You are on page 1of 42

‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫املجمع ‪54-13 ،)1437/2016( 10‬‬

‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة ّ‬


‫أيمن إبراهيم ريان* ّ‬
‫تلخيص‪ّ :‬‬
‫الحمد هلل رب العاملين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد سيد املرسلين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن القرآن الكريم كتاب هللا املعجز‪ ،‬ورسالته الخالدة‪ ،‬وآيته الباقية‪ ،‬ودستور املسلمين الدائم‪ ،‬ثم‬
‫هو تاج العربية األعلى‪ ،‬ومثلها البياني األسمى‪ ،‬وملا كان هذا القرآن العظيم قد نزل بلغة العرب‪ ،‬كان ال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بد ملن يتصدى لتفسيره تفسيرا دقيقا صحيحا من االعتماد على العربية وفهم أساليبها‪ ،‬والنفاذ إلى‬
‫خصائص التعبير فيها‪.‬‬
‫والقرآن الكريم فوق حدود الزمان واملكان‪ ،‬فهو حبل هللا املتين‪ ،‬وهو الذكر الحكيم‪ ،‬وهو الصراط‬
‫ُ‬
‫عجائبه‪...‬‬ ‫العلماء‪ ،‬وال َي ْخ َل ُق على كثرة ّ‬
‫الرد‪ ،‬وال تنقض ي‬ ‫ُ‬ ‫املستقيم‪ ،‬ال يشبع منه‬
‫وفي ضوء هذه الحقيقة جاء هذا البحث محاولة جادة لترجمة تلك الخصائص بالبحث والتنقيب عن‬
‫كنوز هذا الكتاب من خالل (آيات الربا) حيث وقفتني دقة ألفاظها‪ ،‬وفصاحة معانيها فأحببت أن أبين‬
‫ً‬
‫طرفا من أسرارها التعبيرية وملساتها البيانية‪ ،‬وما انطوت عليه كذلك من أحكام وقضايا كلية تحقق‬
‫ً‬
‫السعادة املنشودة للبشرية جمعاء‪ ،‬على أن ثمة أمرا ‪ -‬يضاف إلى ما تقدم‪ -‬دفعني للكتابة في هذا‬
‫املوضوع أن آيات الربا كانت من آخر ما نزل من القرآن الكريم على قول املحققين من أهل العلم(‪،)1‬‬
‫وهذا يوقفنا على حكم كثيرة تتوق النفس إلى معرفتها الختيار هذه اآليات ألن تكون خاتمة كتاب هللا‬
‫الخالد‪.‬‬
‫أهمية املوضوع‪ّ :‬‬
‫موضوع الربا‪ ،‬وأضراره‪ ،‬وآثاره الخطيرة جدير بالعناية‪ ،‬ويجب على كل مسلم االبتعاد عنه‪ ،‬ومن‬
‫تعامل بالربا فهو محارب هلل ولرسوله صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وألهمية هذا املوضوع أحببت تفسير‬
‫آيات الربا تفسيرا بيانيا ودالليا ألبين أضراره‪ ،‬وآثاره على الفرد واملجتمع‪.‬‬
‫أسباب اختيار املوضوع‪ّ :‬‬
‫أسباب اختيار هذه الدراسة يرجع إلى األسباب اآلتية‪:‬‬
‫ً‬
‫وخصوصا العلوم التي تتعلق بدالالته العميقة في إطار دراسة‬ ‫‪ .1‬املشاركة في دراسة علوم القرآن‪،‬‬
‫آيات الربا التي تزخر فيها مادة التفسير‪ ،‬والتي تزخر بهذه الدالالت‪ ،‬ويمثل البحث من هذه الزاوية‬
‫خدمة للقرآن الكريم ولغته الشريفة‪ ،‬وإ ً‬
‫سهاما في ثراء املكتبة القرآنية بمثل هذا النوع من‬
‫الدراسات‪.‬‬

‫* محاضر في أكاديمية القاسمي‪ -‬قسم الدراسات اإلسالمية‪.‬‬


‫(‪ )1‬ينظر‪« :‬إتقان البرهان» ألستاذنا الدكتور فضل حسن ّ‬
‫عباس (‪.)185/1‬‬

‫‪13‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫إن هذه الدراسة تسهم في إطالع الباحثين على املعاني التربوية والنفسية من خالل الوظيفة‬ ‫‪.2‬‬
‫اللغوية في التفسير‪ ،‬وهو جانب يعمق فهم كتاب هللا تعالى‪ ،‬وعلى قدر الدربة فيه وامللكة؛ تكون‬
‫الدقة في اقتناص املعاني‪ ،‬وترجيح الصواب من الوجوه املختلفة‪.‬‬
‫إن هذا الدراسة تتيح االطالع على أمهات الكتب في مختلف الفنون لتشعب مناحي البحث الداللي‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫إن هذه الدراسة تجعلني أعرض لجهابذة من علماء التفسير‪ ،‬ويوقفني على ثروة علمية هائلة‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫إن هذه الدراسة تسهم بصورة مباشرة في الكشف عن وجوه متعددة من إعجاز القرآن الكريم‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ألنه أنزل بلسان عربي مبين‪ ،‬إذ إن اللغة العربية أرقى اللغات‪ ،‬وأكثرها ثروة‪ ،‬وأشملها معنى‪،‬‬
‫وأوسعا مدى‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‪ّ :‬‬
‫لم أقف على دراسات سابقة أفردت آيات الربا في دراسة مستقلة على هذا النحو‪ ،‬وإنما وجدت من‬
‫درس موضوع الربا دراسة موضوعية في القرآن والسنة الشريفة‪ ،‬وبحثي يركز على الدرس البالغي‬
‫والداللي في آيات الربا في سورة البقرة مع وإظهار املعاني التربوية والنفسية‪.‬‬
‫خطة البحث‪ّ :‬‬
‫اقتضت خطة البحث تقسيمه إلى مقدمة وسبعة مطالب وخاتمة‪ ،‬تضمنت املقدمة سبب اختيار‬
‫املوضوع‪ ،‬وتفرد كل مطلب بآية من آيات الربا السبع ثم الخاتمة على النحو اآلتي‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الربا‪ُ ...‬ه ْم ِف َيها خ ِال ُدون( [البقرة‪]275 :‬‬ ‫ين َي ْأ ُك ُلو َن ّ‬
‫املطلب األول‪ :‬اآلية ) َّالذ َ‬
‫ِ‬
‫َ ْ َ ُ َّ ُ ّ َ َّ ُ ُ ُّ ُ َّ َ َّ َ‬‫ِ‬
‫الربا‪...‬والله ال ي ِحب كل كف ٍار أ ِث ٍيم( [البقرة‪]276 :‬‬ ‫املطلب الثاني‪ :‬اآلية )يمحق الله ِ‬
‫َ ُ ْ َ ْ َ ُ نَ‬
‫ين َآم ُنوا ‪ ...‬وال هم يحزنو ( [البقرة‪]277 :‬‬ ‫املطلب الثالث‪ :‬اآلية )إ َّن َّالذ َ‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َّ ُ َّ َ ْ ُ‬
‫املطلب الرابع‪ :‬اآلية )يا أيها ال ِذين آمنوا اتقوا الله‪ِ ...‬إن كنتم مؤ ِم ِنين( [البقرة‪]278 :‬‬
‫َ ْ َ ُ َْ َ‬ ‫َ َ َ ُ ََُْ‬
‫املطلب الخامس‪ :‬اآلية )ف ِإ ْن ل ْم ت ْف َعلوا فأذنوا‪...‬ال تظ ِل ُمون َوال تظل ُمون( [البقرة‪]279 :‬‬
‫ُ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ‬
‫ان ذو ُع ْس َر ٍة‪ِ ...‬إ ْن ك ْن ُت ْم ت ْعل ُمون( [البقرة‪]280 :‬‬ ‫املطلب السادس‪ :‬اآلية )وِإن ك‬
‫َ ُ ْ ُ ْ َ ُ نَ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ً ُ ْ َ ُ نَ‬
‫املطلب السابع‪ :‬اآلية )واتقوا يوما ترجعو ِف ِيه ِإلى الل ِه ‪ ...‬وهم ال يظلمو ( [البقرة‪]281 :‬‬
‫هذا وإنني أود اإلشارة هنا على شمولية اإلعجاز البياني وأن أهميته تأتي النتظامه جميع آيات وسور‬
‫القرآن العظيم‪ ،‬وفيه جوانب تربوية ونفسية‪ ،‬وإن دراستي التحليلية البيانية لهذه اآليات سيتركز‬
‫ً‬
‫على هذا الجانب منه مع اإلشارة إلى الجوانب األخرى متجنبا الفروع الفقهية التي ليست مرادة وال‬
‫مقصودة في هذا البحث‪.‬‬
‫وهللا أسأل أن يوفقني في عملي هذا‪ ،‬وأن يلهمني الصواب والرشاد فيه‪ ،‬وأن يغفر لي الخطأ والزلل‪،‬‬
‫وإن يجعل حظي منه األجر والثواب‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫املطلب األولّ‪ :‬اآلية األولى‪ّ :‬‬


‫َ ُ ُ َ َّ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ َّ ُ ُ َّ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ ْ َ ُ‬ ‫َّ َ ْ ُ ُ َ‬
‫س ذ ِلك ِب ّأنهم ّقالوا‬ ‫الربا َال يقومون ِإال كما يقوم ال ِذي يتخبطه الشيطان ِمن امل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َيأكلون‬ ‫)ال ِذ‬
‫َ َ ْ َ َ ُ َ ْ ٌَ ْ َ َ َْ ََ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َّ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ ُ ْ‬
‫الربا فمن جاءه مو ِعظة ِمن رِب ِه فانتهَى فله ما سلف‬ ‫الربا وأحل الله البيع وحرم ِ‬ ‫ِإنما البيع ِمثل ِ‬
‫َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َّ ُ ْ َ َ ُ َ‬
‫ن( [البقرة‪ّ ]275 :‬‬
‫وأمره ِإلى الل ِه ومن عاد فأول ِئك أصحاب الن ِار هم ِفيها خ ِالدو ّ‬
‫هذه اآلية األولى من آيات الربا‪ ،‬جاءت بعد آيات الصدقة‪ ،‬وصدرتا باالسم املوصول ذاته (الذين)‪،‬‬
‫َّ َ ُ ْ ُ َ َ ْ َ َ ُ ْ َّ‬
‫الل ْيل َو َّ‬
‫الن َه ِار‪[ (...‬اآلية‪ ]274 :‬وأوجه ما ذكر في مناسبة هذه اآلية ملا قبلها‬ ‫)ال ِذين ين ِفقون أموالهم ِب ِ‬
‫تقدم الحديث عليه من‬ ‫ما قاله البقاعي‪« :‬والربا في الصورة زيادة وفي الحقيقة نقص وعيب ضد ما َّ‬
‫ً‬
‫اإلعطاء مجانا وهي الزكاة والصدقة‪ ،‬فهي في الظاهر نقص وفي الباطن زيادة وخير»(‪.)1‬‬
‫ومع وجاهة تلك املناسبة فالذي يظهر لي –وهللا أعلم‪ -‬وبالنظر إلى السياق فإن هللا عز وجل أراد أن‬
‫يميز بين صنفين من الناس‪ :‬خيرهم وشرهم‪ ،‬فخير الناس املنفق‪ ،‬وشر الناس املرابي‪ ،‬وقد جاءت‬
‫هذه اآليات ضمن عرض وتفصيل شرائع الدين وذكرت في سورة البقرة بالتحديد لشدة الصلة بين‬
‫أصحاب هذه القصة –أعني قصة البقرة‪ -‬وهذه الجريمة وشدة لصوقها بهم‪ ،‬بل إن هذه الجريمة‬
‫ً‬
‫أضحت علما عليهم‪ ،‬فعند الحديث عنها ال بد أن يذكروا معها ملا عرف عنهم من شدة تعاطيها لهم‪،‬‬
‫فال يظن ظان أن اسم السورة ال يرتبط مع موضوع هذه اآليات‪ ،‬بل بالعكس فإن هذه اآليات جاءت‬
‫لتكشف لنا عن جريمة أخرى من جرائمهم الكثيرة التي اقترفوها‪ ،‬وال شك أن من يصنع مثل صنيعهم‬
‫هو داخل معهم في هذا الوعيد والتهديد‪ ،‬ويجمل بنا أن نستمع إلى كالم الدكتور محمد دراز وهو‬
‫يحدثنا عن مناسبة آيات الربا بما قبلها فيقول –رحمه هللا‪«: -‬ثم ينساق الحديث من فضيلة‬
‫التضحية واإليثار‪ ،‬التي هي أسمى الفضائل االجتماعية‪ ،‬إلى رذيلة الجشع واالستئثار‪ ،‬التي هي في‬
‫ً‬
‫الطرف املقابل‪ ،‬أحط أنواع املعامالت البشرية‪...‬وكان هذا االقتران بينهما في البيان إبرازا ملدى‬
‫االقتران بين قيمتهما في حكم الضمائر الحية»(‪ .)2‬ففي هذه املقارنة توجيه لكيفية حفظ مال األمة‪،‬‬
‫وأن النفقة املحبوبة واملحثوث عليها ال تكون من كل مال‪ ،‬وملا بينهما من‬ ‫وإبطال البتزاز الفقراء(‪َّ ،)3‬‬
‫التناسب بالتضاد‪ ،‬فاملتصدق يعطي املال بغير عوض يقابله‪ ،‬واملرابي يأخذ املال بغير عوض يقابله(‪.)4‬‬
‫إن نظرة أولية في اآلية الكريمة تكشف دون أدنى مالبسة عن شناعة هذه الظاهرة التي كانت منتشرة‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬وأن مرتكب هذه الجريمة هو من أخس الناس وأظلمهم‪ ،‬بدليل ما ذكرته اآلية بحيث‬

‫(‪ )1‬ينظر‪« :‬نظم الدرر» للبقاعي (‪ )530/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪.)72/3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪« :‬النبأ العظيم» لدراز (ص‪.)208 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪« :‬التحرير والتنوير» البن عاشور (‪.)526/2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪« :‬تفسير املنار» لرشيد رضا (‪.)83/3‬‬

‫‪15‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫صورته بهذه الصورة الشنيعة والقبيحة املتمثلة في التعبير عن جريمته هذه باألكل والتخبط واملس‬
‫والتوعد بالعذاب الشديد‪.‬‬
‫بيد ّأن هذا الحكم املتحصل من خالل هذا النظم القرآني يستحق النظر في كل ما أوصل إليه؛ إذ‬
‫ّ‬
‫تميزه وتفوقه‪ ،‬فالحكم لم يأت بصيغة الفعل الصريح (حرم) من أول األمر‪ ،‬بل‬ ‫إنه نظم معجز لـه ّ‬
‫تقدم ذلك التحريم مقدمات جاءت لتبين ما انطوى عليه هذا الحكم من أهمية بالغة‪ ،‬وخصوصية‬
‫تجعله غاية في االعتبار‪ ،‬وكيف ال وقد ختم به كتاب هللا الخالد‪ ،‬وجعله الشارع من أكبر الكبائر التي‬
‫يجب اجتنابها‪ ،‬قال النبي ‪( :--‬اجتنبوا السبع املوبقات) وذكر منها‪ :‬أكل الربا(‪.)1‬‬
‫واستخدام املوصول (الذين)‪ :‬في قولـه (الذين يأكلون الربا) الغرض منه ذم املرابين وبيان شدة‬
‫عقابهم‪ ،‬وجيء باملوصول للداللة على علة بناء الخبر‪ ،‬وهو قريب بما يسمونه براعة االستهالل‪ ،‬وهو‬
‫ً‬
‫أن يذكر املتكلم شيئا في أول حديثه يستطيع الفطن أن يدرك ما سيجيئ بعده‪ ،‬فقولـه تعالى‪):‬الذين‬
‫يأكلون الربا( عند سماعك لها ستجد نفسك كأنك تتلقى وتعرف الخبر دون حاجة لذكره وهذا‬
‫غرض من أغراض التعريف باملوصول(‪.)2‬‬
‫ُْ‬ ‫َ ْ‬
‫و(األكل)‪ :‬تناول املط َعم‪ ،‬وعلى طريق التشبيه به يقال‪ :‬أكلت النار الحطب‪ ،‬واألكل اسم ملا ُيؤكل‪،‬‬
‫َ ً ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ص القرآن على عدة أوجه‪ ،‬منها‪ :‬تناول املطعم كقولـه تعالى‪َ ) :‬وكال ِم ْن َها َرغدا َح ْيث‬ ‫وقد ورد األكل في ن ّ‬
‫الن ُار( [آل عمران‪]183 :‬‬ ‫ش ْئ ُت َما( [البقرة‪ ،]35 :‬وورد بمعنى اإلحراق‪ ،‬كقولـه تعالى‪) :‬ب ُق ْرَبان َت ْأ ُك ُل ُه َّ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اف َأ ْن َي ْأ ُك َلهُ‬‫ََ َ ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ ُ َّ َ ْ ٌ َ ٌ‬
‫وبمعنى االبتالع‪ ،‬كقولـه ‪) :‬يأكلهن سبع ِعجاف( [يوسف‪ ]43 :‬وبمعنى االفتراس )وأخ‬
‫َّ َ َ ْ ُ ُ َ ّ‬ ‫الذئ ُب( [يوسف‪ ]13 :‬وبمعنى أخذ‬
‫ّْ‬
‫الربا)(البقرة‪:‬‬ ‫األموال بالباطل كما هي هنا في قولـه (ال ِذين يأكلون ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪ ]275‬وكما في قولـه ) ِإن ال ِذين يأكلون أموال اليتامى ظلما( [النساء‪ )3(]10 :‬والتعبير بالفعل (يأكلون)‬
‫بمعنى األخذ بحرص لثالثة أهداف‪ّ :‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬ألن معظم ما ينفق من املال في األكل‪ ،‬فاألكل أقوى مقاصد اإلنسان في املال‪ ،‬وهو أدل على‬
‫معنى الجشع والحرص‪ ،‬وال يعني ذلك أن يوقف تحريمه على األكل دون غيره‪ ،‬إال ّأن الذين نزلت‬
‫فيهم هذه اآليات يوم نزلت كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا(‪ ،)4‬وإنما املراد التصرف فيه‪ ،‬ألنه ك ـ ـ ـان‬

‫(‪ )1‬أخرجه من حديث أبي هريرة –رض ي هللا عنه‪ -‬مرفوعا‪ :‬البخاري في الوصايا‪ ،‬باب‪ :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى‬
‫ظلما(‪ )2766‬وفي الطب‪ ،‬باب‪ :‬الشرك والسحر(‪ )5764‬وفي الحدود‪ ،‬باب‪ :‬رمي املحصنات (‪ )6857‬ومسلم في اإليمان‪،‬‬
‫باب‪ :‬بيان الكبائر وأكبرها (‪ )89‬وابن حبان في صحيحه (‪ )371 /12‬والنسائي في الوصايا‪ ،‬باب اجتناب أكل مال اليتيم‬
‫(‪.)3671‬‬
‫(‪ )2‬ينظر أغراض اسم املوصول في «البالغة فنونها وأفنانها‪ ،‬علم املعاني» ألستاذنا الدكتور فضل (ص‪.)320 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪« :‬املفردات» للراغب (ص‪ )80 :‬و«عمدة الحفاظ » للسمين الحلبي (‪ )109/1‬و«بصائر ذوي التمييز» للفيروز‬
‫آبادي (‪.)81/2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪.)123/3‬‬

‫‪16‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫فيؤكل‪ ،‬فاملراد من أكل الربا التصرف في الربا(‪.)1‬‬ ‫يصرف في املأكل ُ‬


‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬تشنيع هذه الجريمة وتصويرها بأقبح صورة ممكنة حتى تجتنب؛ ألن هللا عز وجل يريد منك‬
‫عبر باملضارع‪ ،‬وال شك أن استحضار صورة األكل وكأن‬ ‫أن تستحضر هذه الصورة في ذهنك لذلك ّ‬
‫ً ً‬ ‫املرابي يأكل الربا حقيقة ويدخله في جوفه‪َّ ،‬‬
‫وأن هذا األكل سيتحول عليه وباال ونارا يوم القيامة كما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الن َار( [البقرة‪ ]174 :‬سيكون بالتأكيد مانعا ورادعا لكل‬ ‫قال تعالى‪ُ ) :‬أ َولئ َك َما َي ْأ ُك ُلو َن في ُب ُطونه ْم إال َّ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من تسول لـه نفسه اقتراف هذه الجريمة(‪). 2‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬معظم الربا في ذلك العصر الذي حرم فيه كان في املطعومات(‪ .)3‬واستعمال لفظ األكل مكان‬
‫ُ‬
‫األخذ مجاز مرسل من إطالق امل َس َّبب (األكل) وإرادة السبب (األخذ) إذ املنهي ليس أكلـه فقط(‪،)4‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫املصر على الربا كما سيأتي بيانه قريبا‪،‬‬ ‫والتعبير باملضارع يفيد االستمرارية‪ ،‬إال أن هذا الجزاء يخص‬
‫وما ذكره صاحب التحرير والتنوير من ّأن التعبير باألكل صار حقيقة عرفية يفوت األسرار البالغية‬
‫ّ‬ ‫)‬‫‪5‬‬ ‫(‬
‫ُ‬
‫التي ذكرت قبل‪.‬‬
‫(الربا) ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َْ َْ َ َ ََْ َْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الربا من ربا يربو إذا زاد وعال‪ ،‬قال تعالى ‪):‬ف ِإذا أنزلنا عليها املاء اهتزت وربت( [الحج‪ِ ،]5 :‬‬
‫والربا‪:‬‬
‫الزيادة على رأس املال(‪، )6‬وكتب في املصحف حيث ما وقع بواو بعدها ألف وذلك ملا سيأتي‪ .‬لكن‬
‫ص في الشرع بالزيادة في املقدار وهو ربا الفضل‪ ،‬وال يكون إال عند اتحاد الجنس الربوي‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫ُخ َّ‬
‫الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة‪ ،‬أو املطعوم باملطعوم‪.‬‬
‫َّ‬
‫أو يكون زيادة في األجل وهو ربا النساء أو النسيئة‪ ،‬وهو البيع مع تأجيل ِ‬
‫العوضين أو أحدهما ولو‬
‫لحظة حسبما ّ‬
‫فصل في كتب الفقه(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬النكت والعيون للماوردي (‪ )347/1‬واملحرر الوجيز البن عطية (‪ )371/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪)72/3‬‬
‫حيان (‪ )346/2‬ونظم‬ ‫والجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪ )349/3‬وأنوار التنزيل للبيضاوي (‪ )142/1‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫الدرر للبقاعي (‪ )530/1‬وإرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪ )316/1‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)66/3‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )123/3‬وإرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪ )316/1‬وتفسير املنار للشيخ محمد رشيد‬
‫رضا (‪.)83/3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أنوار التنزيل للبيضاوي (‪ )142/1‬وحاشية القونوي على البيضاوي (‪)461/5‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬حاشية القونوي على البيضاوي (‪.)461/5‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير البن عاشور (‪.)547/2‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬تهذيب اللغة لألزهري (‪ )197/15‬و«املفردات» للراغب (ص‪( )340 :‬ربو)‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬الهداية للمرغيناني (‪ )60/3‬وحاشية الدسوقي (‪ )74/4‬ومغني املحتاج للخطيب الشربيني(‪ )29/2‬وكشاف‬
‫القناع للبهوتي (‪.)282/3‬‬

‫‪17‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫(الربوا)‬
‫اختلف العلماء في السبب الذي من أجله كتبت الربا في القرآن بالواو وبعدها ألف هكذا ّ‬
‫إلى أقوال ثالثة‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫األول‪ :‬كتبت كالصالة على لغة من يفخم في هذه اللفظة وأمثالها ‪ ،‬ومعنى التفخيم أن تلفظ األلف‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬

‫بما يكون بين الواو واأللف كما يلفظ ورش كلمة (الصالة) بإمالة األلف إلى مخرج الواو‪ ،‬وهذا لغة‬
‫من لغات العرب فكتبت بناء على لغتهم(‪ ،)2‬وهذا القول بعيد إذ ليس التفخيم لغة قريش حتى يكتب‬
‫ً‬
‫بها املصحف هذا من جهة(‪ .)3‬وأيضا هناك المات كثيرة مفخمة لم تكتب بالواو مثل‪ :‬صلى‪ ،‬مصلى‪،‬‬
‫وهي تفخم على قراءة ورش‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫الثاني‪ :‬ما نقلـه النووي في شرحه على صحيح مسلم عن الفراء أن العرب تعلموا الخط من أهل‬
‫ً‬
‫الحيرة وهم نبط يقولون في الربا ِرَب ْو ‪-‬بواو ساكنة‪ -‬فكتبت كذلك‪ ،‬وهو بعيد أيضا ألننا ال ندري هل‬
‫كان أهل الحيرة ينطقون تلك الكلمات بالواو‪ ،‬فليس عندنا ما يؤكد ذلك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وهو القول الراجح أن (الربا) كتبت بالواو ليشار إلى أصلها‪ ،‬ولذلك كتبوا الزكاة والصالة‬
‫َّ َ‬
‫الصلوين‪ ،‬والصلوين مثنى صال وهو عرق غليظ‬ ‫بالواو تنبيها على أصلها‪ ،‬فالصالة مأخوذة من تحريك‬
‫في وسط الظهر‪ ،‬والزكاة أصلها من زكا يزكو(‪ ،)4‬والربا المه واو لقولهم ربا يربو‪ ،‬فلذلك يثنى بالواو‬
‫ويكتب باأللف‪ .‬وكما كتبت األلفات املنقلبة عن الياء في أواسط الكلمات بياءات عليها ألفات مثل‪:‬‬
‫ً‬
‫تشبيها بواو الجمع مثل‪ :‬يجلسوا ويأكلوا كما َّ‬
‫صرح بذلك غير واحد‬ ‫(سوهن)‪ .‬وكتبت األلف بعد الواو‬
‫من العلماء(‪.)5‬‬
‫وأريد بـ(الذين يأكلون الربا) ‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫الكفار الذين يستحلون ذلك بدليل قولهم (إنما البيع مثل الربا) وقولـه (وهللا ال يحب كل كفار‬ ‫‪ -‬إما َّ‬
‫ورجح هذا القول جمهور العلماء منهم‪:‬‬ ‫أثيم) وقولـه (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) َّ‬
‫عطية والرازي والقرطبي وأبو ّ‬
‫حيان والبيضاوي(‪.)6‬‬ ‫ابن َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الوسيلة للسخاوي (ص‪ )393 :‬والكشاف للزمخشري (‪ )347/1‬وأنوار التنزيل للبيضاوي (‪ )142/1‬وتفسير أبي‬
‫السعود (‪.)316/1‬‬
‫ي‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حاشية الشيخ زاده على البيضاو (‪.)586/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير البن عاشور (‪ )548/2‬ورسم املصحف للدكتور غانم قدوري (ص‪.)279 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الوسيلة للسخاوي (ص‪ )295 :‬والتحرير والتنوير (‪ )548/2‬ورسم املصحف للدكتور غانم قدوري (ص‪.)278 :‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الوسيلة للسخاوي (ص‪ )393 :‬والكشاف للزمخشري (‪ )347/1‬وأنوار التنزيل للبيضاوي (‪ )142/1‬وتفسير أبي‬
‫السعود (‪.)316/1‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية (‪ )372/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪ )76/3‬والجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪)356/3‬‬
‫وأنوار التنزيل للبيضاوي (‪ )142/1‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪.)347/2‬‬

‫‪18‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫‪ -‬وقيل‪ :‬هذا إخبار عن الذين يأكلون الربا من املسلمين وهم غير مستحلين فيكون قولـه تعالى (هم‬
‫فيها خالدون) محمول على التغليظ‪ ،‬وهذا قول ضعيف‪ّ ،‬رده غير واحد من العلماء منهم ابن عطية‬
‫حيث قال‪ «:‬واآلية كلها في الكفار املرابين نزلت ولهم قيل )فله ما سلف( وال يقال ذلك ملؤمن عاص‪،‬‬
‫ولكن يأخذ العصاة بطرف من وعيد هذه اآلية»(‪ .)1‬وقال األلوس ي‪« :‬والقول بأن اآلية محمولة على‬
‫التغليظ خالف الظاهر»(‪.)2‬‬
‫)ال يقومونّ)‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫القيام في اللغة‪ :‬من قام يقوم قياما‪ ،‬وهو على وجوه‪ :‬قيام بالشخص وهو النهوض كقولـه )س ِاجدا‬
‫َّ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ ً‬
‫َوقا ِئما([الزمر‪ ]9 :‬ويكون بمعنى مراعاة الش يء نحو قولـه )كونوا ق َّو ِام َين ِلله([املائدة‪ ]8 :‬ويكون بمعنى‬
‫العزم نحو قولـه )وأقيموا الصالة(‪ ،‬ومعنى القيام في اآلية هنا‪:‬‬
‫‪ -‬إما أن يحمل على القيام الحقيقي الذي هو النهوض واالستقالل‪ ،‬ويكون ذلك يوم حين يبعث‬
‫املرابي من القبر‪ ،‬وفيه قوالن‪:‬‬
‫عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري‪ :‬ال يقومون يوم القيامة إال كما‬ ‫أ) وهو قول مجاهد وابن ّ‬
‫يتخبطه الشيطان من املس‪ ،‬يعني الجنون‪ ،‬فيكون ذلك عالمة ألكل الربا في الدنيا‬ ‫يقوم الذي ّ‬
‫عقوبة لـه‪ ،‬كما جعل لبعض املطيعين أمارة تليق به يعرف بها(‪.)3‬‬
‫ب) يبعث من قبره كالسكران من الخمر‪ ،‬ونسب إلى الشيطان ألنه مطيع لـه في سكره(‪.)4‬‬
‫يشبه حال القائم بحرصه وجشعه على تجارة الربا بقيام املجنون؛ ألن‬ ‫‪ -‬أو أن ُيحمل على املجاز بأن َّ‬
‫الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه‪ ،‬وهذا كما تقول ملسرع في مشيه‪ ،‬مخلط في هيئة‬
‫جن هذا‪ ،‬ورد ابن عطية هذا القول بسبب ما تظاهرت بـه أقوال‬ ‫حركاته‪ ،‬إما من فزع أو غيره‪ :‬قد ّ‬
‫املفسرين وما جاء في قراءة ابن مسعود وهي‪( :‬ال يقومون يوم القيامة إال كما يقوم) ووافقه أبو‬ ‫ّ‬
‫حيان في ِ ّرده وقال‪« :‬وهو حسن» (‪.)5‬‬ ‫ّ‬
‫وذهب الشيخ محمد رشيد رضا إلى ترجيح القول الثاني ألنه املتبادر إلى جميع األفهام‪ ،‬وال قرينة تدل‬
‫على أن املراد به البعث‪ ،‬وهذه الروايات التي اعتمد عليها العلماء في تقرير ما ذهبوا إليه ال يسلم‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية (‪.)372/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬روح املعاني لأللوس ي (‪.)70/3‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )122/3‬ومعاني القرآن للزجاج (‪ )358/1‬والنكت والعيون للماوردي (‪ )348/1‬والكشاف‬
‫للزمخشري (‪ )347/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪ )74/3‬والجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪ )354/3‬وأنوار التنزيل للبيضاوي‬
‫حيان (‪ )347/2‬وإرشاد العقل السليم ألبي ّ‬
‫حيان (‪ )316/1‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)66/3‬‬ ‫(‪ )142/1‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬النكت والعيون للماوردي (‪.)348/1‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية (‪ )372/1‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪.)347/2‬‬

‫‪19‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫منها ش يء من قول في سنده‪ ،‬إال َّأنه في نهاية األمر يجمع بين القولين فيقول‪«:‬يكمن الجمع بين ما‬
‫ّ‬
‫بأنه إذا كان ما ّ‬ ‫قالـه ابن ّ‬
‫شنع به على املرابين من خروج حركاتهم عن‬ ‫عطية وما قالـه الجمهور‪ ،‬ذلك‬
‫وتغير أخالقهم كان ال ّبد أن يبعثوا عليه‪ ،‬فإن املرء يبعث‬
‫النظام املألوف هو أثر اضطراب نفوسهم ّ‬
‫على ما مات عليه»(‪.)1‬‬
‫املتقدم‪( ،‬إال كما) النصب على النعت ملصدر محذوف (مفعول مطلق)‬ ‫ّ‬ ‫(ال يقومون) خبر املوصول‬
‫مثل قيام الذي َّ‬ ‫ً‬
‫والتقدير‪ :‬ال يقومون إال قياما َ‬
‫يتخبطه الشيطان‪ ،‬قال السمين‪« :‬وهو املشهور عند‬
‫املعربين»(‪ ،)2‬و(ما) مصدرية أي كقيام‪.‬‬
‫(يتخبطه) ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الشجر بعصاه‪ ،‬وخبطه وتحبطه‬ ‫والرجل‬
‫ِ‬ ‫الخبط‪ :‬الضرب على غير استواء‪ ،‬كخبط البعير األرض بيده‪،‬‬
‫مسه بأذى(‪ .)3‬ثم ّ‬ ‫وخبطه الشيطان‪َّ :‬‬ ‫ً‬
‫شديدا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫تجوز به عن كل ضرب غير محمود‪،‬‬ ‫أي ضربه ضربا‬
‫ومعنى التخبط هنا يوضحه ابن قتيبة في مشكل القرآن فيقول‪« :‬إذا بعث الناس من قبورهم خرجوا‬
‫َ ً َ َ َّ ُ ْ َ ُ ُ ُ ُ َ‬ ‫ْ ُ َ َ َْْ َ‬
‫ضون(‬ ‫اث ِسراعا كأنهم ِإلى نص ٍب يو ِف‬ ‫مسرعين‪ ،‬يقول هللا سبحانه‪َ ):‬ي ْو َم َيخ ُرجون ِمن األجد ِ‬
‫يتخبطه‬ ‫ّ‬ ‫[املعارج‪ ]43:‬أي يسرعون؛ إال أكلة الربا‪ ،‬فإنهم يقومون ويسقطون‪ ،‬كما يقوم الذي‬
‫الشيطان ويسقط؛ ألنهم أكلوا الربا في الدنيا فأرباه هللا في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم‪ ،‬فهم‬
‫ينهضون ويسقطون‪ ،‬ويريدون اإلسراع فال يقدرون»(‪.)4‬‬
‫َّ َّ َ َّ َ ْ َ َ َّ ُ ْ َ ٌ َ َّ ْ َ‬
‫التخبط هنا مأخوذ من قولـه تعالى‪ِ ):‬إن ال ِذين اتقوا ِإذا مسهم طا ِئف ِمن الشيط ِان‬ ‫ّ‬ ‫ويرى الرازي َّأن‬
‫ون( [األعراف‪ ]201:‬وذلك ألن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات‬ ‫َت َذ َّك ُروا َفإ َذا ُه ْم ُم ْبص ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫واالشتغال بغير هللا‪ ،‬فهذا هو املراد من مس الشيطان‪ ،‬ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطا‪،‬‬
‫فتارة الشيطان يجره إلى النفس والهوى‪ ،‬وتارة امللك يجره إلى الدين والتقوى‪ ،‬فحدثت هناك حركات‬
‫ً‬
‫مضطربة‪ ..‬فهذا هو الخبط الحاصل بفعل الشيطان‪...‬وآكل الربا ال شك في أنه يكون مفرطا في حب‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الحب حجابا بينه وبين هللا تعالى‪ ،‬فالخبط‬ ‫الدنيا متهالكا فيها‪ ،‬فإذا مات على ذلك الحب صار ذلك‬
‫ً‬
‫الذي كان حاصال في الدنيا بسبب حب املال أورثه الخبط في اآلخرة»(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تفسير املنار ملحمد رشيد رضا (‪.)84-83‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الدر املصون للسمين الحلبي (‪.)630/2‬‬
‫الحفاظ للسمين الحلبي (‪ )561/1‬والبصائر للفيروز آبادي (‪.)525/2‬‬‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )273 :‬وعمدة ّ‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬تأويل مشكل القرآن البن قتيبة (ص‪ )245 :‬والتفسير الكبير للرازي (‪.)76/3‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪.)76/3‬‬

‫‪20‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫(تخبط) على وزن (تفعل) (‪ّ :)1‬‬ ‫وهناك فائدتان من مجيء َّ‬
‫خبطه‪ ،‬ومعنى املطاوعة هنا قبول األثر والتأثير‪ ،‬نحو‪ :‬قطعت الثوب‬ ‫التخبط مطاوع ّ‬‫ّ‬ ‫األولى‪َّ :‬أن‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الثوب‪ ،‬فاملطاوع في الحقيقة هو الثوب؛ ألنه قبل األثر من الفاعل وطاوعه(‪.)2‬‬ ‫فانقطع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثانية‪ :‬بمعنى التكلف‪ ،‬أي تكلف الشيطان خبطه‪ ،‬وأراد أن يحصل فيه حقيقة‪ ،‬واجتهد في زيادة‬
‫الصبر ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والحلم(‪.)3‬‬ ‫كتصير وتحلم أي تكلف‬ ‫هذا الخبط فيه‪ ،‬وشق بـه عليه‪،‬‬
‫(من املس) ّ‬
‫كل ما ينالُ‬
‫واملس يقال في ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫أصل املس باليد ثم استعير للجنون؛ ألن الشيطان يمس اإلنسان فيجنه‪،‬‬
‫اإلنسان من ً‬
‫أذى(‪.)4‬‬
‫وفي تعلق (من املس) وجهان‪ّ :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األول‪ّ :‬أنه متعلق بـ(ال يقومون) ‪ ،‬و(من) ابتدائية‪ ،‬أي تخبطا مبتدأ من املس‪ ،‬والتقدير‪ :‬ال يقومون‬
‫من املس الذي لهم إال كما يقوم املصروع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتخبط بسبب املس(‪). 5‬‬ ‫الثاني‪ :‬أنه متعلق بقولـه (يقوم) والتقدير‪ :‬ال يقومون إال كما يقوم‬
‫قال أبو السعود‪«:‬فيكون نهوضهم وسقوطهم كاملصروعين‪ ،‬ال الختالل في عقولـهم؛ بل ألن هللا أربى‬
‫في بطونهم ما أكلوا من الربا‪.)6( »...‬‬
‫ً‬
‫وإنما يفعل هللا عز وجل باملرابي ذلك هتكا وفضيحة(‪ ،)7‬واحتيج إلى زيادة قولـه تعالى (من املس)‬
‫تخبط الشيطان‪ ،‬حتى ال يظن أنه تخبط مجازي بمعنى الوسوسة ‪ ،‬قال أبو‬ ‫ليظهر املراد من ّ‬
‫بالتخبط اإلغواء وتزيين املعاص ي فأزال قولـه (من املس) هذا االحتمال»(‪)8‬‬ ‫ّ‬ ‫حيان‪«:‬ويحتمل أن يراد‬ ‫ّ‬

‫تفعل تأتي لخمسة معان‪ :‬أولهما‪ :‬مطاوعة‪ ،‬مضعف العين‪ ،‬واملراد من املطاوعة قبول األثر والتأثير‪ .‬وثانيها‪ :‬االتخاذ‪،‬‬ ‫( ‪ّ )1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كتوسد ثوبه واتخذه وسادة‪ .‬وثالثها‪ :‬التكلف كتصبر وتحلم‪ ،‬ومعناه أن فاعل ّ‬ ‫ّ‬
‫تفعل يتعانى في أصل ذلك الفعل ويريد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كتحرج‪ ،‬أي‬ ‫حصولـه فيه حقيقة‪ ،‬ويجتهد في الزيادة‪ ،‬نحو= =تشجع‪ ،‬أي‪ :‬تكلف في الشجاعة‪ .‬ورابعها‪ :‬التجنب (الترك)‬
‫كتجرعت املاء‪ ،‬أي‪ :‬شربت املاء شربة بعد شربة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ترك الحرج‪ّ ،‬‬
‫وتهجد‪ ،‬أي‪ :‬ترك الهجود‪ ،‬أي‪ :‬النوم‪ .‬وخامسها التدريج‪:‬‬
‫ينظر‪ :‬شرح الشافية البن الحاجب‪ ،‬أبو عمرو عثمان بن الحاجب‪ ،‬شرح‪ :‬الجابري‪ ،‬أحمد بن الحسن(‪ )30-29/2‬عالم‬
‫الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ .3‬وشذا العرف للحمالوي (ص‪.)53-52 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير البن عاشور (‪.)459/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)531/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )766 :‬عمدة الحفاظ للسمين الحلبي (‪ )104/4‬مادة (مسس)‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )123/3‬والكشاف للزمخشري (‪ )347/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪ )75/7‬والدر املصون‬
‫للسمين الحلبي (‪ )631/2‬وأنوار التنزيل للبيضاوي (‪ )142/1‬والتحرير والتنوير (‪.)459/2‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬تفسير أبي السعود (‪.)316/1‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)531/1‬‬
‫(‪ )8‬ينظر‪ :‬البحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪.)531/1‬‬

‫‪21‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫ً‬ ‫ُ ّ ّ‬
‫ظن أنه يخبط الفكر بالوسوسة مثال‪ ،‬قال‪:‬‬‫وشرح ذلك البقاعي فقال‪«:‬وملا كان ذلك التخبط قد ي‬
‫ً‬
‫(من) أي تخبطا مبتدأ من املس‪ ،‬أي‪ :‬الجنون»(‪.)1‬‬
‫انقسم العلماء في معنى املس إلى قسمين‪ّ :‬‬
‫القسم األولّ‪ :‬ذهب جمهور العلماء إلى إمكانية صرع الجن لإلنس ي والتلبيس به‪ ،‬والتكلم على لسانه‪،‬‬
‫قال القرطبي‪«:‬في هذه اآلية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن‪ ،‬وزعم أنه من فعل‬
‫الطبائع‪ ،‬وأن الشيطان ال يسلك في اإلنسان‪ ،‬وال يكون منه مس‪ ...‬وقد روى النسائي(‪ )2‬عن أبي اليسر‬
‫قال‪ :‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يدعو فيقول‪( :‬اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم‬
‫ً‬
‫والغرق والحريق‪ ،‬وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند املوت‪ ،‬وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا‪،‬‬
‫ً‬
‫وأعوذ بك أن أموت لديغا)(‪.)3‬‬
‫جوز ابن تيمية رؤية الجن‪ ،‬ومخاطبتهم‪ ،‬وأمرهم ونهيم‪ ،‬وأن هذا يمكن أن يحصل من الصالحين‬ ‫ُوي ّ‬
‫وغير الصالحين‪ .‬قال رحمه هللا‪«:‬إن من الناس من رآهم‪ ،‬وفيهم من رأى من رآهم‪ ،‬وثبت ذلك عنده‬
‫بالخبر واليقين‪ ،‬ومن الناس من كلمهم وكلموه‪ ،‬ومن الناس من يأمرهم وينهاهم ويتصرف فيهم‪ ،‬وهذا‬
‫يكون للصالحين وغير الصالحين‪ ،‬ولو ذكرت ما جرى لي وألصحابي معهم؛ لطال الخطاب»(‪.)4‬‬
‫ويعتبر ابن تيمية أن كل من يكذب بما هو موجود من الجن والشياطين والسحر‪ ،‬وينكر دخول الجن‬
‫في أبدان اإلنس ي؛ فقد كذب بما لم يحط به علما(‪ .)5‬وقال عبد هللا بن أحمد ابن حنبل‪ :‬قلت ألبي‪:‬‬
‫قوما يزعمون أن الجني ال يدخل في بدن اإلنس ي‪ ،‬فقال‪ :‬يا ّ‬‫ً‬
‫بني! يكذبون‪ ،‬هو ذا يتكلم على لسانه(‪.)6‬‬ ‫إن‬
‫ّ‬ ‫َّ َ َ ْ ُ ُ نَ‬
‫الربا‬
‫وقد استدل أصحاب هذا الرأي بأدلة من الكتاب والسنة ‪ ،‬ومنها قوله تعالى‪( :‬ال ِذين يأكلو ِ‬
‫(‪)7‬‬
‫َ ُ ُ َ َّ َ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ َّ ُ ُ َّ ْ َ ُ َ ْ َ‬
‫امل ّ‬
‫س)[البقرة‪.]275 :‬‬ ‫ال يقومون ِإال كما يقوم ال ِذي يتخبطه الشيطان ِمن‬
‫ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده عن يعلى بن مرة رض ي هللا عنها أن امرأة أتت النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم بابن لها قد أصابه ملم‪ .‬فقال لـه النبي عليه السالم‪( :‬اخرج عدو هللا‪ ،‬أنا رسول هللا) قال‪ :‬فبرأ‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)531/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه النسائي في االستعاذة‪ ،‬باب‪ :‬االستعاذة من التردي والهدم (‪)5533 ،5532 ،5531‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪ )355/3‬املسألة الثانية عشرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬مجموع الفتوى (‪)232/4‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬املصدر السابق (‪)280/24‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪)276/24‬‬
‫(‪ )7‬تنظر هذه األدلـة في مفاتيح الغيب (‪ )75/7‬ونظم الدرر (‪ )531/1‬روح املعاني لأللوس ي (‪ )67/3‬ومحاسن التأويل‬
‫للقاسمي (‪.)624/1‬‬

‫‪22‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫ً‬
‫فأهدت لـه كبشين‪ ،‬وشيئا من أقط وسمن‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬يا يعلى خذ‬
‫األقط والسمن‪ ،‬وخذ أحد الكبشين‪ ،‬ورد عليها اآلخر)(‪.)1‬‬
‫ومن املعاصرين من ذهب إلى إمكانية دخول الجني في بدن اإلنسان‪ ،‬ومنهم‪ :‬الشيخ ابن باز حيث‬
‫كتب رسالتان يؤكد فيهما دخول الجني في بدن اإلنسان‪ ،‬وجواز مخاطبة الجن لإلنسان(‪ )2‬ورد الشيخ‬
‫ً‬
‫ابن باز في الرسالة األولى على الشيخ علي الطنطاوي الذي أنكر مثل هذه الحاالت‪ .‬ومنهم أيضا‪ :‬الشيخ‬
‫مصطفى الطير في كتابه‪«:‬غذاء األرواح»(‪ )3‬حيث أثبت من خالل أدلة عرضها إمكانية صرع الجن‬
‫لإلنسان‪ ،‬وكذلك الشيخ أحمد شاكر في كتابه‪« :‬بيني وبين الشيخ حامد الفقي» حيث حمل فيه‬
‫بشدة على الشيخ حامد الفقي لنقله أقوال العلماء في عدم صحة صرع الجن لإلنسان‪ ،‬وأما أبو بكر‬
‫الجزائري فقد فرق بين الشيطان الذي ليس لـه سلطان على اإلنسان إال بالوسوسة‪ ،‬وبين الجني‬
‫الذي يصرع اإلنسان‪ ،‬ويتلبس به فيصرعه‪ ،‬وينطق الجني على لسانه(‪.)4‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ذهب الحنفية واملعتزلة والقفال(‪ )5‬من الشافعية والقاض ي أبو يعلى الحنبلي إلى إنكار‬
‫صرع الجن لإلنسان‪ ،‬وقالوا إن الجن مخلوق ليس لـه سلطان على اإلنسان‪ ،‬بل هو عالم مستقل‬
‫بذاته‪ ،‬وفسروا اآلية الكريمة في قوله تعالى‪( :‬الذين يأكلون الربا ال يقومون إال كما يقوم الذي‬
‫يتخبطه الشيطان من املس) بأن هذا ورد وفق ما كان يتداولـه العرب في الجاهلية‪ ،‬يزعمون أن‬
‫الشيطان يخبط اإلنسان فيصرع‪ ،‬وكذلك يزعمون أن الجني يمسه فيختلط عقلـه‪ ،‬وهذه اآلية‬
‫شبيهة بقولـه تعالى‪( :‬طلعها كأنه رؤوس الشياطين) [الصافات‪ ]65 :‬ورؤوس الشياطين لم يشاهدها‬
‫الناس ولكنهم يتصورونها بصورة بشعة منفرة(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املسند (‪ .)170/4‬قلت‪ :‬إسناد الحديث ضعيف لسببين‪ :‬األول‪ :‬فيه منهال بن عمرو وهو ضعيف فقد غمزه‬
‫يحيى القطان‪ ،‬واختلف فيه رأي ابن معين‪ ،‬والصواب ما وافق الجمهور‪ ،‬فيكون ليس فيه توثيق معتبر‪ ،‬ولذلك اعتمد‬
‫ابن حزم تضعيفه‪ .‬ويقوي ذلك وجود مناكير له مع قلة حديثه‪ .‬أي ال يمكن أن تغتفر له املناكير لقلة ما روى‪ .‬والثاني‪:‬‬
‫فيه انقطاع ألن منهال بن عمرو لم يسمع من يعلى بن مرة‪ ،‬فالحديث منقطع‪.‬‬
‫(‪ )2‬وقد طبعت هاتان الرسالتان في مطبعة دار السالم في الرياض‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬كتاب غذاء األرواح للشيخ مصطفى الطير‪.‬‬
‫(‪ )4‬الدفاع عن الغزالي (ص‪)33 – 23 :‬‬
‫(‪ )5‬محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاش ي القفال الكبير‪ ،‬أحد أعالم املذهب الشافعي وأئمة املسلمين‪ ،‬مولده‪:‬‬
‫سنة إحدى وتسعين ومائتين‪ .‬وله مصنفات كثيرة ليس ألحد مثلها‪ ،‬وهو أول من صنف الجدل الحسن= =من الفقهاء‪،‬‬
‫وله كتاب حسن في أصول الفقه‪ ،‬وله شرح الرسالة‪ ،‬وعنه انتشر فقه الشافعي في ما وراء النهر‪ .‬مات في ذي الحجة‬
‫سنة خمس وستين وثالثمائة‪ .‬انظر‪ :‬طبقات الشافعية البن قاض ي شبهة (‪ )148/2‬وطبقات الشافعية الكبرى البن‬
‫السبكي (‪)222 – 200/3‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬الكشاف للزمخشري (‪ )347/1‬ومفاتيح الغيب للرازي (‪ )75/7‬وإرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪)316/1‬‬
‫وروح املعاني لأللوس ي (‪ )67/3‬وحاشية القونوي على البيضاوي (‪ )463/5‬وحاشية زادة على البيضاوي (‪)586/1‬‬

‫‪23‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫قال البيضاوي‪« :‬وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط اإلنسان فيصرع»(‪ )1‬وقد شرح الشهاب‬
‫ً‬
‫الخفاجي قول البيضاوي فقال‪(«:‬على ما يزعمون) ليس هذا إنكارا للجن كما يزعم بعضهم؛ بل‬
‫الصرع ليس من الجن؛ بل مرض كما ذكره األطباء‪ ،)2( »..‬وقد نقل أبو السعود في تفسير هذه اآلية‬
‫ً‬
‫عبارة البيضاوي ولم يضف إليها شيئا (‪.)3‬‬
‫هذا وإن الذين أنكروا صرع الجن لإلنسان ودخوله في بدنه؛ ضعفوا الروايات الواردة في صرع الجن‬
‫لإلنس‪ ،‬وقالوا‪ :‬لم يصح منها ش يء ورأوا أنها مسألة من مسائل العقيدة‪ ،‬وال يصح الجزم فيها بناء‬
‫على هذه األدلة الظنية‪.‬‬
‫ومن املعاصرين من ذهب إلى إنكار دخول الجن في اإلنسان‪ ،‬ومنهم‪ :‬الشيخ رشيد رضا‪ ،‬والشيخ علي‬
‫الطنطاوي‪ ،‬والشيخ حامد الفقي‪ ،‬والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم(‪.)4‬‬
‫الجن؛ ألنه ال يتأتى للمؤمن إنكاره‪ ،‬والقرآن العظيم ينطق‬ ‫ّ‬ ‫وأصحاب هذا الرأي ال ينكرون وجود‬
‫ّ‬ ‫فضال عن األحاديث‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫لكنهم أنكروا أن يكون للشيطان تأثير في بدن اإلنسان بأن يمسه‬ ‫بوجوده‬
‫حقيقة ويطأه برجلـه فيصرعه(‪). 5‬‬

‫والخالصة في هذا املوضوع أن لكل فريق دليله وحجته‪ ،‬وإن القول بعدم دخول الجن في بدن‬
‫اإلنسان قول يمكن اعتباره واألخذ به‪ ،‬ولو سلمنا للقائلين بوجود السحر والسحرة‪ ،‬وتلبس الجن‬
‫التمسك بكتاب هللا وسنة رسوله ‪ ‬وال ينبغي أن تكون هذه‬ ‫ُ‬ ‫باإلنس‪ ،‬فإن العصمة من ذلك كله‬
‫ً‬
‫األفكار شغل املسلمين الشاغل‪ ،‬يتركون بالدهم نهبا للمشركين‪ ،‬وهم يتصارعون ويختلفون في كم‬
‫شيطان يستطيع أن يركب اإلنسان‪.‬‬
‫ويذكر املؤرخون أن محمد الفاتح – رحمه هللا‪ -‬الذي فتح القسطنطينية كان يتقدم بجيشه لفتحها‪،‬‬
‫بينما كان القساوسة هناك مجتمعين‪ ،‬يختلفون في عدد الشياطين التي يمكن أن تقف على رأس‬
‫دبوس‪ ،‬فجاءهم الجيش املسلم‪ ،‬وحل الخالف املستحكم بينهم (‪.)6‬‬
‫الربا([البقرة‪ّ ]275 :‬‬ ‫َ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ‬
‫)ذ ِلك ِبأنهم قالوا ِإنما البيع ِمثل ِ‬
‫هذا القول صادر عن الكفار واملنافقين الذين يستحلون الربا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أنوار التنزيل للبيضاوي (‪.)142/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حاشية الشهاب على البيضاوي (‪.)605/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪.)316/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬كيف نداوي السحر ملحمد عارف‪ ،‬وعالم السحر للدكتور عمر األشقر‪ ،‬وغرائب وعجائب الجن لإلشبيلي‪،‬‬
‫والعالج الرباني للسحر ملجدي الشهاوي‪ ،‬والدليل والبرهان على صرع ّ‬
‫الجن لإلنسان البن تيمية‪ ،‬وقصة السحر والسحرة‬
‫للجمل‪ ،‬وغير ها كثير‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬حاشية زادة على البيضاوي (‪ )586/1‬وحاشية القونوي على البيضاوي (‪.)462/5‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬املصطفى من تفسيرات آيات األحكام للدكتور فريد السلمان (ص‪.)151 :‬‬

‫‪24‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫(ذلك) األصح ّأن فيها إشارة إلى ما ذكر من حالهم‪ ،‬وقيل‪ :‬إشارة إلى األكل‪ ،‬أي الذي جعلهم‬
‫يستبيحون ذلك األكل بسبب أنهم قالوا إنما البيع مثل الربا‪ ،‬فكأنه قيل‪ :‬ذلك األكل للربا بسبب‬
‫أنهم استحلوا الربا وجعله كالبيع‪ .‬والظاهر املتبادر هو القول األول(‪.)1‬‬
‫(ذلك) اسم إشارة للبعيد(‪ ،)2‬واملعنى ّأن هذا األمر بعيد من الصواب‪ ،‬وفظيع في الوقت نفسه(‪.)3‬‬
‫(إنما) تستعمل في الش يء الذي ال ينكره املخاطب وال يجهلـه وفيما ّ‬
‫ينزل هذه املنزلـة‪ ،‬بخالف (ما)‬
‫و(إال) فإنما تقال في الش يء الذي ينكره املخاطب ويجهلـه أو فيما ينزل هذه املنزلـة‪ ،‬لذلك أرادوا‬
‫باستخ دام (إنما) أن يجعلوا قضية الربا من املسلمات كأنها ال ينبغي ألحد أن ينكرها أو يجهلها فلم‬
‫يقولوا‪( :‬ما الربا إال مثل البيع)‪.‬‬
‫وفي قولـهم (إنما البيع مثل الربا) وعدم قولـهم (إنما الربا مثل البيع) قوالن للعلماء‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫القول األول‪ :‬هو ما َّ‬
‫رجحه الزمخشري وتبعه البيضاوي وأبو السعود واأللوس ي أنه من قبيل املبالغة‬
‫ً‬
‫حيث جعلوا الربا أصال وقاسوا عليه البيع‪ ،‬قال الزمخشري‪« :‬جيء به على طريق املبالغة وهو أنه‬
‫وقانونا في الحل حتى ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شبهوا به البيع»(‪ ،)4‬وزاد‬ ‫قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصال‬
‫السمين‪« :‬وهو باب في البالغة مشهور‪ ،‬وهو أعلى مراتب التشبيه»(‪.)5‬‬
‫َّ ً‬
‫مشبها بـه بادعاء ّأن وجه الشبه فيه أقوى‬ ‫َّ‬
‫املشبه‬ ‫قلت‪ :‬وهو من باب التشبيه باملقلوب‪ ،‬وهو جعل‬
‫ً‬
‫وأظهر‪ ،‬كأن تقول مثال‪ :‬البحر أنت‪ ،‬والقمر كوجه زيد‪ ،‬والبحر ككفه(‪.)6‬‬
‫املنير وابن عاشور أن قولـهم هذا ليس من التشبيه املقلوب؛ بل‬ ‫القول الثاني‪ :‬هو قول الرازي وابن ّ‬
‫كان غرضهم أن الربا والبيع متماثالن من جميع الوجوه املطلوبة‪ ،‬فكيف يجوز تخصيص أحد املثلين‬
‫بالحل والثاني بالحرمة‪ ،‬وعلى هذا التقدير فأيهما قدم أو أخر جاز(‪ .)7‬واألرجح هو القول األول؛ ألن‬
‫ضعف األلوس ي أن يكون التشبيه غير مقلوب‪.‬‬ ‫التقديم والتأخير في كتاب هللا يكون لغاية وهدف‪ ،‬لذا ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )124/3‬والكشاف للزمخشري (‪ )347/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪ )77/7‬وروح املعاني‬
‫لأللوس ي (‪.)68/3‬‬
‫(‪ )2‬اسم اإلشارة يمكن أن يكون للبعيد والقريب‪ ،‬فاملجردة من الكاف والالم للقريب‪ ،‬مثل‪ :‬هذا وذي وتي‪ ،‬والتي فيها‬
‫الكاف والالم للبعيد‪ ،‬فالكاف تدل على البعد‪ ،‬والالم لتوكيد البعد‪ .‬ينظر‪ :‬همع الهوامع للسيوطي (‪ )220/1‬وشرح‬
‫تسهيل الفوائد البن مالك (‪.)236/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪ )535/1‬وإرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪.)316/1‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الكشاف للزمخشري (‪.)347/1‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الدر املصون للسمين الحلبي (‪.)633/2‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬البالغة العربية لحبنكة (‪ )201/2‬والبالغة (علم املعاني) لشيخنا الدكتور فضل (ص‪.)32 :‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪ )77/7‬وحاشية ابن ّ‬
‫املنير (‪ )347/1‬ومحاسن التأويل للقاسمي (‪ )627/1‬والتحرير‬
‫والتنوير (‪.)551/2‬‬

‫‪25‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫الربا([البقرة‪ّ ]275 :‬‬ ‫َ َ َ َّ َّ ُ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ‬


‫)وأحل الله البيع وحرم ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جملة مستأنفة ردا عليهم وإنكارا لتسويتهم بين البيع والربا‪ ،‬وأعرض عن ذكر الفرق بين البيع والربا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إذ ال جدوى؛ ألنهم قالوا ذلك كفرا ونفاقا فليسوا ممن تشملهم أحكام اإلسالم‪ ،‬وإلقناع املسلمين‬
‫بأن ما قالـه الكفار شبهة محضة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أحل األرباح في التجارة والشراء والبيع‪ ،‬وحرم الربا يعني الزيادة التي يزاد رب املال‬ ‫ومعنى اآلية ّأن هللا ّ‬
‫بسبب زيادته غريمه في األجل‪ ،‬وتأخيره دينه عليه‪ ،‬وليست الزيادتان اللتان إحداهما من وجه البيع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫واألخرى من وجه تأخير املال سواء؛ ألن الذي يبيع الش يء املساوي درهما بدرهمين يكون قد مكن‬
‫املشتري من االنتفاع باملبيع‪ :‬إما بذاته‪ ،‬أو بأن يتاجر بـه‪ ،‬فالدرهم الزائد ألجل تلك املنفعة‪ .‬وال يوجد‬
‫ّ ً‬
‫مجانا‪ ،‬كالذي يدفع درهمين بدرهم‪ ،‬فيضيع الدرهم‬ ‫هذا املعنى في النقود الذي يضيع الزائد فيها‬
‫انا؛ ألنه لم ّ‬ ‫ّ ً‬
‫يحصل منفعة أكثر من مقدار درهم واحد ‪ .‬والم التعريف في (الربا) و(البيع) هي (أل)‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬ ‫مج‬
‫الجنسية‪ ،‬وتفيد الحقيقة واملاهية‪ ،‬أو االستغراق‪.‬‬
‫واختلف العلماء في اعتبار هذه األلفاظ هل من األلفاظ العامة أو املجملة فذهب ابن العربي وابن‬
‫عطية والقرطبي واأللوس ي –وهو مذهب أكثر الفقهاء‪ -‬أن هذا من عموم القرآن‪ ،‬وكل من عارض هذا‬
‫العموم مما هو ثابت في السنة وإجماع األمة فهو تخصيص منه‪ .‬قال األلوس ي ‪«:‬والظاهر عموم البيع‬
‫خصه الدليل من تحريم بعض البيوع وإحالل بعض الربا»(‪.)2‬‬ ‫كل ربا إال ما َّ‬ ‫والربا في كل بيع وفي ّ‬
‫ألن هللا أباح جميع البيوع في أول اآلية‪ّ ،‬‬
‫وحرم‬ ‫واختار الرازي قو َل الشافعي بأن هذا من املجمالت؛ َّ‬
‫الجميع في آخرها‪ ،‬فال ُيعرف الحالل من الحرام بهذه اآلية‪ ،‬فكانت مجملة‪ ،‬فوجب الرجوع في الحالل‬
‫ً‬
‫أيضا‪ .‬فالعموم ّ‬
‫يدل على إباحة البيوع‬ ‫والحرام إلى بيان الرسول –عليه السالم‪ ،)3(-‬وهو قول الحنفية‬
‫يخص بدليل‪ ،‬واملجمل ال يدل على إباحتها في التفصيل حتى يقترن بـه‬ ‫ّ‬ ‫في الجملة والتفصيل ما لم‬
‫بيان‪ .‬والراجح عدم اعتبار لفظ (الربا) الوارد في القرآن من األلفاظ املجملة لألسباب اآلتية‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أوال‪ّ :‬أن الربا الذي اشتملت عليه اآليات‪ ،‬لم يكن خافيا بالنسبة ملن نزل الكتاب بلغتهم وفي بيئتهم‪،‬‬
‫بل كان من معهود الجاهلية‪ ،‬يتعاملون به ويأكلونه‪ ،‬فكان الرجل أيام الجاهلية يكون لـه على آخر‬
‫األجل قال املدين للدائن‪ :‬زدني في األجل وأزيدك في مالك‪ ،‬وهذا ما يسمى «ربا‬ ‫ُ‬ ‫دين‪ ،‬فإذا َّ‬
‫حل‬ ‫ٌ‬
‫النسيئة»‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع البيان (‪ )124/3‬والتفسير الكبير (‪ )77/7‬وأنوار التنزيل(‪ )142/1‬وحاشية زاده (‪ )588/1‬والتحرير والتنوير‬
‫(‪.)552/2‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬روح املعاني لأللوس ي (‪.)69/3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيزالبن عطية (‪ )372/1‬والتفسيرالكبير للرازي (‪ )78/7‬والجامع للقرطبي (‪ )357/3‬والتحرير والتنوير‬
‫(‪.)554/2‬‬

‫‪26‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬أبان هللا عز وجل أن القوم كانوا يتعاملون به‪ ،‬وسمى ذلك أكال‪ ،‬فقال‪):‬الذين يأكلون الربا(‬
‫ّ‬
‫وكانوا يدعون أن الربا حالل كالبيع‪ ،‬فكذبهم هللا في قيلهم هذا‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬مما يؤكد أن الربا املراد من تحريمه في القرآن كان معهود العرب ومما عرفته بيئتهم من أنواع‬
‫وتوعد آكل الربا بالعقاب‪ ،‬وعد من انتهى عن أكلـه بأن‬ ‫التعامل؛ أنه بعد أن عرض القرآن للحرمة ‪ّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫ٌَ‬ ‫َ‬
‫لـه ما أكل‪ ،‬وذلك قولـه تعالى‪ ):‬ف َم ْن َج َاء ُه َم ْو ِعظة ِم ْن َرِّب ِه فان َت َهى فل ُه َما َسلف َوأ ْم ُر ُه ِإلى الل ِه ( أما‬
‫ما بقي من الربا‪ :‬فواجب تركه‪ ،‬ووضعه‪ ،‬والرضا برأس املال دون أي فضل‪ ،‬قال تعالى‪َ ):‬يا َأ ُّي َها َّالذ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َّ ُ َّ َ َ َ ُ َ َ َ َ ّ‬
‫الربا ِإ ْن ك ْن ُت ْم ُمؤ ِم ِن َين( [البقرة‪.]278:‬‬
‫آمنوا اتقوا الله وذروا ما ب ِقي ِمن ِ‬
‫ابعا‪ :‬هذا النوع من الربا‪ ،‬هو املراد في قول النبي عليه الصالة والسالم في خطبة الوداع‪«:‬أال ّ‬ ‫ً‬
‫وإن ربا‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الجاهلية موضوع وأول ربا أضع‪ :‬ربا عمي العباس بن عبد املطلب»(‪ ،)1‬ويسمى هذا النوع كما أسلفت‬
‫بربا النسيئة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أما الربا الذي ورد ذكره في حديث األصناف الستة‪ ،‬فهو ما ّ‬ ‫ً‬
‫يسميه العلماء بـ(ربا البيوع) أو‬
‫(ربا الفضل) وتفصيل كل من النوعين معروف في مظانه من كتب الفروع‪ ،‬وبهذا يكون ما جاءت بـه‬
‫نوعا آخر‪ ،‬ذكرته ّ‬ ‫ً‬
‫وبينت حكمه(‪.)2‬‬ ‫السنة في هذا الباب‬
‫وقد اتفق جمهور العلماء على تحريم الربا في األصناف الستة التي جاءت به السنة‪ ،‬ولكنهم اختلفوا‬
‫في تعيين العلـة التي من أجلها كان التحريم‪ ،‬ليكون القياس في األصناف الجديدة‪ ،‬ويصار إلى معرفة‬
‫حكمها‪ ،‬فذهب الظاهرية إلى ّأن التحريم عندهم غير معلل؛ ألنهم من نفاة القياس‪ ،‬فال تحريم في‬
‫غير األصناف الستة املذكورة(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ٌَ‬ ‫َ‬
‫ف([البقرة‪ّ ]275 :‬‬ ‫قولـه تعالى‪):‬ف َم ْن َج َاء ُه َم ْو ِعظة ِم ْن َرِب ِه فانتهَى فل ُه َما َسل ّ‬
‫الفاء في (فمن) فيها قوالن‪:‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫األول‪ :‬سببية‪ ،‬واملعنى‪ :‬ما تقدم من الوعظ في اآليات السابقة سبب عن ذلك قولـه (فمن جاءه)(‪.)4‬‬ ‫ّ‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون الفاء تفريعية أي فصيحة كما عند التفتازاني ويكون التقدير‪ :‬إذا كان كذلك فمن‬
‫جاءه موعظة(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه من حديث جابر بن عبد هللا مرفوعا‪ :‬مسلم في الحج‪ ،‬باب‪ :‬في املتعة بالحج والعمرة(‪ )1218‬وأبو داود في‬
‫املناسك‪ ،‬باب‪ :‬صفة حجة النبي‪ )1905(--‬وابن ماجه في املناسك‪ ،‬باب‪ :‬حجة رسول هللا (‪.)3074‬‬
‫(‪ )2‬ينظر تفصيل هذه املسألـة في تفسير النصوص للدكتور محمد أديب صالح (‪.)307-299/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر تفصيل املسألة في‪ :‬املحلى البن حزم (‪ )463/8‬وبدائع الصنائع للكاساني (‪ )183/5‬ومغني الـمحتاج للخطيب‬
‫الشربيني(‪ )21/2‬وحاشية القيلوبي (‪ )167/2‬ونهاية املحتاج للرملي(‪ )409/3‬واملوسوعة الفقهية الكويتية (‪.)75-57/22‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)538/1‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬تفسير القرآن الكريم وإعرابه ملحمد الدرة(‪ )13/2‬ودراسات في أسلوب القرآن (‪ )233/2‬والتحرير والتنوير البن‬
‫عاشور(‪.)502/1‬‬

‫‪27‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫(فمن) يحتمل أن تكون شرطية وهو الظاهر‪ ،‬ويمكن أن تكون موصولـة‪ ،‬وعلى كال التقديرين في‬
‫محل رفع ألنه مبتدأ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬على كونها شرطية ففيها إعرابان‪:‬‬
‫األول‪( :‬من) شرطية‪ ،‬و(جاءه) فعل ماض في محل جزم فعل الشرط‪ ،‬والفاء في (فلـه) واقعة في جواب‬
‫الشرط‪( ،‬لـه) خبر مقدم‪ ،‬و(ما) اسم موصول في محل رفع مبتدأ مؤخر‪ ،‬و(فلـه ما سلف) في محل‬
‫جزم جواب الشرط‪ ،‬والفاء واجبة أي واجب اقترانها ألن جملة جواب الشرط جملة اسمية‪ .‬واملعنى‪:‬‬
‫فاملست ِق ُّر لـه الذي سلف‪ .‬الثاني‪ :‬أن تكون (من) منصوبة بفعل مضمر‬ ‫َ‬ ‫فمن جاءه موعظة من ّربه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يفسره ما بعده‪ ،‬وتكون املسألة من باب االشتغال‪ ،‬كأن تقول مثال‪ :‬زيدا ضربته‪ ،‬فيكون تقدير‬
‫زيدا ضربته‪ ،‬والتقدير هنا‪َّ :‬‬ ‫ً‬
‫فأي شخص جاءت املوعظة جاءته‪.‬‬ ‫الكالم‪ :‬ضربت‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬وعلى كونها موصولة فيكون إعرابها‪:‬‬
‫(من) اسم موصول مضمنه معنى الشرط‪ ،‬لوجود الفاء في (فلـه) في محل رفع ألنه مبتدأ‪.‬‬
‫(جاءه) جملة صلة املوصول و(موعظة) فاعل‪( ،‬فانتهى) الفاء عاطفة‪ ،‬و(انتهى) فعل ماض معطوف‬
‫على جاءه‪( ،‬فلـه) الفاء زائدة‪ ،‬لتضمن املبتدأ معنى الشرط‪ ،‬و(لـه) خبر مقدم‪ ،‬و(ما) مبتدأ مؤخر‬
‫و(سلف) صلة املوصول‪ ،‬والجملة (فلـه ما سلف) في محل رفع خبر املبتدأ (من)‪ .‬واملعنى‪ :‬فالذي جاءه‬
‫ّ‬
‫موعظة من ربه لـه سلف‪ ،‬مع تضمن (من) معنى الشرط‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬إن جاءه موعظة من ّربه فانتهى‬
‫ً‬
‫لـه ما سلف‪ .‬ويجوز في (لـه) أن تكون خبرا لـ(من) و(ما) فاعل للجار واملجرور‪ ،‬وهذا معنى قول أبي‬
‫َ َّ َ‬
‫السعود‪«:‬و(ما) مرتفع بالظرف»‪ ،‬وهذا مثل قولـه تعالى‪) :‬أ ِفي الل ِه ش ّك([إبراهيم‪ ،]10 :‬وهذا اإلعراب‬
‫جائز فقط إذا كانت (من) موصولـة‪ ،‬أما إذا كانت (من) شرطية فال يجوز في (فلـه ما سلف) إال‬
‫إعراب واحد‪ ،‬وهو أن يكون (لـه) خبر مقدم و(ما) مبتدأ‪ ،‬لعدم اعتماد الظرف أو الجار واملجرور‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ومعنى ذلك‪ :‬أنه يشترط في الجار واملجرور حتى يرفع فاعال ظاهرا أن يعتمد على أحد ستة أشياء‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهي‪ :‬أن ُيسبق بنفي أو استفهام‪ ،‬أو يكون صفة‪ ،‬أو صلة أو خبرا حاال(‪ .)1‬وعلى كونها موصولة ال‬
‫ً‬
‫عامال‪ ،‬إذا ال ّ‬
‫يصح تسلطها على قبلها‪ ،‬وشرط‬ ‫يجوز أن تكون من باب االشتغال‪ ،‬ألن الصلة ال تفسر‬
‫التفسير صحة التسلط(‪.)2‬‬
‫يعبر به عن الحصول والقصد باألمر والتدبير‪ ،‬وهو أعم من اإلتيان؛ ألن اإلتيان مجيء‬ ‫(جاءه)‪ :‬املجيء ّ‬
‫بسهولـة(‪،)3‬واملجيء هنا بمعنى العلم والبالغ‪ ،‬أي‪ :‬بلغه وعظ وزجر من هذا الوعيد(‪ .)4‬وقال(جاءه) ولم‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موصل الطالب إلى قواعد اإلعراب لخالد األزهري (ص‪.)82 :‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الدر املصون للسمين الحلبي (‪.)632-631/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )212 :‬وأساس البالغة للزمخشري (ص‪ )122 :‬وعمدة الحفاظ للسمين الحلبي (‪.)416/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الكشاف للزمخشري (‪ )348/1‬وإرشاد العقل السليم ألبي السعود(‪.)316/1‬‬

‫‪28‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫يقل (جاءته) لتعظيم شأن هذه املوعظة‪ ،‬ورفع قدرها(‪)1‬؛ ألن التأنيث مرتبة نازلة‪ ،‬وجاز ذلك للفصل‬
‫بين الفعل وفاعلـه باملفعول(‪.)2‬‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫القلب(‪.)3‬‬ ‫زجر مقترن بتخويف‪ ،‬أو التذكير بالخير فيما َي ِرق لـه‬ ‫الوعظ‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫(املوعظة)‪ :‬املوعظة‪ :‬من َ‬
‫ألن املوعظة على وزن َم ْف َعلة‪ ،‬فامليم زائدة‪ ،‬وزيادة املبنى تدل على‬ ‫وعبر بـ(موعظة) دون (وعظ)؛ َّ‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫زيادة املعنى غالبا؛ فقصد بذلك املبالغة‪.‬‬
‫ً‬
‫(من ربه)‪ :‬يجوز أن تكون متعلقة بـ(جاءه) وتكون البتداء الغاية مجازا‪ ،‬ويجوز أن تتعلق بمحذوف‬
‫على أنها صفة ملوعظة‪ ،‬وتكون (من) للتبعيض‪ ،‬والتقدير‪ :‬جاءه موعظة من موعظات ّربه‪ ،‬أي بعض‬
‫يبين أن هذه املوعظة جاءت لتربية اإلنسان ومن أجل مصلحته(‪،)4‬‬ ‫وعبر بلفظ الربوبية حتى ّ‬ ‫مواعظه‪ّ .‬‬
‫املربي لـه‪ ،‬املحسن لـه بكل ما هو فيه من الخير‪.‬‬ ‫أي فمن جاءه موعظة من ّ‬
‫َ‬
‫(فانتهى)‪ :‬الفاء عاطفة على جاءته‪ ،‬وتفيد التعقيب‪ ،‬أي لم يتراخ انتهاؤه عن مجيء املوعظة‪ .‬والنهي‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫الزجر عن الش يء‪ ،‬قال تعالى‪):‬أ َرأ ْي َت ال ِذي َي ْن َهى([العلق‪ ]9:‬وهو من حيث املعنى ال فر َق بين أن يكو َن‬
‫بالقول أو بغيره‪ ،‬واالنتهاء‪ :‬االنزجار عما نهى عنه‪ ،‬ومعنى (فانتهى) َ‬
‫بلغ بـه نهايته‪ ،‬ففيه حث على فعل‬
‫متعار ًفا في ّ‬
‫كل إبالغ(‪.)5‬‬ ‫الخير َوزجر عن الشر‪ ،‬واإلنهاء في األصل‪ :‬إبالغ النهي‪ ،‬ثم صار َ‬
‫ف([املائدة‪ ]95 :‬أي ما ّ‬ ‫َ َ َّ ُ َ َّ َ َ َ‬ ‫(فلـه ما سلف)‪َّ :‬‬
‫تقدم من‬ ‫السلف‪ :‬املتقدم‪ ،‬وقولـه تعالى‪):‬عفا الله عما سل‬
‫الذنوب(‪ .)6‬والراجح في معنى (ما سلف) هو قول السدي‪ :‬أي لـه ما أكل من الربا‪ ،‬وليس عليه ُّرد ما‬
‫قبض بعد فال يجوز لـه أخذه‪ ،‬وإنما لـه رأس مالـه فقط كما ّبينه بعد ذلك‬ ‫سلف‪ ،‬فأما ما لم ُي ْ‬
‫استقر في أيديهم من ربا‬ ‫ّ‬ ‫بقولـه‪):‬وإن تيتم فلكم رؤوس أموالكم((‪ .)7‬ففي هذه اآلية إعالم بتحليل ما‬
‫ألن اإلسالم َي ُج ُّب ما قبلـه‪.‬‬‫الجاهلية ببركة توبتهم؛ َّ‬
‫(وأمره إلى هللا)‪ :‬في عود الضمير (الهاء) عدة وجوه(‪ ،)8‬وأصحها قوالن ‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يعود على املنتهي املدلول عليه بـ(انتهى) قال السمين‪«:‬أمر املنتهي عن الربا أمره إلى هللا في‬
‫العفو والعقوبة»(‪)9‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)538/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الدر املصون للسمين الحلبي (‪.)634/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )876 :‬وعمدة الحفاظ للسمين (‪ )224/2‬مادة (وعظ)‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪)316/1‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )826 :‬مادة (نهى)‪.‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )420 :‬وعمدة الحفاظ للسمين (‪ )212/4‬مادة (سلف)‪.‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )125/3‬والتفسير الكبير للرازي (‪ )79/7‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)275/3‬‬
‫(‪ )8‬ذكر ابن عطية فيها أربعة وجوه تنظر في املحرر الوجيز (‪.)372/1‬‬
‫(‪ )9‬ينظر‪ :‬الدر املصون للسمين الحلبي (‪.)634/2‬‬

‫‪29‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫أي‪ :‬يحكم في شأنه يوم القيامة بما شاء ال اعتراض لكم عليه(‪.)1‬‬
‫الثاني‪ :‬الضمير في (أمره) يعود إلى (ما) أي أمر ما سلف إلى هللا في العفو عنه وإسقاط التبعة منه‪،‬‬
‫النية»(‪ ،)2‬وعلى هذا فمعنى‬ ‫قال أبو السعود‪«:‬يجازيه على انتهائه إن كان عن قبول املوعظة وصدق ّ‬
‫(أمره إلى هللا) وعد بالثواب بدليل مقابلته بالوعيد (ومن عاد‪ّ .)3()...‬‬
‫وعبر بقولـه (وأمره إلى هللا) دون‬
‫ً‬
‫بأفضلية ّرد الربا ألصحابها ملن يأخذ لنفسه باألفضل(‪.)4‬‬ ‫ّ‬ ‫ذكر الثواب إشعارا منه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َّ‬
‫ن([البقرة‪ّ ]275 :‬‬ ‫اب الن ِار ُه ْم ِف َيها خ ِال ُدو ّ‬‫)ومن عاد فأول ِئك أصح‬
‫يجوز أن تكون (من) شرطية أو موصولـة كما تقدم في (من جاءه)(‪). 5‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجوع إلى الش يء بعد االنصراف عنه إما انصرافا بالذات‪ ،‬أو بالقول والعزيمة‪ ،‬والعادة‪:‬‬ ‫العود‬ ‫(عاد)‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫تعاطيه كالطبع(‪.)6‬‬
‫ِ‬ ‫اسم لتكرير الفعل واالنفعال حتى يصير ذلك سهال‬
‫ّ‬
‫(أولئك) فيها إشارة إلى (من عاد) والجمع في (أولئك) باعتبار املعنى‪ ،‬كما أن اإلفراد في عاد باعتبار‬
‫ألن (من) لفظها مفرد مذكر ولكن معناها الجمع(‪.)7‬‬ ‫اللفظ (من) ّ‬
‫ّ‬
‫أما املعنى البالغي املترتب على ذلك‪ ،‬فهو ملا كان العائد للربا يقوم بذلك بنفسه أفرده‪ ،‬وملا كان‬
‫العقاب يكون في يوم القيامة للمرابين واملجرمين في وقت واحد وفي مكان واحد جمع(‪.)8‬‬
‫واستخدم اسم اإلشارة (أولئك) إشارة إلى الذين ُح ِكيت خصالهم الذميمة من الربا واالستحالل من‬
‫متميزون بذلك أكمل تمييز‪ ،‬منتظمون بسببه في سلك‬ ‫حيث اتصافهم بها‪ ،‬وفيه داللة على أنهم ّ‬
‫ً‬
‫األمور املشابهة(‪ ،)9‬وما فيه أيضا من معنى البعد‪ ،‬لإلشعار ببعد منزلتهم في الشر والفساد؛ فهم‬
‫بعيدون من رحمة هللا(‪.)10‬‬

‫حيان (‪ )348/1‬وروح املعاني‬ ‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الكشاف (‪ )348/1‬واملحرر الوجيز البن عطية (‪ )372/1‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫لأللوس ي (‪.)49/2‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم (‪.)317/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الدراملصون للسمين(‪ )634/2‬وأنوارالتنزيل للبيضاوي (‪ )142/1‬وإرشاد العقل ألبي السعود (‪ )317/1‬وحاشية‬
‫الجمل (‪.)346/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)538/1‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬الدر املصون للسمين الحلبي (‪.)634/2‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )593 :‬مادة (عود)‪.‬‬
‫(‪ )7‬كلمة (من) إحدى الكلمات التي لفظها مذكر‪ ،‬لكن معناها قد يخالف لفظها‪ ،‬ولهذا يصح أن يعود الضمير عليها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مفردا مذكرا مراعاة للفظها وهو األكثر‪ ،‬ويجوز فيها مراعاة املعنى املراد‪ ،‬وهو كثير‪ ،‬فمن األول‪ :‬قولـه تعالى‪َ ):‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ُيؤ ِم ُن ِب ِه َو ِم ْن ُه ْم َم ْن ال ُيؤ ِم ُن ِب ِه‪[‬يونس‪ ]40 :‬ففاعل يؤمن مفرد مذكر مراعاة للفظ (من)‪ .‬ومن الثاني قولـه‪َ ):‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َي ْس َت ِم ُعون ِإل ْي َك‪[‬يونس‪ .]42 :‬ينظر‪ :‬النحو الوافي (‪.)350/1‬‬
‫(‪ )8‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)538/1‬‬
‫(‪ )9‬ينظر‪ :‬علم املعاني للشيخ فضل (ص‪.)317 :‬‬
‫(‪ )10‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)538/1‬‬

‫‪30‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫ألن الصاحب هو املالزم إنسانا أو حيوانا‪ ،‬أو مكانا‪ ،‬أو زمانا‪ ،‬وال فر َق‬ ‫(أصحاب النار)‪ :‬أي مالزموها‪ّ ،‬‬
‫واله َّمة‪ ،‬وعلى هذا قيل‪:‬‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫بين أن تكون مصاحبته بالبدن –وهو األصل واألكثر‪ -‬أو بالعناية ِ‬
‫َ‬
‫أما والذي لو شاء لم يخلق النوى لئن غبت عن عيني ملا غبت عن قلبي(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وال يقال في ُ‬
‫يملك‬ ‫للمالك الش يء‪ :‬هو صاحبه‪ ،‬وكذلك ملن ِ‬ ‫ِ‬ ‫مالزمته‪ ،‬ويقال‬ ‫العرف إال ملن كثرت‬
‫ُّ َ‬
‫التصرف فيه(‪ .)2‬وعلى هذا فمعنى (أصحاب النار) أي مالزموها يعذبون بها‪.‬‬
‫ً‬
‫(هم فيها خالدون)‪ :‬أي ماكثون أبدا لكفرهم‪ ،‬والجملة مقررة ملا قبلها‪ .‬واختلف العلماء في معنى‬
‫(هم فيها خالدون) إلى قولين‪:‬‬
‫األول‪ :‬وهو قول املعتزلة(‪ )3‬حيث استدل الزمخشري بهذه اآلية على تخليد مرتكب الكبيرة‪ ،‬وجعل‬
‫ففسر (من عاد) أي إلى الربا فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‪.‬‬ ‫متعلق (عاد) إلى (الربا) ّ‬
‫تمسكوا بآيات أخرى من مثل‪َ ):‬و َم ْن‬ ‫يكفرونه‪ ،‬كما ّ‬ ‫وكذلك تقول الخوارج في مرتكب الكبيرة‪ ،‬فهم ّ‬
‫ً‬ ‫َ َ ً‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫ً َ ُ‬ ‫ً‬
‫َي ْق ُت ْل ُم ْؤ ِمنا ُم َت َع ِّمدا ف َج َزاؤ ُه َج َه َّن ُم خ ِالدا ِف َيها َوغ ِض َب الل ُه َعل ْي ِه َول َع َن ُه َوأ َع َّد ل ُه َعذابا َع ِظيما(‬
‫ً‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫اب َي ْو َم ال ِق َي َام ِة َو َيخل ْد ِف ِيه ُم َهانا([لفرقان‪.]69:‬‬‫ف َل ُه ْال َع َذ ُ‬ ‫ُ َ َ ْ‬
‫[النساء‪ ]93 :‬وقولـه‪):‬يضاع‬
‫حيان والبيضاوي‬ ‫الثاني‪ :‬قول جمهور املفسرين(‪ )4‬ومنهم‪ :‬الطبري والزجاج وابن عطية والقرطبي وأبو ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َ َّ ُ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫املتعلق بـ(عاد) هو‬ ‫الربا( ألن ِ‬ ‫أن املراد به املستحلون‪ ،‬والدليل قولـه‪):‬ذ ِلك ِبأنهم قالوا ِإنما البيع ِمثل ِ‬
‫القول والفعل‪ ،‬أي‪ :‬من عاد إلى الربا مع قول‪( :‬إنما البيع مثل الربا)‪ ،‬ودليل ذلك أن اسم اإلشارة‬
‫(ذلك) يعود إلى القيام املذكور‪ ،‬أي‪ :‬ذلك القيام بسبب أنهم قالوا‪( :‬إنما البيع مثل الربا) فالجزاء ما‬
‫ُيفهم من ضم الفعل إلى القول‪ ،‬فإنه لو لم يكن لـه مدخل في التعذيب لم يحسن في معرض الوعيد‪،‬‬
‫وعلى هذا فالخلود هنا على حقيقته‪.‬‬
‫وقول الجمهور هو الراجح وهو ما يؤيده سياق اآليات‪ ،‬وقد أجاب أهل السنة على املعتزلة بأنه حتى‬
‫حقهم التأبيد وإنما املكث الطويل‪،‬‬ ‫فساق املسلمين‪ ،‬فإن الخلود ال يراد بـه في ّ‬ ‫لو حملت اآلية على ّ‬
‫َّ‬
‫ومنه‪ :‬خلد هللا ملك فالن‪ ،‬وقد قال أبو السعود‪«:‬الخلود في األصل الثبات املديد دام أم لم يدم‪ ،‬ولو‬
‫ََ‬ ‫َ ً‬ ‫قيد بالتأبيد كما في قولـه‪َ ):‬خالد َ‬ ‫كان وضعه للدوام َملَا ّ‬
‫ين ِف َيها أ َبدا([النساء‪ ]57 :‬وملا استعمل حيث‬ ‫ِِ‬

‫(‪ )1‬هذا من شعر أبي العتاهية وهو في عيون األخبار (‪ )86/4‬ومجمع البالغة (‪.)501/1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )475 :‬مادة (صحب)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الكشاف للزمخشري (‪.)348/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )125/3‬ومعاني القرآن للزجاج (‪ )358/1‬واملحرر الوجيز البن عطية (‪ )372/1‬والتفسير‬
‫الكبير للرازي (‪ )79/3‬والجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪ )361/3‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪ )349/2‬وأنوار التنزيل‬
‫للبيضاوي (‪.)142/1‬‬

‫‪31‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫دوام فيه»(‪ .)1‬وإن كان أبو السعود قد اختار في هذه اآلية قول الجمهور فقال‪ «:‬ومن عاد إلى تحليل‬ ‫ال َ‬
‫بدا»‪ّ .‬‬ ‫ً‬
‫ولكن األلوس ي لم يرتض أن تكون اآلية محمولة على‬ ‫الربا (هم فيها خالدون) أي ماكثون فيها أ‬
‫اآلية على من يستحل الربا(‪). 2‬‬ ‫َ‬
‫التغليظ ألنه خالف الظاهر‪ ،‬وحمل‬
‫رأي الشيخ محمد رشيد رضا ّ‬
‫يرى الشيخ محمد رشيد رضا أن صاحب الكبيرة التي في درجة آكل الربا وقتل العمد إذا مات ولم‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫املحرم بعد‬ ‫يتب منها يخلد في النار وال يخرج منها أبدا؛ فيقول‪«:‬ومن عاد إلى ما كان يأكل من الربا‬
‫االتعاظ بموعظ ّربهم‪ ،‬الذي ال ينهاهم إال ّ‬ ‫ّ‬
‫عما يضر بهم في أفرادهم أو‬ ‫تحريمه؛ فأولئك البعداء عن‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫جمعهم‪ ،‬هم أهل النار الذين يالزمونها كما يالزم صاحبه فيكونون خالدين فيها‪ .»..‬ثم يبين الشيخ‬
‫املفسرون من تأويل للخلود في هذه اآلية‪ ،‬لتتفق اآلية مع املقرر في العقائد‬ ‫رشيد ّأن ما ذهب إليه ّ‬
‫ّ‬
‫والفقه‪ ،‬من كون املعاص ي ال توجب الخلود في النار إال إذا استحلها فاعلها‪ ،‬هو غير صحيح في مثل‬
‫ً‬ ‫كل ما ّ‬ ‫مرتكب كبيرة الربا وقاتل العمد‪ .‬وسبب اختياره هذا الرأي أن ليس ُّ‬
‫يسمى إيمانا يعصم صاحبه‬
‫يقسم اإليمان إلى قسمين‪:‬‬ ‫من النار‪ ،‬لذا فهو ّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اإلجمالي بالدين الذي نشأ فيه املرء‪ ،‬أو نسب إليه‪.‬‬ ‫التسليم‬ ‫القسم األول‪ :‬إيمان ال يعدو‬
‫القسم الثاني‪ :‬إيمان عبارة عن معرفة صحيحة بالدين عن يقين اإليمان‪ ،‬متمكنة في العقل بالبرهان‪،‬‬
‫ً‬
‫ومؤثرة في النفس بمقتض ى اإلذعان‪ ،‬ويكون صاحب هذا اإليمان خاضعا لهذا السلطان في كل حال‪،‬‬
‫ُ‬
‫إال ما غلب عليه من جهل أو نسيان أو شهوة‪ ،‬فهذا اإليمان يعصم صاحبه بإذن هللا من الخلود في‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫النفس عليها خفة الجهالة‬ ‫َ‬ ‫سخط هللا‪ .‬وبالتالي فهو ال يرى ّأن الربا من املعاص ي التي تنس ى‪ ،‬أو تغلب‬
‫والطيش‪ ،‬كالحدة وثورة الشهوة‪ ،‬أو يقع صاحبها منها في غمرة النسيان؛ لذا وجب أن يكون ُ‬
‫آكل الربا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خالدا مخلدا في النار‪.‬‬
‫كل كبيرة يفعلها‬ ‫ويظهر من كالمه أنه ال يوافق املعتزل َـة في ّأن كل كبيرة تخلد صاحبها في النار‪ ،‬وإنما ُّ‬
‫املسلم دون تعمد وإصرار أو لجهالة وطيش أو شهوة فهو ليس من الخالدين في جهنم‪.‬‬
‫تبجح الناس بارتكاب املوبقات‬ ‫والذي حمل الشيخ محمد رشيد على قول هذا هو ما كان يراه من ّ‬
‫حرم هللا؛ يقول‪«:‬والشواهد على هذا الذي قررناه في كتاب هللا كثيرة‬ ‫مع اعترافهم بأنها من كبائر ما ّ‬
‫جدا وهو مذهب أهل السلف الصالح‪ ،‬وإن جهلـه كثير ممن ّيدعون اتباع السنة حتى ّ‬ ‫ً‬
‫جرءوا الناس‬
‫ُ‬
‫الناس‬ ‫بناء على ّأن مدار السعادة على االعتراف بالدين وإن لم يعمل به‪ ،‬حتى صار‬ ‫على هدم الدين‪ً ،‬‬
‫يتبجحون بارتكاب املوبقات مع االعتراف بأنها من كبائر ما ُح ّرم‪.)3(»...‬‬ ‫ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪. )96/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬روح املعاني لأللوس ي (‪.)70/3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬تفسير املنار (‪.)88-87/3‬‬

‫‪32‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫املطلب الثاني‪ّ :‬‬


‫َّ َ َ َ َّ ُ ُ ُّ ُ َّ َ َّ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫يم( [البقرة‪ّ ]276 :‬‬ ‫ات والله ال ي ِحب كل كف ٍار أ ِث ٍ ّ‬ ‫الربا وي ْرِبي الصدق ِ‬ ‫قولـه تعالى‪):‬يمحق الله ِ‬
‫مناسبة اآلية ملا قبلها ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫النقص ّبين أن الربا وإن كان بصورة الزيادة فهو‬ ‫َ‬ ‫ملا كان املرغب في الربا زيادته‪ ،‬واملنف ُر عن الصدقة‬
‫وأن الصدقة وإن كانت بصورة النقص فهي زيادة(‪.)1‬‬ ‫نقص‪ّ ،‬‬
‫التفسير التحليلي‪( :‬يمحق) ّ‬
‫حاال بعد حال‪ ،‬ومنه املُحاق في الهالل‪ ،‬واإلمحاق‪ :‬الهالك‪ ،‬ومنه‪َ ):‬و َي ْم َحقَ‬ ‫ً‬
‫املحق‪ :‬نقصان الش يء‬
‫ذهبهم ويستأصلهم‪ ،‬وقولهم عن الصيف‪ :‬ماحق‪ ،‬ألنه بشدة حره‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫الكا ِف ِرين([آل عمران‪ ]141 :‬أي ي ِ‬
‫َ‬ ‫يمحق النبات ويوبسه‪ .‬ومعنى (يمحق هللا الربا) أي ُيذهب َ‬
‫بركته وزيادته الظاهرة لكم‪ ،‬و(يربي‬
‫ً‬
‫الصدقات) أي يزيد ما يخرج منه وإن كان نقصا فيما ترونه(‪.)2‬‬
‫ومحق الربا يكون في الدنيا واآلخرة‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬أما في الدنيا فلـه وجهان‪ :‬األول‪ :‬أن الغالب في املرابي وإن كثر مالـه أنه تؤول عاقبته إلى الفقر‪،‬‬
‫ُ‬
‫وتزول البركة عن مالـه‪ ،‬قال –صلى هللا عليه وسلم‪( :-‬الربا وإن كثر فإلى ِق ٍ ّل)(‪.)3‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وزوال األمانة‪ ،‬وحصو ُل‬ ‫ُ‬ ‫والنقص وسقوط العدالـة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عاقبته ُّ‬
‫الذم‬ ‫الثاني‪ :‬إن لـم ُينقص مالـه فإن‬
‫اسم الفسق والقسوة والغلظة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬وأما في اآلخرة فمعنى هذا املحق أن هللا تعالى ال يقبل منه صدقة وال حجا وال صلـة رحم‪ ،‬ودليل‬
‫َّ‬
‫اس فال َي ْرُبو ِع ْن َد الل ِه([الروم‪ ]39 :‬وقولـه‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ ْ ً َ ُْ َ َ ْ َ‬
‫هذا قولـه تعالى‪):‬وما آتيتم ِمن ِربا ِليربو ِفي أمو ِال الن ِ‬
‫ً َ َ‬ ‫ََ ْ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ََ َ ْ َ ُ‬
‫ض ف َي ْرك َم ُه َج ِميعا ف َي ْج َعل ُه ِفي َج َه َّن َم([األنفال‪.)4(]37 :‬‬
‫تعالى‪):‬ويجعل الخ ِبيث بعضه على بع ٍ‬
‫لكن الواقع واملشاهد أن املرابين عندهم أموال طائلـة ويموتون وهم كذلك؟‬ ‫ّ‬ ‫ورب سائل يسأل‪َّ :‬‬ ‫ّ‬
‫والجواب عن ذلك من ثالثة وجوه‪:‬‬
‫األول‪ّ :‬أن الزيادة والنقصان إنما يكونان باعتبار العاقبة والنفع‪ ،‬أي أن املرابي ال يستفيد من هذا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫املال الكثير ألنه سيعذب به‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪ )83/7‬ونظم الدرر للبقاعي (‪.)539/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬مقاييس اللغة البن فارس (ص‪ )940 :‬وعمدة ّ‬
‫الحفاظ للسمين (‪ )74/4‬مادة (محق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه من حديث ابن مسعود –رض ي هللا عنه‪ -‬أحمد في املسند(‪ .)283 /5‬قلت‪ :‬قال ابن حجر في الفتح (‪:)369 /4‬‬
‫"إسناده صحيح"‪ .‬وقال أحمد شاكر‪ ":‬إسناده صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير (‪ )80/7‬وإرشاد العقل ألبي السعود (‪ )317/1‬وروح املعاني لأللوس ي (‪ )70/3‬ومحاسن التأويل‬
‫للقاسمي (‪.)628/1‬‬

‫‪33‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫ّ‬ ‫ً‬
‫الثاني‪ :‬أن هذا املال سيكون سببا في ارتكاب مزيد من املعاص ي‪ ،‬إذ كل طعام يولد في آكلـه دواعي‬
‫ً‬ ‫اما فيدعوه إلى إعمال ّ‬‫ً‬ ‫ً‬
‫أفعال مكروهة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫محرمة‪ ،‬وإن كان مكروها فإلى‬ ‫وأفعاال من جنسه‪ ،‬فإن كان حر‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫أعقابه وأوالده‪ ،‬فيكون ممن خسر الدنيا واآلخرة وذلك‬ ‫ثالثا‪ :‬يتلف هللا مالـه في الدنيا فال ينتفع به‬
‫ّ‬
‫هو املحق الكلي‪.‬‬
‫(ويربي الصدقات) ّ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫(يربي) من َربا‪ :‬إذا زاد وعال‪ ،‬ومعناها هنا‪ :‬الزيادة املعقولـة َّ‬
‫املعب ُر عنها بالبركة‪ ،‬مرتفعة عن الربا(‪.)1‬‬
‫وإرباء الصدقات يكون في الدنيا واآلخرة‪:‬‬
‫املال الذي أخرجت منه الصدقة‪ ،‬حيث جاء في الحديث عن أبي هريرة قال‪:‬‬ ‫‪-‬أما في الدنيا بأن يكثر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يصبح العباد فيه إال َملكان ينزالن فيقول أحدهما‪ :‬اللهم‬ ‫قال رسول هللا –عليه السالم‪( :-‬ما من يوم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أعط منفقا خلفا‪ ،‬ويقول اآلخر‪ :‬اللهم أعط ممسكا تلفا)(‪.)2‬‬
‫ويبارك فيها‪ ،‬فقد روى أبو هريرة –رض ي هللا عنه‪ّ -‬أن رسول هللا –‬ ‫ثوابها َ‬‫‪-‬وأرما في اآلخرة فيضاعف ُ‬
‫ً‬
‫طيبا‪ -‬و َّإن هللا‬
‫طيب –وال يقبل هللا إال ّ‬ ‫ّ‬
‫كسب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بع ْدل تمرة من‬
‫تصدق َ‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪( :‬من َّ‬
‫ُ ُُ‬ ‫يربيها لصاحبه كما ّ‬ ‫ثم ّ‬ ‫يتقبلها بيمينه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫أحدكم فل َّوه حتى تكون مثل الجبل)(‪.)3‬‬ ‫يربي‬
‫ُ َ َّ َ‬ ‫َّ‬
‫) َوالل ُه ال ُي ِح ُّب ك َّل كف ٍار أ ِث ٍ ّ‬
‫يم( ّ‬
‫وجل بأن الربا من شعار أهل‬ ‫هذه الجملة معترضة بين أحكام الربا ومناسبة ذلك هو أن يخبر هللا عز ّ‬
‫ألنهم استباحوا الربا‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنما البيع مثل الربا(‪.)4‬‬ ‫يحب جميع الكافرين؛ ّ‬ ‫الكفر‪ ،‬وهللا ال ُّ‬
‫(يحب) الحب حقيقة هو امليل الطبيعي منتف عن هللا تعالى‪ ،‬فجعلـه بعض العلماء بمعنى اإلرادة‪،‬‬
‫وبعضهم بمعنى اللطف وإظهار الدالئل‪ .‬وفي معنى (كفار) وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬الذي يستر َ‬
‫نعم هللا‬
‫كفر بـه‪ .‬وفي (األثيم) وجهان‪:‬‬ ‫فعل ما َي ُ‬ ‫ُ‬
‫ويجحدها‪ .‬والثاني‪ :‬هو الذي ُيك ِث ُر َ‬
‫َ‬ ‫أحدهما‪ّ :‬أنه من ّبيت اإلثم‪ .‬والثاني‪ :‬الذي يك ِث ُر َ‬
‫فعل ما َيأثم به(‪.)5‬‬
‫ّ‬
‫ومعنى اآلية ّأن هللا ال يحب من اتصف بهذه الصفات‪ ،‬وظاهر هذا اللفظ أنه من سلب العموم؛ ألن‬
‫َ‬
‫القاعدة تقول‪ :‬إذا تقدم النفي على أداة العموم فاملراد سلب العموم‪ ،‬أي سلب الحكم عن بعض‬
‫ُّ‬
‫فالحق أن هذا الحكم أكثري ال‬ ‫أغلبية غير مطردة كما قال التفتازاني(‪«:)6‬‬‫ّ‬ ‫األفراد‪ ،‬لكن هذه القاعدة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )340 :‬مادة (ربو)‪.‬‬


‫(‪)2‬أخرجه البخاري في الزكاة (‪.)1442‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في الزكاة‪ ،‬باب‪ :‬ال يقبل هللا صدقة من غلول (‪.)1410‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬البحر املحيط ألبي حيان (‪ )350/2‬التحرير والتنوير البن عاشور (‪.)558/2‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬النكت والعيون للماوردي (‪.)351/1‬‬
‫املطول شرح التلخيص (ص‪.)279 :‬‬ ‫(‪ )6‬ينظر‪ّ :‬‬

‫‪34‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ ُ ُ ُّ ُ َّ ُ ْ َ َ ُ‬


‫ور([الحديد‪ ]23 :‬وقولـه ) َوال ت ِط ْع ك َّل َحال ٍف‬ ‫كلي»‪ .‬ونظير هذه اآلية )والله ال ي ِحب كل مخت ٍال فخ ٍ‬
‫َم ِه ٍين( [القلم‪.]10:‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫لكن اآلية لعموم السلب ال لسلب العموم إذ ال فرق بين واحد وواحد‪ ،‬فاملعنى أن هللا ال يحب أحدا‬
‫سر العدول عما يدل على عموم السلب إلى ما‬ ‫من الكافرين اآلثمين‪ ،‬وقد ّبين الشيخ محمد عبده َّ‬
‫ّ‬ ‫واإليماء إلى ّأنه ُّ‬
‫شر صنفه‪ ،‬أي‪ :‬لو ّأن محبتنا تعلقت‬ ‫ُ‬ ‫يدل على سلب العموم وهو التعريض باملخاطب‬ ‫ُّ‬
‫شر ّ‬ ‫كفارهم وأثيمهم ُّ‬ ‫ألن ّ‬
‫تعلقت بأولئك؛ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كفار وأثيم(‪.)1‬‬ ‫بكفار أثيم ملا‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫وأتى بصيغة املبالغة في الكافر واآلثم وإن كان تعالى ال ُّ‬
‫الكافر تنبيها على عظم أمر الربا ومخالفة‬ ‫يحب‬
‫هللا‪ ،‬وللتنبيه على فظاعة آكل الربا ومستحله‪ ،‬فال يسوي بين البيع والربا ليستدل على أكل الربا إال‬
‫مبالغ في الكفر‪ ،‬مبالغ في اإلثم(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫املطلب الثالث‪ّ :‬‬
‫َّ َ َ َ ُ َّ َ َ َ ُ ْ َ ْ ُ ُ ْ ْ َ َ ْ َ َ ْ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ َ‬ ‫َّ َّ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫ات وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة لهم أجرهم ِعند رِب ِه ّم وال خوف‬ ‫) ِإن ال ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِالح ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن( [البقرة‪ّ ]277:‬‬ ‫َعل ْي ِه ْم َوال ُه ْم َي ْح َزنو ّ‬
‫مناسبة اآلية ملا قبلها ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ملا ذكر حال آكل الربا‪ ،‬وحال من عاد بعد مجيء املوعظة وأنه كافر أثيم‪ ،‬عقب بذكر ضدهم ليبين‬
‫ما بين الحالين من فرق‪ ،‬وظاهر اآلية العموم(‪.)3‬‬
‫التفسير التحليلي ّ‬
‫(آمنوا)‪ :‬اإليمان من األمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف‪ ،‬واإليمان يستعمل في ثالثة وجوه(‪:)4‬‬
‫ً‬
‫األول‪ :‬يستعمل اسما للشريعة التي جاء بها سيدنا محمد –صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬كقولـه تعالى‪ِ ):‬إ َّن‬
‫ص َارى([البقرة‪.]62 :‬‬ ‫ين َه ُادوا َو َّ‬
‫الن َ‬ ‫ين َآم ُنوا َو َّالذ َ‬
‫َّالذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثاني‪ :‬يوصف به كل من دخل في شريعة محمد ‪ُ --‬مق ًرا باهلل ّ‬
‫ونبوته كقولـه تعالى‪َ ):‬و َما ُي ْؤمنُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ََْ‬
‫أكث ُر ُه ْم ِبالل ِه ِإال َو ُه ْم ُمش ِركون([يوسف‪.]106:‬‬
‫الثالث‪ :‬يستعمل على سبيل املدح‪ ،‬ويراد بـه إذعان النفس للحق على سبيل التصديق‪ ،‬وذلك‬
‫تحقيق بالقلب‪ ،‬وإقر ٌار باللسان‪ ،‬وعمل بحسب الجوارح‪ ،‬وعلى هذا قولـه‬ ‫ٌ‬ ‫باجتماع ثالثة أشياء‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬علم املعاني للدكتور فضل (ص‪ )232 :‬ونظم الدرر للبقاعي (‪.)539/1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الكشاف للزمخشري (‪ )349/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪ )81/7‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪ )350/2‬وروح املعاني‬
‫لأللوس ي (‪.)70/3‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية (‪ )373/1‬والبحر املحيط ألبي حيان (‪.)350/2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )91 :‬مادة (أمن)‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫َّ َ‬ ‫ََ‬ ‫ين َآم ُنوا َو َعم ُلوا َّ َ‬ ‫تعالى‪):‬إ َّن َّالذ َ‬
‫الصالة([البقرة‪ .]277:‬ففي هذه اآلية مدح ملن‬ ‫ات َوأق ُاموا‬ ‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استجاب ألمر هللا بتركه الربا وعمل الصالحات‪.‬‬
‫ألن الفعل قد ُينسبُ‬ ‫أخص من الفعل‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫(وعملوا الصالحات)‪ :‬العمل‪ :‬كل فعل يكون بقصد‪ ،‬فهو‬
‫فعل بغير قصد(‪ ،)1‬لذا اختير لفظ العمل على الفعل في اآلية‪ ،‬إذ أنّ‬ ‫إلى الحيوانات التي يقع منها ٌ‬
‫ً‬
‫أعمال املؤمن ال بد أن تكون مقصودة هلل عز وجل‪ .‬و(الصالح)‪ :‬ضد الفساد‪ ،‬وهو مختص باألفعال‪،‬‬
‫كل ما استقام من األعمال بدليل النقل والعقل‪ ،‬والالم للجنس‪ ،‬والجمع يفيد ّأن املراد بها‬ ‫وهي ّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫طائفة من األعمال متفاوتة بحسب حال املكلف‪ .‬وعطف العمل على اإليمان يفيد التغاير‪ ،‬بحيث‬
‫ً‬
‫أساس‪ ،‬والعمل الصالح كالبناء عليه(‪.)2‬‬ ‫ٌ‬ ‫َّأن اإلنسان يصل بهما معا إلى األجر الكامل‪ ،‬ألن اإليمان‬
‫(وأقاموا الصالة)‪ :‬أصل القيام في اللغة هو االنتصاب املضاد للجلوس‪ ،‬والقيام للش يء‪ :‬هو املراعاة‬
‫ُ‬
‫للش يء والحفظ لـه‪ ،‬وقد قيل في إقامة الصالة أربعة وجوه(‪:)3‬‬
‫ألن القيام من فروضها وإن كانت تشتمل‬ ‫فعبر عنها بالقيام؛ ّ‬ ‫األول‪ :‬يؤدونها على ما من قيام وغيره‪ّ ،‬‬
‫فروض غيره‪ ،‬وهذا من املجاز املرسل وعالقته الجزئية؛ ألن القيام جزء من الصالة‪ ،‬لذلك‬ ‫ٍ‬ ‫على‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ستعمل فيها وي َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأعطمها(‪.)4‬‬
‫ِ‬ ‫دل عليها ألنه من أشرف أركانها‬ ‫حسن أن ي‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الثاني‪ :‬إتمامها‪ ،‬من تقويم الش يء وتحقيقه‪ ،‬ومنه‪(َ :‬وأ ِق ُيموا ال َو ْز َن ِبال ِق ْس ِط)(الرحمن‪.)9 :‬‬
‫ً ُ ً‬ ‫َ ُْ‬ ‫َّ َ َ َ‬
‫الصالة كان ْت َعلى امل ْؤ ِم ِن َين ِك َتابا َم ْوقوتا)‬ ‫الثالث‪ :‬يديمون فروضها في أوقاتها‪ ،‬كقولـه تعالى‪(ِ :‬إ َّن‬
‫(النساء‪ ،)103 :‬والعرب تقول في الش يء الراتب الدائم‪ :‬قائم‪ ،‬وفي فاعلـه‪ :‬مقيم‪ ،‬تقول‪ :‬فالن يقيم‬
‫أرزاق الجند‪.‬‬
‫ُ‬
‫الرابع‪ :‬وهو من قول القائل‪ :‬قامت السوق‪ :‬إذا حضر أهلها‪ ،‬فيكون معناه‪ :‬االشتغال بها عن غيرها‪،‬‬
‫ومنه‪ :‬قد قامت الصالة‪ .‬وهذه الوجوه على اختالفها مرادة باآلية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والتبريك والتمجيد‪ ،‬يقال‪ :‬صليت عليه‪ ،‬أي‪ :‬دعوت لـه وزكيت‪،‬‬ ‫(الصالة) الصالة في اللغة هي الدعاء‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ّ َ َ ْ ْ َّ َ َ َ َ َ ٌ َ‬
‫قال تعالى‪( :‬وص ِل علي ِهم ِإن صالتك سكن لهم)(التوبة‪.)103 :‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والصالة املقصودة في اآلية هي العبادة املخصوصة املشتملة على قيام وقراءة وركوع وسجود‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وتسليم‪ ،‬وكل موضع َم َد َح هللا تعالى بفعل الصالة أو حث عليه ذكر بلفظ اإلقامة‪ ،‬ولم ُيقل املصلين‬
‫َ‬
‫الت ِه ْم َس ُاهون) (املاعون‪ ،)5-4:‬وإنما‬ ‫َ َ ْ ْ َ ّ َ َّ َ ُ َ ْ َ‬
‫إال في املنافقين‪ ،‬نحو قولـه‪( :‬فوي ٌل ِلل ُمص ِلين * ال ِذين ه ْم عن ص ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫اإلتيان بهيئتها فقط‪،‬‬ ‫املقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها‪ ،‬ال‬ ‫خص لفظ اإلقامة تنبيها أن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )587 :‬مادة (عمل)‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪.)93/1‬‬
‫ّ‬
‫للجصاص (‪ )27/1‬وأحكام القرآن البن العربي (‪ )17/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪.)274/1‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬أحكام القرآن‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬علم البيان للدكتور فضل (ص‪)151 :‬‬

‫‪36‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫ّ‬
‫كثير واملقيمين لها ٌ‬
‫قليل»(‪.)1‬‬ ‫املصلين ٌ‬ ‫لذلك قيل‪َّ « :‬إن‬
‫ُ‬
‫الحاصل‬ ‫مو‬ ‫ص في القرآن بدفع الصدقة(‪ ،)2‬وأصل الزكاة‪ُّ :‬‬
‫الن ُّ‬ ‫(وآتوا الزكاة)‪ :‬اإليتاء اإلعطاء‪ ،‬وقد ُخ َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واأل ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن بركة هللا تعالى‪ُ ،‬وي ُ‬
‫الزرع‪ :‬إذا حصل منه ن ُم ٌّو‬ ‫خروية‪ ،‬يقال‪ :‬زكا‬ ‫الدنيوية‬ ‫عتبر ذلك باألمور‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان من ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫وتسميته بذلك ملا يكون فيها‬ ‫حق هللا تعالى إلى الفقراء‪،‬‬ ‫وبركة‪ ،‬ومنه الزكاة‪ِ :‬ملا ُيخرج‬
‫من رجاء البركة‪ ،‬أو لتزكية النفس‪.‬‬
‫واملعنى‪ :‬أي أعطوا ما فرض هللا عليكم في أموالكم على ما ّبينه الرسول لكم‪ ،‬وهذا حكم جميع ما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ورد في القرآن مجمال فإن بيانه يكون موكوال إلى النبي ‪ ،-×-‬فلذلك أمرهم بالصالة والزكاة على طريق‬
‫َ‬
‫اإلجمال وأحال في التفصيل على بيانه(‪.)3‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وخص هللا ذكر الصالة والزكاة وقد تضمنهما عمل الصالحات تشريفا لهما‪ ،‬وتنبيها على قدرهما؛ إذ‬
‫هما رأس األعمال‪ :‬الصالة في أعمال البدن‪ ،‬والزكاة في أعمال املال(‪.)4‬‬
‫(لهم أجرهم عند ربهم) ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األجر‪ :‬ما يعود من ثواب العمل دنيويا كان أو أخرويا‪ ،‬وال يقال إال في النفع دون الضر‪ ،‬فهو أخص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من الجزاء ألنه يقال في النافع والضار(‪ ،)5‬واملراد باألجر هنا نعيم اآلخرة‪ ،‬وليس أجرا دنيويا بقرينة‬
‫وقوله (عند ربهم) ليس املراد العندية املكانية‪ ،‬فإن ذلك محال في حق هللا تعالى‪ ،‬وال الحفظ كالودائع‪،‬‬
‫الرب تعالى مما يزيد‬ ‫بل املراد أن أجرهم متيقن متحقق وحاصل عند ربهم‪ ،‬وإضافة (عند) السم ّ‬
‫تحققا؛ ألن املضاف إليه ُ‬ ‫ً‬
‫أكرم الكرماء(‪ ،)6‬وعنون بالربوبية لتشريفهم وإلظهار عنايته ولطفه‬ ‫األجر‬
‫بهم(‪ .)7‬وتقديم (لهم) يفيد التخصيص‪ ،‬أي دون غيـرهم‪.‬‬
‫(وال خوف عليهم وال هم يحزنون)‪( :‬الخوف)‪ :‬توقع مكروه عن َأمارة َمظنونة‪ ،‬وضد الخوف األمن‪،‬‬
‫َ ُ‬
‫(والح َزن) خشونة في األرض وخشونة في النفس ملا‬ ‫ويستعمل ذلك في األمور الدنيوية واألخروية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويضاده الفرح(‪.)8‬‬ ‫الغم‪،‬‬‫يحصل فيه من ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )491:‬والتحرير والتنوير (‪.)229/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪.)61 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مجمع البيان للطبرس ي (‪)250/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية (‪ )373/1‬والـجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪ )362/3‬وأنوار التنزيل للبيضاوي‬
‫(‪.)142/1‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )64 :‬مادة (أجر)‪.‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪ )349/‬والتحرير والتنوير البن عاشور (‪.)522/1‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪.)317/1‬‬
‫(‪ )8‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )231 ،303 :‬مادة (خوف‪ ،‬حزن) ‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫املنفي خوف مخصوص وهو خوف اآلخرة‪ ،‬فزوال الخوف والحزن ال يحصل‬ ‫َّ‬ ‫وقرأ الجميع بالرفع ألن‬
‫ً‬
‫في الدنيا عنهم وخصوصا في املكلفين؛ ألنهم في كل وقت ال ينفكون من خوف وحزن‪ ،‬فكأنه سبحانه‬
‫ً‬
‫وعدهم في اآلخرة باألجر‪ ،‬ثم بين أن من صفة ذلك األجر أن يكون خاليا عن الخوف والحزن‪ ،‬وذلك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يوجب أن يكون نعيمهم دائما؛ ألنه لو كان منقطعا العتراهم الحزن العظيم(‪ ،)1‬لذلك هناك قوالن‬
‫في معنى اآلية‪:‬‬
‫األول‪ :‬ال يخافون من مكروه آت‪ ،‬وال هم يحزنون على محبوب فات‪ ،‬أي‪ :‬ال خوف عليهم فيما‬
‫يستقبلهم من أحوال يوم القيامة‪ ،‬وال هم يحزنون بسبب ما تركوه في الدنيا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ال خوف عليهم من عذاب يوم القيامة‪ ،‬وال هم يحزنون بسبب ما فاتهم من النعيم الزائد‬
‫وعبر في نفي الخوف‬ ‫الذي قد حصل لغيرهم من السعداء يوم القيامة؛ ألنه ال منافسة في اآلخرة(‪ّ .)2‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بالخبر اإلسمي (ال خوف عليهم) لنفي جنس الخوف عنهم نفيا أبديا‪ ،‬لداللة الجملة االسمية على‬
‫وعبر عن نفي الحزن بالخبر الفعلي وهو (يحزنون) لتخصيص املؤمنين بذلك بخالف‬ ‫الدوام والثبات‪ّ ،‬‬
‫غيرهم من غير املؤمنين(‪.)3‬‬
‫ورب سائل يسأل‪ :‬إذا مات اإلنسان قبل أن تجب عليه الصالة فهل يعتبر من أهل الثواب‪ ،‬حيث‬
‫َّ َ‬
‫إنه في هذه اآلية وقف حصو َل األجر على حصول األعمال؟ ّ‬
‫والجواب عن ذلك أن املؤمن هو من أهل الثواب باالتفاق وإن لم يعمل؛ ألن استحقاق الثواب ال‬
‫ّ‬
‫يتوقف على حصول األعمال‪ ،‬وإنما ذكر هللا هذه الخصال ال ألجل أن استحقاق الثواب مشروط‬
‫َ‬ ‫بهذا‪ ،‬بل ألجل ّأن لكل واحد منهما أث ًرا في جلب الثواب‪ ،‬كما قال في ضد هذا ‪َ ):‬و َّالذ َ‬
‫ين ال َي ْد ُعون َم َع‬ ‫ِ‬
‫ْ ََ ً‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ً َ‬
‫الل ِه ِإلها آخ َر([الفرقان‪ ]68 :‬ثم قال‪َ ):‬و َم ْن َي ْف َع ْل ذ ِل َك َيل َق أثاما([الفرقان‪ ]68 :‬ومعلوم أن من ادعى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫مع هللا إلها آخر ال يحتاج في استحقاقه العذاب إلى عمل آخر‪ ،‬ولكن هللا جمع الزنا وقتل النفس‬
‫ً‬
‫على سبيل االستحالل مع دعاء غير هللا إلها لبيان ّأن كل واحد من هذه الخصال يوجب العقوبة(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪.)349/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪.)82/7‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير البن عاشور (‪.)523/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪.)82/7‬‬

‫‪38‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫املطلب الرابع‪ّ :‬‬


‫ين( (البقرة‪ّ .)278:‬‬
‫ْ ُُْ ْ ُ ْ َ‬
‫الربا ِإن كنتم مؤ ِم ِن ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُّ َ‬
‫قولـه تعالى‪) :‬يا أيها ال ِذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما ب ِقي ِمن ِ‬
‫سبب نزول اآلية ّ‬
‫العباس بن عبد املطلب رض ي هللا‬ ‫ذكر العلماء عدة أسباب في نزول هذه اآلية‪ ،‬ومنها أنها نزلت في ّ‬
‫عنه ورجل من بني املغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى ناس من ثقيف فجاء اإلسالم‬
‫لكن العبرة بعموم اللفظ ال بخصوص السبب(‪.)1‬‬ ‫ولهما أموال عظيمة من الربا فتركوها حين نزلت‪َّ ،‬‬
‫مناسبة اآلية ملا قبلها ّ‬
‫ّ‬
‫تقدم قوله‪) :‬فله ما سلف( واحتمل أن يكون معناه‪ ،‬أي‪ :‬ما تقدم العقد عليه‪ ،‬فال فرق بين‬ ‫ملا ّ‬
‫َ‬
‫االحتمال‬ ‫إنشاء عقد ربوي بعد التحريم‪ ،‬أزال تعالى هذا‬ ‫ُ‬ ‫املقبوض منه وبين ما في الذمة‪ ،‬وإنما ُي ْم َن ُع‬
‫ْ َ‬
‫بأن أ َم َر بترك ما بقي من الربا في العقود السابقة قبل التحريم‪ ،‬وأن ما بقي في الذمة من الربا هو‬
‫كاملنشأ بعد التحريم(‪.)2‬‬
‫(يا أيها الذين آمنوا) ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ُ‬
‫القريب منزلة البعيد كما‬ ‫(يا) من أدوات النداء البعيد‪ ،‬وهي أكثر أدوات النداء استعماال‪ ،‬وقد ُينزل‬
‫في هذه اآلية لسببين‪:‬‬
‫رفيع القدر‪ ،‬عظيم الشأن‪ ،‬فبعد املنزلة هي بعد في املكان(‪.)3‬‬ ‫األول‪ :‬للداللة على ّأن املنادى ُ‬
‫كل ملكاته العقلية والنفسية والجسمية لخطورة ما في حيز النداء من‬ ‫الثاني‪ :‬أن يستحضر املنادى َّ‬
‫دعوى لالمتثال والتطبيق الفوري‪ ،‬ألنها تدفعه لالمتثال والخضوع‪ .‬قال أبو السعود‪«:‬و ِملا ترى من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املبالغة والتأكيد كثر سلوكها في التنزيل املجيد‪ ،‬كيف ال‬ ‫ِ‬ ‫بضروب من أسباب‬ ‫ٍ‬ ‫استقالل هذه الطريقة‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫وكل ما ورد في تضاعيفه على العباد من األحكام والشرائع وغير ذلك خطوب جليلة حقيقة بأن‬
‫َ َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫بآذان واعية‪ ،‬وأكثرهم عنها غافلون‪ ،‬فاقتض ى‬ ‫تقش ِع َّر منها الجلود وتطمئن بها القلوب األبـية‪ ،‬ويتلقوها ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫والتأكيد في اإليقاظ والتنبـيه»(‪.)4‬‬ ‫الحال املبالغة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أوال باألمر بتقوى‬ ‫وناداهم باسم اإليمان تحريضا لهم على قبول األمر بترك ما بقي من الربا‪ ،‬وبدأ‬
‫ً‬
‫هللا‪ ،‬إذ هي أصل كل ش يء‪ ،‬ثم أمر ثانيا بترك ما بقي من الربا‪.‬‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )126/2‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)71/3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬البحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪)350/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬علم املعاني للدكتور فضل (ص‪.)170 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪.)43/1‬‬

‫‪39‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫(اتقوا هللا) ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫التقوى من الوقاية‪ :‬وهي حفظ الش يء مما يؤذيه ويض ُّره‪ ،‬كقولـه تعالى‪( :‬ف َوقاه ُم الله ش َّر ذ ِلك ال َي ْو ِم)‬
‫فظ النفس ّ‬ ‫َ‬ ‫(اإلنسان‪ )11 :‬والتقوى‪ُ :‬‬
‫عما‬ ‫وقاية مما يخاف‪ ،‬وصار في تعارف الشرع ِح‬ ‫جعل النفس في ٍ‬
‫ْ‬
‫ُيؤ ِث ُم‪ ،‬وذلك بترك املحظور(‪.)1‬‬
‫ألن تقوى هللا هي أصل االمتثال واالجتناب؛ وألن ترك الربا‬ ‫وأمروا بتقوى هللا قبل األمر بترك الربا؛ ّ‬
‫ُ‬
‫أمر العابد ومنتهى ُجهده‪ ،‬فإذا التزم التقوى كان اإلتيان بما هو‬ ‫من جملتها ‪ ،‬فالتقوى هي قصارى ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫َ‬
‫أدنى منها أهون(‪.)3‬‬
‫(وذروا ما بقي من الربا) ّ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ ْ‬ ‫َْ ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ََ‬
‫الوذر‪ ،‬يقال‪ :‬فالن يذر الش يء‪ ،‬أي‪ :‬يق ِذفه لقلة اعتداده بـه‪ ،‬والوذرة‪ِ :‬قطعة من اللحم‪،‬‬ ‫(ذروا) من‬
‫َ ُ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َّ‬
‫الل َه َو ْح َدهُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وت ْس ِم َي ُتها بذلك لقلة االعتداد بها‪ ،‬ولم يستعمل ماضيه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬قالوا أ ِجئتنا ِلنعبد‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َُ‬
‫ان َي ْع ُب ُد َآباؤنا)(ألعراف‪.)70 :‬‬ ‫َو َن َذ َر َما َك َ‬
‫َ ّ‬ ‫ً (‪)4‬‬ ‫ً‬ ‫َ ْ‬
‫الرَبا( متعلق بمحذوف‬ ‫واملعنى هنا‪ :‬واتركوا بقايا ما شرطتم منه على الناس تركا كليا ‪ ،‬وقوله‪ِ ):‬من ِ‬
‫ُ‬
‫على أنه حال من فاعل { َب ِق َي } أي‪ :‬اتركوا الذي بقي حال كونه بعض الربا‪ ،‬ومن للتبعيض‪.‬‬
‫(إن كنتم مؤمنين) ّ‬
‫الشرط مجاز ّي على جهة املبالغة؛ قصد منه التهييج والتحريض‪ ،‬وتحريك الهمم نحو طاعة هللا‬
‫ذف ُ‬ ‫ٌ ُ َ‬ ‫ً‬
‫جوابه دل‬ ‫ورسوله‪ ،‬كما تقول ملن تريد إقامة نفسه‪ :‬إن كنت رجال فافعل كذا‪ ،‬وهو شرط ح‬
‫وذروه‪ ،‬وهو يدل على أن اإليمان ال يتكامل إذا‬ ‫عليه ما قبله‪ ،‬والتقدير‪ :‬أي إن كنتم مؤمنين فاتقوا ُ‬
‫ً‬
‫أصر اإلنسان على كبيرة وإنما يصير مؤمنا باإلطالق إذا اجتنب كل الكبائر(‪.)5‬‬
‫آخره{إن ك ُنتم ُّم ْؤ ِم ِن َين}؟ أجاب العلماء‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ين َء َام ُنوا( ثم قال في‬ ‫ورب سائل يسأل‪ :‬كيف قال‪):‬يا َأ ُّي َها َّالذ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على ذلك بعدة وجوه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األول‪ :‬أن هذا مثل ما يقال‪ :‬إن كنت أخا فأكرمني‪ ،‬معناه‪ :‬إن من كان أخا حقا أكرم أخاه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم باإليمان‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬يا أيها الذين آمنوا بلسانهم ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )881 :‬مادة (وقى) ‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير البن عاشور (‪.)560/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪.)22/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪.)318/1‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪ )83/7‬والجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪.)363/3‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪ )83/7‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)71/3‬‬

‫‪40‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫املطلب الخامس ّ‬
‫َ ْ ُ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ ُ ُ ُ َ ْ َ ُْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫قولـه تعالى‪( :‬ف ِإن ل ْم تفعلوا فأذنوا ِبح ْر ٍب ِمن الل ِه َو َر ُس ِول ِه و ِإن تبتم فلكم رؤوس أمو ِال ّكم ال‬
‫ُ َْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫تظ ِل ُمون َوال تظل ُمون) (البقرة‪ّ )279:‬‬
‫مناسبة ا ّآلية ملا قبلها‪ّ :‬‬
‫هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لكل من استمر على تعاطي الربا بعد اإلنذار‪ ،‬حيث هدد هللا ‪ -‬تعالى‬
‫َّ‬ ‫َ َّ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كل من يتعامل بالربا تهديدا عنيفا فقال‪ {:‬ف ِإن ل ْم ت ْف َعلوا فأذنوا ِب َح ْر ٍب ِّم َن الل ِه َو َر ُس ِول ِه}‪ ،‬قال ابن‬
‫عطية‪ «:‬ثم توعدهم تعالى إن لم يذروا الربا بحرب من هللا ورسولـه وأمته‪ ،‬والحرب داعية القتل»(‪.)1‬‬
‫التفسير التحليلي ّ‬
‫(فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من هللا ورسولـه) ّ‬
‫َّ‬
‫الفاء سببية(‪ ،)2‬أي‪ :‬عدم اجتناب ما بقي من الربا سبب عن ذلك حرب هللا ورسولـه لكم‪ .‬واملعنى‪:‬‬
‫ً‬
‫فإن لم تتركوا الربا وأخذتم منه شيئا بعد نهيكم عن ذلك‪ ،‬فكونوا على علم ويقين بحرب كائنة من‬
‫هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬ورسوله‪ ،‬ومن حاربه هللا ورسوله ال يفلح أبدا‪.‬‬
‫فعال؛ َّ‬ ‫ً‬ ‫وقولـه (لم تفعلوا) ّ‬
‫ألن الفعل عام ويكون بإجادة وبغير إجادة‪ ،‬ويكون بعلم وبغير‬ ‫سميي الترك‬
‫علم‪ ،‬ويكون بقصد وبغير قصد(‪.)3‬‬
‫توص ُل إليه بالسماع‪ ،‬ويعبر‬ ‫وقوله‪( :‬فأذنوا) من أذن بالش يء يأذن‪ ،‬ويستعمل ذلك في العلم الذي ُي َّ‬
‫عن ذلك بالعلم(‪ ،)4‬أي‪ :‬فقرروا الحرب بينكم وبين هللا ورسولـه‪.‬‬
‫أع ِل ُموا من لم ينته عن الربا بحرب من‬ ‫وقرئ (فآذنوا) باملد من آذنهن األمر وآذنه به‪ ،‬أعلمه إياه‪ :‬أي ْ‬
‫هللا ورسوله‪ ،‬وإذا أمروا بإعالم غيرهم علموا هم ال محالة‪ .‬والقراءتان متكاملتان في أداء املعنى‪ ،‬ألن‬
‫األولى أفادت أن يعلموا ّأنهم إذا لم يتركوا الربا فإنهم سيدخلون في حرب مع هللا ورسولـه‪ ،‬وأفادت‬
‫ً‬
‫القراءة الثانية أن ُيعلموا غيرهم بذلك‪ ،‬وهذا يعطيهم فسحا في أن يفكروا في هذا األمر بتأن ودون‬
‫َ‬
‫استعجال‪ ،‬فكأن هللا يقول لـهم‪ :‬فأعلموا أنفسكم هذا ثم انظروا في األرجح لكم‪ ،‬ترك الربا أو‬
‫الحرب(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪« :‬املحرر الوجيز» البن عطية (‪.)374/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)541/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )640 :‬مادة (فعل) والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪.)351/2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )70 :‬مادة (أذن)‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية (‪ )376/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪.)84/7‬‬

‫‪41‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫إشعار ّأن طائفة منهم ال يذرونه بعد تحريمه بما ّأنهم ليسوا من الذين كانوا‬ ‫ٌ‬ ‫وفي قولـه تعالى هذا‬
‫ً‬
‫يؤمنون(‪ .)1‬وتنكير (حرب) للتهويل والتعظيم أي فكونوا على علم ويقين من أن حربا عظيمة ستنزل‬
‫عليكم من هللا ورسوله(‪ ،)2‬والظاهر أن الباء في‪) :‬بحرب( ظرفية‪ .‬أي‪ :‬فأذنوا في حرب‪ ،‬كما تقول‪ :‬أذن‬
‫ّ‬
‫في كذا‪ ،‬ومعناه أنه سوغه ومكن منه‪ ،‬وهذا يجعلهم أنهم مستدعو الحرب والباغون؛ ألنهم هم‬
‫اآلذنون فيها‪ ،‬وبها‪ ،‬ويندرج في هذا علمهم بأنه حرب هللا‪ ،‬وتيقنهم لذلك(‪.)3‬‬
‫َ َّ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ّ َ َّ‬
‫واختلف املفسرون في أن الخطاب بقوله‪):‬ف ِإن لم تفعلوا فأذنوا ِبحر ٍب من الل ِه( خطاب للمؤمنين‬
‫املصرين على معاملة الربا‪ ،‬أو هو خطاب للكفار املستحلين للربا‪ ،‬الذين (قالوا إنما البيع مثل الربا)‪،‬‬
‫ََُْ ْ‬
‫واالحتمال األول أولى‪ ،‬لداللة السياق عليه‪ ،‬ألن قوله‪):‬فأذنوا( خطاب مع قوم تقدم ذكرهم‪ ،‬وهم‬
‫َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َّ ُ ْ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ّ ْ‬
‫الرَبوا( وذلك يدل على أن الخطاب‬ ‫املخاطبون بقوله‪ ):‬يـا أيها ال ِذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما ب ِقى ِمن‬
‫مع املؤمنين‪ ،‬واختلفوا على هذا في معنى الحرب إلى قولين‪:‬‬
‫اإلصرار على عمل الربا إن كان من‬ ‫األولّ‪ :‬وهو قول جمهور العلماء‪ ،‬املراد نفس الحرب بمعنى أن ِ‬
‫اإلمام قبض عليه وأجرى فيه حكم هللا من الحبس والتعزير إلى أن تظهر منه‬ ‫شخص وقدر عليه ِ‬
‫اإلمام كما يحارب الفئة الباغية‪ ،‬وكما حارب أبو‬ ‫التوبة‪ .‬وإن وقع ممن يكون له عسر وشوكة‪ ،‬حاربه ِ‬
‫بكر الصديق مانعي الزكاة وقال ابن عباس‪ :‬من تعامل بالربا يستتاب فإن تاب فبها‪ ،‬وإال ضرب‬
‫عنقه(‪.)4‬‬
‫الثاني‪ :‬املراد املبالغة في التهديد دون نفس الحرب‪ ،‬قال األلوس ي‪«:‬وقيل‪ :‬ال حرب حقيقية وإنما هو‬
‫ملفسرين على األول»(‪ .)5‬وإضافة الرسول إلى هللا القصد منه تشريفه‪ ،‬وأنه‬ ‫تهديد وتخويف‪ ،‬وجمهور ا ّ‬
‫أعظم الخالئق‪ ،‬وألنه املبلغ واملباشر‪.‬‬
‫وقولـه تعالى‪( :‬بحرب من هللا ورسولـه) أبلغ م ْن ّأنه لو قيل‪( :‬بحرب هللا ورسولـه) ألن األول يفيد أنَّ‬
‫ِ‬
‫الحرب ستكون من هللا لهم‪ ،‬فاهلل تعالى هو الذي يحاربهم‪ ،‬ولو قيل‪ :‬بحرب هللا‪ ،‬الحتمل أن تكون‬
‫الحرب مضافة للفاعل‪ ،‬فيكون هللا هو املحارب لهم‪ ،‬وأن تكون مضافة للمفعول‪ ،‬فيكونوا هم‬
‫املحاربين هللا‪ .‬فكون هللا محاربهم أبلغ وأزجر في املوعظة من كونهم محاربين هللا(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)541/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬روح املعاني لأللوس ي (‪.)72/3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية (‪ )376/1‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪)351/2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )127/2‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)72/3‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬روح املعاني لأللوس ي (‪.)72/3‬‬
‫ّ‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬الكشاف للزمخشري (‪.)351/1‬‬

‫‪42‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫ولم يجئ هذا الوعيد في كبيرة سوى الربا‪ ،‬وقطع الطريق‪ ،‬والسعي في األرض بالفساد؛ ألن كل واحد‬
‫منهما مفسد في األرض‪ ،‬قاطع الطريق على الناس‪ :‬هذا بقهره لهم وتسلطه عليهم‪ ،‬وهذا بامتناعه من‬
‫تفريج كرباتهم إال بتحميلهم كربات أشد منها‪ ،‬فأخبر عن قطاع الطريق بأنهم يحاربون هللا ورسولـه‪،‬‬
‫وأعلم هؤالء إن لم يتركوا الربا بحربه وحرب رسولـه(‪.)1‬‬
‫وس‬‫ثم بين ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ما يجب عليهم فعله عند توبتهم عن التعامل بالربا فقال‪َ ):‬وإ ْن ُت ْب ُت ْم َف َل ُك ْم ُر ُؤ ُ‬
‫ِ‬
‫َ ُ َ َ ْ َ َ ُ َْ َ‬
‫أ ْم َو ِالك ْم ال تظ ِل ُمون َوال تظل ُمون(‪ .‬أي‪ :‬وإن تبتم عن التعامل بالربا الذي يوجب الحرب عليكم من‬
‫هللا ورسوله‪ ،‬فلكم رءوس أموالكم أي أصولها بأن تأخوذها وال تأخذوا سواها‪ ،‬وبذلك ال تكونون‬
‫ً‬
‫ظاملين لغرمائكم وال يكونون ظاملين لكم‪ ،‬ألن من أخذ رأس ماله بدون زيادة كان مقسطا ومتفضال‪،‬‬
‫ً‬
‫ومن دفع ما عليه بدون إنقاص منه كان صادقا في معاملته‪ ،‬وتسمية أصل املال رأسا مجاز‪ ،‬والظاهر‬
‫ّأن الجملة مستأنفة(‪.)2‬‬
‫ختص به‪ ،‬إما بنقصان أو زيادة‪ ،‬والظلم‪ :‬يقال‬ ‫والظلم‪ :‬عند أهل اللغة وضع الش يء في غير موضعه املُ ّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫في ُمجاوزة ّ‬
‫الحق‪ ،‬واملعنى‪ :‬ال تظلمون غرمائكم بأخذ زيادة على رأس املال‪ ،‬وال تظلمون منهم بإرجاع‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫رأس املال كامال لكم دون نقص‪.‬‬
‫ّ‬
‫املطلب السادس ّ‬
‫َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ َ ٌ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ ٌ َ ُ ْ ْ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫قولـه تعالى‪( :‬و ِإن كان ذو عسر ٍة فن ِظرة ِإلى ميسر ٍة وأن تصدقوا خير لكم ِإن كنتم تعلمون)‬
‫(البقرة‪ّ .)280:‬‬
‫مناسبة اآلية ملا قبلها ّ‬
‫ملا كان الناس منقسمين إلى موسر ومعسر أي غني وفقير‪ ،‬كان كأنه قيل‪ :‬هذا حكم املوسر‪ ،‬أما حكم‬
‫املعسر فنظرة إلى ميسرة(‪ ،)3‬فأمر هللا ‪ -‬تعالى ‪ -‬الدائنين أن يصبروا على املدينين الذين ال يجدون ما‬
‫يؤدون منه ديونهم‪.‬‬
‫التفسير التحليلي ّ‬
‫(وإن كان ذو عسرة) ّ‬
‫معسر(‪.)4‬‬
‫عطف على قولـه تعالى‪( :‬فلكم رؤوس أموالكم) واملعنى‪ :‬وإن حصل ذو عسرة‪ ،‬أي غريم ِ‬
‫ألن املبتدأ نكرة‪ ،‬فمن أجل‬ ‫وقوله‪ُ ) :‬ذو ُع ْس َرة( مرفوع بكان‪ ،‬فـالـخبر محذوف‪ ،‬ويجوز حذف الخبر ّ‬
‫ٍ‬

‫القيم البن ّ‬
‫القيم (ص‪.)172 :‬‬ ‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التفسير ّ‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية (‪ )376/1‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪)351/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬نظم الدرر للبقاعي (‪.)542/1‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير البن عاشور (‪.)561/2‬‬

‫‪43‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫ذلك جاز إضمار الخبر‪ .‬ويجوز أن تكون (كان) تامة‪ ،‬بمعنى وجد أو حدث‪ ،‬فتكتفى بفاعلها كسائر‬
‫األفعال‪ ،‬ولـم يكن بها حاجة حينئذ إلـى خبر‪ .‬فـيكون تقدير الكالم عند ذلك‪ :‬وإن وجد ذو عسرة من‬
‫غرمائكم برؤوس أموالكم‪ ،‬فنظرة إلـى ميسرة(‪.)1‬‬
‫اإلعسار وهو تعذر املوجود من املال يقال‪ :‬أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة‬ ‫(العسرة)‪ :‬اسم من ِ‬
‫وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود املال‪( .‬فنظرة) الفاء جواب الشرط‪ ،‬ونظرة مبتدأ خبره محذوف‪،‬‬
‫أي‪ :‬فعليكم نظرة‪ ،‬وقيل‪ :‬خبر مبتدأ محذوف‪ ،‬أي‪ :‬فاألمر أو فالواجب نظرة(‪.)2‬‬
‫َ َ ُ ْ َ ُ ْ ُ‬
‫اإلنظار بمعنى اإلمهال واالنتظار‪ ،‬يقال‪ :‬نظرته وان َتظ ْرت ُه وأنظرته‪ ،‬تأنى عليه وأمهله‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫والن ِظ َرة‪ :‬اسم من‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫في الطلب(‪ )3‬فتقول‪ :‬بعته الش يء َبن َظرة وبإنظار‪ ،‬قال تعالى‪َ {:‬ق َ‬
‫نظ ْرِنى ِإلى َي ْو ِم ُي ْب َعثون * قا َل‬
‫ال َر ّب أ ِ‬
‫َ َّ َ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ ْ َ ْ ُ‬
‫وم }[الحجر‪ .)4(]38 ،37 ،36:‬وامليسرة‪ :‬مفعلة من اليسر‬ ‫ف ِإنك ِمن املنظ ِرين * ِإلى يو ِم الوق ِت املعل ِ‬
‫حاله‪َ ،‬‬‫ُ‬
‫واليسير‬ ‫اإلعسار‪ .‬يقال‪ :‬أيسر الرجل فهو موسر إذا اغتنى وكثر ماله وحسنت‬ ‫الذي هو ضد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫وامليسور‪ :‬السهل‪ ،‬قال تعالى‪( :‬فقل لهم قوال ميسورا)(اإلسراء‪ .)28 :‬وامليسرة واليسار عبارة عن‬
‫الغنى(‪.)5‬‬
‫واملعنى‪ :‬وإن وجد مدين معسر فأمهلوه في أداء دينه إلى الوقت الذي يتمكن فيه من سداد ما عليه‬
‫من ديون‪ ،‬وال تكونوا كأهل الجاهلية الذين كان الواحد منهم إذا كان له دين على شخص وحل‬
‫موعد الدين طالبه بشدة وقال له‪ :‬إما أن تقض ي وإما أن تربي أي تدفع زيادة على أصل الدين‪.‬‬
‫واإلعسار هو أن ال يجد في ملكه ما يؤديه بعينه‪ ،‬وال يكون لـه ما لو باعه ألمكنه أداء الدين من ثمنه‪،‬‬
‫وأداء ثمنها‪ ،‬وال يجوز أن ي َ‬ ‫بيعها َ‬ ‫وثيابا ال يعد في ذوي العسرة‪ ،‬إذا ما أمكنه َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حبس‬ ‫فلهذا‪ :‬من وجد دارا‬
‫إال قوت يوم لنفسه وعياله‪ ،‬وما ال بد لهم من كسوة لصالتهم ودفع البرد والحر عنهم‪ ،‬واختلف‬
‫ً‬
‫الفقهاء إذا كان قويا هل يلزمه أن يؤاجر نفسه من صاحب الدين أو غيره‪:‬‬
‫‪-‬فقال بعضهم‪ :‬يلزمه ذلك‪ ،‬كما يلزمه إذا احتاج لنفسه ولعياله‪.‬‬
‫‪-‬وقال بعضهم‪ :‬ال يلزمه ذلك(‪.)6‬‬
‫ومن كثرت ديونه وطلب غرماؤه مالهم فللحاكم أن يخلعه عن كل مالـه ويترك له ما كان من ضرورته‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال القرطبي‪« :‬واملشهور أنه يترك لـه كسوته املعتاد ما لم يكن فيها فضل‪ ،‬وال ُين َزع منه رداؤه إن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )128/2‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)73/3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬روح املعاني لأللوس ي (‪.)73/3‬‬
‫حيان (‪.)352/2‬‬ ‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )812 :‬مادة (نظر)‪ .‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬املحرر الوجيز البن عطية (‪ )377/1‬والتفسير الكبير للرازي (‪.)85/7‬‬
‫حيان (‪.)352/2‬‬‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )892 :‬مادة (يسر)‪ .‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪ )85/7‬والجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪.)366/3‬‬

‫‪44‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫كان ذلك ُم ْزريا به‪ ،‬وفي ترك كسوة زوجته وفي بيع كتبه إن كان عاملا خالف‪ ،‬وال يترك لـه مسكن وال‬
‫يحرم َح ْب ُسه‪ .‬واألصل في هذا قولـه تعالى‪َ ):‬وإن َك َ‬
‫ان‬ ‫قيمتها؛ وعند هذا ُ‬ ‫تقل ُ‬ ‫خادم وال ثوب جمعة ما لم َّ‬
‫ِ‬
‫َ ٌ َ‬ ‫ُ‬
‫ذو ُع ْس َر ٍة ف َن ِظ َرة ِإلى َم ْي َس َر ٍة(‪.‬‬
‫ُ‬
‫الخدر ّي قال‪ :‬أصيب رجل في عهد رسول هللا صلى هللا عليه‬ ‫ِ‬ ‫األئمة واللفظ ملسلم عن أبي سعيد‬ ‫روى ّ‬
‫ّ‬
‫فتصدق‬ ‫دينه؛ فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬تصدقوا عليه»‬ ‫وسلم في ثمار ابتاعها فكثر ْ‬
‫الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لغرمائه‪« :‬خذوا ما‬
‫َّ‬
‫وجدتم وليس لكم إال ذلك»(‪ .)1‬واختلف الفقهاء هل الطلب هنا للوجوب أو الندب‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬فإن أريد بالعسرة ُ‬
‫العدم أي نفاد مالـه كله فالطلب للوجوب‪.‬‬
‫بالعسرة ضيق الحال وإضرار املدين بتعجيل القضاء فذهب جمهور العلماء إلى الندب‪،‬‬ ‫‪-‬وإن أريد ُ‬
‫وذهب بعضهم إلى الوجوب(‪.)2‬‬
‫وجمهور العلماء عمموا هذه اآلية في جميع املعامالت ولم يعتبروا خصوص السبب؛ ألنه ملا أبطل‬
‫ّ‬ ‫بحتا‪ ،‬فهذا الحكم ثابت َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫للدين كله‪ ،‬وهذا قول أكثر الفقهاء كأبي‬ ‫حكم الربا صار رأس املال دينا‬
‫حنيفة ومالك والشافعي رض ي هللا عنهم (‪.)3‬‬
‫)وأن تصدقوا خير لكم( ّ‬
‫ثم حبب ‪ -‬سبحانه ‪ -‬إلى عباده التصدق بكل أو ببعض ما لهم من ديون على املدينين املعسرين فقال‬
‫ُ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ َ َّ ُ‬
‫ص َّدقوا خ ْي ٌر لك ْم ِإن ك ْن ُت ْم ت ْعل ُمون)‪.‬‬ ‫‪ -‬تعالى ‪ ( :-‬وأن ت‬
‫َ َ َّ ُ ْ‬
‫قرأ عاصم (تصدقوا) بتخفيف الصاد والباقون بتشديدها‪ ،‬واألصل فيه‪ :‬أن تتصدقوا بتاءين‪ ،‬فمن‬
‫ً‬
‫خفف حذف إحدى التاءين تخفيفا‪ ،‬ومن شدد أدغم إحدى التاءين في األخرى‪.‬‬
‫وفي التصدق قوالن‪ّ :‬‬
‫َّ‬
‫األول‪ :‬أن تصدقوا على املعسر بما عليه من الدين‪ ،‬إذ ال يصح التصدق به على غيره‪ ،‬وإنما جاز هذا‬
‫الحذف للعلم به؛ ألنه قد جرى ذكر املعسر وذكر رأس املال فعلم أن التصدق راجع إليهما‪ ،‬وهو‬
‫َ َ ْ َْ‬
‫كقوله َ{وأن ت ْع ُفوا أق َر ُب ِل َّلت ْق َوى}[البقرة‪.]237 :‬‬
‫والثاني‪ :‬أن املراد بالتصدق اإلنظار لقوله عليه السالم‪( :‬ال يحل دين رجل مسلم فيؤخره إال كان له‬
‫حيان‪ ،‬ألن اإلنظار ثبت وجوبه باآلية األولى‪ ،‬فال بد‬ ‫بكل يوم صدقة) وضعف هذا القول الرازي وأبو ّ‬

‫الدين (‪ )1556‬وهناك مسائل فقهية أخرى تتعلق بهذه اآلية‬ ‫ض َع من ّ‬ ‫الو ْ‬


‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في املساقاة‪ ،‬باب‪ :‬استحباب َ‬
‫تنظر في شرح النووي لصحيح مسلم (ص‪ )992 :‬والجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪.)366/3‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التحرير والتنوير البن عاشور (‪.)562/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )130/2‬والتفسير الكبير للرازي (‪ )85/7‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)73/3‬‬

‫‪45‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫َ َّ ُ‬
‫من حمل هذه اآلية على فائدة جديدة‪ ،‬وألن قوله (خ ْي ٌر لك ْم) ال يليق بالواجب بل باملندوب(‪.)1‬‬
‫الشر(‪ ،)2‬واملراد بالخير هنا حصول‬ ‫الكل من األمور النافعة‪ ،‬وضده ُّ‬ ‫يرغب فيه ُّ‬ ‫ُ‬ ‫(خير لكم) الخير‪ :‬ما‬
‫الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في اآلخرة(‪). 3‬‬
‫ُ َ َ َ‬
‫) ِإن ك ُنت ْم ت ْعل ُمون( جملة شرطية جوابها محذوف وفي تقدير املحذوف وجوه عدة‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن كنتم تعلمون أن هذا التصدق خير لكم إن عملتموه‪ ،‬فجعل العمل من لوازم العلم‪ ،‬وفيه‬
‫تهديد شديد على العصاة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬إن كنتم تعلمون فضل التصدق على اإلنظار والقبض‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬إن كنتم تعلمون أن ما يأمركم به ربكم أصلح لكم‪ ،‬أي‪ :‬وأن تتركوا للمعسر كل أو بعض ما‬
‫ً‬
‫لكم عليه من ديون وتتصدقوا بها عليه‪ ،‬فإن فعلكم هذا يكون أكثر ثوابا لكم من األنظار‪.‬‬
‫واملعنى البالغي املترتب على ذلك‪ :‬إن كنتم تعلمون أن هذا التصدق خير لكم فال تتباطؤا في فعله‪،‬‬
‫بل سارعوا إلى تنفيذه فإن التصدق بالدين على املعسر ثوابه جزيل عند هللا ‪ -‬تعالى ‪.)4(-‬‬
‫وقد أورد بعض املفسرين جملة من األحاديث النبوية التي تحض على إمهال املعسر‪ ،‬والتجاوز عما‬
‫عليه من ديون‪.‬‬
‫ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪َ «:‬منْ‬
‫ض ْع َع ْن ُه»(‪.)5‬‬‫س َع ْن ُم ْعسر َأ ْو َي َ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ُ َّ‬
‫الل ُه ِم ْن ُك َرب َي ْوم ْال ِق َي َام ِة َف ْل ُي َن ِّف ْ‬ ‫سره أن ين ِجيه‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال‪"َ :‬كانَ‬‫الل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ -‬ق َ‬
‫ُ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ َ ْ َّ ّ َ َّ َّ‬
‫وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ‪-‬ر ِض ي الله عنه‪-‬عن الن ِب ِي ‪-‬صلى‬
‫َ ٌ ُ َ ُ َّ َ َ َ َ َ ُ ْ ً َ َ ْ َ َ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ َ َ َّ‬
‫اللهُ‬ ‫ت ِاجر يد ِاين الناس ف ِإذا رأى مع ِسرا قال ِل ِفتيا ِن ِه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز‬
‫َّ ُ َ َّ َ َ َّ َ ْ ُ َ َ ُّ َ َ ْ ُ َ َ َ ُ َ ْ ُ‬ ‫َُْ‬
‫اإلمام أحمد‬ ‫عنه" وفي رواية ملسلم‪" :‬قال الله ‪-‬عز وجل‪ -‬نحن أحق ِبذ ِلك ِمنه تجاوزوا عنه"(‪ .)6‬وروى ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ستجاب دعوت ُّه ‪ ،‬وأن تكشف‬ ‫َّ‬ ‫أراد أن ت‬ ‫عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪«:‬من‬
‫فر ْج عن ُم ْع ِس ٍّر»(‪ّ .)7‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ َْ ُ ُ‬
‫كربته ‪ ،‬فلي ِ‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪ )85/7‬والبحر املحيط ألبي ّ‬


‫حيان (‪.)352/2‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )300 :‬مادة (خير)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )130/2‬والتفسير الكبير للرازي (‪ )85/7‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)73/3‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬إرشاد العقل السليم ألبي السعود (‪.)320/1‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه من حديث أبي قتادة مرفوعا‪ :‬مسلم في املساقاة‪ ،‬باب‪ :‬فضل إنظار املعسر(‪)1563‬‬
‫(‪ )6‬أخرجه من حديث أبي هريرة مرفوعا‪ :‬البخاري في البيوع‪ ،‬باب‪ :‬من أنظر معسرا(‪ )2078‬وفي حديث األنبياء(‪)3480‬‬
‫ومسلم في املساقاة‪ ،‬باب فضل إنظار املعسر (‪.)1562‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه من حديث عبد هللا بن عمر مرفوعا‪ :‬أحمد في املسند (‪ .)337 /6‬قال أحمد شاكر‪ " :‬في إسناده نظر"‪.‬‬
‫وضعف إسناده األلباني في ضعيف الجامع برقم (‪ )5387‬وفي ضعيف الترغيب (‪ )538‬وفي السلسلة الضعيفة (‪.)6808‬‬

‫‪46‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫املطلب السابع ّ‬
‫َ َّ ُ َّ ُ َ َّ ُ ُّ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ ً ُ ْ َ ُ َ‬
‫ن( [البقرة‪ّ ]281:‬‬ ‫س ما كسبت وهم ال يظلمو ّ‬ ‫)واتقوا يوما ترجعون ِف ِيه ِإلى الل ِه ثم توفى كل نف ٍ‬
‫مناسبة اآلية ملا قبلها ّ‬
‫ّ‬
‫ساق ‪ -‬سبحانه ‪ -‬في ختام حديثه على الربا آية كريمة ذكر الناس فيها بزوال الدنيا وفناء ما فيها من‬
‫َ َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ً ُ‬
‫أموال‪ ،‬وباالستعداد لآلخرة وما فيها من حساب فقال ‪ -‬تعالى‪َ ):‬و َّات ُقوا َي ْوما ت ْر َج ُعون ِف ِيه ِإلى الل ِه ث َّم‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َّ ُ ُّ َ ْ‬
‫س َّما ك َس َب ْت َو ُه ْم ال ُيظل ُمون(‪.‬‬
‫توفى كل نف ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أي‪ :‬واحذروا أيها املؤمنون يوما عظيما في أهواله وشدائده‪ ،‬وهو يوم القيامة الذي تعودون فيه إلى‬
‫خالقكم فيحاسبكم على أعمالكم‪ ،‬ثم يجازي – سبحانه‪ -‬كل نفس ما كسبت من خير أو شر بمقتض ى‬
‫عدله وفضله‪ ،‬وال يظلم ربك أحدا‪.‬‬
‫فاآلية الكريمة تعقيب حكيم يتناسب كل التناسب مع جو املعامالت واألخذ والعطاء‪ ،‬حتى يبتعد‬
‫الناس عن كل معاملة لم يأذن بها هللا – تعالى‪ ،‬واآلية وعظ لجميع الناس وأمر يخص كل إنسان(‪.)1‬‬
‫يوما ترجعون فـيه إلـى هللا فتلقونه فـيه أن ُت ّ‬ ‫ً‬
‫ردوا علـيه بسيئات‬ ‫قال الطبري‪« :‬واحذروا أيها الناس‬
‫تهلككم‪ ،‬أو بـمخزيات تـخزيكم‪ ،‬أو بفضيحات تفضحكم‪ ،‬فتهتك أستاركم‪ ،‬أو بـموبقات توبقكم‪،‬‬
‫فتوجب لكم من عقاب هللا ما ال قبل لكم به‪ ،‬وإنه يوم مـجازاة األعمال ال يوم استعتاب‪ ،‬وال يوم‬
‫استقالة وتوبة وإنابة‪ ،‬ولكنه يوم جزاء وثواب ومـحاسبة‪ ،‬توفـى فـيه كل نفس أجرها علـى ما قدمت‬
‫وشر إال أحضرت‪ ،‬فتوفـى جزاءها‬ ‫واكتسبت من سيئ وصالـح‪ ،‬ال يغادر فـيه صغيرة وال كبـيرة من خير ّ‬
‫بـالعدل من ربها‪ ،‬وهم ال يظلـمون‪ .‬وكيف يظلـم من جوزي بـاإلساءة مثلها وبـالـحسنة عشر أمثالها‪،‬‬
‫وتكرم علـيك أيها الـمـحسن»(‪.)2‬‬ ‫كال بل عدل علـيك أيها الـمس يء‪ّ ،‬‬
‫يعبر به عن مدة من الزمان(‪ .)3‬منصوب‬ ‫) َي ْو ًما( اليوم‪ُ :‬ي َع َّب ُر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها‪ ،‬وقد ّ‬
‫على املفعول به‪ ،‬ال على الظرف‪ ،‬ألنه ليس املعنى‪ :‬واتقوا في هذا اليوم‪ ،‬لكن املعنى تأهبوا للقائه بما‬
‫دان‬‫ف َت َّت ُقو َن إن َك َف ْرُت ْم َي ْو ًما َي ْج َع ُل ْالو ْل َ‬ ‫ََْ َ‬
‫تقدمون من العمل الصالح‪ ،‬ومثله قوله‪):‬فكي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫ِشيبا( [املزمل‪ ]17:‬أي كيف تتقون هذا اليوم الذي هذا وصفه مع الكفر باهلل‪.‬‬
‫واليوم عبارة عن زمان مخصوص‪ ،‬وذلك ال ُيتقى‪ ،‬وإنما يتقى ما يحدث فيه من الشدة واألهوال‪،‬‬
‫ْ‬
‫واتقاء تلك األهوال ال يمكن إال في دار الدنيا بمجانبة املعاص ي وفعل الواجبات‪ ،‬فيكون قوله‪َ ):‬و َّات ُقوا‬
‫َي ْو ًما(يتضمن األمر بجميع أقسام التكاليف‪.‬‬
‫ّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪.)368/3‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪.)133/2‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )894 :‬مادة (يوم)‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫(ترجعون فيه إلى هللا) ّ‬


‫ُ‬ ‫والر ُ‬‫دء‪َّ ،‬‬ ‫الب ُ‬‫ود إلى ما كان منه َ‬ ‫الع ُ‬
‫الرجوع‪َ :‬‬
‫جع‪ :‬اإلعادة(‪.)1‬‬
‫والرجوع إلى هللا تعالى ليس املراد منه ما يتعلق باملكان والجهة فإن ذلك محال على هللا تعالى‪ ،‬وليس‬
‫املراد منه الرجوع إلى علمه وحفظه‪ ،‬فإنه معهم أينما كانوا لكن كل ما في القرآن من قوله‪ُ ):‬ت ْر َج ُعو َن‬
‫َ َّ‬
‫ِإلى الل ِه( لـه معنيان‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن اإلنسان له أحوال ثالثة على الترتيب‪:‬‬
‫فالحالة األولى‪ :‬كونهم في بطون أمهاتهم‪ ،‬ثم ال يملكون نفعهم وال ضرهم‪ ،‬بل املتصرف فيهم ليس إال‬
‫هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والحالة الثانية‪ :‬كونهم بعد الخروج من بطون أمهاتهم‪ ،‬وهناك يكون املتكفل بإصالح أحوالهم في‬
‫أول األمر األبوين‪ ،‬ثم بعد ذلك يتصرف بعضهم في بعض في حكم الظاهر‪.‬‬
‫ً‬
‫والحالة الثالثة‪ :‬بعد املوت وهناك ال يكون املتصرف فيهم ظاهرا في الحقيقة إال هللا سبحانه‪ ،‬فكأنه‬
‫بعد الخروج عن الدنيا عاد إلى الحالة التي كان عليها قبل الدخول في الدنيا‪ ،‬فهذا هو معنى الرجوع‬
‫إلى هللا(‪.)2‬‬
‫واملعنى الثاني‪ :‬أن يكون املراد يرجعون إلى ما أعد هللا لهم من ثواب أو عقاب‪ ،‬وكال التأويلين حسن‬
‫مطابق للفظ‪.‬‬
‫ُ َّ ُ َ َّ ُ ُّ َ ْ َّ َ َ َ ْ‬
‫ت( ّ‬
‫س ما كسب ّ‬ ‫)ثم توفى كل نف ٍ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وفى‪ :‬من أوفى‪ ،‬إذا َّتمم العهد ولم ينق ْ‬ ‫ُ ّ‬
‫ض ِحفظه‪ ،‬وضده الغدر‪ ،‬قال تعالى‪) :‬وأوفوا بعهدي أوف‬ ‫ت‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بعهدكم(‪ ،‬ومعنى توفى هنا‪ :‬االستيفاء(‪.)3‬‬
‫واملراد أن كل مكلف فهو عند الرجوع إلى هللا ال بد وأن يصل إليه جزاء عمله بالتمام‪ ،‬كما قال‪َ َ(:‬من‬
‫ال َذ َّر ٍة َش ّ ًرا َي َر ُه)[الزلزلة‪ ]7،8:‬وقال‪):‬إ َّن َها إن َت ُك ِم ْث َق َ‬
‫ال‬ ‫ال َذ َّر ٍة َخ ْي ًرا َي َر ُه * َو َمن َي ْع َـم ْل ِم ْث َق َ‬ ‫َي ْع َم ْل ِم ْث َق َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫وقال‪{:‬و َن َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ض ُع‬ ‫َ‬ ‫ض َيأ ِت ِب َها الل ُه( [لقمان‪]16 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ات أ ْو ِفى األ ْر‬ ‫صخ َر ٍة أ ْو ِفى السمـاو ِ‬ ‫َح َّب ٍة ّم ْن خ ْر َد ٍل ف َتك ْن ِفى‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ان ِم ْث َق َ‬‫س َش ْي ًئا َوإن َك َ‬ ‫ط ِل َي ْوم ْال ِق َي َـام ِة َف َال ُت ْظ َل ُم َن ْف ٌ‬ ‫َْ َ ْ ْ َ‬
‫ال َح َّب ٍة ّم ْن خ ْر َد ٍل أت ْي َنا ِب َها َوك َفى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وازين ال ِقس‬ ‫امل ِ‬
‫ِب َنا حاسبين([األنبياء‪.]47 :‬‬
‫)ما كسبت( ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫نفع‪ ،‬وتحصيل حظ‪ ،‬ككسب املال‪ ،‬وقد يستعمل فيما‬ ‫الكسب‪ :‬ما يتحراه اإلنسان مما ًفيه اجتالب ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُّ‬
‫جل َب به مضرة‪ .‬وقد ورد في القرآن في فعل الصالحت‬ ‫يجلب منفعة‪ ،‬ثم است ِ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان أنه‬ ‫يظن‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )344 :‬مادة (رجع)‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪ )86/7‬وروح املعاني لأللوس ي (‪.)74/3‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )878 :‬مادة (وفى)‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫ً‬ ‫والسيئات‪ ،‬فمما ُ‬ ‫ّ‬


‫استعمل في الصالحات قولـه‪( :‬أو كسبت في إيمانها خيرا) (األنعام‪ )158 :‬ومما‬
‫ً‬ ‫بسل ٌ‬‫يستعمل في السيئات‪( :‬أن ُت َ‬
‫نفس بما كسبت) ويرد أحيانا في فعل الصالحات والسيئات كما في‬
‫قولـه (ثم توفى كل نفس ما كسبت)(‪.)1‬‬
‫َ ْ‬
‫ت( وجهان‪ّ :‬‬ ‫وفي معنى قوله‪َّ ):‬ما ك َس َب ّ‬
‫ً‬
‫األول‪ :‬أن فيه حذفا والتقدير جزاء ما كسبت‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن املكتسب هو ذلك الجزاء‪ ،‬ألن ما يحصله الرجل بتجارته من املال فإنه يوصف في اللغة‬
‫رجحه‬‫بأنه مكتسبه‪ ،‬فقوله‪ُ ):‬ت َو َّفى ُك ُّل َن ْفس َّما َك َس َب ْت( أي‪ :‬توفى كل نفس مكتسبها‪ ،‬وهذا املعنى ّ‬
‫ٍ‬
‫الرازي‪ ،‬ألنه مهما أمكن تفسير الكالم بحيث ال يحتاج فيه إلى اإلضمار كان أولى(‪). 2‬‬
‫قا بهم‪ّ ،‬‬ ‫ْ ً‬
‫كأن هللا تعالى رفق باملؤمنين على أن يواجههم‬ ‫وعدل جل وعال عند ذكر الرجعة إلى الغيبة ِرف‬
‫َ َّ ُ َ ْ ً‬
‫بذكر الرجعة‪ ،‬إذ هي مما ينفطر لها القلوب فقال لهم‪« :‬واتقوا يوما»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫وجمهور العلماء على أن هذا اليوم املحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية‪ ،‬وفي قوله «إلى‬
‫َّ‬
‫الل ِه» مضاف محذوف‪ ،‬تقديره إلى حكم هللا وفصل قضائه‪ .‬وفي هذه اآلية نص على أن الثواب‬
‫الج ْب ِرَّية(‪.)3‬‬
‫والعقاب متعلق بكسب األعمال‪ ،‬وهو رد على َ‬
‫َ َْ َ‬
‫) َو ُه ْم ال ُيظل ُمو ّ‬
‫ن( ّ‬
‫ختص به‪ ،‬إما بنقصان أو زيادة‪ ،‬والظلم‪ :‬يقال‬ ‫الظلم‪ :‬عند أهل اللغة وضع الش يء في غير موضعه املُ ّ‬
‫ِ‬
‫الحق‪ .‬واملعنى هنا‪ ،‬أي‪ :‬ال ينقصون مما يكون جزاء العمل الصالح من الثواب‪ ،‬وال يزادون‬ ‫في ُمجاوزة ّ‬
‫ِ‬
‫على جزاء العمل الس يء من العقاب(‪). 4‬‬

‫س َّما ك َس َب ْت( ال معنى لـه إال أنهم ال يظلمون‪ ،‬فكان ذلك‬


‫َ‬ ‫ُ َ َّ ُ ُّ َ ْ‬
‫قد يظن البعض أن قوله‪) :‬توفى كل نف ٍ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫س َّما ك َس َب ْت( كان ذلك دليال على إيصال العذاب إلى‬ ‫ُ َ َّ ُ ُّ َ ْ‬ ‫ً‬
‫تكريرا‪ ،‬وجوابه‪ :‬أنه تعالى ملا قال‪) :‬توفى كل نف ٍ‬
‫الفساق والكفار‪ ،‬فكان لقائل أن يقول‪ :‬كيف يليق بكرم أكرم األكرمين أن يعذب عبيده فأجاب‬
‫َ َْ َ‬
‫عنه بقوله‪َ ):‬و ُه ْم ال ُيظل ُمون( واملعنى أن العبد هو الذي أوقع نفسه في تلك الورطة ألن هللا تعالى‬
‫مكنه وأزاح عذره‪ ،‬وسهل عليه طريق االستدالل‪ ،‬وأمهله فمن قصر فهو الذي أساء إلى نفسه‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املفردات للراغب (ص‪ )710 :‬مادة (كسب)‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪.)86/7‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن للقرطبي (‪.)368/3‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬التفسير الكبير للرازي (‪ )85/7‬والبحر املحيط ألبي ّ‬
‫حيان (‪.)352/2‬‬

‫‪49‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫والراجح أن هذه اآلية هي آخر ما نزل من القرآن‪ ،‬فقد أخرج غير واحد عن ابن عباس أن هذه اآلية‬
‫هي آخر ما نزل على رسول‪ --‬من القرآن‪ ،‬واختلف في مدة بقائه بعدها‪ .‬فقيل‪ :‬تسع ليال‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ً‬
‫سبعة أيام‪ .‬وقيل‪ :‬واحد وعشرين يوما‪ .‬وروى أنه قال‪ :‬اجعلوها بين آيات الربا وآية الدين»(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا‪ ،‬واملتدبر في هذه اآليات التي وردت في موضع الربا‪ ،‬يراها قد نفرت منه تنفيرا شديدا‪ ،‬وتوعدت‬
‫متعاطية بأشد العقوبات‪ ،‬وشبهت الذين يأكلونه بتشبيهات تفزع منها النفوس‪ ،‬وتشمئز منها القلوب‪،‬‬
‫وحضت املؤمنين على أن يلتزموا في معامالتهم ما شرعه هللا لهم‪ ،‬وأن يتسامحوا مع املعسرين‬
‫ويتصدقوا عليهم بما يستطيعون التصدق به‪.‬‬
‫ّ‬
‫الخاتمة ّ‬
‫الحمد هلل رب العاملين والصالة والسالم على سيدنا محمد سيد املرسلين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فبعد االنتهاء من تفسير آيات الربا‪ ،‬ودراستها دراسة تحليلية‪ ،‬فقد توصلت إلى النتائج اآلتية‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ّ :‬إن القرآن الكريم محكم في ألفاظه‪ ،‬بليغ في معانيه‪ ،‬وهذا يظهر عند التعرض أللفاظه والوقوف‬
‫عند آياته‪ ،‬وهذا يعني ّأن القرآن اهتم بالحرف واللفظ والجملة‪ ،‬وكان يورد كل ذلك في مكانه‬
‫املناسب واملالئم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ال يستطيع أحد أن يدعي الوصول إلى املعنى النهائي في كتاب هللا عز وجل‪ ،‬وهذا ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫سر إعجاز هذا‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬بحيث أن معانيه يمكن إنزالها في وقت وفي كل حين‪ ،‬فالقرآن الكريم ال يختص بزمن‬
‫من األزمنة أو بمكان من األمكنة‪ ،‬بل هو مناسب لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ّ :‬إن دراسة آيات الربا توقفنا على جانب هام من اإلعجاز التشريعي إضافة إلى اإلعجاز البياني‪،‬‬
‫فكما ّأن القرآن معجز ببيانه وبالغته‪ ،‬فكذلك هو معجز بأحكامه وتشريعاته‪.‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ّ :‬إن دراسة آيات القرآن دراسة تحليلية بيانية توقفنا على كثير من أسرار هذا القرآن العظيم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التي ال تظهر فيما لو أنه فسر تفسيرا عاما أو إجماليا‪ ،‬ومن غير االستعانة باللغة العربية إلى جانب‬
‫علوم أخرى مما يحتاجه املفسر في تدبره آليات القرآن ال يمكن الوصول إلى هذه األسرار العظيمة‪.‬‬
‫ً‬
‫خامسا‪ّ :‬إن هذه اآليات تحمل الدليل القاطع على أن هذا القرآن ليس من عند بشر‪ ،‬وليس لهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫القدرة على اإلتيان بمثلـه‪ ،‬ألفاظا ونظما وأسلوبا وأحكاما وقيما وسلوكا‪ ،‬كيف ال وهو من عند هللا‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ َ ْ ْ َ ً َ‬
‫ات َرِّبي ل َن ِف َد ال َب ْح ُر ق ْب َل أ ْن ت ْن َف َد‬
‫املتصف بالكمال‪ ،‬يقول هللا تعالى‪):‬ق ْل ل ْو كان ال َبح ُر ِمدادا ِلك ِل َم ِ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َكل َم ُ‬
‫ات َرِّبي َول ْو ِج ْئ َنا ِب ِمث ِل ِه َم َددا( [الكهف‪.]109:‬‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطبري (‪ )132/2‬والتفسير الكبير للرازي (‪ )86/7‬وروح املعاني لأللوس ي (‪ ،)74/3‬وينظر تفصيل‬
‫املسألة في إتقان البرهان للدكتور فضل (‪.)167/1‬‬

‫‪50‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫سادسا‪ :‬الربا في الصورة زيادة وفي الحقيقة نقص وعيب ضد ما عليه الزكاة والصدقة من اإلعطاء‬
‫ً‬
‫مجانا‪ ،‬فهي في الظاهر نقص وفي الباطن زيادة وخير‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬اقتران آيات الصدقة بآيات الربا هو من أجل التمييز بين صنفين من الناس‪ :‬خيرهم وشرهم‪،‬‬
‫فخير الناس املنفق‪ ،‬وشر الناس املرابي‪ ،‬وأن مرتكب جريمة الربا هو من أخس الناس وأظلمهم‪،‬‬
‫بدليل ما ذكرته اآلية بحيث صورته بهذه الصورة الشنيعة والقبيحة املتمثلة في التعبير عن جريمته‬
‫هذه باألكل والتخبط واملس والتوعد بالعذاب الشديد‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬الربا املحرم في القرآن هو ربا الجاهلية‪ ،‬الذي يتعاملون به ويأكلونه‪ ،‬فكان الرجل أيام الجاهلية‬
‫ُ‬
‫األجل قال املدين للدائن‪ :‬زدني في األجل وأزيدك في مالك‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يكون لـه على آخر ٌ‬
‫دين‪ ،‬فإذا َّ‬
‫حل‬
‫يسمى «ربا النسيئة»‪ ،‬وهذا النوع من الربا‪ ،‬هو املراد في قول النبي عليه الصالة والسالم في خطبة‬
‫عمي ّ‬ ‫ربا أضع‪ :‬ربا ّ‬‫ً‬ ‫الوداع‪«:‬أال ّ‬
‫العباس بن عبد املطلب»(‪ ،)1‬ويسمى‬ ‫وإن ربا الجاهلية موضوع وأول‬
‫هذا النوع بربا النسيئة‪ ،‬أما ربا البيوع فهو الذي حرمته السنة النبوية‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخيرا أسأل هللا عز وجل أن يكون قد وفقني في عملي هذا‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العاملين‪،‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آلـه وصحبه وسلم تسليما‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه من حديث جابر بن عبد هللا مرفوعا‪ :‬مسلم في الحج‪ ،‬باب‪ :‬في املتعة بالحج والعمرة(‪ )1218‬وأبو داود في‬
‫املناسك‪ ،‬باب‪ :‬صفة حجة النبي‪ )1905(--‬وابن ماجه في املناسك‪ ،‬باب‪ :‬حجة رسول هللا (‪.)3074‬‬

‫‪51‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫املصادر واملراجع ّ‬
‫ّ‬
‫إتقان البرهان في علوم القرآن‪ ،‬عباس‪ ،‬فضل حسن‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬السيوطي‪ ،‬عبد الرحمن أبو بكر(ت‪911 :‬هـ) دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫محمد بن ّ‬
‫الغني(ت‪1117:‬هـ)‬ ‫إتحاف فضالء البشر في القراءات األربعة عشر‪ ،‬الدمياطي‪ ،‬أحمد بن ّ‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيـروت‪1422 ،‬هـ‪2001-‬م‪ ،‬ال يوجد رقم طبعة‪.‬‬
‫أحكام القرآن‪ ،‬الجصاص‪ ،‬أبو بكر أحمد بن علي (ت‪370 :‬ه)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1415‬هـ‪1994-‬م‪ .‬وطبعة دار إحياء التراث العربي‪ ،‬تحقيق محمد الصادق قمحاوي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪1412‬هـ‪1992-‬م‪.‬‬
‫أحكام القرآن‪ ،‬ابن العربي‪ ،‬أبو بكر محمد بن عبد هللا (ت‪543 :‬هـ) تحقيق محمد البجاوي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫أساس البالغة‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬محمود بن عمر (ت‪538:‬هـ) دار إحياء التراث‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫عمان‪ ،‬ط‪1422 ،4‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬ ‫إعجاز القرآن‪ ،‬عباس‪ ،‬فضل حسن‪ ،‬دار الفرقان‪ّ ،‬‬
‫أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬البيضاوي‪ ،‬عبدهللا بن محمد (ت‪791 :‬هـ)‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪1999‬م‪.‬‬
‫البحر املحيط‪ ،‬أبو حيان‪ ،‬محمد بن يوسف (ت‪745 :‬هـ) تحقيق‪ :‬عادل أحمد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪2001 ،1‬م‪.‬‬
‫البحر املحيط في أصول الفقه‪ ،‬الزركش ي‪ ،‬محمد بن بهادر بن عبد هللا (ت‪794 :‬هـ) تحقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫محمد تامر‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫والص َرع‪ ،‬الحلبي‪ ،‬علي عبد الحميد‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫َّ‬ ‫برهان الشرع في إثبات املس‬
‫‪1417‬هـ‪1996-‬م‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫البرهان في االستشفاء بالسنة والقرآن‪ ،‬الجيجلي‪ ،‬حسين بن بخمة‪ ،‬دار ابن كثيـر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1421‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫البـرهان في علوم القرآن‪ ،‬الزركش ي‪ ،‬محمد بن عبد هللا (ت‪794 :‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1421 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫التحرير والتنوير‪ ،‬ابن عاشور‪ ،‬محمد الطاهر ابن عاشور‪ ،‬مؤسسة التاريخ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1420‬هـ‪200-‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تفسيـر القرآن العظيم‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬محمد‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسان الجبالي‪ ،‬بيت األفكار الدولية‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪1420‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫تفسير املنار‪ ،‬رضا‪ ،‬محمد رشيد‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ط‪2002 ،1‬م‪.‬‬
‫ـحمد بن عمر ُ‬
‫الطبرستاني (ت‪606 :‬هـ) دار إحياء التراث‬ ‫التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)‪ ،‬الرازي‪ ،‬م ّ‬
‫ّ‬
‫العربي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1422 ،4‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫محمد بن أحمد (ت‪370 :‬هـ) دار إحياء التراث‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬ ‫تهذيب اللغة‪ ،‬األزهري‪ّ ،‬‬

‫‪52‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫آيات الربا‪ :‬دراسة في املعاني الدالليّة والبيانيّة‬

‫جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير(‪ ،)310-224‬جامع البيان عن تأويل‬
‫آي القرآن‪ ،‬تعليق محمود شاكر‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطبي‪ ،‬محمد بن أحمد األنصاري‪ ،‬تحقيق محمد الحفناوي ومحمود‬
‫عثمان‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1416 ،2‬هـ‪1996-‬م‪.‬‬
‫الجامع الصحيح‪ ،‬الترمذي‪ ،‬محمد بن عيس ى بن سورة (‪ )279-209‬إعداد فريق بيت األفكار‬
‫الدولية‪ ،‬الرياض‪1420 ،‬هـ‪1999-‬م‪ ،‬ال يوجد رقم طبعة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املسماة ِعناية القاض ي وكفاية الراض ي على تفسيـر البيضاوي‪ ،‬الخفاجي‪ ،‬أحمد‬ ‫حاشية الشهاب‬
‫َ‬ ‫بن م ّ‬
‫ـحمد الخفاجي (ت‪1069:‬هـ) ضبط وتخريج‪ :‬عبد الرزاق املهدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ط‪1417 ،1‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬
‫حاشية الطحطاوي على مراقي الفالح شرح نور اإليضاح‪ ،‬الطحطاوي‪ ،‬أحمد بن محمد (ت‪:‬‬
‫‪1231‬هـ) مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1318 ،3‬هـ‪.‬‬
‫الدر املصون في علوم الكتاب املكنون‪ ،‬السمين الحلبي‪ ،‬أحمد بن يوسف (ت‪756 :‬هـ) تحقيق‪:‬‬ ‫ّ‬
‫الخراط‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1406 ،1‬هـ‪1986-‬م‪.‬‬ ‫أحمد ّ‬
‫الدر املنثور في التفسير باملأثور‪ ،‬السيوطي (‪911‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1403 ،1‬هـ‪.‬‬‫ّ‬
‫روح املعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع املثاني‪ ،‬األلوس ي‪ ،‬محمود البغدادي (ت‪1270‬هـ)‪،‬‬
‫تحقيق محمد أحمد األمد وآخرون‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫السحر وتحضيـر األرواح بين البدع والحقائق‪ ،‬الجميلي‪ ،‬السيد‪ ،‬دار أسامة‪ ،‬ط‪1991 ،2‬م‪.‬‬
‫سنن البيهقي الكبرى‪ ،‬البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين (‪ ،)458-384‬مكتبة دار الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪،‬‬
‫‪ ،1994‬تحقيق محمد عطا‪.‬‬
‫سنن أبي داود‪ ،‬سليمان بن األشعث (‪ ،)275-202‬دار الفكر‪ ،‬تحقيق محمد عبد الحميد‪ ،‬لم يذكر‬
‫رقم الطبعة ومدينة وسنة النشر‪ ،‬وطبعة بيت األفكار الدولية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫سنن الدارمي‪ ،‬عبد هللا بن عبد الرحمن (‪ ،)255-181‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1407 ،1‬‬
‫تحقيق فواز زمرلي وخالد العلمي‪.‬‬
‫سنن النسائي(املجتبى)‪ ،‬أحمد بن شعيب (‪ ،)303-215‬مكتبة املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪ ،1986-1406‬تحقيق عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬وطبعة بيت األفكار الدولية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫سنن ابن ماجه‪ ،‬محمد بن يزيد‪ ،)275-207( ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل (ت‪256 :‬هـ) تحقيق‪ :‬الشيخ ابن باز‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن الحجاج (‪ ،)261-206‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫ّ‬
‫عالم السحر والشعوذة‪ ،‬األشقر‪ ،‬عمر سليمان‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪2002 ،4‬م‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬


‫أيمن إبراهيم ريان ّ‬

‫الحفاظ في تفسيـر أشرف األلفاظ‪ ،‬السمين الحلبي‪ ،‬أحمد بن يوسف (ت‪756:‬هـ) تحقيق‪:‬‬ ‫عمدة ّ‬
‫ْ‬
‫التون ّ‬ ‫د‪ّ .‬‬
‫جي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪1993-‬م‪.‬‬ ‫محمد‬
‫فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬بيت األفكار الدولية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1999‬م‪1420-‬هـ‪.‬‬
‫فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير‪ ،‬الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي‪ .‬دار ابن‬
‫حزم‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪.‬‬
‫القاموس املحيط‪ ،‬محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت‪.)817‬‬
‫الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل في وجوه التأويل‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬محمود بن عمر (‪-467‬‬
‫‪538‬هـ)‪ ،‬تحقيق عبد الرزاق املهدي‪ ،‬دار إحياء التراث‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1421 ،2‬هـ‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫محمد بن مكرم (ت‪711:‬هـ) دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2000 ،1‬‬ ‫لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ّ ،‬‬
‫محمد جمال الدين (ت‪1322 :‬هـ) تحقيق‪ّ :‬‬
‫محمد فؤاد عبد الباقي‪،‬‬ ‫محاسن التأويل‪ ،‬القاسمي‪ّ ،‬‬
‫دار إحياء التراث‪ ،‬بيـروت‪1422 ،‬هـ‪2002-‬م‪.‬‬
‫املحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬ابن عطية‪ ،‬عبد الحق بن غالب األندلس ي‪ ،‬تحقيق عبد‬
‫السالم الشافي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت‪456 :‬هـ) تحقيق‪:‬‬ ‫محمد ّ‬ ‫ال ُـم َح ّلى شرح ال ُـم َج ّلى‪ ،‬ابن حزم‪ ،‬أبو ّ‬
‫ّ‬
‫العربي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬ط‪1422 ،2‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬ ‫محمد شاكر‪ ،‬دار إحياء التراث‬ ‫أحمد ّ‬
‫ُ‬
‫املصطفى من تفسيـر آيات األحكام‪ ،‬الدكتور فريد مصطفى السلمان‪ ،‬مكتبة ابن خزيمة‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫ط‪1992 ،1‬م‪.‬‬
‫معاني القرآن وإعرابه‪ ،‬الزجاج‪ ،‬أبو إسحاق إبراهيم بن السري (ت‪311 :‬هـ) تحقيق د‪ .‬عبد الجليل‬
‫شلبي‪ ،‬دار الحديث القاهرة‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ ‪1994‬م‪.‬‬
‫مغني الـمحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ املنهاج‪ ،‬الشربيني‪ ،‬محمد بن الخطيب (ت‪ )977 :‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1418 ،1‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬
‫األصفهاني (ت‪425:‬هـ) تحقيق‪ :‬صفوان داودي‪ ،‬دار القلم‪،‬‬‫ّ‬ ‫مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬الراغب‬
‫دمشق‪ ،‬ط‪1423 ،3‬هـ‪2002-‬م‪.‬‬
‫املنهاج في شرح صحيح مسلم‪ ،‬النووي‪ ،‬يحيى بن شرف الدمشقي (‪676-631‬هـ)‪ ،‬بيت األفكار‬
‫الدولية‪ ،‬الرياض‪1421 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬

‫‪54‬‬ ‫املجمع‪ ،‬العدد ‪ ،)2016( 10‬صفحة‬

You might also like