم معه تعليم لنا بأن اهلل هو مالكها فال
تؤثر إال بإذنه وال يصيب العبد إال ما كتب اهلل له.
الوجه الثالث أن النفوس تستقذر ذلك وتنقبض عند رؤيته وتشمئز من
خمالطته وتكرهه جدا ال سيما مع مالمسته وشم رائحته فيحصل بذلك تأثري
بإذن اهلل يف سقمها قضاء من اهلل وقدرا ال بانتقال الداء بطبيعته كما يعتقده
( )1
أهل اجلاهلية.اهـ.
باب
ما جاء في رقية الحية
عن أيب الزبري ،أنه مسع جابر بن عبد اهلل> يقول" :أرخص النبي $في رقية
الحية لبني عمرو" .
قال أبو الزبري :ومسعت جابر بن عبد اهلل يقول" :لدغت رجال منا عقرب
ونحن جلوس مع رسول اهلل ، $فقال رجل يا رسول اهلل أرقي ،قال:
() 2
"من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل".
)(1معارج القبول (.)986-3/985
)(2رواه مسلم برقم (. )2199
قال اإلمام مسلم :وحدثين سعيد بن حيىي األموي حدثنا أيب حدثنا ابن جريج
هبذا اإلسناد مثله ،غري أنه قال :فقال رجل من القوم أرقيه يا رسول اهلل ومل
()1
يقل أرقي.
رخص رسول اهلل $يف"الرقية من الحية والعقرب".
وعن عائشة قالتّ :
وعن طلق بن علي> ،قال :لدغتين عقرب عند النيب" ،$فرقاني ومسحها".
() 2
وعن علي> قال :لدغت النيب $عقرب وهو يصلي ،فلما فرغ ،قال" :لعن
وملح ،وجعل يمسح
بماء ٍاهلل العقرب؛ ال تدع مصلياً وال غيره .ثم دعا ٍ
عليها ويقرأ بـ قل يا أيها الكافرون ،وقل أعوذ برب الفلق ،و قل
()3
أعوذ برب الناس.
قال ابن عبدالرب :قال ابن وهب ،وأخربين ابن مسعان ،قال :مسعت رجاال من
أهل العلم يقولون إذا لدغ اإلنسان فنهشته حية أو لسعته عقرب ،فليقرأ
بامللدوغ هبذه اآلية+ :بُو ِر َك َمن يِف النَّا ِر َو َم ْن َح ْوهَلَا َو ُسْب َحا َن اللَّ ِه َر ِّ
ني" ،)4(.فإنه يعاىف بإذن اهلل. ِ
الْ َعالَم َ
)(1التمهيد (.)156-23/155
)(2أخرجه البخاري برقم ( ، )5409وأخرجه مسلم يف السالم باب استحباب الرقية من العني
والنملة واحلمة والنظرة رقم (.)2193
)(3جمموع الفتاوى (.)15/314
وعن جابر قال" :كان يل خال يرقي من العقرب ،فنهى رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم عن الرقى ،قال :فأتاه فقال يا رسول اهلل إنك هنيت عن الرقى
() 1
وأنا أرقي من العقرب ،فقال :من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل".
قال ابن قيم اجلوزية :والفرق بني الراقي واملسرتقي :أن املسرتقي سائل مسقط
ملتفت إىل غري اهلل بقلبه والراقي حمسن نافع.
قلت :والنيب صلى اهلل عليه وسلم ال جيعل ترك اإلحسان املأذون فيه سببا
للسبق إىل اجلنان ،وهذا خبالف ترك اإلسرتقاء فإنه توكل على اهلل ورغبة عن
سؤال غريه ورضاء مبا قضاه ،وهذا شيء وهذا شيء ،ويف الصحيحني من
حديث أيب هريرة ،عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ال عدوى وال طرية،
وأحب الفال الصاحل ،وحنوه من حديث أنس ،وهذا حيتمل أن يكون نفياً
وأن يكون هنياً ،أي ال تطريوا ولكن قوله يف احلديث وال عدوى وال صفر
وال هامة يدل على أن املراد النفي وإبطال هذه األمور اليت كانت اجلاهلية
تعانيها ،والنفي يف هذا أبلغ من النهى ألن النفي يدل على بطالن ذلك وعدم
()2
تأثريه ،والنهى إمنا يدل على املنع منه.اهـ.
)(1رواه مسلم برقم (. )2199
)(2مفتاح دار السعادة (.)2/234
باب
وضع اليد على موضع األلم مع الدعاء
عن عثمان بن أيب العاص> ،أنه شكا إىل رسول اهلل $وجعاً جَي ُدهُ يف جسده
أسلم ،فقال رسول اهلل" :$ضع يَ َد َك على الذي تألم من جسدك وقل: منذ َ
بسم اهلل ثالثاً ،وقل سبع مرات :أعوذ باهلل وقدرتِِه من َش ِّر ما ِ
أج ُد ْ َ
() 1 ِ
وأحاذ ُر".
قال ابن قيم اجلوزية :ففي هذا العالج من ذكر اهلل ،والتفويض إليه،
واإلستعاذة بعزته وقدرته من شر األمل ما يذهب به وتكراره ليكون أجنع
وأبلغ كتكرار الدواء إلخراج املادة ،ويف السبع خاصية ال توجد يف غريها،
ويف الصحيحني :أن النيب $كان يعوذ بعض أهله ميسح بيده اليمىن ،ويقول:
"اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشايف ال شفاء إال شفاؤك شفاء
ال يغادر سقما" ،ففي هذه الرقية توسل إىل اهلل بكمال ربوبيته ،وكمال
رمحته بالشفاء ،وأنه وحده الشايف ،وأنه ال شفاء إال شفاؤه ،فتضمنت
()2
التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته.اهـ.
)1(1رواه مسلم يف كتاب السالم برقم ( ،)2202ويف كتاب الطب برقم ( ، )5701وأخرجه
أمحد يف مسنده ( 4/21و . )217
)(2زاد املعاد (. )4/172
باب-
على العبد أن يرقي نفسه ،أو غيره في حال المرض ،أو أحد من أهله أو زار
.مريضا ً عليه أن يرقيه بما جاء بالكتاب وصحيح السنة
منها :
عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ،عن النيب $قال " :من عاد مريضا لم
أجلَهُ ،فقال عنده سبع مرات :أسأل اهلل العظيم رب العرش
يحضر َ
() 1
العظيم أن يشفيك ويعافيك إال عافاه اهلل تعالى" .
النيب صلى اللّه وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال :قال ّ
ف َعْب َد َك َيْنكأود م ِريضاً َف ْلي ُق ِل :اللَّه َّم ا ْش ِ
ُ َ الر ُج ُل َيعُ ُ َ
عليه وسلم" :إذَا جاءَ َّ
الة ".مل يضعفه أبو داود قلت :يَنكأ بفتح أوله لَك ع ُدواً أو مَيْشي لَك إىل ص ٍ
َ َ َ َ ّ ْ
ومهز آخره ومعناه :يؤمله ويوجعه.
رسول اللّه صلى اللّه ُ فمر يب
كنت شاكياً َّ علي رضي اللّه عنه قال ُ : وعن ّ
حضر فأرحين وإ ْن كا َن هم إن كان أجلي قد َ عليه وسلم وأنا أقول :اللَّ ّ
متأخراً فارفعين وإن كان بالءً فصرِّب ين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه
ت؟" فأعاد عليه ما قاله فضربه برجله وقال" :اللَّ ُه َّم عافِ ِه ف ُق ْل َ
وسلم َ " :كْي َ
)2(1أخرجه أبو داود برقم ( ، )3106والرتمذي ( ، )2083واحلاكم ( ، )1/342من طريق
يزيد أبو خالد ،عن املنهال بن عمرو ،عن سعيد ،عن ابن عباس وذكره ،وصححه األلباين يف
صحيح أيب داود برقم ( ،)2663وصحيح اجلامع برقم ( ،)5766واملشكاة ( ،)1553والكلم (
،)149وصحيح الرتغيب برقم (.)4380
بعد .قال الرتمذي :حديث
اشتكيت وجعي ُ
ُ أو ا ْش ِف ِه" شك شعبة قال :فما
حسن صحيح.
والسالَ ُم بالرقية املشهورة . ورقى النيب َعلَْي ِه َّ
الصالَةُ َّ
عن أيب سعيد اخلدري >" ،أن جبريل أتى النبي $فقال :يا محمد
اشتكيت ؟ فقال :نعم .قال :بسم اهلل أرقيك من كل شيء يؤذيك ،من
()1
شر كل نفس أو عين حاسد اهلل يشفيك ،باسم اهلل أرقيك".
وعن عائشة رضي اهلل عنها" :أن النبي $كان يقول للمريض :بسم اهلل
تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا ".
ولفظ مسلم" :أن رسول اهلل $كان إذا اشتكى اإلنسان الشيء منه ،أو
كانت به قرحةٌ أو جرح " .قال النبي $بإصبعه هكذا ووضع سفيان
سبابته على األرض ثم رفعها " بسم اهلل تربة أرضنا بريقة بعضنا .ليُشفى
()2
سقيمنا .بإذن ربنا " .
قال النووي :ومعىن احلديث :أنه يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة ،مث
يضعها على الرتاب فيعلق هبا منه شيء فيمسح به على املوضع اجلريح أو
()3
العليل ويقول هذا الكالم يف حال املسح واهلل أعلم أ .هـ
)1(1رواه مسلم برقم ( ، )2186وأمحد برقم ( ، )1140والرتمذي برقم ( ، )972وابن ماجة
برقم (.)3523
)1(2رواه البخاري برقم ( ، )5745ومسلم برقم (.)2194
)2(3شرح مسلم (.)14/151
وعن عائشة رضي اهلل عنها" ،أن النبي $كان يرقى ،وأنه كان يعوذ بعض
أهله يمسح بيده اليمنى ،وأنه كان ينفث بالمعوذات على نفسه وعلى
غيره ،قالت :فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسحه ِ
بيده نفسه ّ
()1
لبركتها".
عن بريدة قال :سمعت أبي يقول" :تفل $في رجل عم رو بن مع اذ حين قطعت رجل ه،
"فبرأت ). (2
قال النووي :قال القاضي عياض رمحه اهلل تعاىل :وفائدة التفل التربك بتلك
الرطوبة واهلواء والنفس املباشرة للرقية والذكر احلسن ،لكن قال كما يتربك
بغسالة ما يكتب من الذكر واألمساء احلسىن ،وكان مالك ينفث إذا رقى
نفسه .وكان يكره الرقية باحلديدة وامللح والذي يكتب خامت سليمان.
والعقد عنده أشد كراهة ،ملا يف ذلك من مشاهبة السحر .واهلل أعلم .
() 3
ويف احلديث استحباب الرقية بالقرآن ،وباألذكار .
عن عثمان بن أيب العاص > يقول :شكوت إىل رسول اهلل $نسيان القرآن
،فضرب صدري بيده فقال " :يا شيطان اخرج من صدر عثمان ! "فعل
()4
ذلك ثالث مرات" .
وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما" ،أن النبي $دخل على أعرابي يعوده،
طهور إن
قال وكان النبي $إذا دخل على مريض يعوده قال" :ال بأسٌ ،
طهور؟ كال ،بل
شاء اهلل .فقال له :ال بأس طهور إن شاء اهلل .قال :قلت ٌ
)3(1سورة النساء آية ( .)1أخرجه البخاري ( )10/176،177يف الطب ،باب رقية النيب، $
ومسلم يف السالم برقم ( ، )2194باب استحباب الرقية من العني والنملة .
)1(2شرح مسلم (. )14/151
)2(3أخرجه ابن ماجة برقم ( )1438يف اجلنائز ،باب عيادة املريض ،والرتمذي برقم (.)2087
ضعيف ابن ماجة رقم ( ، )301وضعفه األلباين يف ضعيف اجلامع رقم (. )488
شيخ كبي ٍر ،تُزيره القبور .فقال النبي $
هي حمى تفور ـ أو تثور ـ على ٍ
() 1
فنعم إذاً" .
قوله "ال بأس" :أي أن المرض يكفر الخطايا ،فإن حصلت العافية فقد
حصلت الفائدتان ،وإال حصل ربح التكفير .
وقوله "طهور" قال ابن حجر :هو خرب مبتدأ حمذوف أي هو طهور لك
() 2
من ذنوبك أي مطهرة .
وعن أيب سعيد اخلدري>" ،أن جبريل أتى النبي $فقال :يا محمد
اشتكيت؟ فقال :نعم .قال :بسم اهلل أرقيك من كل شيء يؤذيك ،من
() 3
شر كل نفس أو عين حاسد اهلل يشفيك ،باسم اهلل أرقيك" .
وعن عبادة بن الصامت ،عن رسول اهلل :$أن جربيل رقاه وهو يوعك،
ٍ
حاسد إذا حسد، داء يؤذيك ،من كلفقال" :بسم اهلل أرقيك ،من كل ٍ
()4
وس ٍّم ،واهلل يشفيك".
ومن كل عين ُ
)4(1الصحيحة" ( . )1304
)5(2فتح (. )9/607
)1(3زاد املعاد (.)1/475
وعن أيب سعيد اخلدري> ،أن رجالً من أصحاب النبي $رقى لديغاً بفاتحة
الكتاب فجعل يتفل عليه ويقرأ " الحمد هلل رب العالمين " فكأنما نشط
()1
من عقال فانطلق يمشي وما به َقلَبة ...احلديث .
ويف حديث سعد بن أيب وقاص ،عندما عاده رسول اهلل $يف مرضه ،
وفيه " :ثم وضع يده على جبهته ،ثم مسح يده على وجهي وبطني ،ثم
قال :اللهم اشف سعدا ...الحديث".
() 2
وعند مسلم" :اللهم اشف سعداً ،اللهم اشف سعداً ثالث مرات".
قال ابن اجلوزي :ويف قوله "اللهم اشف سعدا" دليل على استحباب الدعاء
() 3
للمريض بالعافية" .
وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما" ،أن النبي $دخل على أعرابي يعوده،
طهور
قال وكان النبي $إذا دخل على مريض يعوده قال " :ال بأسٌ ،
طهور ؟
إن شاء اهلل .فقال له :ال بأس طهور إن شاء اهلل .قال :قلت ٌ
شيخ كبي ٍر ،تُزيره القبور .
كال ،بل هي حمى تفور – أو تثور – على ٍ
() 4
فقال النبي $فنعم إذاً" .
)2(1أخرجه البخاري يف كتاب اإلجارة برقم ( ،)2276ويف كتاب الطب برقم (،)5749
ومسلم يف كتاب السالم برقم (.)5697
)1(2رواه البخاري برقم ( ، )5659ومسلم برقم (.)1628
)2(3كشف املشكل من حديث الصحيحني ( )1/233رقم (. )164
)3(4رواه البخاري برقم (.)3616
قوله "ال ب أس" أي :أن املرض يكفر اخلطاي ا ،ف إن حص لت العافية فقد
حصلت الفائدتان ،وإال حصل ربح التكفري.
وقوله" :طهور" قال ابن حجر :هو خرب مبتدأ حمذوف أي هو طهور لك من
() 1
ذنوبك أي مطهرة.
وكما كان يقرأ سوريت املعوذتني قبل املنام وميسح هبما جسده.
أن الرقية مشروعة أو جائزة ،وعلى أن النيبفدلت هذه األحاديث على َّ
والسالَ ُم أورثنا أدعية معروفة وصورا نقرؤها أرشد عليها الناس َعلَْي ِه َّ
الصالَةُ َّ
والسالَ ُم .فهذه هي الرقية املشروعة. َعلَْي ِه َّ
الصالَةُ َّ
قال ابن قدامة :يستحب عيادة املريض ،قال الرباء" :أمرنا رسول اهلل $
باتباع اجلنائز وعيادة املريض" .رواه البخاري ومسلم ،وعن علي > أن النيب
$قال" :ما من رجل يعود مريضا ممسيا إال خرج معه سبعون ألف ملك
يستغفرون له حىت يصبح وكان له خريف يف اجلنة ومن أتاه مصبحا خرج
معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حىت ميسي وكان له خريف يف اجلنة".
قال الرتمذي :هذا حديث حسن غريب وإذا دخل على مريض دعا له
ورقاه ،قال ثابت ألنس :يا أبا محزة اشتكيت قال أنس :أفال أرقيك برقية
رسول اهلل $؟ قال :بلى قال" :اللهم رب الناس مذهب إلباس اشف أنت
الشايف شفاه ال يغادر سقما".
)1(1رواه البخاري برقم ( ، )2587باب الوصايا ،ومسلم يف كتاب الوصية برقم (.)1627
قال النووي :وقد أمجع املسلمون على األمر هبا لكن مذهبنا ومذهب اجلماهري أهنا مندوبة ال واجبة
وقال داود وغريه من أهل الظاهر هي واجبة هلذا احلديث وال داللة هلم فيه فليس فيه تصريح باجياهبا
لكن إن كان على اإلنسان دين أوحق أو عنده وديعة وحنوها لزمه االيصاء بذلك قال الشافعي
رمحه اهلل معىن احلديث ما احلزم واالحتياط للمسلم إال أن تكون وصيته مكتوبة عنده ويستحب
تعجيلها وأن يكتبها يف صحته ويشهد عليه فيها ويكتب فيها ما حيتاج إليه فإن جتدد له أمر حيتاج
إىل الوصية به احلقه هبا قالوا وال يكلف أن يكتب كل يوم حمقرات املعامالت وجزيئات األمور
املتكررة .شرح النووي (.)75-11/74
ويلقنه قول ال إله إال اهلل لقول رسول اهلل " :$لقنوا موتاكم ال إله إال اهلل".
رواه مسلم.
وقال احلسن" :سئل رسول اهلل $أي األعمال أفضل؟ قال" :أن متوت يوم
متوت ولسانك رطب من ذكر اهلل" .رواه سعيد ويكون ذلك يف لطف
ومداراة وال يكرر عليه وال يضجره إال أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه لتكون
ال إله إال اهلل آخر كالمه نص على هذا أمحد وروي عن عبد اهلل بن املبارك
أنه ملا حضره املوت جعل رجل يلقنه ال إله إال اهلل فأكثر عليه فقال له عبد
اهلل :إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما مل أتكلم قال الرتمذي :إمنا أراد عبد اهلل
ما روي عن النيب $أنه قال" :من كان آخر كالمه ال إله إال اهلل دخل
اجلنة" .رواه أبو داود بإسناده وروى سعيد بإسناده عن معاذ بن جبل ملا
حضرته الوفاة قال :أجلسوين فلما أجلسوه قال :كلمة مسعتها من رسول اهلل
$كنت أخبؤها ولوال ما حضرين من املوت ما أخربتكم هبا مسعت رسول
اهلل $يقول" :من كان آخر قوله عند املوت ال إله إال اهلل وحده ال شريك له
إال هدمت ما كان قبلها من اخلطايا والذنوب فلقنوها موتاكم" فقيل يا
رسول اهلل فكيف هي لألحياء؟ قال( :هي أهدم وأهدم)] قال أمحد ويقرؤون
عند امليت إذا حضر ليخفف عنه بالقراءة يقرأ {يس} وأمر بقراءة فاحتة
الكتاب وروى سعيد ثنا فرج بن فضالة عن أسد بن وداعة ملا حضر غضيف
بن حارث املوت حضره إخوانه فقال :هل فيكم من يقرأ سورة يس قال
رجل من القوم :نعم قال :اقرأ ورتل وانصتوا فقرأ ورتل وأمسع القوم فلما بلغ
{فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} خرجت نفسه قال
أسد بن وداعة :فمن حضره منكم املوت فشدد عليه املوت فليقرأ عنده
()1
سورة يس فإنه خيفف عنه املوت.
لئن كان املوت أعظم املصائب فإن الغفلة عنه أعظم من أجل هذا سنت
كثرة ذكره.
روى أبو هريرة > قال :قال رسول اهلل " :$أكثروا ذكر هاذم اللذات".
يعين املوت .كما جيب االستعداد له بالتوبة حلديث الرباء بن عازب > قال:
كنا مع رسول اهلل $يف جنازة فجلس على شفري القرب فبكى حىت بل الثرى
مث قال :يا إخواين ملثل هذا فأعدوا وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال" :أخذ
رسول اهلل $مبنكيب فقال" :كن يف الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
ومن السنة عيادة املريض السليم حىت األرمد حلديث زيد بن أرقم > قال:
"عادين رسول اهلل $من وجع كان بعيين" .وحديث أيب هريرة > قال:
مسعت رسول اهلل $يقول" :حق املسلم على املسلم مخس :رد السالم وعيادة
املريض وإتباع اجلنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس".
كما تسن عيادة اجلار املريض ولو كان كافرا.
)1(1املغين (.)2/303
ويسن ختفيف الزيارة ويدعو له بالعافية إن طمع يف حياته .ومن األدعية
املأثورة ما روت عن عائشة رضي اهلل عنها قالت" :كان النيب $يعوذ
بعضهم ميسحه بيمينه" :أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشايف ال شفاء
إال شفاؤك شفاء ال يغادر سقما".
فإن رأى حياته غري مرجوة رغبه بتوبة ووصية ويستحب ألهل املريض ومن
خيدمه الرفق به واحتماله والصرب على ما يشق من أمره وكذلك من قرب
موته بسبب حد أو قصاص ويستحب لألجنيب أن يوصيهم بذلك حلديث
عمران بن حصني >" :أن امرأة من جهينة أتت النيب $فقالت إهنا زنت
وهي حبلى فدعا نيب اهلل $وليا هلا فقال له رسول اهلل " :$أحسن إليها فإذا
وضعت فجئ هبا ." . . .
ويستحب طلب املوت يف بلد شريف ،ملا روي عن زيد بن أسلم عن أبيه
عن عمر > قال" :اللهم ارزقين شهادة يف سبيلك واجعل مويت يف بلد
رسولك".
ويستحب أال يكره املريض على الدواء وغريه من الطعام
ويستحب طلب الدعاء من املريض حلديث عمر > قال :قال رسول اهلل :$
() 1
"إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك فإن دعاءه كدعاء املالئكة".
)1(1قال األلباين :ضعيف جدا ،ضعيف اجلامع رقم ( ،)487وضعيف الرتغيب برقم (،)2029
والسلسلة الضعيفة برقم ( ،)1004وضعيف ابن ماجة برقم ( ،)306واملشكاة برقم (.)1588
ويستحب وعظ املريض بعد عافيته وتذكريه الوفاء مبا عاهد اهلل تعاىل من
التوبة وغريها من ضروب اخلري .وينبغي له هو احملافظة على ذلك قال تعاىل:
() 2
وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤوال.
باب
التحصين بقراءة آية الكرسي
عن أيب هريرة > أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد
أخذ منه فذكر ذلك للنبي $فقال:تريد أن تأخذه؟ قل :من سخرك
يدي فأخذته ألذهب
لمحمد $قال أبو هريرة :فقلت فإذا جني قائم بين ّ
به إلى النبي $فقال :إنما أخذته ألهل بيت فقراء من الجن ولن أعود
قال :فعاد فذكرت ذلك للنبي $فقال :تريد أن تأخذه؟ فقلت :نعم
فقال :قل سبحان من سخرك لمحمد $فقلت فإذا أنا به فأردت أن
أذهب به إلى النبي $فعاهدني أن ال يعود فتركته ثم عاد فذكرت ذلك
للنبي $فقال :تريد أن تأخذه فقلت :نعم فقال :قل سبحان من سخرك
لمحمد $فقلت فإذا أنا به فقلت :عاهدتني فكذبت وعدت ألذهبن بك
إلى النبي $فقال :خل عني أعلمك كلمات إذا قلتهن لم يقربك ذكر
)(1رواه الرتمذي عن أيب أيوب األنصاري وقال :حديث حسن غريب ،وصححه األلباين يف
صحيح الرتغيب برقم (.)1469
)(2أخرجه مسلم يف كتاب صالة املسافرين برقم ( ،)1882وابو داود يف كتاب الصالة برقم (
.)1460
وامللك والقدرة واإلرادة وهذه السبعة أصول األمساء والصفات واهلل اعلم.
( )1
أ.هـ.
باب
قراءة آخر آيتين من سورة البقرة كل ليلة
أوصى رسول اهلل $بقراءة آخر آيتني من سورة كل ليلة وحث عليها ،ومن
قرأ هبما يف ليلة تكفيه من كل شيء بإذن اهلل تعاىل .
فعن أيب مسعود البدري > قال :قال رسول اهلل " :$من قرأ اآليتين من
() 2
آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".
وعن النعمان بن بشري عن النيب $قال" :إن اهلل تعالى كتب كتابا قبل أن
يخلق السموات واألرض بألفي عام وهو عند العرش وإنه أنزل منه آيتين
ختم بهما سورة البقرة وال يقرآن في دار ثالث ليال فيقربها
الشيطان"( )3
كفتاه :قيل معناه :كفتاه من قيام الليل ،وقيل كفتاه من الشيطان ،وقيل من
اآلفات ،وحيتمل من اجلميع .
)1(1أخرجه احلاكم وقال :صحيح على شرط مسلم ،وصححه األلباين يف الصحيحة رقم (،)582
والرتغيب رقم (.)218
)2(2أخرجه النسائي واحلاكم وقال :صحيح اإلسناد ،وأخرجه أبو سعيد الدارمي يف مسنده
موقوفاً على أيب سعيد إال أنه قال :من قرأ سورة الكهف ليلة اجلمعة اضاء له من النور ما بينه
وبني البيت العتيق .و صححه العالمة األلباين يف صحيح اجلامع برقم ( ، )6346واإلرواء برقم (
.)619
وعن ايب الدرداء> :أن النيب $قال " :من حفظ عشر آيات من أول سورة
() 3
الكهف عصم من الدجال".
قيل سبب ذلك ما يف أوهلا من العجائب واآليات ،فمن يتدبرها مل يفتنت
بالدجال وكذا يف آخرها قوله تعاىل + :أَفَح ِسب الَّ ِذين َك َفروا أَ ْن يت ِ
َّخ ُذوا َ َ ُ َ َ
ادي ِمن ُدونِي أَولِياء إِنَّا أَ ْعتَ ْدنَا جهن ِ ِ
ِعب ِ
َّم ل ْل َكاف ِر َ
ين ُن ُزالً".
() 2
ََ َ ََْ ْ َ
() 3 ويف رواية ملسلم " :من آخ ِر س ِ
ورة ال َكهف" . ُ
قال املناوي :ملا يف قصة أهل الكهف من العجائب ،فمن علمها مل يستغرب
أمر الدجال فال يفنت ،أو ألن من تدبر هذه اآليات وتأمل معناها حذره
فأمن منه ،أو هذه خصوصية أودعت يف السورة ، ومن مث ورد يف رواية
كلها .وعليه جيتمع رواية من أول ومن آخر ،ويكون ذكر العشر
استدراجاً حلفظ الكل والتعريف للعهد أو للجنس ألن الدجال من يكثر
الكذب والتمويه ويف خرب يكون يف آخر الزمان دجالون ،وفيه جواز الدعاء
بالعصمة من نوع معني ،واملمتنع الدعاء مبطلقها الختصاصها بالنيب $
وامللك .
)3(3رواه مسلم يف كتاب صالة املسافرين برقم ( ، )1880وأبو داود يف كتاب املالحم برقم (
، )4323والرتمذي يف كتاب فضائل القرآن برقم ( ، )2886وأمحد يف مسنده (6/446و
، )449والنسائي يف عمل اليوم والليلة (ص ، )527صحيح اجلامع برقم (. )6201
)1(2سورة الكهف آية (.)102
)2(3صحيح مسلم (.)1/556
فمن تدبرها مل يفتنت بالدجال ،وجيوز أن يكون التخصيص هبا ملا فيها -
أي العشر اآليات األول -من ذكر التوحيد وخالص أصحاب الكهف من
() 1
شر الكفرة .اهـ.
باب
عالج الكرب والهم والغم والحزن
من أصابه هم أو غم أو نزلت به نازلة أو كربه أمر ،فقد أرشدنا النيب $إىل
عالج هذه األمور .
هم وال حز ٌن فقال :
فعن ابن مسعود ،عن النيب $قال" :ما أصاب عبداً ٌ
ماض في حكمك، اللهم إني عبدك ،ابن عبدك ،ابن أمتك ناصيتي بيدكٍ ،
اسم هو لك سميت به نفسك ،أو أنزلتهعدل في قضاؤك ،أسألك بكل ٍ ٌ
في كتابك ،أو علمته أحداً من خلقك ،أو استأثرت به في علم الغيب
عندك :أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ،ونور صدري وجالء حزني،
() 2
وذهاب همي ،إال أذهب اهلل حزنه وهمه ،وأبدله مكانه فرحاً".
)1(1أخرجه البخاري ( )180 /11يف الدعوات :باب قول ال حول وال قوة إال باهلل ،ومسلم (
)2704يف الذكر والدعاء :باب استحباب خفض الصوت بالذكر ،من حديث أيب موسى> .
)2(2أخرجه البخاري ( )11/122،123يف الدعوات :باب الدعاء عند الكرب ،ومسلم (
)2730يف الذكر والدعاء :باب دعاء الكرب .
)3(3أخرجه أبو داود (: )5090باب ما يقول إذا أصبح ،وأمحد ( ، )5/42والبخاري يف
"األدب املفرد" (، )701وسنده حسن ،وصححه ابن حبان (. )2370
قال" :ماشئت وإن زدت فهو خير" قلت :النصف قال" :ما شئت
وإن زدت فهو خير" قال :أجعل لك صالتي كلها قال " :إذاً تكفى
همك ويغفر ذنبك"(.)1
املراد بالصالة يف هذا احلديث الدعاء.
وعن حممد بن حيىي بن حبان عن أبيه عن جده :أن رجالً قال :يا رسول
أجعل ثلث صالتي عليك؟ قال " :نعم ،إن شئت" ،قال :الثلثين؟
اهلل! ُ
قال " :نعم" قال :فصالتي كلها؟ قال رسول اهلل " $إذاً يكفيك ما همك
من أمر دنياك وآخرتِك"(.)2
وأفضل الصالة هي الصالة اإلبراهيهية وهي :اللهم صل على حممد ،وعلى
آل حممد كما صليت على إبراهيم ،وعلى آل إبرالهيم ،وبارك على حممد
وعلى آل حممد ،كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم يف العاملني إنك
محيد جميد.
)1(1رواه أمحد والرتمذي برقم ( ، )2505وقال :حديث حسن صحيح ،واحلاكم وقال :
صحيح اإلسناد ،وقال احلافظ ابن حجر يف الفتح :أخرجه أمحد وغريه بسند حسن ،فهذا اجليد من
األحاديث الواردة يف ذلك ،السلسلة الصحيحة برقم ( ،)952واملشكاة برقم
( ،)5351وفضل الصالة برقم (. )14
)(2حسنه الشيخ األلباين يف صحيح الرتغيب برقم (. )1671
باب
ما جاء في عالج حر المصيبة وحزنها
ويف "المسند" عنه> أنه قال " :ما من ٍ
أحد تصيبه مصيبةٌ فيقول :إنا هلل
وإنا إليه راجعون ،اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ،إال
() 1
أجاره في مصيبته ،وأخلف له خيراً منها".
ويف "جامع الرتمذي" عن أنس ،أن رسول اهلل $كان يقول إذا َحَزبَهُ أمر،
ث" .أستَ ِغ ُ
ك ْ وم َبر ْح َمتِ َ
حي يا َقيُّ ُ
قال" :يا ُّ
() 2
اب َع ْبداًَص َويف مسند اإلمام أمحد عن ابن مسعود ،عن النيب $قال َ " :ما أ َ
ناصيتي الله َّم إني َع ْب ُد َك ،ابن َع ْب ِد َك ،ابن أمتك ِفقال ُ : َه ٌّم والَ ُح ْز ٌن َ
ُ ُ
اس ٍم ُهو َ
لك ك ب ُك ِّل ْ
قضاؤك ،أسألُ َ
َ في
دل َّ كمكَ ،ع ٌ في ُح َ ماض َّ بيدكٍ ،َ
خلقك ،أوَ تابك ،أو علمتَهُ أحداً من َنزلتَهُ في كِ َ ك ،أ َْو أ َ سَ س َّم َ ِ
يت به َن ْف َ َ
ربيع قلبي، علم ِ ِ رت ِبه في ِ
تجعل القرآ َن العظيم َ الغيب عن َد َك ،أن َ استأثَ َ
وه َّمهُ،
همي ،إال أذهب اهللُ ُحزنهُ َ
وذهاب ِّ
َ وجالء ُحزني،
َ ونور صدري، َ
وأبدلهُ مكانهُ َف َرحاً".
() 1
أذهب اهلل تعاىل حزنه وأطال فرحه".
ويف "الرتمذي" عن سعد بن أيب وقاص ،قال :قال رسول اهلل" : $دعوةُ ذي
بحانك إني
أنت ُس َ ِ
الحوت :ال إله إال َ النون إذ دعا ربهُ وهو في بط ِن
كنت من الظالمين ،لَم يدع بها رجل مسلم في ٍ
شيء ُّ
قط إال استُجيب ٌ َ ْ ُ ُ َ
()2
لهُ" .
ويف ((سنن أيب داود)) عن ابن عباس ،قال :قال رسول اهلل" : $من لزم
ضٍ
يق مخرجاً ،ورزقهُ كل ِ
االستغفار ،جعل اهللُ لهُ من ُك ِّل َه ٍّم َف َرجاً ،ومن ِّ
() 3 حيث ال ِ
يحتسب" . من ُ
)2(3أخرجه الرتمذي يف الدعوات برقم ( .)3592وصححه األلباين يف سنن أيب داود برقم (
.)3581
العاشر :أن يرتع قلبه يف رياض القرآن ،وجيعله لقلبه كالربيع للحيوان ،وأن
ِ
ظلمات الشُّبهات والشهوات ،وأن يتسلَّى به عن كل فائت، يستضيء به يف
ويتعزى به عن كل مصيبة ،ويستشفى به من أدواء صدره ،فيكون جالء َّ
حزنه ،وشفاء مهه وغمه.
احلادي عشر :االستغفار.
الثاين عشر :التوبة.
الثالث :اجلهاد.
الرابع عشر الصالة.
اخلامس عش ر :ال رباءة من احلول والق وة ،وتفويض هما إىل من مها بي ده .اهـ .
()1
باب
عالج الفزع واألرق
كان رسول اهلل $يعلم صحابته الكرام الدعاء الذي يدفع عنهم الفزع
واألرق بإذن اهلل تعاىل.
)2(1أخرجه أمحد يف املسند ( ،)6696وأبو داود ( )3893يف الطب :باب كيف الرقي ،
والرتمذي ( ،)3591واحلاكم ( ،)1/548ورجاله ثقات ،وله شاهد مرسل عند ابن السين (
،)643السلسلة الصحيحة رقم ( ، )264وصحيح اجلامع برقم (. )701
فتضمنت االستعاذة :أن ال ميسوه وال يقربوه ،وذكر ذلك سبحانه عقيب
السيِّئَةَ حَنْن أ َْعلَم مِب َا ي ِ ِ
ص ُفو َن" )1(.فأمره أن ُ ُ َ قولهْ + :ادفَ ْع بِالَّيِت ه َي أ ْ
َح َس ُن َّ
حيرتز من شر شياطني اإلنس بدفع إساءهتم إليه باليت هي أحسن ،وأن يدفع
() 2
شر شياطني اجلن باالستعاذة منهم.اهـ.
باب
في عالج األمراض واألوجاع
عن عبد اهلل بن مسعود> ،قال المرأته زينب وقد اشتكت عينها :لو فعلت
كما فعل رسول اهلل $كان خرياً لك وأجدر أن تشفي ،تنضحني يف عينك
املاء ،مث تقولني" :أذهب البأس رب الناس ،أشف أنت الشافي ،ال شفاء
شفاء ال يغادر سقماً".
إال شفاؤكً ،
() 3
وعن حممد بن حاطب ،قال :انصبت على يدي مرقمة فأحرقتها ،فذهبت يب
أُمي إىل رسول اهلل $فأتيناه وهو يف الرحبة ،فأحفظ أنه قال" :أذهب
البأس ،رب الناس! ـ وأكثر علمي أنه قال ـ أنت الشافي ال إله إال أنت".
()4
باب
المرأة ترقي الرجل
جيوز للمرأة أن ترقي الرجال إذا كان زوجها أو أحد حمارمها،
فعن عائشة < قالت" :كان يعوذ بهذه الكلمات[ :اللهم رب الناس]
أذهب البأس ،واشف وأنت الشافي ،ال شفاء إال شفاؤك ،شفاء ال يغادر
)1(1أخرجه أبو داود ( )3880يف الطب ،باب ما جاء العني .السلسلة الصحيحة رقم (
. )2522
)2(2أخرجه البخاري ( )10/169،170يف الطب ،باب رقية العني ،ومسلم يف السالم برقم (
، )2195باب استحباب الرقية من العني والنملة واحلمة والنظرة .
)3(3أخرجه مالك يف املوطأ ( )2/938يف أول كتاب العني ،ورجاله ثقات.
)4(4أخرجه البخاري ( )10/171،172يف الطب ،باب رقية العني ،ومسلم يف السالم برقم (
، )2197باب رقية العني .
والسفعة ـ بفتح السني وجيوز ضمها وسكون الفاء ـ سواد الوجه ،ومنه سفعة
الفرس :سواد ناصيته ،وعن األصمعي :يعلوها سواد ،وقيل :سواد مع لون
آخر ،وقال ابن قتيبة :لون خيالف لون الوجه ،وكلها متقاربة .
وقال النيب $يف األبرت ،وذي الطُفيتني من احليات" :إنهما يلتمسان البصر،
() 1
ويسقطان الحبل".
وصح عن النيب $أنه كان يتلطف باملريض ،فتارة يضع يده عليه ويقول:
()2
طهور إن شاء اهلل".
"ال بأس ٌ
وعن عبد اهلل بن عامر قال :قال رسول اهلل ": $إذا رأى أحدكم من أخيه
() 3
ومن نفسه ومن ماله ما يعجبه فليُ ِّبركه؛ فإن العين حق".
وصيغة التربيك هو أن يقول" :اللهم بارك" .وال يقال مربوك .
باب
التعوذ بكلمات هللا التامات
وكذلك من األدعية اليت يكون فيهل رفع البالء بإذن اهلل تعاىل إذا نزل
والسالَ ُم «من نزل منـزالً أو بعد نزول املرض أو قبله كقوله َعلَْي ِه َّ
الصالَةُ َّ
)1(1أخرجه البخاري ( )6/248يف بدء اخللق ،باب قول اهلل تعاىل وبث فيهما من كل دابة،
ومسلم ( )2233يف السالم :باب قتل احليات وغريها .
)2(2أخرجه البخاري برقم ( )3616و ( )5622و (. )7470
" )3(3الصحيحة " (. )2572
منـزال فقال أعوذ بكلمات اهلل التامات من شر ما خلق مل يضره شيء حىت
يرحل من منـزله ذلك».
عن أيب هري رة ق ال :ج اء رجل إىل النيب $فق ال :يا رس ول اهلل! ما لقيت من
عقرب لدغتين البارحة فقال":أما لو قلت حين أمسيت :أعوذ بكلمات اهلل
()1
التامات من شر ما خلق ،لم تضرك".
وعن عبد الرمحن بن حنبش > أنه قال :جاءت الشياطني إىل رسول اهلل $
من األودية وحتدرت عليه من اجلبال وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن
حيرق هبا رسول اهلل $قال :فرعب قال جعفر :أحسبه قال :جعل يتأخر.
قال :وجاء جربيل عليه السالم ،فقال :يا حممد قل .قال :ما أقول ؟ قال:
أعوذ بكلمات اهلل التامات اليت ال جياوزهن بر وال فاجر من شر ما خلق
وذرأ وبرأ ،ومن شر ما ينـزل من السماء ،ومن شر ما يعرج فيها ،ومن شر
ما ذرأ يف األرض ،ومن شر ما خيرج منها ،ومن شر فنت الليل والنهار ،ومن
شر كل طارق إال طارقا يطرق خبري يا رمحن ،فطفئت نار الشياطني وهزمهم
() 2
اهلل عز وجل.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية :وكلمات اهلل التامات اليت ال جياوزهن بر وال
فاجر هي اليت كون هبا الكائنات ،فال خيرج بر وال فاجر عن تكوينه،
باب-
() 2
أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي ،فإنها أعظم المصائب" .
وقال عليه الصالة والسالم " :إن العبد إذا سبقت له من اهلل منـزلة لم
يبلغها بعمله ابتاله اهلل في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبّره على
ذلك حتى يبلغه المنـزلة التي سبقت له من اهلل تعالى " .
ويف رواية عن أيب هريرة> ،عن رسول اهلل $قال " :إن الرجل ليكون له
المنـزلة عند اهلل فما يبلغها بعمل ،فال يزال اهلل يبتليه بما يكره حتى يبلغه
إياها" )3( .
وعن أيب هريرة > قال :قال رسول اهلل " :$ما رزق عبد خيراً له وال
() 4
أوسع من الصبر" .
()2
كما تألمون وترجون من اهلل ما ال يرجون وكان اهلل عليماً حكيماً.
وعن أنس > قال :مسعت رسول اهلل $يقول " :إن اهلل عز وجل قال :إذا
() 3
ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منها الجنة".
يريد عينيه
وعن أيب موسى األشعري > ،أن رسول اهلل $قال" :إذا مات ولد العبد
قال اهلل تعالى لمالئكته قبضتم عبدي؟ فيقولون :نعم فيقول :قبضتم ثمرة
فؤاده ؟ فيقولون :نعم فيقول :فماذا قال عبدي؟ فيقولون :حمدك
)4(1أخرجه البخاري يف كتاب املرض برقم ( )5652ومسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (
.)6516
)1(2أخرجه البخاري يف كتاب املرض برقم ( 5647و 5648و ، )5660ومسلم يف كتاب الرب
والصلة برقم (.)6504
وعن أنس قال :قال رسول اهلل " : إذا أراد اهلل بعبده خيراً عجل له
العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده شراً أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به
()1
يوم القيامة" .
وقال النيب " : إن عظم الجزاء مع عظم البالء وإن اهلل تعالى إذا أحب
() 2
قوماً ابتالهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط" .
فيه احلث للعبد على الصرب على املص ائب حىت يكتب له الرضى من اهلل عز
وجل والثواب الكامل بإذن اهلل تعاىل.
وعن أيب هريرة > قال :قال رسول اهلل " :$ما يزا ل البالء بالمؤمن
والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى اهلل تعالى وما عليه من
() 3
خطيئة".
وعن حممود بن لبيد يرفعه" :إن اهلل إذا أحب قوماً ابتالهم ،فمن رضي
فله الرضى ،ومن سخط فله السخط" ،ويف رواية "ومن جزع فله
الجزع".
() 3
فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" .
)2(1أخرجه البخاري ( )138 /3يف اجلنائز :باب الصرب عند الصدمة األوىل
،ومسلم ( )926يف اجلنائز:باب يف الصرب يف املصيبة عند الصدمة األوىل من
حديث أنس بن مالك .
)3(2أخرجه مسلم ( )2822يف صفة اجلنة ونعيمها.
)1(3أخرجه البخاري يف كتاب الفنت برقم ( ،)7057ومسلم يف كتاب اإلمارة برقم (.)1845
وعن أيب هريرة > قال :قال رسول اهلل " :$مثل المؤمن كمثل الزرع ال
تزال الرياح تفيئه وال يزال المؤمن يصيبه البالء ومثل المنافق كمثل
() 1
شجرة األرز ال تهتز حتى تستحصد" .
بالء
وعن سعد بن أيب وقاص > قال :قلت يا رسول اهلل أي الناس أشد ً
قال " :األنبياء ثم األمثل فاألمثل يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان
دينه صلباً اشتد بالؤه وإن كان في دينه رقة ابتاله اهلل على حسب دينه
() 2
فما يبرح البالء بالعبد حتى يمشي على األرض وما عليه خطيئة" .
وعن عائشة رضي اهلل عنها :أن رسول اهلل $قال " :ال يصيب المؤمن من
()3
مصيبة حتى الشوكة إال قص بها من خطاياه أو ُك ِف َر بها من خطاياه".
وعن صهيب الرومي > ،عن رسول اهلل $أنه قال" :إن اهلل إذا أحب قوماً
ابتالهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط "
() 4
زاد أمحد" :ومن جزع فله الجزع".
)2(5رواه البخاري يف كتاب اجلنائز برقم ( )1302ومسلم يف كتاب اجلنائز برقم (.)926
)3(2زاد املعاد ()4/153
)4(3أخرجه البخاري يف اجلنائز برقم ( ، )1283ومسلم يف كتاب اجلنائز برقم ( ،)926واللفظ
للبخاري.
قال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل :من فوائد هذا احلديث أن الصرب الذي حُي مد
فاعله الصرب عند الص دمة األوىل :يصرب اإلنس ان وحيتسب ويعلم أن هلل ما
()1
أخذ وله ما أعطى وأن كل شيء عنده بأجل مسمى .أ.هـ.
وفي الحديث القدسي ،قال هللا ع ز وج ل" :ابن آدم إن ص برت عن د الص دمة األولى لم
)(2
" .أرض لك ثوابا ً دون الجنة
وعن معاذ بن جبل > قال :قال رسول اهلل " :$إن شئتم أنبأتكم ما أول ما
يقول اهلل عز وجل للمؤمنين يوم القيامة؟ وما أول ما يقولون له؟" قلنا:
نعم يا رسول اهلل .قال" :إن اهلل عز وجل يقول للمؤمنين هل أحببتم
لقائي فيقولون :نعم يا ربنا فيقول :لم فيقولون :رجونا عفوك ومغفرتك
()3
فيقول قد وجبت لكم مغفرتي" .
فكما أن اهلل سبحانه وتعاىل أنزل الداء أنزل معه الدواء ،ويكون رمحةً منه
وفضالً على عباده ،مؤمنهم وكافرهم .فعن ابن مسعود> ،أن رسول اهلل$
قال" :إن اهلل مل ينـزل داءً إال وأنزل له دواءً؛ جهله من جهله ،وعلمه من
( )1
علمه".
والت داوي واالستش فاء ب القرآن ،والطب النب وي أفضل األدوية على
اإلطالق وال يعادله ش يء غ يره ،وم تى أمكن الت داوي بهما ال يع دل إلى
غيرهما .
قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل :
وقد اتفق األطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء ال يعدل إلى الدواء
،ومتى أمكن بالبسيط ال يعدل إلى المركب ،قالوا وكل داء قدر على
الوا وال ينبغي اول دفعه باألدوية ،ق دفعه باألغذية والحمية لم يح
للط بيب أن يولع بس قي األدوية ف إن ال دواء إذا لم يجد في الب دن داء
زادت كميته عليه أو يحلله أو وجد داء ال يوافقه أو وجد ما يوافقه ف
كيفيته تش بث بالص حة وعبث بها ،وأرب اب التج ارب من األطب اء طبهم
بالمفردات غالبا وهم أحد فرق الطب الثالث )2( .
وقد شرع اهلل سبحانه وتعاىل لنا التداوي ،ثبت ذلك يف السنة املطهرة.
فعن زياد بن عالقة عن أسامة بن شريك قال" :شهدت األعراب يسألون
النيب صلى اهلل عليه وسلم أعلينا حرج يف كذا أعلينا حرج يف كذا ،فقال
)(1السلسلة الصحيحة رقم ( ، )452وصحيح موارد الظمآن رقم (.)1196
) )2الطب النبوي (ص. )6
هلم" :عباد اهلل وضع اهلل احلرج إال من اقرتض من عرض أخيه شيئا فذاك
الذي حرج" ،فقالوا يا رسول اهلل هل علينا جناح أن ال نتداوى؟ قال تداووا
عباد اهلل ،فإن اهلل سبحانه مل يضع داء إال وضع معه شفاء إال اهلرم ،قالوا يا
رسول اهلل ما خري ما أعطي العبد؟ قال :خلق حسن")1( .
ق ال ابن عب دالرب :وذهب آخ رون من العلم اء إىل إباحة االس رتقاء واملعاجلة
والت داوي وق الوا إن من س نة املس لمني اليت جيب عليهم لزومها ل روايتهم هلا
عن ن بيهم ص لى اهلل عليه وس لم الف زع إىل اهلل عند األمر يع رض هلم وعند
ن زول البالء هبم يف التع وذ باهلل من كل شر وإىل االس رتقاء وق راءة الق رآن
وال ذكر وال دعاء واحتج وا باآلث ار املروية عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم يف
إباحة التداوي واالسرتقاء منها ،قوله" :تداووا عباد اهلل وال تداووا حبرام فإن
اهلل مل ينـزل داء إال أنزل له دواء" )2( .
وقال يف موضع آخر :ويف هذا احلديث إباحة التداوي وإباحة معاجلة األطباء
وجواز الطب والتطبب)3( .
وقال ابن قيم اجلوزية :وقوله صلى اهلل عليه وسلم[ :أنزل الدواء الذي أنزل
الداء] قد جاء مثله عنه يف أحاديث كثرية ،فمنها ما رواه عمرو بن دينار عن
5
) ) فتح الباري (.)10/136
األسباب قد تقدم علم اهلل هبا وكتابته هلا وتقديره إياها و قضاؤه هبا كما
تقدم ربط ذلك باملسببات كذلك أيضا األسباب اليت هبا خيلق النبات من
إنزال املطر وغريه من هذا الباب كما قال تعاىل وما أنزل اهلل من السماء من
ماء فأحيا به األرض بعد موهتا وبث فيها من كل دابة ،وقال فأنزلنا به املاء
فأخرجنا به من كل الثمرات وقال وجعلنا من املاء كل شيء حي وأمثال
ذلك فجميع ذلك مقدر معلوم مقضى مكتوب قبل تكوينه فمن ظن أن
الشيء إذا علم وكتب أنه يكفى ذلك يف وجوده وال حيتاج إىل ما به يكون
من الفاعل الذي يفعله وسائر األسباب فهو جاهل ضال ضالال مبينا من
وجهني)1( .
وعن إبراهيم التيمي ،أن رجالً أتى إىل رسول اهلل ، فقال له رسول اهلل
" :من أنت ؟" .قال :أنا طبيب .قال له رسول اهلل " : ولعلك تدبر
أشياء يحرق بها غيرك")2(.
عل التداوي يف ِ
قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل :فكان من هديه ف ُ
نفسه ،واألمر به ملن أصابه مرض من أهله وأصحابه ،ولكن مل يكن ِمن
هديه وال هدي أصحابه استعمال هذه األدوية َّ
املركبة اليت تسمى أقرباذين ،
غالب أدويتهم باملفردات ،ورمبا أضافوا إىل املفرد ما يُعاونه ،أو
بل كان ُ
) )1جمموع الفتاوى (.)277-8/276
2
) ) رواه مسلم في صحيحه ( ، )1921وأحمد في المسند ( )134 :4والبيهقي في
السنن الكبرى( ،)375 :3والحاكم في المستدرك (.)602 :3
يكسر سورته ،وهذا غالب طب األمم على اختالف ِ
أجناسها من العرب ُ َ
الروم واليونان واكثر ِط ِّ
ب اهلند والرتكِ ،
وأهل البوادي قاطبةً وإمنا باملركبات ُ
باملفردات.
وقد اتفق األطباء على أنه مىت أمكن التداوي بالغذاء ال يُعدل عنه إىل الدواء،
ومىت أمكن بالبسيط ال يُعدل عنه إىل املركب.
قالوا :وكل داء على دفعه باألغذية واحلمية ،مل حُي اول دفعه باألدوية .اهـ .
() 1
وعن جابر ، عن رسول اهلل أنه قال " :لكل داء ،دواء ،فإذا أصيب
دواء الداء برأ بإذن اهلل عزوجل" )2( .
قال اإلمام النووي رمحه اهلل تعاىل :ويف هذا احلديث إشارة إىل استحباب
الدواء .وهو مذهب أصحابنا ومجهور السلف وعامة اخللف .اهـ )3( .
وعن طارق بن شهاب ،عن النيب " : إن اهلل تعالى لم يضع داء إال وضع
له شفاء فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر" )4( .
) )2رواه مسلم يف الطب برقم ( ،)5705باب لكل داء دواء واستحباب التداوي.
) )3شرح مسلم (. )14/412
4
) ) صحيح الجامع حديث رقم (. )1808
حكم التداوي
والت داوي س نةٌ وتركه درجة أعلى من ه ،كما ثبت ذلك عن الس لف الص احل
رضوان اهلل عليهم ،وكما نص على ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية ،وتلميذه
ابن مفلح يف "اآلداب الشرعية" .
قال ابن عبدالرب :والذي أقول به أنه قد كان من خيار هذه األمة وسلفها
وعلمائها قوم يصربون على األمراض حىت يكشفها اهلل ومعهم األطباء فلم
يعابوا برتك املعاجلة ولو كانت املعاجلة سنة من السنن الواجبة لكان الذم قد
حلق من ترك االسرتقاء والتداوي وهذا ال نعلم أحدا قاله ولكان أهل البادية
واملواضع النائية عن األطباء قد دخل عليهم النقص يف دينهم لرتكهم ذلك
وإمنا التداوي واهلل أعلم إباحة على ما قدمنا مليل النفوس إليه وسكوهنا حنوه (
( ولكل أجل كتاب ) ) ال أنه سنة وال أنه واجب وال أن العلم بذلك علم
موثوق به ال خيالف بل هو خطر وجتربة موقوفة على القدر واهلل نسأله
العصمة والتوفيق )1( .
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية :ولست أعلم سالفا أوجب التداوي وإمنا كان
كثري من أهل الفضل واملعرفة يفضل تركه تفضال واختيارا ملا اختار اهلل
ورضي به وتسليما له وهذا املنصوص عن أمحد وإن كان من أصحابه من
) )1التميد (.)5/279
يوجبه ومنهم من يستحبه ويرجحه كطريقة كثري من السلف استمساكا ملا
( )1
خلقه اهلل من األسباب وجعله من سنته يف عباده.اهـ.
قال يف فتح الودود الظاهر أن األمر لإلباحة والرخصة وهو الذي يقتضيه
املقام فإن السؤال كان عن اإلباحة قطعا فاملتبادر يف جوابه أنه بيان لإلباحة،
ويفهم من كالم بعضهم أن األمر للندب وهو بعيد فقد ورد مدح من ترك
الدواء واالسرتقاء توكال على اهلل.
نعم قد تداوى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بيانا للجواز فمن نوى موافقته
صلى اهلل عليه وسلم يؤجر على ذلك (مل يضع) أي مل خيلق (داء) أي مرضا
ومجعه أدواء (إال وضع له) أي خلق له (اهلرم) بفتح اهلاء والراء وهو باجلر
على أنه بدل من داء وقيل خرب مبتدأ حمذوف أي هو اهلرم أو منصوب
بتقدير أعين واملراد به الكرب .قاله القارىء.
وقال اخلطايب :يف هذا احلديث إثبات الطب والعالج وأن التداوي مباح غري
مكروه كما ذهب إليه بعض الناس وفيه أنه جعل اهلرم داء وإمنا هو ضعف
الكرب وليس هو من األدواء اليت هي أسقام عارضة لألبدان من قبل اختالف
الطبائع وتغري األمزجة وإمنا شبهه بالداء ألنه جالب التلف كاألدواء اليت قد
يتعقبها املوت واهلالك انتهى.
هِبِ
ضا} بيان حلكمته ض َفَز َاد ُه ُم اللَّهُ َمَر ً ويف قوله عن املنافقني{ :يِف ُقلُو ْم َمَر ٌ
تعاىل يف تقدير املعاصي على العاصني ,وأنه بسبب ذنوهبم السابقة ,يبتليهم
ب أَفْئِ َدَت ُه ْم
{ونُ َقلِّ ُ
باملعاصي الالحقة املوجبة لعقوباهتا كما قال تعاىلَ :
ص َار ُه ْم َك َما مَلْ يُ ْؤ ِمنُوا بِِه أ ََّو َل َمَّر ٍة} وقال تعاىلَ { :فلَ َّما َزاغُوا أ ََزا َ
غ اللَّهُ َوأَبْ َ
ض َفَز َاد ْت ُه ْم ِر ْج ًسا إِىَل هِبِ َّ ِ
ين يِف ُقلُو ْم َمَر ٌ {وأ ََّما الذ َ
وب ُه ْم} وقال تعاىلَ :ُقلُ َ
وذكر ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل هذه الفوائد اليت ختص أمراض اجلسم
نذكرها للفائدة ،فقال :
الكالم الكثري ،والنوم الكثري ،واألكل الكثري ،
ُ وأربعة أشياء مُت رض اجلسم :
واجلماع الكثري.
الشيب .
َ ويعجل فالكالم الكثري يُقلِّل َّ
مخ الدماغ ويُضعفه ِّ ،
والنوم الكثري :يصفِّر الوجه ،ويعمى القلب ،ويهيِّج العني ،وي ِ
كس ُل عن ُ ُ ُ ُ ُ ُ
العمل ،ويولِّ ُد الرطوبات يف البدن .
واألكل الكثري ِ
يفس ُد فم املعدة ،ويُضعف اجلسم ،ويولِّ ُد الرياح الغليظة ، ُ ُ
واألدواء العسرة .
) )1تفسير السعدي.
البدن، ِ
رطوبات ِ ضعف ال ُقوى ،وجيفِّف واجلماع الكثري ُّ :
يهد البدن ،ويُ ُ
وحيض الدماغ
ُّ ويعُ ُّم ضرره مجيع البدن،
السدد َ ،
العصب ،ويورث ُّ
َ ويُرخي
لكثرة ما يتحلل به من الروح النفساين ،وإضعافه أكثر من إضعاف مجيع
املستفرغات ،ويستفرغ ِمن جوهر الروح شيئاً كثرياً.
اهلم .احلزن .واجلوع .والسهر . فصل :أربعةٌ ِ
هتد ُم البدن ُّ :
تفرح :النظر إىل اخلضرة ،وإىل املاء اجلاري ،واحملبوب ،والثمار .
وأربعة ُ
املشي حافياً ،والتصبح والتمسي بوجه البغيض والثقيل
وأربعةٌ تُظلم البصر ُ :
،والعدو ،وكثرة البكاء ،وكثرة النظر يف اخلط الدقيق.
لبس الثوب الناعم ،ودخول احلمام املعتدل ،وأكل
وأربعة تُقوي اجلسم ُ :
الطعام احللو والدسم ،وشم الروائح الطيبة.
الكذب ،والوقاحةُ ،
ُ وأربعةُ تيبس الوجه ،وتذهب ماءه وهبجته وطالوته :
وكثرة السؤال عن غري علم ،وكثرةُ الفجور.
ولكرم ،والتقوى .
ُ وأربعةُ تزيد يف ماء الوجه وهبجتِ ِه :املروءةُ ،والوفاءُ،
واحلسد ،والكذب ،والنميمة .
ُ وأربعة جتلب البغضاء واملقت ِ :
الكرب ، ُ
وتعاه ُد
قيام الليل ،وكثرةُ االستغفار باألسحار ُ ،
جتلب الرزق ُ :
وأربعةُ ُ
الصدقة ،والذكر أول النهار وآخره .
وأربعة متنع الرزق :نوم الصبحة ،وقلةُ الصالة ،وال َك َس ُل ،واخليانة .
والنوم على
ُ تضُّر بالفهم والذهن :إدما ُن أكل احلامض والفواكه ،
وأربعةٌ ُ
والغم .
واهلم ُّ ،
القفا ُّ ،
وأربعةٌ تزيد يف الفهم :فراغ القلب ،وقلة التملِّي من الطعام والشراب،
وحسن تدبري الغذاء باألشياء احللوة والدَّمسة ،وإخراج الفضالت ِ
املثقلَ ِة ُ ُ
ِ
للبدن.
يضر بالعقل :إدمان أكل البصل ،والباقِالء ،والزيتون ،والباذجنان،
ومما ُّ
والسكر ،وكثرةُ الضحك ،والغم. وكثرة اجلماع ،والوحدة ،واألفكارُّ ،
ثرت ِ ِ
عت يف ثالث جمالس ،فلم أجد ل ذلك علة إال أين أك ُ بعض أهل النظ ر :قُط ُ
ق ال ُ
ِمن أك ِل الباذجنان يف أحد تلك األي ام ،ومن الزيت ون يف اآلخ ر ،ومن الب اقالء يف
الثالث .اهـ)1( .
باب
ما جاء في العالج بالعسل
العسل من أنفع العالجات ،وهو من األدوية اليت يكون فيهل الشفاء بإذن اهلل
تعاىل وقد ثبت ذلك يف الكتاب والسنة .
ِِ ِ اب ُم ْختَلِ ٌ قال اهلل تعاىل :ي ْخر ِ
ف أَل َْوانُهُ فيه ش َفاءٌ ج م ْن بُطُونِ َها َش َر ٌ
َ ُُ
قال الشيخ السعدي رمحه اهلل :أخرب تعاىل أنه ال بد أن يبتلي عباده باحملن,
ليتبني الصادق من الكاذب ,واجلازع من الصابر ,وهذه سنته تعاىل يف
عباده؛ ألن السراء لو استمرت ألهل اإلميان ,ومل حيصل معها حمنة ,حلصل
االختالط الذي هو فساد ,وحكمة اهلل تقتضي متييز أهل اخلري من أهل
الشر .هذه فائدة احملن ,ال إزالة ما مع املؤمنني من اإلميان ,وال ردهم عن
دينهم ,فما كان اهلل ليضيع إميان املؤمنني ،فأخرب يف هذه اآلية أنه سيبتلي
وع} أي :بشيء يسري {واجْلُ ِ ِ ِ ٍِ
عباده {ب َش ْيء م َن اخْلَْوف} من األعداء َ
منهما؛ ألنه لو ابتالهم باخلوف كله ,أو اجلوع ,هللكوا ,واحملن متحص ال
ص ِم َن اأْل َْم َو ِال} وهذا يشمل مجيع النقص املعرتي لألموال من{و َن ْق ٍ
هتلكَ .
جوائح مساوية ,وغرق ,وضياع ,وأخذ الظلمة لألموال من امللوك الظلمة,
س} أي :ذهاب األحباب من األوالد, {واأْل َْن ُف ِ
وقطاع الطريق وغري ذلكَ .
واألقارب ,واألصحاب ,ومن أنواع األمراض يف بدن العبد ,أو بدن من
ات} أي :احلبوب ,ومثار النخيل ,واألشجار كلها ,واخلضر حيبه{ ،والثَّمر ِ
َ ََ
بربد ,أو برد ,أو حرق ,أو آفة مساوية ,من جراد وحنوه.
وهذا األجر ملن صرب على ما أصابه واحتسب األجر عند اهلل سبحانه
تعاىل ،والذي ال يصرب ومل حيتسب األجر بل تسخط واعرتض على قدر
اهلل تعاىل فهذا ال ينال الثواب ،بل له السخط والعقاب والعياذ باهلل.
()2
صرِب ُو َن". وقال تعاىل+ :وجع ْلنا بعض ُكم لِبع ٍ ِ
ض فْتنَةً أَتَ ْ َ َ َ َ َْ َ ْ َ ْ
قال الزجاج أي أتصربون على البالء فقد عرفتم ما وجد الصابرون.
قال ابن قيم اجلوزية :قرن اهلل سبحانه الفتنة بالصرب ههنا ،ويف قوله+ :مُثَّ إِ َّن
ِ ِ ِ ربَّ ِ ِ
صَب ُرواْ" )3(.فليس ملن قداه ُدواْ َو َ
اجُرواْ من َب ْعد َما فُتنُواْ مُثَّ َج َ ك للَّذ َ
ين َه َ َ َ
فنت بفتنة دواء مثل الصرب فإن صرب كانت الفتنة ممحصة له وخملصة من
الذنوب كما خيلص الكري خبث الذهب والفضة ،فالفتنة كري القلوب وحمك
1
() تفسري السعدي.
وعن أيب هريرة ،وعن جبري بن مطعم رضي اهلل عنهما ،عن النيب $أنه قال:
() 2
"إن اهلل تعالى يبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر عنه كل ذنب".
أي خيترب وميتحن عب ده املؤمن الق وي على احتم ال ذلك ،بالس قم ،بضم
فس كون أي املرض ،حىت يكفر عنه كل ذنب ،فيجب على العبد أن يش كر
اللّه على البالء ألنه يف احلقيقة نعمة ال نقمة ألن عقوبة ال دنيا منقطعة وعقوبة
1
() تفسري السعدي.
2
() رواه الط رباين عن جبري بن مطعم واحلاكم عن أيب هري رة ،ص حيح اجلامع ح ديث رقم (
.)1870
اآلخر دائمة ومن عجلت عقوبته يف الدنيا ال يعاقب يف العقىب ،قال القرطيب:
واملكفر باملرض الصغائر بشرط الصرب أما الكافر فقد يزاد له بالبالء يف املال
والولد وقد خيفف عنه به عقوبة غري الشرك )1( .
والذي يصرب على البالء ،ويتوكل على اهلل تعاىل وال يتسخط ،وحيمد
اهلل عز وجل على ما أصابه ،فهذا من يوفون أجورهم بغري حساب ،وهذا
من فضل اهلل ومنّته سبحانه وتعاىل .
) 2( . َجر ُهم بِغَرْيِ ِحس ٍ
اب" قال اهلل تعاىل+ :إِمَّنَا يوىَّف َّ ِ
َ الصاب ُرو َن أ ْ َ َُ
الصبر لغة :احلبس
َجر ُهم بِغَرْيِ قال مالك بن أنس يف قوله+ :إِمَّنَا يوىَّف َّ ِ
الصاب ُرو َن أ ْ َ َُ
اب" ،قال :هو الصرب على فجائع الدنيا وأحزاهنا ،وال شك أن كل من ِحس ٍ
َ
( )3
سلّم فيما أصابه ،وترك ما هني عنه ،فال مقدار ألجره.
وعن أيب سعيد اخلدري > قال :قال رسول اهلل " :$ومن يتصبر
() 4
يصبره اهلل وما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر"
1
() فيض القدير .
وقال " :$إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي ،فإنها أعظم
()2
المصائب"
قال املناوي" :إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر" :أي يتذكر
"مصيبته بي" : أي بفقدي من بني أظهر هذه األمة ،وانقطاع الوحي
واإلمداد السماوي.
"فإنها من أعظم" :ويف رواية من أشد .
)1(1تيسير الكريم الرحمن (. )1/100
)2(2صحيح الجامع رقم (. )347
وعن صهيب الرومي < قال :قال رسول اهلل " :$عجباً ألمر المؤمن
إن أمره كله خير ،وليس ذاك إال للمؤمن ،إذا أصابته سراء شكر فكان
()1
خيراً له ،وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له "
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل تعاىل :فاملؤمن إذا كان صبوراً
شكوراً يكون ما يقضى عليه من املصائب خرياً له ،و إذا كان آمراً
باملعروف ناهياً عن املنكر جماهداً يف سبيله كان ما قدر له من كفر الكفار
سبب للخري يف حقه ،وكذلك إذا دعاه الشيطان واهلوى كان ذلك سبباً ملا
حصل له من اخلري ،فيكون ما يقدر من الشر إذا نازعه ودافعه كما أمره اهلل
ورسوله سبباً ملا حيصل له من الرب والتقوي ،وحصول اخلري والثواب،
2
وارتفاع الدرجات ،فهذا وأمثاله مما يبني معىن هذا الكالم واهلل أعلم.اهـ) (.
وقال ابن حجر :واملعين إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب
من مقتضيات اجلزع فذلك هو الصرب الكامل الذي يرتتب عليه األجر،
وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب مبثله فاستعري للمصيبة الواردة على
القلب ،قال اخلطايب :املعىن أن الصرب الذي حيمد عليه صاحبه ما كان عند
مفاجأة املصيبة ،خبالف ما بعد ذلك فإنه على األيام يسلو ،وحكى اخلطايب
عن غريه أن املرء ال يؤجر على املصيبة ألهنا ليست من صنعه ،وإمنا يؤجر
على حسن تثبته ومجيل صربه ،وقال ابن بطال :أراد أن ال جيتمع عليها
2
مصيبة اهلالك وفقد األجر) ( .
ويف احلديث القدسي ،قال اهلل عز وجل" :ابن آدم إن صبرت عند
() 2
الصدمة األولى لم أرض لك ثواباً دون الجنة".
ومن رمحة اهلل تعاىل بنا أن جيري لنا أعمالنا يف حال املرض ،ويأمر سبحانه
وتعاىل املالئكة أن تكتب أعمالنا كما هي يف حال الصحة.
فعن أيب موسى > قال :قال رسول اهلل " $إذا مرض العبد أو سافر كتب
( )3
له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" .
وعن أيب بكر بن عياش ،عن عبد اهلل بن عمرو قال :قال رسول اهلل" : $إذا
المسلم قال اهلل تعالى للذين يكتبون :اكتبوا له أفضل ما
ُ اشتكى العب ُد
()4
يعمل إذا كان طلقاً حتى أطلقه" .
كان ُ
عازما على
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية :وهذه قاعدة الشريعة أن من كان ً
الفعل عزما جازما وفعل ما يقدر عليه منه كان مبنـزلة الفاعل ،فهذا الذي
)1(1احلديث عن أنس < قال" :رجعنا من غزوة تبوك مع النبي × فقال :إن أقواماً خلفنا
بالمدينة ما سلكنا شعباً وال وادياً إال وهم معنا حبسهم العذر" .أخرجه البخاري يف كتاب
اجلهاد والسري برقم (.)2839
وعن أيب عبد اهلل جابر بن عبد اهلل األنصاري رضي اهلل عنهما قال" :كنا مع النبي × في
غزاة فقال :إن بالمدينة لرجال ما سرتم مسيراً وال قطعتم وادياً إال كانوا معكم حبسهم
المرض".
ويف رواية" :إال شركوكم في األجر" .أي شاركه .أخرجه مسلم يف اإلمارة برقم (.)1911
قال النووي :وىف هذا احلديث :فضيلة النية يف اخلري ،وأن من نوى الغزو وغريه من
الطاعات فعرض له عذر منعه حصل له ثواب نيته ،وأنه كلما أكثر من التأسف على فوات ذلك
ومتىن كونه مع الغزاة وحنوهم كثر ثوابه واهلل أعلم .شرح النووي على مسلم (. )13/57
وقال القرطيب :قلت الظاهر من األحاديث واآلي املساواة يف األجر منها قوله عليه السالم:
من دل على خري فله مثل أجر فاعله ،وقوله :من توضأ وخرج إىل الصالة فوجد الناس قد صلوا
أعطاه اهلل مثل أجر من صالها وحضرها ،وهو ظاهر قوله تعاىل+ :ومن خَيْرج ِمن بيتِ ِه مه ِ
اجًرا إِىَل َ َ ُ ْ َْ ُ َ
َجُرهُ َعلى اللّ ِه" .سورة النساء آية (.)100وبدليل أن النية ِِ ِ
اللّه َو َر ُسوله مُثَّ يُ ْد ِر ْكهُ الْ َم ْو ُ
ت َف َق ْد َوقَ َع أ ْ
الصادقة هي أصل األعمال ،فإذا صحت يف فعل طاعة فعجز عنها صاحبها ملانع منع منها فال بعد
ين بِأ َْم َواهِلِ ْم ِِ ِِ ِ يِف ِ ِ ِ هِلِ
َوالْ ُم َجاه ُدو َن َسب ِيل اللّه بأ َْم َوا ْم َوأَن ُفسه ْم فَض َ
َّل اللّهُ الْ ُم َجاهد َ
ِِ ِِ ِِ
ين
َّل اللّهُ الْ ُم َجاهد َ ين َد َر َجةً َو ُكالًّ َو َع َد اللّهُ احْلُ ْسىَن َوفَض َ
َوأَن ُفسه ْم َعلَى الْ َقاعد َ
يما" ،)1(.فهذا ومثله يبني أن املعذور يكتب له مثل ِ ِِ
َجًرا َعظ ً
ين أ ْ
َعلَى الْ َقاعد َ
()2
ثواب الصحيح إذا كانت نيته أن يفعل وقد عمل ما يقدر عليه.اهـ.
وقال املناوي :قال البلقيين وغريه :وهذا مقيد مبا إذا اتفق له ذلك ومل يعتده
وبأن ال يكون سفر معصية وأن ال يكون املرض بفعله وقوله مقيماً هو ما يف
نسخ صحيحة من البخاري وشرح عليه شارحون قالوا فهما حاالن مرتادفان
أو متداخالن ولف ونشر غري مرتب ألن مقيماً يقابل أو مسافراً وصحيحاً
يقابل إذا مرض )3( .
وعن أنس بن مالك> قال :قال رسول اهلل " :$إذا ابتلى اهلل عز وجل
العبد المسلم ببالء في جسده ،قال اهلل عز وجل للملك" :اكتب له
صالح عمله الذي كان يعمل ،وإن شفاه غسله وطهره ،وإن قبضه غفر له
( )4
ورحمه" .
يف مساواة أجر ذلك العاجز ألجر القادر والفاعل ،ويزيد عليه لقوله عليه السالم نية املؤمن خري
من عمله واهلل أعلم .تفسري القرطيب (. )8/293
)(1سورة النساء آية (. )95
)1(2جمموع الفتاوى (. )23/236
)2(3فيض القدير .
)3(4صحيح اجلامع برقم (. )258
وعن عبد اهلل بن عمرو > ،عن النيب $قال" :ما من ٍ
أحد من الناس يصاب
ببالء في جسده إال أمر اهلل عز وجل المالئكة الذين يحفظونه ،قال:
اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي"
()1
.
ٍ
حسنة من ٍ
طريقة ويف رواية قال رسول اهلل " :$إن العبد إذا كان على
العبادة ثم على مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان
( )2
طليقاً حتى أُطلقه أو أُكفته إلي" .
أكفته :أضمه إيل و أقبضه .
ويف احلديث القدسي ،عن أيب هريرة > قال :قال رسول اهلل :$قال اهلل
تعاىل" :إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من
إساري ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه ،ودماً خيراً من دمه ،ثم يستأنف
()3
العمل".
ود فالن وعُ َّو ُاده مثل َز ْو ِره
قوله" :عواده" :قال الفراء :يقال هؤالء َع ُ
ودونه إِذا ْاعتَ َّل .وفـي حديث فاطمة بنت قـيس :فِإهنا وز َّواره ،وهم الذين َيعُ ُ
ُ
وعن صهيب الرومي > قال :قال رسول اهلل":$عجباً ألمر المؤمن إن أمره
كله خير ،وليس ذلك ٍ
ألحد إال للمؤمن ،إن أصابته سراء شكر فكان
له") (.
خيراً له ،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً
2
وعن أيب هريرة > قال :قال رسول اهلل " $مثل المؤمن كمثل الزرع ال
تزال الرياح تفيئه ،وال يزال المؤمن يصيبه بالءٌ ،ومثل المنافق كمثل
()3
شجرة األرز ال تهتز حتى تستحصد" .
قوله" :تفيئه" :بضم الفوقية وفتح الفاء وتشديد التحتية ،أي حتركه ومتيله
()4
ميينا ومشاال.
وقوله" :تستحصد" :أي :ال تتغري حىت تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي
انتهى يبسه
)1(1رواه ابن ماجة والترمذي وقال :حديث حسن صحيح ،وابن حبان ،وصححه
األلباني رحمه هللا في الصحيحة رقم (.)143
)2(2رواه البخاري يف كتاب املرض برقم (.)5645
مرضي به إذا كان بإرادة من الغري ال من نفسه فألن يكون ما حيصل بغري
( )3
إرادة ورضاً أوىل .اهـ .
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية :فإن سنة اهلل يف األنبياء واملؤمنني أنه يبتليهم
بالسراء والضراء لينالوا درجة الشكر والصرب ،كما يف الصحيح عن النيب $
أنه قال" :والذي نفسي بيده ال يقضي اهلل للمؤمن قضاء إال كان خرياً له،
وليس ذلك ألحد إال للمؤمن ،إن أصابته سراء شكر فكان خرياً له ،وإن
خريا له" ،واهلل تعاىل قد بني يف القرآن ما يف إدالة
أصابته ضراء صرب فكان ً
العدو عليهم يوم أحد من احلكمة ،فقال :وال هتنوا وال حتزنوا وأنتم األعلون
إن كنتم مؤمنني إن ميسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك األيام
نداوهلا بني الناس وليعلم اهلل الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء واهلل ال حيب
الظاملني وليمحص اهلل الذين آمنوا وميحق الكافرين.
فمن احلكم متييز املؤمن عن غريه فإهنم إذا كانوا دائما منصورين مل يظهر هلم
وليهم وعدوهم إذا اجلميع يظهرون املواالة فإذا غلبوا ظهر عدوهم قال تعاىل
وما أصابكم يوم التقى اجلمعان فبإذن اهلل وليعلم املؤمنني وليعلم الذين نافقوا
وقيل هلم تعالوا قاتلوا يف سبيل اهلل أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتاال التبعناكم هم
للكفر يومئذ أقرب منهم لإلميان يقولون بأفواههم ما ليس يف قلوهبم واهلل
أعلم مبا يكتمون الذين قالوا إلخواهنم وقعدوا لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا
)3(4عون املعبود.
)3(2رواه أمحد والبزار ،قال يف جممع الزوائد (" : )2/301رواه أمحد وأبو يعلى والبزار ورجال
أمحد رجال الصحيح" .وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب برقم (.)3425
)4(3صححه األلباين يف صحيح الرتغيب برقم (.)3425
)1(4رواه البخاري يف كتاب املرض برقم ( ، )5660ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب برقم
(.)6511
ويف رواية" :حتى تأتيه أجله" ومثل الكافر كمثل األرزة المجذية على
( )1
أصلها ال يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة".
األرزة :شجرة الصنوبر ،وقيل الذكر خاصة .
المجذية :الثابتة املنتصبة .
اإلنجعاف :اإلنقالع ،قال أبو عبيد" :واملعىن فيما نرى أنه شبه املؤمن باخلامة
اليت متيلها الريح ألنه مرزأ يف نفسه وأهله وماله وولده ،وأما الكافر فمثل
األرزة اليت ال متيلها الريح ،والكافر ال يرزأ شيئا حىت ميوت فإن رزئ ال
() 2
يؤجر عليه ،فشبه موته بإجنعاف تلك حىت يلقى اهلل بذنوبه مجة .أ.هـ.
وقال رسول اهلل " :$إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ،أو قال:
()3
بماء زمزم" .
(فيح) يف املصباح فاحت النار فيحا انتشرت .وهذا الوارد يف احلديث نوع
من الطب ووصف للدواء الذي ال يشك يف حصول الشفاء به ملن ناسبه
ووافق مزاجه والدواء خيتلف باختالف األشخاص واألحوال ،ولذلك يرجع
وعن أنس> ،أن رسول اهلل $قال" :إن عظم الجزاء مع عظم البالء ،وإن
اهلل تعالى إذا أحب قوماً ابتالهم ،فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله
)3 ( .
السخط"
قال املناوي :قوله" :إن عظم اجلزاء" ،أي كثرته مع عظم البالء ،بكسر
املهملة وفتح الظاء فيهما وجيوز ضمها مع سكون الظاء ،فمن بالؤه أعظم
فجزاؤه أعظم ،وإن اللّه تعاىل إذا أحب قوماً ابتالهم أي اختربهم باحملن
والرزايا وهو أعلم حباهلم ،قال لقمان البنه يا بين الذهب والفضة خيتربان
)3(1رواه البخاري يف كتاب املرض برقم ( ، )5652ومسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (
.)2576
)1(2فتح الباري (. )10/115
وعن أيب سعيد وأيب هريرة> قال" :ما يصيب المؤمن من نصب وال
وصب وال هم وال حزن وال غم حتى الشوكة يشاكها إال كفر اهلل بها
()1
من خطاياه" .
ورواية مسلم " :ما يصيب المؤمن من وصب وال نصب وال سقم وال
حزن حتى الهم يهمه إال َّ
كف َر به من سيئاته" .
النصب :التعب .
الوصب :املرض .
وكفََّر :أي سترها ومحاها .
أحب اهلل قوماً ابتالهم
وعن حممود بن لبيدة ،أن رسول اهلل $قال" :إذا َّ
()2
فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع" .
وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت :قال رسول اهلل" :$ما من مصيبة تصيب
( )3
المسلم إال كفر اهلل عنه بها حتى الشوكة يشاكها" .
ويف رواية ملسلم" :ال تصيب المؤمن شوكة فما فوقها إال نقص اهلل بها من
خطيئته" .
)2(1رواه البخاري يف كتاب املرض برقم ( 5641و ، )2642ومسلم يف كتاب الرب والصلة
برقم (.)2573
)3(2صحيح اجلامع رقم (.)282
)1(3رواه البخاري يف كتاب املرض برقم ( ،)5640ومسلم يف كتاب الرب والصلة (.)6514
)1 ( .
ويف رواية أخرى له" :إال رفعه اهلل بها درجة وحط عنه بها خطيئة"
ويف رواية :دخل شباب من قريش على عائشة < ،وهي مبىن وهم
خر على طنب فسطاط يضحكون ،فقالت :ما يضحككم قالوا :فالن ّ
وكادت عنقه أو عينه تذهب ،فقالت :ال تضحكوا فإين مسعت رسول اهلل$
يقول " :ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إال كتب اهلل له بها درجة
)2 ( .
ومحيت عنه بها خطيئة"
()3 أحد أطْناب اخليمة ,فاستعاره للطَّرف والن ِ
َّاحية .هـ . والطُّنُب ُ :
َ
والفسطاط :هو اخليمة .
قال اإلمام النووي رمحه اهلل تعاىل :يف هذه األحاديث بشارة عظيمة
للمسلمني ،فانه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شئ من هذه األمور ،وفيه
تكفري اخلطايا باألمراض واألسقام ومصايب الدنيا ومهومها وإن قلت مشقتها
،وفيه رفع الدرجات هبذه األمور وزيادة احلسنات ،وهذا هو الصحيح
( )4
الذي عليه مجاهري العلماء .اهـ .
)2(1رواه البخاري يف كتاب املرض برقم ( ، )5648ومسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (
.)2571
)3(2السلسلة الصحيحة (.)1714
)4(3النهاية يف غريب احلديث (. )5/206
)5(4صحيح اجلامع رقم (.)3/3188
)1(5النهاية يف غريب احلديث (. )3/484
احلمى كري من جهنم ،أي حقيقة أرس لت منها إىل ال دنيا ن ذيراً للجاح دين
وبش رياً للمق ربني أهنا كف ارة ل ذنوهبم أو حرها ش بيه حبر كري جهنم ،فما
أص اب املؤمن منها ك ان حظه من الن ار ،أي نص يبه من احلتم املقضي يف قوله
ك ح ْتما َّم ْق ِ
ضيًّا" سبحانه َ +وإِن ِّمن ُك ْم إِاَّل َوا ِر ُد َها َكا َن َعلَى َربِّ َ َ ً
) 1( .
باب
اللجوء إلى هللا في كل األمور
هذا وعلى العبد أن يلتجئ إىل اهلل سبحانه وتعاىل يف كل أموره ويف
السر والعلن ويدعوه يف جوف الليل والنهار وعند السجود ويف كل وقت
ويتضرع إليه ،ويظهر اخلضوع التذلل واالفتقار إليه سبحانه وتعاىل ،ومن الدعاء
املأثور :
هم وال َح َزن
عن ابن مسعود> ،أن رسول اهلل $قال" :ما أصاب أحداً قط ٌّ
في فقال " :اللهم إني عبدك وابن عبدك ،وابن أمتك ،ناصيتي بيدكٍ ،
ماض َّ
اسم هو لك سميت به نفسك ،أوبكل ٍ
في قضاؤك ،أسألك ِّ حكمك ٌ ،
عدل َّ
أنزلته في كتابك ،أو علمته أحداً من خلقك ،أو استأثرت به في علم الغيب
عندك ،أن تجعل القرآن ربيع قلبي ،ونور صدري ،وجالء حزني ،وذهاب
همي".
)1(1رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه ،والحاكم ،وكلهم عن
أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود ،وقال
الحاكم :صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن عن أبيه،وصححه
األلباني في الصحيحة برقم ( ،)199وصحيح الترغيب برقم (.)1822
)2(2مجموع الفتاوى (. )18/129
ففعلت ذلك ،فأذهب
ُ الرجال» ،قال:
بك من غَلَبَة الدين َوقَهر َ
وأَعُوذُ َ
اهلل عز وجل همي ،وقضى عني ديني".)1(.
زم
«من لَ َ ويف «سنن أبـي داود» عن ابن عباس ،قال :قال رسول اهلل َ :
خرجاًَ ،و َر َزقَهُ االستغ َف َارَ ،ج َع َل اهللُ لَهُ من ُكل َه َم َف َرجاً ،ومن ُكل ٍ
ضيق َم َ
يث الَ يَحتَسب». من َح ُ
زع إلى الصالة ،وقد
أمر ،فَ َ
ويف «املسند» أن النبـي كان إذا َح َزبَه ٌ
() 2
قال تعالى :واستَعينُوا بالصبر والصالة.
الجنة ،يَدفَ ُع
اب من أبواب َ
بالجهاد ،فإنهُ بَ ٌ
«علَي ُكم َويف «السنن»َ :
الهم والغَم».
الن ُفوس َ
اهللُ به َعن ُّ
ومهُ،
ومهُ وغُ ُم ُ
«من َك ُث َرت ُه ُم ُ
ويذكر عن ابن عباس ،عن النبـي َ :
ول َوالَ قُو َة إال باهلل».)3(.
فَليُكثر من قَول :الَ َح َ
وثبت يف «الصحيحني» "أنها كنـز من كنوز الجنة".
باب من أبواب الجنة».
ويف «الرتمذي»« :أنها ٌ
)(1أخرجه أبو داود في آخر كتاب الصالة برقم ( )1555من طريق أحمد بن عبيد
هللا الغداني.
)(2سورة البقرة اآلية (. )45
)(3رواه البخاري برقم ( 4205و 6384و 6409و 6610و ، )7386ورواه
ومسلم برقم ( )2704و (.)6802
وعن سعد بن أيب وقاص> قال :قال رسول اهلل " :$دعوة ذي النون
إذ دعا وهو في بطن الحوت" :ال إله إال أنت سبحانك إني كنت من
رجل مسلم في شيء قط إال استجاب اهلل
الظالمين" فإنه لم يدعُ بها ٌ
() 1
له".
ويف رواية أخرى" :أال أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بالء
من أمر الدنيا دعا به ففرج عنه؟ دعاء ذي النون :ال إله إال أنت سبحانك
إني كنت من الظالمين" )2(.
قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل :وأما دعوة ذي النون فإن فيها من كمال
التوحيد والتنـزية للرب تعاىل واعرتاف العبد بظلمة وذنبه ما هو من أبلغ
أدوية الكرب واهلم والغم وأبلغ الوسائل إىل اهلل سبحانه يف قضاء حوائجه ،
فإن التوحيد والتنـزيه يتضمنان إثبات كل كمال هلل وسلب كل نقص وعيب
ومتثيل عنه ،واالعرتاف بالظلم يتضمن إميان العبد بالشرع والثواب والعقاب
ويوجب انكساره ورجوعه إىل اهلل واستقالة عثرته واالعرتاف بعبوديته
وافتقاره إىل ربه ،فمنها أربعة أمور قد وقع التوسل هبا التوحيد والتنـزيه
3
والعبودية واالعرتاف .اهـ) (.
ويف رواية عن ابن مسعود >" :كان إذا نزل به هم أو غم قال :يا حي
يا قيوم برمحتك أستغيث" )2( .
وعن عمار بن ياسر ،قال :كان رسول اللّه $يدعو" :اللهم بعلمك
الغيب وقدرتك على اخللق أحيين ما علمت احلياة خريا يل وتوفين إذا علمت
الوفاة خريا يل اللهم وأسألك خشيتك يف الغيب والشهادة وأسألك كلمة
اإلخالص يف الرضا والغضب وأسألك القصد يف الفقر و الغىن وأسألك نعيما
وقال ابن قيم اجلوزية :مجع يف هذا الدعاء بني أطيب ما يف الدنيا وهو
الشوق إىل لقائه وأطيب ما يف اآلخرة وهو النظر إليه وملا كان كالمه موقوفاً
على عدم ما يضر يف الدنيا ويفنت يف الدين قال يف غري ضراء مضرة وال فتنة
مضلة.اهـ) ( .
2
قال اإلمام أمحد رمحه اهلل تعاىل الصرب يف القرآن يف حنو تسعني موضعا وهو
واجب بإمجاع األمة وهو نصف اإلميان فإن اإلميان نصفان :نصف صرب
ونصف شكر وهو مذكور يف القرآن على ستة عشر نوعاً:األول :األمر به
حنو قوله تعاىل :يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصرب والصالة البقره ،وقوله:
واستعينوا بالصرب والصالة ،وقوله :اصربوا وصابروا ،وقوله :واصرب وما
صربك إال باهلل .الثاين :النهي عن ضده كقوله :فاصرب كما صرب أولوا العزم
من الرسل وال تستعجل هلم ،وقوله :وال تولوهم األدبار ،فإن تولية األدبار:
ترك للصرب واملصابرة ،وقوله :وال تبطلوا أعمالكم ،فإن إبطاهلا ترك الصرب
الخاتمة
وهبذا مت الكتاب ،واحلمد هلل الذي بنعتمه تتم الصاحلات .
وأس أل اهلل أن جيعل فيه النفع للن اس عامة ،وأن جيعله س بباً الرتب اط الن اس
برهبم سبحانه وتعاىل ،وهذا هو جهدنا ،وهذه مقدرتنا ،فإن أصبنا فمن
اهلل وح ده ،وإن أخطأنا فمنا ومن الش يطان ،ونس أله أن يغفر لنا ويرمحنا
ومجيع املسلمني هو موالنا وخالقنا وناصرنا ،فنعم املوىل ونعم النصري .
سبحانك اللهم وحبمدك أستغفرك وأتوب إليك .
وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله حممد.
وكتبه
ماجد بن خنجر البنكاين
أبو أنس العراقي