You are on page 1of 203

‫العالج بالقرآن والسنة‬

‫تأليف‬
‫أبي أنس‬
‫ماجد إسالم البنكاني‬

‫‪‬‬
‫حنم ُده‪ ،‬ونس تعينه‪ ،‬ونس تغفره‪ ،‬ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا‪ ،‬ومن‬ ‫َّ‬
‫إن احلم َد هلل َ‬
‫مضل له‪ ،‬ومن يُضلل فال هادي له‪.‬‬
‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال ّ‬
+ .‫ وأشهد أ ّن حممداً عبده ورسولُه‬،‫وأشهد أ ّن ال إله إالّ اهللُ وحده ال شريك له‬
      
)1(
"      
     
       
      
       
."  
      
      
        
)2(
"  

،‫أما بعد‬
‫ وشر األمور‬، ‫ وخري اهلدى هدي حممد‬، ‫فإن خري الكالم كالم اهلل تعاىل‬
. ‫ وكل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة‬، ‫حمدثاهتا‬
‫احلمد هلل ال ذي َم َّن على عب اده أن جعل الق رآن ه دى وش فاء للمؤم نني‬
‫اءتْ ُك ْم َم ْو ِعظَ ةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ِش َفاءٌ لِ َما فِي‬ ُ ‫ ﴿يَا أ َُّي َها الن‬:‫حيث قال سبحانه‬
َ ‫َّاس قَ ْد َج‬
َ ِ‫ض ِل اللَّ ِه َوبَِر ْح َمتِ ِه فَبِ َذل‬
‫ك َفلَْي ْف َر ُح وا ُه َو‬ ْ ‫ين * قُ ْل بَِف‬ِ ِ ‫الص ُدو ِر و ُه ًدى ور ْحمةٌ لِل‬
َ ‫ْم ْؤمن‬
ُ َ ََ َ ُّ
)3(.﴾‫َخْي ٌر ِم َّما يَ ْج َمعُو َن‬

. ‫) سورة آل عمران‬1(1
. ‫) سورة األحزاب‬2(2
. )58-57( ‫) ) سورة يونس آية‬3
‫ومن فضل اهلل تعاىل على املؤمنني أن جعل األمراض اليت قدرها عليهم‬
‫كفارات للذنوب واخلطايا‪ ،‬فعن ابن مسعود >‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ $‬قال‪" :‬ما‬
‫من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إال حط اهلل به سيئاته كما‬
‫تحط الشجرة ورقها "‪)1(.‬‬
‫ومن األدوية النافعة بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬الرقية الشرعية الثابتة يف الكتاب والسنة‬
‫الصحيحة‪ ،‬فعلى العبد أن يلجأ إىل اهلل سبحانه وتعاىل يف اخلري والشر‪ ،‬ويف‬
‫يب‬ ‫ِ‬
‫السر والعلن‪ ،‬وأن يدعوه يف كشف الضر عنه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬أ ََّم ْن يُج ُ‬
‫وء‪)2(.‬‬
‫الس َ‬ ‫ضطََّر إِ َذا َد َعاهُ َويَ ْك ِش ُ‬
‫ف ُّ‬ ‫ال ُْم ْ‬
‫فإنه ال شايف إال اهلل‪ ،‬وال منجي إال هو سبحانه وتعاىل‪ ،‬قال تعاىل‪َ  :‬وإِ َذا‬
‫ت َف ُه َو يَ ْش ِفي ِن‪)3( . ‬‬ ‫َم ِر ْ‬
‫ض ُ‬
‫ففي القرآن الكرمي والسنة الصحيحة أنواعاً من العالجات واألدوية النافعة‬
‫بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬فأحببت أن أمجعها للقارئ الكرمي لكي يكون على علم هبا‪،‬‬
‫وأن يستخدمها لينتفع هبا بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬وعلينا أن ال نعدل عنها إىل األدوية‬

‫‪ ) )1‬رواه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪ )5660‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب برقم (‬
‫‪.)6511‬‬
‫‪ ) )2‬سورة النمل آية (‪. )62‬‬
‫‪ ) )3‬سورة الشعراء آية (‪. )80‬‬
‫الكيميائية يف العصر احلاضر‪ ،‬وعليه أن يتداوى بالغذاء بدل الدواء ما أمكنه‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ق ال ابن حجر رمحه اهلل تع اىل يف تعليقه على ح ديث املرأة اليت تص رع‪:‬‬
‫"وفيه أن عالج األم راض كلها بال دعاء وااللتج اء إىل اهلل أجنع وأنفع من‬
‫العالج بالعق اقري‪ ،‬وأن ت أثري ذلك وانفع ال الب دن عنه أعظم من ت أثري األدوية‬
‫البدنية‪ ،‬ولكن إمنا ينجع بأمرين‪ :‬أحدمها من جهة العليل وهو صدق القصد‪،‬‬
‫واآلخ ر‪ :‬من جهة املداوي وهو ق وة توجهه وق وة قلبه ب التقوى والتوكل واهلل‬
‫أعلم"‪.‬اهـ‪)1( .‬‬
‫أس أل اهلل الك رمي رب الع رش العظيم أن جيعل ه ذا الكت اب س بباً لنفع‬
‫املسلمني‪ ،‬وأن يكون سبباً الرتباطهم بالقرآن الكرمي والسنة املطهرة اليت ال‬
‫غىن للمسلم عنهما‪ ،‬وأن جيعله خالصاً لوجهه الكرمي‪ ،‬وأن جيعل له القبول يف‬
‫األرض وأن جيعل أعمالنا وأقوالنا حجة لنا ال حجة علين ا‪ ،‬وأن ينفعنا هبا يف‬
‫يوم الدين ‪ ،‬إنه ويل ذلك والقادر عليه ‪ .‬آمني ‪.‬‬

‫وأصلي وأسلم على المبعوث رحم ًة للعالمين محمد وعلى‬


‫آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫واهلل الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬

‫‪ ) )1‬فتح الباري (‪. )10/115‬‬


‫وكتب ‪ /‬ماجد إسالم البنكاين‬
‫أبو أنس العراقي‬
‫‪/1‬صفر‪1429/‬هـ‬
‫‪6/2/2008‬‬
‫تمهيد‬
‫موضوع الرقى مهم‪ ،‬وأمهيته ظاهرة لكل أحد منكم؛ ألن املسلم حيتاج إىل‬
‫الرقية دائما‪ ،‬حيتاج إليها يف تعويذ نفسه وتعويذ أحبابه‪ ،‬كما كان النيب ‪$‬‬
‫والسالَ ُم‪ ،‬وميسح هبا‬ ‫يفعل‪ ،‬يقرأ املعوذتني وينفث يف كفه يف يده َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫رأسه ووجهه وما استطاع من جسده‪ ،‬ويف تعويذ من حيب لدفع البالء قبل‬
‫وقوعه‪ ،‬ولتكون حتصينا وحرزا للمرء من تسلُّط الشياطني على العبد‪.‬‬
‫ويظهر أيضا أمهية ِعلم املسلم بالرقى أ ّن الرقى اختلط فيها املشروع‬
‫باملمنوع‪ ،‬اختلط فيها الرقى الشرعية بالرقى البدعية؛ بل بالرقى الشركية‪.‬‬
‫وقد كان أهل اجلاهلية يتعاطون رقى شركية‪ ،‬وكان يتعلمها الناس ينقلها‬
‫اخلالف عن السالف‪ ،‬فلما جاءت الرسالة احملمدية على نبينا أفضل الصالة‬
‫والسالم ُمنعت الرقى حىت أُذن مبا ليس فيه شرك من ذلك‪ ،‬كما سيأيت بيانه‬
‫إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فأن تكون على بينة من الرقى الشرعية والرقى املمنوعة‪ ،‬هذا مهم؛ ألنه‬
‫فرقان ما بني املشروع وما بني الشرك ووسائل الشرك‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن القيم‪ :‬ويف الصحيحني عن عائشة أن رسول اهلل ‪ $‬كان‬
‫يأمرها أن تسرتقي من العني‪ .‬ويف الصحيحني عن أم سلمة أن النيب ‪ $‬قال‬
‫جلارية يف بيت أم سلمة رأى بوجهها سفعة‪ ،‬فقال هبا نظرة فاسرتقوا هلا‪ ،‬يعين‬
‫بوجهها صفرة‪.‬‬
‫ويف صحيح مسلم عن جابر قال رخص رسول اهلل ‪ $‬آلل حزم يف رقية‬
‫احلية‪.‬‬
‫وقال ألمساء بنت عميس‪ :‬ما يل أرى أجسام بين أخي ضارعة أتصيبهم‬
‫احلاجة‪ ،‬قالت ال ولكن العني تسرع إليهم‪ ،‬قال‪ :‬ارقيهم‪ ،‬قال فعرضت عليه‪،‬‬
‫فقال أرقيهم‪.‬‬
‫ويف صحيح مسلم أيضاً‪ ،‬عن جابر‪ ،‬قال‪" :‬لدغت رجال منا عقرب وحنن‬
‫جلوس مع رسول اهلل ‪ $‬فقال رجل يارسول اهلل أرقي له؟ قال من استطاع‬
‫منكم أن ينفع أخاه فليفعل"‪.‬‬
‫ويذكر عن ابن شهاب الزهري قال‪ :‬لدغت بعض أصحاب رسول اهلل ‪$‬‬
‫حيةٌ‪ ،‬فقال النيب ‪" :$‬هل من راق؟"‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل! إن آل حزم‬
‫كانوا يرقون رقية احلية‪ ،‬فلما هنيت عن الرقى تركوها‪ ،‬فقال‪" :‬ادعوا عُمارة‬
‫بن حزم"‪ ،‬فدعوه ‪ ،‬فعرض عليه رقاه‪ ،‬فقال‪" :‬ال بأس هبا"‪ ،‬فأذن له فيها‬
‫(‪)1‬‬
‫فرقاه‪.‬‬
‫‪ )(1‬ذكره احلافظ يف "اإلصابة" (‪ )4/275‬يف ترمجة عمارة‪ ،‬وقال ‪ :‬رواه البخاري يف "التاريخ‬
‫الصغري" بإسناد جيد ‪.‬‬
‫وأخرج مسلم يف"صحيحه"(‪ )2199‬عن جابر قال‪" :‬هنى رسول اهلل ‪ $‬عن‬
‫الرقى"‪ ،‬فجاء آل عمرو بن حزم إىل رسول اهلل ‪ $‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل! إنه‬
‫كانت عندنا رقية نرقي هبا من العقرب‪ ،‬وإنك هنيت عن الرقى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فعرضوها عليه‪ ،‬فقال‪" :‬ما أرى بأساً‪ ،‬من استطاع منكم أن ينفع أخاه‬
‫فلينفعه"‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬وقد أمجع العلماء على جواز الرقي عند اجتماع ثالثة‬
‫شروط‪ :‬أن يكون بكالم اهلل تعاىل‪ ،‬أو بأمسائه وصفاته وباللسان العريب‪ ،‬أو‬
‫مبا يعرف معناه من غريه‪ ،‬وأن يعتقد أن الرقية ال تؤثر بذاهتا بل بذات اهلل‬
‫(‪) 1‬‬
‫تعاىل‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫وإقراره هو الذي جاء يف حديث أيب سعيد يف الصحيح يف قصة لديغ احلي‬ ‫ُ‬
‫من العرب حيث أصابته لدغة‪.‬‬
‫نفر من أصحاب النيب ‪ $‬يف سفر ٍة‬ ‫وعن أيب سعيد اخلدري‪ ،‬قال‪ :‬انطلق ٌ‬
‫حي من أحياء العرب‪ ،‬فاستضافوهم‪ ،‬فأبوا أن‬ ‫سافروها حىت نزلوا على ّ‬
‫يضيفوهم‪ ،‬فلدغ سيد ذلك احلي ‪ ،‬فسعوا له بكل شيء ال ينفعه شيء‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬لو أتيتم ِ‬
‫هؤالء الره َط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم‬
‫شيء‪ ،‬فأتوهم ‪،‬فقالوا‪ :‬يا أيها الرهط! إن سيدنا لُدغ‪ ،‬وسعينا له بكل شيء‬
‫ال ينفعه‪ ،‬فهل عند أحدكم من شيء؟ فقال بعضهم‪ :‬نعم واهلل إين ألرقي‪،‬‬

‫‪ )2(1‬فتح الباري (‪. )10/195‬‬


‫براق حىت جتعلوا لنا جعالً‪،‬‬ ‫ولكن استضفناكم‪ ،‬فلم تضيفونا‪ ،‬فما أنا ٍ‬
‫فصاحلوهم على قطيع من الغنم‪ ،‬فانطلق يتفل عليه‪ ،‬ويقرأ‪ :‬احلمد هلل رب‬
‫العاملني‪ ،‬فكأمنا أنشط من عقال‪ ،‬فانطلق ميشي وما به قلبةٌ‪ ،‬قال‪ :‬فأوفوهم‬
‫جعلهم الذي صاحلوهم عليه‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬اقتسموا‪ ،‬فقال الذي رقى‪ :‬ال‬
‫تفعلوا حىت نأيت رسول اهلل‪ $‬فنذكر له الذي كان‪ ،‬فننظر ما يأمرنا‪ ،‬فقدموا‬
‫على رسول اهلل‪ ،$‬فذكروا له ذلك‪ ،‬فقال‪" :‬وما يدريك أهنا رقية؟" مث قال‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫"قد أصبتم‪،‬اقسموا واضربوا يل معكم سهماً"‪.‬‬
‫ب هلا ف ُـيْنظَُر إِلـيه ‪ .‬تقول ‪ :‬ما بالبعري‬
‫ما به قلبة‪ :‬معناه لـيست به علة ‪ ،‬يُ َقلَّ ُ‬
‫ب له ‪ ،‬ف ُـيْنظَُر إِلـيه ؛ وقال الطائي ‪ :‬معناه ما به‬ ‫َقلَبة‪ ،‬أَي لـيس به داءٌ يُ َق ْل ُ‬
‫(‪) 2‬‬
‫َجلِه علـى فراشه ‪ .‬اهـ ‪.‬‬ ‫ب من أ ْ‬
‫ِ‬
‫شيءٌ يُ ْقل ُقه ‪ ،‬فَـيََت َقلَّ ُ‬
‫فدل ذلك على مشروعية الرقية بفاحتة الكتاب؛ بل مشروعية الرقية بعامة‬
‫وبفاحتة الكتاب خباصة‪ ،‬وعلى أن أخذ اجلُعل عليها ال بأس به مطلقا‪.‬‬
‫ومنافع جمربة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫خواص‬
‫ُّ‬ ‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬ومن املعلوم أن بعض الكالم له‬
‫كالم كفضل اهلل على‬ ‫رب العاملني‪ ،‬الذي فَضلُهُ على كل ٍ‬ ‫الظن بكالم ّ‬ ‫فما ُّ‬
‫والنور اهلادي‪ ،‬والرمحة العامة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫خلقه الذي هو الشفاء التام‪ ،‬والعصمةُ النافعة‪،‬‬

‫‪ )1(1‬أخرجه البخاري (‪ )10/178‬يف الطب ‪ ،‬باب النفث يف الرقية ‪ ،‬ومسلم (‪ )2201‬يف‬


‫السالم ‪ ،‬باب جواز أخذ األجرة على الرقية ‪.‬‬
‫‪ )2(2‬لسان العرب (‪.)687 /1‬‬
‫زل‬
‫دع من عظمته وجاللته‪ .‬قال تعاىل‪ :‬ونُنَ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ُنزل على جبل لتَ َ‬ ‫الذي لو أ َ‬
‫ؤمنني‪ ‬و‪‬من‪ ‬ها هنا لبـيان اجلنس ال‬ ‫للم َ‬ ‫من ال ُقرآن َما ُه َو ش َفاءٌ َو َرمحَةٌ ُ‬
‫َ‬
‫وعملُوا‬
‫الذين َآمنُوا َ‬
‫أص ُّح القولني‪ ،‬كقوله تعاىل‪َ  :‬و َع َد اهلل َ‬ ‫للتبعيض‪ ،‬هذا َ‬
‫ظيماً‪ ‬وكلُّ ُهم من الذين آمنوا وعملوا‬
‫غفر ًة وأجراً َع َ‬‫منهم َم َ‬ ‫الصاحلَات ُ‬
‫الظن بفاحتة الكتاب اليت مل يُنـزل يف القرآن‪ ،‬وال يف التوراة‬ ‫الصاحلات‪ ،‬فما ُّ‬
‫وال يف اإلجنيل‪ ،‬وال يف الزبور مثلُها‪ ،‬املتضمنة جلميع معاين كتب اهلل‪،‬‬
‫املشتملة على ذكر أصول أمساء الرب تعاىل وجمامعها‪ ،‬وهي «اهلل» و«الرب»‬
‫و«الرمحن» و«إثبات املعاد» و«ذكر التوحيدين» توحيد الربوبـية‪ ،‬وتوحيد‬
‫اإلهلية‪ .‬وذكر االفتقار إىل الرب ُسبحانه يف طلب اإلعانة وطلب اهلداية‪،‬‬
‫وختصيصه سبحانه بذلك‪ ،‬وذكر أفضل الدعاء على اإلطالق وأنفعه وأفرضه‪،‬‬
‫شيء إليه‪ ،‬وهو اهلدايةُ إىل صراطه املستقيم‪ ،‬املتضمن كمال‬ ‫وما العباد أحوج ٍ‬
‫ُ‬
‫معرفته وتوحيده وعبادته‪ ،‬بفعل ما أ ََمر به‪ ،‬واجتناب ما َن َهى عنه‪ ،‬واالستقامة‬
‫عليه إىل املمات‪ ،‬ويتضمن ذكر أصناف اخلالئق وانقسامهم إىل ُمنع ٍم عليه‬
‫بعدوله عن احلق‬ ‫مبعرفة احلق‪ ،‬والعمل به‪ ،‬وحمبته‪ ،‬وإيثاره‪ ،‬ومغضوب عليه ُ‬
‫أقسام اخلليقة مع تضمنها‬
‫بعد معرفته له‪ ،‬وضال بعدم معرفته له‪ .‬وهؤالء ُ‬
‫إلثبات القدر‪ ،‬والشرع‪ ،‬واألمساء‪ ،‬والصفات‪ ،‬واملعاد‪ ،‬والنبوات‪ ،‬وتزكية‬
‫النفوس‪ ،‬وإصالح القلوب‪ ،‬وذكر عدل اهلل وإحسانه‪ ،‬والرد على مجيع أهل‬
‫البدع والباطل‪ ،‬كما ذكرنا ذلك يف كتابنا الكبـري «مدارج السالكني» يف‬
‫بعض شأهنا‪ ،‬أن يُستشفى هبا من األدواء‪،‬‬ ‫وحقيق بسور ٍة هذا ُ‬
‫ٌ‬ ‫شرحها‪.‬‬
‫اللديغ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ويُرقى هبا‬
‫وباجلملة فما تضمنته الفاحتةُ من إخالص العبودية والثناء على اهلل‪ ،‬وتفويض‬
‫األمر ُكله إليه‪ ،‬واالستعانة به‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬وسؤاله جمامع النعم كلها‪،‬‬
‫جتلب النعم‪ ،‬وتدفَ ُع النقم‪ ،‬من أعظم األدوية الشافية الكافية‪.‬‬
‫وهي اهلداية اليت ُ‬
‫(‪) 1‬‬
‫وأما ما رواه مسلم يف صحيحه من حديث جابر أن رسول اهلل ‪ $‬هنى عن‬
‫الرقي‪.‬‬
‫فهذا ال يعارض هذه األحاديث فإنه إمنا هنى عن الرقى اليت تتضمن الشرك‬
‫وتعظيم غري اهلل سبحانه كغالب رقى أهل الشرك‪.‬‬
‫والدليل على هذا ما رواه مسلم يف صحيحه من حديث عوف بن مالك‬
‫األشجعي قال‪ :‬كنا نرقي يف اجلاهلية فقلنا يارسول اهلل كيف ترى يف ذلك‬
‫فقال‪" :‬اعرضوا علي رقاكم‪ ،‬ال بأس بالرقي ما مل يكن فيه شرك"‪.‬‬
‫ويف حديث النهي أيضا ما يدل على ذلك‪.‬‬
‫فإن جابرا قال هنى رسول اهلل ‪ $‬عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم إىل‬
‫رسول اهلل ‪ $‬فقالوا يارسول اهلل إنه كانت عندنا رقية نرقي هبا من العقرب‬
‫وإنك هنيت عن الرقي قال فاعرضوها علي فعرضوها عليه فقال ما أرى هبا‬

‫‪ ) )1‬رواه الرتمذي والنسائي وابن ماجه‪ ،‬وقال الرتمذي‪ :‬حديث حسن‪.‬‬


‫بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه رواه مسلم‪ .‬وهذا املسلك يف‬
‫هذه األحاديث وأمثاهلا فيما يكون املنهى عنه نوعا واملأذون فيه نوعا آخر‬
‫وكالمها داخل حتت اسم واحد من تفطن له زال عنه اضطراب كثري يظنه‬
‫من مل حيط علما حبقيقة املنهى عنه من ذلك اجلنس واملأذون فيه متعارضا مث‬
‫يسلك مسلك النسخ أو تضعيف أحد األحاديث‪.‬‬
‫وأما هذه الطريقة فال حيتاج صاحبها إىل ركوب طريق النسخ وال تعسف‬
‫أنواع العلل‪ ،‬وقد يظهر يف كثري من املواضع مثل هذا املوضع وقد يدق‬
‫ويلطف فيقع االختالف بني أهل العلم واهلل يسعد بإصابة احلق من يشاء‬
‫( ‪)1‬‬
‫وذلك فضله يؤتيه من يشاء واهلل ذو الفضل العظيم‪.‬اهـ‪.‬‬
‫هلذا كان من الواجب عليك أالَّ تستعمل من الرقى إال ما علمت أنه‬
‫مشروع؛ ألن األصل فيها املنع عدا ما كان جائزا فيها‪ ،‬وهذا له شروط‪،‬‬
‫وبيان ذلك يأيت إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫أن كثريا من وسائل الشرك يف بالد اإلسالم إمنا‬ ‫وتظهر أمهية هذا املوضوع َّ‬
‫انتشرت بواسطة املتطببة والذين يعاجلون باألدوية ويعاجلون بالقرآن‪ ،‬ومنهم‬
‫املشعوذون والذين يتعاطون استعمال اجلن وشياطني اجلن والعياذ باهلل‪.‬‬
‫أن من أسباب انتشار الشرك يف جند‬ ‫وقد ذكر ابن بشر يف أول تاريخ جند َّ‬
‫هو نزول املتطببة واملداوين من أهل البادية يف القرى وقت الثمار‪ ،‬فيحتاج‬

‫‪ )(1‬حاشية ابن القيم على سنن أيب داود (‪.)10/281‬‬


‫إليهم الناس إما يف رقية وإما يف مداواة‪ ،‬فأمروهم بالشرك وأمروهم بغري‬
‫املشروع‪ ،‬فانتشر بذلك ‪-‬فيما يستظهر ابن بشر رمحه اهلل‪ -‬انتشر بذلك عن‬
‫طريق اجلهلة أولئك أو عن طريق املشعوذة والسحرة‪ ،‬انتشر كثري من الشرك‬
‫والفساد‪ ،‬وال غرابة فالنفوس ذواقة لزوال ما هبا من ٍ‬
‫مرض سواءٌ أكان‬
‫باملشروع أو بغريه‪ ،‬وال شك أن العلم حبدود ما أنزل اهلل جل وعال على‬
‫رسوله مطلوب يف أمور العقيدة وأمور األحكام‪.‬‬
‫وهذا املوضوع متصل بالتوحيد والعقيدة‪ ،‬فالعلم به من الذي ينبغي على‬
‫كل مسلم أن حيرص عليه‪ ،‬وأن يطلب معرفة حكم اهلل جل وعال فيه‪.‬‬
‫الرقى أصلها أدعية وقراءة ونفث يكون فيه استعانة أو استعاذة‪ ،‬هذا‬
‫أصلها؛ أي القصد منها أن يكون مَث دفع للبالء أو رفع للبالء باستعاذة أو‬
‫باستعانة‪.‬‬
‫وهلذا صارت الرقى على قسمني‪:‬‬
‫‪ ‬رقى يستعاذ فيها ويستعان باهلل جل جالله وحده‪ ،‬فهذا هو املأذون‬
‫به واملشروع‪.‬‬
‫‪ ‬ورقى يستعاذ فيها ويستعان بغري اهلل جل وعال‪ ،‬وهذا هو الشرك‬
‫وهو املمنوع‪.‬‬
‫يل َم ْن‬ ‫وكان أهل اجلاهلية يتعاطون الرقى بكثرة كما قال جل جالله‪ِ :‬‬
‫﴿وق َ‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬ ‫رٍ‬
‫اق"‪.‬‬ ‫َ‬
‫يعين حني حضور املوت يَطلب املرء من يرقيه‪.‬‬
‫ضوا علَ ّي ُرقَا ُك ْم‪ .‬الَ‬‫«اع ِر ُ‬
‫وهلذا اثبت يف صحيح مسلم أن النيب ‪ $‬قال ْ‬
‫الرقَ َى َما مَلْ يَ ُك ْن [فِ ِيه] ِش ْر ٌك» يعين ما مل يوجد شرك فيها‪ ،‬ورواه غريه‬ ‫بأْ ِ‬
‫سب ّ‬ ‫َ َ‬
‫الرقَى َما مَلْ تَ ُك ْن ِش ْركاً» وهذا بسبب قول عوف بن مالك‬ ‫بلفظ «الَ بأْ ِ‬
‫سب ّ‬‫َ َ‬
‫والسالَ ُم حني قال له‪ :‬يا رسول اهلل أرأيت رقى كنا نرقي‬ ‫الصالَةُ َّ‬ ‫للنيب َعلَْي ِه َّ‬
‫الرقَى َما مَلْ يَ ُك ْن فيه‬ ‫ضوا َعلَي رقَا ُكم الَ بأْ ِ‬
‫«اع ِر ُ‬
‫سب ّ‬ ‫ُّ ْ َ َ‬ ‫هبا يف اجلاهلية فقال ْ‬
‫ِش ْرك»‪ )2(.‬وأفاد هذا احلديث‪:‬‬
‫أوال أن األصل يف الرقى ‪-‬عند من مل يعلم‪ -‬األصل فيها املنع‪ ،‬وأ ْن املرء‬
‫أن يرقي برقية يعرضها على من يعلم حىت يتأكد من سالمة الرقية‬ ‫إذا أراد َّ‬
‫الرقَ َى‬‫ضوا علَي رقَا ُكم‪ .‬الَ بأْ ِ‬
‫سب ّ‬ ‫ُّ ْ َ َ‬ ‫«اع ِر ُ‬
‫والسالَ ُم ْ‬ ‫من املخالفة‪ ،‬قال َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫َما مَلْ يَ ُك ْن فيه ِش ْر ٌك»‪.‬‬
‫ودل على جواز الرقية‪.‬‬ ‫َّ‬
‫حث على نفع األخ ألخيه‪ ،‬جاء يف حديث‬ ‫والسالَ ُم ّ‬
‫الصالَةُ َّ‬ ‫والنيب َعلَْي ِه َّ‬
‫جابر بن عبد اهلل > أن النيب ‪ $‬ملا سألوه عن رجل أصيب بلدغة عقرب أو‬

‫‪ )(1‬سورة القيامة آية (‪. )27‬‬


‫‪ )(2‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪ ،)2200‬باب ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك‪.‬‬
‫اع أَ ْن َيْن َف َع أ َ‬
‫َخاهُ َف ْلَي ْف َع ْل»‪ ،)1(.‬وهذا‬ ‫«م ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫حية‪ ،‬وسألوه عن الرقية قال َ‬
‫يدل على جواز الرقية؛ لكن الرقية اليت ليس فيها شرك‪ ،‬وهلذا فإ ّن النيب َعلَْي ِه‬
‫والسالَ ُم كان يرقي نفسه‪ ،‬ورقى غريه‪ ،‬وأيضا رقاه جربيل َعلَْي ِه‬ ‫الصالَةُ َّ‬
‫َّ‬
‫السالَ ُم‪ ،‬وأمر بأن يُسرتقى آلل جعفر ولغريهم‪ ،‬والمرأة جارية جاءت ملنـزله‬ ‫َّ‬
‫والسالَ ُم فرآها فإذا هبا النظرة يعين يف وجهها سفعة صفار فقال‬ ‫الصالَةُ َّ‬‫َعلَْي ِه َّ‬
‫عني تكون من اجلن يف الغالب أو‬ ‫«إن هبا النظرة اسرتقوا هلا» والنظرة هي ٌ‬
‫من اإلنس‪ ،‬فأمر هبا يعين أمر بطلب الرقية‪ ،‬فدل ذلك على أن االسرتقاء‬
‫والسالَ ُم‪ ،‬وبإقراره كما سيأيت وبأمره َعلَْي ِه‬ ‫والرقية مشروع بفعله َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫والسالَ ُم‪.‬‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫َّ‬
‫من كمال هذه الشريعة الغراء مشلت كل جوانب احلياة‪ ،‬وفيها كل ما حُي تاج‬
‫إليه حىت يف العل وم الطبي ة‪ ،‬وه ذا من رمحة اهلل تع اىل املن ان ونعمه على عب اده‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْم ُ‬


‫ت َعلَْي ُك ْم نِ ْع َمتِي‬ ‫ق ال اهلل تع اىل‪ :‬الَْي ْو َم أَ ْك َمل ُ‬
‫(‪) 2‬‬
‫الم ِديناً‪.‬‬
‫يت لَ ُك ُم اأْلِ ْس َ‬
‫ض ُ‬‫ور ِ‬
‫ََ‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم يف صحيحه برقم (‪ ،)2199‬باب استحباب الرقية من العني والنملة واحلمة‬
‫والنظرة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() سورة املائدة اآلية (‪. )3‬‬
‫ق ال ابن مفلح احلنبلي‪ :‬أن ه ذه الش ريعة كاملة كما ق ال تع اىل ‪‬الَْي ْو َم‬
‫الم ِدين اً‪،‬‬
‫يت لَ ُك ُم اأْلِ ْس َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ت َعلَْي ُكم نِ ْعمتِي ور ِ‬
‫ْ َ ََ‬ ‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْم ُ‬
‫أَ ْك َمل ُ‬
‫وأهنا تض منت مجيع الطب احملت اج إليه نص اً أو ظ اهراً أو إمياءً أو قياس اً‪،‬‬
‫وكيف ال يكون األمر كذلك وهي شريعة سيد ولد آدم صلوات اهلل وسالمه‬
‫عليه ال ذي أرس له اهلل س بحانه رمحة للع املني‪ ،‬وبعثه إىل الن اس عام ةً‪ ،‬وإىل‬
‫اإلنس واجلن مبصاحل الدنيا واآلخرة‪ ،‬فاشتملت شريعته الطاهرة على مصاحل‬
‫األبدان كما اشتملت على مصاحل القلوب‪ ،‬وفيها من الطب احملتاج إليه ما ال‬
‫يعلمه إال األش ياء وأتب اعهم كما س بق ذك ره‪ ،‬وه ذا مما شك فيه وال ينكر‬
‫ت لِلن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ذلك إال جاهل أو معان د‪ ،‬وقد ق ال تع اىل‪ُ  :‬ك ْنتُ ْم َخ ْي َر أ َُّم ٍة أُ ْخ ِر َج ْ‬
‫(‪) 2‬‬
‫‪.)1(.‬اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫آداب و ضوابط الراقي‬
‫هناك آداب وضوابط تخص كل من يعالج بالقرآن‬
‫والسنة‪ ،‬فعلى الراقي أن‬
‫يتحلى باآلداب والضوابط التالية‪:‬‬
‫أن تكون الرقية شرعية وثابتة يف الكتاب والسنة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪1‬‬
‫() سورة آل عمران اآلية (‪. )110‬‬
‫‪2‬‬
‫() اآلداب الشرعية طبعة مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يتوكل ويعتمد على اهلل تعاىل وأن يتضرع إىل اهلل بشفاء هذا‬
‫املريض‪ ،‬وعلى املريض كذلك أن يعتمد على اهلل تعاىل ألنه‬
‫سبحانه هو الشايف ال أحد غريه ‪.‬‬
‫‪ -3‬على املعاجل أن يتقي اهلل تعاىل وأن ال يتعامل مع اجلن أو السحر‬
‫أو استخدام أمور غري شرعية بعالجه للمرضى‪ ،‬ألن هذه األمور‬
‫كلها حرام وتُعد من الكبائر‪ ،‬بل ويؤدي بعضها إىل الكفر‬
‫والعياذ باهلل ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون على طهارة ‪.‬‬
‫‪ -5‬وعلى املعاجل كذلك أن يأمر املريض باملعروف مثل احملافظة على‬
‫الصلوات وبقية العبادات واحملافظة على األذكار العامة كأذكار‬
‫الصباح واملساء والنوم وما شابه ذلك‪ ،‬وأن ينهاه عن املنكر‬
‫كسماع األغاين واملوسيقى وما شابه ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬وعليه أن ال يتكلم مع اجلن إذا نطق على لسان املريض‪ ،‬بل‬
‫يستمر بقراءة القرآن‪ ،‬ألن الكالم مع اجلن فيه راحة له والقرآن‬
‫عذاب عليه‪ ،‬فأنت ترفع عنه العذاب وترحيه وهذا الذي يريده‬
‫اجلن فاحذر من هذا‪.‬‬
‫‪ -7‬وعلى املعاجل أيضاً أن ال يتكلم أي شيء خبصوص املريض الذي‬
‫عاجله أو يفتخر هو مبعاجلته لفالن من الناس‪ ،‬ألن هذا مدخل كبري للشيطان‬
‫ومزلق خطري‪ ،‬ورمبا يؤدي للرياء وبالتايل حُي بط العمل والعياذ باهلل‪ ،‬وفيها‬
‫تشهري باملمريض‪ ،‬ورمبا يؤدي للغرور‪ ،‬عليه أن يكثر من دعاء‪ :‬يا حي يا‬
‫قيوم برمحتك أستغيث أصلح يل شأين كله و ال تكلين إىل نفسي طرفة عني‪.‬‬
‫(‪‌ )1‬‬
‫‪ -8‬أن يوصي املريض بأن جيعل له ورد من القرآن كل يوم‪ ،‬مع‬
‫انكساره بني يدي اهلل وتضرعه بشفائه ‪.‬‬
‫والرقية الشرعية تكون بكل القرآن الكرمي يقرأ على املريض بأي جزء أو أي‬
‫آية ويكون فيه الشفاء بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬ولكن هناك بعض اآليات والسور‬
‫يكون فيها النفع أكثر بإذن اهلل تعاىل وجاء يف بعضها النصوص‪.‬‬
‫وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬سورة الفاحتة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أول مخس آيات من سورة البقرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬آية ‪ 102‬من سورة البقرة‪ ،‬واتبعوا ما تتلوا الشياطني على ملك‬
‫سليمان‪ ،‬كاملة‪.‬‬
‫‪ -4‬آية الكرسي ‪.‬‬
‫‪ -5‬آخر آيتني من سورة البقرة‪ ،‬آمن الرسول إىل آخر السورة ‪.‬‬
‫‪ -6‬سورة اإلخالص ‪.‬‬

‫‪ )(1‬احلديث عن أنس‪ ،‬انظر صحيح اجلامع حديث رقم (‪‌.)5820‬‬


‫‪ -7‬سورة الفلق كاملة‪ ،‬وسورة الناس كاملة ‪.‬‬
‫هذا إذا كان البالء شديد يقرأ عليه سورة البقرة كاملة‪ ،‬وكذلك‬
‫سورة الصافات ‪.‬‬
‫فإذن نتحصل من ذلك على أمور‪:‬‬
‫األول أن الرقية املشروعة هي دعاء يدعو به املرء حيصن به نفسه‪ ،‬وينفث‬
‫على بدنه أو يف يديه أو على من يرقيه‪ ،‬ينفث أو يتفل كما سيأيت بيان الفرق‬
‫بينهما إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬وعلى أن هذه الرقى اليت أرشد إليها النيب ‪ $‬هي‬
‫بكتاب اهلل جل وعال‪ ،‬أو باألدعية اليت فيها استعانة واستعاذة باهلل جل وعال‬
‫وحده ورجاء ما عنده يف دفع املرض أو يف رفعه أو يف دفع العني أو يف‬
‫رفعها‪.‬‬
‫ودل أيضا على أن الرقى الشرعية هي اليت تكون هبذا املعىن؛ يعين فيها‬
‫توحيد اهلل جل وعال استعانة واستعاذة‪ ،‬وفيها اإلقبال على اهلل جل جالله‬
‫دون ما سواه‪.‬‬
‫وهلذا قال العلماء جتوز الرقية بشروط ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن تكون بأمساء اهلل وصفاته جل وعال؛ يعين أن يستعني فيها باهلل‬
‫جل وعال متوسال بأمساء اهلل جل وعال وبصفاته‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن تكون باللغة العربية‪ ،‬أو ما يعرف معناه إن كان بغري العربية‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يعتقد الراقي واملرقى أن هذه الرقية سبب من األسباب‪،‬‬
‫ونفع األسباب إمنا هو بإذن اهلل جل وعال‪ ،‬قد تنفع وقد ال تنفع بإذن اهلل‬
‫جل جالله وتقدست أمساؤه‪ ،‬فالذي ينفع يف احلقيقة والذي يُورث النفع‬
‫بالسبب وينتج املسبَّب هو الرب جل جالله‪ ،‬هو الذي بيده ملكوت كل‬
‫ِ‬ ‫ك هَلَا َو َما مُيْ ِس ْ‬
‫ك فَاَل ُم ْرس َل لَهُ‬ ‫﴿ما َي ْفتَ ْح اللَّهُ لِلن ِ‬
‫َّاس ِم ْن َرمْح ٍَة فَاَل مُمْ ِس َ‬ ‫شيء‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ف لَهُ‬ ‫ك اللَّهُ بِ ُ‬
‫ضٍّر فَاَل َكاش َ‬ ‫﴿وإِ ْن مَيْ َس ْس َ‬
‫م ْن َب ْعده﴾[فاطر‪ ،]2:‬وقال سبحانه َ‬
‫إِاَّل ُه َو﴾[األنعام‪ ،]17:‬واألسباب يؤمر العبد بتعاطيها لكن مع تعلق القلب‬
‫باهلل جل وعال‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬هذه الشروط الثالث يف جواز استعمال الرقية واالنتفاع هبا‪.‬‬
‫ما جاء يف الكتاب والسنة أو القرآن بعمومه وما جاء يف السنة من الرقى‬
‫هي منطبقة على هذه األمور‪.‬‬
‫فالرقية بالقرآن‪:‬‬
‫‪ ‬فيها أهنا بأمساء اهلل جل وعال وبصفاته‪.‬‬
‫‪ ‬فيها االستعانة باهلل جل وعال واالستعاذة باهلل سبحانه‪.‬و‬
‫‪ ‬فيها التوكل على اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها تفويض األمر إليه سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها التقرب إليه بأفضل ما خرج منه سبحانه وهو كالمه القرآن‬
‫العظيم جل جالل ربنا وتقدست أمساؤه وتعالت صفاته‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أهنا باللسان العريب املفهوم‪.‬‬
‫‪ ‬وفيها أيضا أهنا أعلى ما يُتقرب به‪ ،‬وأمجع ما يشمل املعاين‪ ،‬فالعدول‬
‫عنها إىل غريها عدول عن الفاضل إىل املفضول‪ ،‬عدول عن العايل إىل ما‬
‫دونه مما يعرف معناه ويقل من األدوية اليت خيتارها الناس‪.‬‬
‫فإن دلت هذه الشروط على أمر دلت على أن أفضل ما يرقي به اإلنسان‬
‫أن يرقي بالكتاب وبالسنة‪ ،‬والقرآن جعله اهلل جل وعال شفاء كما قال‬
‫َّاس قَ ْد َجاءَتْ ُك ْم َم ْو ِعظَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ِش َفاءٌ لِ َما يِف ُّ‬
‫الص ُدو ِر‬ ‫سبحانه ﴿يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫ني﴾[يونس‪ ]57:‬فهو شفاء ملا يف الصدور من األمراض‬ ‫ِ ِِ‬
‫َو ُه ًدى َو َرمْح َةٌ ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫احلسية واملعنوية‪ ،‬وهو شفاء أيضا فيما يقع‪ ،‬وأيضا تعويذ فيما مل يقع‪ ،‬وقال‬
‫ني﴾[اإلسراء‪،]82:‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ونَُنِّز ُل م ْن الْ ُق ْرآن َما ُه َو ش َفاءٌ َو َرمْح َةٌ ل ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫سبحانه َ‬
‫ين َآمنُوا ُه ًدى َو ِش َفاءٌ﴾[فصلت‪،]44:‬‬ ‫ِِ‬
‫وقال أيضا جل وعال ﴿قُ ْل ُه َو للَّذ َ‬
‫واالستشفاء بالقرآن يكون يف أمور البدن كما يكون يف أمور النفس؛ يعين‬
‫إذا مرض اإلنسان يف عضو من أعضائه أو أصابه شيء فإن القرآن شفاء‬
‫لألمراض العضوية كما مر معك يف حديث اللديغ؛ هذا رجل لدغته حية أو‬
‫عقرب ُفرقي بفاحتة كتاب اهلل جل وعال فربئ‪ ،‬فقام كأن مل يصبه شيء‪،‬‬
‫هذا مرض حسي ولدغة شديدة أزاهلا القرآن؛ أزاهلا اهلل جل وعال بسبب‬
‫الرقية بكتابه‪ ،‬كذلك األمور املعنوية أو األمور النفسية؛ مثل ضيق الصدر أو‬
‫مثل العني اليت تؤثر على العقل أو على النفس وحنو ذلك‪ ،‬هذه أيضا شفاؤها‬
‫بالرقية بكتاب اهلل جل وعال وبسنة النيب ‪ $‬أو مبا شرع مما جيوز من األدعية‬
‫املعروفة املعىن‪.‬‬
‫الشرط الثاين الذي ذكرنا هو أن تكون باللغة العربية‪ ،‬أو مبا يفهم معناه‬
‫من غريها‪ ،‬وإذا كانت باللغة العربية فيجب أن تكون معلومة املعىن‪ ،‬ليست‬
‫كلمات متقاطعة كلمات ال يعرف معناها‪ ،‬أمساء جمهولة‪ ،‬فال بد أن تكون‬
‫بأمساء اهلل جل وعال وبصفاته‪ ،‬أو مبا أبيح من األدعية اليت فيها التوسل بأمساء‬
‫اهلل وبصفاته‪ ،‬وأن ال يكون فيها أمساء جمهولة‪ ،‬وقد سئل اإلمام مالك رمحه‬
‫اهلل عن الرقى اليت فيها أمساء جمهولة قال‪ :‬وما يدريك لعلها كفر‪ .‬يعين لعل‬
‫يف هذه األمساء اجملهولة ما يكون فيه أمساء شياطني أو أمساء مالئكة‪ ،‬ينادي‬
‫املالئكة ويستغيث هبم أو ينادي الشياطني أو يتقرب بذلك فيكون بذلك‬
‫كفرا‪.‬‬
‫لذلك البد أن تشتمل الرقية املشروعة على أمساء معلومة ‪-‬أمساء اهلل جل‬
‫وعال وصفاته املعلومة‪ -‬وتكون باللغة العربية‪ ،‬وإذا كانت بغري اللغة العربية‬
‫فيجوز بشرط أن تكون معلومة املعىن للراقي‪ ،‬وعدم اشتماهلا على شرك باهلل‬
‫جل وعال أو أمساء جمهولة ال يعلم معناها‪.‬‬
‫الشرط الثالث أن يعتقد بأهنا سبب وهذا مهم؛ ألن من الناس من يظن أن‬
‫الشفاء من عند الراقي ال بسبب الرقية‪ ،‬يقول هذا الراقي هو الذي عنده‬
‫القدرة والراقي نافع وطبيب وقد حيسن وقد ال حيسن‪ ،‬والسبب هو الرقية‪،‬‬
‫والنافع الضار هو اهلل جل جالله وتقدست أمساؤه‪.‬‬
‫فإذن الرقية سبب‪ ،‬والراقي مثل الطبيب يبذل هذا السبب‪ ،‬والتعلق بالرقية‬
‫التعلق باهلل جل وعال‪ ،‬يسأله أن ينفع سبحانه هبذه الرقية وبقراءة القارئ‪،‬‬
‫كان أهل اجلاهلية يعتقدون يف الرقية بإطالق كانوا يعتقدون فيها أهنا مؤثرة‬
‫جزما‪ ،‬وكانوا يعظمون الرقية بذاهتا‪ ،‬وتتعلق الرقية بالراقي وبالرقية‪ ،‬ويكون‬
‫التوكل على اهلل جل وعال حينئذ ضعيفا‪ ،‬وهذا يكون يف النفوس سواء يف‬
‫نفوس السابقني يعين يف اجلاهلية أم يف نفوس بعض أهل اإلسالم‪ ،‬يكون هناك‬
‫تعلق وضعف يف التوكل‪ ،‬ويكون هناك رغبة فيما عند الناس‪.‬‬
‫واألكمل أن يكون املرء طالبا يعين يف الرقية العافية من اهلل جل وعال إذا‬
‫مل يرقي نفسه بنفسه‪ ،‬إال إذا عرض عليه أحد أن يرقيه‪ ،‬وهلذا جاء يف حديث‬
‫حصني بن عبدالرمحن السلمي املعروف الذي قال فيه كنت عند سعيد بن‬
‫جبري‪ ،‬فقال حدثين ابن عباس قال‪ :‬قال النيب ‪" :‬عرضت علي األمم فأجد‬
‫النيب مير معه األمة النيب مير معه النفر والنيب مير معه العشرة والنيب مير معه‬
‫اخلمسة والنيب مير وحده‪ ،‬فنظرت فإذا سواد كثري قلت يا جربيل هؤالء أميت‬
‫؟ قال ال ولكن انظر إىل األفق‪ ،‬فنظرت فإذا سواد كثري قال هؤالء أمتك‬
‫وهؤالء سبعون ألفا قدامهم ال حساب عليهم وال عذاب‪ ،‬قلت ومل ؟ قال‪:‬‬
‫كانوا ال يكتوون‪ ،‬وال يسرتقون‪ ،‬وال يتطريون‪ ،‬وعلى رهبم يتوكلون" ‪ .‬فقام‬
‫إليه عكاشة بن حمصن‪ ،‬فقال‪ :‬ادع اهلل أن جيعلين منهم‪ ،‬قال‪" :‬اللهم اجعله‬
‫منهم" ‪ .‬مث قام إليه رجل آخر قال ادع اهلل أن جيعلين منهم‪ ،‬قال‪" :‬سبقك هبا‬
‫عكاشة" ‪ )1( .‬‬
‫أن األكمل أن ال يكون من عادة‬ ‫فقوله هنا‪( :‬ال يسرتقون) يدل على َّ‬
‫اإلنسان أن يطلب الرقية من غريه بل غما أن يرقي نفسه‪ ،‬وإما أن ينتظر حىت‬
‫يأتيه أحد فريقيه‪ ،‬فيقول له أرقيك فهنا ال يدخل يف طلب الرقية‪ ،‬هذا من‬
‫جهة الكمال؛ يعين السبعني ألف الذين يدخلون اجلنة بال حساب وال عذاب‬
‫هذه صفتهم‪.‬‬
‫وقد جاء يف لفظ عند اإلمام مسلم «الَ َي ْرقُو َن‪َ .‬والَ يَ ْسَت ْرقُو َن‪َ .‬والَ‬
‫َيتَطَّي ُرو َن‪َ .‬و َعلَى َرهّبِ ْم َيَت َو ّكلُو َن » فحذف لفظ (ال يكتوون) وزاد (الَ‬
‫َي ْرقُو َن)‪ ،‬وهذه اللفظة من أهل العلم من حكم عليها بالشذوذ واملخالفة‬
‫كشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬ومنهم من صححها كاحلافظ ابن حجر وغريه‪.‬‬
‫ونفي الرقية هنا (الَ َي ْرقُو َن‪َ .‬والَ يَ ْسَت ْرقُو َن)‪ ،‬نفي أنه يرقي يعين الراقي‬
‫خيرج من السبعني ألفا‪ ،‬هذا فيه نظر من جهة املعىن‪ ،‬وذلك أن الراقي حمسن‬
‫كما يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬واإلحسان مأمور به يف الشرع‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري برقم (‪ ،)6175‬باب يدخل اجلنة سبعون ألفا بغري حساب‪.‬‬
‫املقصود أن الذي يتعاطى طلب الرقية دون أن يرقي نفسه ويتعاطى ذلك‬
‫دائما ويتعلق بالراقي هذا من ضعف توكله على اهلل إذا كان هذا من طبعه‪،‬‬
‫وهلذا كان األكمل أن ال يتعلق قلب املرء بالراقي وبالرقية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫صفات الراقي‬
‫للراقي صفات يجب أن يتحلى بها وأن تتوفر فيه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن يكون خملصاً هلل جل وعال‪ ،‬فال يقع يف شيء من الشرك ال يف‬
‫قول من أقواله‪ ،‬وال يف عمل من أعماله‪ ،‬وإذا شرع يف رقية أحد من الناس‬
‫استعاذ باهلل جل وعال واستعان به سبحانه وتعاىل طالباً من املوىل الكرمي أن‬
‫جيعل النفع والشفاء يف هذه الرقية‪.‬‬
‫اخلصلة الثانية‪ :‬من صفات الراقي أن يكون على علم مبشروعية الرقية وما‬
‫فيها من أذكار وأدعية‪ ،‬ويكون ذلك إما بعلمه بالسنة النبوية الصحيحة‪ ،‬أو‬
‫بعرض رقيته على أحد من أهل العلم وإجازة رقيته منه‪ ،‬أما عدم علمه بالسنة‬
‫النبوية وعدم سؤاله أهل العلم عن صحة رقيته فإن مثل هذا خيشى من إساءته‬
‫يف الرقية‪ ،‬وينبغي أال مي ّكن من أن يرقي اآلخرين‪.‬‬
‫الصفة الثالثة‪ :‬أن يقصد الراقي من رقيته نفع إخوانه من املسلمني‪ ،‬إذ إن‬
‫حرص املسلم على نفع إخوانه من املسلمني أمر مطلوب شرعاً‪ ،‬ويدل على‬
‫اع أَ ْن َيْن َف َع‬ ‫(م ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫ذلك حديث جابر رضي اهلل عنه رضي اهلل عنهما قال َ‬
‫َخاهُ َف ْلَي ْف َع ْل) ونفع اإلخوان نفع احملتاج نفع املريض إحسان ولو أخذ عليه‬
‫أَ‬
‫جعال لكن النفع إحسان و اإلحسان مطلوب بني العباد‪ ،‬وأحب العباد إىل‬
‫اهلل أنفعهم إىل عباد اهلل‪.‬‬
‫الصفة الرابع‪ :‬وينبغي ملن يقوم بالرقية الشرعية أن حيرص على أن جيعل‬
‫قلب املرقي معلق باهلل عز وجل وأال ينسب إىل نفسه أي قدر من الفضل أو‬
‫التأثري‪ ،‬كقول البعض أنا رقيت فالن وشفي من مرض كذا‪ ،‬وأنا قرأت على‬
‫فالن وشفي من كذا‪ ،‬أو أنا قرأت على فالن وشفي من كذا‬
‫وكذا‪...‬ويستحب ملن يقوم بالرقية الشرعية أن يكون متواضعاً ذا خشوع‬
‫وخضوع هلل عز وجل‪.‬‬
‫وعليه أن ينفع أخوانه مبا أعطاه اهلل جل وعال‪ ،‬ويعلق الناس باألذكار‬
‫املشروعة واألوراد اليت ثبتت يف السنة وحنو ذلك‪ ،‬ويأمرهم باخلري وينهاهم‬
‫عن الشر‪ ,‬ويفتح هلم أسباب اخلري‪ ،‬هلذا صار كثري ممن رأينا‪ ,‬كثري خاصة‬
‫اجلهلة والنساء يتعلقون بالراقي من حيث هو‪ ،‬فالن رقيته كذا ورمبا ما قرأ‬
‫كلمة أبدا‪ ،‬أو رمبا قرأ شيئا يسريا وحنو ذلك؛ يعين ما اجتهد وحترى الصواب‬
‫وحترى اآليات اليت تنفع وحنو ذلك‪ ،‬وإمنا هكذا باالسم‪ ،‬وهذا غري حممود؛‬
‫بل الذي ينبغي أن ينصح الراقي الناس بأن النافع هو اهلل جل وعال‪ ،‬وأنا‬
‫صاحب سبب والرقية أيضا سبب‪ ،‬ويعلمهم األوراد احملمودة ويعلمهم اخلري‬
‫وينهاهم عن الشر‪.‬‬
‫وأيضاً من صفات الراقي‪ :‬أن يكون متنـزها عن موارد الزلل والفتنة‪،‬‬
‫خاصة يف الرقية على النساء؛ ألن الشيطان رمبا دخل على اإلنسان من جهة‬
‫الرقية يف اخللوة باملرأة‪ ،‬أو يف وضع يده على املرأة‪ ،‬أو حنو ذلك مما يبغي عنه‬
‫شرعا‪.‬‬
‫فالواجب على الراقي أن حيذر من وسائل الشيطان ومن سبل الفتنة اليت‬
‫رمبا أدت به إىل افتتان يف الدين والعياذ باهلل‪ ،‬وحصل هذا من بعض من‬
‫تعاطوا الرقية‪ ،‬و نسأل اهلل للجميع قَبول التوبة واهلداية إىل سواء الصراط‪.‬‬
‫أما املرقي الذي يُرقى عليه املريض‪ ،‬الذي أصابته عني‪ ،‬أوال من صفاته اليت‬
‫ينبغي أن يتحلى هبا‪:‬‬
‫أوال أن يعظم الرجاء واالستعانة واالستعاذة باهلل جل وعال‪ ،‬واهلل سبحانه‬
‫ِ‬
‫ف لَهُ إِاَّل ُه َو َوإِ ْن يُِر ْد َك‬‫ضٍّر فَاَل َكاش َ‬ ‫ك اللَّهُ بِ ُ‬
‫لعباده﴿وإِ ْن مَيْ َس ْس َ‬
‫َ‬ ‫وتعاىل قال‬
‫يب بِِه َم ْن يَ َشاءُ ِم ْن ِعبَ ِاد ِه﴾[يونس‪ ،]107:‬وقال‬ ‫خِب َ ٍ فَاَل ر َّاد لَِف ْ ِ ِ ِ‬
‫ضله يُص ُ‬ ‫َ‬ ‫رْي‬
‫ِ‬
‫ف لَهُ إِاَّل ُه َو َوإِ ْن‬ ‫ضٍّر فَاَل َكاش َ‬ ‫ك اللَّهُ بِ ُ‬
‫﴿وإِ ْن مَيْ َس ْس َ‬
‫جل وعال يف آية األنعام َ‬
‫مَيْسسك خِب ٍ َفهو علَى ُكل شي ٍء قَ ِدير(‪ )17‬وهو الْ َق ِ‬
‫اه ُر َف ْو َق ِعبَ ِاد ِه َو ُه َو‬ ‫َ َُ‬ ‫ِّ َ ْ ٌ‬ ‫َ ْ َ َرْي ُ َ َ‬
‫ت َف ُه َو‬‫ضُ‬ ‫﴿وإِ َذا َم ِر ْ‬ ‫احْلَ ِك ِ‬
‫يم اخْلَبريُ﴾[األنعام‪ ،]18-17:‬قال أيضا سبحانه َ‬ ‫ُ‬
‫ني﴾[الشعراء‪.]80:‬‬ ‫يَ ْش ِف ِ‬
‫أعظم الرجاء يف اهلل جل وعال‪،‬‬ ‫فإذن أنت يا من حتتاج إىل من يرقيك‪ِ :‬‬
‫كما تذهب إىل الطبيب وتعرف أن الطبيب سبب و النافع هو اهلل جل وعال‪،‬‬
‫فكذلك الراقي سبب والنافع هو اهلل جل جالله‪.‬‬
‫أيضا أيها املرقي يا من حيتاج إىل الرقية إياك والوسواس‪ ،‬فإن جمال العني‬
‫واحلسد جمال للوسواس‪ ,‬اإلنسان ينظر ‪-‬الرجل أو املرأة‪ -‬فينظر ويقول أنا‬
‫أصابين كذا‪ ،‬أو يقول أصابين فالن كذا‪ ،‬أو أصابين باحلسد‪ ,‬أو أصابين‬
‫بكذا‪ ،‬ويأيت إىل أوهام كثرية ويعظم عنده األمر‪ ،‬ويورثه هذا مرضا على‬
‫مرضه‪ ،‬والواجب على العبد أن يعظم التوكل على اهلل جل وعال وأن يأخذ‬
‫األسباب؛ ولكن ال جيعل للشيطان من قلبه نصيبا يف أنه يوسوس له ويضعفه؛‬
‫ألنه إذا ضعف تسلَّط عليه أكثر‪.‬‬
‫ومن صفات املرقي أن يتعلم األوراد هو بنفسه‪ ،‬ليس دائما حيتاج إىل‬
‫الناس هو يرقي بنفسه‪ ،‬يرقي نفسه بفاحتة الكتاب‪ ،‬وبسورة اإلخالص‬
‫واملعوذات‪ ،‬وبآية الكرسي قبل أن ينام‪ ,‬وباألوراد طريف النهار وبعد‬
‫الصلوات املكتوبة‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬فتحصنه؛ ألن هذه األدعية والرقى تنفع دفعا‬
‫وتنفع رفعا؛ يعين تنفع بدفع السوء تكون مثل اللباس مثل احلديد الذي‬
‫حيصنك من الضرر الذي يأيت بك‪ ,‬فهي مثل األلبسة اليت تقي ألهنا سبب‬
‫نافع‪ ،‬واهلل جل وعال هو النافع الضار سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫هناك خمالفات خنتم هبا الكالم يقع فيها الذين يرقون وأيضا الذين‬
‫يسرتقون‪.‬‬
‫‪‬‬
‫مخالفات الراقي‬
‫الراقني‪:‬‬
‫أما خمالفات َّ‬
‫يتفرغ هلا تفرغا كامال‪،‬‬
‫أوهلا وأعظمها أن يتخذ القراءة والرقية حرفة َّ‬
‫واملعلوم أن الناس حباجة إىل الرقية‪ ،‬والتفرغ هلا مل يكن من هدي الصحابة يف‬
‫والسالَ ُم مع أن فيهم راقني‪ ،‬ومل يكن من هدي الصحابة‬ ‫الصالَةُ َّ‬‫عهده َعلَْي ِه َّ‬
‫وال التابعني‪ ،‬وإمنا نشأ في أعصر متأخرة‪ ،‬فالذي عليه هدي السلف الصاحل‬
‫والذي دلت عليه السنة أن ينفع املرء إخوانه جبُعل أو بغري جعل يف الرقية؛‬
‫ولكن ال يتفرغ هلا ال يتخذ الرقية حرفة يكون كالطبيب املتفرغ هلا‪ ،‬وهذا‬
‫من جهة أنه مل يرد أو مل يكن يف الزمن األول يف قيام احلاجة إليه‪.‬‬
‫أيضا من جهة أخرى فيما رأينا من الذين تفرغوا أورثتهم أشياء ممنوعة‬
‫كثرية‪ ،‬فمن تفرغ للرقية جتد عنده أشياء من املخالفات؛ ألنه حيتاج إىل أشياء‬
‫يفعلها وإىل أشياء يرتكها‪ ،‬وفعلوا أشياء من بيع من غري برهان‪ ،‬ومن فعل‬
‫بالرقية عن طريق األشرطة وعن طريق األصوات يكون هو يقرأ يف غرفة‬
‫والسماعات يف غرفة أخرى على الراقني‪ ،‬وحنو ذلك مما فيه خمالفة للوارد‪،‬‬
‫وهذا ينبغي أن مينع سدا للذريعة؛ ألنه رمبا أفضى إىل أشياء مذمومة من‬
‫توسع هؤالء القراء يف أشياء ال جتوز أو مل يأذن هبا الشرع‪.‬‬
‫أيضا من املخالفات اليت هي منتشرة عند القراء‪ ،‬وهي أيضا أشد من‬
‫األوىل‪ ،‬هي استخدام بعضهم لقرينه من اجلن‪ ،‬وهذه شبهة شبَّه هبا بعض‬
‫القراء‪ ،‬وحىت سرت يف بعض منهم‪ ،‬وهو أنه يقول‪ :‬أستعني مبسلم اجلن أو‬
‫بقريين‪ ,‬أستعني مبسلم اجلن إذا حضروا أو بقريين يف معرفة ما باملرقي‪ ,‬معرفة‬
‫ما به‪ :‬هل به عني؟ هل به سحر؟ هل فيه كذا وكذا؟‬
‫واالستعانة باجلن األصل فيها املنع‪ ،‬أجاز بعض العلماء أنَّه إذا عرض اجلين‬
‫أحيانا ‪-‬يعين نادرا‪ -‬عرض للمسلم إلبداء إميانه له فإنه له أن يفعل ذلك؛‬
‫لكن ليس هذا من هدي النيب ‪ ‬وال صحابته؛ بل قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫وغريه‪ ،‬النيب ‪ $‬له من اجلن حاالن‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يأمرهم وينهاهم؛ يأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن ضده؛ ألهنم‬
‫مكلفون‪ ،‬فهم مثل غريهم يف األمر والنهي‪.‬‬
‫والحال الثانية‪ :‬مع اجلن شياطني اجلن هي أن يستعيذ باهلل جل وعال من‬
‫شرهم‪ ،‬وأن يسرتق بالرقى احملمودة املشروعة لدفع شرورهم‪.‬‬
‫صلَّى‬
‫أما االستعانة باجلن حىت ولو كان حاضرا فلم يكن عليه هدي النيب َ‬
‫اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم وال صحابته‪ ،‬ومن أجاره من العلماء فإمنا هو إذا عرض يف‬
‫حال معينة‪ ،‬وهذا ال ينبغي أن يكون يف حال الرقية‪.‬‬
‫فإذن الواجب هو ترك االستعانة باجلن؛ ألن هذه وسيلة من وسائل الشر‬
‫والشرك باهلل جل وعال‪.‬‬
‫مث أيضا فيمن استعان مبسلم اجلن هذا ْأورثهم أهنم جعلوا هناك مصائب‬
‫وفرقة وشحناء يف النفوس من جراء إخبارهم مبا أخرب به من زعموا أنه من‬
‫مسلمي اجلن‪ ،‬خيربهم أنه هذا فيه عني وهذه العني من زوجته الثانية‪ ,‬من‬
‫بنت‪ ،‬أو سحر أو شيء هو من كذا‪ ،‬فيحدِّث مبا أخربه به هذا اجلين‪ ،‬واجلين‬
‫قَبول خربه مبا خُي رب به متوقف على أنه عدل وأنه ثقة‪ ،‬وعدالة اجلن ال تعلم‬
‫حىت ولو كان قرين اإلنسان أو كان حاضرا معه‪ ،‬ال تعلم عدالة اجلين هل هو‬
‫عدل أم غري عدل وهلذا ذكر علماء احلديث يف كتب املصطلح على أن كتب‬
‫املصطلح أن رواية اجلين مسلم اجلن روايتهم ضعيفة؛ ألن الرواية يف صحتها‬
‫موقوفة على معرفة العدالة معرفة الثقة وهنا ال سبيل إىل الوصول إليه‪ ،‬فكيف‬
‫خيرب خبرب اجلين هذا الذي يزعم أنه مسلم؛ خيرب بأنه أخربه اجلين بأن هذا فيه‬
‫سحر من فالنة‪ ,‬هذه املرأة فيها سحر من زوجة زوجها الثانية ‪-‬من ضرهتا‪-‬‬
‫أو من امرأة أبيها أو من عمتها‪ ،‬فيخرب بذلك فتقع شحناء وقطيعة إىل آخره‪,‬‬
‫بل قد يقول البالء من زوجك‪ ,‬زوجك فعل كذا وكذا‪ ،‬وهذا ال جيوز‬
‫اعتماده‪ ،‬وال جيوز االستعانة باجلن يف ذلك سدا لذريعة الشرك باهلل وللفرقة‬
‫اليت قد حتصل يف املؤمنني‪.‬‬
‫أيضا من املخالفات يف الراقني‪ :‬أهنم تساهلوا يف املشروع يف الرقية‪ ،‬ولكثرة‬
‫الناس وقِلَّة الوقت أصبحوا يرقون بأنواع من الرقية يف وسيلتها هي خمالفة‬
‫للوسيلة املشروعة؛ مثال بعضهم يصنع أختاما؛ ختم فيه اآلية خيتم هبا على‬
‫زعفران مث يضع فيه األوراق‪ ،‬وأنا رأيت من ذلك ختم كبري خيتم به على‬
‫الورقة‪ ،‬واخلتم ال بد فيه من ضرب على الورقة‪ ،‬وهذه آية من القرآن وهذا‬
‫حمرم مث يضربه على الورقة‬
‫امتهان للقرآن؛ ألنه يأيت خيتم فيه آية القرآن َّ‬
‫ضربا‪ ،‬هذا خمالفة؛ ألنه امتهان للقرآن وامتهان القرآن حمرم‪.‬‬
‫من ذلك مثال أنه يأيت مبا يسميه‪ :‬قراءة عادية‪ ،‬وقراءة مركزة‪ ،‬ويقولون‬
‫أيضا قراءة ملكية‪ ،‬كيف؟ يقول هذا قرأت فيه كذا وإىل آخره‪ ،‬وهذا كله‬
‫وسيلة من وسائل أكل أموال الناس بالباطل‪ ،‬وخالف األصل‪ ,‬األصل أن‬
‫يُقرأ باملشروع دون تفريق‪ ،‬ال تقول هذه قراءة عادية خبمسني لاير‪ ،‬وقراءة‬
‫ممتازة مبائتين‪ ،‬وقراءة ملكية بألف‪ ،‬هذا مما ال يسوغ؛ ألنه أوال يُفضي إىل‬
‫أشياء منكرة‪ ،‬مث هو أيضا مما هو خمالف ملا جاء يف نصوص السنة؛ يعين يف‬
‫أصل الرقية‪ ,‬هذا مما ينبغي احلذر منه وخمالفته‪ ،‬وأن يكون املرء الراقي يكون‬
‫خملصا صادقا معتمدا على املشروع‪ ،‬تاركا لغري املشروع‪ ،‬حذرا من مزلة‬
‫الشيطان له‪.‬‬
‫هذه بعض املخالفات اليت يقع فيها بعض الذين يرقون‪.‬‬
‫السحرة‬‫ومن جهة أخرى هناك املخالفات العظيمة الشركية اليت يقع فيها َّ‬
‫واملشعوذون واملتطببة بالباطل‪ ,‬فيأتون بالرقى كما ذكرنا لكم الشركية‪،‬‬
‫يُعطون أوراق فيها أمساء شياطني أو فيها أمساء غري معروفة أو حنو ذلك‪،‬‬
‫فهذا احلذر احلذر منه؛ ألنه شرك باهلل جل وعال‪ ،‬وقد يكون معه والعياذ باهلل‬
‫بذبح لغري اهلل جل جالله مما خيرج املرء من دين اهلل؛ ألنه شرك أكرب‬‫وصية ٍ‬
‫وعبادة جيب أن تكون هلل جل جالله‪ ،‬أو يأمره بأن يفعل أشياء من الشرك‬
‫والعياذ باهلل‪ ،‬أو من الكفر كإهانة املصحف وحنو ذلك مما هو كفر باهلل جل‬
‫جالله‪.‬‬
‫هلذا جيب على اجلميع التعاون على الرب والتقوى والتعاون على إنكار‬
‫املنكر‪َ ،‬من علم أنه يتخذ يف قراءته أو يف رقيته أساليب غري شرعية من‬
‫الشرك والشعوذة والدَّجل فإنه جيب اإلبالغ عنه‪ ،‬وال تربأ ذمتك حىت تبلغ‬
‫عنه؛ ألن هؤالء يفسدون يف األرض‪ ،‬واهلل جل وعال أمر بإصالح األرض‬
‫وهنى عن إفسادها‪ ،‬وواجب التعاون إذا علمت أو رأيت فيجب عليك أن‬
‫حتذر من أن تسكت‪ ،‬وجيب عليك أن تبلغ‪ ،‬تبلغ من؟ تبلغ جهات‬
‫االختصاص‪ ،‬اهليئة‪ ،‬أو تبلغ اإلمارة‪ ،‬أو تبلغ القاضي يف البلد‪ ،‬أو احملكمة أو‬
‫حنو ذلك مما تربأ به ذمتك‪ ،‬أو تبلغ بعض أهل العلم الذين تعرفهم مما تربأ‪ ,‬ال‬
‫جيوز السكوت‪.‬‬
‫تبص ُرك عن قرب وبدون تعمق يف موضوع هذه احملاضرة‬ ‫هذه كلمات ِّ‬
‫وهو الرقى وأحكامها‪.‬‬
‫وال بد للجميع بالعناية هبذا املوضوع‪ ،‬وأن يتفقهوا يف الدين؛ ألن من يرد‬
‫اهلل به خريا يفقهه يف الدين‪.‬‬
‫وأن ينتبهوا للنساء يف البيوت وللجهلة من أن يذهبوا إىل َّقراء أو إىل من‬
‫يرقي بدون أن تعلم شخصه‪ ،‬وعدالته‪ ،‬وثقته‪ ،‬وأمانته‪ ،‬وحسن استعماله‬
‫للرقية‪.‬‬
‫الواجب على اجلميع أن يتعلم‪ ،‬وأن حيذر من وسائل الشرك‪ ،‬وأن حيرص‬
‫على السنة‪ ،‬وما جاء فيها من إرشاد وبيان‪ ،‬فاخلري كل اخلري يف إتباع سنة‬
‫والسالَ ُم؛ ألنه ال خري إال دلنا عليه‪ ،‬وال شر إال حذرنا‬ ‫الصالَةُ َّ‬
‫حممد عليه َّ‬
‫منه‪ ,‬فدلنا على الرقية املشروعة‪ ،‬وذلك بالقرآن أو مبا أرشد إليه َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ‬
‫والسالَ ُم من األدعية املعروفة‪ ،‬وكذلك هنانا عن الشر من الرقى الشركية وما‬ ‫َّ‬
‫والسالَ ُم بكل خري وحضنا‬ ‫شاهبها مما هو وسيلة إليها‪ ,‬وأمرنا َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الشرعية‬
‫الرقية الشرعية‬
‫الرقية‬
‫والسنة‬
‫بالقرآن والسنة‬
‫بالقرآن‬
‫أنزل اهلل سبحانه وتعاىل القرآن على نبيه ‪ $‬وجعل فيه الشفاء والرمحة‪،‬‬
‫وأوصى رسول اهلل ‪ $‬بالعالج بالقرآن ورخص به ‪.‬‬
‫ومن األدوية النافعة بإذن اهلل تعاىل ‪ ،‬الرقية الشرعية الثابتة يف الكتاب‬
‫العزيز والسنة الصحيحة املطهرة ‪ ،‬فعلى العبد أن يلجأ إىل اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يف اخلري والشر ‪ ،‬ويف السر والعلن ‪ ،‬وأن يدعوه يف كشف الضر عنه ‪ ،‬فإنه‬
‫ال شايف إال اهلل ‪ ،‬وال منجي إال هو سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫ت َف ُه َو يَ ْش ِفي ِن‪)1(. ‬‬ ‫قال اهلل تعاىل ‪َ  :‬وإِ َذا َم ِر ْ‬
‫ض ُ‬
‫أي‪ :‬ال أحد يق در على ش فائي من األم راض واألس قام إال اهلل س بحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬فهو سبحانه بيده الشفاء ورفع الضر ‪.‬‬
‫قال ابن حجر العسقالين يف تعليقه على حديث املرأة اليت تصرع‪:‬‬
‫‪ ) )1‬سورة الشعراء الآية (‪. )80‬‬
‫‪ -1‬ويف احلديث فضل من يصرع‪ ،‬وأن الصرب على باليا الدنيا يورث‬
‫اجلنة‪.‬‬
‫‪ -2‬وأن األخذ بالشدة أفضل من األخذ بالرخصة ملن علم من نفسه‬
‫الطاقة ومل يضعف عن التزام الشدة ‪.‬‬
‫‪ -3‬وفيه دليل على جواز ترك التداوي ‪.‬‬
‫‪ -4‬وفيه أن عالج األمراض كلها بالدعاء وااللتجاء إىل اهلل أجنع‬
‫وأنفع من العالج بالعقاقري ‪.‬‬
‫‪ -5‬وأن تأثري ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثري األدوية البدنية ‪،‬‬
‫ولكن إمنا ينجع بأمرين أحدمها من جهة العليل وهو صدق‬
‫القصد ‪ ،‬واآلخر من جهة املداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه‬
‫بالتقوى والتوكل واهلل أعلم ‪)1(.‬‬
‫وقد كان النيب ‪ $‬قد هنى عن الرقى مث رخص بعد ذلك‪ ،‬بل حث عليها‪،‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل‪.‬‬
‫فعن جابر قال‪ :‬هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن الرقى‪ ،‬فجاء آل‬
‫عمرو بن حزم إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل إنه‬
‫كانت عندنا رقية نرقي هبا من العقرب وإنك هنيت عن الرقى‪ ،‬قال فعرضوها‬
‫(‪) 2‬‬
‫عليه‪ ،‬فقال‪" :‬ما أرى بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"‪.‬‬
‫‪ ) )1‬فتح الباري (‪.)10/115‬‬
‫‪ )(2‬رواه مسلم برقم (‪ ،)2199‬باب ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك‪.‬‬
‫واستفتاه عثمان بن أيب العاص رضي اهلل عنه وشكا إليه وجعا جيده يف جسده‬
‫منذ اسلم‪ ،‬فقال‪" :‬ضع يدك على الذي يأمل من جسدك‪ ،‬وقل باسم اهلل ثالثا‪،‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫وقل سبع مرات‪ :‬أعوذ بعزة اهلل وقدرته من شر ما أجد وأحاذر"‪.‬‬
‫وكذلك من األحاديث اليت رخص فيها رسول اهلل ‪ $‬يف الرقية من العين‪،‬‬
‫والحمة‪ ،‬والنملة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫فعن عائشة‪ :‬أن رسول اهلل ‪ $‬دخل عليها وامرأة تعاجلها أو ترقيها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"عالجيها بكتاب اهلل"‪‌ )2(.‬‬
‫قال أبو حامت‪ :‬قوله ‪( :$‬عاجليها بكتاب اهلل) أراد‪ :‬عاجليها مبا يبيحه كتاب‬
‫اهلل‪ ،‬ألن القوم كانوا يرقون يف اجلاهلية بأشياء فيها شرك فزجرهم هبذه‬
‫اللفظة عن الرقى إال مبا يبيحه كتاب اهلل دون ما يكون شركاً‪.‬‬
‫وعن أنس > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬ال رقية إال من عي ٍن‪ ،‬أو حمة ٍ‪ ،‬أو‬
‫(‪)3‬‬ ‫ٍ‬
‫دم يرقأ"‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم‪ ،‬عن بريدة بن احلصني > قوله‪" :‬ال رقية إال من عين‪ ،‬أو‬
‫(‪) 4‬‬
‫حمة"‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم برقم (‪ ،)2199‬باب ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك‪.‬‬


‫‪ )(2‬رواه ابن حبان‪ ،‬قال شعيب األرنؤوط‪ :‬رجاله ثقات رجال الشيخني‪ ،‬وصححه األلباين يف‬
‫صحيح اجلامع حديث رقم (‪ ،)3969‬والسلسلة الصحيحة رقم (‪. )1931‬‬
‫‪ )2(3‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ، )3889‬وضعفه األلباين يف ضعيف أيب داود برقم (‪. )717‬‬
‫قوله‪ :‬ال رقية إال من عين‪ ،‬أو حمة‪ :‬قال النووي‪ :‬فقال العلماء مل يرد به‬
‫حصر الرقية اجلائزة فيهما ومنعها فيما عدامها‪ ،‬وإمنا املراد ال رقية أحق وأوىل‬
‫(‪)1‬‬
‫من رقية العني واحلمة لشدة الضرر فيهما‪.‬‬
‫علي رسول اهلل ‪ $‬وأنا عند حفصة‪،‬‬ ‫وعن الشفاء بنت عبد اهلل‪ ،‬قالت دخل ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫فقال‪" :‬أال تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة"‪.‬‬
‫قوله النملة‪ :‬شيء يف اجلسد كالقرح‪ ،‬أو قروح خترج يف اجلنب‪ .‬وأصلها‬
‫(‪)3‬‬
‫من احلَ ِّم وهي احلرارة‪ ،‬أو من محة السنان وهي ِح َّدتُه‪.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬والنملة قروح خترج يف اجلنني‪ ،‬وهو داء معروف‪ ،‬ومسي‬
‫منلةً‪ ،‬ألن صاحبه حيس يف مكانه كأن منلة تدب عليه وتعضه وأصنافها ثالثة‪،‬‬
‫قال ابن قتيبة وغريه‪ :‬كان اجملوس يزعمون أن ولد الرجل من أخته إذا خط‬
‫على النملة شفى صاحبها‪.‬‬
‫وروى اخلالل‪ :‬أن الشفاء بنت عبد اهلل كانت ترقي يف اجلاهلية من النملة‬
‫فلما هاجرت إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم وكانت قد بايعته مبكة قالت‪ :‬يا‬

‫‪ )3(4‬صحيح مسلم برقم (‪ ،)220‬باب الدليل على دخول طوائف من املسلمني اجلنة بغري حساب‬
‫وال عذاب‪.‬‬
‫‪ )4(1‬شرح النووي (‪.)14/168‬‬
‫‪ )1(2‬أخرجه أمحد يف مسنده (‪ ،)6/372‬وأبو داود برقم (‪ ،)3887‬السلسلة الصحيحة رقم (‬
‫‪. )1931‬‬
‫‪ )2(3‬اجلامع يف غريب احلديث (‪. )2/168‬‬
‫رسول اهلل! إين كنت أرقي يف اجلاهلية من النملة وإين أريد أن أعرضها‬
‫عليك‪ ،‬فعرضت عليه‪ ،‬فقالت‪ :‬بسم اهلل ضلت حىت تعود من أفواهها وال‬
‫تضر أحدا‪ ،‬اللهم اكشف البأس رب الناس‪.‬‬
‫قال‪ :‬ترقي هبا على عود سبع مرات وتقصد مكانا نظيفا وتدلكه على حجر‬
‫خبل مخر حاذق وتطليه على النملة ‪.‬‬
‫ويف احلديث‪ :‬دليل على جواز تعليم النساء الكتابة‪.‬‬

‫(‪) 1‬‬
‫وعن أنس‪ ،‬أن النيب‪" $‬رخص في الرقية من الحمة والعين والنملة"‪.‬‬
‫والحمة بالتخفيف‪ :‬السم‪ ،‬ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة‪ ،‬ألن السم‬
‫خيرج منها‪.‬‬

‫‪ )1(1‬أخرجه مسلم يف السالم برقم (‪ ، )2196‬باب استحباب الرقية من العني والنملة واحلمة‬
‫والنظرة ‪.‬‬
‫وعن أم سلمة<‪ ،‬أن النيب ‪ $‬رأى يف بيتها جارية يف وجهها سفعة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫"استرقوا لها فإن بها النظرة"‪.‬‬
‫قوله سفعة‪ :‬أي أثر سواد‪ ،‬أو غربة‪ ،‬أو صفرة ‪.‬‬
‫وقوله اسرتقوا‪ :‬الرقية هي ما يتعوذ به‪ ،‬ويف القاموس قال الطييب‪ :‬ما يرقى به‬
‫من الدعاء لطلب الشفاء ‪.‬‬
‫النظرة‪ :‬أي أصابتها عني ‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬واختلف يف املراد بالنظرة‪ ،‬فقيل‪ :‬عني من نظر اجلن‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫من اإلنس‪ ،‬وبه جزم أبو عبيد اهلروي‪ ،‬واألوىل أنه أعم من ذلك وأهنا‬
‫أصيبت بالعني‪ ،‬فلذلك أذن ‪ $‬يف االسرتقاء هلا‪ ،‬وهو دال على مشروعية‬
‫(‪)2‬‬
‫الرقية من العني‪.‬‬
‫وقد عاجل السلف بالرقية الشرعية‪.‬‬
‫قال صاحل بن اإلمام أمحد رمحه اهلل تعاىل‪ :‬اعتللت مرة فقرا يل أيب يف ماء‬
‫ونفث فيه‪ ،‬مث أمرين بشربه وأن أغسل رأسي ‪.‬‬
‫وكذلك روى عبد اهلل بن اإلمام أمحد يف جواز ذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري برقم (‪ ،)5607‬ما أنزل اهلل من داء إال أنزل معه دواء‪ ،‬ومسلم برقم (‬
‫‪ ،)5679‬باب استحباب الرقية من العني والنملة واحلمة والنظرة ‪.‬‬
‫‪ )(2‬فتح الباري (‪.)10/202‬‬
‫املقصود من هذا أن إيصال املاء إيصال القراءة‪ ،‬إيصال الرقية بالنفخ‬
‫بالنفس أو بالنفث إىل املاء مث يسقاه املريض أو يصب عليه أن هذا ال بأس به‬
‫لفعل السلف له ومل يُنكر؛ وألن له أصال يف السنة‪.‬‬
‫قال صاحل بن عبدالعزيز آل الشيخ‪ :‬لكن كلما كانت الرقية ِ‬
‫مباشَرة كلما‬
‫كانت أفضل‪ ،‬وهلذا قال اجلد الشيخ حممد بن إبراهيم رمحه اهلل تعاىل ورفع‬
‫درجته يف اجلنة قال‪ :‬كلما الوقت كان أنفع يعين يقرأ يف املاء كان أقرب‬
‫بالنفخ أقرب بالنفث أقرب بالرقية كلما كان أنفع‪ ،‬وكلما كانت الوسائط‬
‫أقل كان أنفع؛ يعين قراءة املرء على نفسه يعين ما فيها واسطة‪ ،‬واسطة‬
‫واحدة؛ لكن كون املرء يقرأ على اإلنسان صار هناك واسطة ثانية‪ ،‬كون‬
‫أيضا ينفث يف ماء مث املاء يشرب ويغسل به صار هناك واسطة ثالثة‪ ،‬أو‬
‫كونه يكتب يف صحن ويغسل بزعفران أو بنحوه مث يشرب هنا صار عندنا‬
‫واسطة ثالثة كلما ضعفت‪ ،‬وهلذا كان األعلى ما ثبت يف السنة وهو القراءة‬
‫املباشرة من اإلنسان على نفسه أو بقراءة أحد عليه مث القراءة باملاء‪ ،‬مث‬
‫القراءة بالكتابة يف الورق وحله باملاء هذا مما يسوغ ‪.‬‬
‫مث قال‪ :‬ووصييت للجميع العمل مبا مسعتم من التوجيهات والفائدة من جهة‬
‫الرقية‪ ،‬كثري من الراقني ليس عندهم البصرية يف الرقية‪ ،‬وكثري منهم حيدث‬
‫منهم ما ال ينبغي‪ ،‬وينبغي للمؤمن أن يتوخى إذا أراد الرقية يتوخى املعروفني‬
‫باخلري واملعروفني باالستقامة املعروفني بالعلم‪ ،‬حىت ال يقع فيما خيالف‬
‫الشرع‪.‬‬
‫ِ َّ‬ ‫وقد مسعتم ما جاء يف احلديث يقول َ َّ‬
‫س‬‫صلى اهللُ َعلَْيه َو َسل َم ‪«:‬الَ بَأْ َ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪«:‬ال رقية إال من‬ ‫ِ‬
‫الرقَى َما مَلْ تَ ُك ْن ش ْركاً»‪ ،‬ويقول َ‬
‫بّ‬
‫ِ‬
‫عني أو محة»‪ ،‬والعني عني العائن‪ ،‬واحلمة سم ذوات السموم؛ يعين أهنا أوىل‬
‫من غريها‪ ،‬وإال فالرقية لكل شيء من األمراض‪ ،‬أو ما يعرض لإلنسان من‬
‫البالء‪.‬‬
‫وقد رقى الصحابة رضي اهلل عنهم لديغا فعافاه اهلل‪ ،‬رقاه بعضهم بالفاحتة‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ملا أخربوه «أصبتم» صوهبم‬‫فعافاه اهلل‪ ،‬وقال هلم النيب َ‬
‫ومل يعنف عليهم‪ ،‬وأخذوا جعال من أصحاب املريض‪ ،‬ورقاه بالفاحتة‪.‬‬
‫صلَّى اهللُ‬
‫فاملقصود أن الرقية أمرها ال بأس به‪ ،‬وهي رقية شرعية كما قال َ‬
‫الرقَى َما مَلْ تَ ُك ْن ِش ْركاً» وكان يرقي‪ ،‬قد رقى ورقي‬ ‫َعلَْي ِه وسلَّم «الَ بأْ ِ‬
‫سب ّ‬ ‫ََ َ َ َ‬
‫والسالَ ُم‪.‬‬
‫الصالَةُ َّ‬ ‫َعلَْي ِه َّ‬
‫وكان الصحابة يرقون‪.‬‬
‫والرقية تكون بالقرآن‪ ،‬وتكون مبا جاء يف األحاديث‪ ،‬وتكون باألدعية‬
‫الطيبة املباحة‪ ،‬املؤمن يتحرى لرقيته‪ ،‬ما جاءت به النصوص‪ ،‬ويتحرى ما‬
‫يتعلم من األدعية الطيبة يدعو هبا للمرقي‪ ،‬ويتحرى اإلخالص يف ذلك‪،‬‬
‫ويعلم أن اهلل سبحانه هو الذي بيده الشفاء والعافية‪ ،‬وإمنا الرقية سبب من‬
‫األسباب‪.‬‬
‫فعلى الراقي واملرقي الثقة باهلل والتعلق باهلل‪ ،‬واإلميان بأنه سبحانه هو بيده‬
‫الضر والنفع والعطاء واملنع والشفاء والعافية‪ ،‬وتكون القلوب معلقة به‬
‫سبحانه‪ ،‬ومطمئنة إليه يعلم الراقي واملرقي أن الشفاء بيد اهلل‪ ،‬فيعلق رجاءه‬
‫باهلل‪ ،‬ويسأل اهلل أن ينفع باألسباب سواء األسباب رقية أو كي أو عالج‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قال « ِعبَ َاد اهلل َتَ َد َاو ْوا َوالَ َتتَ َد َاو ْوا‬
‫بأدوية أخرى‪ ،‬النيب َ‬
‫حِب ََر ٍام»‪.)1(.‬‬
‫مث قال‪ :‬ومما ينبغي التنبيه عليه كما نبه عليه فضيلة الشيخ صاحل‪ :‬احلذر من‬
‫سؤال اجلن‪ ،‬واالعتماد على أقواهلم‪ ،‬يقول‪ :‬هذا سحرته أخته أو أخت‬
‫زوجته أو أمه أو فالنة أو فالن‪ .‬كل هذا باطل‪ ،‬كل هذا كذب وال جيوز‬
‫االعتماد على ذلك‪ ،‬وال جيوز للراقي سؤاهلم وال االعتماد على قوهلم؛ ألن‬
‫فيهم الكذاب وفيهم اجملهول وفيهم الفاسق وفيهم الكافر‪ ،‬فال جيوز االعتماد‬
‫عليهم وال سؤاهلم‪ ،‬وإمنا يرقيه‪ ،‬وإذا كان به جن تكلم مع اجلين وعظه‬
‫وأن هذا ظلم وأنه ال جيوز له والواجب‬ ‫وذكره وحذره من البقاء يف اإلنسي‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫عليه اخلروج وأن يتق اهلل وإن كان مسلما أن يراقب اهلل وحيذر مغبة الظلم‪.‬‬

‫‪ )(1‬السلسلة الصحيحة رقم (‪ ،)1633‬صحيح اجلامع برقم (‪. )1762‬‬


‫وأما أن يصدقه بأنه دخلت بسبب فالن وأن فالنة فعلت وفالنة فعلت‬
‫أختك أو أمك أو زوجة أخيك أو جارك أو فالن‪ ،‬كل هذا جيب احلذر منه‪،‬‬
‫وأن ال يصدق هؤالء الكذابون من اجلن‪.‬‬
‫ولكن الراقي يعضهم ويذكرهم ويأمرهم باخلروج وأنه وقع يف الظلم‪ ،‬إذا‬
‫كان مسلم يتقي اهلل وال يظلم أخاه‪ ،‬وإن كان غري مسلم كذلك جيب احلذر‬
‫من الظلم وألن عاقبته وخيمة‪ ،‬فيذكره وحيذره من البقاء يف املسلم‪ ،‬وأن هذا‬
‫ظلم جيب احلذر منه‪.‬‬
‫وبكل حال الواجب على الراقون أن يتقوا اهلل وأن يراقبوا اهلل‪ ،‬وأن يرقوا‬
‫باآليات القرآنية واألدعية النبوية واألدعية املباحة‪ ،‬وأن حيذروا مما حرم اهلل‬
‫من األسباب احملرمة‪ ،‬وأن حيذروا الكذب‪ ،‬وتصديق اجلن أو سؤاهلم أو‬
‫االعتماد عليهم‪.‬‬
‫كل ذلك جيب احلذر منه‪ ،‬وأن يكون الراقي يعتمد على اهلل‪ ،‬ويعلم أنه‬
‫مسبب األسباب‪ ،‬وأن بيده الضر والنفع‪ ،‬وأنه القادر على كل شيء جل‬
‫وعال‪.‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم «إن الرقى‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم قال َ‬
‫وهلذا بني النيب َ‬
‫والتمائم والتولة شرك»‪ )1(.‬يعين الرقى اجملهولة أو الرقى بغري شرع اهلل وبغري‬
‫ما أباح اهلل‪ ،‬أو الرقى اليت فيها التوسل بالشياطني واجلن وحنو ذلك‪ ،‬إمنا‬
‫‪ )(1‬صحيح أيب داود (‪ ،)4/9‬صحيح سنن ابن ماجة (‪ ،)2/1166‬السلسلة الصحيحة رقم (‬
‫‪ ،)1/648‬صحيح اجلامع برقم (‪. )1632‬‬
‫الرقى هي اليت تكون بالقرآن العظيم واألدعية النبوية واألدعية املباحة‪،‬‬
‫و(التِّولة) الصرف والعطف والسحر‪ ،‬و(التمائم) ما يعلق على الناس ما يعلق‬
‫على األوالد وغري األوالد من احلروز كلها منكرة جيب احلذر منها‪.‬‬
‫أما حديث فيه السبعني ال يسرتقون وال يكتوون‪ ،‬فهذا من باب الفضل‪،‬‬
‫عدم االسرتقاء أمر أفضلي‪ ،‬وعدم الكي أفضل‪ ،‬وإال ال بأس أن يسرتقي وال‬
‫بأس أن يكتوي‪ ،‬النيب كوى وكوي واسرتقى‪ ،‬أمر عائشة أن تسرتقي؛ بل‬
‫ترك االسرتقاء من باب الفضيلة من باب ترك سؤال الناس‪ ،‬وإذا اسرتقى‬
‫للحاجة أو كوى للحاجة فال بأس‪.‬‬
‫والسالَ ُم «الشفاء يف ثالثة‪ :‬كية نار‪ ،‬أو شرطة‬ ‫الصالَةُ َّ‬ ‫وهلذا قال َعلَْي ِه َّ‬
‫حمجم‪ ،‬أو شربة عسل‪ ،‬وما أحب أن أكتوي»‪ ،‬ويف لفظ آخر «وأهنى أميت‬
‫عن الكي»‪ ،‬فالكي آخر الطب‪ ،‬عند احلاجة إليه ال بأس به‪.‬‬
‫وأما رواية (ال يرقون) فهي رواية شاذة غري صحيحة‪ ،‬وإمنا احملفوظ (ال‬
‫يسرتقون) أما كونه يرقي هذا من مشروعية نفعه ألخيه‪ ،‬كما يف احلديث‬
‫اع أَ ْن َيْن َف َع أ َ‬
‫َخاهُ َف ْلَيْن َف ْعهُ» كونه ينفع أخاه ويرقيه هذا أمر‬ ‫«م ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫َ‬
‫مشروع ومأجور؛ لكن مع حتري الرقية الشرعية واحلذر مما حرمه اهلل من‬
‫)‪. (1‬الرقية يف اجلاهلية‪.‬اهـ‬

‫‪ )1(1‬الرقى وأحكامها ‪.‬‬


‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬وكان إذا دخل على املريض يقول له‪[ :‬البأس طهور إن‬
‫شاء اهلل] ورمبا كان يقول‪[ :‬كفارة وطهور] وكان يرقي من به قرحة أو‬
‫جرح أو شكوى فيضع سبابته باألرض مث يرفعها ويقول‪[ :‬بسم اهلل تربة‬
‫أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا] هذا يف الصحيحني وهو يبطل‬
‫اللفظة اليت جاءت يف حديث السبعني ألفا الذين يدخلون اجلنة بغري حساب‬
‫وأهنم ال يرقون وال يسرتقون فقوله يف احلديث‪[ :‬ال يرقون] غلط من الراوي‬
‫مسعت شيخ اإلسالم ابن تيمية يقول ذلك قال‪ :‬وإمنا احلديث [هم الذين ال‬
‫يسرتقون] قلت‪ :‬وذلك ألن هؤالء دخلوا اجلنة بغري حساب لكمال‬
‫توحيدهم وهلذا نفى عنهم االسرتقاء وهو سؤال الناس أن يرقوهم وهلذا قال‪:‬‬
‫{وعلى رهبم يتوكلون} فلكمال توكلهم على رهبم وسكوهنم إليه وثقتهم به‬
‫ورضاهم عنه وإنزال حوائجهم به ال يسألون الناس شيئا ال رقية وال غريها‬
‫وال حيصل هلم طرية تصدهم عما يقصدونه فإن الطرية تنقص التوحيد‬
‫وتضعفه قال‪ :‬والراقي متصدق حمسن واملسرتقي سائل والنيب ‪ $‬رقى ومل‬
‫(‪)1‬‬
‫يسرتق وقال‪[ :‬من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه‪.‬‬
‫هذا وكثري من الناس رمبا راج عليه صالح الراقي أو ظاهر صالح من‬
‫يتعاطى األدوية‪ ،‬فيصف له أشياء إما من األذكار وإما من األوراد أو حنو‬

‫‪ )(1‬زاد املعاد (‪.)1/475‬‬


‫ذلك‪ ،‬يصفه له ويكون غاشا له من أنه يرده إىل غري املشروع‪ ،‬ويرشده إىل‬
‫أمر فيه بدعة أو فيه شرك‪ ،‬والعياذ باهلل‪.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬ويف صحيح مسلم أيضا عن جابر قال لدغت رجال منا‬
‫عقرب وحنن جلوس مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال رجل يارسول‬
‫اهلل أرقي له قال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل‪.‬‬
‫وأما ما رواه مسلم يف صحيحه‪ ،‬من حديث جابر ‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم هنى عن الرقي‪.‬‬
‫فهذا ال يعارض هذه األحاديث فإنه إمنا هنى عن الرقى اليت تتضمن الشرك‬
‫وتعظيم غري اهلل سبحانه كغالب رقى أهل الشرك‪.‬‬
‫والدليل على هذا ما رواه مسلم يف صحيحه من حديث عوف بن مالك‬
‫األشجعي‪ ،‬قال‪ :‬كنا نرقي يف اجلاهلية‪ ،‬فقلنا يارسول اهلل كيف ترى يف‬
‫ذلك؟ فقال‪" :‬اعرضوا علي رقاكم‪ ،‬ال بأس بالرقي ما مل يكن فيه شرك"‪.‬‬
‫ويف حديث النهي أيضا ما يدل على ذلك‪ ،‬فإن جابرا قال هنى رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم عن الرقى‪ ،‬فجاء آل عمرو بن حزم إىل رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقالوا يارسول اهلل إنه كانت عندنا رقية نرقي هبا من العقرب‬
‫وإنك هنيت عن الرقي‪ ،‬قال‪ :‬فاعرضوها علي‪ ،‬فعرضوها عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ما أرى‬
‫هبا بأساً من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وهذا املسلك يف هذه األحاديث وأمثاهلا فيما يكون املنهي عنه نوعا واملأذون‬
‫فيه نوعا آخر‪ ،‬وكالمها داخل حتت اسم واحد من تفطن له زال عنه‬
‫اضطراب كثري يظنه من مل حيط علما حبقيقة املنهي عنه من ذلك اجلنس‪،‬‬
‫واملأذون فيه متعارضا مث يسلك مسلك النسخ أو تضعيف أحد األحاديث‪.‬‬
‫وأما هذه الطريقة فال حيتاج صاحبها إىل ركوب طريق النسخ وال تعسف‬
‫أنواع العلل‪.‬‬
‫وقد يظهر يف كثري من املواضع مثل هذا املوضع‪ ،‬وقد يدق ويلطف فيقع‬
‫االختالف بني أهل العلم واهلل يسعد بإصابة احلق من يشاء وذلك فضله يؤتيه‬
‫(‪)1‬‬
‫من يشاء واهلل ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫ق ال القرطيب‪ :‬ال رقي ثالثة أقس ام‪ :‬أح دها‪ :‬ما ك ان ي رقى به يف اجلاهلية مما ال‬
‫يعقل معناه فيجب اجتنابه لئال يكون فيه شرك أو يؤدي إىل الشرك‪ .‬الثاين‪:‬‬
‫ما كان بكالم اهلل‪ ،‬أو بأمسائه فيجوز‪ ،‬فإن كان مأثوراً فيستحب‪ .‬الثالث‪ :‬ما‬
‫ك ان بأمساء غري اهلل من ملك‪ ،‬أو ص احل‪ ،‬أو معظم من املخلوق ات ك العرش‪،‬‬
‫ق ال‪ :‬فه ذا فليس من ال واجب اجتنابه‪ ،‬وال من املش روع ال ذي يتض من‬
‫االلتج اء إىل اهلل والت ربك بأمسائه‪ ،‬فيك ون تركه أوىل إال أن يتض من تعظيم‬
‫(‪) 2‬‬
‫املرقي به‪ ،‬فينبغي أن جيتنب كاحللف بغري اهلل تعاىل‪.‬اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ )(1‬حاشية ابن القيم على سنن أيب داود (‪.)10/277‬‬
‫‪ )1(2‬نقله عنه ابن حجر يف فتح الباري (‪.)197-196-10‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫ال عدوى وال طيرة‬
‫من عقيدة أهل السنة واجلماعة أن النافع والضار هو اهلل سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫وهذا من األمور املسلم هبا‪ ،‬فال جيوز ألحد أن يعتقد أن أحداً يضر أو ينفع‪،‬‬
‫كذلك ال جيوز اعتقاد أن أحداً يعدي أحد‪.‬‬
‫فعن ابن مس عود> ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل‪" :$‬ال يع دي ش يء ش يئاً ال يع دي‬
‫ش يء ش يئاً "ثالث اً" ‪ .‬فق ال أع رابي فق ال‪ :‬يا رس ول اهلل إن النّقبة تك ون‬
‫بمشفر البعير أو بعجبه فتشمل اإلبل جرب اً؟ قال فسكت ساعة فقال‪ :‬ما‬
‫أع دى األول؟ ال ع دوى‪ ،‬وال ص فرة‪ ،‬وال هامة ‪ ،‬خلق اهلل كل نفس‬
‫(‪) 1‬‬
‫فكتب حياتها وموتها ومصيباتها ورزقها "‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" : $‬ال طيرة‪ ،‬وال‬
‫هامة‪ ،‬وال عدوى ‪ ،‬وال صفر" ‪.‬‬
‫فقال رجل‪ :‬يا رسول اهلل! إنا لنأخذ الشاة اجلرباء فنطرحها يف الغنم‪ ،‬فقال‬
‫(‪)2‬‬
‫رسول اهلل‪" :$‬فمن أعدى األول ؟!"‪.‬‬

‫‪ )(1‬السلسلة الصحيحة رقم (‪. )1152‬‬


‫‪ )(2‬السلسلة الصحيحة ر قم (‪ ، )782‬وصحيح موارد الظمآن رقم (‪.)1199‬‬
‫وعن أيب هريرة > قال‪ :‬إن رسول اهلل ‪ $‬قال‪" :‬ال عدوى وال صفر وال‬
‫هامة"‪ ،‬فقال أعرايب‪ :‬يا رسول اهلل فما بال إبلي تكون يف الرمل كأهنا الظباء‬
‫( ‪)1‬‬
‫فيأيت البعري األجرب فيدخل بينها فيجرهبا؟ فقال‪" :‬فمن أعدى األول"‪.‬‬
‫الرمل‪ :‬هو الرتاب وفتات الصخر‪ ،‬ولعل املراد هنا الربية والصحراء‪.‬‬
‫كأهنا الظباء‪ :‬يف النشاط والقوة مجع ظيب وهو الغزال ‪.‬‬
‫(األجرب) املصاب باجلرب‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬قوله‪ :‬فيجرهبا يف رواية مسلم‪ ،‬فيدخل فيها وجيرهبا بضم‬
‫أوله‪ ،‬وهو بناء على ما كانوا يعتقدون من العدوى أي يكون سبباً لوقوع‬
‫اجلرب هبا‪ ،‬وهذا من أوهام اجلهال كانوا يعتقدون أن املريض إذا دخل يف‬
‫األصحاء أمرضهم‪ ،‬فنفى الشارع ذلك وأبطله‪ ،‬فلما أورد األعرايب الشبهة رد‬
‫عليه النيب ‪ $‬بقوله‪ :‬فمن أعدى األول‪ ،‬وهو جواب يف غاية البالغة‪،‬‬
‫والرشاقة‪ ،‬وحاصله من أين جاء اجلرب للذي أعدى بزعمهم‪ ،‬فإن أجيب من‬
‫بعري آخر لزم التسلسل أو سبب آخر فليفصح به‪ ،‬فإن أجيب بأن الذي فعله‬
‫يف األول هو الذي فعله يف الثاين ثبت املدعى وهو أن الذي فعل باجلميع‬
‫(‪)2‬‬
‫ذلك هو اخلالق القادر على كل شيء وهو اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬اهـ‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري برقم (‪ ،)5387‬وأخرجه مسلم يف السالم باب ال عدوى وال طرية وال هامة‬
‫وال صفر‪ ،‬برقم (‪.)2220‬‬
‫‪ )(2‬فتح الباري (‪.)10/242‬‬
‫وعن جابر> قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬ال عدوى‪ ،‬وال غول‪ ،‬وال صفر "‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬

‫ويف رواية عنه >‪ ،‬يقول‪ :‬مسعت النيب ‪ $‬يقول‪" :‬ال عدوى‪ ،‬وال صفر‪ ،‬وال‬
‫غول" ‪.)2( .‬‬
‫وعن عبد ال رمحن بن أيب الزن اد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬ق ال ‪ :‬ح دثين رج ال أهل رض ًى‬
‫وقناعة من أبن اء الص حابة وأولية الن اس أن رس ول اهلل ‪ ‬ق ال ‪" :‬ال ع دوى ‪،‬‬
‫وال هامة ‪ ،‬وال صفر ‪ ،‬واتقوا المجذوم كما يتقى األسد" ‪.)3( .‬‬
‫وعن أيب هريرة > قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" :$‬ال عدوى‪ ،‬وال طيرة‪ ،‬وال هامة‪،‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫وفر من المجذوم كما تفر من األسد " ‪.‬‬
‫وال صفرة‪ّ ،‬‬
‫الصفر‪ :‬دواب البطن‪ ،‬قال أبو عبيدة‪ :‬مسعت يونس يسأل رؤبة بن العجاج‬
‫(‪)5‬‬
‫عن الصفر‪ ،‬فقال ‪ :‬هي حيّة تكون يف البطن تصيب املاشية‪.‬‬
‫عدوى‪ :‬يقال ْ‬
‫أع َدى فالن فالنا من ُخلُقه أو من علة به أو من جرب ويف‬
‫والع ْد ُو احلضر تقول َع َدا يعدو‬
‫احلديث ال عدوى أي ال يعدي شيء شيئاً َ‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم يف الطب برقم (‪. )5757‬‬


‫‪ )(2‬رواه مسلم برقم (‪.)5758‬‬
‫‪ )(3‬الصحيحة (‪. )780‬‬
‫‪ )(4‬أخرجه البخاري معلقاً (‪. )10/129‬‬
‫‪ )(5‬الغريب البن سالم (‪. )1/25‬‬
‫وأع َدى فرسه وأعدى يف منطقه أي جار ودفعت عنك َعاديَةَ فالن أي‬
‫َع ْدواً ْ‬
‫ظلمه وشره‪.)1( .‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العرب‬ ‫اجلن والشياطني ‪ ,‬كانت َ‬ ‫ول‪ :‬أحد الغيالن‪ ,‬وهي جنُس من ّ‬ ‫والغُ ُ‬
‫غول تغوال ‪ :‬أي َتَتلُّون تلَ ُّونا يف‬
‫َت ْزعُم أن الغُول يف ال َفالة ترتاءى للناس َفتَتَ ّ‬
‫ضلُّهم عن الطريق وتُ ْهلِ ُكهم ‪َ ,‬فنَفاه النيب صلى اهلل‬ ‫صور َشىَّت ‪ ,‬وَتغُوهلم أي تُ ِ‬
‫َُ‬
‫عليه وسلم وأبطله‪. .‬‬
‫(‪) 2‬‬

‫َج َذ ُم ‪ :‬الـمقطوع الـيَد‪ ،‬وقـيل‪ :‬هو الذي ذهبت‬ ‫وقوله ‪" :‬مجذوم" ‪ ،‬األ ْ‬
‫ـج َذمةُ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـج ْذمةُ و ال َ‬
‫َج َذ َمها‪ ،‬و ال َ‬
‫ت يَ ُده َج َذماً و َج َذمها و أ ْ‬
‫أَناملُه‪َ ،‬جذ َم ْ‬
‫ـج ْذم منها‪ .‬و ال ِـج ْذمة ‪ :‬القطعة من الـحبل وغريه‪ .‬وحبل ِج ْذ ٌم‬ ‫موضع ال َ‬
‫رينة َحْبلُها ِج ْذ ُم‬
‫مـج ُذومٌ‪ :‬مقطوع‪ ،‬قال‪ :‬هالَّ تُسلِّـي حاجةٌ عرضت علَق ال َق ِ‬
‫ََ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫َج َذم الـيَ ِد‪ ،‬وهو الذي ذهبت أَصابع كفـيه‪ .‬ويقال‪ :‬ما‬ ‫ـج َذم‪ :‬مصدر األ ْ‬‫و ال َ‬
‫ِ‬
‫ـجذام من الدَّاء‪ :‬معروف‬ ‫َجذمه حتـى َجذم‪.‬وال ُ‬ ‫الذي َج َّذ َم يَديه وما الذي أ ْ‬
‫(‪) 3‬‬
‫لِتَ ُّ‬
‫ـجذم األَصابع وتقطُّعها‪.‬‬

‫‪ )(1‬خمتار الصحاح (‪. )1/176‬‬


‫‪ )(2‬النهاية يف غريب احلديث (‪. )3/396‬‬
‫‪ )(3‬لسان العرب (‪. )12/87‬‬
‫الصفر‪ :‬دواب البطن‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬مسعت يونس يسأل رؤبة بن العجاج‬
‫(‪)4‬‬
‫عن الصفر؟ فقال‪ :‬هي حيّة تكون يف البطن تصيب املاشية‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬عدوى‪ :‬يقال ْ‬
‫أع َدى فالن فالنا من ُخلُقه‪ ،‬أو من علة به‪ ،‬أو من‬
‫والع ْد ُو احلضر‬
‫جرب‪ ،‬ويف احلديث ال عدوى‪ ،‬أي ال يعدي شيء شيئاً‪َ ،‬‬
‫وأع َدى فرسه وأعدى يف منطقه أي جار ودفعت عنك‬ ‫تقول َع َدا يعدو َع ْدواً ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫َعاديَةَ فالن أي ظلمه وشره ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العرب َت ْزعُم‬
‫اجلن والشياطني‪ ,‬كانت َ‬ ‫ول‪ :‬أحد الغيالن‪ ,‬وهي جنُس من ّ‬ ‫والغُ ُ‬
‫غول تغوال‪ :‬أي َتَتلُّون تلَ ُّونا يف ُ‬
‫ص َور‬ ‫أن الغُول يف ال َفالة ترتاءى للناس َفتَتَ ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ضلُّهم عن الطريق وتُ ْهلِ ُكهم‪َ ,‬فنَفاه النيب ‪ $‬وأبطله ‪.‬‬ ‫َشىَّت ‪ ,‬وَتغُوهلم أي تُ ِ‬
‫قال اإلمام النووي‪ :‬الصفر دواب يف البطن وهى دود‪ ،‬وكانوا يعتقدون أن يف‬
‫البطن دابة هتيج عند اجلوع ورمبا قتلت صاحبها‪ ،‬وكانت العرب تراها أعدى‬
‫من اجلرب‪ ،‬وهذا التفسري هو الصحيح‪ ،‬وبه قال مطرف وابن وهب وابن‬
‫حبيت وأبو عبيد وخالئق من العلماء‪ .‬ا هـ ‪.)4( .‬‬
‫وعن ابن عباس مرفوعاً قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪":$‬ال تديموا النظر إلى‬

‫‪ )(4‬الغريب البن سالم (‪. )1/25‬‬


‫‪ )(2‬خمتار الصحاح (‪. )1/176‬‬
‫‪ )(3‬النهاية يف غريب احلديث (‪)3/396‬‬
‫‪ )(4‬شرح النووي (‪14/433‬ـ‪.)437‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫المجذومين "‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة> عن النيب ‪ $‬قال‪" :‬ال يعدي سقيم صحيحاً"‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬

‫ويف رواية‪":‬ال ع دوى‪ ،‬وإذا رأيت المج ذوم ففر منه كما تفر من‬
‫(‪)3‬‬
‫األسد"‬
‫وعن أيب هريرة أيضاً قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" : $‬ال يورد الممرض على‬
‫المصح" ‪.)4( .‬‬
‫قال النووي‪ :‬قال مجهور العلماء‪ :‬جيب اجلمع بني هذين احلديثني ومها‬
‫صحيحان‪ ،‬قالوا‪ :‬وطريق اجلمع أن حديث ال عدوى املراد به نفي ما كانت‬
‫اجلاهلية تزعمه وتعتقده أن املرض والعاهة تعدي بطبعها ال بفعل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وأما حديث‪« :‬ال يورد ممرض على مصح» فأرشد فيه إىل جمانبة ما حيصل‬
‫الضرر عنده يف العادة بفعل اهلل تعاىل وقدره‪ ،‬فنفى يف احلديث األول العدوى‬
‫بطبعها ومل ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر اهلل تعاىل وفعله‪ .‬وأرشد يف‬
‫الثاين إىل االحرتاز مما حيصل عنده الضرر بفعل اهلل وإرادته وقدره‪ ،‬فهذا‬

‫‪ )(1‬أخرجه البخاري يف التاريخ الكبري (‪، )1/1/138‬الصحيحة (‪.)1064‬‬


‫‪ )(2‬الصحيحة (‪. )3/143‬‬
‫‪ )(3‬السلسلة الصحيحة (‪. )414 /2‬‬
‫‪ )(4‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)5641‬باب ما أنزل اهلل من داء إال أنزل معه شفاء‪ ،‬ومسلم برقم‬
‫(‪ ،)5743‬باب ال عدوى وال طرية وال هامة وال صفر‪ ،‬وال نوء وال غول‪ ،‬وال يورد ممرض على‬
‫مصح ‪.‬‬
‫الذي ذكرناه من تصحيح احلديثني واجلمع بينهما هو الصواب الذي عليه‬
‫(‪)1‬‬
‫مجهور العلماء ويتعني املصري إليه‪.‬اهـ‪.‬‬
‫وسئل شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل عن رجل مبتلي سكن يف دار بني قوم‬
‫أصحاء‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬ال ميكننا جماورتك‪ ،‬وال ينبغي أن جتاور األصحاء‪،‬‬
‫فهل جيوز إخراجه؟‬
‫فأجاب‪ :‬نعم هلم أن مينعوه من السكن بني األصحاء فإن النيب ‪ $‬قال‪[ :‬ال‬
‫يورد ممرض على مصح]‪ ،‬وهنى صاحب اإلبل املراض أن يوردها على‬
‫صاحب اإلبل الصحاح‪ ،‬مع قوله‪[ :‬ال عدوى وال طرية]‪ ،‬وكذلك روي أنه‬
‫( ‪)2‬‬
‫ملا قدم جمذوم ليبايعه أرسل إليه بالبيعة ومل يأذن له يف دخول املدينة‪.‬‬
‫وقال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل‪ :‬ذهب بعضهم إىل أن قوله ال يورد ممرض‬
‫على مصح منسوخ بقوله ال عدوى وهذا غري صحيح وهو مما تقدم آنفا أن‬
‫املنهي عنه نوع غري املأذون فيه‪ ،‬فإن الذي نفاه النيب ‪ $‬يف قوله‪ :‬ال عدوى‪،‬‬
‫وال صفر هو ما كان عليه أهل اإلشراك من اعتقادهم ثبوت ذلك على قياس‬
‫شركهم وقاعدة كفرهم‪ ،‬والذي هنى عنه النيب ‪ $‬من إيراد املمرض على‬
‫املصح فيه تأويالن‪:‬‬

‫‪ )(1‬شرح النووي على صحيح مسلم (‪14/433‬ـ‪.)437‬‬


‫‪ )(2‬جمموع الفتاوى (‪.)3/17‬‬
‫أحدمها‪ :‬خشية توريط النفوس يف نسبة ما عسى أن يقدره اهلل تعاىل من‬
‫ذلك إىل العدوى وفيه التشويش على من يورد عليه وتعريضه العتقاد‬
‫العدوى فال تنايف بينهما حبال‪.‬‬
‫والتأويل الثاين‪ :‬أن هذا إمنا يدل على أن إيراد املمرض على املصح قد يكون‬
‫سبباً خيلق اهلل تعاىل به فيه املرض فيكون إيراده سبباً‪ ،‬وقد يصرف اهلل سبحانه‬
‫تأثريه بأسباب تضاده‪ ،‬أو متنعه قوة السببية‪ ،‬وهذا حمض التوحيد خبالف ما‬
‫( ‪)1‬‬
‫كان عليه أهل الشرك‪.‬اهـ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة > قال مسعت النيب ‪ $‬يقول‪" :‬ال طيرة‪ ،‬وخيرها الفأل‪ ،‬قيل‬
‫يا رسول اهلل وما الفأل؟‬
‫(‪)2‬‬
‫قال‪ :‬الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" ‪.‬‬
‫وقال عن ابن مسعود >‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" : $‬الطيرة شرك‪ ،‬وما منا‬
‫(‪) 3‬‬
‫إال ‪ ..‬ولكن اهلل يذهبه بالتوكل"‪.‬‬
‫قوله‪( :‬شرك) إذا اعتقد هلا تأثرياً‪ .‬أو معناه أهنا من أعمال أهل الشرك‪ ،‬أو‬
‫مفضية إليه باعتقادها مؤثرة‪ .‬أو املراد الشرك اخلفي‪.‬‬

‫‪ )(1‬حاشية ابن القيم على سنن أيب داود (‪.)277-10/276‬‬


‫‪ )(2‬رواه البخاري يف الطب برقم (‪ ، )5754‬ومسلم يف الطب برقم (‪. )5759‬‬
‫‪ )(3‬السلسلة الصحيحة رقم ( ‪ ،)429‬و غاية املرام(‪ ،)186/303‬وصحيح موارد الظمآن رقم (‬
‫‪ ،)1194‬وصحيح الرتغيب برقم (‪ ،)3098‬اإلميان البن سالم برقم (‪ ،)73‬وصحيح ابن ماجة‬
‫برقم (‪ ،)2850‬وصحيح سنن أيب داود ‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وما منا إال) أي وما منا أحد إال ويعرتيه شيء ما منه يف أول األمر‬
‫قبل التأمل‪.‬‬
‫وقد ذكر كثري من احلفاظ أن مجلة‪" :‬وما منا" اخل من كالم ابن مسعود‬
‫مدرج يف احلديث‪ .‬ولو كان مرفوعاً كان املراد وما منا أي من املؤمنني من‬
‫(‪) 1‬‬
‫األمة‪.‬‬
‫وقال ابن حجر‪ :‬وإمنا جعل ذلك شركا العتقادهم أن ذلك جيلب نفعاً‪ ،‬أو‬
‫يدفع ضراً‪ ،‬فكأهنم أشركوه مع اهلل تعاىل‪ ،‬وقوله‪ :‬ولكن اهلل يذهبه بالتوكل‪،‬‬
‫إشارة إىل أن من وقع له ذلك فسلم هلل ومل يعبأ بالطرية أنه ال يؤاخذ مبا‬
‫عرض له من ذلك‪ ،‬وأخرج البيهقي يف الشعب من حديث عبد اهلل بن عمرو‬
‫موقوفا من عرض له من هذه الطرية شيء فليقل اللهم ال طري إال طريك وال‬
‫(‪)2‬‬
‫خري إال خريك وال إله غريك‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪": $‬ال طيرة على من تطير‪ ،‬وإن‬
‫(‪) 3‬‬
‫في شيء؛ ففي الدار والمرأة"‪.‬‬
‫ويف رواية يف الصحيح‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬ذكروا الشؤم عند النيب ‪ ،$‬فقال‬
‫(‪) 4‬‬
‫النيب ‪" :$‬أن كان الشؤم يف شيء ففي الدار واملرأة والفرس"‪.‬‬

‫‪ )(1‬سنن ابن ماجة بتحقيق حممد فؤاد عبدالباقي‪.‬‬


‫‪ )(2‬فتح الباري (‪.)10/213‬‬
‫‪ )(3‬الصحيحة ( ‪ ،)789‬صحيح موارد الظمآن (‪.)1195‬‬
‫‪ )(4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4806‬‬
‫قال اخلطايب‪ :‬هو استثناء من غري اجلنس‪ ،‬معناه إبطال مذهب اجلاهلية يف‬
‫التطري‪ ،‬فكأنه قال إن كانت ألحدكم دار يكره سكنها‪ ،‬أو امرأة يكره‬
‫صحبتها‪ ،‬أو فرس يكره سريه‪ ،‬فليفارقه‪ ،‬ومنها أنه ليس املراد بالشؤم يف قوله‬
‫الشؤم يف ثالثة معناه احلقيقي‪ ،‬بل املراد من شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها‪،‬‬
‫ومن شؤم املرأة أن ال تلد‪ ،‬وأن حتمل لساهنا عليك‪ ،‬ومن شؤم الفرس أن ال‬
‫يغزى عليه‪ ،‬وقيل حراهنا وغالء مثنها‪.‬‬
‫ويؤيد هذا اجلمع ما أخرجه أمحد‪ ،‬وصححه بن حبان‪ ،‬واحلاكم من حديث‬
‫سعد مرفوعاً‪" :‬من سعادة بن آدم ثالثة‪ :‬املرأة الصاحلة‪ ،‬واملسكن الصاحل‪،‬‬
‫واملركب الصاحل‪ ،‬ومن شقاوة بن آدم ثالثة‪ :‬املرأة السوء‪ ،‬واملسكن السوء‪،‬‬
‫واملركب السوء"‪.‬‬
‫ويف رواية بن حبان‪" :‬املركب اهلينء‪ ،‬واملسكن الواسع"‪.‬‬
‫ويف رواية للحاكم‪" :‬ثالثة من الشقاء‪ :‬املرأة تراها فتسوؤك وحتمل لساهنا‬
‫قطوفا فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها مل تلحق‬ ‫ً‬ ‫عليك‪ ،‬والدابة تكون‬
‫( ‪)1‬‬
‫أصحابك‪ ،‬والدار تكون ضيقة قليلة املرافق"‪.‬‬

‫‪ )(1‬حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي للمباركفوري (‪.)8/92‬‬


‫وعن سعيد بن املسيب‪ ،‬قال‪ :‬سألت سعد بن أيب وقاص عن الطرية؟ فقال‪:‬‬
‫مسعت رسول اهلل‪ $‬يقول‪" :‬ال عدوى وال طيرة‪ ،‬وال هام؛ فإن تك الطيرة‬
‫في شيء؛ ففي الفرس والدار"‪.)2(.‬‬
‫ويف رواية‪":‬ال عدوى‪ ،‬وال طيرة‪ ،‬وال هام‪ ،‬إن تكن الطيرة في ٍ‬
‫شيء؛ ففي‬
‫الفرس‪ ،‬والمرأة والدار‪ ،‬وإذا سمعتم بالطاعون ٍ‬
‫بأرض فال تهبطوا‪ ،‬وإذا‬
‫( ‪)2‬‬
‫كان ٍ‬
‫بأرض وأنتم بها فال تفروا منه"‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة >‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول اهلل‪" $‬يعجبه الفأل‪ ،‬ويكره الطيرة"‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬

‫ويف رواية عنه> ق ال‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪" :$‬أص دق الط يرة الف أل‪ ،‬والعين‬
‫حق"‪.)4(.‬‬
‫وعن عقبة بن ع امر اجلهين ق ال‪ :‬س ئل رس ول اهلل‪ $‬عن الط رية؟ ق ال‬
‫‪":‬أصدقها الفأل‪ ،‬وال تر ّد مسلماً" ‪.)5( .‬‬

‫‪ )(2‬السلس لة الص حيحة رقم (‪ ،)789‬والظالل (‪266‬و‪ ،)267‬وص حيح م وارد الظم آن رقم (‬
‫‪.)1196‬‬
‫‪ )(2‬السلسلة الصحيحة برقم (‪ ،)789‬وانظر صحيح اجلامع رقم (‪. )630-629‬‬
‫‪ )(3‬الكلم الطيب برقم (‪ ،)248‬صحيح موارد الظمآن برقم (‪.)1197‬‬
‫‪ )(4‬السلسلة الصحيحة (‪)2576‬و (‪. )6/1088‬‬
‫‪ )(5‬السلسلة الصحيحة (‪. )6/155‬‬
‫وعن أيب هريرة> قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" : $‬ال شيء في الهام‪ ،‬والعين حق‬
‫‪،‬وأصدق الطير الفأل" ‪.)1( .‬‬
‫وعن بريدة‪ ،‬قال ‪:‬كان رسول اهلل ‪" :$‬ال يتطير من شيء ‪ ،‬غير أنه إذا أراد‬
‫أن يأتي أرضاً ؛ سأل عن اسمها‪ ،‬فإن كان حسناً؛ ُرئي البشر من وجهه‪،‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫وإن كان قبيحاً ؛ ُرئي ذلك من وجهه"‪.‬‬
‫عن ابن عب اس ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ‪" :$‬ليس منّا من س حر ‪،‬أو ُس حر له‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪،‬تكهن ‪ ،‬أو تُ ُكهن له أو تطير ‪ ،‬أو تُطير له "‪.‬‬
‫قال حافظ احلكمي‪ :‬واجلمع بني نفي العدوى وبني النهي عن إيراد املمرض‬
‫على املصح واألمر بالفرار من اجملذوم وما يف معناها من ثالثة أوجه كلها نفي‬
‫العدوى فيها على إطالقه‪.‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أنه صلى اهلل عليه وسلم أمر بالفرار من اجملذوم لئال يتفق‬
‫للمخالط شيء من ذلك ابتداء ال بالعدوى املنفية فيظن أنه بسبب املخالطة‬
‫فيعتقد ثبوت العدوى اليت نفاها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيقع يف‬
‫احلرج‪ ،‬فأمر صلى اهلل عليه وسلم بتجنب ذلك شفقة منه على أمته ورمحة‬
‫هبم وحسما للمادة وسدا للذريعة ال إثباتا للعدوى كما يظن بعض اجلهلة من‬
‫األطباء‪ ،‬والدليل على ذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم لألعرايب الذي استشهد‬
‫‪ )(1‬أخرجه البخاري يف األدب املفرد (‪ ، )914‬الصحيحة رقم (‪. )2949‬‬
‫‪ )(2‬الصحيحة برقم(‪ ،)762‬صحيح موارد الظمآن رقم (‪.)1198‬‬
‫‪ )(3‬الصحيحة برقم (‪. )2650‬‬
‫لصحة العدوى بكون البعري األجرب يدخل يف اإلبل الصحاح فتجرب فقال‬
‫له صلى اهلل عليه وسلم فمن أعدى األول يعين أن اهلل تعاىل ابتدأ املرض يف‬
‫الباقي كما ابتدأه يف األول ال أن ذلك من سريان املرض بطبيعته من جسد‬
‫إىل آخر‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬أن هنيه صلى اهلل عليه وسلم عن املخالطة ألهنا من األسباب اليت‬
‫أجرى اهلل تعاىل العادة بأهنا تفضي إىل مسبباهتا ال استقالال بطبعها ولكن اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل هو الذي خلق األسباب ومسبباهتا فإن شاء تعاىل أبقى السبب‬
‫وأثر يف مسببه بقضاء اهلل تعاىل وقدره وإن شاء سلب قواها فال تؤثر شيئاً‪،‬‬
‫ومن قوي إميانه وكمل توكله وثقته باهلل وشاهد مصري األمور كلها إىل رب‬
‫األرباب ومسبب األسباب كما أن مصدرها من عنده عز وجل فنفسه أبيه‬
‫ومهته علية وقلبه ممتلئ بنور التوحيد فهو واثق خبالق السبب ليس لقلبه إىل‬
‫األسباب أدىن التفات سواء عليه فعلها أو مل يفعلها‪ ،‬والدليل على ذلك ما‬
‫روى أبو داود رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬حدثنا عثمان بن أيب شيبة‪ ،‬حدثنا يونس بن‬
‫حممد‪ ،‬حدثنا مفضل بن فضالة عن حبيب بن الشهيد‪ ،‬عن حممد بن املنكدر‪،‬‬
‫عن جابر رضي اهلل عنه‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أخذ بيد جمذوم‬
‫فوضعها معه يف القصعة‪ ،‬وقال‪" :‬كل ثقة باهلل‪ ،‬وتوكل عليه"‪ ،‬ففي أمره‬
‫صلى اهلل عليه وسلم مبجانبة اجملذوم إثبات لألسباب اليت خلقها اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬ويف أكله صلى اهلل عليه وسلم معه تعليم لنا بأن اهلل هو مالكها فال‬
‫تؤثر إال بإذنه وال يصيب العبد إال ما كتب اهلل له‪.‬‬
‫الوجه الثالث أن النفوس تستقذر ذلك وتنقبض عند رؤيته وتشمئز من‬
‫خمالطته وتكرهه جدا ال سيما مع مالمسته وشم رائحته فيحصل بذلك تأثري‬
‫بإذن اهلل يف سقمها قضاء من اهلل وقدرا ال بانتقال الداء بطبيعته كما يعتقده‬
‫( ‪)1‬‬
‫أهل اجلاهلية‪.‬اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫باب‬
‫ما جاء في رقية الحية‬
‫عن أيب الزبري‪ ،‬أنه مسع جابر بن عبد اهلل> يقول‪" :‬أرخص النبي ‪ $‬في رقية‬
‫الحية لبني عمرو" ‪.‬‬
‫قال أبو الزبري ‪ :‬ومسعت جابر بن عبد اهلل يقول‪" :‬لدغت رجال منا عقرب‬
‫ونحن جلوس مع رسول اهلل ‪ ، $‬فقال رجل يا رسول اهلل أرقي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫"من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"‪.‬‬
‫‪ )(1‬معارج القبول (‪.)986-3/985‬‬
‫‪ )(2‬رواه مسلم برقم (‪. )2199‬‬
‫قال اإلمام مسلم‪ :‬وحدثين سعيد بن حيىي األموي حدثنا أيب حدثنا ابن جريج‬
‫هبذا اإلسناد مثله‪ ،‬غري أنه قال‪ :‬فقال رجل من القوم أرقيه يا رسول اهلل ومل‬
‫(‪)1‬‬
‫يقل أرقي‪.‬‬
‫رخص رسول اهلل‪ $‬يف"الرقية من الحية والعقرب"‪.‬‬
‫وعن عائشة قالت‪ّ :‬‬
‫وعن طلق بن علي>‪ ،‬قال‪ :‬لدغتين عقرب عند النيب‪" ،$‬فرقاني ومسحها"‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬

‫وعن علي> قال ‪ :‬لدغت النيب ‪ $‬عقرب وهو يصلي‪ ،‬فلما فرغ‪ ،‬قال‪" :‬لعن‬
‫وملح ‪ ،‬وجعل يمسح‬
‫بماء ٍ‬‫اهلل العقرب؛ ال تدع مصلياً وال غيره‪ .‬ثم دعا ٍ‬
‫عليها ويقرأ بـ ‪‬قل يا أيها الكافرون‪ ،‬و‪‬قل أعوذ برب الفلق‪ ،‬و ‪‬قل‬
‫(‪)3‬‬
‫أعوذ برب الناس‪. ‬‬
‫قال ابن عبدالرب‪ :‬قال ابن وهب‪ ،‬وأخربين ابن مسعان‪ ،‬قال‪ :‬مسعت رجاال من‬
‫أهل العلم يقولون إذا لدغ اإلنسان فنهشته حية أو لسعته عقرب‪ ،‬فليقرأ‬
‫ب‬‫امللدوغ هبذه اآلية‪+ :‬بُو ِر َك َمن يِف النَّا ِر َو َم ْن َح ْوهَلَا َو ُسْب َحا َن اللَّ ِه َر ِّ‬
‫ني"‪ ،)4(.‬فإنه يعاىف بإذن اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الْ َعالَم َ‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم برقم (‪. )2199‬‬


‫‪" )(2‬صحيح أيب داود" (‪" ، )176‬صحيح موارد الظمآن"(‪.)1191‬‬
‫‪ )(3‬السلسلة الصحيحة رقم (‪. )548‬‬
‫‪ )(4‬سورة النمل آية (‪. )8‬‬
‫خالفا بني أهل العلم يف جواز االسرتقاء من العني واحلمة‪ ،‬وقد‬
‫وقال‪ :‬ال أعلم ً‬
‫ثبت ذلك عن النيب ‪ ،$‬واآلثار يف الرقي أكثر من أن حتصى‪ ،‬وقال مجاعة من‬
‫أهل العلم‪ :‬الرقى جائز من كل وجع‪ ،‬ومن كل أمل ومن العني وغري العني‪،‬‬
‫وحجتهم حديث عثمان بن أيب العاصي‪ ،‬ومثله عن النيب ‪ $‬يف جواز الرقى‬
‫من الوجع‪ ،‬وقد ذكرنا حديث عثمان بن أيب العاصي يف باب يزيد بن‬
‫خصيفة من هذا الكتاب‪ ،‬وحديث ابن شهاب عن عروة‪ ،‬عن عائشة <‪" :‬أن‬
‫رسول اهلل ‪ $‬كان إذا اشتكى قرأ على نفسه باملعوذات ونفث" وروى‬
‫(‪)1‬‬
‫إبراهيم عن األسود مثله مبعناه‪.‬‬
‫وعن عبد الرمحن بن األسود‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬سألت عائشة < عن الرقية من‬
‫( ‪)2‬‬
‫احلمة؟ فقالت‪" :‬رخص النبي ‪ $‬في الرقية من كل ذي حمة"‪.‬‬
‫قوله‪( :‬محة)‪ :‬هي إبرة العقرب وحنوه من ذوات السموم‪ ،‬أو السم نفسه‪.‬‬
‫ورقية احلية‪ :‬هي ما تستخرج هبا احلية من جحرها ورقية العني واحلمة هي ما‬
‫( ‪)3‬‬
‫تستخرج به العافية‪.‬‬

‫‪ )(1‬التمهيد (‪.)156-23/155‬‬
‫‪ )(2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ، )5409‬وأخرجه مسلم يف السالم باب استحباب الرقية من العني‬
‫والنملة واحلمة والنظرة رقم (‪.)2193‬‬
‫‪ )(3‬جمموع الفتاوى (‪.)15/314‬‬
‫وعن جابر قال‪" :‬كان يل خال يرقي من العقرب‪ ،‬فنهى رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم عن الرقى‪ ،‬قال‪ :‬فأتاه فقال يا رسول اهلل إنك هنيت عن الرقى‬
‫(‪) 1‬‬
‫وأنا أرقي من العقرب‪ ،‬فقال‪ :‬من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"‪.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬والفرق بني الراقي واملسرتقي‪ :‬أن املسرتقي سائل مسقط‬
‫ملتفت إىل غري اهلل بقلبه والراقي حمسن نافع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والنيب صلى اهلل عليه وسلم ال جيعل ترك اإلحسان املأذون فيه سببا‬
‫للسبق إىل اجلنان‪ ،‬وهذا خبالف ترك اإلسرتقاء فإنه توكل على اهلل ورغبة عن‬
‫سؤال غريه ورضاء مبا قضاه‪ ،‬وهذا شيء وهذا شيء‪ ،‬ويف الصحيحني من‬
‫حديث أيب هريرة ‪ ،‬عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ال عدوى وال طرية‪،‬‬
‫وأحب الفال الصاحل‪ ،‬وحنوه من حديث أنس‪ ،‬وهذا حيتمل أن يكون نفياً‬
‫وأن يكون هنياً‪ ،‬أي ال تطريوا ولكن قوله يف احلديث وال عدوى وال صفر‬
‫وال هامة يدل على أن املراد النفي وإبطال هذه األمور اليت كانت اجلاهلية‬
‫تعانيها‪ ،‬والنفي يف هذا أبلغ من النهى ألن النفي يدل على بطالن ذلك وعدم‬
‫(‪)2‬‬
‫تأثريه‪ ،‬والنهى إمنا يدل على املنع منه‪.‬اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪ )(1‬رواه مسلم برقم (‪. )2199‬‬
‫‪ )(2‬مفتاح دار السعادة (‪.)2/234‬‬
‫باب‬
‫وضع اليد على موضع األلم مع الدعاء‬
‫عن عثمان بن أيب العاص>‪ ،‬أنه شكا إىل رسول اهلل‪ $‬وجعاً جَي ُدهُ يف جسده‬
‫أسلم‪ ،‬فقال رسول اهلل‪" :$‬ضع يَ َد َك على الذي تألم من جسدك وقل‪:‬‬ ‫منذ َ‬
‫بسم اهلل ثالثاً‪ ،‬وقل سبع مرات‪ :‬أعوذ باهلل وقدرتِِه من َش ِّر ما ِ‬
‫أج ُد‬ ‫ْ َ‬
‫(‪) 1‬‬ ‫ِ‬
‫وأحاذ ُر"‪.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬ففي هذا العالج من ذكر اهلل‪ ،‬والتفويض إليه‪،‬‬
‫واإلستعاذة بعزته وقدرته من شر األمل ما يذهب به وتكراره ليكون أجنع‬
‫وأبلغ كتكرار الدواء إلخراج املادة‪ ،‬ويف السبع خاصية ال توجد يف غريها‪،‬‬
‫ويف الصحيحني‪ :‬أن النيب ‪ $‬كان يعوذ بعض أهله ميسح بيده اليمىن‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫"اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشايف ال شفاء إال شفاؤك شفاء‬
‫ال يغادر سقما"‪ ،‬ففي هذه الرقية توسل إىل اهلل بكمال ربوبيته‪ ،‬وكمال‬
‫رمحته بالشفاء‪ ،‬وأنه وحده الشايف‪ ،‬وأنه ال شفاء إال شفاؤه‪ ،‬فتضمنت‬
‫(‪)2‬‬
‫التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته‪.‬اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ )1(1‬رواه مسلم يف كتاب السالم برقم (‪ ،)2202‬ويف كتاب الطب برقم (‪ ، )5701‬وأخرجه‬
‫أمحد يف مسنده (‪ 4/21‬و ‪. )217‬‬
‫‪ )(2‬زاد املعاد (‪. )4/172‬‬
‫باب‪-‬‬

‫ما يقال عند المريض‪ -‬من الدعاء ونحوه‬

‫على العبد أن يرقي نفسه‪ ،‬أو غيره في حال المرض‪ ،‬أو أحد من أهله أو زار‬
‫‪.‬مريضا ً عليه أن يرقيه بما جاء بالكتاب وصحيح السنة‬
‫منها ‪:‬‬
‫عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن النيب ‪ $‬قال ‪" :‬من عاد مريضا لم‬
‫أجلَهُ‪ ،‬فقال عنده سبع مرات‪ :‬أسأل اهلل العظيم رب العرش‬
‫يحضر َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫العظيم أن يشفيك ويعافيك إال عافاه اهلل تعالى" ‪.‬‬
‫النيب صلى اللّه‬ ‫وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال ‪:‬قال ّ‬
‫ف َعْب َد َك َيْنكأ‬‫ود م ِريضاً َف ْلي ُق ِل‪ :‬اللَّه َّم ا ْش ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الر ُج ُل َيعُ ُ َ‬
‫عليه وسلم‪" :‬إذَا جاءَ َّ‬
‫الة "‪.‬مل يضعفه أبو داود قلت‪ :‬يَنكأ بفتح أوله‬ ‫لَك ع ُدواً أو مَيْشي لَك إىل ص ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ّ ْ‬
‫ومهز آخره ومعناه‪ :‬يؤمله ويوجعه‪.‬‬
‫رسول اللّه صلى اللّه‬ ‫ُ‬ ‫فمر يب‬
‫كنت شاكياً َّ‬ ‫علي رضي اللّه عنه قال ‪ُ :‬‬ ‫وعن ّ‬
‫حضر فأرحين وإ ْن كا َن‬ ‫هم إن كان أجلي قد َ‬ ‫عليه وسلم وأنا أقول‪ :‬اللَّ ّ‬
‫متأخراً فارفعين وإن كان بالءً فصرِّب ين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه‬
‫ت؟" فأعاد عليه ما قاله فضربه برجله وقال‪" :‬اللَّ ُه َّم عافِ ِه‬ ‫ف ُق ْل َ‬
‫وسلم ‪َ " :‬كْي َ‬
‫‪ )2(1‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ، )3106‬والرتمذي (‪ ، )2083‬واحلاكم (‪ ، )1/342‬من طريق‬
‫يزيد أبو خالد ‪ ،‬عن املنهال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس وذكره ‪ ،‬وصححه األلباين يف‬
‫صحيح أيب داود برقم (‪ ،)2663‬وصحيح اجلامع برقم (‪ ،)5766‬واملشكاة (‪ ،)1553‬والكلم (‬
‫‪ ،)149‬وصحيح الرتغيب برقم (‪.)4380‬‬
‫بعد‪ .‬قال الرتمذي‪ :‬حديث‬
‫اشتكيت وجعي ُ‬
‫ُ‬ ‫أو ا ْش ِف ِه" شك شعبة قال‪ :‬فما‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫والسالَ ُم بالرقية املشهورة ‪.‬‬ ‫ورقى النيب َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫عن أيب سعيد اخلدري >‪" ،‬أن جبريل أتى النبي ‪ $‬فقال‪ :‬يا محمد‬
‫اشتكيت ؟ فقال‪ :‬نعم ‪ .‬قال‪ :‬بسم اهلل أرقيك من كل شيء يؤذيك‪ ،‬من‬
‫(‪)1‬‬
‫شر كل نفس أو عين حاسد اهلل يشفيك‪ ،‬باسم اهلل أرقيك"‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها‪" :‬أن النبي‪ $‬كان يقول للمريض ‪ :‬بسم اهلل‬
‫تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا "‪.‬‬
‫ولفظ مسلم‪" :‬أن رسول اهلل‪ $‬كان إذا اشتكى اإلنسان الشيء منه‪ ،‬أو‬
‫كانت به قرحةٌ أو جرح "‪ .‬قال النبي‪ $‬بإصبعه هكذا ووضع سفيان‬
‫سبابته على األرض ثم رفعها " بسم اهلل تربة أرضنا بريقة بعضنا ‪ .‬ليُشفى‬
‫(‪)2‬‬
‫سقيمنا‪ .‬بإذن ربنا " ‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬ومعىن احلديث‪ :‬أنه يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة‪ ،‬مث‬
‫يضعها على الرتاب فيعلق هبا منه شيء فيمسح به على املوضع اجلريح أو‬
‫(‪)3‬‬
‫العليل ويقول هذا الكالم يف حال املسح واهلل أعلم أ‪ .‬هـ‬
‫‪ )1(1‬رواه مسلم برقم (‪ ، )2186‬وأمحد برقم (‪ ، )1140‬والرتمذي برقم (‪ ، )972‬وابن ماجة‬
‫برقم (‪.)3523‬‬
‫‪ )1(2‬رواه البخاري برقم (‪ ، )5745‬ومسلم برقم (‪.)2194‬‬
‫‪ )2(3‬شرح مسلم (‪.)14/151‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها‪" ،‬أن النبي‪ $‬كان يرقى ‪،‬وأنه كان يعوذ بعض‬
‫أهله يمسح بيده اليمنى‪ ،‬وأنه كان ينفث بالمعوذات على نفسه وعلى‬
‫غيره‪ ،‬قالت‪ :‬فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسحه ِ‬
‫بيده نفسه‬ ‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لبركتها"‪.‬‬
‫عن بريدة قال‪ :‬سمعت أبي يقول‪" :‬تفل ‪ $‬في رجل عم رو بن مع اذ حين قطعت رجل ه‪،‬‬
‫"فبرأت‬ ‫)‪. (2‬‬
‫قال النووي‪ :‬قال القاضي عياض رمحه اهلل تعاىل‪ :‬وفائدة التفل التربك بتلك‬
‫الرطوبة واهلواء والنفس املباشرة للرقية والذكر احلسن‪ ،‬لكن قال كما يتربك‬
‫بغسالة ما يكتب من الذكر واألمساء احلسىن ‪ ،‬وكان مالك ينفث إذا رقى‬
‫نفسه‪ .‬وكان يكره الرقية باحلديدة وامللح والذي يكتب خامت سليمان‪.‬‬
‫والعقد عنده أشد كراهة ‪ ،‬ملا يف ذلك من مشاهبة السحر ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫ويف احلديث استحباب الرقية بالقرآن ‪ ،‬وباألذكار ‪.‬‬
‫عن عثمان بن أيب العاص > يقول‪ :‬شكوت إىل رسول اهلل ‪ $‬نسيان القرآن‬
‫‪ ،‬فضرب صدري بيده فقال ‪" :‬يا شيطان اخرج من صدر عثمان ! "فعل‬
‫(‪)4‬‬
‫ذلك ثالث مرات" ‪.‬‬

‫‪ )3(1‬أخرجه البخاري (‪ ، )5735‬ومسلم (‪.)2192‬‬


‫‪ )4(2‬الصحيحة (‪. )2904‬‬
‫‪ )1(3‬شرح النووي على صحيح مسلم (‪. )14/403‬‬
‫‪ )2(4‬الصحيحة (‪. )2918‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت ‪ :‬كان رسول اهلل ‪ $‬إذا اشتكى اإلنسان‬
‫أو كانت به قرحة أو جرح ‪ ،‬قال بإصبعه‪:‬هكذا ووضع سفيان سبابته‬
‫باألرض ‪ ،‬ثم رفعها ‪ ،‬وقال‪" :‬بسم اهلل‪،‬تربة أرضنا برقية بعضنا ‪ ،‬يشفى‬
‫(‪)1‬‬
‫سقيمنا بإذن ربنا"‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬ومعىن احلديث‪ :‬أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة‪ ،‬مث‬
‫يضعها على الرتاب فيعلق هبا منه شيء فيمسح به على املوضع اجلريح أو‬
‫(‪) 2‬‬
‫العليل ويقول هذا الكالم يف حال املسح واهلل أعلم‪ .‬أ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري‪ ،‬قال ‪:‬قال رسول اهلل‪": $‬إذا دخلتم على المريض‪،‬‬
‫فنفسوا له في األجل‪ ،‬فإن ذلك ال يرد شيئاً‪ ،‬وهو يطيب نفس المريض"‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪" ،‬أن النبي‪ $‬دخل على أعرابي يعوده‪،‬‬
‫طهور إن‬
‫قال وكان النبي‪ $‬إذا دخل على مريض يعوده قال‪" :‬ال بأس‪ٌ ،‬‬
‫طهور؟ كال‪ ،‬بل‬
‫شاء اهلل‪ .‬فقال له‪ :‬ال بأس طهور إن شاء اهلل‪ .‬قال‪ :‬قلت ٌ‬

‫‪ )3(1‬سورة النساء آية (‪ .)1‬أخرجه البخاري (‪ )10/176،177‬يف الطب ‪ ،‬باب رقية النيب‪، $‬‬
‫ومسلم يف السالم برقم (‪ ، )2194‬باب استحباب الرقية من العني والنملة ‪.‬‬
‫‪ )1(2‬شرح مسلم (‪. )14/151‬‬
‫‪ )2(3‬أخرجه ابن ماجة برقم (‪ )1438‬يف اجلنائز ‪ ،‬باب عيادة املريض ‪ ،‬والرتمذي برقم (‪.)2087‬‬
‫ضعيف ابن ماجة رقم (‪ ، )301‬وضعفه األلباين يف ضعيف اجلامع رقم (‪. )488‬‬
‫شيخ كبي ٍر ‪ ،‬تُزيره القبور ‪ .‬فقال النبي ‪$‬‬
‫هي حمى تفور ـ أو تثور ـ على ٍ‬
‫(‪) 1‬‬
‫فنعم إذاً" ‪.‬‬
‫قوله "ال بأس" ‪ :‬أي أن المرض يكفر الخطايا ‪ ،‬فإن حصلت العافية فقد‬
‫حصلت الفائدتان ‪ ،‬وإال حصل ربح التكفير ‪.‬‬
‫وقوله "طهور" قال ابن حجر ‪ :‬هو خرب مبتدأ حمذوف أي هو طهور لك‬
‫(‪) 2‬‬
‫من ذنوبك أي مطهرة ‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري>‪" ،‬أن جبريل أتى النبي ‪ $‬فقال‪ :‬يا محمد‬
‫اشتكيت؟ فقال‪ :‬نعم ‪ .‬قال‪ :‬بسم اهلل أرقيك من كل شيء يؤذيك‪ ،‬من‬
‫(‪) 3‬‬
‫شر كل نفس أو عين حاسد اهلل يشفيك‪ ،‬باسم اهلل أرقيك" ‪.‬‬
‫وعن عبادة بن الصامت‪ ،‬عن رسول اهلل ‪ :$‬أن جربيل رقاه وهو يوعك‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حاسد إذا حسد‪،‬‬ ‫داء يؤذيك‪ ،‬من كل‬‫فقال‪" :‬بسم اهلل أرقيك‪ ،‬من كل ٍ‬
‫(‪)4‬‬
‫وس ٍّم‪ ،‬واهلل يشفيك"‪.‬‬
‫ومن كل عين ُ‬

‫‪ )3(1‬رواه البخاري برقم (‪.)3616‬‬


‫‪ )1(2‬فتح الباري (‪. )10/124‬‬
‫‪ )2(3‬رواه مسلم برقم (‪ ،)2186‬وأمحد برقم (‪ ،)1140‬والرتمذي برقم (‪ ،)972‬وابن ماجة‬
‫برقم (‪.)3523‬‬
‫‪ )3(4‬التعليق على ابن ماجة‪" ،‬صحيح موارد الظمآن" (‪.)1189‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ " $‬إذا جاء‬
‫الرجل يعود مريضاً فليقل‪ :‬اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً‪ ،‬أو يمشي‬
‫ٍ‬
‫جنازة"‪" )1(.‬‬ ‫لك ٍ‬
‫صالة ‪ ،‬ويف رواية ‪ :‬إلى‬
‫ينكأ‪ :‬من النكاية‪ ،‬ومعناه املبالغة يف األذى‪ ،‬وقال بن سيده نكأ العدو نكاية‬
‫(‪) 2‬‬
‫أصاب منه ‪.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬كان ‪ $‬يعود من مرض من أصحابه‪ ،‬وعاد غالما كان‬
‫خيدمه من أهل الكتاب‪ ،‬وعاد عمه وهو مشرك وعرض عليهما اإلسالم‬
‫فأسلم اليهودي ومل يسلم عمه‪.‬‬
‫وكان يدنو من املريض وجيلس عند رأسه ويسأله عن حاله فيقول‪ :‬كيف‬
‫جتدك ؟ وذكر أنه كان يسأل املريض عما يشتهيه فيقول‪ :‬هل تشتهي شيئا؟‬
‫فإن اشتهى شيئا وعلم أنه ال يضره أمر له به وكان ميسح بيده اليمىن على‬
‫املريض ويقول‪ :‬اللهم رب الناس أذهب البأس واشفه أنت الشايف ال شفاء إال‬
‫شفاؤك شفاء ال يغادر سقما‬
‫وكان يقول‪" :‬امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء ال كاشف له إال أنت"‪.‬‬
‫وكان يدعو للمريض ثالثا كما قاله لسعد‪" :‬اللهم اشف سعداً اللهم اشف‬
‫(‪) 3‬‬
‫سعدا"‪.‬‬
‫سعدا اللهم اشف ً‬
‫ً‬

‫‪ )4(1‬الصحيحة" ( ‪. )1304‬‬
‫‪ )5(2‬فتح (‪. )9/607‬‬
‫‪ )1(3‬زاد املعاد (‪.)1/475‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري>‪ ،‬أن رجالً من أصحاب النبي‪ $‬رقى لديغاً بفاتحة‬
‫الكتاب فجعل يتفل عليه ويقرأ " الحمد هلل رب العالمين " فكأنما نشط‬
‫(‪)1‬‬
‫من عقال فانطلق يمشي وما به َقلَبة‪ ...‬احلديث ‪.‬‬
‫ويف حديث سعد بن أيب وقاص ‪ ،‬عندما عاده رسول اهلل ‪ $‬يف مرضه ‪،‬‬
‫وفيه ‪" :‬ثم وضع يده على جبهته‪ ،‬ثم مسح يده على وجهي وبطني‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬اللهم اشف سعدا‪ ...‬الحديث"‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫وعند مسلم‪" :‬اللهم اشف سعداً ‪ ،‬اللهم اشف سعداً ثالث مرات"‪.‬‬
‫قال ابن اجلوزي ‪ :‬ويف قوله "اللهم اشف سعدا" دليل على استحباب الدعاء‬
‫(‪) 3‬‬
‫للمريض بالعافية" ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪" ،‬أن النبي‪ $‬دخل على أعرابي يعوده‪،‬‬
‫طهور‬
‫قال وكان النبي‪ $‬إذا دخل على مريض يعوده قال ‪" :‬ال بأس‪ٌ ،‬‬
‫طهور ؟‬
‫إن شاء اهلل ‪ .‬فقال له ‪ :‬ال بأس طهور إن شاء اهلل ‪ .‬قال‪ :‬قلت ٌ‬
‫شيخ كبي ٍر‪ ،‬تُزيره القبور ‪.‬‬
‫كال‪ ،‬بل هي حمى تفور – أو تثور – على ٍ‬
‫(‪) 4‬‬
‫فقال النبي‪ $‬فنعم إذاً" ‪.‬‬

‫‪ )2(1‬أخرجه البخاري يف كتاب اإلجارة برقم (‪ ،)2276‬ويف كتاب الطب برقم (‪،)5749‬‬
‫ومسلم يف كتاب السالم برقم (‪.)5697‬‬
‫‪ )1(2‬رواه البخاري برقم (‪ ، )5659‬ومسلم برقم (‪.)1628‬‬
‫‪ )2(3‬كشف املشكل من حديث الصحيحني (‪ )1/233‬رقم (‪. )164‬‬
‫‪ )3(4‬رواه البخاري برقم (‪.)3616‬‬
‫قوله "ال ب أس" أي ‪ :‬أن املرض يكفر اخلطاي ا‪ ،‬ف إن حص لت العافية فقد‬
‫حصلت الفائدتان‪ ،‬وإال حصل ربح التكفري‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬طهور" قال ابن حجر‪ :‬هو خرب مبتدأ حمذوف أي هو طهور لك من‬
‫(‪) 1‬‬
‫ذنوبك أي مطهرة‪.‬‬
‫وكما كان يقرأ سوريت املعوذتني قبل املنام وميسح هبما جسده‪.‬‬
‫أن الرقية مشروعة أو جائزة‪ ،‬وعلى أن النيب‬‫فدلت هذه األحاديث على َّ‬
‫والسالَ ُم أورثنا أدعية معروفة وصورا نقرؤها أرشد عليها الناس‬ ‫َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫والسالَ ُم‪ .‬فهذه هي الرقية املشروعة‪.‬‬ ‫َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫قال ابن قدامة‪ :‬يستحب عيادة املريض‪ ،‬قال الرباء‪" :‬أمرنا رسول اهلل ‪$‬‬
‫باتباع اجلنائز وعيادة املريض"‪ .‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وعن علي > أن النيب‬
‫‪ $‬قال‪" :‬ما من رجل يعود مريضا ممسيا إال خرج معه سبعون ألف ملك‬
‫يستغفرون له حىت يصبح وكان له خريف يف اجلنة ومن أتاه مصبحا خرج‬
‫معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حىت ميسي وكان له خريف يف اجلنة"‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن غريب وإذا دخل على مريض دعا له‬
‫ورقاه‪ ،‬قال ثابت ألنس‪ :‬يا أبا محزة اشتكيت قال أنس‪ :‬أفال أرقيك برقية‬
‫رسول اهلل ‪$‬؟ قال‪ :‬بلى قال‪" :‬اللهم رب الناس مذهب إلباس اشف أنت‬
‫الشايف شفاه ال يغادر سقما"‪.‬‬

‫‪ )4(1‬فتح الباري (‪. )10/124‬‬


‫وروى أبو سعيد قال‪" :‬أتى جربيل النيب ‪ $‬فقال‪ :‬يا حممد اشتكيت؟ قال‪:‬‬
‫نعم قال‪" :‬بسم اهلل أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس وعني‬
‫حاسدة اهلل يشفيك"‪ .‬وقال أبو زرعة‪ :‬كال هذين احلديثني صحيح وروي أن‬
‫النيب ‪ $‬قال‪" :‬إذا دخلتم على املريض فنفسوا له يف األجل فإنه ال يرد من‬
‫قضاء اهلل شيئا وإنه يطيب نفس املريض"‪ .‬رواه ابن ماجة ويرغبه يف التوبة‬
‫والوصية ملا روى ابن عمر عن النيب ‪ $‬أنه قال‪" :‬ما حق امرئ مسلم يبيت‬
‫(‪) 1‬‬
‫ليلتني وله شيء يوصي فيه إال ووصيته مكتوبة عنده"‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫ويستحب أن يلي املريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لربه تعاىل‬
‫ليذكره اهلل تعاىل والتوبة من املعاصي واخلروج من املظامل والوصية وإذا رآه‬
‫منـزوال به تعهد بل حلقه بتقطري ماء أو شراب فيه ويندي شفتيه بقطنة‬
‫ويستقبل به القبلة لقول رسول اهلل ‪" :$‬خري اجملالس ما استقبل به القبلة"‪،‬‬

‫‪ )1(1‬رواه البخاري برقم (‪ ، )2587‬باب الوصايا‪ ،‬ومسلم يف كتاب الوصية برقم (‪.)1627‬‬
‫قال النووي‪ :‬وقد أمجع املسلمون على األمر هبا لكن مذهبنا ومذهب اجلماهري أهنا مندوبة ال واجبة‬
‫وقال داود وغريه من أهل الظاهر هي واجبة هلذا احلديث وال داللة هلم فيه فليس فيه تصريح باجياهبا‬
‫لكن إن كان على اإلنسان دين أوحق أو عنده وديعة وحنوها لزمه االيصاء بذلك قال الشافعي‬
‫رمحه اهلل معىن احلديث ما احلزم واالحتياط للمسلم إال أن تكون وصيته مكتوبة عنده ويستحب‬
‫تعجيلها وأن يكتبها يف صحته ويشهد عليه فيها ويكتب فيها ما حيتاج إليه فإن جتدد له أمر حيتاج‬
‫إىل الوصية به احلقه هبا قالوا وال يكلف أن يكتب كل يوم حمقرات املعامالت وجزيئات األمور‬
‫املتكررة‪ .‬شرح النووي (‪.)75-11/74‬‬
‫ويلقنه قول ال إله إال اهلل لقول رسول اهلل ‪" :$‬لقنوا موتاكم ال إله إال اهلل"‪.‬‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال احلسن‪" :‬سئل رسول اهلل ‪ $‬أي األعمال أفضل؟ قال‪" :‬أن متوت يوم‬
‫متوت ولسانك رطب من ذكر اهلل"‪ .‬رواه سعيد ويكون ذلك يف لطف‬
‫ومداراة وال يكرر عليه وال يضجره إال أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه لتكون‬
‫ال إله إال اهلل آخر كالمه نص على هذا أمحد وروي عن عبد اهلل بن املبارك‬
‫أنه ملا حضره املوت جعل رجل يلقنه ال إله إال اهلل فأكثر عليه فقال له عبد‬
‫اهلل‪ :‬إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما مل أتكلم قال الرتمذي‪ :‬إمنا أراد عبد اهلل‬
‫ما روي عن النيب ‪ $‬أنه قال‪" :‬من كان آخر كالمه ال إله إال اهلل دخل‬
‫اجلنة"‪ .‬رواه أبو داود بإسناده وروى سعيد بإسناده عن معاذ بن جبل ملا‬
‫حضرته الوفاة قال‪ :‬أجلسوين فلما أجلسوه قال‪ :‬كلمة مسعتها من رسول اهلل‬
‫‪ $‬كنت أخبؤها ولوال ما حضرين من املوت ما أخربتكم هبا مسعت رسول‬
‫اهلل ‪ $‬يقول‪" :‬من كان آخر قوله عند املوت ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‬
‫إال هدمت ما كان قبلها من اخلطايا والذنوب فلقنوها موتاكم" فقيل يا‬
‫رسول اهلل فكيف هي لألحياء؟ قال‪( :‬هي أهدم وأهدم)] قال أمحد ويقرؤون‬
‫عند امليت إذا حضر ليخفف عنه بالقراءة يقرأ {يس} وأمر بقراءة فاحتة‬
‫الكتاب وروى سعيد ثنا فرج بن فضالة عن أسد بن وداعة ملا حضر غضيف‬
‫بن حارث املوت حضره إخوانه فقال‪ :‬هل فيكم من يقرأ سورة يس قال‬
‫رجل من القوم‪ :‬نعم قال‪ :‬اقرأ ورتل وانصتوا فقرأ ورتل وأمسع القوم فلما بلغ‬
‫{فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} خرجت نفسه قال‬
‫أسد بن وداعة ‪ :‬فمن حضره منكم املوت فشدد عليه املوت فليقرأ عنده‬
‫(‪)1‬‬
‫سورة يس فإنه خيفف عنه املوت‪.‬‬
‫لئن كان املوت أعظم املصائب فإن الغفلة عنه أعظم من أجل هذا سنت‬
‫كثرة ذكره‪.‬‬
‫روى أبو هريرة > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬أكثروا ذكر هاذم اللذات"‪.‬‬
‫يعين املوت ‪ .‬كما جيب االستعداد له بالتوبة حلديث الرباء بن عازب > قال‪:‬‬
‫كنا مع رسول اهلل ‪ $‬يف جنازة فجلس على شفري القرب فبكى حىت بل الثرى‬
‫مث قال‪ :‬يا إخواين ملثل هذا فأعدوا وعن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪" :‬أخذ‬
‫رسول اهلل ‪ $‬مبنكيب فقال‪" :‬كن يف الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"‪.‬‬
‫ومن السنة عيادة املريض السليم حىت األرمد حلديث زيد بن أرقم > قال‪:‬‬
‫"عادين رسول اهلل ‪ $‬من وجع كان بعيين"‪ .‬وحديث أيب هريرة > قال‪:‬‬
‫مسعت رسول اهلل ‪ $‬يقول‪" :‬حق املسلم على املسلم مخس‪ :‬رد السالم وعيادة‬
‫املريض وإتباع اجلنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس"‪.‬‬
‫كما تسن عيادة اجلار املريض ولو كان كافرا‪.‬‬

‫‪ )1(1‬املغين (‪.)2/303‬‬
‫ويسن ختفيف الزيارة ويدعو له بالعافية إن طمع يف حياته‪ .‬ومن األدعية‬
‫املأثورة ما روت عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪" :‬كان النيب ‪ $‬يعوذ‬
‫بعضهم ميسحه بيمينه‪" :‬أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشايف ال شفاء‬
‫إال شفاؤك شفاء ال يغادر سقما"‪.‬‬
‫فإن رأى حياته غري مرجوة رغبه بتوبة ووصية ويستحب ألهل املريض ومن‬
‫خيدمه الرفق به واحتماله والصرب على ما يشق من أمره وكذلك من قرب‬
‫موته بسبب حد أو قصاص ويستحب لألجنيب أن يوصيهم بذلك حلديث‬
‫عمران بن حصني >‪" :‬أن امرأة من جهينة أتت النيب ‪ $‬فقالت إهنا زنت‬
‫وهي حبلى فدعا نيب اهلل ‪ $‬وليا هلا فقال له رسول اهلل ‪" :$‬أحسن إليها فإذا‬
‫وضعت فجئ هبا ‪." . . .‬‬
‫ويستحب طلب املوت يف بلد شريف‪ ،‬ملا روي عن زيد بن أسلم عن أبيه‬
‫عن عمر > قال‪" :‬اللهم ارزقين شهادة يف سبيلك واجعل مويت يف بلد‬
‫رسولك"‪.‬‬
‫ويستحب أال يكره املريض على الدواء وغريه من الطعام‬
‫ويستحب طلب الدعاء من املريض حلديث عمر > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:$‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫"إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك فإن دعاءه كدعاء املالئكة"‪.‬‬

‫‪ )1(1‬قال األلباين‪ :‬ضعيف جدا‪ ،‬ضعيف اجلامع رقم (‪ ،)487‬وضعيف الرتغيب برقم (‪،)2029‬‬
‫والسلسلة الضعيفة برقم (‪ ،)1004‬وضعيف ابن ماجة برقم (‪ ،)306‬واملشكاة برقم (‪.)1588‬‬
‫ويستحب وعظ املريض بعد عافيته وتذكريه الوفاء مبا عاهد اهلل تعاىل من‬
‫التوبة وغريها من ضروب اخلري ‪ .‬وينبغي له هو احملافظة على ذلك قال تعاىل‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤوال‪.‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫التحصين بقراءة آية الكرسي‬
‫عن أيب هريرة > أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كف كأنه قد‬
‫أخذ منه فذكر ذلك للنبي‪ $‬فقال‪:‬تريد أن تأخذه؟ قل‪ :‬من سخرك‬
‫يدي فأخذته ألذهب‬
‫لمحمد ‪ $‬قال أبو هريرة‪ :‬فقلت فإذا جني قائم بين ّ‬
‫به إلى النبي ‪ $‬فقال‪ :‬إنما أخذته ألهل بيت فقراء من الجن ولن أعود‬
‫قال‪ :‬فعاد فذكرت ذلك للنبي ‪ $‬فقال‪ :‬تريد أن تأخذه؟ فقلت‪ :‬نعم‬
‫فقال‪ :‬قل سبحان من سخرك لمحمد ‪ $‬فقلت فإذا أنا به فأردت أن‬
‫أذهب به إلى النبي ‪ $‬فعاهدني أن ال يعود فتركته ثم عاد فذكرت ذلك‬
‫للنبي ‪ $‬فقال‪ :‬تريد أن تأخذه فقلت‪ :‬نعم فقال‪ :‬قل سبحان من سخرك‬
‫لمحمد ‪ $‬فقلت فإذا أنا به فقلت‪ :‬عاهدتني فكذبت وعدت ألذهبن بك‬
‫إلى النبي ‪ $‬فقال‪ :‬خل عني أعلمك كلمات إذا قلتهن لم يقربك ذكر‬

‫‪ )2(2‬فقه العبادات شافعي (‪.)1/477‬‬


‫وال أنثى من الجن قلت‪ :‬وما هؤالء الكلمات؟! قال‪ :‬آية الكرسي إقرأها‬
‫عند كل صباح ومساء قال أبو هريرة‪ :‬فخليت عنه فذكرت ذلك للنبي‬
‫‪ $‬فقال لي‪" :‬أو ما علمت أنه كذلك"‪.‬‬
‫وفي رواية فإنه لن يزال عليك من اهلل حافظا حتى تصبح‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫"صدقك وهو كذوب‪ ،‬ذاك الشيطان"‪.‬‬
‫وعن أُيب بن كعب > قال‪ :‬قال رسول الله ‪" :$‬يا أبا المنذر! آية من‬
‫كتاب اهلل معك أعظم؟" قال‪ :‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪" :‬يا أبا‬
‫المنذر! أتدري أي آية من كتاب اهلل معك أعظم؟" قال‪ :‬اهلل ال إله إال هو‬
‫الحي القيوم‪ .‬قال فضرب في صدري‪ ،‬وقال‪" :‬واهلل ليهنك العلم أبا‬
‫(‪) 2‬‬
‫المنذر"‪.‬‬
‫قال النووي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬إمنا متيزت آية الكرسي بكوهنا أعظم ملا‬
‫مجعت من أصول األمساء والصفات من اإلهلية والوحدانية واحلياة والعلم‬

‫‪ )(1‬رواه الرتمذي عن أيب أيوب األنصاري وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪ ،‬وصححه األلباين يف‬
‫صحيح الرتغيب برقم (‪.)1469‬‬
‫‪ )(2‬أخرجه مسلم يف كتاب صالة املسافرين برقم (‪ ،)1882‬وابو داود يف كتاب الصالة برقم (‬
‫‪.)1460‬‬
‫وامللك والقدرة واإلرادة وهذه السبعة أصول األمساء والصفات واهلل اعلم‪.‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫قراءة آخر آيتين من سورة البقرة كل ليلة‬
‫أوصى رسول اهلل ‪ $‬بقراءة آخر آيتني من سورة كل ليلة وحث عليها‪ ،‬ومن‬
‫قرأ هبما يف ليلة تكفيه من كل شيء بإذن اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫فعن أيب مسعود البدري > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬من قرأ اآليتين من‬
‫(‪) 2‬‬
‫آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه"‪.‬‬
‫وعن النعمان بن بشري عن النيب ‪ $‬قال‪" :‬إن اهلل تعالى كتب كتابا قبل أن‬
‫يخلق السموات واألرض بألفي عام وهو عند العرش وإنه أنزل منه آيتين‬
‫ختم بهما سورة البقرة وال يقرآن في دار ثالث ليال فيقربها‬
‫الشيطان"(‪‌ )3‬‬
‫كفتاه ‪ :‬قيل معناه‪ :‬كفتاه من قيام الليل‪ ،‬وقيل كفتاه من الشيطان‪ ،‬وقيل من‬
‫اآلفات‪ ،‬وحيتمل من اجلميع ‪.‬‬

‫‪ )(1‬شرح مسلم (‪. )334-6/333‬‬


‫‪ )2(2‬أخرجه البخاري برقم (‪ ،)3921‬يف فضائل القرآن ‪ ،‬باب فضل سورة البقرة ‪ ،‬ومسلم يف‬
‫املسافرين برقم (‪ ، )808‬باب فضل الفاحتة وخواتيم سورة البقرة‪.‬‬
‫‪ )3(3‬رواه الرتمذي والنسائي واحلاكم‪ ،‬صحيح اجلامع رقم (‪. )1799‬‬
‫أَي أَ ْغنَتاه عن قـيام اللـيل‪ ،‬وقـيل‪ :‬إِهنما أَقل ما جُي زىء من القراءة فـي قـيام‬
‫(‪)1‬‬
‫الشر وتَِقـيان من الـمكروه‪.‬‬ ‫ْف ِ‬
‫ـيان َّ‬ ‫اللـيل‪ ،‬وقـيل‪ :‬تَك ِ‬
‫قال ابن حجر‪ :‬وكأهنما اختصتا بذلك ملا تضمنتاه من الثناء على الصحابة‬
‫جبميل انقيادهم إىل اهلل وابتهاهلم ورجوعهم إليه وما حصل هلم من اإلجابة‬
‫(‪)2‬‬
‫إىل مطلوهبم‪.‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫ما جاء في المعوذتين وفضلهما‬
‫علي آيات لم‬
‫عن عقبة بن عامر > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" : $‬أنزلت َّ‬
‫ير مثلهن قط المعوذتين" ‪)3( .‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل ‪ :‬ويف املعوذتني االستعاذة من كل مكروه‬
‫مجلة وتفص يالً ف إن االس تعاذة من شر ما خلق تعم لك شر يس تعاذ منه س واء‬
‫كان يف األجسام أو األرواح‪.‬‬
‫وقال رمحه اهلل تعاىل ‪ :‬فقد مجعت السورتان االستعاذة من كل شر وهلما‬
‫شأن عظيم يف االحرتاس والتحصن من الشرور قبل وقوعها وهلذا أوصى‬

‫‪ )1(1‬لسان العرب ‪.‬‬


‫‪ )2(2‬فتح الباري ‪.‬‬
‫‪ ) )3‬أخرجه مسلم يف كتاب صالة املسافرين ‪ ،‬برقم (‪ ، )1889‬وأمحد يف مسنده (‪ 3/150‬و‬
‫‪ ، )153‬والدارمي يف سننه‪ ،‬والرتمذي يف أبواب فضائل القرآن‪.‬‬
‫النيب ‪ $‬عقبة بن عامر بقراءهتا عقب كل صالة ‪ ،‬ذكره الرتمذي يف جامعه ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وقال يف هذا سر عظيم يف استدفاع الشرور من الصالة إىل الصالة وقال‪ :‬ما‬
‫(‪) 2‬‬
‫تعوذ املعوذون مبثلهما‪ .‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" :$‬اقرأ يا‬
‫جابر!"‪ ،‬فقلت‪ :‬وما أقرأ بأبي أنت وأمي؟ قال‪ :‬قل أعوذ برب الفلق‪ ‬و‬
‫‪‬قل أعوذ برب الناس‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فقرأتهما فقال‪" :‬أقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما"‪.‬‬
‫وعن عائشة قالت‪ :‬كان رسول اهلل‪ $‬إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه‬
‫‪‬قل هو اهلل أحد‪ ‬والمعوذتين‪ ،‬ثم يمسح بهما وجهه‪ ،‬وما بلغت يده من‬
‫(‪)4‬‬
‫جسده‪.‬‬

‫‪ ) )1‬أخرجه الرتمذي يف أبواب فضائل القرآن برقم (‪.)2912‬‬


‫‪ )2(2‬زاد املعاد (‪. )4/143‬‬
‫‪ )3(3‬رواه النسائي‪ ،‬وابن حبان يف صحيحه‪ ،‬وقال األلباين‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬صحيح الرتغيب رقم (‬
‫‪.)1486‬‬
‫‪ )4(4‬أخرجه البخ اري (‪ )107 /11‬يف ال دعوات ‪ ،‬باب التع وذ والق راءة عند النوم ‪ ،‬ومسلم يف‬
‫السالم برقم (‪ ، )2192‬باب رقية املريض باملعوذات ‪.‬‬
‫قوله نفث‪ :‬النفث نفخ لطيف بال ريق‪ ،‬وفيه استحباب النفث يف الرقية قال‬
‫النووي وقد أمجعوا على جوازه واستحبه اجلمهور من الصحابة والتابعني‬
‫(‪) 1‬‬
‫ومن بعدهم ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫نزول السكينة بقراءة القرآن‬
‫عن الرباء قال‪ :‬كان رجل يقرأ بسورة الكهف وعنده فرس مربوط‬
‫بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنوا وجعل فرسه ينفر منها فلما‬
‫أصبح أتى النبي‪ $‬فذكر ذلك له فقال" "تلك السكينة تنـزلت للقرآن" ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫شطن‪ :‬هو الحبل الطويل المضطرب وشطن تثنية شطنين‪.‬‬


‫وقال النووي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬ويف هذا احلديث جواز رؤية آحاد املالئكة‪،‬‬
‫وفيه فضيلة القراءة‪ ،‬وأهنا سبب نزل الرمحة وحضور املالئكة‪ ،‬وفيه فضيلة‬
‫استماع القرآن ‪.‬‬

‫‪ )1(1‬نيل األوطار (‪.)9/106‬‬


‫‪ )2(2‬أخرجه البخاري يف كتاب فضائل القرآن برقم (‪ ، )5011‬ومسلم يف كتاب صالة املسافرين برقم‬
‫(‪.)1853‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري>‪ ،‬عن النيب‪ $‬قال‪" :‬من قرأ الكهف كما أنزلت‬
‫كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة‪ ،‬ومن قرأ عشر آيات من‬
‫آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه‪ ،‬ومن يتوضأ ثم قال ‪ :‬سبحانك‬
‫اللهم وبحمدك ال إله إال أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم‬
‫(‪) 1‬‬
‫طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة" ‪.‬‬
‫ورواه النسائي وقال يف آخره ‪" :‬ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش‬
‫فلم تكسر إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري>‪ :‬أن النيب‪ $‬قال‪" :‬من قرأ سورة الكهف في يوم‬
‫(‪)2‬‬
‫الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"‪.‬‬
‫نص الش افعي على اس تحباب ق راءة س ورة الكهف ليلة الجمعة وي وم‬
‫الجمعة‪.‬‬

‫‪ )1(1‬أخرجه احلاكم وقال ‪ :‬صحيح على شرط مسلم‪ ،‬وصححه األلباين يف الصحيحة رقم (‪،)582‬‬
‫والرتغيب رقم (‪.)218‬‬
‫‪ )2(2‬أخرجه النسائي واحلاكم وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬وأخرجه أبو سعيد الدارمي يف مسنده‬
‫موقوفاً على أيب سعيد إال أنه قال ‪ :‬من قرأ سورة الكهف ليلة اجلمعة اضاء له من النور ما بينه‬
‫وبني البيت العتيق‪ .‬و صححه العالمة األلباين يف صحيح اجلامع برقم (‪ ، )6346‬واإلرواء برقم (‬
‫‪.)619‬‬
‫وعن ايب الدرداء>‪ :‬أن النيب ‪ $‬قال ‪" :‬من حفظ عشر آيات من أول سورة‬
‫(‪) 3‬‬
‫الكهف عصم من الدجال"‪.‬‬
‫قيل سبب ذلك ما يف أوهلا من العجائب واآليات ‪ ،‬فمن يتدبرها مل يفتنت‬
‫بالدجال وكذا يف آخرها قوله تعاىل ‪+ :‬أَفَح ِسب الَّ ِذين َك َفروا أَ ْن يت ِ‬
‫َّخ ُذوا‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ادي ِمن ُدونِي أَولِياء إِنَّا أَ ْعتَ ْدنَا جهن ِ ِ‬
‫ِعب ِ‬
‫َّم ل ْل َكاف ِر َ‬
‫ين ُن ُزالً"‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫ََ َ‬ ‫ََْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(‪) 3‬‬ ‫ويف رواية ملسلم ‪" :‬من آخ ِر س ِ‬
‫ورة ال َكهف" ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قال املناوي‪ :‬ملا يف قصة أهل الكهف من العجائب ‪ ،‬فمن علمها مل يستغرب‬
‫أمر الدجال فال يفنت ‪ ،‬أو ألن من تدبر هذه اآليات وتأمل معناها حذره‬
‫فأمن منه ‪ ،‬أو هذه خصوصية أودعت يف السورة ‪ ، ‬ومن مث ورد يف رواية‬
‫كلها ‪ .‬وعليه جيتمع رواية من أول ومن آخر ‪ ،‬ويكون ذكر العشر‬
‫استدراجاً حلفظ الكل والتعريف للعهد أو للجنس ألن الدجال من يكثر‬
‫الكذب والتمويه ويف خرب يكون يف آخر الزمان دجالون ‪ ،‬وفيه جواز الدعاء‬
‫بالعصمة من نوع معني ‪ ،‬واملمتنع الدعاء مبطلقها الختصاصها بالنيب ‪$‬‬
‫وامللك ‪ .‬‬
‫‪ )3(3‬رواه مسلم يف كتاب صالة املسافرين برقم (‪ ، )1880‬وأبو داود يف كتاب املالحم برقم (‬
‫‪ ، )4323‬والرتمذي يف كتاب فضائل القرآن برقم (‪ ، )2886‬وأمحد يف مسنده (‪6/446‬و‬
‫‪ ، )449‬والنسائي يف عمل اليوم والليلة (ص ‪ ، )527‬صحيح اجلامع برقم (‪. )6201‬‬
‫‪ )1(2‬سورة الكهف آية (‪.)102‬‬
‫‪ )2(3‬صحيح مسلم (‪.)1/556‬‬
‫فمن تدبرها مل يفتنت بالدجال ‪ ،‬وجيوز أن يكون التخصيص هبا ملا فيها ‪-‬‬
‫أي العشر اآليات األول ‪ -‬من ذكر التوحيد وخالص أصحاب الكهف من‬
‫(‪) 1‬‬
‫شر الكفرة ‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫باب‬
‫عالج الكرب والهم والغم والحزن‬
‫من أصابه هم أو غم أو نزلت به نازلة أو كربه أمر‪ ،‬فقد أرشدنا النيب ‪ $‬إىل‬
‫عالج هذه األمور ‪.‬‬
‫هم وال حز ٌن فقال ‪:‬‬
‫فعن ابن مسعود‪ ،‬عن النيب‪ $‬قال‪" :‬ما أصاب عبداً ٌ‬
‫ماض في حكمك‪،‬‬ ‫اللهم إني عبدك‪ ،‬ابن عبدك‪ ،‬ابن أمتك ناصيتي بيدك‪ٍ ،‬‬
‫اسم هو لك سميت به نفسك‪ ،‬أو أنزلته‬‫عدل في قضاؤك‪ ،‬أسألك بكل ٍ‬ ‫ٌ‬
‫في كتابك‪ ،‬أو علمته أحداً من خلقك‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب‬
‫عندك‪ :‬أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي‪ ،‬ونور صدري وجالء حزني‪،‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫وذهاب همي‪ ،‬إال أذهب اهلل حزنه وهمه‪ ،‬وأبدله مكانه فرحاً"‪.‬‬

‫‪ )1(1‬فيض القدير ‪.‬‬


‫‪ )2(2‬أخرجه أمحد يف "املسند" (‪1/394‬و‪، )452‬وسنده صحيح ‪ ،‬وصححه ابن حبان (‪)2372‬‬
‫وقد تقدم واحلاكم (‪)1/509‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ ،‬عن النيب ‪" :$‬من كثرت همومه وغمومه فليكثر من‬
‫قول ‪ :‬ال حول وال قوة إال باهلل"‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫وثبت يف "الصحيحني" "أنها كنـز من كنوز الجنة"‪.‬‬
‫وعن ابن عباس‪ ،‬أن رسول اهلل‪ $‬كان يقول عند الكرب‪" :‬الَ إلهَ إالَّ اهللُ‬
‫ب‬‫العظيم‪ ،‬الَ إلهَ إالَّ اهللُ َر ُّ‬
‫ُ‬ ‫الع ِ‬
‫رش‬ ‫ب َ‬ ‫الحليم‪ ،‬الَ إلهَ إالَّ اهللُ َر ُّ‬
‫ُ‬ ‫العظيم‬
‫ُ‬
‫ريم" ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫العرش ال َك ُ‬ ‫ب‬‫ب األرض َر ُّ‬ ‫الس ْبع‪َ ،‬و َر ُّ‬
‫ماوات َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫َّ‬
‫وعن أيب بكرة‪ ،‬أن رسول اهلل‪ $‬قال‪" :‬دعوات المكروب‪ :‬اللهم رحمتك‬
‫أرجو‪ ،‬فال تكلني إلى نفسي طرفة عين‪ ،‬وأصلح لي شأني كله‪ ،‬ال إله إال‬
‫(‪) 3‬‬
‫أنت"‪.‬‬
‫وعن أُيب بن كعب ‪‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا ذهب ربع الليل‬
‫قام فقال‪ :‬يا أيها الناس اذكروا اهلل جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء‬
‫الموت بما فيه " قال أُبي بن كعب‪ :‬فقلت يا رسول اهلل ‪ :‬إني أُكثر‬
‫الصالة فكم أجعل لك من صالتي قال‪" :‬ما شئت" قلت‪ :‬الربع؟‬

‫‪ )1(1‬أخرجه البخاري (‪ )180 /11‬يف الدعوات ‪ :‬باب قول ال حول وال قوة إال باهلل ‪،‬ومسلم (‬
‫‪ )2704‬يف الذكر والدعاء ‪ :‬باب استحباب خفض الصوت بالذكر ‪ ،‬من حديث أيب موسى> ‪.‬‬
‫‪ )2(2‬أخرجه البخاري (‪ )11/122،123‬يف الدعوات ‪:‬باب الدعاء عند الكرب ‪ ،‬ومسلم (‬
‫‪ )2730‬يف الذكر والدعاء ‪:‬باب دعاء الكرب ‪.‬‬
‫‪ )3(3‬أخرجه أبو داود (‪: )5090‬باب ما يقول إذا أصبح‪ ،‬وأمحد (‪ ، )5/42‬والبخاري يف‬
‫"األدب املفرد" (‪، )701‬وسنده حسن ‪ ،‬وصححه ابن حبان (‪. )2370‬‬
‫قال‪" :‬ماشئت وإن زدت فهو خير" قلت‪ :‬النصف قال‪" :‬ما شئت‬
‫وإن زدت فهو خير" قال‪ :‬أجعل لك صالتي كلها قال‪ " :‬إذاً تكفى‬
‫همك ويغفر ذنبك"(‪.)1‬‬
‫املراد بالصالة يف هذا احلديث الدعاء‪.‬‬
‫وعن حممد بن حيىي بن حبان عن أبيه عن جده‪ :‬أن رجالً قال‪ :‬يا رسول‬
‫أجعل ثلث صالتي عليك؟ قال‪ " :‬نعم‪ ،‬إن شئت"‪ ،‬قال‪ :‬الثلثين؟‬
‫اهلل! ُ‬
‫قال‪ " :‬نعم" قال‪ :‬فصالتي كلها؟ قال رسول اهلل ‪" $‬إذاً يكفيك ما همك‬
‫من أمر دنياك وآخرتِك"(‪.)2‬‬
‫وأفضل الصالة هي الصالة اإلبراهيهية وهي ‪ :‬اللهم صل على حممد ‪ ،‬وعلى‬
‫آل حممد كما صليت على إبراهيم ‪ ،‬وعلى آل إبرالهيم ‪ ،‬وبارك على حممد‬
‫وعلى آل حممد‪ ،‬كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم يف العاملني إنك‬
‫محيد جميد‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ )1(1‬رواه أمحد والرتمذي برقم (‪ ، )2505‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬واحلاكم وقال ‪:‬‬
‫صحيح اإلسناد‪ ،‬وقال احلافظ ابن حجر يف الفتح‪ :‬أخرجه أمحد وغريه بسند حسن‪ ،‬فهذا اجليد من‬
‫األحاديث الواردة يف ذلك‪ ،‬السلسلة الصحيحة برقم (‪ ،)952‬واملشكاة برقم‬
‫(‪ ،)5351‬وفضل الصالة برقم (‪. )14‬‬
‫‪ )(2‬حسنه الشيخ األلباين يف صحيح الرتغيب برقم (‪. )1671‬‬
‫باب‬
‫ما جاء في عالج حر المصيبة وحزنها‬
‫ويف "المسند" عنه> أنه قال ‪" :‬ما من ٍ‬
‫أحد تصيبه مصيبةٌ فيقول ‪ :‬إنا هلل‬
‫وإنا إليه راجعون ‪ ،‬اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ‪ ،‬إال‬
‫(‪) 1‬‬
‫أجاره في مصيبته ‪ ،‬وأخلف له خيراً منها"‪.‬‬
‫ويف "جامع الرتمذي" عن أنس‪ ،‬أن رسول اهلل‪ $‬كان يقول إذا َحَزبَهُ أمر‪،‬‬
‫ث" ‪.‬‬‫أستَ ِغ ُ‬
‫ك ْ‬ ‫وم َبر ْح َمتِ َ‬
‫حي يا َقيُّ ُ‬
‫قال‪" :‬يا ُّ‬
‫(‪) 2‬‬

‫اب َع ْبداً‬‫َص َ‬‫ويف مسند اإلمام أمحد عن ابن مسعود‪ ،‬عن النيب‪ $‬قال ‪َ " :‬ما أ َ‬
‫ناصيتي‬ ‫الله َّم إني َع ْب ُد َك‪ ،‬ابن َع ْب ِد َك‪ ،‬ابن أمتك ِ‬‫فقال ‪ُ :‬‬ ‫َه ٌّم والَ ُح ْز ٌن َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اس ٍم ُهو َ‬
‫لك‬ ‫ك ب ُك ِّل ْ‬
‫قضاؤك‪ ،‬أسألُ َ‬
‫َ‬ ‫في‬
‫دل َّ‬ ‫كمك‪َ ،‬ع ٌ‬ ‫في ُح َ‬ ‫ماض َّ‬ ‫بيدك‪ٍ ،‬‬‫َ‬
‫خلقك‪ ،‬أو‬‫َ‬ ‫تابك‪ ،‬أو علمتَهُ أحداً من‬ ‫َنزلتَهُ في كِ َ‬ ‫ك‪ ،‬أ َْو أ َ‬ ‫سَ‬ ‫س َّم َ ِ‬
‫يت به َن ْف َ‬ ‫َ‬
‫ربيع قلبي‪،‬‬ ‫علم ِ ِ‬ ‫رت ِبه في ِ‬
‫تجعل القرآ َن العظيم َ‬ ‫الغيب عن َد َك‪ ،‬أن َ‬ ‫استأثَ َ‬
‫وه َّمهُ‪،‬‬
‫همي‪ ،‬إال أذهب اهللُ ُحزنهُ َ‬
‫وذهاب ِّ‬
‫َ‬ ‫وجالء ُحزني‪،‬‬
‫َ‬ ‫ونور صدري‪،‬‬ ‫َ‬
‫وأبدلهُ مكانهُ َف َرحاً"‪.‬‬

‫‪ )1(1‬أخرجه أمحد (‪ )4/27‬من حديث أم سلمة عن أيب سلمة ‪ ،‬وهو يف‬


‫"صحيح مسلم" (‪ )4( )918‬يف اجلنائز ‪:‬باب ما يقال عند املصيبة ‪ ،‬من‬
‫حديث أم سلمة‪.‬‬
‫‪ )2(2‬أخرجه الرتمذي يف الدعوات برقم (‪.)3535‬‬
‫ومتامه‪ :‬فقال رجل من القوم‪ :‬يا رسول اهلل! إن املغبون ملن غُنِب َ هؤالء‬
‫الكلمات فقال‪" :‬أجل فقولوهن وعلموهن فإنه من قاهلن التماس ما فيهن‬

‫(‪) 1‬‬
‫أذهب اهلل تعاىل حزنه وأطال فرحه"‪.‬‬
‫ويف "الرتمذي" عن سعد بن أيب وقاص‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" : $‬دعوةُ ذي‬
‫بحانك إني‬
‫أنت ُس َ‬ ‫ِ‬
‫الحوت‪ :‬ال إله إال َ‬ ‫النون إذ دعا ربهُ وهو في بط ِن‬
‫كنت من الظالمين‪ ،‬لَم يدع بها رجل مسلم في ٍ‬
‫شيء ُّ‬
‫قط إال استُجيب‬ ‫ٌ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫لهُ" ‪.‬‬
‫ويف ((سنن أيب داود)) عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" : $‬من لزم‬
‫ضٍ‬
‫يق مخرجاً‪ ،‬ورزقهُ‬ ‫كل ِ‬
‫االستغفار‪ ،‬جعل اهللُ لهُ من ُك ِّل َه ٍّم َف َرجاً‪ ،‬ومن ِّ‬
‫(‪) 3‬‬ ‫حيث ال ِ‬
‫يحتسب" ‪.‬‬ ‫من ُ‬

‫‪ )1(1‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ .)2 / 4318‬صحيح الكلم الطيب (ص ‪.)72‬‬


‫‪ )2(2‬أخرجه الرتمذي يف الدعوات برقم (‪ ،)3516‬وأمحد يف املسند (‪ ،)1462/1‬والنسائي يف عمل اليوم‬
‫والليلة برقم (‪ .)661‬صححه األلباين يف صحيح اجلامع برقم (‪ ،)3383‬الكلم (‪ ،)122‬الرتغيب (‪)2/275‬‬
‫و (‪.)3/43‬‬
‫‪ )3(3‬أخرجه أبو داود يف الصالة برقم (‪ ،)1518‬وابن ماجة يف األدب برقم (‪ ،)3819‬وأمحد يف املسند (‬
‫‪ ،)1 / 2234‬والنسائي يف عمل اليوم والليلة برقم (‪ .)456‬وضعفه األلباين يف سنن أيب داود برقم (‬
‫‪.)1518‬‬
‫رت ُهمومهُ وغُمومهُ ‪ ،‬فليكثِ ْر‬
‫ويذكر عن ابن عباس‪ ،‬عن النيب‪َ " :$‬من كثُ ْ‬
‫(‪) 4‬‬ ‫ول والَ قو َة إالَّ ِ‬
‫باهلل" ‪.‬‬ ‫من قول ‪ :‬ال َح َ‬
‫وثبت يف "الصحيحني" أهنا كنـز من كنوز اجلنة ‪.‬‬
‫فعن أيب موسى األشعري > قال‪ :‬أخذ النيب ‪ $‬يف عقبه أو قال يف ٍ‬
‫ثنية قال‪:‬‬
‫رجل نادى فرفع صوته ال إله إال اهلل واهلل أكرب ‪ ،‬قال‪ :‬ورسول‬ ‫فلما عال عليها ٌ‬
‫اهلل ‪ $‬على بغلته قال‪" :‬فإنكم ال تدعون أصم وال غائباً" مث قال‪" :‬يا أبا موسى‬
‫أو يا عبد اهلل‪ ،‬أال أدلك على كلمة من كنـز الجنة ؟" قلت ‪ :‬بلى‪ ،‬قال ‪" :‬ال‬
‫(‪) 2‬‬
‫حول وال قوة إال باهلل" ‪.‬‬
‫أنظر يا أخي هداين اهلل وإياك للحق وإتباع السنة وجنبنا البدع واملنكرات يف‬
‫القول والعمل ‪ ،‬انظر إىل هذا األجر والثواب العظيم‪ ،‬كلمات نقوهلا ٍ‬
‫بقلب‬
‫اله ‪ ،‬ولكن جند ولألسف ممن حيرف وينقص من هذه الكلمات‬ ‫خالص غري ٍ‬
‫ٍ‬
‫ويقول ال حول اهلل يا رب ! وما درى املسكني أن هذه الكلمة اليت يقوهلا تنفي‬
‫فتصبح كفراً قولياً والعياذ باهلل‪ ،‬تعين الحول هلل‪ ،‬وهذا انتقاص‬
‫ُ‬ ‫احلول هلل تعاىل‬
‫نقص ٍ‬
‫وعيب‪ .‬نسأل اهلل أن يهدينا إىل‬ ‫حبق اهلل وبقدرته سبحانه وتعاىل عن كل ٍ‬
‫احلق وإىل الصواب يف القول والعمل‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫باب من أبواب الجنة"‪.‬‬
‫ويف "الرتمذي" ‪" :‬أنها ٌ‬

‫‪ )4(4‬ذكره الذهيب يف الطب النبوي (ص‪.)24‬‬


‫‪ )1(2‬أخرجه البخاري يف الدعوات برقم (‪ ، )6409‬ومسلم يف الذكر والدعاء برقم (‪.)2704‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل‪ :‬هذه األدوية تتضمن مخسة عشر نوعاً‬
‫والغم واحلزن‪ ،‬فهو داء قد‬
‫اهلم ِّ‬ ‫من الدواء‪ ،‬فإن مل تقو على إذهاب ِ‬
‫داء ِّ‬
‫استحكم ‪ ،‬ومتكنت أسبابه‪ ،‬وحيتاج إىل استفراغ كلي‪.‬‬
‫األول‪ :‬توحيد الربوبية‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬توحيد اإلهلية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التوحيد العلمي االعتقادي‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬تنـزيه الرب تعاىل عن أن يظلم عبده‪ ،‬أو يأخذه بال سبب من العبد‬
‫يُوجب ذلك ‪.‬‬
‫اخلامس‪ :‬اعرتاف العبد بأنه هو الظامل ‪.‬‬
‫بأحب األشياء‪ ،‬وهو أمساؤه وصفاته‪ ،‬ومن‬
‫ِّ‬ ‫التوسل إىل الرب تعاىل‬
‫السادس‪ُّ :‬‬
‫احلي القيُّوم‪.‬‬
‫أمجعها ملعاين األمساء والصفات‪ُّ :‬‬
‫السابع‪ :‬االستعانة به وحده‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬إقرار العبد له بالرجاء‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬حتقيق التوكل عليه‪ ،‬والتفويض إليه‪ ،‬واالعرتاف له بأن ناصيته يف‬
‫عدل فيه قضاؤه‪.‬‬
‫حكمه‪ٌ ،‬‬ ‫ماض فيه ُ‬‫يده‪ ،‬يصرفه كيف شاء‪ ،‬وأنه ٍ‬

‫‪ )2(3‬أخرجه الرتمذي يف الدعوات برقم (‪ .)3592‬وصححه األلباين يف سنن أيب داود برقم (‬
‫‪.)3581‬‬
‫العاشر‪ :‬أن يرتع قلبه يف رياض القرآن‪ ،‬وجيعله لقلبه كالربيع للحيوان‪ ،‬وأن‬
‫ِ‬
‫ظلمات الشُّبهات والشهوات‪ ،‬وأن يتسلَّى به عن كل فائت‪،‬‬ ‫يستضيء به يف‬
‫ويتعزى به عن كل مصيبة‪ ،‬ويستشفى به من أدواء صدره‪ ،‬فيكون جالء‬ ‫َّ‬
‫حزنه‪ ،‬وشفاء مهه وغمه‪.‬‬
‫احلادي عشر‪ :‬االستغفار‪.‬‬
‫الثاين عشر‪ :‬التوبة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اجلهاد‪.‬‬
‫الرابع عشر الصالة‪.‬‬
‫اخلامس عش ر‪ :‬ال رباءة من احلول والق وة‪ ،‬وتفويض هما إىل من مها بي ده‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪‬‬
‫باب‬
‫عالج الفزع واألرق‬
‫كان رسول اهلل ‪ $‬يعلم صحابته الكرام الدعاء الذي يدفع عنهم الفزع‬
‫واألرق بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ )1(1‬زاد املعاد ‪.‬‬


‫فعن عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه عن جده‪" ،‬أن رسول اهلل ‪ $‬كان يعلمهم‬
‫من الفزع‪ :‬أعوذ بكلمات اهلل التامة من غضبه‪ ،‬وعقابه‪ ،‬وشر عباده‪ ،‬ومن‬
‫(‪) 1‬‬
‫همزات الشياطين‪ ،‬وأعوذ بك رب أن يحضرون"‪.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬واهلمزات‪ :‬والتحقيق‪ :‬أنه دفع بنخز وغمز يشبه الطعن‬
‫فهو دفع خاص فهمزات الشياطني‪ :‬دفعهم الوساوس واإلغواء إىل القلب‪،‬‬
‫قال ابن عباس واحلسن‪ :‬مهزات الشياطني‪ :‬نزغاهتم ووساوسهم‪ ،‬وفسرت‬
‫مهزاهتم بنفخهم ونفثهم‪ ،‬وهذا قول جماهد وفسرت خبنقهم وهو املوتة اليت‬
‫تشبه اجلنون‪.‬‬
‫وظاهر احلديث أن اهلمز نوع غري النفخ والنفث وقد يقال وهو األظهر إن‬
‫مهزات الشياطني إذا أفردت دخل فيها مجيع إصاباهتم البن آدم وإذا قرنت‬
‫بالنفخ والنفث كانت نوعا خاصا كنظائر مث قال‪ :‬وأعوذ بك رب أن‬
‫حيضرون‪ ،‬قال ابن زيد‪ :‬يف أموري وقال الكليب‪ :‬عند تالوة القرآن وقال‬
‫عكرمة ‪ :‬عند النـزع والسياق فأمره أن يستعيذ من نوعي شر إصابتهم باهلمز‬
‫وقرهبم ودنوهم منه‪.‬‬

‫‪ )2(1‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ ،)6696‬وأبو داود (‪ )3893‬يف الطب ‪:‬باب كيف الرقي ‪،‬‬
‫والرتمذي (‪ ،)3591‬واحلاكم (‪ ،)1/548‬ورجاله ثقات‪ ،‬وله شاهد مرسل عند ابن السين (‬
‫‪ ،)643‬السلسلة الصحيحة رقم (‪ ، )264‬وصحيح اجلامع برقم (‪. )701‬‬
‫فتضمنت االستعاذة‪ :‬أن ال ميسوه وال يقربوه‪ ،‬وذكر ذلك سبحانه عقيب‬
‫السيِّئَةَ حَنْن أ َْعلَم مِب َا ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُفو َن"‪ )1(.‬فأمره أن‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫قوله‪ْ + :‬ادفَ ْع بِالَّيِت ه َي أ ْ‬
‫َح َس ُن َّ‬
‫حيرتز من شر شياطني اإلنس بدفع إساءهتم إليه باليت هي أحسن‪ ،‬وأن يدفع‬
‫(‪) 2‬‬
‫شر شياطني اجلن باالستعاذة منهم‪.‬اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫في عالج األمراض واألوجاع‬
‫عن عبد اهلل بن مسعود>‪ ،‬قال المرأته زينب وقد اشتكت عينها‪ :‬لو فعلت‬
‫كما فعل رسول اهلل‪ $‬كان خرياً لك وأجدر أن تشفي‪ ،‬تنضحني يف عينك‬
‫املاء‪ ،‬مث تقولني‪" :‬أذهب البأس رب الناس‪ ،‬أشف أنت الشافي‪ ،‬ال شفاء‬
‫شفاء ال يغادر سقماً"‪.‬‬
‫إال شفاؤك‪ً ،‬‬
‫(‪) 3‬‬

‫وعن حممد بن حاطب‪ ،‬قال‪ :‬انصبت على يدي مرقمة فأحرقتها‪ ،‬فذهبت يب‬
‫أُمي إىل رسول اهلل ‪ $‬فأتيناه وهو يف الرحبة‪ ،‬فأحفظ أنه قال‪" :‬أذهب‬
‫البأس‪ ،‬رب الناس! ـ وأكثر علمي أنه قال ـ أنت الشافي ال إله إال أنت"‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬سورة المؤمنون آية (‪. )96‬‬


‫‪ )2(2‬إغاثة اللهفان (‪.)96-1/95‬‬
‫‪ )3(3‬أخرجه أبو داود برقم (‪ ، )3883‬وابن ماجة برقم (‪. )3530‬‬
‫‪ )1(4‬التعليقات احلسان (‪ ، )2965‬وصحيح موارد الظمآن (‪.)1186‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬ففي هذه الرقية توسل إىل اهلل بكمال ربوبيته وكمال‬
‫رمحته بالشفاء‪ ،‬وأنه وحده الشافي‪ ،‬وأنه ال شفاء إال شفاؤه‪ ،‬فتضمنت‬
‫(‪) 1‬‬
‫التوسل إليه بتوحيده‪ ،‬وإحسانه‪ ،‬وربوبيته‪.‬‬
‫والسالَ ُم أنه كان يرقي إذا زار مريضاً‪.‬‬ ‫وصح عنه أيضا َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫فعن عائشة رضي اهلل عنها ‪" ،‬أن رسول اهلل ‪ $‬كان إذا أتى مريضاً أو أُتي به‬
‫إليه قال‪" :‬أذهب البأس‪ ،‬رب الناس‪ ،‬اشف وأنت الشافي‪ ،‬ال شفاء إال شفاؤك‬
‫(‪)2‬‬
‫شفاء ال يغادر سقما"‪.‬‬
‫وعند مسلم ‪" :‬كان إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال ‪ :‬اذهب‬
‫البأس رب الناس"‪ ..‬احلديث ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫باب‬
‫المرأة ترقي الرجل‬
‫جيوز للمرأة أن ترقي الرجال إذا كان زوجها أو أحد حمارمها‪،‬‬
‫فعن عائشة < قالت‪" :‬كان يعوذ بهذه الكلمات‪[ :‬اللهم رب الناس]‬
‫أذهب البأس‪ ،‬واشف وأنت الشافي‪ ،‬ال شفاء إال شفاؤك‪ ،‬شفاء ال يغادر‬

‫‪ )2(1‬زاد املعاد (‪.)4/172‬‬


‫‪ )3(2‬رواه البخاري برقم (‪ ، )5675‬ومسلم برقم (‪.)2191‬‬
‫سقما‪ .‬فلما ثقل في مرضه الذي مات فيه أخذت بيده فجعلت أمسحه‬
‫[بها] وأقولها‪ ،‬فنـزع يده من يدي‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم اغفر لي‪ ،‬وألحقني‬
‫(‪) 1‬‬
‫بالرفيق األعلى‪.‬قالت‪ :‬فكان هذا آخر ما سمعت من كالمه ‪. "$‬‬
‫رسول اهلل‪ $‬بدعاء كان‬
‫َ‬ ‫أعوذُ‬
‫ويف رواية عنها رضي اهلل عنها قالت‪ :‬كنت ِّ‬
‫يعوذُه به إذا مرض‪:‬‬
‫جربيل ـ عليه السالم ـ ِّ‬
‫شفاء ال‬
‫"أذهب البأس رب الناس!بيدك الشفاء‪ ،‬ال شافي إال أنت‪،‬اشف ً‬
‫يغادر سقماً"‪ .‬فلما كان يف مرضه الذي تويف فيه؛ جعلت أدعو هبذا الدعاء‪،‬‬
‫فقال ‪" :$‬ارفعي يدك؛ فإنها كانت تنفعني في المدة"‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وهو يف "الصحيح" باختصار‪.‬‬
‫وعن عبد الرمحن بن السائب ابن أخي ميمونة أن ميمونة قالت يل‪ :‬يا ابن‬
‫أخي! أال أرقيك برقية رسول اهلل‪ $‬؟! قلت بلى‪ :‬قالت‪" :‬بسم اهلل أرقيك‪،‬‬
‫داء فيك‪ ،‬أذهب البأس‪ ،‬رب الناس! ِ‬
‫اشف أنت‬ ‫واهلل يشفيك‪ ،‬من كل ٍ‬
‫(‪) 3‬‬
‫الشافي‪ ،‬ال شافي إال أنت"‪.‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫في عالج الحسد والمصاب بالعين‬

‫‪ )1(1‬السلسلة الصحيحة رقم (‪ ،)2775‬وبنحوه يف البخاري ومسلم‪.‬‬


‫‪" )2(2‬الصحيحة" (‪2775‬و‪" ، )3104‬صحيح موارد الظمآن" (‪.)1192‬‬
‫‪ )1(3‬الضعيفة حتت احلديث (‪ ، )3357‬صحيح موارد الظمآن (‪.)1187‬‬
‫عن ابن عباس>‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" :$‬العين ح ٌق ولو كان شيء سابق‬
‫(‪) 1‬‬
‫القدر‪ ،‬لسبقته العين " ‪.‬‬
‫ويف رواية عن عبيد بن رفاعة الزرقي‪ ،‬أن أمساء بنت عميس <‪ ،‬قالت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل! إن بين جعفر تصيبهم العني‪ ،‬أفأسرتقي هلم؟ فقال‪" :‬نعم فلو كان‬
‫(‪)2‬‬
‫شيءٌ يسبق القضاء لسبقته العين" ‪.‬‬
‫ويف رواية عن ابن عب اس>‪ ،‬عن النيب ‪ $‬ق ال‪" :‬العين حق ‪ ،‬ولو ك ان ش يءٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫س ابق الق در س بقته العين‪ ،‬وإذا استغس لتم فاغس لوا"‪.‬‬
‫فيه إثب ات الق در‪ ،‬وإن كل ش يء ك ائن بق در اهلل تع اىل‪ ،‬وهو بي ده النفع‬
‫والض ر‪ .‬وإذا طلب من احلاسد االغتس ال عليه أن يغتس ل‪ ،‬ويصب وض وءه‬
‫على احملسود ‪.‬‬
‫وعن عائشة < قالت‪ :‬قال رسول اهلل ‪" : $‬ما لصبيكم هذا يبكي؟ فهال‬
‫(‪) 4‬‬
‫استرقيتم له من العين"‪.‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫وعن أيب هريرة >‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" :$‬العين ح ٌق" ‪.‬‬

‫‪ )2(1‬أخرجه مسلم يف السالم برقم (‪ ، )2188‬باب الطب واملرض والرقى ‪.‬‬


‫‪ )3(2‬أخرجه الرتمذي برقم (‪ ،)2059‬وأمحد (‪ ،)6/43‬وابن ماجة برقم (‪. )3510‬‬
‫‪ )2(3‬رواه مسلم يف الطب برقم (‪.)5666‬‬
‫‪ )4(4‬الصحيحة (‪ . )1048‬يف رقية النملة ‪.‬‬
‫‪ )5(5‬أخرجه البخاري (‪ )10/173‬يف الطب ‪ ،‬باب العني حق ‪ ،‬ومسلم يف السالم برقم (‬
‫‪ ، )2187‬باب الطب واملرض والرقى ‪.‬‬
‫ؤم ُر العائن فيتوضأ‪ ،‬ثم يغتسل‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪" :‬كان يُ َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫منه المعين" ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ويف رواية عنها قالت‪ :‬أمرين النيب‪ ،$‬أو أمر"أن نسترقي من العين"‪.‬‬
‫وعن أيب أمامة بن سهل بن حنيف‪ ،‬قال‪ :‬رأى عامر بن ربيعة سهل بن‬
‫حنيف يغتسل فقال‪ :‬واهلل ما رأيت كاليوم وال جلد خمبأة! قال‪ :‬فلبط سهل‪،‬‬
‫فأتى رسول اهلل‪ $‬عامراً‪ ،‬فتغيظ عليه وقال‪" :‬عالم يقتل أحدكم أخاه أال‬
‫بركت اغتسل له"‪ ،‬فغسل له عامر وجهه ويديه‪ ،‬ومرفقيه وركبتيه‪ ،‬وأطراف‬
‫(‪)3‬‬
‫رجليه‪ ،‬وداخلة إزاره يف قدح‪ ،‬مث صب عليه‪ ،‬فراح مع الناس‪.‬‬
‫وعن أم سلمة <‪ ،‬أن النيب ‪ $‬رأى يف بيتها جاريةً يف وجهها سعفة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫"استرقوا لها ‪ ،‬فإن بها النظرة"‪.‬‬

‫‪ )1(1‬أخرجه أبو داود (‪ )3880‬يف الطب ‪ ،‬باب ما جاء العني ‪ .‬السلسلة الصحيحة رقم (‬
‫‪. )2522‬‬
‫‪ )2(2‬أخرجه البخاري (‪ )10/169،170‬يف الطب ‪ ،‬باب رقية العني ‪ ،‬ومسلم يف السالم برقم (‬
‫‪ ، )2195‬باب استحباب الرقية من العني والنملة واحلمة والنظرة ‪.‬‬
‫‪ )3(3‬أخرجه مالك يف املوطأ (‪ )2/938‬يف أول كتاب العني ‪ ،‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ )4(4‬أخرجه البخاري (‪ )10/171،172‬يف الطب ‪ ،‬باب رقية العني ‪ ،‬ومسلم يف السالم برقم (‬
‫‪ ، )2197‬باب رقية العني ‪.‬‬
‫والسفعة ـ بفتح السني وجيوز ضمها وسكون الفاء ـ سواد الوجه‪ ،‬ومنه سفعة‬
‫الفرس‪ :‬سواد ناصيته‪ ،‬وعن األصمعي‪ :‬يعلوها سواد‪ ،‬وقيل‪ :‬سواد مع لون‬
‫آخر‪ ،‬وقال ابن قتيبة‪ :‬لون خيالف لون الوجه‪ ،‬وكلها متقاربة ‪.‬‬
‫وقال النيب‪ $‬يف األبرت‪ ،‬وذي الطُفيتني من احليات‪" :‬إنهما يلتمسان البصر‪،‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫ويسقطان الحبل"‪.‬‬
‫وصح عن النيب ‪ $‬أنه كان يتلطف باملريض ‪ ،‬فتارة يضع يده عليه ويقول‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫طهور إن شاء اهلل"‪.‬‬
‫"ال بأس ٌ‬
‫وعن عبد اهلل بن عامر قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪": $‬إذا رأى أحدكم من أخيه‬
‫(‪) 3‬‬
‫ومن نفسه ومن ماله ما يعجبه فليُ ِّبركه؛ فإن العين حق"‪.‬‬
‫وصيغة التربيك هو أن يقول‪" :‬اللهم بارك"‪ .‬وال يقال مربوك ‪.‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫التعوذ بكلمات هللا التامات‬
‫وكذلك من األدعية اليت يكون فيهل رفع البالء بإذن اهلل تعاىل إذا نزل‬
‫والسالَ ُم «من نزل‬ ‫منـزالً أو بعد نزول املرض أو قبله كقوله َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬

‫‪ )1(1‬أخرجه البخاري (‪ )6/248‬يف بدء اخللق‪ ،‬باب قول اهلل تعاىل ‪‬وبث فيهما من كل دابة‪،‬‬
‫ومسلم (‪ )2233‬يف السالم‪ :‬باب قتل احليات وغريها ‪.‬‬
‫‪ )2(2‬أخرجه البخاري برقم (‪ )3616‬و (‪ )5622‬و (‪. )7470‬‬
‫‪" )3(3‬الصحيحة " (‪. )2572‬‬
‫منـزال فقال أعوذ بكلمات اهلل التامات من شر ما خلق مل يضره شيء حىت‬
‫يرحل من منـزله ذلك»‪.‬‬
‫عن أيب هري رة ق ال‪ :‬ج اء رجل إىل النيب‪ $‬فق ال‪ :‬يا رس ول اهلل! ما لقيت من‬
‫عقرب لدغتين البارحة فقال‪":‬أما لو قلت حين أمسيت‪ :‬أعوذ بكلمات اهلل‬
‫(‪)1‬‬
‫التامات من شر ما خلق‪ ،‬لم تضرك"‪.‬‬
‫وعن عبد الرمحن بن حنبش > أنه قال‪ :‬جاءت الشياطني إىل رسول اهلل ‪$‬‬
‫من األودية وحتدرت عليه من اجلبال وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن‬
‫حيرق هبا رسول اهلل ‪ $‬قال‪ :‬فرعب قال جعفر‪ :‬أحسبه قال‪ :‬جعل يتأخر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وجاء جربيل عليه السالم‪ ،‬فقال‪ :‬يا حممد قل‪ .‬قال‪ :‬ما أقول ؟ قال‪:‬‬
‫أعوذ بكلمات اهلل التامات اليت ال جياوزهن بر وال فاجر من شر ما خلق‬
‫وذرأ وبرأ‪ ،‬ومن شر ما ينـزل من السماء‪ ،‬ومن شر ما يعرج فيها‪ ،‬ومن شر‬
‫ما ذرأ يف األرض‪ ،‬ومن شر ما خيرج منها‪ ،‬ومن شر فنت الليل والنهار‪ ،‬ومن‬
‫شر كل طارق إال طارقا يطرق خبري يا رمحن‪ ،‬فطفئت نار الشياطني وهزمهم‬
‫(‪) 2‬‬
‫اهلل عز وجل‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬وكلمات اهلل التامات اليت ال جياوزهن بر وال‬
‫فاجر هي اليت كون هبا الكائنات‪ ،‬فال خيرج بر وال فاجر عن تكوينه‪،‬‬

‫‪ )4(1‬أخرجه مسلم يف السالم برقم (‪ ، )2709‬باب الذكر والدعاء‪.‬‬


‫‪ )1(2‬السلسلة الصحيحة برقم (‪ )2738‬و (‪ ،)2995‬وختريج الطحاوية برقم (‪ ،)191‬ومشكاة‬
‫املصابيح برقم (‪.)2479‬‬
‫ومشيئته‪ ،‬وقدرته‪ ،‬وأما كلماته الدينية وهى كتبه املنـزلة وما فيها من أمره‬
‫وهنيه فأطاعها األبرار وعصاها الفجار‪.‬‬
‫وأولياء اهلل املتقون هم املطيعون لكلماته الدينية وجعله الديين وازنه الديين‬
‫وإرادته الدينية‪ ،‬وأما كلماته الكونية إىل ال جياوزها بر وال فاجر فانه يدخل‬
‫حتتها مجيع اخللق حىت إبليس وجنوده ومجيع الكفار وسائر من يدخل النار‪،‬‬
‫فاخلالق وأن اجتمعوا يف مشول اخللق واملشيئة والقدرة والقدر هلم فقد افرتقوا‬
‫يف األمر والنهى واحملبة والرضا والغضب‪.‬‬
‫وأولياء اهلل املتقون هم الذين فعلوا املأمور وتركوا احملظور وصربوا على‬
‫املقدور‪ ،‬فأحبهم وأحبوه‪ ،‬ورضي عنهم ورضوا عنه‪ ،‬وأعداؤه أولياء‬
‫الشياطني‪ ،‬وان كانوا حتت قدرته فهو يبغضهم ويغضب عليهم ويلعنهم‬
‫(‪)1‬‬
‫ويعاديهم‪.‬اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫باب‪-‬‬

‫ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره‬


‫عن عمر بن اخلطاب> ‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ $‬قال ‪" :‬من رأى‬
‫صاحب بالء فقال‪ :‬الحمد هلل الذي عافاني مما ابتالك به وفضلني على‬

‫‪ )1(1‬جمموع الفتاوى (‪.)271-11/270‬‬


‫كثي ٍر ممن خلق تفضيالً‪ ،‬إال عوفي من ذلك البالء كائناً ما كان ما‬
‫عاش"‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫ويف رواية ‪" :‬لم يصبه ذلك البالء"‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬قال العلماء من أصحابنا وغريهم‪ :‬ينبغي‬
‫أن يقول هذا الذكر سراً حبيث يسمع نفسه وال يسمعه املبتلي لئال يتأمل قلبه‬
‫بذلك إال أن تكون بليته معصية فال بأس أن يسمعه ذلك إن مل خيف من‬
‫(‪)2‬‬
‫ذلك مفسدة واهلل أعلم‪ .‬أ‪ .‬هـ ‪.‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫وعن عائشة <‪ ،‬أن النيب ‪ $‬قال‪" :‬الحمى حظ كل مؤمن من النار"‪.‬‬
‫وعن أيب أمامة>‪ ،‬عن النيب ‪ $‬قال‪ " :‬الحمى كير من جهنم فما أصاب‬
‫(‪) 4‬‬
‫المؤمن منها كان حظه من جهنم"‪.‬‬
‫وعن أنس > قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ $‬يقول‪" :‬إن اهلل عز وجل قال‪" :‬إذا‬
‫(‪)5‬‬
‫ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منها الجنة يريد عينيه"‪.‬‬

‫‪ )1(1‬صحيح الرتمذي (‪ )2728‬والصحيحة (‪ ،)602‬وصحيح الرتغيب (‪.)3392‬‬


‫‪ )2(2‬األذكار ( ص ‪)48‬‬
‫‪ )3(3‬رواه البزار بإسناد حسن‪ ،‬السلسلة الصحيحة (‪ )4/1821‬وصحيح اجلامع (‪.)3/3182‬‬
‫‪ )4(4‬قال يف اجملمع (‪" :)2/305‬رواه أمحد والطرباين يف الكبري وفيه أبو حصني الفلسطيين ومل َأر‬
‫له غري حممد بن مطرف" ‪ ،‬وحسنه األلباين رمحه اهلل تعاىل يف صحيح اجلامع برقم (‪، )3/3183‬‬
‫والسلسة الصحيحة (‪.)4/1822‬‬
‫‪ )5(5‬رواه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪)5653‬‬
‫‪‬‬
‫باب‪-‬‬

‫الصبر على البالء‪-‬‬


‫قال اهلل تعاىل‪ :‬وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا‬
‫إنا هلل وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك‬
‫(‪) 1‬‬
‫هم المهتدون‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪  :‬والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصالة وأنفقوا‬
‫مما رزقناهم سراً وعالنية ويدرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى‬
‫الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم‬
‫والمالئكة يدخلون عليهم من كل باب سالم عليكم بما صبرتم فنعم‬
‫(‪) 2‬‬
‫عقبى الدار‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬وبشر المخبتين الذين إذا ذكرا هلل وجلت قلوبهم‬
‫(‪)3‬‬
‫والصابرين على ما أصابهم ‪.‬‬

‫‪ )1(1‬البقرة اآلية (‪.)157-155‬‬


‫‪ )2(2‬الرعد اآلية (‪.)24-22‬‬
‫‪ )3(3‬احلج اآلية (‪.)35-34‬‬
‫وقال تعاىل‪ :‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً‬
‫تجري من تحتها األنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا على‬
‫(‪)1‬‬
‫ربهم يتوكلون ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقال تعاىل‪:‬إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‪.‬‬
‫وقال تعاىل ‪‬ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ال يفتون‬
‫‪.‬‬
‫ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن اهلل الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين‪‬‬
‫(‪)3‬‬

‫الصرب لغة ‪ :‬احلبس‬


‫قال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل تعاىل ‪" :‬الصرب شرعاً هو‪ :‬حبس النفس على‬
‫ثالثة أمور ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬طاعة اهلل‬
‫والثاين ‪ :‬عن حمارم اهلل‬
‫والثالث ‪ :‬على أقدار اهلل املؤملة‬
‫(‪) 4‬‬
‫فهذه أنواع الصرب اليت ذكرها أهل العلم ‪ .‬أ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫‪ )1(1‬العنكبوت اآلية (‪.)59-58‬‬
‫‪ )2(2‬الزمر اآلية (‪.)10‬‬
‫‪ )3(3‬العنكبوت اآلية (‪.)3-1‬‬
‫‪ )4(4‬شرح رياض الصاحلني (‪.)1/119‬‬
‫وقال رمحه اهلل‪ :‬اإلنسان عند حلول املصيبة له أربع حاالت‪:‬‬
‫احلالة األوىل ‪ :‬أن يتسخط‬
‫واحلالة الثانية ‪ :‬أن يصرب‬
‫واحلالة الثالثة ‪ :‬أن يرضى‬
‫واحلالة الرابعة ‪ :‬أن يشكر‬
‫عن أيب سعيد اخلدري > قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪" : $‬ومن يتصبر يصبره‬
‫(‪) 1‬‬
‫اهلل وما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر"‪.‬‬
‫ق ال الش يخ الس عدي رمحه اهلل تع اىل‪ :‬وأما من وفقه اهلل تع اىل للصرب عند‬
‫وج ود ه ذه املص ائب فحبس نفسه عن التس خط ق والً وفعالً واحتسب‬
‫أجرها عند اهلل وعلم أن ما يدركه من األجر بص ربه أعظم من املص يبة‬
‫اليت حص لت له ‪ ،‬بل املص يبة تك ون نعمة يف حقه ألهنا ص ارت طريق اً‬
‫حلصول ما هو خري له وأنفع منها فقد امتثل أمر اهلل وفاز بالثواب ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فلهذا قال اهلل تعاىل ‪  :‬وبشر الصابرين ‪. ‬‬

‫‪ )1(1‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬


‫‪ )2(2‬البقرة (‪. )155‬‬
‫أي بش رهم ب أهنم يوف ون أج ورهم بغري حس اب فالص ابرين هم ال ذين ف ازوا‬
‫(‪) 1‬‬
‫بالبشارة العظيمة واملنحة اجلسيمة ‪.‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن النيب ‪ $‬أنه قال‪" :‬إذا أصاب‬

‫(‪) 2‬‬
‫أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي‪ ،‬فإنها أعظم المصائب" ‪.‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬إن العبد إذا سبقت له من اهلل منـزلة لم‬
‫يبلغها بعمله ابتاله اهلل في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبّره على‬
‫ذلك حتى يبلغه المنـزلة التي سبقت له من اهلل تعالى " ‪.‬‬
‫ويف رواية عن أيب هريرة>‪ ،‬عن رسول اهلل ‪ $‬قال ‪" :‬إن الرجل ليكون له‬
‫المنـزلة عند اهلل فما يبلغها بعمل ‪ ،‬فال يزال اهلل يبتليه بما يكره حتى يبلغه‬
‫إياها" ‪ )3( .‬‬
‫وعن أيب هريرة > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬ما رزق عبد خيراً له وال‬
‫(‪) 4‬‬
‫أوسع من الصبر" ‪.‬‬

‫‪ )3(1‬تيسري الكرمي الرمحن(‪.)100-1‬‬


‫‪ )1(2‬رواه ابن سعد‪ ،‬وصححه األلباين قي صحيح اجلامع برقم (‪. )347‬‬
‫‪‌)2(3‬رواه أبو داود ‪ ،‬وابن حبان ‪ ،‬واحلاكم ‪ ،‬وصححه األلباين يف "صحيح‬
‫اجلامع" حديث رقم (‪‌. )1625‬‬
‫وعنه >‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ $‬قال‪" :‬يقول اهلل تعالى ‪ :‬ما لعبدي المؤمن‬
‫(‪) 1‬‬
‫جزاء إذا قبضت صفيهُ من أهل الدنيا ثم احتسبه إال الجنة "‪.‬‬
‫عندي ً‬
‫قال اهلل تعاىل‪  :‬وال تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم‬
‫يألمون‬

‫(‪)2‬‬
‫كما تألمون وترجون من اهلل ما ال يرجون وكان اهلل عليماً حكيماً‪. ‬‬
‫وعن أنس > قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ $‬يقول ‪" :‬إن اهلل عز وجل قال ‪ :‬إذا‬
‫(‪) 3‬‬
‫ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منها الجنة"‪.‬‬
‫يريد عينيه‬
‫وعن أيب موسى األشعري >‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ $‬قال‪" :‬إذا مات ولد العبد‬
‫قال اهلل تعالى لمالئكته قبضتم عبدي؟ فيقولون‪ :‬نعم فيقول‪ :‬قبضتم ثمرة‬
‫فؤاده ؟ فيقولون‪ :‬نعم فيقول‪ :‬فماذا قال عبدي؟ فيقولون‪ :‬حمدك‬

‫‪ )3(4‬رواه احلاكم وقال‪" :‬صحيح على شرط البخاري ومسلم"‪ ،‬وقال‬


‫احلاكم يف املستدرك (‪" :)2/414‬قد اتفق الشيخان على إخراج هذه اللفظة‬
‫‪ "...‬ووافقه الذهيب‪ ،‬وصححه األلباين يف الرتغيب برقم (‪.)3396‬‬
‫‪ )4(1‬رواه البخاري يف كتاب الرقاق برقم (‪.)6424‬‬
‫‪ )1(2‬النساء (‪.)104‬‬
‫‪ )2(3‬أخرجه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪.)5653‬‬
‫واسترجع فيقول اهلل تعالى‪ :‬ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت‬
‫(‪) 1‬‬
‫الحمد"‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد وأيب هريرة رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن النيب ‪ ‬قال ‪" :‬ما يصيب‬
‫المسلم من نصب وال وصب وال هم وال حزن وال أذى وال غم حتى‬
‫(‪) 2‬‬
‫الشوكة يشاكها إال كفرا هلل بها من خطاياه" ‪.‬‬
‫الوصب ‪ :‬املرض ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة > قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ " :$‬من يرد اهلل به خيراً‬
‫(‪) 3‬‬
‫يصب منه" ‪.‬‬
‫وعن صهيب الرومي ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" : ‬عجباً ألمر المؤمن إن‬
‫أمره كله خير وليس ذاك إال للمؤمن إذا أصابته سراء شكر فكان خيراً‬
‫(‪)4‬‬
‫له وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " ‪.‬‬
‫وعن أنس ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪" : ‬حفت الجنة بالمكاره وحفت النار‬
‫(‪) 5‬‬
‫بالشهوات " ‪.‬‬

‫‪ )3(1‬رواه الرتمذي وقال‪" :‬حديث حسن"‪ ،‬صحيح اجلامع (‪.)807‬‬


‫‪ )4(2‬أخرجه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪ ،)5641‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (‬
‫‪.)2753‬‬
‫‪ )1(3‬أخرجه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪.)5645‬‬
‫‪ )2(4‬أخرجه مسلم يف كتاب الزهد والرقائق برقم (‪.)2999‬‬
‫‪ )3(5‬أخرجه مسلم يف كتاب اجلنة ونعيمها برقم (‪.)7061‬‬
‫وعن عطاء بن ٍأيب رباح قال ‪ :‬قال لي ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬أال‬
‫أريك امرأة من أهل الجنة ؟ فقلت‪ :‬بلى قال‪ :‬هذه المرأة السوداء أتت‬
‫النبي ‪ ‬فقالت‪ :‬إني أُصرع وإني اتكشف فادع اهلل تعالى لي قال ‪":‬إن‬
‫شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت اهلل تعالى أن يعافيك "‬
‫(‪) 1‬‬
‫فقالت ‪ :‬إني أتكشف فادع اهلل أن ال أتكشف فدعا لها" ‪.‬‬

‫الصبر ‪ :‬يكون سبب لدخول الجنة‬


‫وعن ابن مسعود ‪ ‬قال ‪ :‬دخلت على النبي ‪ ‬وهو يوعك فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل إنك توعك وعكاً شديداً قال ‪ " :‬أجل إني أوعك كما يوعك‬
‫رجالن منكم" قلت‪ :‬ذلك إن لك أجرين ؟ قال‪" :‬أجل ذلك كذلك ما‬
‫من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إال َك َّف َر اهلل بها سيئاته وحطت‬
‫(‪) 2‬‬
‫عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها" ‪.‬‬
‫الوعك‪ :‬مغث احلمى وقيل احلمى‪.‬‬

‫‪ )4(1‬أخرجه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪ )5652‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (‬
‫‪.)6516‬‬
‫‪ )1(2‬أخرجه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪ 5647‬و‪ 5648‬و‪ ، )5660‬ومسلم يف كتاب الرب‬
‫والصلة برقم (‪.)6504‬‬
‫وعن أنس ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪" : ‬إذا أراد اهلل بعبده خيراً عجل له‬
‫العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده شراً أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به‬
‫(‪)1‬‬
‫يوم القيامة" ‪.‬‬
‫وقال النيب ‪" : ‬إن عظم الجزاء مع عظم البالء وإن اهلل تعالى إذا أحب‬
‫(‪) 2‬‬
‫قوماً ابتالهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط" ‪.‬‬
‫فيه احلث للعبد على الصرب على املص ائب حىت يكتب له الرضى من اهلل عز‬
‫وجل والثواب الكامل بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬ما يزا ل البالء بالمؤمن‬
‫والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى اهلل تعالى وما عليه من‬
‫(‪) 3‬‬
‫خطيئة"‪.‬‬
‫وعن حممود بن لبيد يرفعه‪" :‬إن اهلل إذا أحب قوماً ابتالهم ‪ ،‬فمن رضي‬
‫فله الرضى‪ ،‬ومن سخط فله السخط"‪ ،‬ويف رواية "ومن جزع فله‬
‫الجزع"‪.‬‬

‫‪ )2(1‬رواه الرتمذي (‪ )2/64‬والبيهقي يف األمساء (ص ‪ )154‬وابن عدي (‪ 174/1‬و ‪،)2‬‬


‫السلسلة الصحيحة (‪ )3/220‬برقم (‪.)1220‬‬
‫‪ )3(2‬أخرجه الرتمذي برقم (‪ )2396‬يف كتاب الزهد‪ ،‬صحيح اجلامع (‪ )308‬والصحيحة (‬
‫‪ )146‬عن أنس ‪. ‬‬
‫‪ )1(3‬أخرجه الرتمذي يف كتاب الزهد برقم (‪ ،)2399‬وأمحد يف مسنده (‪ )450 ،2/287‬وقال‬
‫الرتمذي‪" :‬حسن صحيح"‪ ،‬صحيح اجلامع (‪.)5815‬‬
‫أخرجه أمحد يف "املسند" (‪5/427‬و‪ )429‬من طريقتني بلفظ ‪" :‬إن اهلل عز‬
‫وجل إذا أحب قوماً ابتالهم ‪ ،‬فمن صبر فله الصبر ‪ ،‬ومن جزع فله‬
‫الجزع"‪.‬‬
‫وأخرجه الرتمذي (‪، )2398‬وابن ماجة (‪ )4031‬من حديث أنس بلفظ‬
‫‪":‬إن عظم الجزاء من عظم البالء ‪ ،‬وإن اهلل إذا أحب قوماً ابتالهم ‪،‬‬
‫فمن رضي فله الرضى ‪ ،‬ومن سخط فله السخط" ‪ .‬وسنده حسن ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويف "الصحيح" مرفوعاً ‪":‬الصبر عند الصدمة األولى"‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عن النيب ‪ $‬قال‪" :‬حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات"‪.‬‬
‫وعن أيب حيىي أُسيد بن حضري ‪ ‬أن رجالً من األنصار قال‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫أال تستعملني كما استعملت فالناً فقال‪" :‬إنكم ستلقون بعدي أثرة‬

‫(‪) 3‬‬
‫فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" ‪.‬‬

‫‪ )2(1‬أخرجه البخاري (‪ )138 /3‬يف اجلنائز‪ :‬باب الصرب عند الصدمة األوىل‬
‫‪ ،‬ومسلم (‪ )926‬يف اجلنائز‪:‬باب يف الصرب يف املصيبة عند الصدمة األوىل من‬
‫حديث أنس بن مالك ‪.‬‬
‫‪ )3(2‬أخرجه مسلم (‪ )2822‬يف صفة اجلنة ونعيمها‪.‬‬

‫‪ )1(3‬أخرجه البخاري يف كتاب الفنت برقم (‪ ،)7057‬ومسلم يف كتاب اإلمارة برقم (‪.)1845‬‬
‫وعن أيب هريرة > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬مثل المؤمن كمثل الزرع ال‬
‫تزال الرياح تفيئه وال يزال المؤمن يصيبه البالء ومثل المنافق كمثل‬
‫(‪) 1‬‬
‫شجرة األرز ال تهتز حتى تستحصد" ‪.‬‬
‫بالء‬
‫وعن سعد بن أيب وقاص > قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل أي الناس أشد ً‬
‫قال‪ " :‬األنبياء ثم األمثل فاألمثل يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان‬
‫دينه صلباً اشتد بالؤه وإن كان في دينه رقة ابتاله اهلل على حسب دينه‬
‫(‪) 2‬‬
‫فما يبرح البالء بالعبد حتى يمشي على األرض وما عليه خطيئة" ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها‪ :‬أن رسول اهلل ‪ $‬قال ‪" :‬ال يصيب المؤمن من‬
‫(‪)3‬‬
‫مصيبة حتى الشوكة إال قص بها من خطاياه أو ُك ِف َر بها من خطاياه"‪.‬‬
‫وعن صهيب الرومي >‪ ،‬عن رسول اهلل ‪ $‬أنه قال‪" :‬إن اهلل إذا أحب قوماً‬
‫ابتالهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط "‬
‫(‪) 4‬‬
‫زاد أمحد‪" :‬ومن جزع فله الجزع"‪.‬‬

‫‪ )2(1‬رواه مسلم يف كتاب صفة املنافقني برقم (‪.)8209‬‬


‫‪ )3(2‬رواه ابن ماجه والرتمذي وقال‪" :‬حديث حسن صحيح" وابن حبان ‪ ،‬وصححه العالمة‬
‫األلباين رمحه اهلل يف الصحيحة برقم (‪. )143‬‬
‫‪ )4(3‬أخرجه مسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (‪.)6511‬‬
‫‪ )1(4‬أخرجه يف املسند (‪ )23695/9‬من حديث حممود حممد بن لبيد رضي اهلل عنه وأخرجه‬
‫الرتمذي يف الزهد (‪ )2404‬وابن ماجة (‪ )4031‬من حديث أنس‪.‬‬
‫(‪) 5‬‬
‫ويف الصحيحني مرفوعاً‪" :‬الصبر عند الصدمة األولى" ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل‪ :‬ومن عالج املصيبة ‪:‬أن يوازن بني‬
‫أعظم اللذتني والتمتعني‪ ،‬و أدومهما لذة متتعه مبا أُصيب به ِ‬
‫ولذة توفيقه ‪،‬‬
‫وإن آثر املرجوح من كل وجه فليعلم أن مصيبته يف عقله وقلبه ودينه أعظم‬
‫(‪) 2‬‬
‫من مصيبته اليت أُصيب هبا يف دنياه‪.‬أ‪.‬هـ ‪.‬‬
‫مر النبي ‪ $‬بامرأة تبكي عند قبر فقال‪" :‬‬
‫وعن أنس رضي اهلل عنه قال‪َّ :‬‬
‫اتقي اهلل واصبري فقالت‪ :‬إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه‬
‫فقيل لها‪ :‬إنه النبي ‪ $‬فأتت النبي ‪ $‬فلم تجد عنده بوابين فقالت‪ :‬لم‬
‫(‪) 3‬‬
‫أعرفك يا رسول اهلل فقال‪ " :‬إنما الصبر عند الصدمة األولى" ‪.‬‬
‫ويف رواية ملسلم‪" :‬تبكي على صبي لها"‪.‬‬
‫الصرب الذي يثاب اإلنسان عليه هو أن يصرب أول ما تصيبه املصيبة وحيتسب‬
‫عند اهلل األجر والثواب هذا هو الصرب ‪.‬‬

‫‪ )2(5‬رواه البخاري يف كتاب اجلنائز برقم (‪ )1302‬ومسلم يف كتاب اجلنائز برقم (‪.)926‬‬
‫‪ )3(2‬زاد املعاد (‪)4/153‬‬
‫‪ )4(3‬أخرجه البخاري يف اجلنائز برقم (‪ ، )1283‬ومسلم يف كتاب اجلنائز برقم (‪ ،)926‬واللفظ‬
‫للبخاري‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل‪ :‬من فوائد هذا احلديث أن الصرب الذي حُي مد‬
‫فاعله الصرب عند الص دمة األوىل‪ :‬يصرب اإلنس ان وحيتسب ويعلم أن هلل ما‬
‫(‪)1‬‬
‫أخذ وله ما أعطى وأن كل شيء عنده بأجل مسمى‪ .‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫وفي الحديث القدسي ‪ ،‬قال هللا ع ز وج ل‪" :‬ابن آدم إن ص برت عن د الص دمة األولى لم‬
‫)‪(2‬‬
‫‪" .‬أرض لك ثوابا ً دون الجنة‬
‫وعن معاذ بن جبل > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬إن شئتم أنبأتكم ما أول ما‬
‫يقول اهلل عز وجل للمؤمنين يوم القيامة؟ وما أول ما يقولون له؟" قلنا‪:‬‬
‫نعم يا رسول اهلل‪ .‬قال‪" :‬إن اهلل عز وجل يقول للمؤمنين هل أحببتم‬
‫لقائي فيقولون‪ :‬نعم يا ربنا فيقول‪ :‬لم فيقولون‪ :‬رجونا عفوك ومغفرتك‬
‫(‪)3‬‬
‫فيقول قد وجبت لكم مغفرتي" ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫حرمة العالج بالرقية الشركية‬


‫وبغير العربية‬
‫ال جيوز إلنسان أن يرقي بالرقية اليت فيها شرك‪ ،‬كأن يكون فيها دعاء غري‬
‫اهلل عز وجل أو االستغاثة أو االستعانة بشيطان أو ويل أو قرب أو حجر وما‬

‫‪ )2(1‬شرح رياض الصاحلني (‪)1/169‬‬


‫‪ )2(2‬رواه ابن ماجة‪ .‬صحيح اجلامع حديث رقم (‪‌. )8143‬‬
‫‪ )2(3‬أخرجه أمحد بإسناده عن معاذ‪ ،‬املشكاة (‪.)1606‬‬
‫شابه ذلك‪ ،‬وكذلك ال جيوز للراقي أن يتكلم بغري لغة القرآن العربية‪،‬‬
‫وكذلك ال ينبغي له أن يتكلم بكالم غري مفهوم أو ال يدرى معناه‪.‬‬
‫عن عوف بن مالك األشجعي‪ ،‬قال‪" :‬كنا نرقي يف اجلاهلية فقلنا يا رسول‬
‫اهلل كيف ترى يف ذلك ؟ فقال اعرضوا على رقاكم ال بأس بالرقى ما مل‬
‫يكن فيه شرك"‪.‬‬

‫وعن كريب الكندي‪ ،‬قال‪ :‬أخذ بيدي علي بن الحسين‪ ،‬فانطلقنا‬


‫إلى شيخ من قريش ـ يقال له‪ :‬ابن حثمة ـ يصلي إلى إسطوانه‪،‬‬
‫فجلسنا إليه‪ ،‬فلما رأى عليّا ً انصرف إليه‪ ،‬فقال له علي‪ :‬حدثنا‬
‫حديث أُمك في الرقية‪ ،‬فقال‪ :‬حدثتني أُمي أنها كانت ترقي في‬
‫الجاهلية‪ ،‬فلما جاء اإلسالم قالت‪ :‬ال حتى أستأذن رسول هللا‪،$‬‬
‫فأتته فاستأذنته؟ فقال لها رسول هللا‪" :$‬ارقي ؛ ما لم يكن فيها‬
‫)‪" . (1‬شرك‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬أن رسول اهلل‪ $‬دخل عليها ـ وامرأة تعاجلها أو‬
‫(‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫بكتاب اهلل" ‪.‬‬ ‫ترقيها ـ‪ ،‬فقال‪" :‬عالجيها‬
‫قال اإلمام النووي يف شرحه على مسلم‪ :‬قال املازري‪ :‬مجيع الرقى جائزة إذا‬
‫كانت بكتاب اهلل تعاىل أو بذكره‪ ،‬ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية أو‬
‫(‪)3‬‬
‫مبا ال يدري معناه جلواز أن يكون فيه من الكفر ‪.‬‬

‫‪ )1(1‬الصحيحة (‪ ، )178‬وصحيح موارد الظمآن (‪. )1185‬‬


‫‪ )3(2‬الصحيحة (‪ ،)1931‬صحيح موارد الظمآن (‪.)1188‬‬
‫‪ )2(3‬شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)14/392‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬فإن كانت الرقى والتعاويذ مما يعرف معناها‬
‫ومما جيوز يف دين اإلسالم أن يتكلم هبا الرجل داعيا هلل ذاكرا له وخماطبا‬
‫خللقه وحنو ذلك فإنه جيوز أن يرقى هبا املصروع ويعوذ‪ ،‬فانه قد ثبت يف‬
‫الصحيح عن النيب ‪ $‬أنه أذن يف الرقى ما مل تكن شركا‪ ،‬وقال من استطاع‬
‫منكم أن ينفع أخاه فليفعل"‪.‬‬
‫وإن كان يف ذلك كلمات حمرمة مثل أن يكون فيها شرك أو كانت جمهولة‬
‫املعىن حيتمل أن يكون فيها كفر فليس ألحد أن يرقى هبا وال يعزم وال يقسم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫قال صاحل بن عبدالعزيز آل الشيخ‪:‬‬


‫لكن مما مل يكن عليه العمل عمل السلف‪.‬‬
‫والسالَ ُم قال يف حديث ابن‬ ‫وقال‪ :‬الرقى الشركية والنيب َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫مسعود رضي اهلل عنه «إن الرقى والتمائم والتولة شرك»‪ .‬والرقى املقصود هبا‬
‫هنا الرقى الشركية اليت كان يستعملها أهل اجلاهلية أو من شاهبهم‪ ،‬والرقى‬
‫الرقَى َما مَلْ يَ ُك ْن ِش ْرك) ممنوعة وهي شرك باهلل‬‫الشركية ممنوعة (الَ بأْ ِ‬
‫سب ّ‬‫َ َ‬
‫جل وعال‪ ،‬ما صفة الرقى الشركية؟ الرقى الشركية تشمل على أحد أشياء‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون فيها استغاثة أو استعانة أو استعاذة بغري اهلل جل وعال‬
‫استعانة بشيطان‪ ،‬بويل‪ ،‬باسم َويِل ّ ينفخ وينفث على أحد ويدعو‪ ،‬ولو كان‬

‫‪ )1(1‬جمموع الفتاوى (‪.)24/278‬‬


‫فيها استعانة باهلل لكن معها استعانة أو استعاذة بويل أو مبيت أو بشيطان أو‬
‫جبين فهذا شرك باهلل جل وعال‪.‬‬
‫أو أن تكون الرقى هذه الشركية أن يكون فيها أمساء جمهولة‪ ،‬ما يُعرف‬
‫معناها‪ ،‬يكتب أمساء ال معىن هلا‪ ،‬هذه قد تكون من الشياطني‪ ،‬ولذلك مُي نع‬
‫منها ألهنا وسيلة من وسائل الشرك‪ ،‬وال جيوز أن تستعمل ألنه قد يكون فيها‬
‫شرك‪ ،‬وسيلة الشيء يف القواعد هلا حكمه‪ ،‬فإذا كان هذه قد تكون وسيلة‬
‫إىل الشرك فتمنع كما مينع املقصد‪.‬‬
‫وأيضا الرقى الشركية قد تكون بالعزائم‪ ،‬اليت يسميها السحرة واملشعوذين‬
‫نكسوا اآليات‪ ،‬ويضعون يف الورقة‬ ‫العزائم اليت يكتبون فيها آيات ولكن رمبا َّ‬
‫اليت حتل وتشرب‪ ،‬أو رمبا حتفظ كتميمة يف اجليب مثال أو تعلق‪ ،‬يضعون‬
‫فيها مربع فيه أرقام جمهولة وفيه حروف غري معلومة‪ ،‬أو مثلث ويكتب عليه‬
‫على أحنائه بعض أمساء اهلل؛ ولكن يف داخله أمساء جمهولة ونداءات وأرقام ال‬
‫يعلم معناها‪ ،‬وهذا كله ال شك أنه من وسائل الشرك أو من الشرك احملقق‬
‫ألهنم يستغيثون ويستعيذون بالشياطني‪.‬‬
‫أن الرقى الشركية تشتمل على أدعية فيها‬ ‫ومن صور أيضا الرقى الشركية َّ‬
‫وسيلة من وسائل الشرك‪ ،‬مثل التوسل بذوات األولياء أو حبرمتهم أو‬
‫جباههم‪ ،‬فهذه متنع ألن التوسل بالذوات أو باحلرمة أو باجلاه هذا بدعة‬
‫ووسيلة من وسائل الشرك‪.‬‬
‫ومما يدخل أيضا يف هذا؛ يعين يف الرقى املمنوعة الرقى البدعية أو اليت هبا‬
‫اعتداء‪ ،‬مثل واحد يؤلف رقية أو رمبا جيتهد أحد يف الرقية يكون فيها اعتداء‬
‫مثل رقية ذكرت عن بعض العلماء أنه يقول فيها‪ :‬رددت عني احلاسد إىل‬
‫نفسه وإىل أعز الناس لديه أو أحب الناس لديه‪ .‬العائن اعتدى؛ لكن أحب‬
‫الناس إليه والده أو والدته أو قريبه أو ولده ما اعتدى‪ ،‬فرتد العني إىل من مل‬
‫يعتدي هذه دعوى فيها إمث‪ ,‬ألن فيها اعتداء يف الدعاء‪ ،‬فهي من الدعوات أو‬
‫الرقى البدعية‪ ،‬وإن كان ذكرها ابن القيم رمحه اهلل يف معرض كالم له يف زاد‬
‫املعاد‪.‬‬
‫أن األصل يف الرقى املنع إال ما جاز منها‪.‬‬ ‫فإذا يظهر هبذا َّ‬
‫وهذا يدل على أنه جيب عليك التحري‪ ،‬وأن ال تقبل الرقية من أي أحد‪،‬‬
‫وأن ال تذهب إىل كل من قيل أنه راق؛ ألنه مبا مل يكن على هدى وعلم‪،‬‬
‫إذا ظهرت لك رقية أو أُرشدت إىل شيء أو مل تكن من الكتاب والسنة‬
‫فاعرضها على أحد من أهل العلم يبني لك هل هي جائزة أم ال؟ ألن النيب‬
‫والسالَ ُم قال« ْاع ِر ُ‬
‫ضوا علَ ّي ُرقَا ُك ْم‪ -.‬الذي ال يعلم يعرض‬ ‫َعلَْي ِه َّ‬
‫الصالَةُ َّ‬
‫الرقَ َى َما مَلْ تَ ُك ْن ِش ْركا»‪ )1(.‬عنا تعرض الرقية على العامل‬ ‫الرقية‪ -‬الَ بأْ ِ‬
‫سب ّ‬‫َ َ‬
‫ليقول لك هل هذه جائزة هل غري جائزة هل هي مشتملة على معىن حق‬
‫وجائز أم ليس كذلك‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم برقم (‪ ،)2200‬باب ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك‪.‬‬


‫فإذا الواجب على اجلميع األخذ باملشروع‪ ،‬وترك أو احلذر والتحذير من‬
‫الرقى الشركية أو البدعية؛ ألهنا وبال على‪...‬‬
‫وألن الشرك حيدث العمل والعياذ باهلل فيأيت يريد النجاة مث يبوء خبسارة‬
‫الدنيا واآلخرة والعياذ باهلل‪.‬‬
‫فالتداوي والعالج ال بأس به بالرقية وغريها؛ لكن مع الثقة باهلل واالعتماد‬
‫على اهلل وأال يرقي إال مبا شرع اهلل ومبا أباح اهلل‪ ،‬وأن ال يداوي غريه وال‬
‫تداوي إال مبا أباح اهلل‪ ،‬وأن يكون قلبه معلقا باهلل وواثقا بأنه سبحانه هو‬
‫الذي بيده الشفاء‪ ،‬وإمنا هي أسباب‪ ،‬والشفاء بيد اهلل جل وعال‪ ،‬والرقية‬
‫كما مسعتم هلا شروط ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن تكون الرقية بالقرآن أو مبا جاء يف األحاديث أو باألدعية‬
‫املباحة و األشياء الواضحة املباحة‪ ،‬أما بأمساء جمهولة أو األشياء اجملهولة أو‬
‫[بالشِّرج] أو بالتعلق على غري اهلل أو بالتوسل باجلن‪ ،‬كل هذا ممنوع‪ ،‬البد‬
‫من هذا األمر‪ ،‬تكون الرقية بـأشياء واضحة من اآليات أو من األحاديث أو‬
‫أشياء واضحة مباحة ال بأس هبا‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬ال جتوز الرقية مبا خيالف الشرع أو باألمساء اجملهولة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن نعتقد أهنا سبب وأن الشفاء بيد اهلل هو الذي يشفي جل وعال‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وإمنا هي أسباب‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ )1(1‬الرقى وأحكامها ‪.‬‬
‫التداوي‬
‫التداوي‬

‫فكما أن اهلل سبحانه وتعاىل أنزل الداء أنزل معه الدواء‪ ،‬ويكون رمحةً منه‬
‫وفضالً على عباده‪ ،‬مؤمنهم وكافرهم‪ .‬فعن ابن مسعود>‪ ،‬أن رسول اهلل‪$‬‬
‫قال‪" :‬إن اهلل مل ينـزل داءً إال وأنزل له دواءً؛ جهله من جهله‪ ،‬وعلمه من‬
‫( ‪)1‬‬
‫علمه"‪.‬‬
‫والت داوي واالستش فاء ب القرآن‪ ،‬والطب النب وي أفضل األدوية على‬
‫اإلطالق وال يعادله ش يء غ يره‪ ،‬وم تى أمكن الت داوي بهما ال يع دل إلى‬
‫غيرهما ‪.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫وقد اتفق األطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء ال يعدل إلى الدواء‬
‫‪ ،‬ومتى أمكن بالبسيط ال يعدل إلى المركب ‪ ،‬قالوا وكل داء قدر على‬
‫الوا وال ينبغي‬ ‫اول دفعه باألدوية ‪ ،‬ق‬ ‫دفعه باألغذية والحمية لم يح‬
‫للط بيب أن يولع بس قي األدوية ف إن ال دواء إذا لم يجد في الب دن داء‬
‫زادت كميته عليه أو‬ ‫يحلله أو وجد داء ال يوافقه أو وجد ما يوافقه ف‬
‫كيفيته تش بث بالص حة وعبث بها ‪ ،‬وأرب اب التج ارب من األطب اء طبهم‬
‫بالمفردات غالبا وهم أحد فرق الطب الثالث ‪)2( .‬‬
‫وقد شرع اهلل سبحانه وتعاىل لنا التداوي‪ ،‬ثبت ذلك يف السنة املطهرة‪.‬‬
‫فعن زياد بن عالقة عن أسامة بن شريك قال‪" :‬شهدت األعراب يسألون‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم أعلينا حرج يف كذا أعلينا حرج يف كذا‪ ،‬فقال‬
‫‪ )(1‬السلسلة الصحيحة رقم (‪ ، )452‬وصحيح موارد الظمآن رقم (‪.)1196‬‬
‫‪ ) )2‬الطب النبوي (ص‪. )6‬‬
‫هلم‪" :‬عباد اهلل وضع اهلل احلرج إال من اقرتض من عرض أخيه شيئا فذاك‬
‫الذي حرج"‪ ،‬فقالوا يا رسول اهلل هل علينا جناح أن ال نتداوى؟ قال تداووا‬
‫عباد اهلل‪ ،‬فإن اهلل سبحانه مل يضع داء إال وضع معه شفاء إال اهلرم‪ ،‬قالوا يا‬
‫رسول اهلل ما خري ما أعطي العبد؟ قال‪ :‬خلق حسن"‪)1( .‬‬
‫ق ال ابن عب دالرب‪ :‬وذهب آخ رون من العلم اء إىل إباحة االس رتقاء واملعاجلة‬
‫والت داوي وق الوا إن من س نة املس لمني اليت جيب عليهم لزومها ل روايتهم هلا‬
‫عن ن بيهم ص لى اهلل عليه وس لم الف زع إىل اهلل عند األمر يع رض هلم وعند‬
‫ن زول البالء هبم يف التع وذ باهلل من كل شر وإىل االس رتقاء وق راءة الق رآن‬
‫وال ذكر وال دعاء واحتج وا باآلث ار املروية عن النيب ص لى اهلل عليه وس لم يف‬
‫إباحة التداوي واالسرتقاء منها‪ ،‬قوله‪" :‬تداووا عباد اهلل وال تداووا حبرام فإن‬
‫اهلل مل ينـزل داء إال أنزل له دواء" ‪)2( .‬‬
‫وقال يف موضع آخر‪ :‬ويف هذا احلديث إباحة التداوي وإباحة معاجلة األطباء‬
‫وجواز الطب والتطبب‪)3( .‬‬
‫وقال ابن قيم اجلوزية‪ :‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم‪[ :‬أنزل الدواء الذي أنزل‬
‫الداء] قد جاء مثله عنه يف أحاديث كثرية‪ ،‬فمنها ما رواه عمرو بن دينار عن‬

‫‪ ) )1‬أخرجه أبو داود (‪ ، )4/192‬والترمذي (‪ ، )4/383‬وابن ماجة (‪، )2/1137‬‬


‫وأحمد (‪ ، )4/278‬والحاكم (‪ ، )4/399‬والبيهقي في السنن الكبرى (‪. )9/343‬‬
‫كلهم من طرق عن زياد بن عالقة به ‪.‬‬
‫‪ ) )2‬التميد (‪.)5/273‬‬
‫‪ ) )3‬االستذكار (‪.)8/414‬‬
‫هالل بن يساف قال‪[ :‬دخل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على مريض‬
‫يعوده فقال‪ :‬أرسلوا إىل طبيب فقال قائل ‪ :‬وأنت تقول ذلك يا رسول اهلل؟‬
‫قال‪ :‬نعم إن اهلل عز وجل مل ينـزل داء إال أنزل له دواء‪.‬‬
‫ويف الصحيحني من حديث أيب هريرة يرفعه‪[ :‬ما أنزل اهلل من داء إال أنزل له‬
‫شفاء] وقد تقدم هذا احلديث وغريه‪.‬‬
‫واختلف يف معىن أنزل الداء والدواء‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬إنزاله إعالم العباد به‬
‫وليس نشئ فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم أخرب بعموم اإلنزال لكل داء‬
‫ودوائه وأكثر اخللق ال يعملون ذلك‪ ،‬وهلذا قال‪ :‬علمه من علمه وجهله من‬
‫جهله‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬إنزاهلما‪ :‬خلقهما ووضعهما يف األرض‪ ،‬كما يف احلديث‬
‫اآلخر‪[ :‬إن اهلل مل يضع داء إال وضع له دواء]‪ ،‬وهذا وإن كان أقرب يف‬
‫الذي قبله فلفظة اإلنزال أخص من لفظة اخللق والوضع فال ينبغي إسقاط‬
‫خصوصية اللفظة بال موجب‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬إنزاهلما بواسطة املالئكة املوكلني مبباشرة اخللق من داء ودواء‬
‫وغري ذلك فإن املالئكة موكلة بأمر هذا العامل وأمر النوع اإلنساين من حني‬
‫سقوطه يف رحم أمه إىل حني موته فإنزال الداء والدواء مع املالئكة‪ ،‬وهذا‬
‫أقرب من الوجهني قبله‪.‬‬
‫وقالت طائفة ‪ :‬إن عامة األدواء واألدوية هي بواسطة إنزال الغيث من‬
‫السماء الذي تتولد به األغذية واألقوات واألدوية واألدواء‪ ،‬وآالت ذلك كله‬
‫وأسبابه ومكمالته وما كان منها من املعادن العلوية‪ ،‬فهي تنـزل من اجلبال‬
‫وما كان منها من األودية واألهنار والثمار‪ ،‬فداخل يف اللفظ على طريق‬
‫التغليب واإلكتفاء عن الفعلني بفعل واحد يتضمنهما وهو معروف من لغة‬
‫العرب بل وغريها من األمم كقول الشاعر ‪:‬‬
‫علفتها تبنا وماء باردا ‪ ...‬حىت غدت مهالة عيناها‬
‫وقول اآلخر ‪:‬‬
‫ورأيت زوجك قد غدا ‪ ...‬متقلدا سيفا ورحما‬
‫وقول اآلخر ‪:‬‬
‫إذا ما الغانيات برزن يوما ‪ ...‬وزججن احلواجب والعيونا‬
‫وهذا أحسن مما قبله من الوجوه واهلل أعلم‪.‬‬
‫وه ذا من متام حكمة ال رب عز وجل ومتام ربوبيته فإنه كما ابتلى عب اده‬
‫باألدواء أعاهنم عليها مبا يسره هلم من األدوية‪ ،‬وكما ابتالهم بالذنوب أعاهنم‬
‫عليها بالتوبة واحلس نات املاحية واملص ائب املكف رة وكما ابتالهم ب األرواح‬
‫اخلبيثة من الشياطني أعاهنم عليها جبند من األرواح الطيبة وهم املالئكة وكما‬
‫ابتالهم بالش هوات أع اهنم على قض ائها مبا يس ره هلم ش رعا وق درا من‬
‫املشتهيات اللذيذة النافعة فما ابتالكم سبحانه بشيء إال أعطاهم ما يستعينون‬
‫به على ذلك البالء ويدفعونه به ويبقى التف اوت بينهم يف العلم ب ذلك والعلم‬
‫بطريق حصوله والتوصل إليه وباهلل املستعان‪.‬اهـ‪)1( .‬‬
‫وقد ق دمنا يف الفصل الس ابق االستش فاء ب القرآن‪ ،‬واآلن نتط رق إىل أمهية‬
‫التداوي بالغذاء بدال عن العالج بالكمياويات‪.‬‬
‫فاألصل بالمسلم إذا أصابه كرب أو مرض وما شابه ذلك عليه أن يفزع‬
‫إلى اهلل س بحانه وتع الى ال ذي هو وح ده يكشف الض ر‪ ،‬ومن ثم يع الج‬
‫نفسه بما ثبت عن رس ول اهلل ‪ $‬باألدوية الغذائية النافعة ب إذن اهلل تع الى‪،‬‬
‫فإننا نجد بعض الناس وخصوصا في زمننا هذا يلجأون في حال المرض‬
‫وغيره إلى األطباء قبل لجوئهم إلى إهلل تعالى ‪.‬‬
‫فيجب على المسلم أن ال يُعرض عن االسشتفاء بالقرآن الكريم والسنة‬
‫المطهرة‪ ،‬وأن يلتجأ إلى اهلل تعالى في السراء والضراء‪.‬‬
‫ق ال ابن قيم الجوزية‪ :‬ف إعراض الن اس عن طب النب وة كإعراض هم عن‬
‫االستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع‪ .‬اهـ‪)2(.‬‬

‫‪ ) )1‬زاد املعاد (‪.)4/121‬‬


‫‪ ) )2‬الطب النبوي(ص‪.)29‬‬
‫هذا وقد جعل اهلل عز وجل لكل داء دواء‪ ،‬فهو سبحانه وتعاىل أنزل الداء‬
‫وأنزل معه الدواء‪.‬‬
‫عن مالك بن أنس‪ ،‬عن زيد بن أسلم‪" :‬أن رجالً في زمان رسول اهلل ‪$‬‬
‫ُجرح فاحتقن الجرج بالدم وأن الرجل دعا برجلين من بني أنمار فنظرا‬
‫إليه فقال لهما رسول اهلل‪":‬أيكما أطب ؟"‪.‬‬
‫فقاال ‪ :‬أيف الطب خري يا رسول اهلل؟ فقال رسول اهلل‪" :$‬أنزل الدواء الذي‬
‫أنزل الداء"‪)1(.‬‬
‫قال ابن عبدالرب‪ :‬ويف هذا احلديث إباحة التداوي‪ ،‬وإباحة معاجلة األطباء‪،‬‬
‫وجواز الطب والتطبب‪)2( .‬‬
‫ئل رس ول اهلل ‪ :$‬هل ينفع ال دواء‬
‫وعن ابن عب اس رضي اهلل عنهم ا‪ ،‬أنه س َ‬
‫من القدر؟‪ ،‬فقال‪" :‬الدواء من القدر‪ ،‬وقد ينفع بإذن اهلل تعالى"‪‌ )3(.‬‬
‫قال اإلمام أبو عبد اهلل حممد املقدسي‪ :‬وهذا من حكمة اهلل كما هو شائع أنه‬
‫إذا ابتلى أعان‪ ،‬فابتلى بالداء وأعان بالدواء‪ ،‬وابتلى بالذنب وأعان بالتوبة‪،‬‬

‫‪ ) )1‬رواه مالك في الموطأ (‪ )944‬وابن عبد البر في التمهيد (‪ .)110‬والكحال في‬


‫األحكام في الصناعة الطبية (‪ ،)148 /1‬وصححه األلباني في صحيح الجامع برقم‬
‫(‪.)1688‬‬
‫‪ ) )2‬االستذكار (‪.)8/414‬‬
‫‪ ) )3‬صحيح اجلامع حديث رقم (‪. )3415‬‬
‫وابتلى ب األرواح اخلبيثة الش ياطني‪ ،‬وأع ان ب األرواح الطيبة املالئك ة‪ ،‬وابتلى‬
‫باحملرمات وأعان بإباحة نظريها‪)1( .‬‬
‫فاهلل س بحانه عن دما خلق ال داء‪ ،‬وهو منه س بحانه وتع اىل ابتالء لعب اده‪،‬‬
‫وخباصة املؤم نني منهم ‪ ،‬ويك ون تكف رياً لس يئاهتم‪ ،‬وه ذا منه رمحةً لعب اده‬
‫املؤم نني‪ ،‬فعن دما خلق اهلل س بحانه وتع اىل ال داء خلق معه ال دواء‪ ،‬وجعله‬
‫مباحاً لعباده ‪.‬‬
‫فعن أيب الدرداء ‪ ،‬عن رسول اهلل ‪ ‬قال‪" :‬إن اهلل خلق الداء‬
‫(‪) 2‬‬
‫والدواء‪،‬فتداووا‪،‬وال تتداووا بحرام"‪.‬‬
‫داء إال وأنزل‬
‫وعن ابن مسعود ‪ ، ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪" :‬إن اهلل لم ينـزل ً‬
‫دواء ؛ جهله من جهله ‪ ،‬وعلمه من علمه"‪)3(.‬‬
‫له ً‬
‫قال ابن حجر‪ :‬ومما يدخل يف قوله جهله من جهله ما يقع لبعض املرضى أنه‬
‫يتداوى من داء بدواء فيربا مث يعرتيه ذلك الداء بعينه فيتداوى بذلك الدواء‬
‫بعينه فال ينجع‪ ،‬والسبب يف ذلك اجلهل بصفة من صفات الدواء فرب‬
‫مرضني تشاهبا ويكون أحدمها مركبا ال ينجع فيه ما ينجع يف الذي ليس‬

‫‪ ) )1‬اآلداب الشرعية (‪. )2/336‬‬


‫‪ )(2‬السلسلة الصحيحة رقم (‪ ،)1633‬صحيح الجامع برقم (‪. )1762‬‬
‫‪ ) )3‬السلسلة الصحيحة (‪ ، )452‬وصحيح موارد الظمآن برقم (‪ ،.)1196‬وصحيح اجلامع برقم‬
‫(‪. )1762‬‬
‫مركبا فيقع اخلطأ من هنا وقد يكون متحدا لكن يريد اهلل أن ال ينجع فال‬
‫ينجع ومن هنا ختضع رقاب األطباء ‪)1( .‬‬
‫وعن أسامة بن شريك‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت رسول اهلل ‪ ‬وأصحابه كأمنا على‬
‫رؤوسهم الطري ‪ ،‬فسلمت مث قعدت ‪ ،‬فجاءت األعراب من هاهنا فقالوا ‪ :‬يا‬
‫داء إال وضع له‬
‫رسول اهلل ! نتداوى ؟ قال ‪" :‬تداووا فإن اهلل لم يضع ً‬
‫دواء ‪ ،‬غير واحد ‪ :‬الهرم" ‪.‬‬
‫ً‬
‫شفاء ؛‬
‫داء إال قد أنزل له ً‬
‫ويف لفظ ‪" :‬تداووا عباد اهلل ! فإن اهلل لم ينـزل ً‬
‫إال السام والهرم"‪)2(.‬‬
‫قال املناوي‪( :‬إن الذي أنزل الداء) وهو اهلل تعاىل (أنزل الشفاء) أي‪ :‬أنزل‬
‫ما حيصل به الشفاء من األدوية‪ ،‬أو أنزل ما يستشفى به منه‪ ،‬وما من شيء‬
‫إال وله ضد وشفاء الضد بضده‪ ،‬وإمنا يتعذر استعماله باجلهل بعينه أو بفقده‬
‫أو قيام موانع أخر‪ ،‬وكذا املرض والدواء ما يتداوى به كما مر‪ ،‬والشفاء‬
‫الربء من العلة‪)3( .‬‬
‫والتداوي هو من قدر اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬كما ثبت ذلك عن رسول اهلل ‪.$‬‬

‫‪ ) )1‬فتح الباري (‪.)136-10/135‬‬


‫‪ ) )2‬قال الدكتور محمد ضياء األعظمي في شرحه على السنن الصغرى للبيهقي ‪:‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ، )4/192‬والترمذي (‪ ، )4/383‬وابن ماجة (‪، )2/1137‬‬
‫وأحمد (‪ ، )4/278‬والحاكم (‪ ، )4/399‬والبيهقي في السنن الكبرى (‪. )9/343‬‬
‫كلهم من طرق عن زياد بن عالقة به ‪.‬‬
‫‪ ) )3‬فيض القدير (‪.)2/381‬‬
‫قى‬
‫ور ً‬
‫فعن كعب بن مالك ‪:‬أنه قال‪ :‬يا رسول اهلل! أرأيت دواءً نتداوى به‪ُ ،‬‬
‫نسرتقي هبا‪ ،‬وأشياء نفعلها؛ هل ترد من قد ِر اهلل؟ قال‪" :‬يا كعب ! بل هي‬
‫من قد ِر اهلل" ‪)1( .‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬فبني صلى اهلل عليه وسلم أنه يرد قدر اهلل بقدر‬
‫اهلل إما دفعا‪ ،‬وإما رفعا‪ ،‬إما دفعا ملا انعقد سبب لوجوده‪ ،‬وإما رفعا ملا وجد‬
‫كرفع املرض ودفعه‪ ،‬ومن هذا قوله تعاىل له معقبات من بني يديه ومن خلفه‬
‫حيفظونه من أمر اهلل سورة الرعد(‪ )11‬قيل معقبات من أمر اهلل حيفظونه‬
‫وقيل حيفظونه من أمر اهلل الذي ورد ومل حيصل حيفظونه أن يصل إليه‬
‫وحفظهم بأمر اهلل‪)2( .‬‬
‫وعن جابر بن دينار بن عبد اهلل أن رسول اهلل ‪ ‬عاد مريضاً فقال ‪" :‬أال‬
‫تدعوا له طبيباً؟" ‪.‬قالوا يا رسول اهلل وأنت تأمرنا بهذا ؟ قال ‪ :‬فقال ‪:‬‬
‫"إن اهلل عز وجل لم ينـزل داء إال أنزل معه دواء "‪)3(.‬‬
‫وعن أسامة بن زيد وابن مسعود‪ ،‬عن رسول اهلل ‪ ‬وحدث اخلزامي سنداً أن‬
‫وبث الدواء وجعل لكل داء دواء‬
‫بث الداء ّ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قال‪" :‬إن اهلل ّ‬
‫من الشجر والعسل فتداوا" ‪)4( .‬‬
‫‪1‬‬
‫) ) ختريج أحاديث مشكلة الفقر (‪ ، )13/11‬وصحيح موارد الظمآن رقم (‪.)1171‬‬
‫‪ ) )2‬منهاج السنة النبوية (‪.)3/232‬‬
‫‪ ) )3‬السلسلة الصحيحة رقم (‪. )2873‬‬
‫‪4‬‬
‫) ) رواه أبو داود يف السنن برقم (‪ ، )3874‬والبيهقي يف السنن الكربى(‪.)10/5‬‬
‫ق ال ابن حج ر‪ :‬واحلاصل أن حص ول الش فاء بال دواء إمنا هو ك دفع اجلوع‬
‫باألكل والعطش بالش رب وهو ينجع يف ذلك يف الغ الب‪ ،‬وقد يتخلف ملانع‬
‫واهلل أعلم‪)5( .‬‬
‫والتداوي هو سبب من اهلل تعاىل إن شاء اهلل نفع به وإن شاء مل ينفع به‪،‬‬
‫فاالعتماد يكون على اهلل عز وجل ال على السبب‪ ،‬فالشفاء بيده سبحانه‬
‫وتعاىل وهو الشايف‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬وذلك ألن اهلل سبحانه وتعاىل هو يعلم األشياء‬
‫على ما هي عليه وكذلك يكتبها فإذا كان قد علم أهنا تكون بأسباب من‬
‫عمل وغريه وقضى أهنا تكون كذلك وقدر ذلك مل جيز أن يظن أن تلك‬
‫األمور تكون بدون األسباب اليت جعلها اهلل أسبابا وهذا عام يف مجيع‬
‫احلوادث‪.‬‬
‫مثال ذلك إذا علم اهلل وكتب أنه سيولد هلذين ولد وجعل اهلل سبحانه ذلك‬
‫معلقا بإجتماع األبوين على النكاح وإنزال املاء املهني الذي ينعقد منه الولد‬
‫فال جيوز أن يكون وجود الولد بدون السبب الذي علق به وجود الولد‬
‫واألسباب وإن كانت نوعني معتادة و غريبة فاملعتادة كوالدة اآلدمى من‬
‫أبوين والغريبة كوالدة اإلنسان من أم فقط كما ولد عيس أو من أب فقط‬
‫كما ولدت حواء أو من غري أبوين كما خلق آدم أبو البشر من طني‪ ،‬فجميع‬

‫‪5‬‬
‫) ) فتح الباري (‪.)10/136‬‬
‫األسباب قد تقدم علم اهلل هبا وكتابته هلا وتقديره إياها و قضاؤه هبا كما‬
‫تقدم ربط ذلك باملسببات كذلك أيضا األسباب اليت هبا خيلق النبات من‬
‫إنزال املطر وغريه من هذا الباب كما قال تعاىل وما أنزل اهلل من السماء من‬
‫ماء فأحيا به األرض بعد موهتا وبث فيها من كل دابة‪ ،‬وقال فأنزلنا به املاء‬
‫فأخرجنا به من كل الثمرات وقال وجعلنا من املاء كل شيء حي وأمثال‬
‫ذلك فجميع ذلك مقدر معلوم مقضى مكتوب قبل تكوينه فمن ظن أن‬
‫الشيء إذا علم وكتب أنه يكفى ذلك يف وجوده وال حيتاج إىل ما به يكون‬
‫من الفاعل الذي يفعله وسائر األسباب فهو جاهل ضال ضالال مبينا من‬
‫وجهني‪)1( .‬‬
‫وعن إبراهيم التيمي ‪ ،‬أن رجالً أتى إىل رسول اهلل ‪ ، ‬فقال له رسول اهلل ‪‬‬
‫‪" :‬من أنت ؟" ‪ .‬قال ‪ :‬أنا طبيب ‪ .‬قال له رسول اهلل ‪" : ‬ولعلك تدبر‬
‫أشياء يحرق بها غيرك"‪)2(.‬‬
‫عل التداوي يف‬ ‫ِ‬
‫قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل ‪ :‬فكان من هديه ‪ ‬ف ُ‬
‫نفسه ‪ ،‬واألمر به ملن أصابه مرض من أهله وأصحابه‪ ،‬ولكن مل يكن ِمن‬
‫هديه وال هدي أصحابه استعمال هذه األدوية َّ‬
‫املركبة اليت تسمى أقرباذين ‪،‬‬
‫غالب أدويتهم باملفردات‪ ،‬ورمبا أضافوا إىل املفرد ما يُعاونه‪ ،‬أو‬
‫بل كان ُ‬
‫‪ ) )1‬جمموع الفتاوى (‪.)277-8/276‬‬
‫‪2‬‬
‫) ) رواه مسلم في صحيحه (‪ ، )1921‬وأحمد في المسند (‪ )134 :4‬والبيهقي في‬
‫السنن الكبرى(‪ ،)375 :3‬والحاكم في المستدرك (‪.)602 :3‬‬
‫يكسر سورته‪ ،‬وهذا غالب طب األمم على اختالف ِ‬
‫أجناسها من العرب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الروم واليونان واكثر ِط ِّ‬
‫ب اهلند‬ ‫والرتك‪ِ ،‬‬
‫وأهل البوادي قاطبةً وإمنا باملركبات ُ‬
‫باملفردات‪.‬‬
‫وقد اتفق األطباء على أنه مىت أمكن التداوي بالغذاء ال يُعدل عنه إىل الدواء‪،‬‬
‫ومىت أمكن بالبسيط ال يُعدل عنه إىل املركب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وكل داء على دفعه باألغذية واحلمية‪ ،‬مل حُي اول دفعه باألدوية ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫وعن جابر ‪ ، ‬عن رسول اهلل ‪ ‬أنه قال ‪" :‬لكل داء‪ ،‬دواء‪ ،‬فإذا أصيب‬
‫دواء الداء برأ بإذن اهلل عزوجل" ‪)2( .‬‬
‫قال اإلمام النووي رمحه اهلل تعاىل ‪ :‬ويف هذا احلديث إشارة إىل استحباب‬
‫الدواء ‪ .‬وهو مذهب أصحابنا ومجهور السلف وعامة اخللف ‪.‬اهـ ‪)3( .‬‬
‫وعن طارق بن شهاب ‪ ،‬عن النيب ‪" : ‬إن اهلل تعالى لم يضع داء إال وضع‬
‫له شفاء فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر" ‪‌ )4( . ‬‬

‫‪‬‬

‫) ) الطب النبوي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ) )2‬رواه مسلم يف الطب برقم (‪ ،)5705‬باب لكل داء دواء واستحباب التداوي‪.‬‬
‫‪ ) )3‬شرح مسلم (‪. )14/412‬‬
‫‪4‬‬
‫) ) صحيح الجامع حديث رقم (‪. )1808‬‬
‫حكم التداوي‬
‫والت داوي س نةٌ وتركه درجة أعلى من ه‪ ،‬كما ثبت ذلك عن الس لف الص احل‬
‫رضوان اهلل عليهم ‪ ،‬وكما نص على ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه‬
‫ابن مفلح يف "اآلداب الشرعية" ‪.‬‬
‫قال ابن عبدالرب‪ :‬والذي أقول به أنه قد كان من خيار هذه األمة وسلفها‬
‫وعلمائها قوم يصربون على األمراض حىت يكشفها اهلل ومعهم األطباء فلم‬
‫يعابوا برتك املعاجلة ولو كانت املعاجلة سنة من السنن الواجبة لكان الذم قد‬
‫حلق من ترك االسرتقاء والتداوي وهذا ال نعلم أحدا قاله ولكان أهل البادية‬
‫واملواضع النائية عن األطباء قد دخل عليهم النقص يف دينهم لرتكهم ذلك‬
‫وإمنا التداوي واهلل أعلم إباحة على ما قدمنا مليل النفوس إليه وسكوهنا حنوه (‬
‫( ولكل أجل كتاب ) ) ال أنه سنة وال أنه واجب وال أن العلم بذلك علم‬
‫موثوق به ال خيالف بل هو خطر وجتربة موقوفة على القدر واهلل نسأله‬
‫العصمة والتوفيق ‪)1( .‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬ولست أعلم سالفا أوجب التداوي وإمنا كان‬
‫كثري من أهل الفضل واملعرفة يفضل تركه تفضال واختيارا ملا اختار اهلل‬
‫ورضي به وتسليما له وهذا املنصوص عن أمحد وإن كان من أصحابه من‬

‫‪ ) )1‬التميد (‪.)5/279‬‬
‫يوجبه ومنهم من يستحبه ويرجحه كطريقة كثري من السلف استمساكا ملا‬
‫( ‪)1‬‬
‫خلقه اهلل من األسباب وجعله من سنته يف عباده‪.‬اهـ‪.‬‬
‫قال يف فتح الودود الظاهر أن األمر لإلباحة والرخصة وهو الذي يقتضيه‬
‫املقام فإن السؤال كان عن اإلباحة قطعا فاملتبادر يف جوابه أنه بيان لإلباحة‪،‬‬
‫ويفهم من كالم بعضهم أن األمر للندب وهو بعيد فقد ورد مدح من ترك‬
‫الدواء واالسرتقاء توكال على اهلل‪.‬‬
‫نعم قد تداوى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بيانا للجواز فمن نوى موافقته‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يؤجر على ذلك (مل يضع) أي مل خيلق (داء) أي مرضا‬
‫ومجعه أدواء (إال وضع له) أي خلق له (اهلرم) بفتح اهلاء والراء وهو باجلر‬
‫على أنه بدل من داء وقيل خرب مبتدأ حمذوف أي هو اهلرم أو منصوب‬
‫بتقدير أعين واملراد به الكرب‪ .‬قاله القارىء‪.‬‬
‫وقال اخلطايب‪ :‬يف هذا احلديث إثبات الطب والعالج وأن التداوي مباح غري‬
‫مكروه كما ذهب إليه بعض الناس وفيه أنه جعل اهلرم داء وإمنا هو ضعف‬
‫الكرب وليس هو من األدواء اليت هي أسقام عارضة لألبدان من قبل اختالف‬
‫الطبائع وتغري األمزجة وإمنا شبهه بالداء ألنه جالب التلف كاألدواء اليت قد‬
‫يتعقبها املوت واهلالك انتهى‪.‬‬

‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى (‪.)21/565‬‬


‫قال العيين فيه إباحة التداوي وجواز الطب وهو رد على الصوفية أن الوالية‬
‫ال تتم إال إذا رضي جبميع ما نزل به من البالء وال جيوز له مداواته وهو‬
‫(‪)1‬‬
‫خالف ما أباحه الشارع انتهى‪.‬‬
‫وقال الدكتور حممد ضياء األعظمي‪ :‬قلت‪ :‬ويف رواية‪" :‬تداووا"‪ :‬دليل على‬
‫إثب ات العالج‪ ،‬وأن الت داوي مب اح وليس ب واجب‪ ،‬واإلمهال فيه م ذموم‪ ،‬إال‬
‫أصحاب العزائم كما جاء يف الصحيحني‪ :‬البخاري (‪ ،)10/211‬ومسلم (‬
‫‪" :)1/199‬س بعون ألف اً ي دخلون الجنة بغ ير حس اب ‪ ،‬وهم ال ذين ال‬
‫يتطيرون ‪ ،‬وال يكتوون‪ ،‬وال يسترقون‪ ،‬وعلى ربهم يتوكلون"‪.‬اهـ‪)2(.‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫النهي عن التداوي بالمحرمات‬
‫وكما أرشدنا الشارع احلكيم إىل التداوي فكذلك هنانا أن نتداوى حبرام‪،‬‬
‫ومل جيعل اهلل سبحانه وتعاىل شفاءنا يف حرم علينا‪.‬‬
‫ذكر البخاري يف "صحيحه" يف كتاب األشربة عن ابن مسعود ‪" :‬إن اهلل لم‬
‫حرم عليكم"‪)3(.‬‬
‫يجعل شفاءكم فيما َّ‬

‫‪ )(1‬عون المعبود (‪.)340-10/239‬‬


‫‪ ) )2‬شرح وتخريج السنن الصغرى للبيهقي (‪. )8/346‬‬
‫‪ ) )3‬صحيح البخاري (‪.)5/2129‬‬
‫وعن وائل بن حجر >‪ ،‬عن النيب ‪" $‬إنها ليست بدواء ولكنها داء ‪-‬‬
‫يعني الخمر"‪‌ )1( . ‬‬
‫ويف "صحيح مسلم" يف كتاب األشربة برقم (‪ )1984‬عن طارق بن سويد‬
‫اجلُعفي‪ ،‬أنه سأل النيب ‪ ‬عن اخلمر‪ ،‬فنهاه‪ ،‬أو كره أن يصنَعها‪ ،‬فقال‪ :‬إمنا‬
‫أصنعها للدواء‪ ،‬فقال‪" :‬إنَّه لَيس ٍ‬
‫بدواء‪ ،‬ولكنَّهُ َداءٌ" ‪.‬‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫قوله ‪" : $‬إنه ليس بدواء ولكنه داء"‪.‬قال النووي رمحه اهلل تعاىل ‪ :‬هذا‬
‫دليل لتحرمي اختاذ اخلمر وختليلها ‪ ،‬وفيه التصريح بأهنا ليست بدواء فيحرم‬
‫التداوي هبا ألهنا ليست بدواء فكأنه يتناوهلا بال سبب ‪ ،‬وهذا هو الصحيح‬
‫عند أصحابنا أنه حيرم التداوي هبا ‪ ،‬وكذا حيرم شرهبا للعطش ‪ ،‬وأما إذا‬
‫غص بلقمة ومل جيد ما يسيغها به إال مخرا فليلزمه االساغة هبا ألن حصول‬
‫الشفاء هبا حينئذ مقطوع به خبالف التداوي واهلل أعلم‪.‬اهـ‪)2(.‬‬
‫وعن أيب الدرداء ‪ ، ‬عن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪" :‬إن اهلل خلق الداء‬
‫والدواء‪،‬فتداووا‪،‬وال تتداووا بحرام" ‪)3( .‬‬
‫وعن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪" : ‬من تداوى بحرام لم يجعل اهلل‬
‫له فيه شفاء" ‪)4( .‬‬
‫‪ ) )1‬صحيح الجامع حديث رقم (‪‌. )2436‬‬
‫‪ ) )2‬شرح النووي (‪. )13/153‬‬
‫‪ ) )3‬أخرجه أبو داود في الطب برقم (‪ ، )3874‬باب في األدوية المكروهة‪ .‬السلسلة‬
‫الصحيحة رقم (‪ ،)1633‬وصحيح الجامع برقم (‪. )1762‬‬
‫‪ ) )4‬الصحيحة (‪. )2881‬‬
‫وسئل شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل عن املريض إذا قالت له األطباء‬
‫مالك دواء غري أكل حلم الكلب أو اخلنـزير‪ ،‬فهل جيوز له أكله مع قوله تعاىل‬
‫وحيل هلم الطيبات وحيرم عليهم اخلبائث‪ ،‬وقول النيب أن اهلل مل جيعل شفاء‬
‫أمتي فيما حرم عليها‪ ،‬وإذا وصف له اخلمر أو النبيذ هل جيوز شربه مع هذه‬
‫النصوص أم ال‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬ال جيوز التداوي باخلمر وغريها من اخلبائث ملا رواه وائل بن حجر‬
‫إن طارق بن سويد اجلعفي سأل النيب صلى اهلل عليه وسلم عن اخلمر فنهاه‬
‫عنها فقال إمنا أصنعها للداوء فقال انه ليس بدواء ولكنه داء رواه اإلمام أمحد‬
‫ومسلم يف صحيحه‪ ،‬وعن أىب الدرداء قال‪ :‬قال رسول اهلل إن اهلل أنزل‬
‫الدواء وأنزل الداء وجعل لكل داء دواء فتداووا وال تتداووا حبرام رواه أبو‬
‫داود‪ ،‬وعن أىب هريرة قال‪ :‬هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن الدواء‬
‫باخلبيث"‪.‬‬
‫وىف لفظ يعىن السم رواه أمحد وابن ماجه والرتمذي وعن عبد الرمحن بن‬
‫عثمان قال ذكر طبيب عند رسول اهلل دواء وذكر الضفدع جتعل فيه فنهى‬
‫رسول اهلل عن قتل الضفدع رواه أمحد وأبو داود والنسائي وقال عبد اهلل بن‬
‫مسعود يف السكر إن اهلل مل جيعل شفاءكم فيما حرم عليكم ذكره البخاري‬
‫يف صحيحه وقد رواه أبو حامت بن حبان يف صحيحه مرفوعا إىل النيب فهذه‬
‫النصوص وأمثاهلا صرحية يف النهى عن التداوي باخلبائث مصرحة بتحرمي‬
‫التداوي باخلمر إذ هي أم اخلبائث ومجاع كل إمث‪)1( .‬‬
‫واخلمر اسم لكل مسكر كما ثبت بالنصوص عن النيب كما رواه مسلم يف‬
‫صحيحه عن ابن عمر عن النىب انه قال كل مسكر مخر وكل مخر حرام وىف‬
‫رواية كل مسكر حرام وىف الصحيحني عن أىب موسى األشعري قال قلت يا‬
‫رسول اهلل افتنا يف شرابني كنا نصنعهما باليمن البتع وهو من العسل ينبذ‬
‫حىت يشتد واملزر وهو من الذرة والشعري ينبذ حىت يشتد وكان رسول اهلل قد‬
‫أعطى جوامع الكلم فقال كل مسكر حرام‪ ،‬وكذلك يف الصحيحني عن‬
‫عائشة قالت سئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن البتع وهو نبيذ العسل‬
‫وكان أهل اليمن يشربونه فقال كل شراب اسكر فهو حرام ورواه مسلم يف‬
‫صحيحه والنسائي وغريمها عن جابر أن رجال من حبشان من اليمن سأل‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال‬
‫له املزر فقال أمسكر هو قال نعم فقال كل مسكر حرام إن على اهلل عهدا‬
‫ملن شرب املسكر أن يسقيه من طينة اخلبال احلديث فهذه األحاديث‬
‫املستفيضة صرحية بان كل مسكر حرام وأنه مخر من أي شيء كان وال جيوز‬
‫التداوى بشيء من ذلك‪.‬‬
‫وأما قول األطباء أنه ال يربأ من هذا املرض إال هبذا الدواء املعني فهذا قول‬
‫جاهل ال يقوله من يعلم الطب أصال فضال عمن يعرف اهلل ورسوله فإن‬
‫‪ ) )1‬مجموع الفتاوى (‪.)3/9‬‬
‫الشفاء ليس يف سبب معني يوجبه يف العادة كما للشبع سبب معني يوجبه يف‬
‫العادة إذ من الناس من يشفيه اهلل بال دواء ومنهم من يشفيه اهلل باألدوية‬
‫اجلثمانية حالهلا وحرامها وقد يستعمل فال حيصل الشفاء لفوات شرط أو‬
‫لوجود مانع وهذا خبالف األكل فانه سبب للشبع وهلذا أباح اهلل للمضطر‬
‫اخلبائث أن يأكلها عند االضطرار إليها يف املخمصة فان اجلوع يزول هبا وال‬
‫يزول بغريها بل ميوت أو ميرض من اجلوع فلما تعينت طريقا‬
‫إىل املقصود أباحها اهلل خبالف األدوية اخلبيثة‪ ،‬بل قد قيل من استشفى‬
‫باألدوية اخلبيثة كان دليال على مرض يف قلبه وذلك يف إميانه فإنه لو كان من‬
‫أمة حممد املؤمنين ملا جعل اهلل شفاءه فيما حرم عليه وهلذا إذا اضطر إىل امليتة‬
‫وحنوها وجب عليه األكل يف املشهور من مذهب األئمة األربعة وأما التداوى‬
‫فال جيب عند أكثر العلماء باحلالل وتنازعوا هل األفضل فعله أو تركه على‬
‫طريق التوكل‪.‬‬
‫ومما يبني ذلك أن اهلل ملا حرم امليتة والدم وحلم اخلنزير وغريها مل يبح ذلك‬
‫إال ملن اضطر إليها غري باغ وال عاد وىف آية أخرى فمن اضطر يف خممصة‬
‫غري متجانف إلمث فإن اهلل غفور رحيم ومعلوم أن املتداوى غري مضطر إليها‬
‫فعلم أهنا مل حتل له‪ ،‬وأما ما أبيح للحاجة ال جملرد الضرورة كلباس احلرير فقد‬
‫ثبت يف الصحيح أن النىب رخص للزبري وعبد الرمحن بن عوف يف لبس احلرير‬
‫حلكة كانت هبما وهذا جائز على أصح قويل العلماء ألن لبس احلرير إمنا‬
‫حرم عند اإلستغناء عنه وهلذا أبيح للنساء حلاجتهن إىل التزين به وأبيح هلن‬
‫التسرت به مطلقا فاحلاجة إىل التداوى به كذلك بل أوىل وهذه حرمت ملا فيها‬
‫من السرف واخليالء والفخر وذلك منتف إذا احتيج إليه وكذلك لبسها للربد‬
‫أو إذا مل يكن عنده ما يسترت به غريها‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪":‬إن اهلل لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم"‪)1(.‬‬
‫وعن أيب هريرة ‪ ،‬قال‪" :‬نهى رسول اهلل ‪ ‬عن الدواء الخبيث"‪)2(.‬‬
‫ويف "السنن" أنه سئل عن اخلمر جيعل يف الدواء‪ ،‬فقال‪" :‬إنها داءٌ وليست‬
‫بالدواء"‪)3( .‬‬
‫ويف"سنن النسائي"‪" :‬أن طبيباً ذكر ضفدعاً في دواء عند رسول اهلل ‪، ‬‬
‫"فنهاه عن قتلها"‪)4(.‬‬
‫فدل – هذا احلديث ‪ -‬أن الضفدع حيرم أكلها وأهنا غري داخلة فيما أبيح‬

‫‪ ) )1‬أخرجه البخاري (‪ )10/68‬تعليقا ً في الطب ‪ ،‬باب شراب الحلواء والعسل‪.‬‬


‫أخرجه أبو داود (‪ )3870‬والترمذي (‪ ، )2046‬وابن ماجة (‪ ، )3459‬وأحمد (‬
‫‪ )2/305‬و(‪)446‬و(‪ . )478‬وصححه األلباني في صحيح الجامع برقم (‪. )6878‬‬
‫‪ ) )2‬أخرجه أبو داود (‪ )3870‬والترمذي (‪ ، )2046‬وابن ماجة (‪ ، )3459‬وأحمد‬
‫(‪ )2/305‬و(‪)446‬و(‪ . )478‬وصححه األلباني في صحيح الجامع برقم (‪. )6878‬‬
‫‪ ) )3‬أخرجه أبو داود في الطب برقم (‪ ،)3873‬باب ما جاء في األدوية المكروهة ‪،‬‬
‫والترمذي (‪ )2047‬من حديث طارق بن سويد ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح ‪،‬‬
‫وصححه ابن حبان (‪ .)1377‬صحيح الجامع برقم (‪. )2408‬‬
‫‪ ) )4‬أخرجه النسائي (‪ )7/210‬في الصيد ‪ ،‬باب الضفدع ‪ ،‬وأحمد (‪ )453 /3‬و (‬
‫‪)499‬من حديث عبد الرحمن بن عثمان ‪ ،‬وسنده صحيح ‪.‬‬
‫من دواب املاء‪)1( .‬‬
‫وقال ابن قيم اجلوزية‪ :‬قال صاحب القانون ‪ :‬من أكل من دم الضفدع أو‬
‫جرمه ورم بدنه وكمد لونه وقذف املين حىت ميوت ولذلك ترك األطباء‬
‫استعماله خوفا من ضرره‪ ،‬وهي نوعان ‪ :‬مائية‪ ،‬وترابية‪ ،‬والرتابية يقتل أكلها‪.‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫ويذكر عنه ‪ ‬أنه قال ‪":‬من تداوى بالخمر ‪ ،‬فال شفاه اهلل"‪)3(.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬أن املرض يكون له أدوية شىت فإذا مل يندفع‬
‫باحملرم انتقل إىل احمللل وحمال أن ال يكون له يف احلالل شفاء أو دواء والذي‬
‫أنزل الداء أنزل لكل داء دواء إال املوت وال جيوز أن يكون أدوية األدواء يف‬
‫القسم احملرم وهو سبحانه الرؤوف الرحيم وإىل هذا اإلشارة باحلديث املروي‬
‫إن اهلل مل جيعل شفاء أميت فيما حرم عليها خبالف املسغبة فإهنا وإن اندفعت‬
‫بأي طعام اتفق إال أن اخلبيث إمنا يباح عند فقد غريه فإن صورت مثل هذا‬
‫يف الدواء فتلك صورة نادرة ألن املرض أندر من اجلوع بكثري وتعني الدواء‬
‫( ‪)4‬‬
‫املعني وعدم غريه نادر فال ينتقض هذا على أن يف األوجه السالفة غىن‪.‬‬
‫وقال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫‪ ) )1‬شرح مسند أبي حنيفة (‪.)1/215‬‬
‫‪ ) )2‬زاد المعاد (‪.)4/307‬‬
‫‪ ) )3‬أورده السيوطي يف "اجلامع الصغري" بلفظ "من تداوى حبرام كخمر ‪ ،‬مل جيعل اهلل له فيه‬
‫شفاء" ‪ .‬قال األلباين ‪" :‬ضعيف" ‪ ،‬انظر ضعيف اجلامع حديث رقم‪‌. )5518( :‬‬
‫‪ )(4‬مجموع الفتاوى (‪.)21/565‬‬
‫وإمنا حرم على هذه األمة ما حرم خلبثه وحترميه له محية هلم وصيانة عن تناوله ‪،‬‬
‫فال يناسب أن يطلب به الشفاء من األسقام والعلل ‪ ،‬فإنه وإن أثر يف أزالتها لكنه‬
‫يعقب سقما أعظم منه يف القلب بقوة اخلبث الذي فيه فيكون املداوي به قد‬
‫سعى يف إزالة سقم البدن بسقم القلب وأيضا فإن حترميه يقتضي جتنبه والبعد عنه‬
‫بكل طريق ويف اختاذه دواء حض على الرتغيب فيه ومالبسته وهذا ضد مقصود‬
‫الشارع ‪ ،‬وأيضا فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة فال جيوز أن يتخذ‬
‫دواء وأيضا فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة اخلبث ألن الطبيعة تنفعل عن‬
‫كيفية الدواء انفعاال بينا ‪ ،‬فإذا كانت كيفته خبيثة أكسب الطبيعة منه خبثا ‪،‬‬
‫فكيف إذا كان خبيثا يف ذاته ‪ ،‬وهلذا حرم اهلل سبحانه على عباده األغذية‬
‫واألشربة واملالبس اخلبيثة ملا تكتسب النفس من هيأة اخلبث وصفته ‪ ،‬وأيضا فإن‬
‫يف إباحة التداوي به ال سيما إذا كانت النفوس متيل إليه ذريعة إىل تناوله لشهوة‬
‫واللذة ال سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع هلا مزيل السقامها جالب لشفائها ‪،‬‬
‫فهذا أحب شيء إليها والشارع سد الذريعة إىل تناوله بكل ممكن ‪ ،‬وال ريب أن‬
‫بني سد الذريعة إىل تناوله وفتح الذريعة إىل تناوله تناقضا وتعارضا ‪ ،‬وأيضا فإن‬
‫يف هذا الدواء احملرم من األدواء ما يزيد على ما يظن فيه من الشفاء وليفرض‬
‫الكالم يف أم اخلبائث اليت ما جعل اهلل لنا فيها شفاء قط ‪ ،‬فإهنا شديدة املضرة‬
‫بالدماغ الذي هو مركز العقل عند األطباء وكثري من الفقهاء واملتكلمني ‪ ،‬قال‬
‫أبقراط يف أثناء كالمه يف األمراض احلادة ضرر اخلمرة بالرأس شديد ألنه يسرع‬
‫االرتفاع إليه ويرتفع بارتفاعه األخالط اليت تعلو يف البدن وهو لذلك يضر‬
‫بالذهن ‪ ،‬وقال صاحب الكامل ‪ :‬إن خاصية الشراب اإلضرار بالدماغ‬
‫والعصب ‪ .‬أهـ ‪)1( .‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫مرض القلوب ومرض األبدان‬
‫قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل‪ :‬املرض نوعان‪ :‬مرض القلوب‪،‬‬
‫ومرض األبدان‪ ،‬ومها مذكوران يف القرآن ‪.‬‬
‫ومرض القلوب‪ :‬نوعان مرض شبهة وشك‪ .‬ومرض شهوة و َغ ٍّي‪ ،‬وكالمها يف‬
‫ُ‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫قال اهلل تعاىل يف مرض الشبهة ‪ :‬في ُقلُوبِهم َم َرض فَ َ‬
‫زاد ُه ُم اهلل َم َرضاً‬
‫‪) 2( . ‬‬
‫ِّس ِاء‬ ‫وأما مرض الشهوات ‪ :‬فقال تعاىل ‪ :‬يا نِساء النَّبي لَست َّن كأ ٍ ِ‬
‫َحد م َن الن َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِّ ْ ُ‬
‫ض ‪) 3( . ‬‬ ‫ض ْع َن بال َق ْو ِل َفيَط َْم َع الذي في َق ْلبِه َم َر ٌ‬ ‫ِ‬
‫إن َّات َقيتُ َّن فال تَ ْخ َ‬
‫فهذا مرض شهوة الزىن ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫‪ ) )1‬الطب النبوي (‪.)1/122‬‬


‫‪ ) )2‬سورة البقرة (‪.)10‬‬
‫‪ ) )3‬سورة األحزاب (‪.)32‬‬
‫س َعلى األَ ْع َمى َح َر ٌ‬
‫ج َوال َعلى‬ ‫وأما مرض األبدان ‪ :‬فقال تعاىل ‪ :‬لَْي َ‬
‫ج ‪) 4( . ‬‬ ‫الم ِر ِ‬
‫يض َح َر ٌ‬ ‫األَ ْع َر ِج َح َر ٌ‬
‫ج َوال َعلى َ‬
‫هِبِ‬
‫قال الشيخ السعدي‪ :‬وقوله‪{ :‬يِف ُقلُو ْم َمَر ٌ‬
‫ض} واملراد باملرض هنا‪:‬‬
‫مرض الشك والشبهات والنفاق‪ ،‬ألن‪  ‬القلب يعرض له مرضان خيرجانه‬
‫عن صحته واعتداله‪ :‬مرض الشبهات الباطلة‪ ,‬ومرض الشهوات املردية‪،‬‬
‫فالكفر والنفاق والشكوك والبدع‪ ,‬كلها من مرض الشبهات‪ ،‬والزنا‪ ,‬وحمبة‬
‫الفواحش واملعاصي وفعلها‪ ,‬من مرض الشهوات‪ ،‬كما قال تعاىل‪َ { :‬فيَطْ َم َع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض} وهي شهوة الزنا‪ ،‬واملعاىف من عويف من هذين‬ ‫الَّذي يِف َق ْلبِه َمَر ٌ‬
‫املرضني‪ ,‬فحصل له اليقني واإلميان‪ ,‬والصرب عن كل معصية‪ ,‬فرفل يف‬
‫أثواب العافية‪.‬‬

‫هِبِ‬
‫ضا} بيان حلكمته‬ ‫ض َفَز َاد ُه ُم اللَّهُ َمَر ً‬ ‫ويف قوله عن املنافقني‪{ :‬يِف ُقلُو ْم َمَر ٌ‬
‫تعاىل يف تقدير املعاصي على العاصني‪ ,‬وأنه بسبب ذنوهبم السابقة‪ ,‬يبتليهم‬
‫ب أَفْئِ َدَت ُه ْم‬
‫{ونُ َقلِّ ُ‬
‫باملعاصي الالحقة املوجبة لعقوباهتا كما قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ص َار ُه ْم َك َما مَلْ يُ ْؤ ِمنُوا بِِه أ ََّو َل َمَّر ٍة} وقال تعاىل‪َ { :‬فلَ َّما َزاغُوا أ ََزا َ‬
‫غ اللَّهُ‬ ‫َوأَبْ َ‬
‫ض َفَز َاد ْت ُه ْم ِر ْج ًسا إِىَل‬ ‫هِبِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين يِف ُقلُو ْم َمَر ٌ‬ ‫{وأ ََّما الذ َ‬
‫وب ُه ْم} وقال تعاىل‪َ :‬‬‫ُقلُ َ‬

‫‪ ) )4‬سورة النور (‪.)61‬‬


‫بعدها‪ ,‬كما أن من ثواب احلسنة‪,‬‬ ‫ِر ْج ِس ِه ْم} فعقوبة املعصية‪ ,‬املعصية‬
‫َّ ِ‬
‫اللَّهُ الذ َ‬
‫ين ْاهتَ َد ْوا ُه ًدى} ‪.‬‬ ‫{ويَِز ُ‬
‫يد‬ ‫احلسنة بعدها‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬‬
‫سر بديع يبني لك عظمة‬ ‫والوضوء لِ ٍّ‬
‫ُ‬ ‫وذكر مرض البدن يف احلج‪ ،‬والصوم‪،‬‬
‫القرآن‪ ،‬واالستغناء به ملن فهمه وعقله عن سواه‪ ،‬وذلك أن قواعد ِطب‬
‫ظ الصحة‪ ،‬واحلمية عن املؤذي‪ ،‬واستفراغُ املواد الفاسدة‪،‬‬ ‫األبدان ثالثة‪ِ :‬حف ُ‬
‫فذكر سبحانه هذه األصول الثالثة يف هذه املواضع الثالثة‪.‬اهـ‪) ( .‬‬
‫‪1‬‬

‫وذكر ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل هذه الفوائد اليت ختص أمراض اجلسم‬
‫نذكرها للفائدة‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫الكالم الكثري ‪ ،‬والنوم الكثري ‪ ،‬واألكل الكثري ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وأربعة أشياء مُت رض اجلسم ‪:‬‬
‫واجلماع الكثري‪.‬‬
‫الشيب ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويعجل‬ ‫فالكالم الكثري يُقلِّل َّ‬
‫مخ الدماغ ويُضعفه ‪ِّ ،‬‬
‫والنوم الكثري ‪ :‬يصفِّر الوجه‪ ،‬ويعمى القلب ‪ ،‬ويهيِّج العني ‪ ،‬وي ِ‬
‫كس ُل عن‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العمل ‪ ،‬ويولِّ ُد الرطوبات يف البدن ‪.‬‬
‫واألكل الكثري ِ‬
‫يفس ُد فم املعدة ‪ ،‬ويُضعف اجلسم ‪ ،‬ويولِّ ُد الرياح الغليظة ‪،‬‬ ‫ُ ُ‬
‫واألدواء العسرة ‪.‬‬

‫‪ ) )1‬تفسير السعدي‪.‬‬
‫البدن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رطوبات ِ‬ ‫ضعف ال ُقوى‪ ،‬وجيفِّف‬ ‫واجلماع الكثري ‪ُّ :‬‬
‫يهد البدن‪ ،‬ويُ ُ‬
‫وحيض الدماغ‬
‫ُّ‬ ‫ويعُ ُّم ضرره مجيع البدن‪،‬‬
‫السدد ‪َ ،‬‬
‫العصب ‪ ،‬ويورث ُّ‬
‫َ‬ ‫ويُرخي‬
‫لكثرة ما يتحلل به من الروح النفساين‪ ،‬وإضعافه أكثر من إضعاف مجيع‬
‫املستفرغات‪ ،‬ويستفرغ ِمن جوهر الروح شيئاً كثرياً‪.‬‬
‫اهلم ‪ .‬احلزن ‪ .‬واجلوع ‪ .‬والسهر ‪.‬‬ ‫فصل ‪ :‬أربعةٌ ِ‬
‫هتد ُم البدن ‪ُّ :‬‬
‫تفرح‪ :‬النظر إىل اخلضرة‪ ،‬وإىل املاء اجلاري‪ ،‬واحملبوب‪ ،‬والثمار ‪.‬‬
‫وأربعة ُ‬
‫املشي حافياً ‪ ،‬والتصبح والتمسي بوجه البغيض والثقيل‬
‫وأربعةٌ تُظلم البصر ‪ُ :‬‬
‫‪ ،‬والعدو ‪ ،‬وكثرة البكاء ‪ ،‬وكثرة النظر يف اخلط الدقيق‪.‬‬
‫لبس الثوب الناعم ‪ ،‬ودخول احلمام املعتدل ‪ ،‬وأكل‬
‫وأربعة تُقوي اجلسم ‪ُ :‬‬
‫الطعام احللو والدسم ‪ ،‬وشم الروائح الطيبة‪.‬‬
‫الكذب ‪ ،‬والوقاحةُ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وأربعةُ تيبس الوجه ‪ ،‬وتذهب ماءه وهبجته وطالوته ‪:‬‬
‫وكثرة السؤال عن غري علم ‪ ،‬وكثرةُ الفجور‪.‬‬
‫ولكرم ‪ ،‬والتقوى ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأربعةُ تزيد يف ماء الوجه وهبجتِ ِه‪ :‬املروءةُ ‪ ،‬والوفاءُ‪،‬‬
‫واحلسد ‪ ،‬والكذب ‪ ،‬والنميمة ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأربعة جتلب البغضاء واملقت ‪ِ :‬‬
‫الكرب ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وتعاه ُد‬
‫قيام الليل ‪ ،‬وكثرةُ االستغفار باألسحار ‪ُ ،‬‬
‫جتلب الرزق ‪ُ :‬‬
‫وأربعةُ ُ‬
‫الصدقة ‪ ،‬والذكر أول النهار وآخره ‪.‬‬
‫وأربعة متنع الرزق ‪ :‬نوم الصبحة ‪ ،‬وقلةُ الصالة ‪ ،‬وال َك َس ُل ‪ ،‬واخليانة ‪.‬‬
‫والنوم على‬
‫ُ‬ ‫تضُّر بالفهم والذهن ‪ :‬إدما ُن أكل احلامض والفواكه ‪،‬‬
‫وأربعةٌ ُ‬
‫والغم ‪.‬‬
‫واهلم ‪ُّ ،‬‬
‫القفا ‪ُّ ،‬‬
‫وأربعةٌ تزيد يف الفهم‪ :‬فراغ القلب‪ ،‬وقلة التملِّي من الطعام والشراب‪،‬‬
‫وحسن تدبري الغذاء باألشياء احللوة والدَّمسة‪ ،‬وإخراج الفضالت ِ‬
‫املثقلَ ِة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫للبدن‪.‬‬
‫يضر بالعقل‪ :‬إدمان أكل البصل‪ ،‬والباقِالء‪ ،‬والزيتون‪ ،‬والباذجنان‪،‬‬
‫ومما ُّ‬
‫والسكر‪ ،‬وكثرةُ الضحك ‪ ،‬والغم‪.‬‬ ‫وكثرة اجلماع‪ ،‬والوحدة‪ ،‬واألفكار‪ُّ ،‬‬
‫ثرت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عت يف ثالث جمالس‪ ،‬فلم أجد ل ذلك علة إال أين أك ُ‬ ‫بعض أهل النظ ر‪ :‬قُط ُ‬
‫ق ال ُ‬
‫ِمن أك ِل الباذجنان يف أحد تلك األي ام‪ ،‬ومن الزيت ون يف اآلخ ر‪ ،‬ومن الب اقالء يف‬
‫الثالث‪ .‬اهـ‪)1( .‬‬
‫‪‬‬
‫باب‬
‫ما جاء في العالج بالعسل‬
‫العسل من أنفع العالجات‪ ،‬وهو من األدوية اليت يكون فيهل الشفاء بإذن اهلل‬
‫تعاىل وقد ثبت ذلك يف الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫ِِ ِ‬ ‫اب ُم ْختَلِ ٌ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ي ْخر ِ‬
‫ف أَل َْوانُهُ فيه ش َفاءٌ‬ ‫ج م ْن بُطُونِ َها َش َر ٌ‬
‫َ ُُ‬

‫‪ ) )1‬زاد المعاد ‪.‬‬


‫لِلن ِ‬
‫َّاس‪.)2( . ‬‬
‫قال ابن كثري يف تفسريه ‪ :‬ما بني أبيض وأصفر وأمحر وغري ذلك من األلوان‬
‫احلسنة على اختالف مراعيها ومأكلها منها ‪ ،‬وقوله ‪":‬فيه شفاء للناس" أي‬
‫يف العسل شفاء للناس ‪ ،‬أي من أدواء تعرض هلم قال بعض من تكلم على‬
‫الطب النبوي لو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء ولكن قال فيه‬
‫شفاء للناس أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة فإنه حار والشيء يداوى‬
‫بضده ‪ .‬اهـ ‪.)2( .‬‬
‫‪‬فقال‪ :‬إن أخي يشتكي‬ ‫وعن أيب سعيد اخلدري ‪،‬أن رجالً أتى النيب‬
‫بطنه‪ :‬ويف رواية‪ :‬استطلق بطنه‪ ،‬فقال "اسقه عسالً"‪ ،‬فذهب مث رجع‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫قد سقيته‪ ،‬فلم يغن عنه شيئاً‪ .‬ويف لفظ‪ :‬فلم يزده إال استطالقاً مرتني أو‬
‫ثالثاً ‪ ،‬كل ذلك يقول له ‪" :‬اسقه عسالً"‪ ،‬فقال له يف الثالثة أو الرابعة‪:‬‬
‫"صدق اهلل وكذب بطن أخيك"‪.)3(.‬‬
‫ويف "صحيح مسلم" يف لفظ له ‪" :‬إن أخي عرب بطنه" ‪ ،‬أي فسد هضمه ‪،‬‬
‫واعتلت معدته ‪ ،‬واالسم العرب بفتح الراء ‪ ،‬والذرب أيضاً ‪.‬‬

‫‪ )(2‬سورة النحل اآلية (‪. )69‬‬


‫‪ )(2‬تفسير ابن كثير (‪. )2/276‬‬
‫‪3‬‬
‫() أخرجه البخاري في الطب( ‪ ،)10/119‬باب الدواء بالعسل ‪ ،‬وقول هللا تعالى‪:‬‬
‫فيه شفاء للناس‪ ،‬وأخرجه مسلم في السالم برقم ( ‪ ،)2217‬باب التداوي بالعسل ‪.‬‬
‫قال ابن كثري ‪ :‬قال بعض العلماء بالطب كان هذا الرجل عنده فضالت فلما‬
‫سقاه عسال وهو حار حتللت فأسرعت يف االندفاع فزاده إسهاال فاعتقد‬
‫األعرايب أن هذا يضره وهو مصلحة ألخيه مث سقاه فازداد التحليل والدفع مث‬
‫سقاه فكذلك فلما اندفعت الفضالت الفاسدة املضرة بالبدن استمسك بطنه‬
‫وصلح مزاجه واندفعت األسقام واآلالم بربكة إشارته عليه من ربه أفضل‬
‫الصالة والسالم ‪ ،‬ويف الصحيحني البخاري رقم (‪ ، )5614‬ومسلم برقم (‬
‫‪ )1474‬من حديث هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة رضي اهلل عنها‬
‫"أن رسول اهلل ‪ ‬كان يعجبه الحلواء والعسل" ‪ .‬هذا لفظ البخاري‪.‬اهـ‪.‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫شيء من أدويتكم خير ‪ ،‬ففي َش ِ‬
‫رطة‬ ‫وعن جابر مرفوعاً ‪" :‬إن كان في ٍ‬
‫ُحب أن أكتوي" ‪.)2( .‬‬ ‫عسل‪ ،‬أو ٍ‬
‫لذعة بنا ٍر‪ ،‬وما أ ُّ‬ ‫محجم ‪ ،‬أو ٍ‬
‫شربة من ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قوله ‪" :‬شرطة محجم" فاملراد باحملجم هنا احلديدة اليت يشرط هبا موضع‬
‫( ‪)3‬‬
‫احلجامة ليخرج الدم ‪.‬‬

‫‪ )(1‬تفسير ابن كثير (‪. )2/276‬‬


‫‪ )(2‬أخرجه البخاري (‪115-10/114‬و‪ ، )126‬و (‪ ، )22-7/21‬ومسلم برقم‬
‫(‪. )2205‬‬
‫‪ )(3‬شرح مسلم ‪.‬‬
‫الكي ‪ ،‬واللَّذع اخلفيف من اإلحراق‪.‬ومنه لَ َذعة بلسانه ‪،‬‬
‫لَ ْذ َعةٌ بنار ‪ :‬يعين ّ‬
‫وهو أ ًذى يسري‪.)4( .‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫والعسل فيه منافع عظيمة‪ ،‬فإنه جالء لألوساخ اليت يف العروق واألمعاء‬
‫وغريها ‪ ،‬حملل للرطوبات أكال وطالء‪ ،‬نافع للمشايخ وأصحاب البلغم ومن‬
‫كان مزاجه باردا رطبا‪ ،‬وهو مغذ ملني للطبيعة ‪ ،‬حافظ لقوى املعاجني وملا‬
‫استودع فيه مذهب لكيفيات األدوية الكريهة‪ ،‬منق للكبد والصدر‪ ،‬مدر‬
‫للبول موافق للسعال الكائن عن البلغم‪ ،‬وإذا شرب حارا بدهن الورد نفع من‬
‫هنش اهلوام وشرب األفيون‪ ،‬وإن شرب وحده ممزوجا مباء نفع من عضه‬
‫الكلب واكل الفطر القتال‪ ،‬وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثالث‬
‫أشهر‪ ،‬وكذلك إن جعل فيه القثاء واخليار والقرع والباذجنان‪ ،‬وحيفظ كثريا‬
‫من الفاكهة ستة أشهر‪ ،‬وحيفظ جثة املوتى ويسمى احلافظ األمني‪ ،‬وإذا لطخ‬
‫به البدن املقمل والشعر قتل قمله وصئبانه وطول الشعر وحسنه ونعمه‪ ،‬وإن‬
‫اكتحل به جال ظلمة البصر‪ ،‬وإن اسنت به بيض األسنان وصقلها وحفظ‬
‫صحتها وصحة اللثة‪ ،‬ويفتح أفواه العروق ويدر الطمث‪ ،‬ولعقه على الريق‬
‫يذهب البلغم ويغسل مخل املعدة ويدفع الفضالت عنها ويسخنها تسخينا‬
‫معتدال ويفتح سددها ويفعل ذلك بالكبد والكلى واملثانة ‪ ،‬وهو أقل ضررا‬
‫لسدد الكبد والطحال من كل حلو وهو مع هذا كله مأمون الغائلة قليل‬
‫‪ )(4‬الفائق (‪.)3/314‬‬
‫املضار مضر بالعرض للصفراويني ودفعها باخلل وحنوه فيعود حينئذ نافعا له‬
‫جدا‪ ،‬وهو غذاء مع األغذية ودواء مع األدوية وشراب مع األشربة وحلو‬ ‫ً‬
‫مع احللوى وطالء مع األطلية ومفرح مع املفرحات‪ ،‬فما خلق لنا شيء يف‬
‫معناه أفضل منه وال مثله وال قريبا منه‪ ،‬ومل يكن معول القدماء إال عليه‬
‫وأكثر كتب القدماء ال ذكر فيها للسكر البتة وال يعرفونه فإنه حديث العهد‬
‫حدث قريبا‪ ،‬وكان النيب يشربه باملاء على الريق ويف ذلك سر بديع يف حفظ‬
‫الصحة ال يدركه إال الفطن الفاضل ‪.‬‬
‫مث قال رمحه اهلل تعاىل ‪ :‬إذا عرف هذا فهذا الذي وصف له النيب ‪ ‬العسل‬
‫كان استطالق بطنه عن ختمة أصابته عن امتالء فأمره بشرب العسل لدفع‬
‫الفضول اجملتمعة يف نواحي املعدة واألمعاء ‪ ،‬فإن العسل فيه جالء ودفع‬
‫للفضول وكان قد أصاب املعدة أخالط لزجة متنع استقرار الغذاء فيها‬
‫للزوجتها فإن املعدة هلا مخل كخمل القطيفة فإذا علقت هبا األخالط اللزجة‬
‫أفسدهتا وأفسدت الغذاء فدواؤها مبا جيلوها من تلك األخالط والعسل جالء‬
‫‪ ،‬والعسل من أحسن ما عوجل به هذا الداء ال سيما إن مزج باملاء احلار‪ ،‬ويف‬
‫تكرار سقيه العسل معىن طيب بديع وهو أن الدواء جيب أن يكون له مقدار‬
‫وكمية حبسب حال الداء إن قصر عنه مل يزله بالكلية وإن جاوزه أوهى‬
‫القوى فأحدث ضررا آخر فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارا ال يفي‬
‫مبقاومة الداء وال يبلغ الغرض فلما أخربه علم أن الذي سقاه ال يبلغ مقدار‬
‫احلاجة فلما تكرر ترداده إىل النيب ‪ ‬أكد عليه املعاودة ليصل إىل املقدار‬
‫املقاوم للداء فلما تكرر الشربات حبسب مادة الداء برأ بإذن اهلل ‪ ،‬واعتبار‬
‫مقادير األدوية وكيفياهتا ومقدار قوة املرض واملريض من أكرب قواعد الطب ‪.‬‬
‫ويف قوله ‪" : ‬صدق اهلل وكذب بطن أخيك" إشارة إىل حتقيق نفع هذا‬
‫الدواء وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء يف نفسه ولكن لكذب البطن‬
‫وكثرة املادة الفاسدة فيه فأمره بتكرار الدواء لكثرة املادة ‪ ،‬وليس طبه كطب‬
‫األطباء فإن طب النيب ‪ ‬متيقن قطعي إهلي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة‬
‫وكمال العقل ‪ ،‬وطب غريه أكثره حدس وظنون وجتارب وال ينكر عدم‬
‫(‪)1‬‬
‫انتفاع كثري من املرضى‪.‬اهـ‪.‬‬
‫علي رسول اهلل ‪‬‬
‫وعن أم املنذر بنت قيس األنصاري ‪ ‬قالت ‪ :‬دخل ّ‬
‫ومعه علي ‪ ، ‬وعلي ناقه ‪ ،‬ولنا دوالي معلقة ‪ ،‬فقام رسوا اهلل ‪ ‬ليأكل ‪،‬‬
‫فطفق رسول اهلل ‪ ‬يقول لعلي‪" :‬مه ؛ إنك ناقه"حتى كف علي ‪. ‬‬
‫قالت‪ :‬وصنعت شعيراً وسلقاً‪ ،‬فجئت به ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪" : ‬يا علي‬
‫أصب من هذا فهو أنفع لك"‪.)2(.‬‬
‫ناقه ‪ :‬أي حديث عهد باإلفاقة من املرض ‪.‬‬

‫‪ )(1‬زاد المعاد (‪4/34‬ـ‪. )35‬‬


‫‪2‬‬
‫() قال األلباني رحمه هللا تعالى ‪ :‬أخرجه ابن ماجة (‪ ، )3442‬والترمذي (‪)2038‬‬
‫‪ ،‬وأبو داود (‪ ، )3856‬وأحمد (‪ ، )6/364‬وسنده حسن‪ .‬الصحيحة رقم ( ‪. )59‬‬
‫دوالي ‪ :‬مجع دالية ‪ ،‬وهي العذق من التمر يعلق حىت إذا أرطب أكل ‪.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل ‪ :‬واعلم أن يف منع النيب ‪ ‬لعلي من‬
‫األكل من الدوايل وهو ناقه ‪ ،‬أحسن التدبري ‪ ،‬فإن الدوايل ‪ :‬أقناء من الرطب‬
‫تعلق يف البيت لألكل مبنـزلة عناقيد العنب ‪ ،‬والفاكهة تضر بالناقه لسرعة‬
‫استحالتها ‪ ،‬وضعف الطبيعة عن دفعها ‪ ،‬فإنه بعد مل تتمكن قوهتا ‪ ،‬وهي‬
‫مشغولةٌ بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن ‪ ،‬ويف الرطب خاصة نوع من ثقل‬
‫على املعدة ‪ ،‬فتشتعل مبعاجلته وإصالحه عما هي بصدده من إزالة بقية املرض‬
‫وآثاره‪،‬فأما أن تقف تلك البقية ‪ ،‬وإما أن تتزايد ‪ ،‬فلما وضع بني يديه وأما‬
‫فنافع له ويوافق ملن يف معدته ضعف ‪ .‬ويف ماء الشعري تربي ٌد‬
‫السلق والشعري ٌ‬
‫وتغذيةٌ‬
‫وتلطيف وتليني وتقوية الطبيعية أمره أن يصيب منه ‪ ،‬فإنه من أنفع األغذية‬
‫للناقه‪ ،‬ال سيما مع أصول السلق ‪ ،‬فهذا من أوفق الغذاء ملن يف معدته‬
‫( ‪)1‬‬
‫ضعف‪ ،‬وال يتولد عنه من األخالط ما خياف منه‪.‬اهـ‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ )(1‬زاد المعاد (‪ ، )3/97‬واآلداب الشرعية (‪. )2/343‬‬


‫واالحتساب‬
‫بالصبر واالحتساب‬
‫بالصبر‬
‫الثواب‬
‫ينال الثواب‬
‫ينال‬
‫من املعلوم أن اهلل تعاىل يبتلي عباده باألمراض واألسقام ليكفر عنهم سيئاهتم‬
‫إذا ص ربوا على ذل ك‪ ،‬بل ويث ابوا عليه ب إذن اهلل عز وج ل‪ ،‬وه ذا من رمحته‬
‫سبحانه وتعاىل بعباده املؤمنني‪.‬‬
‫صَب ُرواْ ابْتِغَاء َو ْج ِه َرهِّبِ ْم َوأَقَ ُامواْ َّ‬
‫الصالَةَ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ + :‬والذ َ‬
‫مِم‬
‫ك هَلُ ْم عُ ْقىَب‬ ‫السيِّئَةَ أ ُْولَئِ َ‬
‫اه ْم ِسًّرا َو َعالَنِيَةً َويَ ْد َر ُؤو َن بِاحْلَ َسنَ ِة َّ‬
‫َوأَن َف ُقواْ َّا َر َز ْقنَ ُ‬
‫صلَ َح ِم ْن آبَائِ ِه ْم َوأ َْز َو ِاج ِه ْم َوذُِّريَّاهِتِ ْم‬ ‫ٍ‬
‫َّات َع ْدن يَ ْد ُخلُو َن َها َو َم ْن َ‬ ‫الدَّا ِر َجن ُ‬
‫ِ‬ ‫مِب‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صَب ْرمُتْ فَن ْع َم عُ ْقىَب‬ ‫َواملَالَئ َكةُ يَ ْد ُخلُو َن َعلَْي ِهم ِّمن ُك ِّل بَاب َسالٌَم َعلَْي ُكم َا َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫الدَّا ِر"‪.‬‬

‫‪ )1(1‬سورة الرعد اآلية (‪.)24-22‬‬


‫ص ِّم َن األ ََم َو ِال‬ ‫وع َو َن ْق ٍ‬ ‫وق ال تع اىل‪َ + :‬ولَنَْبلُ َونَّ ُك ْم بِ َش ْي ٍء ِّم َن اخْلَ ْ‬
‫وف َواجْلُ ِ‬
‫ص يبَةٌ قَ الُواْ إِنَّا لِلّ ِه‬
‫الص ابِ ِرين الَّ ِذين إِ َذا أَص ابْتهم ُّم ِ‬
‫َ َُ‬ ‫س َوالث ََّم َرات َوبَ ِّش ِر َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َواألن ُف ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫َوإِنَّا إِلَْي ِه َر ِاجعو َن"‪.‬‬

‫قال الشيخ السعدي رمحه اهلل‪ :‬أخرب تعاىل أنه ال بد أن يبتلي عباده باحملن‪,‬‬
‫ليتبني الصادق من الكاذب‪ ,‬واجلازع من الصابر‪ ,‬وهذه سنته تعاىل يف‬
‫عباده؛ ألن السراء لو استمرت ألهل اإلميان‪ ,‬ومل حيصل معها حمنة‪ ,‬حلصل‬
‫االختالط الذي هو فساد‪ ,‬وحكمة اهلل تقتضي متييز أهل اخلري من أهل‬
‫الشر‪ .‬هذه فائدة احملن‪ ,‬ال إزالة ما مع املؤمنني من اإلميان‪ ,‬وال ردهم عن‬
‫دينهم‪ ,‬فما كان اهلل ليضيع إميان املؤمنني‪ ،‬فأخرب يف هذه اآلية أنه سيبتلي‬
‫وع} أي‪ :‬بشيء يسري‬ ‫{واجْلُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫عباده {ب َش ْيء م َن اخْلَْوف} من األعداء َ‬
‫منهما؛ ألنه لو ابتالهم باخلوف كله‪ ,‬أو اجلوع‪ ,‬هللكوا‪ ,‬واحملن متحص ال‬
‫ص ِم َن اأْل َْم َو ِال} وهذا يشمل مجيع النقص املعرتي لألموال من‬‫{و َن ْق ٍ‬
‫هتلك‪َ .‬‬
‫جوائح مساوية‪ ,‬وغرق‪ ,‬وضياع‪ ,‬وأخذ الظلمة لألموال من امللوك الظلمة‪,‬‬
‫س} أي‪ :‬ذهاب األحباب من األوالد‪,‬‬ ‫{واأْل َْن ُف ِ‬
‫وقطاع الطريق وغري ذلك‪َ .‬‬
‫واألقارب‪ ,‬واألصحاب‪ ,‬ومن أنواع األمراض يف بدن العبد‪ ,‬أو بدن من‬
‫ات} أي‪ :‬احلبوب‪ ,‬ومثار النخيل‪ ,‬واألشجار كلها‪ ,‬واخلضر‬ ‫حيبه‪{ ،‬والثَّمر ِ‬
‫َ ََ‬
‫بربد‪ ,‬أو برد‪ ,‬أو حرق‪ ,‬أو آفة مساوية‪ ,‬من جراد‪  ‬وحنوه‪.‬‬

‫‪ )2(2‬سورة البقرة اآلية (‪.)156-155‬‬


‫فهذه األمور‪ ,‬ال بد أن تقع‪ ,‬ألن العليم اخلبري‪ ,‬أخرب هبا‪ ,‬فوقعت كما‬
‫أخرب‪ ،‬فإذا وقعت انقسم الناس قسمني‪ :‬جازعني وصابرين‪ ،‬فاجلازع‪,‬‬
‫حصلت له املصيبتان‪ ,‬فوات احملبوب‪ ,‬وهو وجود هذه املصيبة‪ ،‬وفوات ما‬
‫هو أعظم منها‪ ,‬وهو األجر بامتثال أمر اهلل بالصرب‪ ،‬ففاز باخلسارة‬
‫واحلرمان‪ ,‬ونقص ما معه من اإلميان‪ ،‬وفاته الصرب والرضا والشكران‪,‬‬
‫وحصل [له] السخط الدال على شدة النقصان‪  )1( .‬‬

‫وهذا األجر ملن صرب على ما أصابه واحتسب األجر عند اهلل سبحانه‬
‫تعاىل‪ ،‬والذي ال يصرب ومل حيتسب األجر بل تسخط واعرتض على قدر‬
‫اهلل تعاىل فهذا ال ينال الثواب‪ ،‬بل له السخط والعقاب والعياذ باهلل‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫صرِب ُو َن"‪.‬‬ ‫وقال تعاىل‪+ :‬وجع ْلنا بعض ُكم لِبع ٍ ِ‬
‫ض فْتنَةً أَتَ ْ‬ ‫َ َ َ َ َْ َ ْ َ ْ‬
‫قال الزجاج أي أتصربون على البالء فقد عرفتم ما وجد الصابرون‪.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية‪ :‬قرن اهلل سبحانه الفتنة بالصرب ههنا‪ ،‬ويف قوله‪+ :‬مُثَّ إِ َّن‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ربَّ ِ ِ‬
‫صَب ُرواْ"‪ )3(.‬فليس ملن قد‬‫اه ُدواْ َو َ‬
‫اجُرواْ من َب ْعد َما فُتنُواْ مُثَّ َج َ‬ ‫ك للَّذ َ‬
‫ين َه َ‬ ‫َ َ‬
‫فنت بفتنة دواء مثل الصرب فإن صرب كانت الفتنة ممحصة له وخملصة من‬
‫الذنوب كما خيلص الكري خبث الذهب والفضة‪ ،‬فالفتنة كري القلوب وحمك‬
‫‪1‬‬
‫() تفسري السعدي‪.‬‬

‫‪ )1(2‬سورة الفرقان اآلية (‪.)20‬‬


‫‪ )2(3‬سورة النحل اآلية (‪.)110‬‬
‫ين ِمن‬ ‫َّ ِ‬
‫اإلميان وهبا يتبني الصادق من الكاذب‪ ،‬قال تعاىل ‪َ + :‬ولََق ْد َفَتنَّا الذ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ص َدقُوا َولََي ْعلَ َم َّن الْ َكاذبِ َ‬ ‫َقْبله ْم َفلََي ْعلَ َم َّن اللَّهُ الذ َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫ني"‪.‬‬ ‫ين َ‬
‫فالفتنة قسمت الناس إىل صادق وكاذب ومؤمن ومنافق وطيب وخبيث فمن‬
‫صرب عليها كانت رمحة يف حقه وجنا بصربه من فتنة أعظم منها ومن مل يصرب‬
‫عليها وقع يف فتنة أشد منها‪ ،‬فالفتنة ال بد منها يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬كما قال‬
‫تعاىل ‪َ + :‬ي ْو َم ُه ْم َعلَى النَّا ِر يُ ْفَتنُو َن * ذُوقُوا فِْتنَتَ ُك ْم َه َذا الَّ ِذي ُكنتُم بِِه‬
‫( ‪)3‬‬
‫تَ ْسَت ْع ِجلُو َن"‪ )2(.‬فالنار فتنة من مل يصرب على فتنة الدنيا‪...‬‬
‫وعن أنس >‪ ،‬عن النيب ‪ $‬أنه قال‪" :‬إن عظم الجزاء مع عظم البالء‪ ،‬وإن‬
‫اهلل تعالى إذا أحب قوما ابتالهم‪ ،‬فمن رضي فله الرضا‪ ،‬ومن سخط فله‬
‫(‪) 4‬‬
‫السخط"‪.‬‬
‫فيه احلث للعبد على الصرب على املصائب حىت يكتب له الرضى من اهلل‬
‫عز وجل‪ ،‬والثواب الكامل بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪ )3(1‬سورة العنكبوت اآلية (‪.)3‬‬


‫‪ )1(2‬سورة الذاريات اآلية (‪.)14‬‬
‫‪ )1(3‬إغاثة اللهفان (‪.)2/162‬‬
‫‪ )(4‬أخرجه الترمذي برقم (‪ )2396‬في كتاب الزهد‪ ،‬عن أنس >‪ .‬قال الشيخ األلباين‪:‬‬
‫(حسن) انظر صحيح اجلامع حديث رقم (‪ ،)308‬ومشكاة املصابيح برقم (‪ ،)44‬وصحيح‬
‫الرتغيب برقم (‪ ،)3407‬والسلسلة الصحيحة برقم (‪ ،)146‬وصحيح ابن ماجة برقم (‪.)3256‬‬
‫قال املباركفوري‪ :‬قوله (إن عظم اجلزاء) أي كثرته (مع عظم البالء) بكسر‬
‫املهملة وفتح الظاء فيهما وجيوز ضمها مع سكون الظاء فمن ابتالؤه أعظم‬
‫فجزاؤه أعظم (ابتالهم) أي اختربهم باحملن والرزايا (فمن رضي) مبا ابتاله به‬
‫(فله الرضى) منه تعاىل وجزيل الثواب (ومن سخط) بكسر اخلاء أي كره‬
‫بالء اهلل وفزع ومل يرض بقضائه (فله السخط) منه تعاىل وأليم العذاب ومن‬
‫يعمل سوءا جيز به واملقصود احلث على الصرب على البالء بعد وقوعه ال‬
‫( ‪)1‬‬
‫الرتغيب يف طلبه للنهي عنه‪.‬‬
‫وعن أنس > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬إذا أراد اهلل تعالى بعبده الخير‬
‫عجل له العقوبة في الدنيا‪ ،‬وإذا أراد اهلل بعبده الشر أمسك عنه بذنبه‬
‫(‪) 2‬‬
‫حتى يوافيه به يوم القيامة"‪.‬‬
‫قوله‪( :‬إن أعظم اجلزاء) أي كثرته (مع عظم البالء) بكسر املهملة وفتح‬
‫الظاء فيهما وجيوز ضمها مع سكون الظاء فمن بالؤه أعظم فجزاؤه أعظم‬
‫(وإن اهلل تعاىل إذا أحب قوما ابتالهم) أي اختربهم باحملن والرزايا وهو أعلم‬
‫حباهلم قال لقمان البنه يا بين الذهب والفضة خيتربان بالنار واملؤمن خيترب‬
‫بالبالء ( فمن رضي ) قضاء مبا ابتلى به (فله الرضى) من اهلل تعاىل وجزيل‬
‫الثواب (ومن سخط) أي كره قضاء ربه ومل يرضه (فله السخط) منه تعاىل‬

‫‪ )(1‬حتفة األحوذي (‪.)7/65‬‬


‫‪ )(2‬أخرجه الرتمذي يف كتاب الزهد‪ ،‬عن أنس >‪ .‬قال الشيخ األلباين‪( :‬حسن) انظر صحيح‬
‫اجلامع حديث رقم (‪ ،)308‬ومشكاة املصابيح برقم (‪.)1565‬‬
‫وأليم العذاب {ومن يعمل سوءا جيز به} وقوله ومن رضي فله الرضى شرط‬
‫وجزاءا فهم منه أن رضى اهلل تعاىل مسبوق برضى العبد وحمال أن يرضى‬
‫العبد عن اهلل إال بعد رضى اهلل عنه كما قال {رضي اهلل عنهم ورضوا عنه}‬
‫وحمال أن حيصل رضى اهلل وال حيصل رضى العبد يف اآلخرة فعن اهلل الرضى‬
‫أزال وأبدا وفيه جنوح إىل كراهة اختيار الصحة على البالء والعافية على‬
‫السقم وال ينافيه ما مر وجييء من األمر بسؤال العافية وأهنا أفضل الدعاء ألنه‬
‫إمنا كرهه ألجل اجلرائم واقرتاف العظائم كيال يلقوا رهبم غري مطهرين من‬
‫دنس الذنوب فاألصلح ملن كثرت خطاياه السكوت والرضى ليخف‬
‫( ‪)1‬‬
‫والتطهري بقدر التمحيص واألجر بقدر الصرب ذكره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال املباركفوري ‪ :‬قوله (إذا أراد اهلل بعبده اخلري عجل) بالتشديد أي أسرع‬
‫(له العقوبة) أي اإلبتالء باملكاره (يف الدنيا) ليخرج منها وليس عليه ذنب‪،‬‬
‫ومن فعل ذلك معه فقد أعظم اللطف به واملنة عليه‪( ،‬أمسك) أي أخر (عنه)‬
‫ما تستحقه من العقوبة‪( ،‬بذنبه) أي بسببه (حىت يوايف به يوم القيامة) أي‬
‫حىت يأيت العبد بذنبه يوم القيامة‪.‬‬
‫قال الطييب يعين ال جيازيه بذنبه حىت جييء يف اآلخرة متوفر الذنوب وافيها‬
‫( ‪)2‬‬
‫فيستويف حقه من العقاب‪.‬‬

‫‪ )(1‬فيض القدير (‪.)2/459‬‬


‫‪ )(2‬حتفة األحوذي (‪.)7/65‬‬
‫وقال الشيخ السعدي يف تفسريه لآلية السابقة‪َ +‬ولَنَْبلَُونَّ ُك ْم بِ َش ْي ٍء ِّم َن‬
‫وع ‪ :"...‬ودلت هذه اآلية‪ ,‬على أن من مل يصرب‪ ,‬فله ضد ما‬ ‫وف َواجْلُ ِ‬
‫اخْلَ ْ‬
‫هلم‪ ,‬فحصل له الذم من اهلل‪ ,‬والعقوبة‪ ,‬والضالل واخلسار‪ ،‬فما أعظم‬
‫الفرق بني الفريقني‪ ،‬وما أقل تعب الصابرين‪ ,‬وأعظم عناء اجلازعني‪ ،‬فقد‬
‫اشتملت هاتان اآليتان على توطني النفوس على املصائب قبل وقوعها‪,‬‬
‫لتخف وتسهل إذا وقعت‪ ،‬وبيان ما تقابل به إذا وقعت‪ ,‬وهو الصرب‪،‬‬
‫وبيان ما يعني على الصرب‪ ,‬وما للصابر من األجر‪ ،‬ويعلم حال غري الصابر‬
‫بضد حال الصابر‪ ،‬وأن هذا االبتالء واالمتحان‪ ,‬سنة اهلل اليت قد خلت‪,‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ولن جتد لسنة اهلل تبديال‪ ،‬وبيان أنواع املصائب‪.‬‬

‫وعن أيب هريرة‪ ،‬وعن جبري بن مطعم رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن النيب ‪ $‬أنه قال‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫"إن اهلل تعالى يبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر عنه كل ذنب"‪.‬‬
‫‪  ‬أي خيترب وميتحن عب ده املؤمن‪  ‬الق وي على احتم ال ذلك‪ ،‬بالس قم‪ ،‬بضم‬
‫فس كون أي املرض‪ ،‬حىت يكفر عنه كل ذنب‪ ،‬فيجب على العبد أن يش كر‬
‫اللّه على البالء ألنه يف احلقيقة نعمة ال نقمة ألن عقوبة ال دنيا منقطعة وعقوبة‬

‫‪1‬‬
‫() تفسري السعدي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫() رواه الط رباين عن جبري بن مطعم واحلاكم عن أيب هري رة‪ ،‬ص حيح اجلامع ح ديث رقم (‬
‫‪.)1870‬‬
‫اآلخر دائمة ومن عجلت عقوبته يف الدنيا ال يعاقب يف العقىب‪ ،‬قال القرطيب‪:‬‬
‫واملكفر باملرض الصغائر بشرط الصرب أما الكافر فقد يزاد له بالبالء يف املال‬
‫والولد وقد خيفف عنه به عقوبة غري الشرك ‪  )1( .‬‬
‫والذي يصرب على البالء‪ ،‬ويتوكل على اهلل تعاىل وال يتسخط‪ ،‬وحيمد‬
‫اهلل عز وجل على ما أصابه‪ ،‬فهذا من يوفون أجورهم بغري حساب‪ ،‬وهذا‬
‫من فضل اهلل ومنّته سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫‪) 2( .‬‬ ‫َجر ُهم بِغَرْيِ ِحس ٍ‬
‫اب"‬ ‫قال اهلل تعاىل‪+ :‬إِمَّنَا يوىَّف َّ ِ‬
‫َ‬ ‫الصاب ُرو َن أ ْ َ‬ ‫َُ‬
‫الصبر لغة‪ :‬احلبس‬
‫َجر ُهم بِغَرْيِ‬ ‫قال مالك بن أنس يف قوله‪+ :‬إِمَّنَا يوىَّف َّ ِ‬
‫الصاب ُرو َن أ ْ َ‬ ‫َُ‬
‫اب"‪ ،‬قال‪ :‬هو الصرب على فجائع الدنيا وأحزاهنا‪ ،‬وال شك أن كل من‬ ‫ِحس ٍ‬
‫َ‬
‫( ‪)3‬‬
‫سلّم فيما أصابه‪ ،‬وترك ما هني عنه‪ ،‬فال مقدار ألجره‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري > قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬ومن يتصبر‬
‫(‪) 4‬‬
‫يصبره اهلل وما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر"‬

‫‪1‬‬
‫() فيض القدير ‪.‬‬

‫‪ )1(2‬سورة الزمر اآلية (‪.)10‬‬


‫‪ )2(3‬تفسير القرطبي (‪. )15/240‬‬
‫‪ )1(4‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫قال الشيخ السعدي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬وأما من وفقه اهلل تعاىل للصرب‬
‫عند وج ود ه ذه املص ائب فحبس نفسه عن التس خط ق والً وفعالً‬
‫واحتسب أجرها عند اهلل وعلم أن ما يدركه من األجر بص ربه أعظم من‬
‫املص يبة اليت حص لت ل ه‪ ،‬بل املص يبة تك ون نعمة يف حقه ألهنا ص ارت‬
‫طريقاً حلصول ما هو خري له وأنفع منها فقد امتثل أمر اهلل وفاز بالثواب‪.‬‬
‫فلهذا قال اهلل تعاىل‪ :‬وبشر الصابرين‪.‬‬
‫أي بشرهم بأهنم يوفون أجورهم بغري حساب فالصابرين هم الذين‬
‫فازوا بالبشارة العظيمة واملنحة اجلسيمة‪ ،‬ثم وصفهم بقوله‪:‬‬
‫ة} وهي كل ما يؤلم‬ ‫صيبَ ٌ‬
‫م ُم ِ‬ ‫ين إِذَا أَ َ‬
‫صابَ ْت ُه ْ‬ ‫{الَّ ِذ َ‬
‫القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره‪.‬أ‪.‬هـ ‪) (.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال ‪" :$‬إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي‪ ،‬فإنها أعظم‬
‫(‪)2‬‬
‫المصائب"‬
‫قال املناوي‪" :‬إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر"‪ :‬أي يتذكر‬
‫"مصيبته بي"‪ : ‬أي بفقدي من بني أظهر هذه األمة‪ ،‬وانقطاع الوحي‬
‫واإلمداد السماوي‪.‬‬
‫"فإنها من أعظم"‪ :‬ويف رواية من أشد ‪.‬‬
‫‪ )1(1‬تيسير الكريم الرحمن (‪. )1/100‬‬
‫‪ )2(2‬صحيح الجامع رقم (‪. )347‬‬
‫وعن صهيب الرومي < قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬عجباً ألمر المؤمن‬
‫إن أمره كله خير‪ ،‬وليس ذاك إال للمؤمن‪ ،‬إذا أصابته سراء شكر فكان‬
‫(‪)1‬‬
‫خيراً له‪ ،‬وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيراً له "‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل تعاىل‪ :‬فاملؤمن إذا كان صبوراً‬
‫شكوراً يكون ما يقضى عليه من املصائب خرياً له‪ ،‬و إذا كان آمراً‬
‫باملعروف ناهياً عن املنكر جماهداً يف سبيله كان ما قدر له من كفر الكفار‬
‫سبب للخري يف حقه‪ ،‬وكذلك إذا دعاه الشيطان واهلوى كان ذلك سبباً ملا‬
‫حصل له من اخلري‪ ،‬فيكون ما يقدر من الشر إذا نازعه ودافعه كما أمره اهلل‬
‫ورسوله سبباً ملا حيصل له من الرب والتقوي‪ ،‬وحصول اخلري والثواب‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وارتفاع الدرجات‪ ،‬فهذا وأمثاله مما يبني معىن هذا الكالم واهلل أعلم‪.‬اهـ‪) (.‬‬

‫مر النبي ‪ $‬بامرأة تبكي عند قبر فقال‪" :‬اتقي اهلل‬


‫وعن أنس > قال‪َّ :‬‬
‫واصبري فقالت‪ :‬إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل‬
‫لها‪ :‬إنه النبي ‪ $‬فأتت النبي ‪ $‬فلم تجد عنده بوابين فقالت‪ :‬لم أعرفك‬
‫يا رسول اهلل فقال‪ " :‬إنما الصبر عند الصدمة األولى"(‪.)3‬‬

‫‪ )3(1‬أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق برقم (‪.)2999‬‬


‫‪ )1(2‬مجموع الفتاوى (‪.)8/549‬‬
‫ص ْد َم ِة اأْل ُولَى‪،‬‬
‫صب ِْر ِع ْن َد ال َّ‬‫‪ )2(3‬أخرجه البخاري في الجنائز برقم(‪ ،)1283‬باب ال َّ‬
‫واللفظ له‪ ،‬ومسلم في كتاب الجنائز برقم (‪ ،)926‬باب في الصبر على المصيبة‬
‫عند الصدمة األولى ‪.‬‬
‫ويف رواية ملسلم‪" :‬تبكي علي صبي لها"‪.‬‬
‫الصرب الذي يثاب اإلنسان عليه هو أن يصرب أول ما تصيبه املصيبة‬
‫وحيتسب عند اهلل األجر والثواب هذا هو الصرب‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬معناه الصرب الكامل الذي يرتتب عليه األجر اجلزيل لكثرة‬
‫املشقة فيه‪ ،‬وأصل الصدم الضرب يف شيء صلب‪ ،‬مث استعمل جمازاً يف كل‬
‫‪1‬‬
‫مكروه حصل بغتة‪) ( .‬‬

‫وقال ابن حجر‪ :‬واملعين إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب‬
‫من مقتضيات اجلزع فذلك هو الصرب الكامل الذي يرتتب عليه األجر‪،‬‬
‫وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب مبثله فاستعري للمصيبة الواردة على‬
‫القلب‪ ،‬قال اخلطايب‪ :‬املعىن أن الصرب الذي حيمد عليه صاحبه ما كان عند‬
‫مفاجأة املصيبة‪ ،‬خبالف ما بعد ذلك فإنه على األيام يسلو‪ ،‬وحكى اخلطايب‬
‫عن غريه أن املرء ال يؤجر على املصيبة ألهنا ليست من صنعه‪ ،‬وإمنا يؤجر‬
‫على حسن تثبته ومجيل صربه‪ ،‬وقال ابن بطال‪ :‬أراد أن ال جيتمع عليها‬
‫‪2‬‬
‫مصيبة اهلالك وفقد األجر‪) ( .‬‬

‫‪ )1(1‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.‬‬


‫‪ )2(2‬فتح الباري ‪.‬‬
‫وقال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل‪ :‬من فوائد هذا احلديث‪ :‬أن الصرب‬
‫الذي حُي مد فاعله الصرب عند الصدمة األوىل‪ ،‬يصرب اإلنسان‪ ،‬وحيتسب‪ ،‬ويعلم‬
‫‪1‬‬
‫أن هلل ما أخذ‪ ،‬وله ما أعطى‪ ،‬وأن كل شيء عنده بأجل مسمى‪ .‬أ‪.‬هـ‪) (.‬‬

‫ويف احلديث القدسي ‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪" :‬ابن آدم إن صبرت عند‬
‫(‪) 2‬‬
‫الصدمة األولى لم أرض لك ثواباً دون الجنة"‪.‬‬
‫ومن رمحة اهلل تعاىل بنا أن جيري لنا أعمالنا يف حال املرض‪ ،‬ويأمر سبحانه‬
‫وتعاىل املالئكة أن تكتب أعمالنا كما هي يف حال الصحة‪.‬‬
‫فعن أيب موسى > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" $‬إذا مرض العبد أو سافر كتب‬
‫( ‪)3‬‬
‫له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" ‪.‬‬
‫وعن أيب بكر بن عياش‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمرو قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" : $‬إذا‬
‫المسلم قال اهلل تعالى للذين يكتبون‪ :‬اكتبوا له أفضل ما‬
‫ُ‬ ‫اشتكى العب ُد‬
‫(‪)4‬‬
‫يعمل إذا كان طلقاً حتى أطلقه" ‪.‬‬
‫كان ُ‬
‫عازما على‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬وهذه قاعدة الشريعة أن من كان ً‬
‫الفعل عزما جازما وفعل ما يقدر عليه منه كان مبنـزلة الفاعل‪ ،‬فهذا الذي‬

‫‪ )3(1‬شرح رياض الصالحين (‪. )1/169‬‬


‫‪ )1(2‬رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫‪ )2(3‬رواه البخاري يف كتاب اجلهاد برقم (‪.)2996‬‬
‫‪ )3(4‬الصحيحةرقم (‪. )1232‬‬
‫كان له عمل في صحته وإقامته عزمه أنه يفعله وقد فعل في املرض والسفر‬
‫ما أمكنه فكان مبنـزلة الفاعل‪ ،‬كما جاء في السنن فيمن تطهر في بيته مث‬
‫ذهب إىل املسجد يدرك اجلماعة فوجدها قد فاتت أنه يكتب له أجر صالة‬
‫لرجاال ما سرمت مسريا‬ ‫ً‬ ‫اجلماعة‪ ،‬وكما ثبت في الصحيح من قوله إن باملدينة‬
‫وال قطعتم واديا إال كانوا معكم قالوا وهم باملدينة‪ ،‬قال وهم باملدينة حبسهم‬
‫ني َغْي ُر أ ُْويِل الضََّر ِر‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫العذر وقد قال تعاىل ‪+‬الَّ يَ ْستَ ِوي الْ َقاع ُدو َن م َن الْ ُم ْؤمن َ‬
‫(‪) 1‬‬

‫‪ )1(1‬احلديث عن أنس < قال‪" :‬رجعنا من غزوة تبوك مع النبي × فقال‪ :‬إن أقواماً خلفنا‬
‫بالمدينة ما سلكنا شعباً وال وادياً إال وهم معنا حبسهم العذر"‪ .‬أخرجه البخاري يف كتاب‬
‫اجلهاد والسري برقم (‪.)2839‬‬
‫وعن أيب عبد اهلل جابر بن عبد اهلل األنصاري رضي اهلل عنهما قال‪" :‬كنا مع النبي × في‬
‫غزاة فقال‪ :‬إن بالمدينة لرجال ما سرتم مسيراً وال قطعتم وادياً إال كانوا معكم حبسهم‬
‫المرض"‪.‬‬
‫ويف رواية‪" :‬إال شركوكم في األجر"‪ .‬أي شاركه‪ .‬أخرجه مسلم يف اإلمارة برقم (‪.)1911‬‬
‫قال النووي‪ :‬وىف هذا احلديث‪ :‬فضيلة النية يف اخلري‪ ،‬وأن من نوى الغزو وغريه من‬
‫الطاعات فعرض له عذر منعه حصل له ثواب نيته‪ ،‬وأنه كلما أكثر من التأسف على فوات ذلك‬
‫ومتىن كونه مع الغزاة وحنوهم كثر ثوابه واهلل أعلم‪ .‬شرح النووي على مسلم (‪. )13/57‬‬
‫وقال القرطيب‪ :‬قلت الظاهر من األحاديث واآلي املساواة يف األجر منها قوله عليه السالم‪:‬‬
‫من دل على خري فله مثل أجر فاعله‪ ،‬وقوله‪ :‬من توضأ وخرج إىل الصالة فوجد الناس قد صلوا‬
‫أعطاه اهلل مثل أجر من صالها وحضرها‪ ،‬وهو ظاهر قوله تعاىل‪+ :‬ومن خَيْرج ِمن بيتِ ِه مه ِ‬
‫اجًرا إِىَل‬ ‫َ َ ُ ْ َْ ُ َ‬
‫َجُرهُ َعلى اللّ ِه"‪ .‬سورة النساء آية (‪.)100‬وبدليل أن النية‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اللّه َو َر ُسوله مُثَّ يُ ْد ِر ْكهُ الْ َم ْو ُ‬
‫ت َف َق ْد َوقَ َع أ ْ‬
‫الصادقة هي أصل األعمال‪ ،‬فإذا صحت يف فعل طاعة فعجز عنها صاحبها ملانع منع منها فال بعد‬
‫ين بِأ َْم َواهِلِ ْم‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ يِف ِ ِ ِ هِلِ‬
‫َوالْ ُم َجاه ُدو َن َسب ِيل اللّه بأ َْم َوا ْم َوأَن ُفسه ْم فَض َ‬
‫َّل اللّهُ الْ ُم َجاهد َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ين‬
‫َّل اللّهُ الْ ُم َجاهد َ‬ ‫ين َد َر َجةً َو ُكالًّ َو َع َد اللّهُ احْلُ ْسىَن َوفَض َ‬
‫َوأَن ُفسه ْم َعلَى الْ َقاعد َ‬
‫يما"‪ ،)1(.‬فهذا ومثله يبني أن املعذور يكتب له مثل‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َجًرا َعظ ً‬
‫ين أ ْ‬
‫َعلَى الْ َقاعد َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ثواب الصحيح إذا كانت نيته أن يفعل وقد عمل ما يقدر عليه‪.‬اهـ‪.‬‬
‫وقال املناوي‪ :‬قال البلقيين وغريه‪ :‬وهذا مقيد مبا إذا اتفق له ذلك ومل يعتده‬
‫وبأن ال يكون سفر معصية وأن ال يكون املرض بفعله وقوله مقيماً هو ما يف‬
‫نسخ صحيحة من البخاري وشرح عليه شارحون قالوا فهما حاالن مرتادفان‬
‫أو متداخالن ولف ونشر غري مرتب ألن مقيماً يقابل أو مسافراً وصحيحاً‬
‫يقابل إذا مرض‪   )3( .‬‬
‫وعن أنس بن مالك> قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬إذا ابتلى اهلل عز وجل‬
‫العبد المسلم ببالء في جسده‪ ،‬قال اهلل عز وجل للملك‪" :‬اكتب له‬
‫صالح عمله الذي كان يعمل‪ ،‬وإن شفاه غسله وطهره‪ ،‬وإن قبضه غفر له‬
‫( ‪)4‬‬
‫ورحمه" ‪.‬‬

‫يف مساواة أجر ذلك العاجز ألجر القادر والفاعل‪ ،‬ويزيد عليه لقوله عليه السالم نية املؤمن خري‬
‫من عمله واهلل أعلم‪ .‬تفسري القرطيب (‪. )8/293‬‬
‫‪ )(1‬سورة النساء آية (‪. )95‬‬
‫‪ )1(2‬جمموع الفتاوى (‪. )23/236‬‬
‫‪ )2(3‬فيض القدير ‪.‬‬
‫‪ )3(4‬صحيح اجلامع برقم (‪. )258‬‬
‫وعن عبد اهلل بن عمرو >‪ ،‬عن النيب ‪ $‬قال‪" :‬ما من ٍ‬
‫أحد من الناس يصاب‬
‫ببالء في جسده إال أمر اهلل عز وجل المالئكة الذين يحفظونه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي"‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حسنة من‬ ‫ٍ‬
‫طريقة‬ ‫ويف رواية قال رسول اهلل ‪" :$‬إن العبد إذا كان على‬
‫العبادة ثم على مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان‬
‫( ‪)2‬‬
‫طليقاً حتى أُطلقه أو أُكفته إلي" ‪.‬‬
‫أكفته ‪ :‬أضمه إيل و أقبضه ‪.‬‬

‫ويف احلديث القدسي‪ ،‬عن أيب هريرة > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ :$‬قال اهلل‬
‫تعاىل‪" :‬إذا ابتليت عبدي المؤمن فلم يشكني إلى عواده أطلقته من‬
‫إساري ثم أبدلته لحماً خيراً من لحمه‪ ،‬ودماً خيراً من دمه‪ ،‬ثم يستأنف‬
‫(‪)3‬‬
‫العمل"‪.‬‬
‫ود فالن وعُ َّو ُاده مثل َز ْو ِره‬
‫قوله‪" :‬عواده"‪ :‬قال الفراء‪ :‬يقال هؤالء َع ُ‬
‫ودونه إِذا ْاعتَ َّل‪ .‬وفـي حديث فاطمة بنت قـيس‪ :‬فِإهنا‬ ‫وز َّواره‪ ،‬وهم الذين َيعُ ُ‬
‫ُ‬

‫‪ )4(1‬صحيح اجلامع برقم (‪. )5761‬‬


‫‪ )1(2‬رواه أمحد يف املسند(‪،)2/203‬واحلاكم بنحوه‪،‬وقال‪:‬صحيح على شرط البخاري ومسلم‪.‬‬
‫‪ )2(3‬رواه احلاكم وقال‪" :‬صحيح على شرط البخاري ومسلم" ‪،‬املستدرك (‪ )349-1/348‬وقال‬
‫الذهيب‪ :‬على شرطهما وفيه‪" :‬ولم يشكني بدل فلم يشكي"‪ .‬السلسلة الصحيحة (‪.)272‬‬
‫يكث ُر عُ َّو ُادها أَي ُز َّو ُارها‪ ،‬وكل من أَتاك مرة بعد أُخرى‪ ،‬فهو عائد‪،‬‬
‫امرأَة ُ‬
‫وإِن اشتهر ذلك فـي عيادة الـمريض حتـى صار كأَنه ٌّ‬
‫(‪)1‬‬
‫خمتص به‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫وعن عائشة <‪ ،‬أن النيب ‪ $‬قال‪" :‬إذا اشتكى المؤمن أخلصه اهلل من‬
‫(‪)2‬‬
‫الذنوب كما يخلص الكير من خبث الحديد"‪.‬‬
‫وعن جبري بن مطعم‪ ،‬وأيب هريرة رضي اهلل عنهما‪ ،‬عن رسول اهلل ‪$‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫قال‪" :‬إن اهلل ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب"‪.‬‬
‫والسقم ‪ :‬هو املرض ‪.‬‬
‫قوله‪" :‬إن اللّه تعاىل يبتلي" قال املناوي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬أي خيترب وميتحن‬
‫عبده املؤمن القوي على احتمال ذلك‪ .‬بالسقم بضم فسكون‪ :‬أي املرض‬
‫حىت يكفر عنه كل ذنب‪ ،‬فيجب على العبد أن يشكر اللّه على البالء‬
‫ألنه يف احلقيقة نعمة ال نقمة‪ ،‬ألن عقوبة الدنيا منقطعة وعقوبة اآلخر‬
‫دائمة‪ ،‬ومن عجلت عقوبته يف الدنيا ال يعاقب يف العقىب‪ ،‬قال القرطيب‪:‬‬
‫واملكفر باملرض الصغائر بشرط الصرب أما الكافر فقد يزاد له بالبالء يف‬
‫( ‪)4‬‬
‫املال والولد وقد خيفف عنه به عقوبة غري الشرك‪.‬اهـ‪.‬‬

‫‪ )3(1‬لسان العرب (‪. )319 /3‬‬


‫‪ )1(2‬أخرجه البخاري يف "األدب املفرد" (‪ ، )497‬وصححه األلباين يف "السلسلة الصحيحة" رقم‬
‫(‪ ، )1257‬و "صحيح اجلامع" رقم (‪. )341‬‬
‫‪" )5(3‬صحيح اجلامع" حديث رقم (‪‌. )1870‬‬
‫‪ )1(4‬فيض القدير (‪. )5/487‬‬
‫وعن أيب هريرة > قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ $‬يقول‪" :‬وصب المؤمن كفارة‬
‫(‪)1‬‬
‫لخطاياه"‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري‪ ،‬وأيب هريرة رضي اهلل عنهما‪ ،‬أهنما مسعا رسول‬
‫يقول‪" :‬ما يصيب المؤمن من وصب‪ ،‬وال نصب‪ ،‬وال سقم ‪،‬‬ ‫اهلل ‪$‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وال ُحزن حتى الهم يهمه؛ إال ك ّفر به من سيئاته" ‪.‬‬
‫صب‪َ :‬د َوام َ‬
‫الو َ‬
‫( ‪)3‬‬
‫الو َجع َولُزومه ‪.‬‬ ‫َ‬
‫والنصب ‪ :‬هو التعب ‪.‬‬
‫وعن أمساء بنت عميس <‪ ،‬قالت‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ $‬بأذين هاتني‬
‫يقول‪" :‬من أصابه هم‪ ،‬أو غم‪ ،‬أو سقم‪ ،‬أو شدة‪ ،‬فقال‪" :‬اهلل ربي ال‬
‫(‪) 4‬‬
‫شريك له"؛ كشف ذلك عنه"‪.‬‬
‫وعن أيب مالك األشعري> قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" $‬الطهور شطر اإليمان‪،‬‬
‫والحمد هلل تمأل الميزان‪ ،‬وسبحان اهلل‪ ،‬والحمد هلل تمآلن‪ ،‬أو تمأل ما‬
‫بين السماء واألرض‪ ،‬والصالة نور‪ ،‬والصدقة برهان‪ ،‬والصبر ضياء‪،‬‬

‫‪ )2(1‬صحيح اجلامع (‪.)6986‬‬


‫‪ )3(2‬أخرجه مسلم (‪. )8/16‬‬
‫‪ )4(3‬النهاية يف غريب احلديث ‪.)5/189(.‬‬
‫‪ )2(4‬السلسلة الصحيحة (‪. )6/592‬‬
‫والقرآن حجة لك أو عليك‪ ،‬كل الناس يغدو‪ ،‬فبائع نفسه فمعتقها أو‬
‫( ‪)1‬‬
‫موبقها" ‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخلدري >‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ $‬قال‪" :‬ومن يتصبر يصبره اهلل‬
‫( ‪)2‬‬
‫عطاء خيراً وأوسع من الصبر" ‪.‬‬
‫وما أُعطي أح ٌد ً‬
‫قال ابن حجر رمحه اهلل تعاىل‪ :‬ويف احلديث احلض على االستغناء عن الناس‬
‫والتعفف عن سؤاهلم بالصرب والتوكل على اهلل وانتظار ما يرزقه اهلل‪ ،‬وأن‬
‫الصرب أفضل ما يعطاه املرء لكون اجلزاء عليه غري مقدر وال حمدود‪ ،‬وقال‬
‫القرطيب‪ :‬معىن قوله من يستعف‪ :‬أي ميتنع عن السؤال ‪.‬‬
‫وقوله يعفه اهلل‪ :‬أي انه جيازيه على استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته ‪.‬‬
‫وقوله ومن يستغن أي باهلل عمن سواه ‪.‬‬
‫وقوله يغنه‪ :‬أي فإنه يعطيه ما يستغين به عن السؤال وخيلق يف قلبه الغىن ‪،‬‬
‫فإن الغىن غىن النفس ‪.‬‬
‫وقوله ومن يتصرب‪ :‬أي يعاجل نفسه على ترك السؤال ويصرب إىل أن حيصل له‬
‫الرزق ‪.‬‬
‫وقوله يصربه اهلل‪ :‬أي فإنه يقويه وميكنه من نفسه حىت تنقاد له ويذعن‬
‫( ‪)3‬‬
‫لتحمل الشدة‪ ،‬فعند ذلك يكون اهلل معه فيظفره مبطلوبه‪.‬اهـ‪.‬‬

‫‪ )2(1‬رواه مسلم يف كتاب الطهارة برقم (‪. )223‬‬


‫‪ )3(2‬رواه البخاري برقم (‪ ،)1400‬ومسلم برقم (‪. )1053‬‬
‫‪ )1(3‬فتح الباري (‪. )11/304‬‬
‫قال ابن القيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل‪ :‬ومن عالج املصيبة‪ :‬أن يوازن‬
‫بني أعظم اللذتني والتمتعني‪ ،‬وأدومهما لذة متتعه مبا أُصيب به ِ‬
‫ولذة توفيقه‪،‬‬
‫وإن آثر املرجوح من كل وجه فليعلم أن مصيبته يف عقله وقلبه ودينه أعظم‬
‫‪1‬‬
‫من مصيبته اليت أُصيب هبا يف دنياه‪.‬أ‪.‬هـ‪) (.‬‬

‫وعن صهيب الرومي > قال‪ :‬قال رسول اهلل‪":$‬عجباً ألمر المؤمن إن أمره‬
‫كله خير‪ ،‬وليس ذلك ٍ‬
‫ألحد إال للمؤمن‪ ،‬إن أصابته سراء شكر فكان‬
‫له"‪) (.‬‬
‫خيراً له‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً‬
‫‪2‬‬

‫وعن أيب هريرة > قال‪ :‬قال رسول اهلل‪ " $‬مثل المؤمن كمثل الزرع ال‬
‫تزال الرياح تفيئه‪ ،‬وال يزال المؤمن يصيبه بالءٌ‪ ،‬ومثل المنافق كمثل‬
‫(‪)3‬‬
‫شجرة األرز ال تهتز حتى تستحصد" ‪.‬‬
‫قوله‪" :‬تفيئه"‪ :‬بضم الفوقية وفتح الفاء وتشديد التحتية‪ ،‬أي حتركه ومتيله‬
‫(‪)4‬‬
‫ميينا ومشاال‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬تستحصد"‪ :‬أي‪ :‬ال تتغري حىت تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي‬
‫انتهى يبسه‬

‫‪ )2(1‬زاد المعاد (‪. )4/153‬‬


‫‪ )3(2‬رواه مسلم يف كتاب الزهد برقم (‪.)2999‬‬
‫‪ )1(3‬رواه مسلم يف كتاب صفات املنافقني برقم (‪.)2809‬‬
‫‪ )2(4‬حتفة األحوذي (‪. )134 /8‬‬
‫وعن أيب أمامة >‪ ،‬عن النيب‪ $‬قال‪" :‬ما من عبد يصرع صرعة من مرض‬
‫(‪) 1‬‬
‫إال بعثه اهلل منها طاهراً" ‪.‬‬
‫قال املناوي‪ :‬ألن املرض متحيص للذنوب واملؤمن متلوث بالشهوات متوسخ‬
‫باخلطيئات‪ ،‬فإذا أسقمه اهلل طهره وصفاه كالفضة تلقى يف كريها فبنفخه‬
‫يزول خبثها وصفو دنسها فتصلح للضرب‪ .‬وظاهره الشمول جلميع الذنوب‪،‬‬
‫لكن خصه اجلمهور بالصغائر الشرتاطه اجتناب الكبائر يف اخلرب املار فحملوا‬
‫املطلقات الواردة يف التكفري على هذا القيد‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬وحيتمل أن معىن‬
‫األحاديث املؤذنة بالتعميم أن ذلك صاحل لتكفري الذنوب فيكفر به ما شاء‬
‫من الذنوب مما يكون كثرة التكفري وقلته باعتبار شدة املرض وخفته مث املراد‬
‫( ‪)2‬‬
‫بتكفري الذنب سرته أو حمو أثره املرتتب عليه من استحقاق العقوبة‪.‬اهـ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة > قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬ما يزال البالء بالمؤمن‬
‫والمؤمنة في نفسه‪ ،‬وولده‪ ،‬وماله‪ ،‬حتى يلقى اهلل تعالى وما عليه من‬
‫خطيئة"(‪.)3‬‬
‫وعن سعد بن أيب وقاص > قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل أي الناس أشد‬
‫بالء قال‪" :‬األنبياء ثم األمثل فاألمثل‪ ،‬يُبتلى الرجل على حسب دينه‪ ،‬فإن‬
‫ً‬

‫‪ )3(1‬صحيح اجلامع (‪.)5/6519‬‬


‫‪ )1(2‬فيض القدير ‪.‬‬
‫‪ )2(3‬أخرجه الترمذي في كتاب الزهد برقم (‪ ،)2399‬وأحمد في مسنده (‪،2/287‬‬
‫‪ )450‬وقال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬صحيح الجامع رقم (‪.)5815‬‬
‫كان دينه صلباً اشتد بالؤه‪ ،‬وإن كان في دينه رقة ابتاله اهلل على حسب‬
‫دينه‪ ،‬فما يبرح البالء بالعبد حتى يمشي على األرض وما عليه خطيئة"(‪.)1‬‬
‫وعن أيب هريرة> قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ ":$‬من يرد اهلل به خيراً يصب‬
‫(‪) 2‬‬
‫منه"‪.‬‬
‫قوله‪" :‬من يرد اللّه به خرياً"‪ :‬أي مجيع اخلريات أو خرياً غزيراً ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬يصب منه‪ :‬أي يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببالء ‪.‬‬
‫قال املناوي‪ :‬وقوله‪ :‬يصب منه‪ ،‬بكسر الصاد عند األكثر‪ ،‬والفاعل اللّه‪،‬‬
‫وروي بفتحها واستحسنه ابن اجلوزي ورجحه الطييب بأنه أليق باألدب آلية‬
‫‪‬وإذا مرضت فهو يشفين‪ ،‬والضمري يف قوله منه على التقديرين للخري‬
‫قال الزخمشري‪ :‬أي ينل منه باملصائب ويبتليه هبا ليثيبه عليها‪ ،‬وقال القاضي‪:‬‬
‫أي يوصل إليه املصائب ليطهره من الذنوب ويرفع درجته‪ ،‬وهي اسم لكل‬
‫مكروه‪ ،‬وذلك ألن االبتالء باملصائب طب إهلي يداوي به اإلنسان من‬
‫أمراض الذنوب املهلكة‪ ،‬ويصح عود الضمري يف يصب إىل من ويف منه إىل‬
‫اللّه وإىل اخلري‪ ،‬واملعىن أن اخلري ال حيصل لإلنسان إال بإرادته تعاىل وعليه فال‬
‫شاهد فيه وإمنا تركه لوضوحه ألن اخلري الذي هو مراد ملن حيصل له خمتار‬

‫‪ )1(1‬رواه ابن ماجة والترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وابن حبان ‪ ،‬وصححه‬
‫األلباني رحمه هللا في الصحيحة رقم (‪.)143‬‬
‫‪ )2(2‬رواه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪.)5645‬‬
‫مرضي به إذا كان بإرادة من الغري ال من نفسه فألن يكون ما حيصل بغري‬
‫( ‪)3‬‬
‫إرادة ورضاً أوىل‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬فإن سنة اهلل يف األنبياء واملؤمنني أنه يبتليهم‬
‫بالسراء والضراء لينالوا درجة الشكر والصرب‪ ،‬كما يف الصحيح عن النيب ‪$‬‬
‫أنه قال‪" :‬والذي نفسي بيده ال يقضي اهلل للمؤمن قضاء إال كان خرياً له‪،‬‬
‫وليس ذلك ألحد إال للمؤمن‪ ،‬إن أصابته سراء شكر فكان خرياً له‪ ،‬وإن‬
‫خريا له"‪ ،‬واهلل تعاىل قد بني يف القرآن ما يف إدالة‬
‫أصابته ضراء صرب فكان ً‬
‫العدو عليهم يوم أحد من احلكمة‪ ،‬فقال‪ :‬وال هتنوا وال حتزنوا وأنتم األعلون‬
‫إن كنتم مؤمنني إن ميسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك األيام‬
‫نداوهلا بني الناس وليعلم اهلل الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء واهلل ال حيب‬
‫الظاملني وليمحص اهلل الذين آمنوا وميحق الكافرين‪.‬‬
‫فمن احلكم متييز املؤمن عن غريه فإهنم إذا كانوا دائما منصورين مل يظهر هلم‬
‫وليهم وعدوهم إذا اجلميع يظهرون املواالة فإذا غلبوا ظهر عدوهم قال تعاىل‬
‫وما أصابكم يوم التقى اجلمعان فبإذن اهلل وليعلم املؤمنني وليعلم الذين نافقوا‬
‫وقيل هلم تعالوا قاتلوا يف سبيل اهلل أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتاال التبعناكم هم‬
‫للكفر يومئذ أقرب منهم لإلميان يقولون بأفواههم ما ليس يف قلوهبم واهلل‬
‫أعلم مبا يكتمون الذين قالوا إلخواهنم وقعدوا لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا‬

‫‪ )2(3‬فيض القدير ‪.‬‬


‫قل فادرؤوا عن أنفسكم املوت إن كنتم صادقني وقال تعاىل أمل أحسب‬
‫الناس أن يرتكوا أن يقولوا آمنا وهم ال يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم‬
‫فليعلمن اهلل الذين صدقوا وليعلمن الكاذبني إىل قوله ومن الناس من يقول‬
‫آمنا باهلل فإذا أوذي يف اهلل جعل فتنة الناس كعذاب اهلل ولئن جاء نصر من‬
‫ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس اهلل بأعلم مبا يف صدور العاملني وليعلمن اهلل‬
‫الذين آمنوا وليعلمن املنافقني وقال تعاىل ما كان ليذر املؤمنني على ما أنتم‬
‫عليه حىت مييز اخلبيث من الطيب وأمثال ذلك ومن احلكم أن يتخذ منكم‬
‫شهداء فإن منزلة الشهادة منـزلة عليه يف اجلنة وال بد من املوت فموت العبد‬
‫شهيدا أكمل له وأعظم ألجره وثوابه ويكفر عنه بالشهادة ذنوبه وظلمه‬
‫لنفسه واهلل ال جيب الظاملني‪ ،‬ومن ذلك أن ميحص اهلل الذين آمنوا فيخلصهم‬
‫من الذنوب فإهنم إذا انتصروا دائما حصل للنفوس من الطغيان وضعف‬
‫اإلميان ما يوجب هلا العقوبة واهلوان قال تعاىل إمنا منلي هلم ليزدادوا إمثا وقال‬
‫تعاىل إن اإلنسان ليطغى أن رآه استغىن ويف الصحيحني عن النيب ‪ $‬أنه قال‬
‫مثل املؤمن كمثل اخلامة من الزرع تقيمها الرياح تقومها تارة ومتليها أخرى‬
‫ومثل املنافق كمثل شجرة األرز ال تزال ثابتة على أصلها حىت يكون اجنفافها‬
‫( ‪)1‬‬
‫مرة واحدة‪.‬‬

‫‪ )1(1‬العقيدة األصفهانية (‪.)130-1/129‬‬


‫وقال ابن حجر‪ :‬ويف هذه األحاديث بشارة عظيمة لكل مؤمن‪ ،‬ألن اآلدمي‬
‫ال ينفك غالبا من أمل بسبب مرض‪ ،‬أو هم‪ ،‬أو حنو ذلك مما ذكر‪ ،‬وأن‬
‫(‪)1‬‬
‫األمراض واألوجاع واآلالم بدنية كانت أو قلبية تكفر ذنوب من تقع له ‪.‬‬
‫وعن أيب بكر الصديق > أنه قال‪ :‬يا رسول اهلل كيف الصالح بعد هذه‬
‫ِ ِ (‪) 2‬‬ ‫اآلية ‪+‬لَّْيس بِأَمانِيِّ ُكم وال أَمايِن ِّ أ َْه ِل الْ ِكتَ ِ‬
‫اب َمن َي ْع َم ْل ُسوءًا جُيَْز به"‪.‬‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫اآلية‪ ،‬وكل شيء عملناه جزينا به‪ ،‬فقال‪" :‬غفر اهلل لك يا أبا بكر ألست‬
‫تمرض‪ ،‬ألست تصيبك الألواء" قال قلت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪" :‬هو ما تجزون‬
‫(‪) 3‬‬
‫به"‪.‬‬
‫ورواه احلاكم‪ ،‬وفيه‪" :‬قال غفر اهلل لك يا أبا بكر قاله ثالثاً‪ ،‬يا أبا‬
‫بكر ألست تمرض‪ ،‬ألست تحزن‪ ،‬ألست تنصب‪ ،‬ألست تصيبك‬
‫(‪)4‬‬
‫الألواء؟"‪.‬‬
‫الألواء‪ :‬هي شدة الضيق ‪.‬‬

‫‪ )1(1‬فتح الباري (‪. )10/108‬‬


‫‪ )(2‬سورة النساء آية (‪. )123‬‬
‫‪ )3(3‬رواه ابن حبان يف صحيحه‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب برقم (‪.)3430‬‬
‫‪ )4(4‬رواه احلاكم يف املستدرك (‪ )3/74‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه" وقال‬
‫الذهيب يف التلخيص‪" :‬صحيح"‪.‬‬
‫وعن عائشة<‪ ،‬عن رسول اهلل‪ $‬قال‪" :‬إن المؤمنين يشدد عليهم ألنه ال‬
‫تصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوقها‪ ،‬وال وجع إال رفع اهلل له بها‬
‫درجة‪ ،‬وحط عنه خطيئة"‪‌ )1( .‬‬
‫وعن أسد بن كرز>‪ ،‬أنه سمع النبي‪ $‬يقول‪" :‬المريض تحات خطاياه‬
‫(‪) 2‬‬
‫كما يتحات ورق الشجر"‪.‬‬
‫وعن أم العالء‪ ،‬وهي عمة حكيم بن حزام‪ ،‬وكانت من املبايعات رضي اهلل‬
‫عنها‪ ،‬قالت‪ :‬عادين رسول اهلل‪ $‬وأنا مريضة‪ ،‬فقال‪" :‬يا أم العالء أبشري‪،‬‬
‫فإن مرض المسلم يذهب اهلل به خطاياه‪ ،‬كما تذهب النار خبث الحديد‬
‫( ‪)3‬‬
‫والفضة"‪.‬‬
‫ويف رواية‪ :‬الذهب بدال من الحديد ‪.‬‬
‫قوله‪" :‬عادني"‪ :‬من العيادة ‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬يذهب اهلل به"‪ :‬أي بسبب املرض ‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬خطاياه"‪ :‬أي املسلم ‪.‬‬

‫‪ )5(1‬صحيح اجلامع حديث رقم (‪.‌ )1935‬‬


‫‪ )1(2‬رواه ابن أيب الدنيا بإسناد حسن‪ ،‬قال اهليثمي يف اجملمع (‪" :)2/301‬رواه أمحد والطرباين يف‬
‫الكبري وإسناده حسن"‪ .‬وضعفه األلباين يف "ضعيف اجلامع برقم (‪. )5928‬‬
‫‪ )2(3‬صحيح اجلامع برقم (‪. )37‬‬
‫وقوله‪" :‬خبث الذهب والفضة"‪ :‬قال ابن األثري يف النهاية‪ :‬اخلبث بفتحتني‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغريمها إذا أذيبا ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‌وعن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪ ،‬أنه مسع رسول اهلل‪ $‬يقول‪" :‬ال‬
‫يمرض مؤمن‪ ،‬وال مؤمنة‪ ،‬وال مسلم‪ ،‬وال مسلمة إال حط اهلل عنه بها‬
‫( ‪)2‬‬
‫خطيئته"‪.‬‬
‫ورواه ابن حبان إال أنه قال‪" :‬إال حط اهلل بذلك خطاياه كما تنحط الورقة‬
‫(‪) 3‬‬
‫عن الشجرة"‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود>‪ ،‬أن رسول اهلل‪ $‬قال‪" :‬ما من مسلم يصيبه أذى من‬
‫(‪)4‬‬
‫مرض فما سواه إال حط اهلل به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها"‪.‬‬
‫وعن كعب بن مالك> قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" : $‬مثل المؤمن كمثل الخامة‬
‫من الزرع تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها أخرى حتى تهيج" ‪.‬‬

‫‪ )3(4‬عون املعبود‪.‬‬
‫‪ )3(2‬رواه أمحد والبزار‪ ،‬قال يف جممع الزوائد (‪" : )2/301‬رواه أمحد وأبو يعلى والبزار ورجال‬
‫أمحد رجال الصحيح"‪ .‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب برقم (‪.)3425‬‬
‫‪ )4(3‬صححه األلباين يف صحيح الرتغيب برقم (‪.)3425‬‬
‫‪ )1(4‬رواه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪ ، )5660‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب برقم‬
‫(‪.)6511‬‬
‫ويف رواية‪" :‬حتى تأتيه أجله" ومثل الكافر كمثل األرزة المجذية على‬
‫( ‪)1‬‬
‫أصلها ال يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة"‪.‬‬
‫األرزة‪ :‬شجرة الصنوبر‪ ،‬وقيل الذكر خاصة ‪.‬‬
‫المجذية‪ :‬الثابتة املنتصبة ‪.‬‬
‫اإلنجعاف‪ :‬اإلنقالع‪ ،‬قال أبو عبيد‪" :‬واملعىن فيما نرى أنه شبه املؤمن باخلامة‬
‫اليت متيلها الريح ألنه مرزأ يف نفسه وأهله وماله وولده‪ ،‬وأما الكافر فمثل‬
‫األرزة اليت ال متيلها الريح‪ ،‬والكافر ال يرزأ شيئا حىت ميوت فإن رزئ ال‬
‫(‪) 2‬‬
‫يؤجر عليه‪ ،‬فشبه موته بإجنعاف تلك حىت يلقى اهلل بذنوبه مجة‪ .‬أ‪.‬هـ‪.‬‬
‫وقال رسول اهلل ‪" :$‬إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء‪ ،‬أو قال‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫بماء زمزم" ‪.‬‬
‫(فيح) يف املصباح فاحت النار فيحا انتشرت‪ .‬وهذا الوارد يف احلديث نوع‬
‫من الطب ووصف للدواء الذي ال يشك يف حصول الشفاء به ملن ناسبه‬
‫ووافق مزاجه والدواء خيتلف باختالف األشخاص واألحوال‪ ،‬ولذلك يرجع‬

‫‪ )2(1‬رواه مسلم يف كتاب صفات املنافقني برقم (‪. )2810‬‬


‫‪ )3(2‬غريب احلديث للقاسم بن سالم (‪ 1/117‬و ‪.)118‬‬
‫‪ )1(3‬رواه البخاري يف بدء اخللق برقم (‪ ،)3261‬ومسلم برقم (‪.)78‬‬
‫فيه إىل أصحاب االختصاص الصادقني الصاحلني‪ ،‬وال غضاضة يف ذلك من‬
‫(‪) 1‬‬
‫حديث الصادق املصدوق ‪.$‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬وهذه األحاديث من أقوى األدلة على ما ذهب إليه‬
‫(‪)2‬‬
‫اجلمهور من أن جهنم موجودة اآلن‪.‬‬
‫وقال يف موضع آخر‪ :‬واملعىن أن حر احلمى شبيه حبر جهنم تنبيها للنفوس‬
‫على شدة حر النار‪ ،‬وأن هذه احلرارة الشديدة شبيهة بفيحها وهو ما يصيب‬
‫من قرب منها من حرها‪ ،‬كما قيل بذلك يف حديث اإلبراد واألول أوىل واهلل‬
‫(‪)3‬‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وعن جابر> قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬يود أهل العافية يوم القيامة حين‬
‫قرضت في الدنيا‬
‫يعطى أهل البالء الثواب لو أن جلودهم كانت ُ‬
‫( ‪)4‬‬
‫بالمقاريض"‪.‬‬
‫قال الشيخ السعدي رمحه اهلل تعاىل يف تفسريه لقول اهلل عزوجل‪+ :‬إِمَّنَا يُ َوىَّف‬
‫اب"‪ )5(.‬وهذا عام يف مجيع أنواع الصرب‪ ،‬الصرب على‬ ‫َجر ُهم بِغَرْيِ ِحس ٍ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ‬ ‫الصابُرو َن أ ْ َ‬
‫أقدار اهلل املؤملة فال يتسخطها‪ ،‬والصرب عن معاصيه فال يرتكبها‪ ،‬والصرب على‬

‫‪ )2(1‬التعليق على املختصر الصحيح ملصطفى ديب البغا‪.‬‬


‫‪ )3(2‬فتح الباري (‪.)6/333‬‬
‫‪ )4(3‬فتح الباري (‪.)10/174‬‬
‫‪ )1(4‬صحيح اجلامع رقم (‪. )8177‬‬
‫‪ )2(5‬سورة الزمر اآلية (‪.)10‬‬
‫طاعته حىت يؤديها‪ ،‬فوعد اهلل الصابرين أجرهم بغري حساب‪ ،‬أي بغري ح ّد‬
‫وال ع ّد وال مقدار‪ ،‬وما ذاك إال لفضيلة الصرب وحمله عند اهلل‪ ،‬وأنه معني على‬
‫(‪) 1‬‬
‫كل األمور‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫ودخل رسول اهلل‪ $‬على أم السائب أو أم املسيب فقال‪" :‬مالك يا أم‬
‫السائب أو يا أم المسيب تزفزفين" قالت‪ :‬الحمى ال بارك اهلل فيها فقال‪:‬‬
‫"ال تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث‬
‫( ‪)2‬‬
‫الحديد" ‪.‬‬
‫تزفزفين ‪ :‬ترعدين‬

‫وعن أنس> ‪ ،‬أن رسول اهلل‪ $‬قال‪" :‬إن عظم الجزاء مع عظم البالء‪ ،‬وإن‬
‫اهلل تعالى إذا أحب قوماً ابتالهم‪ ،‬فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله‬
‫‪)3 ( .‬‬
‫السخط"‬
‫قال املناوي‪ :‬قوله‪" :‬إن عظم اجلزاء"‪ ،‬أي كثرته مع عظم البالء‪ ،‬بكسر‬
‫املهملة وفتح الظاء فيهما وجيوز ضمها مع سكون الظاء‪ ،‬فمن بالؤه أعظم‬
‫فجزاؤه أعظم‪ ،‬وإن اللّه تعاىل إذا أحب قوماً ابتالهم أي اختربهم باحملن‬
‫والرزايا وهو أعلم حباهلم ‪ ،‬قال لقمان البنه يا بين الذهب والفضة خيتربان‬

‫‪ )3(1‬تيسري الكرمي الرمحن "تفسري سورة الزمر" آية (‪. )10‬‬


‫‪ )4(2‬رواه مسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (‪.)6515‬‬
‫‪ )1(3‬السلسلة الصحيحة برقم (‪ ، )146‬وصحيح اجلامع برقم (‪.)2110‬‬
‫بالنار واملؤمن خيترب بالبالء فمن رضي قضاء مبا ابتلى به فله الرضى من اللّه‬
‫تعاىل وجزيل الثواب ومن سخط أي كره قضاء ربه ومل يرضه فله السخط‬
‫منه تعاىل وأليم العذاب‪.‬‬
‫وقوله‪: :‬فمن رضي فله الرضى" شرط وجزاءاً فهم منه أن رضى اللّه تعاىل‬
‫مسبوق برضى العبد وحمال أن يرضى العبد عن اللّه إال بعد رضى اللّه عنه‬
‫كما قال‪َّ + :‬ر ِض َي اللّهُ َعْن ُه ْم َو َر ُضواْ َعْنهُ"‪ )1(.‬وحمال أن حيصل رضى اللّه وال‬
‫حيصل رضى العبد يف اآلخرة فعن اللّه الرضى أزالً وأبداً‪ ،‬وفيه جنوح إىل‬
‫كراهة اختيار الصحة على البالء والعافية على السقم وال ينافيه ما مر وجييء‬
‫من األمر بسؤال العافية وأهنا أفضل الدعاء ألنه إمنا كرهه ألجل اجلرائم‬
‫واقرتاف العظائم كيال يلقوا رهبم غري مطهرين من دنس الذنوب‪ ،‬فاألصلح‬
‫ملن كثرت خطاياه السكوت والرضى ليخف والتطهري بقدر التمحيص‬
‫واألجر بقدر الصرب‪ ،‬ذكره ابن جرير‪ .‬واملقصود احلث على الصرب على البالء‬
‫(‪)2‬‬
‫بعد وقوعه ال الرتغيب يف طلبه للنهي عنه‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة> قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" :$‬إن الرجل ليكون له عند اهلل‬
‫(‪) 3‬‬
‫المنـزلة فما يبلغها بعمل‪ ،‬فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها "‪.‬‬

‫‪ )2(1‬سورة التوبة اآلية (‪.)100‬‬


‫‪ )1(2‬فيض القدير ‪ .‬‬
‫‪ )2(3‬صحيح اجلامع رقم (‪.)1625‬‬
‫وعن عطاء بن أيب رباح قال‪ :‬قال لي ابن عباس >‪ :‬أال أريك امرأة من‬
‫أهل الجنة‪ ،‬فقلت‪ :‬بلى قال‪ :‬هذه المرأة السوداء أتت النبي‪ ،$‬فقالت‪:‬‬
‫إني أصرع وإني أتكشف فادع اهلل لي‪ ،‬قال‪" :‬إن شئت صبرت ولك‬
‫الجنة وإن شئت دعوت اهلل أن يعافيك"‪ ،‬فقالت‪ :‬أصبر فقالت‪ :‬إني‬
‫( ‪)1‬‬
‫أتكشف فادع اهلل لي أن ال أتكشف ‪ ،‬فدعا لها" ‪.‬‬
‫أتكشف‪ :‬من التكشف‪ ،‬واملراد أهنا خشيت ‪ ،‬تظهر عورهتا وهي ال تشعر ‪.‬‬
‫قال ابن حجر رمحه اهلل تعاىل‪ :‬ويف احلديث فضل من يصرع‪ ،‬وأن الصرب على‬
‫باليا الدنيا يورث اجلنة‪ ،‬وأن األخذ بالشدة أفضل من األخذ بالرخصة ملن‬
‫علم من نفسه الطاقة ومل يضعف عن التزام الشدة‪ ،‬وفيه دليل على جواز ترك‬
‫التداوي‪ ،‬وفيه أن عالج األمراض كلها بالدعاء وااللتجاء إىل اهلل أجنع وأنفع‬
‫من العالج بالعقاقري‪ ،‬وأن تأثري ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثري‬
‫األدوية البدنية‪ ،‬ولكن إمنا ينجع بأمرين أحدمها من جهة العليل وهو صدق‬
‫القصد‪ ،‬واآلخر من جهة املداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى‬
‫( ‪)2‬‬
‫والتوكل واهلل أعلم‪ .‬اهـ‪.‬‬

‫‪ )3(1‬رواه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪ ، )5652‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (‬
‫‪.)2576‬‬
‫‪ )1(2‬فتح الباري (‪. )10/115‬‬
‫وعن أيب سعيد وأيب هريرة> قال‪" :‬ما يصيب المؤمن من نصب وال‬
‫وصب وال هم وال حزن وال غم حتى الشوكة يشاكها إال كفر اهلل بها‬
‫(‪)1‬‬
‫من خطاياه" ‪.‬‬
‫ورواية مسلم ‪" :‬ما يصيب المؤمن من وصب وال نصب وال سقم وال‬
‫حزن حتى الهم يهمه إال َّ‬
‫كف َر به من سيئاته" ‪.‬‬
‫النصب ‪ :‬التعب ‪.‬‬
‫الوصب ‪ :‬املرض ‪.‬‬
‫وكفََّر ‪ :‬أي سترها ومحاها ‪.‬‬
‫أحب اهلل قوماً ابتالهم‬
‫وعن حممود بن لبيدة‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ $‬قال‪" :‬إذا َّ‬
‫(‪)2‬‬
‫فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع" ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬قال رسول اهلل‪" :$‬ما من مصيبة تصيب‬
‫( ‪)3‬‬
‫المسلم إال كفر اهلل عنه بها حتى الشوكة يشاكها" ‪.‬‬
‫ويف رواية ملسلم‪" :‬ال تصيب المؤمن شوكة فما فوقها إال نقص اهلل بها من‬
‫خطيئته" ‪.‬‬

‫‪ )2(1‬رواه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪ 5641‬و ‪ ، )2642‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة‬
‫برقم (‪.)2573‬‬
‫‪ )3(2‬صحيح اجلامع رقم (‪.)282‬‬
‫‪ )1(3‬رواه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪ ،)5640‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة (‪.)6514‬‬
‫‪)1 ( .‬‬
‫ويف رواية أخرى له‪" :‬إال رفعه اهلل بها درجة وحط عنه بها خطيئة"‬
‫ويف رواية‪ :‬دخل شباب من قريش على عائشة <‪ ،‬وهي مبىن وهم‬
‫خر على طنب فسطاط‬ ‫يضحكون‪ ،‬فقالت‪ :‬ما يضحككم قالوا‪ :‬فالن ّ‬
‫وكادت عنقه أو عينه تذهب‪ ،‬فقالت‪ :‬ال تضحكوا فإين مسعت رسول اهلل‪$‬‬
‫يقول‪ " :‬ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إال كتب اهلل له بها درجة‬
‫‪)2 ( .‬‬
‫ومحيت عنه بها خطيئة"‬
‫(‪)3‬‬ ‫أحد أطْناب اخليمة ‪ ,‬فاستعاره للطَّرف والن ِ‬
‫َّاحية‪ .‬هـ ‪.‬‬ ‫والطُّنُب ‪ُ :‬‬
‫َ‬
‫والفسطاط ‪ :‬هو اخليمة ‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي رمحه اهلل تعاىل‪ :‬يف هذه األحاديث بشارة عظيمة‬
‫للمسلمني‪ ،‬فانه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شئ من هذه األمور‪ ،‬وفيه‬
‫تكفري اخلطايا باألمراض واألسقام ومصايب الدنيا ومهومها وإن قلت مشقتها‬
‫‪ ،‬وفيه رفع الدرجات هبذه األمور وزيادة احلسنات ‪ ،‬وهذا هو الصحيح‬
‫( ‪)4‬‬
‫الذي عليه مجاهري العلماء ‪ .‬اهـ ‪.‬‬

‫‪ )2(1‬يف كتاب الرب والصلة برقم (‪.)6508‬‬


‫‪ )3(2‬رواه مسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (‪. )6506‬‬
‫‪ )4(3‬النهاية يف غريب احلديث (‪. )3/140‬‬

‫‪ )1(4‬شرح النووي (‪. )16/128‬‬


‫وعن معاوية> قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ $‬يقول‪" :‬ما من شيء يصيب‬
‫‪)1 ( .‬‬
‫المؤمن في جسده يؤذيه إال كفر اهلل عنه به من سيئاته"‬
‫وعن أيب هريرة> قال‪ :‬مسعت رسول اهلل‪ $‬يقول ‪" :‬وصب المؤمن كفارة‬
‫(‪)2‬‬
‫لخطاياه" ‪.‬‬
‫وعن أيب هريرة> قال ‪ :‬ملا نزلت ‪َ +‬من َي ْع َم ْل ُسوءًا جُيَْز بِِه"‪ )3(.‬بلغت من‬
‫املسلمني مبلغاً شديداً‪ ،‬فقال رسول اهلل‪" :$‬قاربوا وسدووا ففي كل ما‬
‫(‪) 4‬‬
‫يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها أو الشوكة يشاكها"‪.‬‬
‫قوله‪( :‬قاربوا)‪ :‬أي اقتصدوا فال تغلوا وال تقصروا بل توسطوا‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬سددوا)‪ :‬أي اقصدوا السداد وهو الصواب‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وقوله‪" :‬النَّ ْكبَة"‪ :‬وهي ما يصيب اإلنسان من احلوادث‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود> قال ‪ :‬دخلت على النيب‪ $‬فمسسته فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫إنك توعك وعكاً شديداً‪ ،‬فقال‪" :‬أجل إني أوعك كما يوعك رجالن‬

‫‪ )2(1‬صحيح اجلامع رقم (‪.)5600‬‬


‫‪ )3(2‬صحيح اجلامع (‪. )6986‬‬
‫‪ )4(3‬سورة النساء اآلية (‪.)123‬‬
‫‪ )5(4‬رواه مسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (‪.)6514‬‬

‫‪ )1(5‬النهاية يف غريب احلديث (‪. )5/112‬‬


‫منكم"‪ ،‬قلت‪ :‬ذلك بأن لكم أجرين‪ ،‬قال‪" :‬نعم ما من مسلم يصيبه أذى‬
‫(‪) 1‬‬
‫من مرض فيما سواه إال حط اهلل به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها"‪.‬‬
‫وعن عبد الرمحن بن أيب بكر رضي اهلل عنهما‪ ،‬أن رسول اهلل‪ $‬قال‪" :‬إنما‬
‫مثل العبد المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كحديدة تدخل النار‬
‫( ‪)2‬‬
‫فيذهب خبثها ويبقى طيبها" ‪.‬‬
‫وعكاً َو ُو ِعك فهو‬ ‫الو ْعك ‪ :‬وهو احلُ َّمى وقيل ألَ ُمها وقد َو َع َكه ُ‬
‫املرض َ‬
‫( ‪)3‬‬
‫َم ْوعوك ‪.‬‬
‫وعن شهر بن حوشب‪ ،‬عن أيب رحيانة> قال‪ :‬قال رسول اهلل‪:$‬‬
‫(‪) 4‬‬
‫"الحمى من فيح جهنم وهي نصيب المؤمن من النار"‪.‬‬
‫"فيح جهنم " الفيح‪ :‬سطوع احلر وفورانه ‪ .‬وي ْقال الواو ‪ ،‬وفاحت القدر تفيح‬
‫وتفوح إذا غلت ‪ .‬وقد أخرجه خمرج التشبيه والتمثيل أي كأنه نار جهنم يف‬
‫( ‪)5‬‬
‫حرها‪.‬‬

‫‪ )2(1‬رواه البخاري يف كتاب املرض برقم (‪ ، )5648‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة برقم (‬
‫‪.)2571‬‬
‫‪ )3(2‬السلسلة الصحيحة (‪.)1714‬‬
‫‪ )4(3‬النهاية يف غريب احلديث (‪. )5/206‬‬
‫‪ )5(4‬صحيح اجلامع رقم (‪.)3/3188‬‬
‫‪ )1(5‬النهاية يف غريب احلديث (‪. )3/484‬‬
‫احلمى كري من جهنم‪ ،‬أي حقيقة أرس لت منها إىل ال دنيا ن ذيراً للجاح دين‬
‫وبش رياً للمق ربني أهنا كف ارة ل ذنوهبم أو حرها ش بيه حبر كري جهنم‪ ،‬فما‬
‫أص اب املؤمن منها ك ان حظه من الن ار‪ ،‬أي نص يبه من احلتم املقضي يف قوله‬
‫ك ح ْتما َّم ْق ِ‬
‫ضيًّا"‬ ‫سبحانه ‪َ +‬وإِن ِّمن ُك ْم إِاَّل َوا ِر ُد َها َكا َن َعلَى َربِّ َ َ ً‬
‫‪) 1( .‬‬

‫‪‬‬
‫باب‬
‫اللجوء إلى هللا في كل األمور‬
‫هذا وعلى العبد أن يلتجئ إىل اهلل سبحانه وتعاىل يف كل أموره ويف‬
‫السر والعلن ويدعوه يف جوف الليل والنهار وعند السجود ويف كل وقت‬
‫ويتضرع إليه‪ ،‬ويظهر اخلضوع التذلل واالفتقار إليه سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومن الدعاء‬
‫املأثور ‪:‬‬
‫هم وال َح َزن‬
‫عن ابن مسعود>‪ ،‬أن رسول اهلل‪ $‬قال‪" :‬ما أصاب أحداً قط ٌّ‬
‫في‬ ‫فقال‪ " :‬اللهم إني عبدك وابن عبدك ‪ ،‬وابن أمتك ‪ ،‬ناصيتي بيدك‪ٍ ،‬‬
‫ماض َّ‬
‫اسم هو لك سميت به نفسك‪ ،‬أو‬‫بكل ٍ‬
‫في قضاؤك ‪ ،‬أسألك ِّ‬ ‫حكمك ‪ٌ ،‬‬
‫عدل َّ‬
‫أنزلته في كتابك‪ ،‬أو علمته أحداً من خلقك‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب‬
‫عندك‪ ،‬أن تجعل القرآن ربيع قلبي‪ ،‬ونور صدري ‪ ،‬وجالء حزني‪ ،‬وذهاب‬
‫همي"‪.‬‬

‫‪ )2(1‬سورة مرمي اآلية (‪.)71‬‬


‫إال أذهب اهلل عز وجل َه َّمهُ‪ ،‬وأب َدلَهُ مكان حزنِِه فرحاً" قالوا‪ :‬يا رسول اهلل!‬
‫ينبغي لنا أن نتعلم هؤالء الكلمات ؟ قال‪ " :‬أجل ‪ :‬ينبغي لمن َس ِم َع ُه َّن أن‬
‫( ‪)1‬‬
‫يتعلم ُه َّن"‬
‫َ‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬فقد بنّي أن كل قضائه يف عبده عدل؛‬
‫وهلذا يقال‪ :‬كل نعمة منه فضل‪ ،‬وكل نقمة منه عدل‪ .‬ويقال‪ :‬أطعتك‬
‫بفضلك واملنّة لك‪ ،‬وعصيتك بعلمك ـ أو بعدلك ـ واحلجة لك‪ ،‬فأسألك‬
‫بوجوب حجتك علي وانقطاع حجيت إال ما غفرت يل‪.)2( .‬‬
‫ويف «سنن أبـي داود» عن أبـي سعيد اخلدري‪ ،‬قال‪ :‬دخل رسول اهلل‬
‫ذات يوم المسجد‪ ،‬فإذا هو برجل من األنصار يقال له‪ :‬أبو أمامة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫هموم‬
‫المسجد في غَير َوقت الصالَة» فقال‪ٌ :‬‬ ‫اك في َ‬ ‫«يا أبَا أ َُم َامة َما لي أ ََر َ‬
‫َنت قُلتَهُ‬
‫ك َكالَماً إ َذا أ َ‬
‫لم َ‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬فقال‪« :‬أَالَ أ َ‬
‫َع ُ‬ ‫َ‬ ‫زمتني‪ ،‬وديو ٌن يا‬ ‫لَ َ‬
‫رسول اهلل‪،‬‬
‫َ‬ ‫قلت‪ :‬بلى يا‬ ‫ك» قال‪ُ :‬‬ ‫ض ٰى َدينَ َ‬
‫مك َوقَ َ‬
‫وجل َه َ‬ ‫ب اهللُ َعز َ‬ ‫َذه َ‬
‫أ َ‬
‫الهم‬
‫من َ‬‫بك َ‬
‫اللهم إني أَعُوذُ َ‬
‫يت‪ُ :‬‬‫َمس َ‬
‫حت َوإذَا أ َ‬
‫قال‪« :‬قُل إذَا أَصبَ َ‬
‫الجبن والبُخل‪،‬‬
‫من ُ‬‫بك َ‬
‫سل‪ ،‬وأَعُوذُ َ‬
‫العجز وال َك َ‬
‫من َ‬‫بك َ‬
‫والح َزن‪َ ،‬وأَعُوذُ َ‬
‫َ‬

‫‪ )1(1‬رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وكلهم عن‬
‫أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود ‪ ،‬وقال‬
‫الحاكم ‪ :‬صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن عن أبيه‪،‬وصححه‬
‫األلباني في الصحيحة برقم (‪ ،)199‬وصحيح الترغيب برقم (‪.)1822‬‬
‫‪ )2(2‬مجموع الفتاوى (‪. )18/129‬‬
‫ففعلت ذلك‪ ،‬فأذهب‬
‫ُ‬ ‫الرجال»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بك من غَلَبَة الدين َوقَهر َ‬
‫وأَعُوذُ َ‬
‫اهلل عز وجل همي‪ ،‬وقضى عني ديني"‪.)1(.‬‬
‫زم‬
‫«من لَ َ‬ ‫ويف «سنن أبـي داود» عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ :‬‬
‫خرجاً‪َ ،‬و َر َزقَهُ‬ ‫االستغ َف َار‪َ ،‬ج َع َل اهللُ لَهُ من ُكل َه َم َف َرجاً‪ ،‬ومن ُكل ٍ‬
‫ضيق َم َ‬
‫يث الَ يَحتَسب»‪.‬‬ ‫من َح ُ‬
‫زع إلى الصالة‪ ،‬وقد‬
‫أمر‪ ،‬فَ َ‬
‫ويف «املسند» أن النبـي كان إذا َح َزبَه ٌ‬
‫(‪) 2‬‬
‫قال تعالى‪ :‬واستَعينُوا بالصبر والصالة‪.‬‬
‫الجنة‪ ،‬يَدفَ ُع‬
‫اب من أبواب َ‬
‫بالجهاد‪ ،‬فإنهُ بَ ٌ‬
‫«علَي ُكم َ‬‫ويف «السنن»‪َ :‬‬
‫الهم والغَم»‪.‬‬
‫الن ُفوس َ‬
‫اهللُ به َعن ُّ‬
‫ومهُ‪،‬‬
‫ومهُ وغُ ُم ُ‬
‫«من َك ُث َرت ُه ُم ُ‬
‫ويذكر عن ابن عباس‪ ،‬عن النبـي ‪َ :‬‬
‫ول َوالَ قُو َة إال باهلل»‪.)3(.‬‬
‫فَليُكثر من قَول‪ :‬الَ َح َ‬
‫وثبت يف «الصحيحني» "أنها كنـز من كنوز الجنة"‪.‬‬
‫باب من أبواب الجنة»‪.‬‬
‫ويف «الرتمذي»‪« :‬أنها ٌ‬

‫‪ )(1‬أخرجه أبو داود في آخر كتاب الصالة برقم (‪ )1555‬من طريق أحمد بن عبيد‬
‫هللا الغداني‪.‬‬
‫‪ )(2‬سورة البقرة اآلية (‪. )45‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخاري برقم (‪ 4205‬و ‪ 6384‬و ‪ 6409‬و ‪ 6610‬و ‪ ، )7386‬ورواه‬
‫ومسلم برقم (‪ )2704‬و (‪.)6802‬‬
‫وعن سعد بن أيب وقاص> قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :$‬دعوة ذي النون‬
‫إذ دعا وهو في بطن الحوت‪" :‬ال إله إال أنت سبحانك إني كنت من‬
‫رجل مسلم في شيء قط إال استجاب اهلل‬
‫الظالمين" فإنه لم يدعُ بها ٌ‬
‫(‪) 1‬‬
‫له"‪.‬‬
‫ويف رواية أخرى‪" :‬أال أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بالء‬
‫من أمر الدنيا دعا به ففرج عنه؟ دعاء ذي النون‪ :‬ال إله إال أنت سبحانك‬
‫إني كنت من الظالمين"‪‌ )2(.‬‬
‫قال ابن قيم اجلوزية رمحه اهلل تعاىل‪ :‬وأما دعوة ذي النون فإن فيها من كمال‬
‫التوحيد والتنـزية للرب تعاىل واعرتاف العبد بظلمة وذنبه ما هو من أبلغ‬
‫أدوية الكرب واهلم والغم وأبلغ الوسائل إىل اهلل سبحانه يف قضاء حوائجه ‪،‬‬
‫فإن التوحيد والتنـزيه يتضمنان إثبات كل كمال هلل وسلب كل نقص وعيب‬
‫ومتثيل عنه‪ ،‬واالعرتاف بالظلم يتضمن إميان العبد بالشرع والثواب والعقاب‬
‫ويوجب انكساره ورجوعه إىل اهلل واستقالة عثرته واالعرتاف بعبوديته‬
‫وافتقاره إىل ربه ‪ ،‬فمنها أربعة أمور قد وقع التوسل هبا التوحيد والتنـزيه‬
‫‪3‬‬
‫والعبودية واالعرتاف ‪ .‬اهـ‪) (.‬‬

‫‪ )1(1‬رواه الترمذي واللفظ له ‪ ،‬والنسائي والحكم وقال‪ :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬وصححه‬


‫األلباني في صحيح الترغيب برقم (‪ ،)1826‬وصحيح الجامع رقم (‪. )3383‬‬
‫‪ )1(2‬صحيح الجامع رقم (‪. )2605‬‬
‫‪ )2(3‬حاشية ابن القيم (‪. )1/162‬‬
‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ $‬كان يقول عند الكرب‪:‬‬
‫رب العرش العظيم ‪ ،‬ال إله‬
‫" ال إله إال اهلل العظيم الحليم ال إله إال اهلل ّ‬
‫ورب العرش الكريم"(‪.)4‬‬
‫رب السماوات واألرض ّ‬
‫إال اهلل ُّ‬
‫قال املناوي ‪ :‬كان يدعو عند الكرب ‪ ،‬أي عند حلوله يقول ال إله إال اللّه‬
‫العظيم الذي ال شيء يعظم عليه احلليم الذي يؤخر العقوبة مع القدرة ال إله‬
‫إال اللّه رب العرش العظيم ‪ ،‬ويف رواية بدل العظيم والكرمي املعطي تفضالً‬
‫روي برفع العظيم والكرمي على أهنما نعتان للرب‪ ،‬والثابت يف رواية اجلمهور‬
‫اجلر نعت للعرش ‪.‬‬
‫قال الطييب‪ :‬صدر الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب ألنه مقتضى‬
‫الرتبية ال إله إال اللّه رب السماوات السبع ورب األرض ورب العرش الكرمي‬
‫‪ ،‬قالوا هذا دعاء جليل ينبغي االعتناء به واإلكثار منه عند العظائم فيه‬
‫التهليل املشتمل على التوحيد ‪ ،‬وهو أصل التنـزيهات اجلالليه والعظمة الدالة‬
‫على متام القدرة واحللم الدال على العلم إذ اجلاهل ال يتصور منه حلم وال‬
‫كرم ‪ ،‬ومها أصل األوصاف اإلكرامية ‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن جرير‪ :‬كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب‪ ،‬وهو‬
‫وإن كان ذكراً لكنه مبنـزلة الدعاء خلرب من شغله ذكري عن مسئليت‪.‬اهـ‪ .‬‬

‫‪ )3(4‬رواه البخاري في كتاب الدعوات برقم (‪ )6346‬ومسلم في كتاب الذكر‬


‫والدعاء برقم (‪.)2730‬‬
‫وأشار به إىل رد ما قيل هذا ذكر ال دعاء وملا كان يف جواب البعض بأن‬
‫املراد أنه يفتتح دعاءه به فائدة ‪ :‬قال ابن بطال‪ :‬عن أيب بكر الرازي كنت‬
‫بأصبهان عند أيب نعيم وهناك شيخ يسمى أبا بكر عليه مدار الفتيا فسعى به‬
‫عند السلطان فسجن فرأيت املصطفى ‪ $‬يف املنام وجربيل عن ميينه حيرك‬
‫شفتيه بالتسبيح ال يفرت فقال يل املصطفى صلى اللّه تعاىل عليه وعلى آله‬
‫وسلم‪ :‬قل أليب بكر يدعو بدعاء الكرب الذي يف صحيح البخاري حىت‬
‫يفرج اللّه عنه فأصبحت فأخربته فدعا به فلم يكن إال قليالً حىت أخرج‬
‫‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫وعن أنس >‪" :‬كان إذا كربه أمر قال‪ :‬يا حي يا قيوم برمحتك أستغيث" ‪.‬‬
‫(‪) 1‬‬

‫ويف رواية عن ابن مسعود >‪" :‬كان إذا نزل به هم أو غم قال‪ :‬يا حي‬
‫يا قيوم برمحتك أستغيث" ‪ )2( .‬‬
‫وعن عمار بن ياسر‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول اللّه ‪ $‬يدعو‪" :‬اللهم بعلمك‬
‫الغيب وقدرتك على اخللق أحيين ما علمت احلياة خريا يل وتوفين إذا علمت‬
‫الوفاة خريا يل اللهم وأسألك خشيتك يف الغيب والشهادة وأسألك كلمة‬
‫اإلخالص يف الرضا والغضب وأسألك القصد يف الفقر و الغىن وأسألك نعيما‬

‫‪ )3(1‬صحيح الجامع حديث رقم (‪.‌)4777‬‬


‫‪.‌)47‬‬ ‫‪ )3(2‬صحيح الجامع حديث رقم (‪91‬‬
‫‪4791‬‬
‫ال ينفد وأسألك قرة عني ال تنقطع وأسألك الرضا بالقضاء وأسألك برد العيش‬
‫بعد املوت وأسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل لقائك يف غري ضراء‬
‫مضرة وال فتنة مضلة اللهم زينا بزينة اإلميان واجعلنا هداة مهتدين"‪‌)1(. ‬‬
‫قوله‪ :‬اللّهم بعلمك الغيب‪ :‬قال املناوي‪ :‬الباء لالستعطاف والتذلل أي‬
‫أنشدك حبق علمك ما خفي على خلقك مما استأثرت به وقدرتك على اخللق‬
‫أي مجيع املخلوقات من إنس وجن وملك وغريها أحيين ما علمت احلياة خرياً‬
‫يل وتوفين إذا علمت الوفاة خرياً يل عرب مبا يف احلياة التصافه باحلياة حاالً‬
‫وبإذا الشرطية يف الوفاة النعدامها حال التمين أي إذا آل احلال أن تكون الوفاة‬
‫هبذا الوصف فتوفين اللّهم وأسألك خشيتك‪  ‬عطف على حمذوف واللّهم‬
‫معرتضة يف الغيب والشهادة‪  ‬أي يف السر والعالنية أو املشهد واملغيب فإن‬
‫خشية اللّه رأس كل خري والشأن يف اخلشية يف الغيب ملدحه تعاىل من خيافه‬
‫بالغيب وأسألك كلمة اإلخالص‪  ‬أي النطق باحلق يف الرضا والغضب أي يف‬
‫حاليت رضا اخللق مين وغضبهم علي فيما أقوله فال أداهن وال أنافق أو يف‬
‫حاليت رضاي وغضيب حبيث ال تلجئين ش ّدة الغضب إال النطق خبالف احلق‬
‫ككثري من الناس إذا اشتد غضبه أخرجه من احلق إىل الباطل وأسألك القصد‬
‫أي التوسط يف الغىن والفقر‪  ‬وهو الذي ليس معه إسراف وال تقصري فإن الغىن‬
‫يبسط اليد ويطفىء النفس والفقر يكاد أن يكون كفراً فالتوسط هو احملبوب‬

‫‪ )1(1‬رواه النسائي والحاكم‪ ،‬صحيح الجامع حديث رقم (‪.‌)1301‬‬


‫املطلوب وأسألك نعيماً ال ينفد‪  ‬أي ال ينقضي وذلك ليس إال نعيم اآلخرة‬
‫وأسألك قرة عني بكثرة النسل املستمر بعدي أو باحملافظة على الصالة لقوله‬
‫وجعلت قرة عيين يف الصالة‪  ‬ال تنقطع‪  ‬بل تستمر ما بقيت الدنيا وقيل أراد‬
‫ّقرة عينه أي بدوام ذكره وكمال حمبته واألنس به‪ .‬قال بعضهم‪ :‬من قرت عينه‬
‫باللّه قرت به كل عني وأسألك الرضا بالقضاء‪  ‬أي مبا قدرته يل يف األزل‬
‫ألتلقاه بوجه منبسط وخاطر منشرح وأعلم أن كل قضاء قضيته خري فلي فيه‬
‫خري‪. ‬قال العارف الشاذيل‪ :‬البالء كله جمموع يف ثالث خوف اخللق وهم‬
‫الرزق والرضا عن النفس والعافية واخلري جمموع يف ثالث الثقة باللّه يف كل‬
‫شيء والرضا عن اللّه يف كل شيء واتقاء شرور الناس ما أمكن‪  ‬وأسألك برد‬
‫العيش بعد املوت برفع الروح إىل منازل السعداء ومقامات املقربني والعيش يف‬
‫هذه الدار ال يربد ألحد بل حمشو بالغصص والنكد والكدر ممحوق باآلالم‬
‫الباطنة واألسقام الظاهرة وأسألك لذة النظر إىل وجهك‪  ‬أي الفوز بالتجلي‬
‫الذايت األبدي الذي ال حجاب بعده وال مستقر للكمل دونه وهو الكمال‬
‫احلقيقي قيد النظر باللذة ألن النظر إىل اللّه إما نظر هيبة وجالل يف عرصات‬
‫القيامة أو نظر لطف ومجال يف اجلنة إيذاناً بأن املسؤول هذا والشوق إىل‬
‫لقائك ‪‌)1(.‬‬

‫‪ )1(1‬فيض القدير ‪.‬‬


‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬وكلما كان الشيء أحب كانت اللذة‬
‫بنيله أعظم‪ ،‬وهذا متفق عليه بني السلف واألئمة ومشائخ الطريق‪ .‬كما روى‬
‫عن احلسن البصري إنه قال‪ :‬لو علم العابدون بأهنم ال يرون رهبم يف اآلخرة‬
‫لذابت نفوسهم يف الدنيا شوقا إليه‪ ،‬وكالمهم يف ذلك كثري‪) (.‬‬
‫‪1‬‬

‫وقال ابن قيم اجلوزية‪ :‬مجع يف هذا الدعاء بني أطيب ما يف الدنيا وهو‬
‫الشوق إىل لقائه وأطيب ما يف اآلخرة وهو النظر إليه وملا كان كالمه موقوفاً‬
‫على عدم ما يضر يف الدنيا ويفنت يف الدين قال يف غري ضراء مضرة وال فتنة‬
‫مضلة‪.‬اهـ‪) ( .‬‬
‫‪2‬‬

‫وقال الطييب‪ :‬متعلق الظرف مشكل ولعله يتصل بالقرينة األخرية وهي‬


‫الشوق إىل لقائك‪ .‬سأل شوقاً إليه يف الدنيا حبيث يكون يف ضراء غري مضرة‬
‫أي شوقاً ال يؤثر يف سلوكي وإن ضرين مضرة ما‪ ،‬قال‪ :‬إذا قلت أهدى اهلجر‬
‫يل حلل البال * تقولني لوال اهلجر مل يطب احلب وإن قلت كريب دائم قلت‬
‫إمنا * يعد حمباً من يدوم له كرب وجيوز اتصاله بقوله أحيين إىل آخره‪ .‬ومعىن‬
‫ضراء مضرة‪ :‬الضر الذي ال يصرب عليه وال فتنة مضلة ‪ ‬أي موقعة يف احلرية‬
‫مفضية إىل اهلالك وقال القونوي‪ :‬الضراء املضرة حصول احلجاب بعد التجلي‬
‫والتجلي بصفة تستلزم سدل احلجب والفتنة املضلة كل شبهة توجب اخللل أو‬

‫‪ )2(1‬مجموع الفتاوى (‪. )6/41‬‬


‫‪ )1(2‬إغاثة اللهفان (‪. )1/33‬‬
‫تنقص يف العلم والشهود‪  ‬اللّهم زينا بزينة اإلميان‪  ‬وهي زينة الباطن وال معول‬
‫إال عليها ألن الزينة زينتني زينة البدن وزينة القلب وهي أعظمها قدراً وإذا‬
‫حصلت حصلت زينة البدن على أكمل وجه يف العقىب وملا كان كمال العبد‬
‫يف كونه عاملاً باحلق متبعاً له معلماً لغريه قال واجعلنا هداة مهتدين‪  ‬وصف‬
‫اهلداة باملهتدين ألن اهلادي إذا مل يكن مهتدياً يف نفسه مل يصلح كونه هادياً‬
‫لغريه ألنه يوقع الناس يف الضالل من حيث ال يشعر وهذا احلديث أفرد‬
‫بالشرح‪.‬اهـ‪ )1( .‬‬

‫‪‬‬
‫قال اإلمام أمحد رمحه اهلل تعاىل الصرب يف القرآن يف حنو تسعني موضعا وهو‬
‫واجب بإمجاع األمة وهو نصف اإلميان فإن اإلميان نصفان‪ :‬نصف صرب‬
‫ونصف شكر وهو مذكور يف القرآن على ستة عشر نوعاً‪:‬األول‪ :‬األمر به‬
‫حنو قوله تعاىل‪ :‬يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصرب والصالة البقره‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫واستعينوا بالصرب والصالة‪ ،‬وقوله‪ :‬اصربوا وصابروا‪ ،‬وقوله‪ :‬واصرب وما‬
‫صربك إال باهلل ‪.‬الثاين‪ :‬النهي عن ضده كقوله ‪ :‬فاصرب كما صرب أولوا العزم‬
‫من الرسل وال تستعجل هلم‪ ،‬وقوله‪ :‬وال تولوهم األدبار‪ ،‬فإن تولية األدبار‪:‬‬
‫ترك للصرب واملصابرة‪ ،‬وقوله‪ :‬وال تبطلوا أعمالكم‪ ،‬فإن إبطاهلا ترك الصرب‬

‫‪ )2(1‬فيض القدير ‪.‬‬


‫على إمتامها‪ ،‬وقوله‪ :‬فال هتنوا وال حتزنوا‪ ،‬فإن الوهن من عدم الصرب‪.‬الثالث‪:‬‬
‫الثناء على أهله كقوله تعاىل‪ :‬الصابرين والصادقني اآلية‪ ،‬وقوله‪ :‬والصابرين‬
‫يف البأساء والضراء وحني البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم املتقون‪،‬‬
‫وهو كثري يف القرآن‪.‬الرابع‪ :‬إجيابه سبحانه حمبته هلم كقوله ‪ :‬واهلل حيب‬
‫الصابرين‪ ،‬اخلامس‪ :‬إجياب معيته هلم وهي معية خاصة تتضمن حفظهم‬
‫ونصرهم وتأييدهم ليست معية عامة وهي معية العلم واإلحاطة كقوله ‪:‬‬
‫واصربوا إن اهلل مع الصابرين‪ ،‬وقوله‪ :‬واهلل مع الصابرين‪.‬‬
‫السادس‪ :‬إخباره بأن الصرب خري ألصحابه كقوله ‪ :‬ولئن صربمت هلو خري‬
‫للصابرين‪ ،‬وقوله‪ :‬وأن تصربوا خري لكم‪.‬السابع‪ :‬إجياب اجلزاء هلم بأحسن‬
‫أعماهلم كقوله تعاىل‪ :‬ولنجزين الذين صربوا أجرهم بأحسن ما كانوا‬
‫يعملون‪ .‬الثامن‪ :‬إجيابه سبحانه اجلزاء هلم بغري حساب كقوله تعاىل‪ :‬إمنا يوىف‬
‫الصابرون أجرهم بغري حساب‪.‬التاسع‪ :‬إطالق البشرى ألهل الصرب كقوله‬
‫تعاىل‪ :‬ولنبلونكم بشيء من اخلوف واجلوع ونقص من األموال واألنفس‬
‫والثمرات وبشر الصابرين‪ ،‬ضمان النصر واملدد هلم كقوله تعاىل‪ :‬بلى إن‬
‫تصربوا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا ميددكم ربكم خبمسة آالف من‬
‫املالئكة مسومني‪ .‬ومنه قول النيب‪ :$‬واعلم أن النصر مع الصرب‪.‬احلادى عشر‪:‬‬
‫اإلخبار منه تعاىل بأن أهل الصرب هم أهل العزائم كقوله تعاىل‪ :‬وملن صرب‬
‫وغفر إن ذلك ملن عزم األمور‪.‬الثاين عشر‪ :‬اإلخبار أنه ما يلقى األعمال‬
‫الصاحلة وجزاءها واحلظوظ العظيمة إال أهل الصرب كقوله تعاىل‪ :‬ويلكم‬
‫ثواب اهلل خري ملن آمن وعمل صاحلا وال يلقاها إال الصابرون‪،‬وقوله‪ :‬وما‬
‫يلقاها إال الذين صربوا وما يلقاها إال ذو حظ عظيم ‪.‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬اإلخبار أنه إمنا ينتفع باآليات والعرب أهل الصرب كقوله تعاىل‬
‫ملوسى ‪ :‬أن أخرج قومك من الظلمات إىل النور وذكرهم بأيام اهلل إن يف‬
‫ذلك آليات لكل صبار شكور‪ .‬وقوله يف أهل سبأ‪ :‬فجعلناهم أحاديث‬
‫ومزقناهم كل ممزق إن يف ذلك آليات لكل صبار شكور وقوله يف سورة‬
‫الشورى‪ :‬ومن آياته اجلوار يف البحر كاألعالم إن يشأ يسكن الريح فيظللن‬
‫رواكد على ظهره إن يف ذلك آليات لكل صبار شكور ‪.‬‬
‫الرابع عشر‪ :‬اإلخبار بأن الفوز املطلوب احملبوب والنجاة من املكروه املرهوب‬
‫ودخول اجلنة إمنا نالوه بالصرب كقوله تعاىل‪ :‬واملالئكة يدخلون عليهم من كل‬
‫باب سالم عليكم مبا صربمت فنعم عقىب الدار‪.‬اخلامس عشر‪ :‬أنه يورث صاحبه‬
‫درجة اإلمامة مسعت شيخ اإلسالم ابن تيمية قدس اهلل روحه يقول‪ :‬بالصرب‬
‫واليقني تنال اإلمامة يف الدين مث تال قوله تعاىل‪ :‬وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا‬
‫ملا صربوا وكانو بآياتنا يوقنون‪.‬السادس عشر‪ :‬اقرتانه مبقامات اإلسالم‬
‫واإلميان كما قرنه اهلل سبحانه باليقني وباإلميان وبالتقوى والتوكل وبالشكر‬
‫والعمل الصاحل والرمحة وهلذا كان الصرب من اإلميان مبنـزلة الرأس من اجلسد‬
‫وال إميان ملن ال صرب له كما أنه ال جسد ملن ال رأس له وقال عمر بن‬
‫اخلطاب >‪ :‬خري عيش أدركناه بالصرب وأخرب النيب يف احلديث الصحيح‪ :‬أنه‬
‫‪1‬‬
‫ضياء وقال‪ :‬من يتصرب يصربه اهلل‪) ( .‬‬

‫الخاتمة‬
‫وهبذا مت الكتاب ‪ ،‬واحلمد هلل الذي بنعتمه تتم الصاحلات ‪.‬‬
‫وأس أل اهلل أن جيعل فيه النفع للن اس عامة ‪ ،‬وأن جيعله س بباً الرتب اط الن اس‬
‫برهبم سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهذا هو جهدنا ‪ ،‬وهذه مقدرتنا ‪ ،‬فإن أصبنا فمن‬
‫اهلل وح ده ‪ ،‬وإن أخطأنا فمنا ومن الش يطان ‪ ،‬ونس أله أن يغفر لنا ويرمحنا‬
‫ومجيع املسلمني هو موالنا وخالقنا وناصرنا ‪ ،‬فنعم املوىل ونعم النصري ‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وحبمدك أستغفرك وأتوب إليك ‪.‬‬
‫وصلى اهلل وسلم وبارك على عبده ورسوله حممد‪.‬‬

‫وكتبه‬
‫ماجد بن خنجر البنكاين‬
‫أبو أنس العراقي‬

‫‪ )2(1‬مدارج السالكني (‪.)156-2/154‬‬


‫‪/25‬شعبان ‪1423 /‬هـ‬
‫‪31/10/2002‬م‬

‫‪‬‬

You might also like