Professional Documents
Culture Documents
القائمة الرئيسية
البحث...
احصائيات
|
قراءة موضوعية
المقدمة
لم تكن لي ذات يوم أي صلة بالتفسير ،وكيف تكون لي صلة ؟ ! وأنا لست من حملة أية شهادة علمية ،فأرقى شهادة
علمية حصلت عليها هي شهادة امتحان المعلمين األدنى عام 54م ،وصحيح أَّن ي عملت مدرسًا ولكن لفترة وجيزة ال
تتجاوز أصابع اليدين ولم اكن معنيا ذات يوم بدراسة جادة .دراستي قفزة هنا وأخرى هناك دون ما توقف فهي مطالعة
بل قل تسلية ،وهكذا من خالل هذه المطالعات تشكلت لدي معلومات وفيرة . ،إلى أْن جاء صيف عام 82م يحمل في
طياته حدثا لن أنساه أبدًا ـ إنه تقدم اليهود في ربوع لبنان يقتلون ويقتلون ،وأنا مشدوه أتفرج على ما حولي ال تكاد
عيناي تصدق ما يحدث .تداعى شريط التاريخ ،منذ بعثة الرسول ،وحتى ذلك اليوم ،وأنا أتطلع إلى المسلمين ،وهم
يؤمون المساجد ،يتلذذون ،ويشنفون أسماعهم ،باإلنصات إلى الخطب النارية ،يلقيها السادة العلماء ،وكأَّن وظيفتنا
أمام ذلك الحدث ،مجرد االستماع ،وربما تتحرك مشاعرهم ولكنها حركة صاحب البعير .عدُّت إلى نفسي أسائلها أنحن
حقًا ورثة جنة النعيم ! ؟ أو لسنا العد األكثر ! ؟ أو لسنا أصحاب تاريخ المجد المسطور ،مداده دماء الصحابة الزكية ثم
التابعين جيال فجيال ! ؟ هل نحن من التابعين لهم ؟ أم أننا جيل المسخ ؟ من نحن ؟ سؤال لحوح ! ومع مجزرة صبرا
وشاتيال ! َكُب َر السؤال ! وكاد يقتلني ! هل نحن المصلين أتباع القرآن ؟ ! أم الصالة طقوس فقط ! ؟ .
كان ال بد من إجابة السؤال ،والجواب ال يكون إَّال في القرآن ،وكانت هذه الرحلة العطرة الشاقة ،لكِّن ي حصلت على
الجواب ،أَّم ا الجواب فكان في صالة مغرب ! فقد قرأت في الركعة األولى [ أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدُّع
اليتيم * وال يحض على طعام المسكين * فويٌل للمصلين * الذين هم عن صالتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون
الماعون * ] .وفي الركعة الثانية اكتمل الجواب [ ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كال سوف تعلمون * ُث َّم كال سوف
تعلمون * كال لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ُث َّم لترونها عين اليقين * ُث َّم لتسئلن يومئذ عن النعيم * ] .هكذا
كانت الرحلة مع القرآن الكريم فإليكم يا معشر المسلمين بعض هديتي من تلك الرحلة.
تشكل الصالة بركوعها وسجودها السمة الفارقة بين المسلمين وغيرهم ،من اتباع بقايا الديانات ،أو الذين تركوا
الديانات ،وساحوا في مستنقع الوثنية ،أو دجل اإللحاد ،ويذكر لفظ الصالة في القرآن ـ مع ما تصرف منها ـ تسعا
وتسعين مرة .وال عجَب إذن أن تشكل الصالة المحور األساسي ،في مفاهيم األعماق ،لدى المسلمين وأْن يجرَأ العلماء
من أهل التذكير ،على أْن يختلقوا األحاديث المكذوبة ،مثل ان يقال “روى عن النبي صلى اهلل عليه وسلم -من تهاون
في الصالة عاقبه اهلل بخمسة عشرة عقوبة :ستة منها في الدنيا ،وثالثة عند الموت وثالثة في القبر ،وثالثة عند
خروجه من القبر (” .مالحظة ُأ بقيْت ألفاُظ العدد كما هي في األصل ).فال شك أن الصالة عمود الدين ،بدونها ال يمكن
ان يقام الدين ،ولكنها ليست هي الدين فاالقتصار على عمل الصالة ،وما هو من مثلها من أحكام العبادات ،لْن ُتَغ ِّي َر من
وضع المسلمين .
لكني وجدت نفسي ولكوني أحد المسلمين ،اصلي بمساجد المسلمين ،واسمع خطابات الجمع ،ودروس المساجد ،
وكلمات المناسبات ،ولقد تنقلُت بين مساجد شَّت ى ،وقرأت بعض ثمار المطابع ،مما هو متعلق باإلسالم ،من كتب ،
ومجالت ،وصحف ـ وأْص غيُت إلى ما يقال في اإلذاعة والتلفزة ،فوجدت في كل ذلك ضبابيه المفاهيم اإلسالمية ِ.إ َّن ما
َي َش ُّد إلى االنتباه ،أن المتكلمين باإلسالم ،لم يتمكنوا من تشخيص أمراض المسلمين وبالتالي لم تكن الوصفة العالجية
لتؤدي إلى أي تحسن في المريض ،فكيف بابالله ! .أما وأني رأيت القوم لم يستبْن لهم الرشد ،فمفهوم الصالة مثال ،
انتقل من كونه حكما شرعيا ،ليس له من اثر في الدنيا مطلقًا ،وإنما أثره في اآلخرة ،وان كانت القراءة في الصالة
والجماعة في الصالة ،والخطبة في صالة الجمع ،تؤدي إلى أثر في الدنيا ،لكن هذه األعمال ليست هي الصالة ،فقراءة
القرآن تكون في غير الصالة ،وتكون في غير صالة الجماعة ،وتكون في غير الخطبة كذلك .أقول جعلوها ذات اثر في
الدنيا .
لذا كان البد من إعادة قراءٍة لمفهوم الصالة ،في كتاب اهلل ،ليتضح هذا المفهوم ،لقد تتبع البحث لفظ الصالة ،أينما
ورد في القرآن الكريم َ ،ف ُو ِج َد في القرآن إحدى وأربعين كلمة ،يسبقها الفعل أقام ،وما تصرف منه ،من اصل ست
وسبعين آية ،وهكذا اهتديت بفضل اهلل تعالى إلى أولى خطوات البحث.أولى خطوات البحث القيام بتصنيف مجموعة
آيات الصالة إذ وجدت أنها تتألف من عشر مجموعات وبعد أن تم تصنيف هذه المجموعات ،كان ال بد من تناولها بالبحث
بعد ان تبين أًّن مفتاح الفهم كامن في الفعل أقام فجرى تركيب الجمل البسيطة التالية :
يصلون .
والظاهر ان المفسرين والفقهاء ـ اجزل اهلل الثواب لهم على مختلف مدارسهم ـ لم يباشروا مثل هذا المنهاج ،فمن
الطبيعي ان تختلط لديهم المفاهيم ،ليس بالصالة وحدها ،بل تعداها إلى كثير من مفاهيم القرآن .بعد هذه الخطوة ،
واستبانة معنى الصالة ،ورغم الثقة في النفس ،إال أن الخوف تملكني من عمالق استقرار الفهم المعين عند الناس ،
فأخذت اهمس في هذه المفاهيم على استحياء لمن أتوسم فيه امكانية الفهم إال أنني قوبلت بالصد واإلعراض !! .
لذا كان البد الخطوة الحاسمة ،وهو توثيق هذا الفهم ،ألزحزح عن كاهلي عبء كتمان العلم ،فشمرت عن ساعد الجد ،
وُأ عيد البحث والتنقيب في كثير من المفاهيم في القرآن ،من مفهوم الصالة ،إلى مفهوم القلب ،فمفهوم النفاق ،
ومفاهيم جمع المال وإنفاقه ،ومفهوم الجهاد ،إَّن البحث في كل ذلك كان ،بحثًا عن المفاهيم ال بحثًا عن األحكام .الن
المفاهيم هي التي تكيف السلوك ،مصطبرًا على المشقة ،معاهدًا اهلل ان يكون العمل خالصًا لوجهه الكريم .واستطعت
أخيرا وبفضل من اهلل وكرمه وعونه ،أْن تصح العزيمة على نشر ما توصلت إليه فلذا أعدت كتابته للنشر ،وهي كتابة
موجزة ليتمكن من االطالع عليه جمع غفير من الناس موسوما ب "مفهوم الصالة في القرآن الكريم”.واهلل أدعو ان
يتحقق به اإلفادة وصدق اهلل العظيم حيث يقول :
( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في األرض ) ....اآلية
واهلل الموفق
يتردد لفظ الصالة في القرآن الكريم كثيرًا فكلمة الصالة موضوع البحث وردت تسعا وتسعين مرة بلفظ الصالة او بفعلها
او باسم الفاعل منها في تراكيب متنوعة.
ان ما يتبادر إلى ذهن الباحث حين يقرأ هذه اآليات التسع ان المراد من لفظ الصالة هو المعنى الشرعي لها أي الركوع
والسجود أي فعل الصالة وبيان مدى اهميتها فهي احد اوصاف الهداية والفالح ( 3البقرة) وهي صفة اولياء اهلل ورسوله
والذين أمنوا ( 55المائدة) وهي صفة المؤمنين الذين تجل قلوبهم من ذكر اهلل ويزدادون ايمانا بتالوة ايات اهلل وهم
يتوكلون على ربهم ( 3االنفال) وهي بعض اوصاف الذين يستحقون رحمة اهلل ( 71التوبة) وهي مطلب اهلل من عباده قبل
( 37ابراهيم) يوم الحساب ( 31ابراهيم) وهي السبب الذي من اجله دعا ابراهيم ربه ليجعل افئدة من الناس تهوى اليهم
وهي بعض صفات المهتدين المبشّر ين ( 3النحل) وهي صفة المحسنين ( 4لقمان) وهي احدى صفات دين القيمة ( 5البينه).
لذلك لم يكن عجبًا ان يظهر من الوعاظ وائمة المساجد والفقهاء والعلماء والمفسرين هذا االهتمام وذلك التنبيه للمؤمنين
لحثهم على القيام بها ومع أن حكم القيام بالصالة احد احكام الشرع فهي عمود الدين وهي اول ما يحاسب عليه المؤمن
وهي التي ال تسقط مع وجود الخوف فهل المراد من هذه االيات اداء الصالة أي القيام باعمال الصالة كما بينتها كتب
الفقه أم ان االمر باقامة الصالة يتجاوز فعل الصالة إلى اثارها خارج الصالة لن نتعجل بالحكم حتى ال نقع بالخطأ فالبد
من عودة إلى بقية اآليات المتعلقة بالصالة.
ثانيًا :استعمال فعل االمر اقم او اقيموا بحيث يأتي لفظ الصالة مفعوًال به.
.4الم تر إلى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصالة 77 النساء
.6وأن اقيموا الصالة واتقوا وهو الذي اليه تحشرون 72 االنعام
.9انني انا اهلل ال اله اال انا فاعبدني واقم الصالة لذكرى 14 طه
.12منيبين اليه واتقوه واقيموا الصالة وال تكونوا من المشركين. 31 الروم
.13يا بني اقم الصالة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر 17 لقمان
.14فان لم تفعلوا وتاب اهلل عليكم فاقيموا الصالة وآتوا 13 المجادلة
.15واقيموا الصالة واتوا الزكاة واقرضوا اهلل قرضا حسنا 20 المزمل
وهناك آية واحدة من نفس البناء الصرفي للفعل اال انها اتصلت بنون النسوة هي ((:واقمن الصالة واتين الزكاة واطعن
اهلل ورسوله)) 33( االحزاب) .تعداد هذه االيات سبع عشرة آية وهي كلها قد اقترن لفظ الصالة فيها بفعل االمر اقم الذي
يتصرف كما يلي اقام يقيم اقم اقامة وهذا التصريف استعمل ايضًا في االيات التسع السابقة فلماذا استعمل هذا
التصريف دون غيره مع أن الفعل قام يمكن أن يؤدي الغرض حين يتعدى باحد حروف الخفض فهل الغرض فقط للتعدية
ام ان هذا االستعمال يراد به غرض آخر اكثر اهمية من االستغناء عن حرف الخفض ولماذا لم تتنوع االستعماالت
وحقيقة اخرى البد من التنويه بها وهي أن للصالة فعل من لفظها فاذا كان المراد فعل الصالة ،فلماذا جيء بهذا الفعل
دون غيره؟ ان التسرع باصدار الحكم يجعله في وضع غير تثبت به فلنكمل المشوار مع الصالة حتى يكون التثبت من
معناها واضحًا .
الصالة :الركوع والسجود ،والصالة :الدعاء واالستغفار ،والصالة من اهلل الرحمة وهذه المعاني كلها متنقله عن المعنى
االصلي للصالة وهو اللزوم اذا قلنا انها من صلى واصطلى اذا لزم او من الّص لوين أي مكتنفا العصص واالزهري يرى انها
من اللزوم .فهل اللزوم يعني من كون ادائها في اوقاتها هي الصالة او ان من طبيعة من يؤديها مدركًا لحقيقتها ان
يعيشها كل وقته المصحوب باليقضة أي تصبح حياته كلها صالة فهو حين يؤديها فانه فيها وحين يمارس كل التصرفات
االخرى الخارجة من ادائها يتذكرها فيلتزم بالمفاهيم التي تحويها الصالة فيكون عيشه كله صالة في صالة؟ ام انها في
()1
اصلها االلتزام وبالتالي يكون معنى يقيمون الصالة يديمون االلتزام.
رابعًا :عودة إلى االيات التي ذكرت فيها الصالة التي يظهر فيها معنى االداء فقط دون غيره من المعاني
.1ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم واسلحتهم. 102 النساء
.4يا ايها الذين آمنوا ال تقربوا الصالة وانتم سكارى 43 النساء
.5واذا ضربتم في األرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصالة 101 النساء
.6واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصالة فلتقم طائفة منهم معك 102 النساء
.7فاذا قضيتم الصالة فاذكروا اهلل قياما وقعودا وعلى جنوبكم 103 النساء
.10يا ايها الذين آمنوا اذا قمتم إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم. 6 المائدة
.15ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثالث مرات
من قبل صالة الفجر * وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صالة 58 النور
العشاء.
.16اذا نودي للصالة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اهلل 9 الجمعة
.18وال تصِل على أحٍد منهم َم ات أبدًا وال تقم على قبره 84 التوبه
ان االيات السابقة وهي تشكل مجموعة من ثماني عشرة آية ذكرت فيها الصالة تسع عشرة مرة تعالج موضوع اداء
الصالة من زوايا متعددة فهي كيفية صالة الخوف ( 102النساء) وهي طلب المحافظة على الصلوات ( 238البقرة) وهي
حالته حين نادته المالئكة ( 39آل عمران) وهي منع السكارى من أداء الصالة ( 43النساء) وهي قصر الصالة للضارب في
األرض ( 101النساء) وهي كيفية صالة الخوف في حالة اخرى من حاالت الخوف ( 102النساء) ولتصف اآلية 142النساء
كيفية قيام المنافقين الداء الصالة .ولبيان فرائض الوضوء آية ( 6سورة المائدة) وبيان كيفية اداء المنافقين للصالة بعد
(91 النداء فصالتهم هزؤ ولعب آية ( 58المائدة) وطريق الشيطان للصد عن ذكر اهلل وعن الصالة هي الخمر والميسر آية
المائدة) وفي بيان وقت للشهادة لمن مات معهم شخص في الطريق وعهد اليهم بما معه حين الريبة بصحة اداء العهده من
اهل الميت او من ولي االمر آية ( 106المائدة) وكيفية االتيان للصالة من قبل المنافقين آية ( 54التوبه) ولبيان اوقات
االستئذان مرتبطة بوقتين من اوقات الصالة آية ( 58النور) ولبيان وجوب السعي إلى ذكر اهلل أي الصالة بعد سماع النداء
يوم الجمعة واالنتشار بعد ذلك آية (9و 10الجمعة) .وهي طلب من النبي صلى اهلل عليه وسلم ان ال يؤدي صالة الجنازة
على المنافقين ( 84التوبه).
ومن الجدير بالذكر أن الصالة هنا تعامل كأي حكم من أحكام الشريعة االسالمية فال بد من القيام بها وهي في سلم القيم
قيام بفرض وال يظهر لها أية ميزة أخرى عن أي حكم من أحكام الشريعة.وآيات هذه المجموعة لم يرد فيها الفعل أقام اال
مرة واحدة.
إن اهلل ومالئكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا 56 االحزاب
تسليما.
هو الذي يصلي عليكم ومالئكته. 43 االحزاب
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم. 103 التوبة
وال أظن أن هذه االيات تحتاج الى كثير جهد ليدرك أن معناها ال يمكن أن يخرج عن أحد المعاني السابقة التي أشار اليها
عنوان هذا القسم من البحث والخالصة أن االيات السابقة ال يمكن أن يقوم اختالف على فهمها نظرًا لداللة التركيب داللة
واضحة كل الوضوح.
( 40الحج) أ .ولوال دفع اهلل الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اهلل كثيرًا .
وال أرى أية حاجة للتعليق على هذين اللفظين فهما مساقان لبيان مكان الصالة بدون أية إشارة الى كيفية الصالة أو أي
حكم من أحكامها.
سابعًا :االيات التي ذكرت فيها الصالة مقترنة بإسم الفاعل من الفعل أقام.
الصالة 162(.النساء). أ .يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك والمقيمين
هذه االيات تحتاج الى وقفة طويلة فاالية االولى جاءت كما يلي {:لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون*يؤمنون
بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك*والمقيمين الصالة*والمؤتون الزكاة والمؤمنون باهلل واليوم اآلخر سنؤتيهم أجرًا عظيمًا
}.هذه االية من سورة النساء من المدني من القرآن وهي أطول سورة في القرآن الكريم بعد سورة البقرة وغرض سورة
النساء العمل بجد وجهد لمحو مالمح المجتمع الجاهلي ونبذ رواسيه وفي توضيح معالم المجتمع االسالمي الناشئ
وتعريف المجتمع الناشئ بأعدائه المترصدين له من المشركين وأهل الكتاب وتأتي هذه االية في أواخر السورة لبيان
التكاليف المطلوبة من كل فرد من أفراد المجتمع الناشئ المنوط بهم حماية مجتمعهم الجديد في كالم موجز غاية
االيجاز محكم كل االحكام ومع هذا فقد وجدت شبهة في الفهم أما واالمر هكذا فال بد من أعمال العقل في تفهم هذه
االية فاالية مختومة بأن اهلل سيؤتي من وصفهم في صدر االية أجرًا عظيمًا وبالعودة الى االوصاف التي استحقوا بها
هذا االمر العظيم هي كما يلي :
أوال :االيمان بما أنزل الى محمد صلى اهلل عليه وسلم وما انزل الى مواكب الرسل قبله.
ثانيًا :إقامة الصالة ( التي أخذت منحى إعرابيًا مخالفًا لما قبله وما بعده ).
إن فهمنا إقامة الصالة بأداء الصالة المكتوبة وايتاء الزكاة بالزكاة المفروضة يجعلنا أمام أحد خيارين إما أن االتصاف
في هذه الصفات االربع هو مطلب االسالم وما تبقى من مطالب أخرى ال اهمية لها وال شأن لها باستحقاق الحساب ومثل
هذه الفهم من أشد االفهام خطرًا على االسالم أو فهمها على أن الشرط االول -وهو االيمان بما أنزل على الرسول صلى
اهلل عليه وسلم -يعني العمل به إن كان يقتضي الموقف العملي وهذا الفهم يأتي عليه االعتراض التالي :أن االيمان وهو
التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل والفهم السابق المشار اليه يخرج االيمان عن تعريفه فيحتاج االمر للنظر في
التعريف هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن االيمان بما أنزل على محمد صلى اهلل عليه وسلم معطوف عليه بما أنزل
من قبلك فهل يأخذ المعطوف حكم المعطوف عليه أي العمل بما أنزل القرآن ما أظهر ان احدًا يقول ذلك.
هل يمكن أن يكون معنى إقامة الصالة القيام بالتكاليف العملية وأن إبقاء الزكاة هي التكاليف المالية ؟
لنترك االمر ونعود اليه مرة أخرى فيما بعد.أما االية الثانية فهي دعاء من ابراهيم عليه السالم { رب اجعلني مقيم الصالة
ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء }.
وال أدري لماذا ال يكون دعاء ابراهيم شامًال كل االعمال الشرعية التي يريدها اهلل فكانت (مقيم الصالة) لتعني كل
االعمال.فهل الصالة لفظ موضوع للصالة المكتوبة أو هو أعّم وأشمل بحيث يشمل الشرائع العملية كلها كما ان الزكاة
تشمل الشرائع المتعلقة بالمال كلها فاالولى صالة النها لزوم المر اهلل كما يدل على ذلك الجذر اللغوي للصالة والثانية زكاة
ومعنى ذلك التصرف بالمال على الوجه الذي يريده اهلل وبهذا يتحقق نماء المال وهو الجذر اللغوي للزكاة وما ينفق من
المال على الوجه الذي يريده اهلل يتحقق عليه االجر والثواب.
انني ال أرغب أن أجزم بذلك قبل عملية إستقراء شاملة لكلمة الصالة كما وردت في القرآن الكريم أما لفظ الزكاة الذي
فرض نفسه بالقوة بسبب قراءة آية سورة النساء فله إستعراض شامل من غير هذه.لنأت بعد ذلك الى االية الثالثة في
هذا القسم وهي تبدأ باإلسم الموصول الذين فال بد من قراءة لفظين من االية قبلها فتكون القراءة كما يلي وبشر
المخبتين ( )34الذين إذا ُذ كر اهلل وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصالة ومما رزقناهم ينفقون (.)35
هذه االية الكريمة تحمل أوصاف المخبتين المبشرين،مشاعرهم مع اهلل -:إذا ذكر اهلل وجلت قلوبهم -صابرين على قدر
اهلل حين يحمل ما ال يسرهم -والصابرين على ما أصابهم -والمقيمي الصالة ومما رزقنلهم ينفقون.وإني التساءل هل
المقيمي الصالة معناها أداء الصالة المكتوبة وإذا كان ذلك فأين بقية ما أوجب اهلل إيجابًا أي القيام بالفعل أو سلبًا أي
االمتناع عن فعل.
ثامنًا :الصيغة التي وردت بها الصالة مع الفعل الماضي أقام
* آية 177سورة البقرة { :ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باهلل واليوم اآلخر
والمالئكة والكتب والنبيين وآتى المال على حّب ه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب
وأقام الصالة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين
صدقوا وأولئك هم المتقون }.
* آية 277البقرة { :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم
وال هم يحزنون }.
* أية 12المائدة { :ولقد أخذ اهلل ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا } وقال اهلل { :إني معكم إن أقمتم
الصالة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرتضم اهلل قرضًا حسنا الكفرن عنكم سيئاتكم والدخلنكم جنات
تجري من تحتها االنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل } ( .إن الشرطية تفيد صيغة الملضي شكًال ولكنها
تدل على الحال والمستقبل واقعًا ).
* آية 170االعراف { :والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصالة أّن ا ال نضيع أجر المحسنين}.
* آية 5التوبة { :فاذا انسلخ االشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل
مرصد فإن تابوا وأقاموا الصالة فخلوا سبيلهم إن اهلل غفور رحيم }.
* آية 11التوبة { :فإن تابوا وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل االيات لقوم يعلمون }.
* آية 18التوبة { :إنما يعمر مساجد اهلل من آمن باهلل واليوم اآلخر وأقام الصالة وآتى الزكاة ولم يخش اال اهلل فعسى
أولئك أن يكونوا من المهتدين }.
* آية 22الرعد { :والذين صبروا إبتغاء وجه ربهم وأقاموا الصالة وأنفقوا مما رزقناهم سرًا وعالنية ويدرءون بالحسنة
السيئة أولئك لهم عقبى الدار }.
* آية 41الحج { :الذين إن مّكناهم في االرض أقاموا الصالة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وهلل عاقبة
االمور }( .إن الشرطية تدل على الحال والمستقبل مثل سابقتها).
* آية 18فاطر { :وال تزر وازرة وزر أخرى وان تدع مثقله الى حملها ال يحمل منه شيئ ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين
يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصالة من تزكى فإنما يتزكى لنفسه والى اهلل المصير }.
* آية 29فاطر { :إن الذين يتلون كتاب اهلل وأقاموا الصالة وأنفقوا مما رزقناهم سرًا وعالنية يرجون تجارة لن تبور }.
* آية 38الشورى { :والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصالة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون }.
تتألف هذه المجموعة من اثنتا عشرة آية آثرت أن أكتب كل آية بتمامها واولى المالحظات التي لفتت نظري إسناد الفعل
أقام الى الجماعة بصيغة الغائب في تسع آيات منها وفي آية واحدة أسند الفعل الى ضمير المخاطب بصيغة الجمع وفي
آيتين أسند الفعل الى ضمير الغائب المنفرد والمالحظة الثانية انها كلها تحمل البشارة بالمدح أو الفوز باالخرة باستثناء
آية 5و 11من التوبة المتصدرتين بأداة الشرط في كل منهما وجواب الشرط هو إخالء السبيل أو أنهم إخوة في الدين
فهب المدح على أداء الصالة وما قبلها وما بعدها فقط أم ان لكلمة الصالة معنى يعود الى جذر كلمة الصالة بمعنى
اللزوم وإذا كان المعنى أداء الصالة المكتوبة فلماذا لم يستعمل القرآن الفعل المشتق من لفظ الصالة والمالحظة االكثر
أهمية والتي ذكرتها على عجل في التعليق على المجموعة الثانية هي في إستعمال الفعل أقام المزيد بالهمزة في اوله
وتحقق ثواب عليها شمل هذا االستعمال كله اّال آيتي التوبة.
ولو انهم أقاموا التوراة واالنجيل وما انزل اليهم من ربهم 66 المائدة
فحبطت اعمالهم فال نقيم لهم يوم القيامة وزنا 105 الكهف
فإن خفتم اال يقيما حدود اهلل فال جناح عليهما 229 البقرة
فال جناح عليهما أن يتراجعا إن ظّن ا أن يقيما حدود اهلل 230 البقرة
وان اقم وجهك للدين حنيفًا وال تكونن من المشركين 105 يونس
()77 لقد اخترت االقتباس الموجز حتى ال أوقع القارئ في توهة .ونعود،لآليات التي تصدرت هذا القسم فالجدار أدامه
الكهف وإقامة التوراة واالنجيل إدامة العمل بها وفيها العمل برسالة الرسول حين بعثه ( )66،68المائدة،ولمن حبطت
()105 أعمالهم يديم اهلل عدم الوزن ( )105الكهف وهي أال يديما حدود اهلل موجودة ( )229البقرة وهي دوام التوجه للدين
يونس ( )30،43الروم وهي دوام التوجه للقبلة عند كل مسجد ( )29االعراف وهي دوام الدين وعدم التفرق ( )13الشورى
وهي دوام الوزن بالقسط ( )9الرحمن وهي دوام الشهادة هلل وهي إذن دوام الصالة فهل هو دوام الصالة أي الصالة
المكتوبة أو الدعاء واالستغفار والترحم والرحمة او دوام اللزوم لما يحمي من العذاب وهو كل تكاليف االسالم العملية
على الموجود االنساني البالغ العاقل بخالف التكاليف المالية فهي ال يمكن أن تكون إال على من لديه مال ولذلك كان ذها
االقتران بين الصالة والزكاة او بين الصالة واالنفاق أو بين دع اليتيم وعدم الحض على طعام المسكين أو بين المراء
ومنع الماعون أنهما تكليفان عمليان تكليف على النفس وتكليف على المال وال يوجد غير هذين النوعين من التكاليف إن
كل الدالئل في هذا االستقراء والمعايشة آليات القرآن الكريم نشير الى ان تركيب إقامة الصالة يعني كل التكاليف
العملية المطلوبة من الكائن االنساني حين عقله وبلوغه،أنني ال أريد ان اجزم بهذا وإنما اريد أن أنقل معايشتي لهذه
اآليات عامًال على تعميق فهم اآلخرين سائرًا في طريق التفهم والتدبر والتحميص ةاالستدالل ملقيًُا االضواء على كل
الجوانب الزالة بعضًا من الغبش والتمييع والَّت ْو ه الذي جعل المسلمين ال تتحدد لهم معالم الطريق إنني اشق طريقة
جديدة في كيفية فهم القرآن كانت ذات يوم هي الطريق طريق صحابة رسول اهلل في الفهم وعودة الى آيات القرآن
الكريم في الصالة.
أ { .واسعينوا بالصبر والصالة وإنها لكبيرة إال على الخاشعين } 45البقرة .تحتمل لفظ الصالة الركوع والسجود والدعاء
واالستغفار والترحم وكذلك دوام العمل بتكاليف االسالم وبقراءة مجموعة اآليات من 40الى 46يتبين بوضوح أّن
المقصود من لفظ الصالة من هذه اآلية االلتزام بكامل احكام اإلسالم وهو الذي يشكل كبيره اال على الخاشعين فانه
سهل.
ب { .اقم الصالة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر} 78 االسراء
.1فسرها تنوير المقياس (المنسوب البن عباس (اقم الصالة) اتم الصالة يا محمد بعد زوال الشمس صالة الظهر والعصر
وبعد دخول الليل صالة المغرب والعشاء وقرآن الفجر صالة الغداه) .ـ واغلب الظن أن هذا التفسير المنسوب البن عباس
هو للكلبي المتوفى سنة 146فهو يشكل نظرة القرن الثاني للتفسير وفي الذات في عهد حكم العباسيين -.منها يتبين انها
االوقات الخمس عند التنوير واّن اقم (اتم).
.2فسرها القرطبي في الجامع الحكام القرآن بانها اشارة إلى الصلوات المفروضة مع بيان اختالف العلماء في الدلوك
والغسق ويفسر اقم بمعنى أدم من االدامة والقرطبي متوفى 671هـ.
.3فسرها ابن كثير في تفسير القرآن العظيم باوقات الصلوات الخمس وال يقدم تفسيرًا للفعل اقم والمفسر دمشقي توفي
سنة 774هـ.
.4اما الشوكاني فهو يردد اقوال المفسرين وانها متعلقة باالوقات الخمس للصالة وال يقدم كابن كثير أي تفسير للفعل
اقم والمفسر يمني توفي في صنعاء عام 1250للهجرة.
.5اما سيد قطب الذي اعدم عام 1386هـ فهو يرى ان هذه اآلية ال عالقة لها بأوقات الصالة وانها تكليف خاص للرسول
ليقوم باعمال الصالة الركوع والسجود ويشير إلى اقوال المفسرين بانها الوقات المكتوبة ولكنه يرجح الرأي االول وال
يعتني بالفعل اقم ال بهذه اآلية وال بغيرها.
هذه هي تفسيرات المفسرين لهذه اآلية في خمسة ازمنة مختلفه ولكن كيف يمكن ان تطمأن لمثل هذه التفاسير نفي وهي
تفاسير تفرغ هذه اآلية من أي مضمون فما قيمة ذكر هذه اآلية اذا كان هذا هو المعنى اشارة إلى االوقات مع ان السنة
القولية والعملية بينت اوقات الصالة بشكل ثابت وباستثناء القرطبي فقط اهمل ،البحث في الفعل اقم وكأنه حشو في
القول وتعالى القرآن الكريم عن ان يكون فيه حشو او حتى تكرار فكل تكرار يراه بعض الناس انما هو توضيح امر من
زاوية اخرى.واخيرًا فهل يمكن ان يكون هذه اآلية توجيه من اهلل لمن يحمل هموم اإلسالم باللزوم لما طلبه اهلل منه طيلة
يقظته وليستمد من قرآن الفجر وتهجد الليل مذخورًا روحيًا يكون له نعم العون وهي لمحمد صلى اهلل عليه وسلم
والتباعه ما دامت السموات واألرض.
جـ { .وأوصاني بالصالة والزكاة ما دمت حيا} 31 مريم .أن هذه الوصية هي لعيسى بن مريم قالها وهو في المهد فما
هي الصالة التي وصّي عيسى فيها وما هي الزكاة اليست من جوامع الكلم بحيث تكون الصالة كل التكاليف العملية
وتكون الزكاة التكليف المالي لمن لديه المال .ويمكن لمن اراد العودة للتفاسير المذكورة في ب ليجد انها لم تذكر أي امر
عن معنى الصالة والزكاة المفروضة على عيسى.
د { .وكان يأمر اهله بالصالة والزكاة وكان عند ربه مرضيا} 55 مريم .الضمير في اهله يعود على اسماعيل عليه السالم
فهل شريعة اسماعيل الصالة والزكاة فقط ام انهما معنيان شامالن لكل التكاليف.
هـ { .فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصالة واتبعوا الشهوات} 59 مريم .انها أيضًا توضيح للمعنى الذي يكاد يظهر
كالشمس في رابعة السماء وهو ترك التكاليف.
و{ .وامر اهلك بالصالة واصطبر عليها نحن ال نسئلك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} 132 طه
رحم اهلل المفسرين ان لفظ الصالة يكاد يصرخ انني كل تكاليف الشرع وانني والن الناس يميلون إلى الدعة والراحة
وزخرف الدنيا فمن يريدني فهو ليس بحاجة إلى الصبر بل إلى االصطبار وما عالقة الرزق بالصالة ايضا اذا لم تكن
الصالة هي تكاليف اإلسالم وهل الصالة المكتوبة والاء الرزق اليست هي تكاليف اإلسالم عمًال به وعمًال له ،ان المفسرين
لم يخطر ببالهم هذا المعنى اال سيد قطب فقد حام حول المعنى ليرى ان عبارة (واصطبر عليها) أي على اقامتها كاملة
وعلى تحقيق اثارها فجعل اإلسالم اثرًا من آثار الصالة مع أن الصالة المكتوبة أثر من آثار االسالم يقوم بها المؤمن
فريضة ورغبة ورهبة.
حادي عشر :الصالة مضافة الى مصدر الفعل أقام اقامة أقام حذفت الهاء لالضافة
37النور ب { - .رجال ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر اهلل واقام الصالة }
المجموعة) ج { - .إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر } 45العنكبوت (ليست من هذه
إن اآلية االولى وهي تأتي في سورة االنبياء في نهاية القسم الخاص بقصة إبراهيم عليه السالم الذي ابتدأت االنسانية
برسالته تسير شوطًا بعيدًا نحو مرحلة بلوغ الرشد فهو رسول بالدين الحنيف أي المائل عن الشرك وال نعني بذلك أن من
قبله من االنبياء دعوا الى غير التوحيد ولكن القضية متعلقة بالقطاع البشري من قدرته على تحمل التجريد المطلق الغير
متعلق بزمان أو مكان أو حد فبعد بيان قصة رسالته وقد تدخلت القدرة االلهية مباشرة لحمايته يهب اهلل له اسحق بعد
اسماعيل ثم يعقوب نافلة لتكون نهاية قصتهم.
{ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصالة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين } صدق اهلل
العظيم .اليست هي مرة أخرى فعل كل التكاليف في الجسد والمال التي كلفوا بها وبالعمل بها كانوا لربهم عابدين.ال بد
لفهم آية النور من قراءتها مع ما قبلها.
في بيوت أذن اهلل أن ترفع ويذكر فيها أسمه يسبح له فيها بالغدو وااليصال*رجال ال تلهيهم تجارة وال بيع عن ذكر اهلل
واقام الصالة وايتاء الزكاة يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب واالبصار.إنهم رجال يسبحون في بيوت اهلل بالغدو
وااليصال فمن هم هؤالء الرجال أنهم رجال يعملون بالتجارة والبيع ولكنها ليست هي محور حياتهم وال غاية وجودهم
فال تستغرق عليهم وقتهم أنهم يذكرون خالفهم ذكرًا عمليًا فيندفعون في أداء التكاليف من جسدهم ومالهم خوفًا من يوم
تتقلب فيه القلوب واالبصار وربما يظن كثير من الناس أو الواو في واقام وفي وايتاء عاطفة عطف نسق والحقيقة أنها
الواو بمعنى مع أي اقام الصالة مع ذكر اهلل وايتاء الزكاة مع ذكر اهلل فااللتزام بأحكام اهلل العملية دون اتصالها بأساسها
وهو ذكر اهلل ال يجعل للعمل أية قيمة عند اهلل والقيام بتكاليف المال دون اتصاله بأساسه أيضًا ال قيمة له وإنما بكون
حين إدراك صلة اهلل بالعمل أي مزج المادة بالروح وال يمكن أن يكون العمل قائمًا على أساس مزج المادة بالروح إال لمن
يخاف يوم الدين.
كم يكون االمر مثيرًا للعجب اذا أخذنا برأي المفسرين فالتسبيح بالغدو وااليصال الصالة المكتوبة وذكر اهلل طاعة اهلل
ويقال االوقات الخمس واقام الصالة إتمام الصلوات الخمس ورحمه اهلل القرطبي فقد فطن لما لم يفطن اليه اآلخرون
من هذا التفسير الذي يكون تكرارًا لعمل واحد فقد ذكر اهلل غير الصالة ولكنه بعد ذلك عدل الى بحث لغوي ال يفيد
التفسير شيئًا ولقد حاولت أن أجد ضالتي في تفسير سورة النور لمفسرين معاصرين هما عبد الرحيم أبو علبه وزميله
مطبوع عام 1404هجري ولكني عدت منه خالي الوفاض.
أما اآلية الثالثة وإن كانت ال تنتمي الى هذه المجموعة والنني لم أستطع أن أضعها في مجموعة ما فقد وجدت أن أضعها
في هذه المجموعة واآلية هي { :اتل ما أوحي اليك من الكتاب وأقم الصالة إن الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر
اهلل أكبر واهلل يعلم ما تصنعون } ليكون العمل محقق للغاية منه ال بد أن تتوفر فيه أربعة شروط :
إننا ونحن في بحث االعمال التي أوجبها الشرع ال بد من القيام به ضمن االمور االربعة السابقة.إن الفهم المسبق للعمل
يتم بمعرفة نصوص الوحي { اتل ما أوحي اليك من الكتاب }.أن يتلبس بالعمل بالشريعة على وجه اللزوم واقم
الصالة.أن يحقق هذا التلبس بالعمل ابعاد الفحشاء والمنكر أي المعاصي القبيحة والمنكر المخالف للشريعة حتى وإن كان
حسنًا لدى العقل.أن يقترن العمل بالغاية والغاية هي االئتمار بما أمر به الشرع واالنتهاء عما نهى عنه الشرع أي يكون
العمل مصاحبًا لذكر اهلل الذي هو أكبر أهمية في خطوات العمل فيمكن أن يتم عمل وبه الثالثة االولى فال يستحق صاحبه
الثواب واالجر { ولذكر اهلل أكبر واهلل يعلم ما تصنعون }.
ثاني عشر :وبعد وقد بقي االفعال المشتقة من الصالة أو الصالة مضافة الى الضمير الذي هو فاعلها
} 84التوبة د { .وال تصّل على أحد منهم مات أبدًا وال تقم على قبره
} 35 االنفال ح { .وما كان صالتهم عند البيت اال مكاء وتصديه
إنك اآلن وأنت تعلم أن لفظ الصالة ليس موضوعًا للصالة -الركوع والسجود وال لمعنى االسغفار والدعاء والرحمة
والترحم بل هو موضوٌع أصًال لغير ذلك اذ هو لزوم النار للحصول على الدفء فانتقل المعنى الى المعنيين السابقين
انتقاًال لعالقة اللزوم في كل من الدعاء والقيام مع الركوع والسجود لما سبق فإن من العسير معرفة اللفظ دون التوثق من
القرائن التي تحف به في السياق الذي ُأ ستعمل فيه اللفظ.
الفعل ّص لى في اآلية االولى يأتي في سياق استحقاق العذاب { فال صّد ق وال صّلى* ولكن كّذ ب وتوّلى } تعني ولم يلزم
أوامر اهلل بداللة توّلى التي جاءت كتقابل يؤدي نفس المعنى باستعمال حرف النفي وتولى في اآلية المتعدية بحرف على
فإنها بمعنى أعرض ونأى عن االمر فالتولية معناها االقبال واالدبار واآلية الثانية يمكن استعمال المعاني الثالث كلها وان
كنت أرجح أيضًا أن معناها أيضًا اللزوم لتكاليف اهلل فإن هذا المعنى يشمل كل المعاني وكذلك صلى في سورة العلق
فإنها تحتمل المعاني الثالث أما وال تصل في اآلية 84التوبة فهي نهي للرسول عن صالة الجنازة على أناس معلومين
للرسول والدعاء لهم.
أما اآلية الخامسة فهي من سورة الكوثر وقرائن السورة ال ترجح معنى على آخر فنبقيها في معناها االصلي وهو اللزوم ,
أما المحافظة على الصالة التي وردت في اآليات ( 92االنعام 34،المعارج 9،المؤمنون) فإن المحافظة معناها التعاهد وقلة
الغفلة فاالةلى أنهم يتعاهدون تكاليف العمل لبقاء االلتزام بالتكاليف وربما يعترض معترض بلفظ الجمع فإن إضافة
الصالة اليها معناها أنها صالة من حيث الركوع والسجود مؤداة والمطلوب الحفاظ عليها أي االلتزام بتكاليف االسالم.
أما اآلية 87هود فهي الصالة بمعناها المنتقل أي الركوع والسجود أو الدعاء عند ابن عباس ومفسرين آخرين وهي الدين
عن الحسن وعطاء وأبي مسلم قالوا كّن ى عن الدين بالصالة النها من أجل أمور الدين ( مجمع البيان في تفسير القرآن
جزء 5ص 286للطبري) ويراها السيوطي أيضًا أنها الدين والحقيقة أن معنى الصالة هنا الدين.
أما آية 2المؤمنون فهي مدح للمؤمنين الذين هم في صالتهم خاشعون فهي متعلقة بالصالة بمعنى االلتزام بأوامر اهلل
على أن يكون هذا االلتزام ذا توجه قلبي خالص لوجهه الكريم فالخشوع مطلوب بالصالة المكتوبة كما هو مطلوب في
كل االوامر االخرى ولهذا نجد القرآن الكريم يعيب على الجاهلية صالتها التي هي مكاء وتصديه 35االنفال أي بالتصفير
والتصفيق فصالتهم مجرد لهو وعبث ال يخالطها االخالص الخالص لوجه اهلل الكريم.
أما اآلية 23من سورة المعارج فهي أيضًا بمعنى االلتزام ودوام هذا االلتزام واستمراره بحيث ال يكون نابعًا عن ثورة في
المشاعر اثر فقد عزيز أو اثر هزة عنيفة فمثل هذا االلتزام ال يمكن أن يدوم ويستمر ،أما اآلية االخيرة وهي من سورة
المدثر فهي سبب العذاب النهم لم يلتزموا بالتكاليف { قالوا لم نك من المصلين }.
إن آيات الصالة حين ال تكون بيانًا لكيف أي حين ال تكون متعلقة باالحكام العملية فإنها كلها بعد ذلك تخدم غرضًا واحدًا
هو أهمية القيام باالعمال المطلوبة دونما فرق بين عمل وآخر فالمسلم نتيجة لهذا الفهم عمل دائبًا على صالة دائمة
متصلة بااليمان فاالعمال تكاليف اهلل للمكلف والقصد منها وجه اهلل الكريم .ختامًا أدعو اهلل أن يتقبل عملي خالصًا
لوجهه الكريم.
تم االنتهاء من هذا البحث صباح يوم االثنين في يوم الثالثين من ربيع االول عام 1407هخري الموافق 01/12/1986وتمت