Professional Documents
Culture Documents
04
04
إن هذه الدراسة تسهم في إطالع الباحثين على املعاني التربوية والنفسية من خالل الوظيفة .2
اللغوية في التفسير ،وهو جانب يعمق فهم كتاب هللا تعالى ،وعلى قدر الدربة فيه وامللكة؛ تكون
الدقة في اقتناص املعاني ،وترجيح الصواب من الوجوه املختلفة.
إن هذا الدراسة تتيح االطالع على أمهات الكتب في مختلف الفنون لتشعب مناحي البحث الداللي. .3
إن هذه الدراسة تجعلني أعرض لجهابذة من علماء التفسير ،ويوقفني على ثروة علمية هائلة. .4
إن هذه الدراسة تسهم بصورة مباشرة في الكشف عن وجوه متعددة من إعجاز القرآن الكريم، .5
ألنه أنزل بلسان عربي مبين ،إذ إن اللغة العربية أرقى اللغات ،وأكثرها ثروة ،وأشملها معنى،
وأوسعا مدى.
الدراسات السابقةّ :
لم أقف على دراسات سابقة أفردت آيات الربا في دراسة مستقلة على هذا النحو ،وإنما وجدت من
درس موضوع الربا دراسة موضوعية في القرآن والسنة الشريفة ،وبحثي يركز على الدرس البالغي
والداللي في آيات الربا في سورة البقرة مع وإظهار املعاني التربوية والنفسية.
خطة البحثّ :
اقتضت خطة البحث تقسيمه إلى مقدمة وسبعة مطالب وخاتمة ،تضمنت املقدمة سبب اختيار
املوضوع ،وتفرد كل مطلب بآية من آيات الربا السبع ثم الخاتمة على النحو اآلتي:
َ َ
الرباُ ...ه ْم ِف َيها خ ِال ُدون( [البقرة]275 : ين َي ْأ ُك ُلو َن ّ
املطلب األول :اآلية ) َّالذ َ
ِ
َ ْ َ ُ َّ ُ ّ َ َّ ُ ُ ُّ ُ َّ َ َّ َِ
الربا...والله ال ي ِحب كل كف ٍار أ ِث ٍيم( [البقرة]276 : املطلب الثاني :اآلية )يمحق الله ِ
َ ُ ْ َ ْ َ ُ نَ
ين َآم ُنوا ...وال هم يحزنو ( [البقرة]277 : املطلب الثالث :اآلية )إ َّن َّالذ َ
ِ ِ
َ ْ ُ ْ ُ ْ َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َّ ُ َّ َ ْ ُ
املطلب الرابع :اآلية )يا أيها ال ِذين آمنوا اتقوا اللهِ ...إن كنتم مؤ ِم ِنين( [البقرة]278 :
َ ْ َ ُ َْ َ َ َ َ ُ ََُْ
املطلب الخامس :اآلية )ف ِإ ْن ل ْم ت ْف َعلوا فأذنوا...ال تظ ِل ُمون َوال تظل ُمون( [البقرة]279 :
ُ َ َ َ َ ْ َ َ ُ
ان ذو ُع ْس َر ٍةِ ...إ ْن ك ْن ُت ْم ت ْعل ُمون( [البقرة]280 : املطلب السادس :اآلية )وِإن ك
َ ُ ْ ُ ْ َ ُ نَ َ َّ َ َّ ُ َ ْ ً ُ ْ َ ُ نَ
املطلب السابع :اآلية )واتقوا يوما ترجعو ِف ِيه ِإلى الل ِه ...وهم ال يظلمو ( [البقرة]281 :
هذا وإنني أود اإلشارة هنا على شمولية اإلعجاز البياني وأن أهميته تأتي النتظامه جميع آيات وسور
القرآن العظيم ،وفيه جوانب تربوية ونفسية ،وإن دراستي التحليلية البيانية لهذه اآليات سيتركز
ً
على هذا الجانب منه مع اإلشارة إلى الجوانب األخرى متجنبا الفروع الفقهية التي ليست مرادة وال
مقصودة في هذا البحث.
وهللا أسأل أن يوفقني في عملي هذا ،وأن يلهمني الصواب والرشاد فيه ،وأن يغفر لي الخطأ والزلل،
وإن يجعل حظي منه األجر والثواب.
صورته بهذه الصورة الشنيعة والقبيحة املتمثلة في التعبير عن جريمته هذه باألكل والتخبط واملس
والتوعد بالعذاب الشديد.
بيد ّأن هذا الحكم املتحصل من خالل هذا النظم القرآني يستحق النظر في كل ما أوصل إليه؛ إذ
ّ
تميزه وتفوقه ،فالحكم لم يأت بصيغة الفعل الصريح (حرم) من أول األمر ،بل إنه نظم معجز لـه ّ
تقدم ذلك التحريم مقدمات جاءت لتبين ما انطوى عليه هذا الحكم من أهمية بالغة ،وخصوصية
تجعله غاية في االعتبار ،وكيف ال وقد ختم به كتاب هللا الخالد ،وجعله الشارع من أكبر الكبائر التي
يجب اجتنابها ،قال النبي ( :--اجتنبوا السبع املوبقات) وذكر منها :أكل الربا(.)1
واستخدام املوصول (الذين) :في قولـه (الذين يأكلون الربا) الغرض منه ذم املرابين وبيان شدة
عقابهم ،وجيء باملوصول للداللة على علة بناء الخبر ،وهو قريب بما يسمونه براعة االستهالل ،وهو
ً
أن يذكر املتكلم شيئا في أول حديثه يستطيع الفطن أن يدرك ما سيجيئ بعده ،فقولـه تعالى):الذين
يأكلون الربا( عند سماعك لها ستجد نفسك كأنك تتلقى وتعرف الخبر دون حاجة لذكره وهذا
غرض من أغراض التعريف باملوصول(.)2
ُْ َ ْ
و(األكل) :تناول املط َعم ،وعلى طريق التشبيه به يقال :أكلت النار الحطب ،واألكل اسم ملا ُيؤكل،
َ ً ُ ُ َ
ص القرآن على عدة أوجه ،منها :تناول املطعم كقولـه تعالىَ ) :وكال ِم ْن َها َرغدا َح ْيث وقد ورد األكل في ن ّ
الن ُار( [آل عمران]183 : ش ْئ ُت َما( [البقرة ،]35 :وورد بمعنى اإلحراق ،كقولـه تعالى) :ب ُق ْرَبان َت ْأ ُك ُل ُه َّ
ِ ٍ ِ
اف َأ ْن َي ْأ ُك َلهََُ َ ُ َ ْ ُ ُ ُ َّ َ ْ ٌ َ ٌ
وبمعنى االبتالع ،كقولـه ) :يأكلهن سبع ِعجاف( [يوسف ]43 :وبمعنى االفتراس )وأخ
َّ َ َ ْ ُ ُ َ ّ الذئ ُب( [يوسف ]13 :وبمعنى أخذ
ّْ
الربا)(البقرة: األموال بالباطل كما هي هنا في قولـه (ال ِذين يأكلون ِ َ ْ
ِ
ً ْ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ُ َ َ َّ َّ
]275وكما في قولـه ) ِإن ال ِذين يأكلون أموال اليتامى ظلما( [النساء )3(]10 :والتعبير بالفعل (يأكلون)
بمعنى األخذ بحرص لثالثة أهدافّ :
ً
أوال :ألن معظم ما ينفق من املال في األكل ،فاألكل أقوى مقاصد اإلنسان في املال ،وهو أدل على
معنى الجشع والحرص ،وال يعني ذلك أن يوقف تحريمه على األكل دون غيره ،إال ّأن الذين نزلت
فيهم هذه اآليات يوم نزلت كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا( ،)4وإنما املراد التصرف فيه ،ألنه ك ـ ـ ـان
( )1أخرجه من حديث أبي هريرة –رض ي هللا عنه -مرفوعا :البخاري في الوصايا ،باب :إن الذين يأكلون أموال اليتامى
ظلما( )2766وفي الطب ،باب :الشرك والسحر( )5764وفي الحدود ،باب :رمي املحصنات ( )6857ومسلم في اإليمان،
باب :بيان الكبائر وأكبرها ( )89وابن حبان في صحيحه ( )371 /12والنسائي في الوصايا ،باب اجتناب أكل مال اليتيم
(.)3671
( )2ينظر أغراض اسم املوصول في «البالغة فنونها وأفنانها ،علم املعاني» ألستاذنا الدكتور فضل (ص.)320 :
( )3ينظر« :املفردات» للراغب (ص )80 :و«عمدة الحفاظ » للسمين الحلبي ( )109/1و«بصائر ذوي التمييز» للفيروز
آبادي (.)81/2
( )4ينظر :جامع البيان للطبري (.)123/3
( )1ينظر :النكت والعيون للماوردي ( )347/1واملحرر الوجيز البن عطية ( )371/1والتفسير الكبير للرازي ()72/3
حيان ( )346/2ونظم والجامع ألحكام القرآن للقرطبي ( )349/3وأنوار التنزيل للبيضاوي ( )142/1والبحر املحيط ألبي ّ
الدرر للبقاعي ( )530/1وإرشاد العقل السليم ألبي السعود ( )316/1وروح املعاني لأللوس ي (.)66/3
( )2ينظر :جامع البيان للطبري ( )123/3وإرشاد العقل السليم ألبي السعود ( )316/1وتفسير املنار للشيخ محمد رشيد
رضا (.)83/3
( )3ينظر :أنوار التنزيل للبيضاوي ( )142/1وحاشية القونوي على البيضاوي ()461/5
( )4ينظر :حاشية القونوي على البيضاوي (.)461/5
( )5ينظر :التحرير والتنوير البن عاشور (.)547/2
( )6ينظر :تهذيب اللغة لألزهري ( )197/15و«املفردات» للراغب (ص( )340 :ربو)
( )7ينظر :الهداية للمرغيناني ( )60/3وحاشية الدسوقي ( )74/4ومغني املحتاج للخطيب الشربيني( )29/2وكشاف
القناع للبهوتي (.)282/3
(الربوا)
اختلف العلماء في السبب الذي من أجله كتبت الربا في القرآن بالواو وبعدها ألف هكذا ّ
إلى أقوال ثالثةّ :
ّ
األول :كتبت كالصالة على لغة من يفخم في هذه اللفظة وأمثالها ،ومعنى التفخيم أن تلفظ األلف
)1 (
بما يكون بين الواو واأللف كما يلفظ ورش كلمة (الصالة) بإمالة األلف إلى مخرج الواو ،وهذا لغة
من لغات العرب فكتبت بناء على لغتهم( ،)2وهذا القول بعيد إذ ليس التفخيم لغة قريش حتى يكتب
ً
بها املصحف هذا من جهة( .)3وأيضا هناك المات كثيرة مفخمة لم تكتب بالواو مثل :صلى ،مصلى،
وهي تفخم على قراءة ورش.
ّ َّ
الثاني :ما نقلـه النووي في شرحه على صحيح مسلم عن الفراء أن العرب تعلموا الخط من أهل
ً
الحيرة وهم نبط يقولون في الربا ِرَب ْو -بواو ساكنة -فكتبت كذلك ،وهو بعيد أيضا ألننا ال ندري هل
كان أهل الحيرة ينطقون تلك الكلمات بالواو ،فليس عندنا ما يؤكد ذلك.
الثالث :وهو القول الراجح أن (الربا) كتبت بالواو ليشار إلى أصلها ،ولذلك كتبوا الزكاة والصالة
َّ َ
الصلوين ،والصلوين مثنى صال وهو عرق غليظ بالواو تنبيها على أصلها ،فالصالة مأخوذة من تحريك
في وسط الظهر ،والزكاة أصلها من زكا يزكو( ،)4والربا المه واو لقولهم ربا يربو ،فلذلك يثنى بالواو
ويكتب باأللف .وكما كتبت األلفات املنقلبة عن الياء في أواسط الكلمات بياءات عليها ألفات مثل:
ً
تشبيها بواو الجمع مثل :يجلسوا ويأكلوا كما َّ
صرح بذلك غير واحد (سوهن) .وكتبت األلف بعد الواو
من العلماء(.)5
وأريد بـ(الذين يأكلون الربا) ّ :
ّ
الكفار الذين يستحلون ذلك بدليل قولهم (إنما البيع مثل الربا) وقولـه (وهللا ال يحب كل كفار -إما َّ
ورجح هذا القول جمهور العلماء منهم: أثيم) وقولـه (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) َّ
عطية والرازي والقرطبي وأبو ّ
حيان والبيضاوي(.)6 ابن َّ
( )1ينظر :الوسيلة للسخاوي (ص )393 :والكشاف للزمخشري ( )347/1وأنوار التنزيل للبيضاوي ( )142/1وتفسير أبي
السعود (.)316/1
ي
( )2ينظر :حاشية الشيخ زاده على البيضاو (.)586/1
( )3ينظر :التحرير والتنوير البن عاشور ( )548/2ورسم املصحف للدكتور غانم قدوري (ص.)279 :
( )4ينظر :الوسيلة للسخاوي (ص )295 :والتحرير والتنوير ( )548/2ورسم املصحف للدكتور غانم قدوري (ص.)278 :
( )5ينظر :الوسيلة للسخاوي (ص )393 :والكشاف للزمخشري ( )347/1وأنوار التنزيل للبيضاوي ( )142/1وتفسير أبي
السعود (.)316/1
( )6ينظر :املحرر الوجيز البن عطية ( )372/1والتفسير الكبير للرازي ( )76/3والجامع ألحكام القرآن للقرطبي ()356/3
وأنوار التنزيل للبيضاوي ( )142/1والبحر املحيط ألبي ّ
حيان (.)347/2
-وقيل :هذا إخبار عن الذين يأكلون الربا من املسلمين وهم غير مستحلين فيكون قولـه تعالى (هم
فيها خالدون) محمول على التغليظ ،وهذا قول ضعيفّ ،رده غير واحد من العلماء منهم ابن عطية
حيث قال «:واآلية كلها في الكفار املرابين نزلت ولهم قيل )فله ما سلف( وال يقال ذلك ملؤمن عاص،
ولكن يأخذ العصاة بطرف من وعيد هذه اآلية»( .)1وقال األلوس ي« :والقول بأن اآلية محمولة على
التغليظ خالف الظاهر»(.)2
)ال يقومونّ)
ً َ ً
القيام في اللغة :من قام يقوم قياما ،وهو على وجوه :قيام بالشخص وهو النهوض كقولـه )س ِاجدا
َّ ُ ُ َ َ ً
َوقا ِئما([الزمر ]9 :ويكون بمعنى مراعاة الش يء نحو قولـه )كونوا ق َّو ِام َين ِلله([املائدة ]8 :ويكون بمعنى
العزم نحو قولـه )وأقيموا الصالة( ،ومعنى القيام في اآلية هنا:
-إما أن يحمل على القيام الحقيقي الذي هو النهوض واالستقالل ،ويكون ذلك يوم حين يبعث
املرابي من القبر ،وفيه قوالن:
عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري :ال يقومون يوم القيامة إال كما أ) وهو قول مجاهد وابن ّ
يتخبطه الشيطان من املس ،يعني الجنون ،فيكون ذلك عالمة ألكل الربا في الدنيا يقوم الذي ّ
عقوبة لـه ،كما جعل لبعض املطيعين أمارة تليق به يعرف بها(.)3
ب) يبعث من قبره كالسكران من الخمر ،ونسب إلى الشيطان ألنه مطيع لـه في سكره(.)4
يشبه حال القائم بحرصه وجشعه على تجارة الربا بقيام املجنون؛ ألن -أو أن ُيحمل على املجاز بأن َّ
الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه ،وهذا كما تقول ملسرع في مشيه ،مخلط في هيئة
جن هذا ،ورد ابن عطية هذا القول بسبب ما تظاهرت بـه أقوال حركاته ،إما من فزع أو غيره :قد ّ
املفسرين وما جاء في قراءة ابن مسعود وهي( :ال يقومون يوم القيامة إال كما يقوم) ووافقه أبو ّ
حيان في ِ ّرده وقال« :وهو حسن» (.)5 ّ
وذهب الشيخ محمد رشيد رضا إلى ترجيح القول الثاني ألنه املتبادر إلى جميع األفهام ،وال قرينة تدل
على أن املراد به البعث ،وهذه الروايات التي اعتمد عليها العلماء في تقرير ما ذهبوا إليه ال يسلم
منها ش يء من قول في سنده ،إال َّأنه في نهاية األمر يجمع بين القولين فيقول«:يكمن الجمع بين ما
ّ
بأنه إذا كان ما ّ قالـه ابن ّ
شنع به على املرابين من خروج حركاتهم عن عطية وما قالـه الجمهور ،ذلك
وتغير أخالقهم كان ال ّبد أن يبعثوا عليه ،فإن املرء يبعث
النظام املألوف هو أثر اضطراب نفوسهم ّ
على ما مات عليه»(.)1
املتقدم( ،إال كما) النصب على النعت ملصدر محذوف (مفعول مطلق) ّ (ال يقومون) خبر املوصول
مثل قيام الذي َّ ً
والتقدير :ال يقومون إال قياما َ
يتخبطه الشيطان ،قال السمين« :وهو املشهور عند
املعربين»( ،)2و(ما) مصدرية أي كقيام.
(يتخبطه) ّ
َّ َ َ ُ
الشجر بعصاه ،وخبطه وتحبطه والرجل
ِ الخبط :الضرب على غير استواء ،كخبط البعير األرض بيده،
مسه بأذى( .)3ثم ّ وخبطه الشيطانَّ : ً
شديداّ ، ً
تجوز به عن كل ضرب غير محمود، أي ضربه ضربا
ومعنى التخبط هنا يوضحه ابن قتيبة في مشكل القرآن فيقول« :إذا بعث الناس من قبورهم خرجوا
َ ً َ َ َّ ُ ْ َ ُ ُ ُ ُ َ ْ ُ َ َ َْْ َ
ضون( اث ِسراعا كأنهم ِإلى نص ٍب يو ِف مسرعين ،يقول هللا سبحانهَ ):ي ْو َم َيخ ُرجون ِمن األجد ِ
يتخبطه ّ [املعارج ]43:أي يسرعون؛ إال أكلة الربا ،فإنهم يقومون ويسقطون ،كما يقوم الذي
الشيطان ويسقط؛ ألنهم أكلوا الربا في الدنيا فأرباه هللا في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم ،فهم
ينهضون ويسقطون ،ويريدون اإلسراع فال يقدرون»(.)4
َّ َّ َ َّ َ ْ َ َ َّ ُ ْ َ ٌ َ َّ ْ َ
التخبط هنا مأخوذ من قولـه تعالىِ ):إن ال ِذين اتقوا ِإذا مسهم طا ِئف ِمن الشيط ِان ّ ويرى الرازي َّأن
ون( [األعراف ]201:وذلك ألن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات َت َذ َّك ُروا َفإ َذا ُه ْم ُم ْبص ُر َ
ِ ِ
ّ ً ّ
واالشتغال بغير هللا ،فهذا هو املراد من مس الشيطان ،ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطا،
فتارة الشيطان يجره إلى النفس والهوى ،وتارة امللك يجره إلى الدين والتقوى ،فحدثت هناك حركات
ً
مضطربة ..فهذا هو الخبط الحاصل بفعل الشيطان...وآكل الربا ال شك في أنه يكون مفرطا في حب
ً ّ ً
الحب حجابا بينه وبين هللا تعالى ،فالخبط الدنيا متهالكا فيها ،فإذا مات على ذلك الحب صار ذلك
ً
الذي كان حاصال في الدنيا بسبب حب املال أورثه الخبط في اآلخرة»(.)5
(تخبط) على وزن (تفعل) (ّ :)1 وهناك فائدتان من مجيء َّ
خبطه ،ومعنى املطاوعة هنا قبول األثر والتأثير ،نحو :قطعت الثوب التخبط مطاوع ّّ األولىَّ :أن
ّ ُ
الثوب ،فاملطاوع في الحقيقة هو الثوب؛ ألنه قبل األثر من الفاعل وطاوعه(.)2 فانقطع
ّ ّ
الثانية :بمعنى التكلف ،أي تكلف الشيطان خبطه ،وأراد أن يحصل فيه حقيقة ،واجتهد في زيادة
الصبر ُ
َ َّ َّ َّ
والحلم(.)3 كتصير وتحلم أي تكلف هذا الخبط فيه ،وشق بـه عليه،
(من املس) ّ
كل ما ينالُ
واملس يقال في ّ
ّ ّ َّ
أصل املس باليد ثم استعير للجنون؛ ألن الشيطان يمس اإلنسان فيجنه،
اإلنسان من ً
أذى(.)4
وفي تعلق (من املس) وجهانّ :
ً ً
األولّ :أنه متعلق بـ(ال يقومون) ،و(من) ابتدائية ،أي تخبطا مبتدأ من املس ،والتقدير :ال يقومون
من املس الذي لهم إال كما يقوم املصروع.
ّ ّ
املتخبط بسبب املس(). 5 الثاني :أنه متعلق بقولـه (يقوم) والتقدير :ال يقومون إال كما يقوم
قال أبو السعود«:فيكون نهوضهم وسقوطهم كاملصروعين ،ال الختالل في عقولـهم؛ بل ألن هللا أربى
في بطونهم ما أكلوا من الربا.)6( »...
ً
وإنما يفعل هللا عز وجل باملرابي ذلك هتكا وفضيحة( ،)7واحتيج إلى زيادة قولـه تعالى (من املس)
تخبط الشيطان ،حتى ال يظن أنه تخبط مجازي بمعنى الوسوسة ،قال أبو ليظهر املراد من ّ
بالتخبط اإلغواء وتزيين املعاص ي فأزال قولـه (من املس) هذا االحتمال»()8 ّ حيان«:ويحتمل أن يراد ّ
تفعل تأتي لخمسة معان :أولهما :مطاوعة ،مضعف العين ،واملراد من املطاوعة قبول األثر والتأثير .وثانيها :االتخاذ، ( ّ )1
ّ ّ ّ
كتوسد ثوبه واتخذه وسادة .وثالثها :التكلف كتصبر وتحلم ،ومعناه أن فاعل ّ ّ
تفعل يتعانى في أصل ذلك الفعل ويريد
ّ ّ ّ
كتحرج ،أي حصولـه فيه حقيقة ،ويجتهد في الزيادة ،نحو= =تشجع ،أي :تكلف في الشجاعة .ورابعها :التجنب (الترك)
كتجرعت املاء ،أي :شربت املاء شربة بعد شربة. ّ ترك الحرجّ ،
وتهجد ،أي :ترك الهجود ،أي :النوم .وخامسها التدريج:
ينظر :شرح الشافية البن الحاجب ،أبو عمرو عثمان بن الحاجب ،شرح :الجابري ،أحمد بن الحسن( )30-29/2عالم
الكتب ،بيروت ،ط .3وشذا العرف للحمالوي (ص.)53-52 :
( )2ينظر :التحرير والتنوير البن عاشور (.)459/2
( )3ينظر :نظم الدرر للبقاعي (.)531/1
( )4ينظر :املفردات للراغب (ص )766 :عمدة الحفاظ للسمين الحلبي ( )104/4مادة (مسس).
( )5ينظر :جامع البيان للطبري ( )123/3والكشاف للزمخشري ( )347/1والتفسير الكبير للرازي ( )75/7والدر املصون
للسمين الحلبي ( )631/2وأنوار التنزيل للبيضاوي ( )142/1والتحرير والتنوير (.)459/2
( )6ينظر :تفسير أبي السعود (.)316/1
( )7ينظر :نظم الدرر للبقاعي (.)531/1
( )8ينظر :البحر املحيط ألبي ّ
حيان (.)531/1
ً ُ ّ ّ
ظن أنه يخبط الفكر بالوسوسة مثال ،قال:وشرح ذلك البقاعي فقال«:وملا كان ذلك التخبط قد ي
ً
(من) أي تخبطا مبتدأ من املس ،أي :الجنون»(.)1
انقسم العلماء في معنى املس إلى قسمينّ :
القسم األولّ :ذهب جمهور العلماء إلى إمكانية صرع الجن لإلنس ي والتلبيس به ،والتكلم على لسانه،
قال القرطبي«:في هذه اآلية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن ،وزعم أنه من فعل
الطبائع ،وأن الشيطان ال يسلك في اإلنسان ،وال يكون منه مس ...وقد روى النسائي( )2عن أبي اليسر
قال :كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يدعو فيقول( :اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم
ً
والغرق والحريق ،وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند املوت ،وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا،
ً
وأعوذ بك أن أموت لديغا)(.)3
جوز ابن تيمية رؤية الجن ،ومخاطبتهم ،وأمرهم ونهيم ،وأن هذا يمكن أن يحصل من الصالحين ُوي ّ
وغير الصالحين .قال رحمه هللا«:إن من الناس من رآهم ،وفيهم من رأى من رآهم ،وثبت ذلك عنده
بالخبر واليقين ،ومن الناس من كلمهم وكلموه ،ومن الناس من يأمرهم وينهاهم ويتصرف فيهم ،وهذا
يكون للصالحين وغير الصالحين ،ولو ذكرت ما جرى لي وألصحابي معهم؛ لطال الخطاب»(.)4
ويعتبر ابن تيمية أن كل من يكذب بما هو موجود من الجن والشياطين والسحر ،وينكر دخول الجن
في أبدان اإلنس ي؛ فقد كذب بما لم يحط به علما( .)5وقال عبد هللا بن أحمد ابن حنبل :قلت ألبي:
قوما يزعمون أن الجني ال يدخل في بدن اإلنس ي ،فقال :يا ًّ
بني! يكذبون ،هو ذا يتكلم على لسانه(.)6 إن
ّ َّ َ َ ْ ُ ُ نَ
الربا
وقد استدل أصحاب هذا الرأي بأدلة من الكتاب والسنة ،ومنها قوله تعالى( :ال ِذين يأكلو ِ
()7
َ ُ ُ َ َّ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ َّ ُ ُ َّ ْ َ ُ َ ْ َ
امل ّ
س)[البقرة.]275 : ال يقومون ِإال كما يقوم ال ِذي يتخبطه الشيطان ِمن
ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده عن يعلى بن مرة رض ي هللا عنها أن امرأة أتت النبي صلى هللا عليه
وسلم بابن لها قد أصابه ملم .فقال لـه النبي عليه السالم( :اخرج عدو هللا ،أنا رسول هللا) قال :فبرأ،
ً
فأهدت لـه كبشين ،وشيئا من أقط وسمن .فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم( :يا يعلى خذ
األقط والسمن ،وخذ أحد الكبشين ،ورد عليها اآلخر)(.)1
ومن املعاصرين من ذهب إلى إمكانية دخول الجني في بدن اإلنسان ،ومنهم :الشيخ ابن باز حيث
كتب رسالتان يؤكد فيهما دخول الجني في بدن اإلنسان ،وجواز مخاطبة الجن لإلنسان( )2ورد الشيخ
ً
ابن باز في الرسالة األولى على الشيخ علي الطنطاوي الذي أنكر مثل هذه الحاالت .ومنهم أيضا :الشيخ
مصطفى الطير في كتابه«:غذاء األرواح»( )3حيث أثبت من خالل أدلة عرضها إمكانية صرع الجن
لإلنسان ،وكذلك الشيخ أحمد شاكر في كتابه« :بيني وبين الشيخ حامد الفقي» حيث حمل فيه
بشدة على الشيخ حامد الفقي لنقله أقوال العلماء في عدم صحة صرع الجن لإلنسان ،وأما أبو بكر
الجزائري فقد فرق بين الشيطان الذي ليس لـه سلطان على اإلنسان إال بالوسوسة ،وبين الجني
الذي يصرع اإلنسان ،ويتلبس به فيصرعه ،وينطق الجني على لسانه(.)4
القسم الثاني :ذهب الحنفية واملعتزلة والقفال( )5من الشافعية والقاض ي أبو يعلى الحنبلي إلى إنكار
صرع الجن لإلنسان ،وقالوا إن الجن مخلوق ليس لـه سلطان على اإلنسان ،بل هو عالم مستقل
بذاته ،وفسروا اآلية الكريمة في قوله تعالى( :الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما يقوم الذي
يتخبطه الشيطان من املس) بأن هذا ورد وفق ما كان يتداولـه العرب في الجاهلية ،يزعمون أن
الشيطان يخبط اإلنسان فيصرع ،وكذلك يزعمون أن الجني يمسه فيختلط عقلـه ،وهذه اآلية
شبيهة بقولـه تعالى( :طلعها كأنه رؤوس الشياطين) [الصافات ]65 :ورؤوس الشياطين لم يشاهدها
الناس ولكنهم يتصورونها بصورة بشعة منفرة(.)6
( )1ينظر :املسند ( .)170/4قلت :إسناد الحديث ضعيف لسببين :األول :فيه منهال بن عمرو وهو ضعيف فقد غمزه
يحيى القطان ،واختلف فيه رأي ابن معين ،والصواب ما وافق الجمهور ،فيكون ليس فيه توثيق معتبر ،ولذلك اعتمد
ابن حزم تضعيفه .ويقوي ذلك وجود مناكير له مع قلة حديثه .أي ال يمكن أن تغتفر له املناكير لقلة ما روى .والثاني:
فيه انقطاع ألن منهال بن عمرو لم يسمع من يعلى بن مرة ،فالحديث منقطع.
( )2وقد طبعت هاتان الرسالتان في مطبعة دار السالم في الرياض ،ط1411 ،1هـ.
( )3ينظر :كتاب غذاء األرواح للشيخ مصطفى الطير.
( )4الدفاع عن الغزالي (ص)33 – 23 :
( )5محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاش ي القفال الكبير ،أحد أعالم املذهب الشافعي وأئمة املسلمين ،مولده:
سنة إحدى وتسعين ومائتين .وله مصنفات كثيرة ليس ألحد مثلها ،وهو أول من صنف الجدل الحسن= =من الفقهاء،
وله كتاب حسن في أصول الفقه ،وله شرح الرسالة ،وعنه انتشر فقه الشافعي في ما وراء النهر .مات في ذي الحجة
سنة خمس وستين وثالثمائة .انظر :طبقات الشافعية البن قاض ي شبهة ( )148/2وطبقات الشافعية الكبرى البن
السبكي ()222 – 200/3
( )6ينظر :الكشاف للزمخشري ( )347/1ومفاتيح الغيب للرازي ( )75/7وإرشاد العقل السليم ألبي السعود ()316/1
وروح املعاني لأللوس ي ( )67/3وحاشية القونوي على البيضاوي ( )463/5وحاشية زادة على البيضاوي ()586/1
قال البيضاوي« :وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط اإلنسان فيصرع»( )1وقد شرح الشهاب
ً
الخفاجي قول البيضاوي فقال(«:على ما يزعمون) ليس هذا إنكارا للجن كما يزعم بعضهم؛ بل
الصرع ليس من الجن؛ بل مرض كما ذكره األطباء ،)2( »..وقد نقل أبو السعود في تفسير هذه اآلية
ً
عبارة البيضاوي ولم يضف إليها شيئا (.)3
هذا وإن الذين أنكروا صرع الجن لإلنسان ودخوله في بدنه؛ ضعفوا الروايات الواردة في صرع الجن
لإلنس ،وقالوا :لم يصح منها ش يء ورأوا أنها مسألة من مسائل العقيدة ،وال يصح الجزم فيها بناء
على هذه األدلة الظنية.
ومن املعاصرين من ذهب إلى إنكار دخول الجن في اإلنسان ،ومنهم :الشيخ رشيد رضا ،والشيخ علي
الطنطاوي ،والشيخ حامد الفقي ،والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم(.)4
الجن؛ ألنه ال يتأتى للمؤمن إنكاره ،والقرآن العظيم ينطق ّ وأصحاب هذا الرأي ال ينكرون وجود
ّ فضال عن األحاديثّ ، ً
لكنهم أنكروا أن يكون للشيطان تأثير في بدن اإلنسان بأن يمسه بوجوده
حقيقة ويطأه برجلـه فيصرعه(). 5
والخالصة في هذا املوضوع أن لكل فريق دليله وحجته ،وإن القول بعدم دخول الجن في بدن
اإلنسان قول يمكن اعتباره واألخذ به ،ولو سلمنا للقائلين بوجود السحر والسحرة ،وتلبس الجن
التمسك بكتاب هللا وسنة رسوله وال ينبغي أن تكون هذه ُ باإلنس ،فإن العصمة من ذلك كله
ً
األفكار شغل املسلمين الشاغل ،يتركون بالدهم نهبا للمشركين ،وهم يتصارعون ويختلفون في كم
شيطان يستطيع أن يركب اإلنسان.
ويذكر املؤرخون أن محمد الفاتح – رحمه هللا -الذي فتح القسطنطينية كان يتقدم بجيشه لفتحها،
بينما كان القساوسة هناك مجتمعين ،يختلفون في عدد الشياطين التي يمكن أن تقف على رأس
دبوس ،فجاءهم الجيش املسلم ،وحل الخالف املستحكم بينهم (.)6
الربا([البقرةّ ]275 : َ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ
)ذ ِلك ِبأنهم قالوا ِإنما البيع ِمثل ِ
هذا القول صادر عن الكفار واملنافقين الذين يستحلون الربا.
(ذلك) األصح ّأن فيها إشارة إلى ما ذكر من حالهم ،وقيل :إشارة إلى األكل ،أي الذي جعلهم
يستبيحون ذلك األكل بسبب أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ،فكأنه قيل :ذلك األكل للربا بسبب
أنهم استحلوا الربا وجعله كالبيع .والظاهر املتبادر هو القول األول(.)1
(ذلك) اسم إشارة للبعيد( ،)2واملعنى ّأن هذا األمر بعيد من الصواب ،وفظيع في الوقت نفسه(.)3
(إنما) تستعمل في الش يء الذي ال ينكره املخاطب وال يجهلـه وفيما ّ
ينزل هذه املنزلـة ،بخالف (ما)
و(إال) فإنما تقال في الش يء الذي ينكره املخاطب ويجهلـه أو فيما ينزل هذه املنزلـة ،لذلك أرادوا
باستخ دام (إنما) أن يجعلوا قضية الربا من املسلمات كأنها ال ينبغي ألحد أن ينكرها أو يجهلها فلم
يقولوا( :ما الربا إال مثل البيع).
وفي قولـهم (إنما البيع مثل الربا) وعدم قولـهم (إنما الربا مثل البيع) قوالن للعلماءّ :
ّ القول األول :هو ما َّ
رجحه الزمخشري وتبعه البيضاوي وأبو السعود واأللوس ي أنه من قبيل املبالغة
ً
حيث جعلوا الربا أصال وقاسوا عليه البيع ،قال الزمخشري« :جيء به على طريق املبالغة وهو أنه
وقانونا في الحل حتى ّ ً ً
شبهوا به البيع»( ،)4وزاد قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصال
السمين« :وهو باب في البالغة مشهور ،وهو أعلى مراتب التشبيه»(.)5
َّ ً
مشبها بـه بادعاء ّأن وجه الشبه فيه أقوى َّ
املشبه قلت :وهو من باب التشبيه باملقلوب ،وهو جعل
ً
وأظهر ،كأن تقول مثال :البحر أنت ،والقمر كوجه زيد ،والبحر ككفه(.)6
املنير وابن عاشور أن قولـهم هذا ليس من التشبيه املقلوب؛ بل القول الثاني :هو قول الرازي وابن ّ
كان غرضهم أن الربا والبيع متماثالن من جميع الوجوه املطلوبة ،فكيف يجوز تخصيص أحد املثلين
بالحل والثاني بالحرمة ،وعلى هذا التقدير فأيهما قدم أو أخر جاز( .)7واألرجح هو القول األول؛ ألن
ضعف األلوس ي أن يكون التشبيه غير مقلوب. التقديم والتأخير في كتاب هللا يكون لغاية وهدف ،لذا ّ
( )1ينظر :جامع البيان للطبري ( )124/3والكشاف للزمخشري ( )347/1والتفسير الكبير للرازي ( )77/7وروح املعاني
لأللوس ي (.)68/3
( )2اسم اإلشارة يمكن أن يكون للبعيد والقريب ،فاملجردة من الكاف والالم للقريب ،مثل :هذا وذي وتي ،والتي فيها
الكاف والالم للبعيد ،فالكاف تدل على البعد ،والالم لتوكيد البعد .ينظر :همع الهوامع للسيوطي ( )220/1وشرح
تسهيل الفوائد البن مالك (.)236/1
( )3ينظر :نظم الدرر للبقاعي ( )535/1وإرشاد العقل السليم ألبي السعود (.)316/1
ّ
( )4ينظر :الكشاف للزمخشري (.)347/1
( )5ينظر :الدر املصون للسمين الحلبي (.)633/2
( )6ينظر :البالغة العربية لحبنكة ( )201/2والبالغة (علم املعاني) لشيخنا الدكتور فضل (ص.)32 :
( )7ينظر :التفسير الكبير للرازي ( )77/7وحاشية ابن ّ
املنير ( )347/1ومحاسن التأويل للقاسمي ( )627/1والتحرير
والتنوير (.)551/2
( )1ينظر :جامع البيان ( )124/3والتفسير الكبير ( )77/7وأنوار التنزيل( )142/1وحاشية زاده ( )588/1والتحرير والتنوير
(.)552/2
( )2ينظر :روح املعاني لأللوس ي (.)69/3
( )3ينظر :املحرر الوجيزالبن عطية ( )372/1والتفسيرالكبير للرازي ( )78/7والجامع للقرطبي ( )357/3والتحرير والتنوير
(.)554/2
ً ً
ثانيا :أبان هللا عز وجل أن القوم كانوا يتعاملون به ،وسمى ذلك أكال ،فقال):الذين يأكلون الربا(
ّ
وكانوا يدعون أن الربا حالل كالبيع ،فكذبهم هللا في قيلهم هذا.
ً
ثالثا :مما يؤكد أن الربا املراد من تحريمه في القرآن كان معهود العرب ومما عرفته بيئتهم من أنواع
وتوعد آكل الربا بالعقاب ،وعد من انتهى عن أكلـه بأن التعامل؛ أنه بعد أن عرض القرآن للحرمة ّ ،
َّ َ َ َ َ ََ َ ْ ٌَ َ
لـه ما أكل ،وذلك قولـه تعالى ):ف َم ْن َج َاء ُه َم ْو ِعظة ِم ْن َرِّب ِه فان َت َهى فل ُه َما َسلف َوأ ْم ُر ُه ِإلى الل ِه ( أما
ما بقي من الربا :فواجب تركه ،ووضعه ،والرضا برأس املال دون أي فضل ،قال تعالىَ ):يا َأ ُّي َها َّالذ َ
ين ِ
ْ ُ َ ُ َّ ُ َّ َ َ َ ُ َ َ َ َ ّ
الربا ِإ ْن ك ْن ُت ْم ُمؤ ِم ِن َين( [البقرة.]278:
آمنوا اتقوا الله وذروا ما ب ِقي ِمن ِ
ابعا :هذا النوع من الربا ،هو املراد في قول النبي عليه الصالة والسالم في خطبة الوداع«:أال ّ ً
وإن ربا ر
ّ ّ ً
الجاهلية موضوع وأول ربا أضع :ربا عمي العباس بن عبد املطلب»( ،)1ويسمى هذا النوع كما أسلفت
بربا النسيئة.
خامسا :أما الربا الذي ورد ذكره في حديث األصناف الستة ،فهو ما ّ ً
يسميه العلماء بـ(ربا البيوع) أو
(ربا الفضل) وتفصيل كل من النوعين معروف في مظانه من كتب الفروع ،وبهذا يكون ما جاءت بـه
نوعا آخر ،ذكرته ّ ً
وبينت حكمه(.)2 السنة في هذا الباب
وقد اتفق جمهور العلماء على تحريم الربا في األصناف الستة التي جاءت به السنة ،ولكنهم اختلفوا
في تعيين العلـة التي من أجلها كان التحريم ،ليكون القياس في األصناف الجديدة ،ويصار إلى معرفة
حكمها ،فذهب الظاهرية إلى ّأن التحريم عندهم غير معلل؛ ألنهم من نفاة القياس ،فال تحريم في
غير األصناف الستة املذكورة(.)3
َ َ َ َ َْ َ ٌَ َ
ف([البقرةّ ]275 : قولـه تعالى):ف َم ْن َج َاء ُه َم ْو ِعظة ِم ْن َرِب ِه فانتهَى فل ُه َما َسل ّ
الفاء في (فمن) فيها قوالن:
َ َّ
األول :سببية ،واملعنى :ما تقدم من الوعظ في اآليات السابقة سبب عن ذلك قولـه (فمن جاءه)(.)4 ّ
الثاني :أن تكون الفاء تفريعية أي فصيحة كما عند التفتازاني ويكون التقدير :إذا كان كذلك فمن
جاءه موعظة(.)5
( )1أخرجه من حديث جابر بن عبد هللا مرفوعا :مسلم في الحج ،باب :في املتعة بالحج والعمرة( )1218وأبو داود في
املناسك ،باب :صفة حجة النبي )1905(--وابن ماجه في املناسك ،باب :حجة رسول هللا (.)3074
( )2ينظر تفصيل هذه املسألـة في تفسير النصوص للدكتور محمد أديب صالح (.)307-299/1
( )3ينظر تفصيل املسألة في :املحلى البن حزم ( )463/8وبدائع الصنائع للكاساني ( )183/5ومغني الـمحتاج للخطيب
الشربيني( )21/2وحاشية القيلوبي ( )167/2ونهاية املحتاج للرملي( )409/3واملوسوعة الفقهية الكويتية (.)75-57/22
( )4ينظر :نظم الدرر للبقاعي (.)538/1
( )5ينظر :تفسير القرآن الكريم وإعرابه ملحمد الدرة( )13/2ودراسات في أسلوب القرآن ( )233/2والتحرير والتنوير البن
عاشور(.)502/1
(فمن) يحتمل أن تكون شرطية وهو الظاهر ،ويمكن أن تكون موصولـة ،وعلى كال التقديرين في
محل رفع ألنه مبتدأ.
أوال :على كونها شرطية ففيها إعرابان:
األول( :من) شرطية ،و(جاءه) فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ،والفاء في (فلـه) واقعة في جواب
الشرط( ،لـه) خبر مقدم ،و(ما) اسم موصول في محل رفع مبتدأ مؤخر ،و(فلـه ما سلف) في محل
جزم جواب الشرط ،والفاء واجبة أي واجب اقترانها ألن جملة جواب الشرط جملة اسمية .واملعنى:
فاملست ِق ُّر لـه الذي سلف .الثاني :أن تكون (من) منصوبة بفعل مضمر َ فمن جاءه موعظة من ّربه
ً ً
يفسره ما بعده ،وتكون املسألة من باب االشتغال ،كأن تقول مثال :زيدا ضربته ،فيكون تقدير
زيدا ضربته ،والتقدير هناَّ : ً
فأي شخص جاءت املوعظة جاءته. الكالم :ضربت
ً
ثانيا :وعلى كونها موصولة فيكون إعرابها:
(من) اسم موصول مضمنه معنى الشرط ،لوجود الفاء في (فلـه) في محل رفع ألنه مبتدأ.
(جاءه) جملة صلة املوصول و(موعظة) فاعل( ،فانتهى) الفاء عاطفة ،و(انتهى) فعل ماض معطوف
على جاءه( ،فلـه) الفاء زائدة ،لتضمن املبتدأ معنى الشرط ،و(لـه) خبر مقدم ،و(ما) مبتدأ مؤخر
و(سلف) صلة املوصول ،والجملة (فلـه ما سلف) في محل رفع خبر املبتدأ (من) .واملعنى :فالذي جاءه
ّ
موعظة من ربه لـه سلف ،مع تضمن (من) معنى الشرط ،كأنه قيل :إن جاءه موعظة من ّربه فانتهى
ً
لـه ما سلف .ويجوز في (لـه) أن تكون خبرا لـ(من) و(ما) فاعل للجار واملجرور ،وهذا معنى قول أبي
َ َّ َ
السعود«:و(ما) مرتفع بالظرف» ،وهذا مثل قولـه تعالى) :أ ِفي الل ِه ش ّك([إبراهيم ،]10 :وهذا اإلعراب
جائز فقط إذا كانت (من) موصولـة ،أما إذا كانت (من) شرطية فال يجوز في (فلـه ما سلف) إال
إعراب واحد ،وهو أن يكون (لـه) خبر مقدم و(ما) مبتدأ ،لعدم اعتماد الظرف أو الجار واملجرور،
ً ً ّ
ومعنى ذلك :أنه يشترط في الجار واملجرور حتى يرفع فاعال ظاهرا أن يعتمد على أحد ستة أشياء،
ً ً
وهي :أن ُيسبق بنفي أو استفهام ،أو يكون صفة ،أو صلة أو خبرا حاال( .)1وعلى كونها موصولة ال
ً
عامال ،إذا ال ّ
يصح تسلطها على قبلها ،وشرط يجوز أن تكون من باب االشتغال ،ألن الصلة ال تفسر
التفسير صحة التسلط(.)2
يعبر به عن الحصول والقصد باألمر والتدبير ،وهو أعم من اإلتيان؛ ألن اإلتيان مجيء (جاءه) :املجيء ّ
بسهولـة(،)3واملجيء هنا بمعنى العلم والبالغ ،أي :بلغه وعظ وزجر من هذا الوعيد( .)4وقال(جاءه) ولم
( )1ينظر :موصل الطالب إلى قواعد اإلعراب لخالد األزهري (ص.)82 :
( )2ينظر :الدر املصون للسمين الحلبي (.)632-631/2
( )3ينظر :املفردات للراغب (ص )212 :وأساس البالغة للزمخشري (ص )122 :وعمدة الحفاظ للسمين الحلبي (.)416/1
( )4ينظر :الكشاف للزمخشري ( )348/1وإرشاد العقل السليم ألبي السعود(.)316/1
يقل (جاءته) لتعظيم شأن هذه املوعظة ،ورفع قدرها()1؛ ألن التأنيث مرتبة نازلة ،وجاز ذلك للفصل
بين الفعل وفاعلـه باملفعول(.)2
ُّ
ُ
القلب(.)3 زجر مقترن بتخويف ،أو التذكير بالخير فيما َي ِرق لـه الوعظ ،وهو ٌ (املوعظة) :املوعظة :من َ
ألن املوعظة على وزن َم ْف َعلة ،فامليم زائدة ،وزيادة املبنى تدل على وعبر بـ(موعظة) دون (وعظ)؛ َّ َّ
ً
زيادة املعنى غالبا؛ فقصد بذلك املبالغة.
ً
(من ربه) :يجوز أن تكون متعلقة بـ(جاءه) وتكون البتداء الغاية مجازا ،ويجوز أن تتعلق بمحذوف
على أنها صفة ملوعظة ،وتكون (من) للتبعيض ،والتقدير :جاءه موعظة من موعظات ّربه ،أي بعض
يبين أن هذه املوعظة جاءت لتربية اإلنسان ومن أجل مصلحته(،)4 وعبر بلفظ الربوبية حتى ّ مواعظهّ .
املربي لـه ،املحسن لـه بكل ما هو فيه من الخير. أي فمن جاءه موعظة من ّ
َ
(فانتهى) :الفاء عاطفة على جاءته ،وتفيد التعقيب ،أي لم يتراخ انتهاؤه عن مجيء املوعظة .والنهي:
َّ َ َ
الزجر عن الش يء ،قال تعالى):أ َرأ ْي َت ال ِذي َي ْن َهى([العلق ]9:وهو من حيث املعنى ال فر َق بين أن يكو َن
بالقول أو بغيره ،واالنتهاء :االنزجار عما نهى عنه ،ومعنى (فانتهى) َ
بلغ بـه نهايته ،ففيه حث على فعل
متعار ًفا في ّ
كل إبالغ(.)5 الخير َوزجر عن الشر ،واإلنهاء في األصل :إبالغ النهي ،ثم صار َ
ف([املائدة ]95 :أي ما ّ َ َ َّ ُ َ َّ َ َ َ (فلـه ما سلف)َّ :
تقدم من السلف :املتقدم ،وقولـه تعالى):عفا الله عما سل
الذنوب( .)6والراجح في معنى (ما سلف) هو قول السدي :أي لـه ما أكل من الربا ،وليس عليه ُّرد ما
قبض بعد فال يجوز لـه أخذه ،وإنما لـه رأس مالـه فقط كما ّبينه بعد ذلك سلف ،فأما ما لم ُي ْ
استقر في أيديهم من ربا ّ بقولـه):وإن تيتم فلكم رؤوس أموالكم(( .)7ففي هذه اآلية إعالم بتحليل ما
ألن اإلسالم َي ُج ُّب ما قبلـه.الجاهلية ببركة توبتهم؛ َّ
(وأمره إلى هللا) :في عود الضمير (الهاء) عدة وجوه( ،)8وأصحها قوالن :
األول :أن يعود على املنتهي املدلول عليه بـ(انتهى) قال السمين«:أمر املنتهي عن الربا أمره إلى هللا في
العفو والعقوبة»()9
أي :يحكم في شأنه يوم القيامة بما شاء ال اعتراض لكم عليه(.)1
الثاني :الضمير في (أمره) يعود إلى (ما) أي أمر ما سلف إلى هللا في العفو عنه وإسقاط التبعة منه،
النية»( ،)2وعلى هذا فمعنى قال أبو السعود«:يجازيه على انتهائه إن كان عن قبول املوعظة وصدق ّ
(أمره إلى هللا) وعد بالثواب بدليل مقابلته بالوعيد (ومن عادّ .)3()...
وعبر بقولـه (وأمره إلى هللا) دون
ً
بأفضلية ّرد الربا ألصحابها ملن يأخذ لنفسه باألفضل(.)4 ّ ذكر الثواب إشعارا منه
َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َّ
ن([البقرةّ ]275 : اب الن ِار ُه ْم ِف َيها خ ِال ُدو ّ)ومن عاد فأول ِئك أصح
يجوز أن تكون (من) شرطية أو موصولـة كما تقدم في (من جاءه)(). 5
ً ُ ُ
الرجوع إلى الش يء بعد االنصراف عنه إما انصرافا بالذات ،أو بالقول والعزيمة ،والعادة: العود (عاد)
ً ٌ
تعاطيه كالطبع(.)6
ِ اسم لتكرير الفعل واالنفعال حتى يصير ذلك سهال
ّ
(أولئك) فيها إشارة إلى (من عاد) والجمع في (أولئك) باعتبار املعنى ،كما أن اإلفراد في عاد باعتبار
ألن (من) لفظها مفرد مذكر ولكن معناها الجمع(.)7 اللفظ (من) ّ
ّ
أما املعنى البالغي املترتب على ذلك ،فهو ملا كان العائد للربا يقوم بذلك بنفسه أفرده ،وملا كان
العقاب يكون في يوم القيامة للمرابين واملجرمين في وقت واحد وفي مكان واحد جمع(.)8
واستخدم اسم اإلشارة (أولئك) إشارة إلى الذين ُح ِكيت خصالهم الذميمة من الربا واالستحالل من
متميزون بذلك أكمل تمييز ،منتظمون بسببه في سلك حيث اتصافهم بها ،وفيه داللة على أنهم ّ
ً
األمور املشابهة( ،)9وما فيه أيضا من معنى البعد ،لإلشعار ببعد منزلتهم في الشر والفساد؛ فهم
بعيدون من رحمة هللا(.)10
حيان ( )348/1وروح املعاني ( )1ينظر :الكشاف ( )348/1واملحرر الوجيز البن عطية ( )372/1والبحر املحيط ألبي ّ
لأللوس ي (.)49/2
( )2ينظر :إرشاد العقل السليم (.)317/1
( )3ينظر :الدراملصون للسمين( )634/2وأنوارالتنزيل للبيضاوي ( )142/1وإرشاد العقل ألبي السعود ( )317/1وحاشية
الجمل (.)346/1
( )4ينظر :نظم الدرر للبقاعي (.)538/1
( )5ينظر :الدر املصون للسمين الحلبي (.)634/2
( )6ينظر :املفردات للراغب (ص )593 :مادة (عود).
( )7كلمة (من) إحدى الكلمات التي لفظها مذكر ،لكن معناها قد يخالف لفظها ،ولهذا يصح أن يعود الضمير عليها
ً ً
مفردا مذكرا مراعاة للفظها وهو األكثر ،ويجوز فيها مراعاة املعنى املراد ،وهو كثير ،فمن األول :قولـه تعالىَ ):و ِم ْن ُه ْم َم ْن
ْ ْ
ُيؤ ِم ُن ِب ِه َو ِم ْن ُه ْم َم ْن ال ُيؤ ِم ُن ِب ِه[يونس ]40 :ففاعل يؤمن مفرد مذكر مراعاة للفظ (من) .ومن الثاني قولـهَ ):و ِم ْن ُه ْم َم ْن
َ َ
َي ْس َت ِم ُعون ِإل ْي َك[يونس .]42 :ينظر :النحو الوافي (.)350/1
( )8ينظر :نظم الدرر للبقاعي (.)538/1
( )9ينظر :علم املعاني للشيخ فضل (ص.)317 :
( )10ينظر :نظم الدرر للبقاعي (.)538/1
( )1هذا من شعر أبي العتاهية وهو في عيون األخبار ( )86/4ومجمع البالغة (.)501/1
( )2ينظر :املفردات للراغب (ص )475 :مادة (صحب).
( )3ينظر :الكشاف للزمخشري (.)348/1
( )4ينظر :جامع البيان للطبري ( )125/3ومعاني القرآن للزجاج ( )358/1واملحرر الوجيز البن عطية ( )372/1والتفسير
الكبير للرازي ( )79/3والجامع ألحكام القرآن للقرطبي ( )361/3والبحر املحيط ألبي ّ
حيان ( )349/2وأنوار التنزيل
للبيضاوي (.)142/1
دوام فيه»( .)1وإن كان أبو السعود قد اختار في هذه اآلية قول الجمهور فقال «:ومن عاد إلى تحليل ال َ
بدا»ّ . ً
ولكن األلوس ي لم يرتض أن تكون اآلية محمولة على الربا (هم فيها خالدون) أي ماكثون فيها أ
اآلية على من يستحل الربا(). 2 َ
التغليظ ألنه خالف الظاهر ،وحمل
رأي الشيخ محمد رشيد رضا ّ
يرى الشيخ محمد رشيد رضا أن صاحب الكبيرة التي في درجة آكل الربا وقتل العمد إذا مات ولم
ّ ً
املحرم بعد يتب منها يخلد في النار وال يخرج منها أبدا؛ فيقول«:ومن عاد إلى ما كان يأكل من الربا
االتعاظ بموعظ ّربهم ،الذي ال ينهاهم إال ّ ّ
عما يضر بهم في أفرادهم أو تحريمه؛ فأولئك البعداء عن
ّ َ
جمعهم ،هم أهل النار الذين يالزمونها كما يالزم صاحبه فيكونون خالدين فيها .»..ثم يبين الشيخ
املفسرون من تأويل للخلود في هذه اآلية ،لتتفق اآلية مع املقرر في العقائد رشيد ّأن ما ذهب إليه ّ
ّ
والفقه ،من كون املعاص ي ال توجب الخلود في النار إال إذا استحلها فاعلها ،هو غير صحيح في مثل
ً كل ما ّ مرتكب كبيرة الربا وقاتل العمد .وسبب اختياره هذا الرأي أن ليس ُّ
يسمى إيمانا يعصم صاحبه
يقسم اإليمان إلى قسمين: من النار ،لذا فهو ّ
ُ َّ َ
اإلجمالي بالدين الذي نشأ فيه املرء ،أو نسب إليه. التسليم القسم األول :إيمان ال يعدو
القسم الثاني :إيمان عبارة عن معرفة صحيحة بالدين عن يقين اإليمان ،متمكنة في العقل بالبرهان،
ً
ومؤثرة في النفس بمقتض ى اإلذعان ،ويكون صاحب هذا اإليمان خاضعا لهذا السلطان في كل حال،
ُ
إال ما غلب عليه من جهل أو نسيان أو شهوة ،فهذا اإليمان يعصم صاحبه بإذن هللا من الخلود في
ُ ُ
النفس عليها خفة الجهالة َ سخط هللا .وبالتالي فهو ال يرى ّأن الربا من املعاص ي التي تنس ى ،أو تغلب
والطيش ،كالحدة وثورة الشهوة ،أو يقع صاحبها منها في غمرة النسيان؛ لذا وجب أن يكون ُ
آكل الربا
ً ً
خالدا مخلدا في النار.
كل كبيرة يفعلها ويظهر من كالمه أنه ال يوافق املعتزل َـة في ّأن كل كبيرة تخلد صاحبها في النار ،وإنما ُّ
املسلم دون تعمد وإصرار أو لجهالة وطيش أو شهوة فهو ليس من الخالدين في جهنم.
تبجح الناس بارتكاب املوبقات والذي حمل الشيخ محمد رشيد على قول هذا هو ما كان يراه من ّ
حرم هللا؛ يقول«:والشواهد على هذا الذي قررناه في كتاب هللا كثيرة مع اعترافهم بأنها من كبائر ما ّ
جدا وهو مذهب أهل السلف الصالح ،وإن جهلـه كثير ممن ّيدعون اتباع السنة حتى ّ ً
جرءوا الناس
ُ
الناس بناء على ّأن مدار السعادة على االعتراف بالدين وإن لم يعمل به ،حتى صار على هدم الدينً ،
يتبجحون بارتكاب املوبقات مع االعتراف بأنها من كبائر ما ُح ّرم.)3(»... ّ
ّ ً
الثاني :أن هذا املال سيكون سببا في ارتكاب مزيد من املعاص ي ،إذ كل طعام يولد في آكلـه دواعي
ً اما فيدعوه إلى إعمال ًّ ً
أفعال مكروهة.
ٍ محرمة ،وإن كان مكروها فإلى وأفعاال من جنسه ،فإن كان حر
ُ ً
أعقابه وأوالده ،فيكون ممن خسر الدنيا واآلخرة وذلك ثالثا :يتلف هللا مالـه في الدنيا فال ينتفع به
ّ
هو املحق الكلي.
(ويربي الصدقات) ّ
ٌ ُ
(يربي) من َربا :إذا زاد وعال ،ومعناها هنا :الزيادة املعقولـة َّ
املعب ُر عنها بالبركة ،مرتفعة عن الربا(.)1
وإرباء الصدقات يكون في الدنيا واآلخرة:
املال الذي أخرجت منه الصدقة ،حيث جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: -أما في الدنيا بأن يكثر ُ
َ ُ
يصبح العباد فيه إال َملكان ينزالن فيقول أحدهما :اللهم قال رسول هللا –عليه السالم( :-ما من يوم
ً ً ً ً
أعط منفقا خلفا ،ويقول اآلخر :اللهم أعط ممسكا تلفا)(.)2
ويبارك فيها ،فقد روى أبو هريرة –رض ي هللا عنهّ -أن رسول هللا – ثوابها َ-وأرما في اآلخرة فيضاعف ُ
ً
طيبا -و َّإن هللا
طيب –وال يقبل هللا إال ّ ّ
كسب ٍ ٍ بع ْدل تمرة من
تصدق َ صلى هللا عليه وسلم -قال( :من َّ
ُ ُُ يربيها لصاحبه كما ّ ثم ّ يتقبلها بيمينهّ ، ّ
أحدكم فل َّوه حتى تكون مثل الجبل)(.)3 يربي
ُ َ َّ َ َّ
) َوالل ُه ال ُي ِح ُّب ك َّل كف ٍار أ ِث ٍ ّ
يم( ّ
وجل بأن الربا من شعار أهل هذه الجملة معترضة بين أحكام الربا ومناسبة ذلك هو أن يخبر هللا عز ّ
ألنهم استباحوا الربا ،فقالوا :إنما البيع مثل الربا(.)4 يحب جميع الكافرين؛ ّ الكفر ،وهللا ال ُّ
(يحب) الحب حقيقة هو امليل الطبيعي منتف عن هللا تعالى ،فجعلـه بعض العلماء بمعنى اإلرادة،
وبعضهم بمعنى اللطف وإظهار الدالئل .وفي معنى (كفار) وجهان :أحدهما :الذي يستر َ
نعم هللا
كفر بـه .وفي (األثيم) وجهان: فعل ما َي ُ ُ
ويجحدها .والثاني :هو الذي ُيك ِث ُر َ
َ أحدهماّ :أنه من ّبيت اإلثم .والثاني :الذي يك ِث ُر َ
فعل ما َيأثم به(.)5
ّ
ومعنى اآلية ّأن هللا ال يحب من اتصف بهذه الصفات ،وظاهر هذا اللفظ أنه من سلب العموم؛ ألن
َ
القاعدة تقول :إذا تقدم النفي على أداة العموم فاملراد سلب العموم ،أي سلب الحكم عن بعض
ُّ
فالحق أن هذا الحكم أكثري ال أغلبية غير مطردة كما قال التفتازاني(«:)6ّ األفراد ،لكن هذه القاعدة
( )1ينظر :علم املعاني للدكتور فضل (ص )232 :ونظم الدرر للبقاعي (.)539/1
( )2ينظر :الكشاف للزمخشري ( )349/1والتفسير الكبير للرازي ( )81/7والبحر املحيط ألبي ّ
حيان ( )350/2وروح املعاني
لأللوس ي (.)70/3
ّ
( )3ينظر :املحرر الوجيز البن عطية ( )373/1والبحر املحيط ألبي حيان (.)350/2
( )4ينظر :املفردات للراغب (ص )91 :مادة (أمن).
َّ َ ََ ين َآم ُنوا َو َعم ُلوا َّ َ تعالى):إ َّن َّالذ َ
الصالة([البقرة .]277:ففي هذه اآلية مدح ملن ات َوأق ُاموا الص ِالح ِ ِ ِ ِ
استجاب ألمر هللا بتركه الربا وعمل الصالحات.
ألن الفعل قد ُينسبُ أخص من الفعلَّ ، ّ (وعملوا الصالحات) :العمل :كل فعل يكون بقصد ،فهو
فعل بغير قصد( ،)1لذا اختير لفظ العمل على الفعل في اآلية ،إذ أنّ إلى الحيوانات التي يقع منها ٌ
ً
أعمال املؤمن ال بد أن تكون مقصودة هلل عز وجل .و(الصالح) :ضد الفساد ،وهو مختص باألفعال،
كل ما استقام من األعمال بدليل النقل والعقل ،والالم للجنس ،والجمع يفيد ّأن املراد بها وهي ّ
ُ َّ ٌ ٌ
طائفة من األعمال متفاوتة بحسب حال املكلف .وعطف العمل على اإليمان يفيد التغاير ،بحيث
ً
أساس ،والعمل الصالح كالبناء عليه(.)2 ٌ َّأن اإلنسان يصل بهما معا إلى األجر الكامل ،ألن اإليمان
(وأقاموا الصالة) :أصل القيام في اللغة هو االنتصاب املضاد للجلوس ،والقيام للش يء :هو املراعاة
ُ
للش يء والحفظ لـه ،وقد قيل في إقامة الصالة أربعة وجوه(:)3
ألن القيام من فروضها وإن كانت تشتمل فعبر عنها بالقيام؛ ّ األول :يؤدونها على ما من قيام وغيرهّ ،
فروض غيره ،وهذا من املجاز املرسل وعالقته الجزئية؛ ألن القيام جزء من الصالة ،لذلك ٍ على
ّ َ
ستعمل فيها وي َّ ُ ُ
وأعطمها(.)4
ِ دل عليها ألنه من أشرف أركانها حسن أن ي
ْ ْ َ
الثاني :إتمامها ،من تقويم الش يء وتحقيقه ،ومنه(َ :وأ ِق ُيموا ال َو ْز َن ِبال ِق ْس ِط)(الرحمن.)9 :
ً ُ ً َ ُْ َّ َ َ َ
الصالة كان ْت َعلى امل ْؤ ِم ِن َين ِك َتابا َم ْوقوتا) الثالث :يديمون فروضها في أوقاتها ،كقولـه تعالى(ِ :إ َّن
(النساء ،)103 :والعرب تقول في الش يء الراتب الدائم :قائم ،وفي فاعلـه :مقيم ،تقول :فالن يقيم
أرزاق الجند.
ُ
الرابع :وهو من قول القائل :قامت السوق :إذا حضر أهلها ،فيكون معناه :االشتغال بها عن غيرها،
ومنه :قد قامت الصالة .وهذه الوجوه على اختالفها مرادة باآلية.
ُ َّ ُ ُ
والتبريك والتمجيد ،يقال :صليت عليه ،أي :دعوت لـه وزكيت، (الصالة) الصالة في اللغة هي الدعاء
ْ ُ َ َ ّ َ َ ْ ْ َّ َ َ َ َ َ ٌ َ
قال تعالى( :وص ِل علي ِهم ِإن صالتك سكن لهم)(التوبة.)103 :
ُ ُ
والصالة املقصودة في اآلية هي العبادة املخصوصة املشتملة على قيام وقراءة وركوع وسجود
ّ ُ َّ
وتسليم ،وكل موضع َم َد َح هللا تعالى بفعل الصالة أو حث عليه ذكر بلفظ اإلقامة ،ولم ُيقل املصلين
َ
الت ِه ْم َس ُاهون) (املاعون ،)5-4:وإنما َ َ ْ ْ َ ّ َ َّ َ ُ َ ْ َ
إال في املنافقين ،نحو قولـه( :فوي ٌل ِلل ُمص ِلين * ال ِذين ه ْم عن ص ِ
ُ ُ َ ً ّ
اإلتيان بهيئتها فقط، املقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها ،ال خص لفظ اإلقامة تنبيها أن
ّ
كثير واملقيمين لها ٌ
قليل»(.)1 املصلين ٌ لذلك قيلَّ « :إن
ُ
الحاصل مو ص في القرآن بدفع الصدقة( ،)2وأصل الزكاةُّ :
الن ُّ (وآتوا الزكاة) :اإليتاء اإلعطاء ،وقد ُخ َّ
ُ ُ ُ
واأل ّ ّ عن بركة هللا تعالىُ ،وي ُ
الزرع :إذا حصل منه ن ُم ٌّو خروية ،يقال :زكا الدنيوية عتبر ذلك باألمور
ُ ُ اإلنسان من ّ ُ ُ ٌ
وتسميته بذلك ملا يكون فيها حق هللا تعالى إلى الفقراء، وبركة ،ومنه الزكاةِ :ملا ُيخرج
من رجاء البركة ،أو لتزكية النفس.
واملعنى :أي أعطوا ما فرض هللا عليكم في أموالكم على ما ّبينه الرسول لكم ،وهذا حكم جميع ما
ً ً
ورد في القرآن مجمال فإن بيانه يكون موكوال إلى النبي ،-×-فلذلك أمرهم بالصالة والزكاة على طريق
َ
اإلجمال وأحال في التفصيل على بيانه(.)3
ً ً
وخص هللا ذكر الصالة والزكاة وقد تضمنهما عمل الصالحات تشريفا لهما ،وتنبيها على قدرهما؛ إذ
هما رأس األعمال :الصالة في أعمال البدن ،والزكاة في أعمال املال(.)4
(لهم أجرهم عند ربهم) ّ
ً ً
األجر :ما يعود من ثواب العمل دنيويا كان أو أخرويا ،وال يقال إال في النفع دون الضر ،فهو أخص
ً ً
من الجزاء ألنه يقال في النافع والضار( ،)5واملراد باألجر هنا نعيم اآلخرة ،وليس أجرا دنيويا بقرينة
وقوله (عند ربهم) ليس املراد العندية املكانية ،فإن ذلك محال في حق هللا تعالى ،وال الحفظ كالودائع،
الرب تعالى مما يزيد بل املراد أن أجرهم متيقن متحقق وحاصل عند ربهم ،وإضافة (عند) السم ّ
تحققا؛ ألن املضاف إليه ُ ً
أكرم الكرماء( ،)6وعنون بالربوبية لتشريفهم وإلظهار عنايته ولطفه األجر
بهم( .)7وتقديم (لهم) يفيد التخصيص ،أي دون غيـرهم.
(وال خوف عليهم وال هم يحزنون)( :الخوف) :توقع مكروه عن َأمارة َمظنونة ،وضد الخوف األمن،
َ ُ
(والح َزن) خشونة في األرض وخشونة في النفس ملا ويستعمل ذلك في األمور الدنيوية واألخروية.
ّ
ويضاده الفرح(.)8 الغم،يحصل فيه من ّ
املنفي خوف مخصوص وهو خوف اآلخرة ،فزوال الخوف والحزن ال يحصل َّ وقرأ الجميع بالرفع ألن
ً
في الدنيا عنهم وخصوصا في املكلفين؛ ألنهم في كل وقت ال ينفكون من خوف وحزن ،فكأنه سبحانه
ً
وعدهم في اآلخرة باألجر ،ثم بين أن من صفة ذلك األجر أن يكون خاليا عن الخوف والحزن ،وذلك
ً ً
يوجب أن يكون نعيمهم دائما؛ ألنه لو كان منقطعا العتراهم الحزن العظيم( ،)1لذلك هناك قوالن
في معنى اآلية:
األول :ال يخافون من مكروه آت ،وال هم يحزنون على محبوب فات ،أي :ال خوف عليهم فيما
يستقبلهم من أحوال يوم القيامة ،وال هم يحزنون بسبب ما تركوه في الدنيا.
الثاني :ال خوف عليهم من عذاب يوم القيامة ،وال هم يحزنون بسبب ما فاتهم من النعيم الزائد
وعبر في نفي الخوف الذي قد حصل لغيرهم من السعداء يوم القيامة؛ ألنه ال منافسة في اآلخرة(ّ .)2
ً ً
بالخبر اإلسمي (ال خوف عليهم) لنفي جنس الخوف عنهم نفيا أبديا ،لداللة الجملة االسمية على
وعبر عن نفي الحزن بالخبر الفعلي وهو (يحزنون) لتخصيص املؤمنين بذلك بخالف الدوام والثباتّ ،
غيرهم من غير املؤمنين(.)3
ورب سائل يسأل :إذا مات اإلنسان قبل أن تجب عليه الصالة فهل يعتبر من أهل الثواب ،حيث
َّ َ
إنه في هذه اآلية وقف حصو َل األجر على حصول األعمال؟ ّ
والجواب عن ذلك أن املؤمن هو من أهل الثواب باالتفاق وإن لم يعمل؛ ألن استحقاق الثواب ال
ّ
يتوقف على حصول األعمال ،وإنما ذكر هللا هذه الخصال ال ألجل أن استحقاق الثواب مشروط
َ بهذا ،بل ألجل ّأن لكل واحد منهما أث ًرا في جلب الثواب ،كما قال في ضد هذا َ ):و َّالذ َ
ين ال َي ْد ُعون َم َع ِ
ْ ََ ً َ َّ َ ً َ
الل ِه ِإلها آخ َر([الفرقان ]68 :ثم قالَ ):و َم ْن َي ْف َع ْل ذ ِل َك َيل َق أثاما([الفرقان ]68 :ومعلوم أن من ادعى
ّ ّ
َ
مع هللا إلها آخر ال يحتاج في استحقاقه العذاب إلى عمل آخر ،ولكن هللا جمع الزنا وقتل النفس
ً
على سبيل االستحالل مع دعاء غير هللا إلها لبيان ّأن كل واحد من هذه الخصال يوجب العقوبة(.)4
ّ
ّ
(اتقوا هللا) ّ
ْ َ َ َ ُ َّ ُ َ َ ُ ُ
التقوى من الوقاية :وهي حفظ الش يء مما يؤذيه ويض ُّره ،كقولـه تعالى( :ف َوقاه ُم الله ش َّر ذ ِلك ال َي ْو ِم)
فظ النفس ّ َ (اإلنسان )11 :والتقوىُ :
عما وقاية مما يخاف ،وصار في تعارف الشرع ِح جعل النفس في ٍ
ْ
ُيؤ ِث ُم ،وذلك بترك املحظور(.)1
ألن تقوى هللا هي أصل االمتثال واالجتناب؛ وألن ترك الربا وأمروا بتقوى هللا قبل األمر بترك الربا؛ ّ
ُ
أمر العابد ومنتهى ُجهده ،فإذا التزم التقوى كان اإلتيان بما هو من جملتها ،فالتقوى هي قصارى ِ
()2
َ
أدنى منها أهون(.)3
(وذروا ما بقي من الربا) ّ
َ ََ ُ ْ َْ ُ ّ ُ ٌ ََ
الوذر ،يقال :فالن يذر الش يء ،أي :يق ِذفه لقلة اعتداده بـه ،والوذرةِ :قطعة من اللحم، (ذروا) من
َ ُ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َّ
الل َه َو ْح َدهُ ّ َ
وت ْس ِم َي ُتها بذلك لقلة االعتداد بها ،ولم يستعمل ماضيه ،قال تعالى( :قالوا أ ِجئتنا ِلنعبد
ْ ُ
َُ
ان َي ْع ُب ُد َآباؤنا)(ألعراف.)70 : َو َن َذ َر َما َك َ
َ ّ ً ()4 ً َ ْ
الرَبا( متعلق بمحذوف واملعنى هنا :واتركوا بقايا ما شرطتم منه على الناس تركا كليا ،وقولهِ ):من ِ
ُ
على أنه حال من فاعل { َب ِق َي } أي :اتركوا الذي بقي حال كونه بعض الربا ،ومن للتبعيض.
(إن كنتم مؤمنين) ّ
الشرط مجاز ّي على جهة املبالغة؛ قصد منه التهييج والتحريض ،وتحريك الهمم نحو طاعة هللا
ذف ُ ٌ ُ َ ً
جوابه دل ورسوله ،كما تقول ملن تريد إقامة نفسه :إن كنت رجال فافعل كذا ،وهو شرط ح
وذروه ،وهو يدل على أن اإليمان ال يتكامل إذا عليه ما قبله ،والتقدير :أي إن كنتم مؤمنين فاتقوا ُ
ً
أصر اإلنسان على كبيرة وإنما يصير مؤمنا باإلطالق إذا اجتنب كل الكبائر(.)5
آخره{إن ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َين}؟ أجاب العلماء
ُ ْ
ين َء َام ُنوا( ثم قال في ورب سائل يسأل :كيف قال):يا َأ ُّي َها َّالذ َ َّ
ِ ِ
على ذلك بعدة وجوه ،منها:
ً ً
األول :أن هذا مثل ما يقال :إن كنت أخا فأكرمني ،معناه :إن من كان أخا حقا أكرم أخاه.
الثاني :إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم باإليمان.
الثالث :يا أيها الذين آمنوا بلسانهم ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم(.)6
املطلب الخامس ّ
َ ْ ُ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ ُ ُ ُ َ ْ َ ُْ َّ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ
قولـه تعالى( :ف ِإن ل ْم تفعلوا فأذنوا ِبح ْر ٍب ِمن الل ِه َو َر ُس ِول ِه و ِإن تبتم فلكم رؤوس أمو ِال ّكم ال
ُ َْ َ َ ْ َ
تظ ِل ُمون َوال تظل ُمون) (البقرةّ )279:
مناسبة ا ّآلية ملا قبلهاّ :
هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لكل من استمر على تعاطي الربا بعد اإلنذار ،حيث هدد هللا -تعالى
َّ َ َّ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ ً ً
كل من يتعامل بالربا تهديدا عنيفا فقال {:ف ِإن ل ْم ت ْف َعلوا فأذنوا ِب َح ْر ٍب ِّم َن الل ِه َو َر ُس ِول ِه} ،قال ابن
عطية «:ثم توعدهم تعالى إن لم يذروا الربا بحرب من هللا ورسولـه وأمته ،والحرب داعية القتل»(.)1
التفسير التحليلي ّ
(فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من هللا ورسولـه) ّ
َّ
الفاء سببية( ،)2أي :عدم اجتناب ما بقي من الربا سبب عن ذلك حرب هللا ورسولـه لكم .واملعنى:
ً
فإن لم تتركوا الربا وأخذتم منه شيئا بعد نهيكم عن ذلك ،فكونوا على علم ويقين بحرب كائنة من
هللا -تعالى -ورسوله ،ومن حاربه هللا ورسوله ال يفلح أبدا.
فعال؛ َّ ً وقولـه (لم تفعلوا) ّ
ألن الفعل عام ويكون بإجادة وبغير إجادة ،ويكون بعلم وبغير سميي الترك
علم ،ويكون بقصد وبغير قصد(.)3
توص ُل إليه بالسماع ،ويعبر وقوله( :فأذنوا) من أذن بالش يء يأذن ،ويستعمل ذلك في العلم الذي ُي َّ
عن ذلك بالعلم( ،)4أي :فقرروا الحرب بينكم وبين هللا ورسولـه.
أع ِل ُموا من لم ينته عن الربا بحرب من وقرئ (فآذنوا) باملد من آذنهن األمر وآذنه به ،أعلمه إياه :أي ْ
هللا ورسوله ،وإذا أمروا بإعالم غيرهم علموا هم ال محالة .والقراءتان متكاملتان في أداء املعنى ،ألن
األولى أفادت أن يعلموا ّأنهم إذا لم يتركوا الربا فإنهم سيدخلون في حرب مع هللا ورسولـه ،وأفادت
ً
القراءة الثانية أن ُيعلموا غيرهم بذلك ،وهذا يعطيهم فسحا في أن يفكروا في هذا األمر بتأن ودون
َ
استعجال ،فكأن هللا يقول لـهم :فأعلموا أنفسكم هذا ثم انظروا في األرجح لكم ،ترك الربا أو
الحرب(.)5
إشعار ّأن طائفة منهم ال يذرونه بعد تحريمه بما ّأنهم ليسوا من الذين كانوا ٌ وفي قولـه تعالى هذا
ً
يؤمنون( .)1وتنكير (حرب) للتهويل والتعظيم أي فكونوا على علم ويقين من أن حربا عظيمة ستنزل
عليكم من هللا ورسوله( ،)2والظاهر أن الباء في) :بحرب( ظرفية .أي :فأذنوا في حرب ،كما تقول :أذن
ّ
في كذا ،ومعناه أنه سوغه ومكن منه ،وهذا يجعلهم أنهم مستدعو الحرب والباغون؛ ألنهم هم
اآلذنون فيها ،وبها ،ويندرج في هذا علمهم بأنه حرب هللا ،وتيقنهم لذلك(.)3
َ َّ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ّ َ َّ
واختلف املفسرون في أن الخطاب بقوله):ف ِإن لم تفعلوا فأذنوا ِبحر ٍب من الل ِه( خطاب للمؤمنين
املصرين على معاملة الربا ،أو هو خطاب للكفار املستحلين للربا ،الذين (قالوا إنما البيع مثل الربا)،
ََُْ ْ
واالحتمال األول أولى ،لداللة السياق عليه ،ألن قوله):فأذنوا( خطاب مع قوم تقدم ذكرهم ،وهم
َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َّ ُ ْ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ّ ْ
الرَبوا( وذلك يدل على أن الخطاب املخاطبون بقوله ):يـا أيها ال ِذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما ب ِقى ِمن
مع املؤمنين ،واختلفوا على هذا في معنى الحرب إلى قولين:
اإلصرار على عمل الربا إن كان من األولّ :وهو قول جمهور العلماء ،املراد نفس الحرب بمعنى أن ِ
اإلمام قبض عليه وأجرى فيه حكم هللا من الحبس والتعزير إلى أن تظهر منه شخص وقدر عليه ِ
اإلمام كما يحارب الفئة الباغية ،وكما حارب أبو التوبة .وإن وقع ممن يكون له عسر وشوكة ،حاربه ِ
بكر الصديق مانعي الزكاة وقال ابن عباس :من تعامل بالربا يستتاب فإن تاب فبها ،وإال ضرب
عنقه(.)4
الثاني :املراد املبالغة في التهديد دون نفس الحرب ،قال األلوس ي«:وقيل :ال حرب حقيقية وإنما هو
ملفسرين على األول»( .)5وإضافة الرسول إلى هللا القصد منه تشريفه ،وأنه تهديد وتخويف ،وجمهور ا ّ
أعظم الخالئق ،وألنه املبلغ واملباشر.
وقولـه تعالى( :بحرب من هللا ورسولـه) أبلغ م ْن ّأنه لو قيل( :بحرب هللا ورسولـه) ألن األول يفيد أنَّ
ِ
الحرب ستكون من هللا لهم ،فاهلل تعالى هو الذي يحاربهم ،ولو قيل :بحرب هللا ،الحتمل أن تكون
الحرب مضافة للفاعل ،فيكون هللا هو املحارب لهم ،وأن تكون مضافة للمفعول ،فيكونوا هم
املحاربين هللا .فكون هللا محاربهم أبلغ وأزجر في املوعظة من كونهم محاربين هللا(.)6
ولم يجئ هذا الوعيد في كبيرة سوى الربا ،وقطع الطريق ،والسعي في األرض بالفساد؛ ألن كل واحد
منهما مفسد في األرض ،قاطع الطريق على الناس :هذا بقهره لهم وتسلطه عليهم ،وهذا بامتناعه من
تفريج كرباتهم إال بتحميلهم كربات أشد منها ،فأخبر عن قطاع الطريق بأنهم يحاربون هللا ورسولـه،
وأعلم هؤالء إن لم يتركوا الربا بحربه وحرب رسولـه(.)1
وسثم بين -سبحانه -ما يجب عليهم فعله عند توبتهم عن التعامل بالربا فقالَ ):وإ ْن ُت ْب ُت ْم َف َل ُك ْم ُر ُؤ ُ
ِ
َ ُ َ َ ْ َ َ ُ َْ َ
أ ْم َو ِالك ْم ال تظ ِل ُمون َوال تظل ُمون( .أي :وإن تبتم عن التعامل بالربا الذي يوجب الحرب عليكم من
هللا ورسوله ،فلكم رءوس أموالكم أي أصولها بأن تأخوذها وال تأخذوا سواها ،وبذلك ال تكونون
ً
ظاملين لغرمائكم وال يكونون ظاملين لكم ،ألن من أخذ رأس ماله بدون زيادة كان مقسطا ومتفضال،
ً
ومن دفع ما عليه بدون إنقاص منه كان صادقا في معاملته ،وتسمية أصل املال رأسا مجاز ،والظاهر
ّأن الجملة مستأنفة(.)2
ختص به ،إما بنقصان أو زيادة ،والظلم :يقال والظلم :عند أهل اللغة وضع الش يء في غير موضعه املُ ّ
ِ
ُ َ ْ في ُمجاوزة ّ
الحق ،واملعنى :ال تظلمون غرمائكم بأخذ زيادة على رأس املال ،وال تظلمون منهم بإرجاع ِ
ً
رأس املال كامال لكم دون نقص.
ّ
املطلب السادس ّ
َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ َ ٌ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ ٌ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ
قولـه تعالى( :و ِإن كان ذو عسر ٍة فن ِظرة ِإلى ميسر ٍة وأن تصدقوا خير لكم ِإن كنتم تعلمون)
(البقرةّ .)280:
مناسبة اآلية ملا قبلها ّ
ملا كان الناس منقسمين إلى موسر ومعسر أي غني وفقير ،كان كأنه قيل :هذا حكم املوسر ،أما حكم
املعسر فنظرة إلى ميسرة( ،)3فأمر هللا -تعالى -الدائنين أن يصبروا على املدينين الذين ال يجدون ما
يؤدون منه ديونهم.
التفسير التحليلي ّ
(وإن كان ذو عسرة) ّ
معسر(.)4
عطف على قولـه تعالى( :فلكم رؤوس أموالكم) واملعنى :وإن حصل ذو عسرة ،أي غريم ِ
ألن املبتدأ نكرة ،فمن أجل وقولهُ ) :ذو ُع ْس َرة( مرفوع بكان ،فـالـخبر محذوف ،ويجوز حذف الخبر ّ
ٍ
القيم البن ّ
القيم (ص.)172 : ( )1ينظر :التفسير ّ
( )2ينظر :املحرر الوجيز البن عطية ( )376/1والبحر املحيط ألبي ّ
حيان ()351/2
( )3ينظر :نظم الدرر للبقاعي (.)542/1
( )4ينظر :التحرير والتنوير البن عاشور (.)561/2
ذلك جاز إضمار الخبر .ويجوز أن تكون (كان) تامة ،بمعنى وجد أو حدث ،فتكتفى بفاعلها كسائر
األفعال ،ولـم يكن بها حاجة حينئذ إلـى خبر .فـيكون تقدير الكالم عند ذلك :وإن وجد ذو عسرة من
غرمائكم برؤوس أموالكم ،فنظرة إلـى ميسرة(.)1
اإلعسار وهو تعذر املوجود من املال يقال :أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة (العسرة) :اسم من ِ
وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود املال( .فنظرة) الفاء جواب الشرط ،ونظرة مبتدأ خبره محذوف،
أي :فعليكم نظرة ،وقيل :خبر مبتدأ محذوف ،أي :فاألمر أو فالواجب نظرة(.)2
َ َ ُ ْ َ ُ ْ ُ
اإلنظار بمعنى اإلمهال واالنتظار ،يقال :نظرته وان َتظ ْرت ُه وأنظرته ،تأنى عليه وأمهله ِ
َّ
والن ِظ َرة :اسم من
ُ َ َ َ َ في الطلب( )3فتقول :بعته الش يء َبن َظرة وبإنظار ،قال تعالىَ {:ق َ
نظ ْرِنى ِإلى َي ْو ِم ُي ْب َعثون * قا َل
ال َر ّب أ ِ
َ َّ َ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ ْ َ ْ ُ
وم }[الحجر .)4(]38 ،37 ،36:وامليسرة :مفعلة من اليسر ف ِإنك ِمن املنظ ِرين * ِإلى يو ِم الوق ِت املعل ِ
حالهَ ،ُ
واليسير اإلعسار .يقال :أيسر الرجل فهو موسر إذا اغتنى وكثر ماله وحسنت الذي هو ضد ِ
َ َ ً ً َ
وامليسور :السهل ،قال تعالى( :فقل لهم قوال ميسورا)(اإلسراء .)28 :وامليسرة واليسار عبارة عن
الغنى(.)5
واملعنى :وإن وجد مدين معسر فأمهلوه في أداء دينه إلى الوقت الذي يتمكن فيه من سداد ما عليه
من ديون ،وال تكونوا كأهل الجاهلية الذين كان الواحد منهم إذا كان له دين على شخص وحل
موعد الدين طالبه بشدة وقال له :إما أن تقض ي وإما أن تربي أي تدفع زيادة على أصل الدين.
واإلعسار هو أن ال يجد في ملكه ما يؤديه بعينه ،وال يكون لـه ما لو باعه ألمكنه أداء الدين من ثمنه،
وأداء ثمنها ،وال يجوز أن ي َ بيعها َ وثيابا ال يعد في ذوي العسرة ،إذا ما أمكنه َ ً ً
حبس فلهذا :من وجد دارا
إال قوت يوم لنفسه وعياله ،وما ال بد لهم من كسوة لصالتهم ودفع البرد والحر عنهم ،واختلف
ً
الفقهاء إذا كان قويا هل يلزمه أن يؤاجر نفسه من صاحب الدين أو غيره:
-فقال بعضهم :يلزمه ذلك ،كما يلزمه إذا احتاج لنفسه ولعياله.
-وقال بعضهم :ال يلزمه ذلك(.)6
ومن كثرت ديونه وطلب غرماؤه مالهم فللحاكم أن يخلعه عن كل مالـه ويترك له ما كان من ضرورته.
ْ َ
قال القرطبي« :واملشهور أنه يترك لـه كسوته املعتاد ما لم يكن فيها فضل ،وال ُين َزع منه رداؤه إن
ً ً
كان ذلك ُم ْزريا به ،وفي ترك كسوة زوجته وفي بيع كتبه إن كان عاملا خالف ،وال يترك لـه مسكن وال
يحرم َح ْب ُسه .واألصل في هذا قولـه تعالىَ ):وإن َك َ
ان قيمتها؛ وعند هذا ُ تقل ُ خادم وال ثوب جمعة ما لم َّ
ِ
َ ٌ َ ُ
ذو ُع ْس َر ٍة ف َن ِظ َرة ِإلى َم ْي َس َر ٍة(.
ُ
الخدر ّي قال :أصيب رجل في عهد رسول هللا صلى هللا عليه ِ األئمة واللفظ ملسلم عن أبي سعيد روى ّ
ّ
فتصدق دينه؛ فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم« :تصدقوا عليه» وسلم في ثمار ابتاعها فكثر ْ
الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه .فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لغرمائه« :خذوا ما
َّ
وجدتم وليس لكم إال ذلك»( .)1واختلف الفقهاء هل الطلب هنا للوجوب أو الندب:
ّ -فإن أريد بالعسرة ُ
العدم أي نفاد مالـه كله فالطلب للوجوب.
بالعسرة ضيق الحال وإضرار املدين بتعجيل القضاء فذهب جمهور العلماء إلى الندب، -وإن أريد ُ
وذهب بعضهم إلى الوجوب(.)2
وجمهور العلماء عمموا هذه اآلية في جميع املعامالت ولم يعتبروا خصوص السبب؛ ألنه ملا أبطل
ّ بحتا ،فهذا الحكم ثابت َّ ً ً
للدين كله ،وهذا قول أكثر الفقهاء كأبي حكم الربا صار رأس املال دينا
حنيفة ومالك والشافعي رض ي هللا عنهم (.)3
)وأن تصدقوا خير لكم( ّ
ثم حبب -سبحانه -إلى عباده التصدق بكل أو ببعض ما لهم من ديون على املدينين املعسرين فقال
ُ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َّ ُ
ص َّدقوا خ ْي ٌر لك ْم ِإن ك ْن ُت ْم ت ْعل ُمون). -تعالى ( :-وأن ت
َ َ َّ ُ ْ
قرأ عاصم (تصدقوا) بتخفيف الصاد والباقون بتشديدها ،واألصل فيه :أن تتصدقوا بتاءين ،فمن
ً
خفف حذف إحدى التاءين تخفيفا ،ومن شدد أدغم إحدى التاءين في األخرى.
وفي التصدق قوالنّ :
َّ
األول :أن تصدقوا على املعسر بما عليه من الدين ،إذ ال يصح التصدق به على غيره ،وإنما جاز هذا
الحذف للعلم به؛ ألنه قد جرى ذكر املعسر وذكر رأس املال فعلم أن التصدق راجع إليهما ،وهو
َ َ ْ َْ
كقوله َ{وأن ت ْع ُفوا أق َر ُب ِل َّلت ْق َوى}[البقرة.]237 :
والثاني :أن املراد بالتصدق اإلنظار لقوله عليه السالم( :ال يحل دين رجل مسلم فيؤخره إال كان له
حيان ،ألن اإلنظار ثبت وجوبه باآلية األولى ،فال بد بكل يوم صدقة) وضعف هذا القول الرازي وأبو ّ
َ َّ ُ
من حمل هذه اآلية على فائدة جديدة ،وألن قوله (خ ْي ٌر لك ْم) ال يليق بالواجب بل باملندوب(.)1
الشر( ،)2واملراد بالخير هنا حصول الكل من األمور النافعة ،وضده ُّ يرغب فيه ُّ ُ (خير لكم) الخير :ما
الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في اآلخرة(). 3
ُ َ َ َ
) ِإن ك ُنت ْم ت ْعل ُمون( جملة شرطية جوابها محذوف وفي تقدير املحذوف وجوه عدة:
األول :إن كنتم تعلمون أن هذا التصدق خير لكم إن عملتموه ،فجعل العمل من لوازم العلم ،وفيه
تهديد شديد على العصاة.
والثاني :إن كنتم تعلمون فضل التصدق على اإلنظار والقبض.
والثالث :إن كنتم تعلمون أن ما يأمركم به ربكم أصلح لكم ،أي :وأن تتركوا للمعسر كل أو بعض ما
ً
لكم عليه من ديون وتتصدقوا بها عليه ،فإن فعلكم هذا يكون أكثر ثوابا لكم من األنظار.
واملعنى البالغي املترتب على ذلك :إن كنتم تعلمون أن هذا التصدق خير لكم فال تتباطؤا في فعله،
بل سارعوا إلى تنفيذه فإن التصدق بالدين على املعسر ثوابه جزيل عند هللا -تعالى .)4(-
وقد أورد بعض املفسرين جملة من األحاديث النبوية التي تحض على إمهال املعسر ،والتجاوز عما
عليه من ديون.
ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قالَ «:منْ
ض ْع َع ْن ُه»(.)5س َع ْن ُم ْعسر َأ ْو َي َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ُ َّ
الل ُه ِم ْن ُك َرب َي ْوم ْال ِق َي َام ِة َف ْل ُي َن ِّف ْ سره أن ين ِجيه
ِ ٍ ِ ِ
ال"َ :كانَالل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َمَ -ق َ
ُ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ َ ْ َّ ّ َ َّ َّ
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -ر ِض ي الله عنه-عن الن ِب ِي -صلى
َ ٌ ُ َ ُ َّ َ َ َ َ َ ُ ْ ً َ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َّ
اللهُ ت ِاجر يد ِاين الناس ف ِإذا رأى مع ِسرا قال ِل ِفتيا ِن ِه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز
َّ ُ َ َّ َ َ َّ َ ْ ُ َ َ ُّ َ َ ْ ُ َ َ َ ُ َ ْ ُ َُْ
اإلمام أحمد عنه" وفي رواية ملسلم" :قال الله -عز وجل -نحن أحق ِبذ ِلك ِمنه تجاوزوا عنه"( .)6وروى ِ
َ ُ ُ َ ُ
ستجاب دعوت ُّه ،وأن تكشف َّ أراد أن ت عن ابن عمر قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم«:من
فر ْج عن ُم ْع ِس ٍّر»(ّ .)7 ُ ُ َْ ُ ُ
كربته ،فلي ِ
ّ
املطلب السابع ّ
َ َّ ُ َّ ُ َ َّ ُ ُّ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ َ َّ ُ َ ْ ً ُ ْ َ ُ َ
ن( [البقرةّ ]281: س ما كسبت وهم ال يظلمو ّ )واتقوا يوما ترجعون ِف ِيه ِإلى الل ِه ثم توفى كل نف ٍ
مناسبة اآلية ملا قبلها ّ
ّ
ساق -سبحانه -في ختام حديثه على الربا آية كريمة ذكر الناس فيها بزوال الدنيا وفناء ما فيها من
َ َّ ُ َ ْ ً ُ
أموال ،وباالستعداد لآلخرة وما فيها من حساب فقال -تعالىَ ):و َّات ُقوا َي ْوما ت ْر َج ُعون ِف ِيه ِإلى الل ِه ث َّم
َ َْ َ ُ َ َّ ُ ُّ َ ْ
س َّما ك َس َب ْت َو ُه ْم ال ُيظل ُمون(.
توفى كل نف ٍ
ً ً
أي :واحذروا أيها املؤمنون يوما عظيما في أهواله وشدائده ،وهو يوم القيامة الذي تعودون فيه إلى
خالقكم فيحاسبكم على أعمالكم ،ثم يجازي – سبحانه -كل نفس ما كسبت من خير أو شر بمقتض ى
عدله وفضله ،وال يظلم ربك أحدا.
فاآلية الكريمة تعقيب حكيم يتناسب كل التناسب مع جو املعامالت واألخذ والعطاء ،حتى يبتعد
الناس عن كل معاملة لم يأذن بها هللا – تعالى ،واآلية وعظ لجميع الناس وأمر يخص كل إنسان(.)1
يوما ترجعون فـيه إلـى هللا فتلقونه فـيه أن ُت ّ ً
ردوا علـيه بسيئات قال الطبري« :واحذروا أيها الناس
تهلككم ،أو بـمخزيات تـخزيكم ،أو بفضيحات تفضحكم ،فتهتك أستاركم ،أو بـموبقات توبقكم،
فتوجب لكم من عقاب هللا ما ال قبل لكم به ،وإنه يوم مـجازاة األعمال ال يوم استعتاب ،وال يوم
استقالة وتوبة وإنابة ،ولكنه يوم جزاء وثواب ومـحاسبة ،توفـى فـيه كل نفس أجرها علـى ما قدمت
وشر إال أحضرت ،فتوفـى جزاءها واكتسبت من سيئ وصالـح ،ال يغادر فـيه صغيرة وال كبـيرة من خير ّ
بـالعدل من ربها ،وهم ال يظلـمون .وكيف يظلـم من جوزي بـاإلساءة مثلها وبـالـحسنة عشر أمثالها،
وتكرم علـيك أيها الـمـحسن»(.)2 كال بل عدل علـيك أيها الـمس يءّ ،
يعبر به عن مدة من الزمان( .)3منصوب ) َي ْو ًما( اليومُ :ي َع َّب ُر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها ،وقد ّ
على املفعول به ،ال على الظرف ،ألنه ليس املعنى :واتقوا في هذا اليوم ،لكن املعنى تأهبوا للقائه بما
دانف َت َّت ُقو َن إن َك َف ْرُت ْم َي ْو ًما َي ْج َع ُل ْالو ْل َ ََْ َ
تقدمون من العمل الصالح ،ومثله قوله):فكي
ِ ِ
ً
ِشيبا( [املزمل ]17:أي كيف تتقون هذا اليوم الذي هذا وصفه مع الكفر باهلل.
واليوم عبارة عن زمان مخصوص ،وذلك ال ُيتقى ،وإنما يتقى ما يحدث فيه من الشدة واألهوال،
ْ
واتقاء تلك األهوال ال يمكن إال في دار الدنيا بمجانبة املعاص ي وفعل الواجبات ،فيكون قولهَ ):و َّات ُقوا
َي ْو ًما(يتضمن األمر بجميع أقسام التكاليف.
ّ
والراجح أن هذه اآلية هي آخر ما نزل من القرآن ،فقد أخرج غير واحد عن ابن عباس أن هذه اآلية
هي آخر ما نزل على رسول --من القرآن ،واختلف في مدة بقائه بعدها .فقيل :تسع ليال .وقيل:
ً
سبعة أيام .وقيل :واحد وعشرين يوما .وروى أنه قال :اجعلوها بين آيات الربا وآية الدين»(.)1
ً ً
هذا ،واملتدبر في هذه اآليات التي وردت في موضع الربا ،يراها قد نفرت منه تنفيرا شديدا ،وتوعدت
متعاطية بأشد العقوبات ،وشبهت الذين يأكلونه بتشبيهات تفزع منها النفوس ،وتشمئز منها القلوب،
وحضت املؤمنين على أن يلتزموا في معامالتهم ما شرعه هللا لهم ،وأن يتسامحوا مع املعسرين
ويتصدقوا عليهم بما يستطيعون التصدق به.
ّ
الخاتمة ّ
الحمد هلل رب العاملين والصالة والسالم على سيدنا محمد سيد املرسلين ،وبعد:
فبعد االنتهاء من تفسير آيات الربا ،ودراستها دراسة تحليلية ،فقد توصلت إلى النتائج اآلتية:
ً
أوالّ :إن القرآن الكريم محكم في ألفاظه ،بليغ في معانيه ،وهذا يظهر عند التعرض أللفاظه والوقوف
عند آياته ،وهذا يعني ّأن القرآن اهتم بالحرف واللفظ والجملة ،وكان يورد كل ذلك في مكانه
املناسب واملالئم.
ثانيا :ال يستطيع أحد أن يدعي الوصول إلى املعنى النهائي في كتاب هللا عز وجل ،وهذا ُّ ّ ً
سر إعجاز هذا
القرآن الكريم ،بحيث أن معانيه يمكن إنزالها في وقت وفي كل حين ،فالقرآن الكريم ال يختص بزمن
من األزمنة أو بمكان من األمكنة ،بل هو مناسب لكل زمان ومكان.
ً
ثالثاّ :إن دراسة آيات الربا توقفنا على جانب هام من اإلعجاز التشريعي إضافة إلى اإلعجاز البياني،
فكما ّأن القرآن معجز ببيانه وبالغته ،فكذلك هو معجز بأحكامه وتشريعاته.
ً
رابعاّ :إن دراسة آيات القرآن دراسة تحليلية بيانية توقفنا على كثير من أسرار هذا القرآن العظيم،
ً ً
التي ال تظهر فيما لو أنه فسر تفسيرا عاما أو إجماليا ،ومن غير االستعانة باللغة العربية إلى جانب
علوم أخرى مما يحتاجه املفسر في تدبره آليات القرآن ال يمكن الوصول إلى هذه األسرار العظيمة.
ً
خامساّ :إن هذه اآليات تحمل الدليل القاطع على أن هذا القرآن ليس من عند بشر ،وليس لهم
ً ً ً ً ً ً
القدرة على اإلتيان بمثلـه ،ألفاظا ونظما وأسلوبا وأحكاما وقيما وسلوكا ،كيف ال وهو من عند هللا
َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ْ َ ً َ
ات َرِّبي ل َن ِف َد ال َب ْح ُر ق ْب َل أ ْن ت ْن َف َد
املتصف بالكمال ،يقول هللا تعالى):ق ْل ل ْو كان ال َبح ُر ِمدادا ِلك ِل َم ِ
ً ْ َ َكل َم ُ
ات َرِّبي َول ْو ِج ْئ َنا ِب ِمث ِل ِه َم َددا( [الكهف.]109: ِ
( )1ينظر :جامع البيان للطبري ( )132/2والتفسير الكبير للرازي ( )86/7وروح املعاني لأللوس ي ( ،)74/3وينظر تفصيل
املسألة في إتقان البرهان للدكتور فضل (.)167/1
سادسا :الربا في الصورة زيادة وفي الحقيقة نقص وعيب ضد ما عليه الزكاة والصدقة من اإلعطاء
ً
مجانا ،فهي في الظاهر نقص وفي الباطن زيادة وخير.
سابعا :اقتران آيات الصدقة بآيات الربا هو من أجل التمييز بين صنفين من الناس :خيرهم وشرهم،
فخير الناس املنفق ،وشر الناس املرابي ،وأن مرتكب جريمة الربا هو من أخس الناس وأظلمهم،
بدليل ما ذكرته اآلية بحيث صورته بهذه الصورة الشنيعة والقبيحة املتمثلة في التعبير عن جريمته
هذه باألكل والتخبط واملس والتوعد بالعذاب الشديد.
ثامنا :الربا املحرم في القرآن هو ربا الجاهلية ،الذي يتعاملون به ويأكلونه ،فكان الرجل أيام الجاهلية
ُ
األجل قال املدين للدائن :زدني في األجل وأزيدك في مالك ،وهذا ما يكون لـه على آخر ٌ
دين ،فإذا َّ
حل
يسمى «ربا النسيئة» ،وهذا النوع من الربا ،هو املراد في قول النبي عليه الصالة والسالم في خطبة
عمي ّ ربا أضع :ربا ًّ الوداع«:أال ّ
العباس بن عبد املطلب»( ،)1ويسمى وإن ربا الجاهلية موضوع وأول
هذا النوع بربا النسيئة ،أما ربا البيوع فهو الذي حرمته السنة النبوية.
ً
وأخيرا أسأل هللا عز وجل أن يكون قد وفقني في عملي هذا ،وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين،
ً ّ
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آلـه وصحبه وسلم تسليما.
( )1أخرجه من حديث جابر بن عبد هللا مرفوعا :مسلم في الحج ،باب :في املتعة بالحج والعمرة( )1218وأبو داود في
املناسك ،باب :صفة حجة النبي )1905(--وابن ماجه في املناسك ،باب :حجة رسول هللا (.)3074
املصادر واملراجع ّ
ّ
إتقان البرهان في علوم القرآن ،عباس ،فضل حسن ،دار الفرقان ،عمان ،ط1997 ،1م.
اإلتقان في علوم القرآن ،السيوطي ،عبد الرحمن أبو بكر(ت911 :هـ) دار الكتب العلمية ،بيروت.
محمد بن ّ
الغني(ت1117:هـ) إتحاف فضالء البشر في القراءات األربعة عشر ،الدمياطي ،أحمد بن ّ
دار الكتب العلمية ،بيـروت1422 ،هـ2001-م ،ال يوجد رقم طبعة.
أحكام القرآن ،الجصاص ،أبو بكر أحمد بن علي (ت370 :ه) ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط،1
1415هـ1994-م .وطبعة دار إحياء التراث العربي ،تحقيق محمد الصادق قمحاوي ،بيروت،
1412هـ1992-م.
أحكام القرآن ،ابن العربي ،أبو بكر محمد بن عبد هللا (ت543 :هـ) تحقيق محمد البجاوي ،دار
الكتب العلمية ،ط.1
أساس البالغة ،الزمخشري ،محمود بن عمر (ت538:هـ) دار إحياء التراث ،ط1422 ،1هـ2001-م.
عمان ،ط1422 ،4هـ2001-م. إعجاز القرآن ،عباس ،فضل حسن ،دار الفرقانّ ،
أنوار التنزيل وأسرار التأويل ،البيضاوي ،عبدهللا بن محمد (ت791 :هـ) ،دار الكتب العلمية،
بيروت ،ط1420 ،1هـ1999م.
البحر املحيط ،أبو حيان ،محمد بن يوسف (ت745 :هـ) تحقيق :عادل أحمد ،دار الكتب العلمية،
بيروت ،ط2001 ،1م.
البحر املحيط في أصول الفقه ،الزركش ي ،محمد بن بهادر بن عبد هللا (ت794 :هـ) تحقيق :د.
محمد تامر ،دار الكتب العلمية ،ط1421 ،1هـ2000-م.
والص َرع ،الحلبي ،علي عبد الحميد ،دار ابن حزم ،بيروت ،ط،1 َّ برهان الشرع في إثبات املس
1417هـ1996-م.
َ ّ
البرهان في االستشفاء بالسنة والقرآن ،الجيجلي ،حسين بن بخمة ،دار ابن كثيـر ،بيـروت ،ط،2
1421هـ2001-م.
البـرهان في علوم القرآن ،الزركش ي ،محمد بن عبد هللا (ت794 :هـ) دار الفكر ،بيروت1421 ،هـ-
2001م.
التحرير والتنوير ،ابن عاشور ،محمد الطاهر ابن عاشور ،مؤسسة التاريخ ،بيروت ،ط،1
1420هـ200-م.
ّ ّ
تفسيـر القرآن العظيم ،ابن كثير ،محمد ،تحقيق :حسان الجبالي ،بيت األفكار الدولية ،الرياض،
1420هـ1999-م.
تفسير املنار ،رضا ،محمد رشيد ،دار إحياء التراث العربي ،ط2002 ،1م.
ـحمد بن عمر ُ
الطبرستاني (ت606 :هـ) دار إحياء التراث التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) ،الرازي ،م ّ
ّ
العربي ،بيـروت ،ط1422 ،4هـ2001-م.
محمد بن أحمد (ت370 :هـ) دار إحياء التراث ،ط1421 ،1هـ2001-م. تهذيب اللغة ،األزهريّ ،
جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،الطبري ،محمد بن جرير( ،)310-224جامع البيان عن تأويل
آي القرآن ،تعليق محمود شاكر ،دار إحياء التراث ،بيروت ،ط1421 ،1هـ2001-م.
الجامع ألحكام القرآن ،القرطبي ،محمد بن أحمد األنصاري ،تحقيق محمد الحفناوي ومحمود
عثمان ،دار الحديث ،القاهرة ،ط1416 ،2هـ1996-م.
الجامع الصحيح ،الترمذي ،محمد بن عيس ى بن سورة ( )279-209إعداد فريق بيت األفكار
الدولية ،الرياض1420 ،هـ1999-م ،ال يوجد رقم طبعة.
ّ ّ
املسماة ِعناية القاض ي وكفاية الراض ي على تفسيـر البيضاوي ،الخفاجي ،أحمد حاشية الشهاب
َ بن م ّ
ـحمد الخفاجي (ت1069:هـ) ضبط وتخريج :عبد الرزاق املهدي ،دار الكتب العلمية،
ط1417 ،1هـ1997-م.
حاشية الطحطاوي على مراقي الفالح شرح نور اإليضاح ،الطحطاوي ،أحمد بن محمد (ت:
1231هـ) مصطفى البابي الحلبي ،مصر ،ط1318 ،3هـ.
الدر املصون في علوم الكتاب املكنون ،السمين الحلبي ،أحمد بن يوسف (ت756 :هـ) تحقيق: ّ
الخراط ،دار القلم ،دمشق ،ط1406 ،1هـ1986-م. أحمد ّ
الدر املنثور في التفسير باملأثور ،السيوطي (911هـ) ،دار الفكر ،بيروت ،ط1403 ،1هـ.ّ
روح املعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع املثاني ،األلوس ي ،محمود البغدادي (ت1270هـ)،
تحقيق محمد أحمد األمد وآخرون ،دار إحياء التراث ،بيروت ،ط1421 ،1هـ2000-م.
السحر وتحضيـر األرواح بين البدع والحقائق ،الجميلي ،السيد ،دار أسامة ،ط1991 ،2م.
سنن البيهقي الكبرى ،البيهقي ،أحمد بن الحسين ( ،)458-384مكتبة دار الباز ،مكة املكرمة،
،1994تحقيق محمد عطا.
سنن أبي داود ،سليمان بن األشعث ( ،)275-202دار الفكر ،تحقيق محمد عبد الحميد ،لم يذكر
رقم الطبعة ومدينة وسنة النشر ،وطبعة بيت األفكار الدولية ،الرياض.
سنن الدارمي ،عبد هللا بن عبد الرحمن ( ،)255-181دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط،1407 ،1
تحقيق فواز زمرلي وخالد العلمي.
سنن النسائي(املجتبى) ،أحمد بن شعيب ( ،)303-215مكتبة املطبوعات اإلسالمية ،حلب ،ط،2
،1986-1406تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ،وطبعة بيت األفكار الدولية ،الرياض.
سنن ابن ماجه ،محمد بن يزيد ،)275-207( ،دار الفكر ،بيروت ،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
صحيح البخاري ،محمد بن إسماعيل (ت256 :هـ) تحقيق :الشيخ ابن باز ،دار الفكر ،بيروت،
ط1998 ،1م.
صحيح مسلم ،مسلم بن الحجاج ( ،)261-206دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،تحقيق محمد
فؤاد عبد الباقي.
ّ
عالم السحر والشعوذة ،األشقر ،عمر سليمان ،دار النفائس ،عمان ،ط2002 ،4م.
الحفاظ في تفسيـر أشرف األلفاظ ،السمين الحلبي ،أحمد بن يوسف (ت756:هـ) تحقيق: عمدة ّ
ْ
التون ّ دّ .
جي ،عالم الكتب ،بيـروت ،ط1414 ،1هـ1993-م. محمد
فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،ابن حجر العسقالني ،بيت األفكار الدولية ،الرياض ،ط،1
1999م1420-هـ.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ،الشوكاني ،محمد بن علي .دار ابن
حزم ،ط2000 ،1م.
القاموس املحيط ،محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت.)817
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل في وجوه التأويل ،الزمخشري ،محمود بن عمر (-467
538هـ) ،تحقيق عبد الرزاق املهدي ،دار إحياء التراث ،بيروت ،ط1421 ،2هـ2001 ،م.
محمد بن مكرم (ت711:هـ) دار صادر ،بيروت ،ط.2000 ،1 لسان العرب ،ابن منظورّ ،
محمد جمال الدين (ت1322 :هـ) تحقيقّ :
محمد فؤاد عبد الباقي، محاسن التأويل ،القاسميّ ،
دار إحياء التراث ،بيـروت1422 ،هـ2002-م.
املحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ،ابن عطية ،عبد الحق بن غالب األندلس ي ،تحقيق عبد
السالم الشافي ،دار الكتب العلمية ،ط1422 ،1هـ2001-م.
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت456 :هـ) تحقيق: محمد ّ ال ُـم َح ّلى شرح ال ُـم َج ّلى ،ابن حزم ،أبو ّ
ّ
العربي ،بيـروت ،ط1422 ،2هـ2001-م. محمد شاكر ،دار إحياء التراث أحمد ّ
ُ
املصطفى من تفسيـر آيات األحكام ،الدكتور فريد مصطفى السلمان ،مكتبة ابن خزيمة ،الرياض،
ط1992 ،1م.
معاني القرآن وإعرابه ،الزجاج ،أبو إسحاق إبراهيم بن السري (ت311 :هـ) تحقيق د .عبد الجليل
شلبي ،دار الحديث القاهرة ،ط1414 ،1هـ 1994م.
مغني الـمحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ املنهاج ،الشربيني ،محمد بن الخطيب (ت )977 :دار
املعرفة ،بيروت ،ط1418 ،1هـ1997-م.
األصفهاني (ت425:هـ) تحقيق :صفوان داودي ،دار القلم،ّ مفردات ألفاظ القرآن ،الراغب
دمشق ،ط1423 ،3هـ2002-م.
املنهاج في شرح صحيح مسلم ،النووي ،يحيى بن شرف الدمشقي (676-631هـ) ،بيت األفكار
الدولية ،الرياض1421 ،هـ2000-م.