Professional Documents
Culture Documents
املستخلا:
(الصدق) ومباحثه يف القرآن الكريم؛ الذي
ِّ يتناول البحث دراسة موضوع
تناولته اآليات بشكل صريح وواسع يف عدد كبير من مواضع القرآن الكريم.
الصدق وفضله ،وأنواعه،
وتناول البحث-بحسب معطيات اآليات-أهمية ِّ
الصدق ،والمعرتفين بقيمته من أقوام
الصادقين ،ثم الموصوفين بخلق ِّ
وصفات َّ
األنبياء عليهم السالم.
والمنهج المستعمل يف البحث هو منهج التفسير الموضوعي ،وأوله :المنهج
(الصدق) بلفظه الصريح فيها .ثم المنهج التحليلي
ِّ االستقرائي الجمعي آليات
االستنباطي لمجموع هذه اآليات وتصنيفها ضمن مباحث واضحة المأخذ
والعنوان؛ تندرج تحتها مطالب وعناصر عديدة.
وخ ُلص البحث إلى عدة نتائج ،أهمها:
التفسري املوضوعي) القر ن الكري :دراسة مباحث الصِّدق) 763
الكلمات المفتاحية:
الصدق -الحق -الكذب – خلق -القرآن الكريم.
ِّ
761 د .ياسر بن إمساعيل راضي
مقدمة البحث:
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على نبيه األمين ،صاحب الخلق
العظيم ،وعلى آله وصحبه ومن سار على هنجه إلى يوم الدين ،وبعد :فإن خلق
(الصدق) من األخالق الحميدة التي حرص اإلسالم على بيانه ،وتحدثت اآليات
ِّ
عنه يف مواضع كثيرة مما دل على أهميته وعظيم مكانته ،فهو فضيلة ،ومنـزلة رفيعة،
أس األخالق وأصولها ،يقول ابن القيم« :وهو منـزل القوم
وصفة حميدة ،وهو من ّ
األعظم ،الذي منه تنشأ جميع منازل السالكين والطريق األقوم؛ الذي من لم يسر
عليه فهو من المنقطعين الهالكين .وبه تميز أهل النفاق من أهل اإليمان ،وسكان
الجنان من أهل النيران ..... ،ودرجته تالية لدرجة «النبوة» التي هي أرفع درجات
العالمين»(.)1
(الصدق) فقد وصف اهلل سبحانه نفسه به ،فقال :ﭽﭟ ﭠ ﭡ
وألهمية ِّ
ﭢ ﭣﭼ( )2وقال :ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭼ( ،)3ووصفت المالئكة نفسها
بالصدق حين بلغوا رسالة رهبم لنبي اهلل لوط ♠ ،قال تعالى :ﭽﮬ ﮭ
ِّ
ﮮ ﮯﭼ( ،)4وذكر اهلل جزاء من اتصف هبذا الخلق العظيم؛ فقال :ﭽﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭼ(.)5
(الصدق) منجاة ،فقد أخرب سبحانه أنه ال ينفع العبد وال ينجيه يوم القيامة
و ِّ
( )1هتذيب مدارج السالكين لعبد المنعم العزّ ي( ،ص .)395
( )2سورة النساء.87 :
( )3سورة النساء.122 :
( )2سورة الحجر.62 :
( )5سورة يونس.2 :
التفسري املوضوعي) القر ن الكري :دراسة مباحث الصِّدق) 762
الموضوعي(.)1
-5رغبة الكتابة يف موضوع من موضوعات القرآن الكريم على منهاج
التفسير الموضوعي.
ثانيًا :مشكلة البحث وأسئلته:
(الصدق) يف القرآن والسنة وآثار الصحابة والتابعين ╚،
جاء موضوع ِّ
فهو من الموضوعات البارزة يف اإلسالم ،إال أن الدراسات اإلسالمية القديمة
ومؤلفاهتا وخاصة يف القرآن الكريم وعلومه لم تسرب آيات القرآن الكريم يف
موضوعاته ،ولم تصنف مباحثه ومطالبه على ضوء معطيات هذه اآليات وفقهها.
وعليه كانت مشكلة البحث الرئيسة :هل يمكن أن نجد مادة علمية ثرية يف موضوع
(الصدق) يف القرآن الكريم؟ وكم عدد آيات القرآن الكريم الواردة يف كلمة
ِّ
(الصدق)؟ وما موضوعاته المستنبطة
(الصدق) ومشتقاته؟ وما مباحث موضوع ِّ
ِّ
من آيات القرآن الكريم؟
ثالثًا :أهداف البحث ،يهدف البحث إلى:
.1الدعوة إلى الكتابة والبحث يف علم التفسير الموضوعي.
المتخص َّصة ُبغية الوصول إلى
ِّ .2نشر فكرة البحث يف األوساط العلمية
موسوعة علمية متكاملة عن موضوعات القرآن الكريم الصريحة اللفظ كموضوع
(الصدق) واألمانة واإلخالص وغيرها ،والضمنية المعنى كموضوع الجودة،
ِّ
والرتبية ،والقيادة ،وغيرها.
.3إثراء مكتبة الدراسات القرآنية بموضوعات القرآن الكريم ،وإن تكررت
الكتابة فيها.
رابعًا :حدود البحث:
(الصدق) بصفة مباشرة ضمن
تتناول الدراسة اآليات الصريحة يف موضوع ِّ
العدد اإلجمالي لها يف القرآن الكريم وهو ( )155مائة وخمس وخمسون آية .ومن
(الصدق) وتطبيقاته يف
ِّ ثم ال يشمل البحث اآليات الضمنية المضمرة عن خلق
َّ
القرآن الكريم ،وذلك لصغر حجم البحث ،والتقيد بضوابط نشره ،ولعل من
موسعة شاملة للجانبين ،فاآليات الضمنية يف تطبيقات
الباحثين من يقوم بدراسة َّ
(الصدق) كثيرة ومتشعبة تحتاج إلى جهد يف سرب أغوارها.
خلق ِّ
خامسًا :منهج البحث.
المنهج المستعمل يف البحث هو منهج التفسير الموضوعي ،وأوله :المنهج
(الصدق) بلفظه الصريح فيها .ثم المنهج التحليلي
ِّ االستقرائي الجمعي آليات
االستنباطي لمجموع هذه اآليات وتصنيفها ضمن مباحث واضحة المأخذ
والعنوان؛ تندرج تحتها مطالب وعناصر عديدة.
سادسًا :الدراسات السابقة.
(الصدق) من الموضوعات المربِّزة يف درس األخالق اإلسالمية
ِّ موضوع
عمومًا ويف موضوعات القرآن الكريم خصوصًا ،لذا من المؤكد أنه ُبحث بشكل
إجمالي أو تفصيلي ،اعتماد ًا على مناهج بحثية متنوعة بحسب حاجة الباحث
لموضوعه وتخصصه.
ولست بصدد من كتب فيه من الباحثين أو العلماء-وإن كان من أشهر من
الغزالي يف
كتب فيه قديمًا كل من :اإلمام ابن القيم يف مدارج السالكين ،واإلمام َّ
إحياء علوم الدين -ولكن ما يهمنا هو من كتب فيه على منهج التفسير الموضوعي؛
وغالبًا ما تكون رسائل علمية للدراسات العليا يف الجامعات.
التفسري املوضوعي) القر ن الكري :دراسة مباحث الصِّدق) 741
( )1ينظر :دليل الرسائل الجامعية يف الجامعات السودانية يف التفسير وعلوم القرآن للفرتة
(2002-1982م) ،مجلة الحكمة ،انجلرتا ،العدد الثالثون ،محرم 1226هـ( ،ص.)539
( )2ال توجد معلومات إضافية عن الرسالة .ينظر :ظهر الغالف األمامي للكتاب.
747 د .ياسر بن إمساعيل راضي
( )1ينظر مادة( :صدق) :لسان العرب البن منظور ،)332-330/7( ،وتاج العروس للزبيدي،
( ،)18-5/26ومعجم مقاييس اللغة البن فارس( ،ص.)505
( )2معجم مقاييس اللغة البن فارس( ،ص.)505
( )3القاموس المحيط للفيروز آبادي( ،ص.)1152
( )2لسان العرب البن منظور ،)332/7( ،والمعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية( ،ص.)556
744 د .ياسر بن إمساعيل راضي
( )1لسان العرب البن منظور ،)332/7( ،ومعجم مقاييس اللغة البن فارس( ،ص.)505
( )2تفسير القرآن للعز بن عبد السالم( ،ص.)371
( )3لسان العرب البن منظور ،)330/7( ،والقاموس المحيط للفيروز آبادي( ،ص.)1155
( )2لسان العرب البن منظور ،)330/7( ،ومعجم مقاييس اللغة البن فارس( ،ص.)505
( )5المفردات يف غريب القرآن للراغب.)362/2( ،
السن ِ َّية.)53/2( ،
( )6موسوعة األخالق اإلسالمية للدرر َّ
( )7كشاف اصطالحات الفنون للتهانوي.)1070/2( ،
التفسري املوضوعي) القر ن الكري :دراسة مباحث الصِّدق) 743
ﮎ ﮏﭼ(.)1
)2الوفاء بالوعد .ومنه قوله تعالى :ﭽﭼ ﭽ ﭾ ﭿﭼ(،)2
أي :وعدهم اهلل بالنصر يوم ُأ ُحد(.)3
)3التحقيق ،ومنه قوله تعالى :ﭽﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﭼ( ،)4أي :حقق
ظنه(.)5
بالصدق ،ومنه قوله تعالى :ﭽﯝ ﯞﭼ(.)7()6
)2المبالغة ِّ
الصداقة ،ومنه قوله تعالى :ﭽﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
َّ )5
ﮯ ﮰ ﮱﯓﭼ(.)9()8
ال حسنًا يف قوله تعالى :ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﭼ(.)11()10
)6منـز ً
)7يعرب عن كل فع ٍل فاض ٍل ظاهر ًا وباطنًا ِّ
بالصدق ،فيضاف إليه ذلك الفعل
الذي يوصف به ،نحو قوله تعالى :ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭼ( )12وعلى
الصدق يف
الحقِّ :
(الصدق) من مرادفات الحق ،يقول الزبيديُّ « :
ِّ تب َّين أن
الحديث»( )1وح َّقق قوله وظنَّه تحقيقًا أي :صدقه( .)2ويف هذا دليل بأن الحق أشمل
الصدق والحق :أن الحق أعم؛ ألنه
الصدق .يقول العسكري« :الفرق بين ِّ
وأعم من َّ
والصدق اإلخبار عن الشيء على ما هو به،
وقوع الشيء يف موقعه الذي هو أولى بهِّ ،
والحق يكون إخبار ًا وغير إخبار»(.)3
وقد جاء اقرتان المصطلحين يف آية واحدة مما يدل على تقارهبما ،قال تعالى:
ﭽﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭼ( .)4واستعمل النبي ﷺ كلمة الحق
(الصدق) يف أحاديث عديدة ،منها ما جاء عن ابن عمر ¶ أن رسول اهلل
بمعنى ِّ
ألمز ُح وال أقول إال ح ًّقا»(.)5
ﷺ قال« :إين َ
المبحث األول
مكانة (الصِّدق) وعظيم فضله
(الصدق) وعظيم فضله يف القرآن
ِّ إن من أهم العناصر المتمثلة يف مكانة
الكريم ما يأيت:
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﭼ(،)1
(الصدق) من الرجال والنساء مع غيرهم من أهل الصفات
تحدثت اآلية عن أهل ِّ
الحميدة من المؤمنين ،وذلك بعدما سألت أم سلمة ▲ الرسول ﷺ أهنن ال
ُيذكرن يف القرآن كما ُيذكر الرجال ،فنـزلت اآلية( ،)2وبينت اآلية جزاء كل هؤالء
بفضلين :مغفرة الذنوب ،واألجر العظيم؛ فمغفرة الذنوب هنا هو جزاؤهم يف الدنيا،
إذ ك َّفر عنهم ذنوهبم ،واألجر العظيم يف اآلخرة هو الفوز بالجنة.
أما جزاؤهم يف الدنيا فجاء يف موضع آخر يف كتاب اهلل وهو قوله :ﭽﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ
ﭵﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀ
ﮁ ﮂﭼ(.)3
يقول الطربي« :وجزى هؤالء المحسنين رهبم بإحساهنم ،كي يكفر عنهم
أسوأ الذي عملوا يف الدنيا من األعمال ،فيما بينهم وبين رهبم ،بما كان منهم فيها من
توبة وإنابة مما اجرتحوا من السيئات منها ،ويثيبهم ثواهبم ﭽﭿ ﮀ ﮁ
ﮂﭼ يف الدنيا بما يرضي اهلل تعالى عنهم دون أسوئها»(.)4
الصادقون –ابتداء -من اهلل تعالى أن يغفر لهم ذنوهبم ويجرهم
هذا وقد طلب َّ
من النار ،قال تعالى :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭼ(،)5
الصادقين يف اآلخرة فقد أعلنه القرآن صراحة بعد ذكر الحوار بين عيسى
أما جزاء َّ
♠ واهلل جل جالله وذلك يف هناية سورة المائدة :ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ
ﰔ ﰕﰖﭼ( ،)1فذكر اهلل تعالى أجرين َّ
للصادقين :الجنة وما أعدَّ فيها من النعيم
والخلود فيها أبد ًا ،واألجر الثاين نيل تعالى عن َّ
الصادقين جزاء صدقهم ،كما قال
تعالى :ﭽﯟ ﯠ ﯡ ﯢﭼ( ،)2يقول ابن عطية« :فدخل تحت هذه
العبارة كل مؤمن باهلل تعالى وكل ما كان اتقى فأدخل يف العبارة»(.)3
(الصدق) المعية مع أشراف العباد يوم القيامة،
كما ذكر سبحانه أن من جزاء ِّ
قال تعالى :ﭽﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﭼ( ،)4يقول ابن القيم« :وال
يزال اهلل يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحسانا منه وتوفيقًا ولهم مرتبة المعية مع
اهلل ،فإن اهلل مع الصادقين ،ولهم منـزلة القرب منه ،إذ درجتهم منه ثاين درجات
بالصدق يف
النبيين»( .)5ومن جميل تعبيرات القرآن الكريم؛ أنه عبَّر عن الجنة ِّ
موضعين:
الموضع األول يف قوله تعالى :ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫﭬﭼ(.)6
المبحث الثاني
أنواع (الصِّدق)
األقواو. املطلب األوو :الصِّدق)
(الصدق)،
األول بمعنى ِّ
(الصدق) وأظهرها ،وهو المقصود ّ
وهو أشهر أنواع ِّ
الصادق من غيره ،ألنه يختص بجارحة اللسان وما يصدر عنه.
وبه ُيعرف اإلنسان َّ
فالصدق يف األقوال :استواء اللسان على األقوال ،كاستواء
لذا يقول ابن القيمِّ « :
السنبلة على ساقها»(.)3
ﰁﭼ(.)1
(الصدق) يف اإلخبار؛ خرب الهدهد لسليمان ♠ عن عبادة
ومن أمثلة ِّ
قوم سبأ يف اليمن وملكتهم بلقيس بنت شراحيل ،قال :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭﭼ( ،)2وهنا لم يتب َّين
لسليمان ♠ صدق خرب الهدهد فقال له :ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏﭼ( ،)3أي :أصدقت يف إخبارك هذا أم كنت من الكاذبين يف مقالتك
وهو قوله تعالى :ﭽﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ لتخلص من الوعيد الذي أوعدتك!()4
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ
ﯰ ﯱﭼ(.)5
(الصدق) يف األقوال :تصديق القرآن الكريم للكتب السماوية
ومن صور ِّ
المتقدمة.
يقول ابن كثير« :فالقرآن مشتمل على شيئين؛ خرب وطلب ،فخربه صدق
وطلبه عدل ،كما قال تعالى :ﭽﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ
ﯖ ﯗﭼ( ،)6تحدَّ ث القرآن عن هذا التصديق يف ثالثة عشر موضعًا.
وتصديق القرآن للكتب هو أن يصدق ما فيها من الصحيح-من األخبار وغيرها-
وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير ،ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير(.)1
قال تعالى :ﭽﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥﭼ(( ،)2يعني َّنزل عليك القرآن يا محمد ﷺ بالحق ،أي :ال شك فيه وال
ريب ،بل هو منـزل من عند اهلل أنزله بعلمه والمالئكة يشهدون وكفى باهلل شهيد ًا.
ومصدقًا لما بين يديه من الكتب المنـزلة قبله من السماء على عباد اهلل واألنبياء فهي
تصدقه بما أخربت به َّ
وبشرت يف قديم الزمان ،وهو يصدقها ألنه طابق ما أخربت به،
َّ
وبشرت من الوعد من اهلل بإرسال محمد ﷺ وإنزال القرآن الكريم)( ،)3كما قال
تعالى :ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ
ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﭼ( ،)4قال ابن كثير يف قوله ﭽﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﭼ« :مصدقًا للكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه وأنه
سينـزل من عند اهلل على عبده ورسوله محمد ﷺ ،فكان نزوله كما أخربت به مما
زادها صدقًا عند حاملها من ذوي البصائر الذين انقادوا ألمر اهلل واتبعوا شرائع اهلل
وصدقوا رسل اهلل»(.)5
ويف قوله تعالى :ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈﮉ ﮊ
هذا وقد جاء التصديق بالتوراة على لسان عيسى ابن مريم ♠ يف ثالث
آيات ،قال تعالى :ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ
ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﭼ( ،)1ويف مسألة تحليل
عيسى ♠ بعض ما جاء محرمًا يف التوراة يقول ابن كثير« :فيه داللة على أن
عيسى ♠ نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين»(.)2
وتصديق عيسى ♠ بالتوراة هو إقراره هبا وإيمانه وحكمه مما فيها ،كما
قال تعالى :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭼ( .)3أما
قوله تعالى :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭼ( ،)4أي :أن
بشرت بي ،وأنا مصداق ما أخربت عنه ،وأنا ِّ
مبشر بمن بعدي وهو التوراة قد َّ
األمي(.)5
ّ الرسول النبي
وهنا لطيفة يف التصديق يف األقوال؛ إذ أشار اهلل تعالى إلى أن يحيى ♠
هو ّأول من صدّ ق بعيسى ♠ ورسالته؛ استنبط ذلك ابن عباس ¶ من آية
بشارة زكريا بيحيى ♠ ،قال تعالى :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭼ( ،)1يقول:
«كان يحيى وعيسى ابني خالة ،وكانت أم يحيى تقول لمريم :إين أجد الذي ببطني
يسجد للذي ببطنك ،فذلك تصديقه له يف بطن أمه ،وهو َّأول من صدق عيسى وكلمة
اهلل عيسى»(.)2
(الصدق) يف األقوال؛ مسألة المالعنة بين الزوجين بسبب قذف
ومن صور ِّ
الرجل زوجه بارتكاب فاحشة الزنا ولم يكن له شاهد إال نفسه ،فيشهد على ذلك
الصادقين؛ والشهادة الخامسة موجبة للعنة اهلل إن كان من
أربع شهادات إنه لمن َّ
الكاذبين.
تحدثت اآليات عن هذه المسألة بالتفصيل يف سورة النور ،قال تعالى:
ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ
ﯟﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ﯱ ﯲﯳ ﯴﯵ ﯶﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾﯿ ﰀﰂ ﰃ
ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﭼ( ،)3يقول السعدي« :وإنما كانت شهادات
الزوج على زوجته ،دارئة عنه الحد ،ألن الغالب أن الزوج ال يقدم على رمي زوجته
التي يدنسه ما يدنسها إال إذا كان صادقًا ،وألن له يف ذلك حقًا وخوفًا من إلحاق
أوالد ليسوا منه به ،ولغير ذلك من الحكم المفقودة يف غيره»(.)4
ٍ
عاص هلل ورسوله ،مستحق للوعيد( .)1لذا ليس العمل بجوارحه ،أجمعوا على أنه
كل من ا ّدعى اإليمان كان مؤمنًا ،قال تعالى :ﭽﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﭼ( ،)2فاهلل تعالى ينكر على األعراب الذين
َّأول ما دخلوا االسالم ا ّدعوا ألنفسهم مقام اإليمان ولم يتمكن اإليمان من قلوهبم
بعد( .)3فاإليمان على هذا أخص من اإلسالم كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
وال يكفي اعتقاد القلب وحده لقبول اإليمان ،بل البد من مطابقة الظاهر
الباطن ،ويتمثل يف العمل بما يؤمن به اإلنسان بقلبه ،وهذا هو حقيقة صدق اإليمان،
الصدق ومن يتصف به يف آية اإليمان ،قال تعالى :ﭽﮬ
لذا جاء مصطلح ِّ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯖﯗﯘﯙﯚ
ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟﭼ( )4فأولئك هم َّ
الصادقون يف االتصاف بصفة اإليمان
والدخول يف عداد أهله ،البد من عداهم ممن أظهر اإلسالم بلسانه ،وا ّدعى أنه مؤمن
ولم يطمئن باإليمان قلبه ،وال وصل إليه معناه ،وال عمل بأعمال أهله(.)5
وكما أن من لوازم اإليمان مطابقة الظاهر الباطن لبيان حقيقته واتصاف
بالصدق ،فإن مخالفة هذه المطابقة توصف بالكذب وصاحبها يوصف
صاحبه ِّ
بالنفاق ،وهي صفة ذميمة ،كثيرا ما يذكرها اهلل سبحانه يف اآليات مقابلة ألهل
اإليمان وصدقهم ،قال تعالى :ﭽﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ
ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛﯜﭼ(.)1
ونزلت سورة بكاملها وسميت بسورة المنافقون لبيان صفاهتم .ويف ابتداء
سورة البقرة بعدما ذكر أهل اإليمان والتقوى ذكر سبحانه أهل النفاق بقوله :ﭽﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﭼ( .)2وقال تعالى يف حقيقتهم :ﭽﭛ ﭜ ﭝﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ
ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ ﮑﮒﭼ(.)3
وقال تعالى يف سورة المائدة :ﭽﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ
ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﭼ(.)4
بل كشف اهلل لنا حقيقة ما يف قلوهبم الخالية من اإليمان – لبيان سوء ما
يبطنون يف قوله تعالى :ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
(الصدق)
ويتكرر الحديث عن حقيقة المنافقين وأهنم أبعد ما يكونون عن خلق ِّ
يف األعمال ،إذ يصف لنا سبحانه موقفهم من المشاركة يف غزوة العسرة (تبوك) ،فقد
قدموا األعذار الواهية واستأذنوا رسول اهلل ﷺ يف ذلك ،يقول تعالى على لساهنم :ﭽﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷﭸ ﭹﭼ(.)1
ولقد أذن لهم رسول اهلل ﷺ و َقبِ َل أعذارهم الظاهرة ،فعاتبه اهلل تعالى حتى
يمحص قلوهبم ويتب َّين له حقيقة صدقهم أو كذهبم يف اإليمان باهلل وسوله ،قال
تعالى :ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﭼ(.)2
والصدق فيه ،وذلك عن
(الصدق) يف األعمال بيان حقيقة اإليمان ِّ
ومن صور ِّ
طريق سنة االبتالء لعباد اهلل المؤمنين ابتدا ًء باألنبياء ثم األمثل فاألمثل .قال تعالى:
ﭽ ﮡ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﭼ(.)3
يقول ابن كثير« :أي الذين صدقوا يف دعوى اإليمان ممن هو كاذب يف قوله
ودعواه ،واهلل سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون ومالم يكن ،وهذا مجمع عليه
عند أئمة السنة والجماعة»(.)4
المبحث الثالث
املوصوفون بـ(الصِّدق)
املطلب األوو :اهلل جلَّ ج له يص نفسه العلية بـ الصِّدق).
الصادقين وهو غني عن خلقه ،ولكن من فضله
اهلل سبحانه وتعالى أصدق َّ
ومنّه يف تعليم عباده ،والرد على من كفر باهلل وبرسله؛ ذكر يف كتابه أن وعده حق
وصدق ،وحديثه حق وصدق ،وإخباره حق وصدق ،قال تعالى :ﭽﭟ ﭠ ﭡﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭼ( ،)1وقال :ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭼ( ،)2يقول
يكذب ليجتلب
ُ أصدق من اهلل حدي ًثا ،وذلك أن الكاذب إنما
ُ وأي ناطق
الطربيُّ « :
الضر والنفع،
ِّ يدفع به عنها َض ًّرا ،واهلل تعالى ذكره خالق
َ بكذبه إلى نفسه نف ًعا ،أو
كذب ،ألنه ال يدعو إلى ذلك اجتالب نفع له ،وال دفع ضر ٌ فغير ٍ
جائز أن يكون منه
عن نفسه ،وإنما يجوز ذلك على من دونه .)3(»...ويقول السعدي يف اآلية« :إخبار
بأن حديثه وأخباره وأقواله يف أعلى مراتب الصدق ،بل أعالها»( .)4واالستفهام
إنكاري ،أي :ال أحد أصدق منه سبحانه وتعالى ،يف إخباره ووعده ووعيده؛
الستحالة الكذب عليه تعالى؛ لقبحه لكونه إخبارا عن الشيء بخالف ما هو عليه(،)5
وألن دخول الكذب يف حديث البشر إنما علته الخوف والرجاء أو سوء السجية،
وهذه منفية يف حق اهلل تعالى وتقدست أسماؤه(.)6
ولقد ُأسند الصدق إلى اهلل تعالى يف أخباره ووعده ووعيده يف مواضع عديدة
يف كتاب اهلل تعالى بما يقارب عشرة مواضع .يمكن إجمالها يف عنصرين كاآليت:
ﯗﭼ( ،)1قال قتادة« :صدقا فيما قال وعدال فيما حكم ،يقول صدقا يف األخبار
وعدال يف الطلب ،فكل ما أخرب به فحق ال مرية فيه وال شك ،وكل ما أمر به فهو
العدل الذي ال عدل سواه ،وكل ما هنى عنه فباطل؛ فإنه ال ينهى إال عن مفسدة»(.)2
ولقد صدق وعد اهلل يف وقوع المعاد إذ أقسم سبحانه وتعالى بأربعة أشياء يف
سورة الذاريات:
-أقسم بالريح إذا ذرت الرتاب ذرو ًا ،فقال :ﭽﯤ ﯥﭼ ،وبالسحاب
التي تحمل وقرها من الماء ،فقال :ﭽﯧ ﯨﭼ ،وبالسفن تجري َ
مسيَّرة يف
الماء ،فقال :ﭽﯪ ﯫﭼ .وأقسم بالمالئكة ِّ
تقسم األمور على ما أمر اهلل به،
فقال :ﭽﯭ ﯮﭼ ثم ذكر المقسم عليه فقال :ﭽﯰ ﯱ ﯲﭼ ،أي :من
الثواب والعقاب يوم القيامة ،ﭽﯲﭼ أيّ :
حق(.)3
وصدق وعد اهلل سبحانه يف نفخة البعث والنشور للقيام من األجداث
والقبور ،إذ أنكرها المشركون ،فقال تعالى :ﭽﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﭼ وقد أجاهبم المؤمنون ﭽﯰ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﭼ(.)5()4
ويتمون الحج ولم يعين له وقتا فقص رؤياه على المؤمنين ،فقطعوا بأن األمر كما
أعلم أنه ال يكون
رأى النبي ﷺ يف منامه وظنوا أن الدخول يكون عام الحديبية ،واهلل َ
إال عام الفتح ،فلما صالحوا ورجعوا قال المنافقون استهزاء ما دخلنا وال حلقنا،
فقال تعالى :ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗﭼ( ،)1وتعدية َصدَ ق إلى مفعولين
يحتمل أن يكون بنفسه ،وكونه من األفعال التي تتعدى إلى المفعولين ككلمة جعل
وخلق ،ويحتمل أن يقال عُدّ ي إلى الرؤيا بحذف تقديره صدق اهلل رسوله يف الرؤيا،
األول جعلها واقعة بين صدق وعده إذا وقع الموعود به وأتى به ،وعلى الثاين
وعلى َّ
معناه ما أراه اهلل لم يكذب فيه ،وعلى هذا فيحتمل أن يكون رأى يف منامه أن اهلل
تعالى يقول ستدخلون المسجد الحرام فيكون قوله :ﭽﮱﭼ ظاهرا ،ألن
استعمال الصدق يف الكالم ظاهر ،ويحتمل أن يكون ﷺ رأى أنه يدخل المسجد
فيكون قوله :ﭽﮱ ﯓﭼ معناه أنه أتى بما يحقق المنام(.)2
ووعد اهلل المؤمنين النصر يف غزوة أحد شريطة طاعة اهلل والتزام أوامر رسوله
الرماة ،مذكرا
ﷺ ،ولكنهم لم يثبتوا أمام متاع الدنيا وخالفوا أمر رسوله ﷺ وهم ُّ
إياهم هذا الوعد :فقال تعالى :ﭽﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﭼ( ،)3يقول
بأحد وعده الذي
الطربي« :ولقد صدقكم اهلل أيها المؤمنون من أصحاب محمد ﷺ ُ
للرماة «اثبتوا مكانكم وال تربحوا،
وعدكم على لسان رسوله محمد ﷺ وهو قوله ُّ
وإن رأيتمونا قد هزمناهم ،فإنا لم نزل غالبين ما ثبتم مكانكم» وكان وعدهم
رسول اهلل ﷺ النصر يومئذ إن انتهوا إلى أمره»(.)1
ويف صورة مقابلة لوعد اهلل ألهل اإليمان؛ ذكر سبحانه وعده هبالك الظالمين
المكذبين لرسلهم ،وقد تحقق وعده .أشار سبحانه وتعالى إلى ِصدق وعده بقوله:
ﭽﯗ ﯘ ﯙﭼ( ،)2وذلك يف سياق الرد على من أنكر بعثة ُّ
الرسل من البشر
يف قوله تعالى :ﭽﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﭼ( ،)3قال ابن كثير :وقوله :ﭽﯗ ﯘ
ﯙﭼ( ،)4أي :الذي وعدهم رهبم ليهلكن الظالمين .صدقهم اهلل وعده وفعل
ذلك ،ولذلك قال :ﭽﯚ ﯛ ﯜﭼ ،أي :أتباعهم من المؤمنين،
ﭽﯝ ﯞﭼ ،أي :المكذبين بما جاءت به الرسل(.)5
القيامة األنبياء الصادقين عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم .قال الصاوي :والحكمة يف
سؤال الرسل مع علمه تعالى بصدقهم هو التقبيح على الكفار يوم القيامة
وتبكيتهم»(.)1
(بالصدق) يف القرآن الكريم ،فهم:
ِّ أما األنبياء الذين وصفوا
-7إدريس ♠:
قال تعالى :ﭽﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﭼ( ،)2أي :صادقا يف أقواله
وأفعاله ،ومصدقا بما أتاه من عند اهلل من آياته على ألسنة المالئكة(.)3
-6إبراهيم ♠:
قال تعالى :ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯﭼ( ،)4يقول البقاعي:
«أي بليغ الصدق يف نفسه يف أقواله وأفعاله ،والتصديق بكل ما يأتيه مما هو أهل ألن
يصدق ألنه مجبول على ذلك ،وال يكون كذلك إ َّ
ال وهو عامل به حق العمل فهو
أبلغ من المخلص»(.)5
وقد يرد إشكال يف نسبة بعض أقوال الكذب إلى إبراهيم ♠ يف قوله
تعالى :ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭼ( ،)6وقوله :ﭽﮒ ﮓﮔﭼ( ،)7وقوله للملك
الرازي عن ذلك
عن سارة :هي أختي!-كما ثبت يف صحيح البخاري( .)8يجيب َّ
بقوله« :وأعلم أن النبي يجب أن يكون صادقا يف كل ما أخرب عنه ألن اهلل تعالى
صدقه ومصدَّ ق اهلل صادق ،وإال لزم الكذب يف كالم اهلل تعالى ،فيلزم من هذا كون
الرسول صادقا يف كل ما يقول ،وألن الرسل شهداء اهلل على الناس على ما قال اهلل
تعالى :ﭽﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﭼ(،)1
والشهيد إ ّنما يقبل قوله إذا لم يكن كاذبا.)2(»...
بالصدق والثناء الحسن
وقد دعا إبراهيم ♠ ربه أن يذكر يف األمم بعده ِّ
واالقتداء به ،فقال :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭼ( ،)3فاستجاب اهلل طلبه
واشرك معه ابنه إسحاق وابن ابنه يعقوب ،فقال تعالى :ﭽﰆ ﰇ ﰈ ﰉ
ﰊﭼ(.)5()4
=
وعتقه ،ص.353
( )1النساء .21
( )2للزيادة والتوضيح عن هذه اإلشكاالت ينظر :مفاتيح الغيب للرازي.)202/7( ،
( )3الشعراء .82
( )2مريم.50 :
( )5المحرر الوجيز البن عطية.)22/2( ،
( )6مريم.50-29 :
721 د .ياسر بن إمساعيل راضي
أن يتمثل بكل ما جاء به من أخالق حميدة ويتجنب نقيضها من األخالق الذميمة.
يتضح هذا من جواب عائشة ▲ لسعد بن هشام بن عامر حين سألها:
أخربيني بخلق رسول اهلل ﷺ ،فقالت :كان خلقه القرآن ،أما تقرأ القرآن؛ قول اهلل
تعالى :ﭽﮛ ﮜﮝ ﮞﭼ(.)2()1
ولقد تحدثت اآليات صراحة عن صدقه ﷺ يف مواضع عدة منها:
قوله تعالى :ﭽ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ
ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﭼ( ،)3وذلك يف غزوة األحزاب إذ يخرب
المصدِّ قين بوعد اهلل ورسوله لهم ،أنه سيصيبهم من
َ سبحانه عن عباده المؤمنين
االبتالء واالمتحان الذي يعقبه النصر القريب ،ولهذا قال تعالى :ﭽﰋ ﰌ
ﰍﭼ( .)4وقوله تعالى :ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ
ﭫﭼ( ،)5جاءت تفسيرات عدة فيمن جاء ِّ
بالصدق؛ فقيل :محمد ﷺ ،وقيل:
والصدق :القرآن ،والذي َصدَّ ق به :المؤمنون.
ِّ جربيل ♠ ،وقيل :المؤمنين،
بالصدق :كل من دعا إلى توحيد
ورجح الطربي -بعد روايته ما سبق – أن الذي جاء ِّ
َّ
اهلل ،وتصديق رسوله والعمل بما ابتُعث به رسوله ﷺ من بين رسول اهلل وأتباعه
والمصدِّ ق به:
َ الصدق هو القرآن ،وشهادة أن ال إله إال اهلل،
والمؤمنين به ،وأن يقالِّ :
المؤمنون بالقرآن ،من جميع خلق اهلل كائنا من كان من نبي اهلل وأتباعه .يقول« :وإنما
المبحث الرابع
صفات الصَّادقني
الصادقين يف جملة من اآليات ،حري بالمؤمن
ذكر سبحانه وتعالى صفات َّ
معرفتها واالتصاف هبا ،ليلحق بركبهم ،وينال الجزاء الحسن يف الدَّ ارين كما نالوا،
وهي على النحو اآليت:
-2اإلميان:
الصادقون ،لذا كان
صفة اإليمان بأركانه الستة عقيدة وخلق ،ال يتصف به إال َّ
اإليمان هو المحك األساس والفارق بين المؤمن والمنافق ،قال تعالى :ﭽﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ
ﭶﭼ(.)1
للصادقين قوله تعالى :ﭽﭒ ﭓ ﭔ
ومن شواهد اآليات على صفة اإليمان َّ
ﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ
ﮇﭼ( ،)2فقد ذكرت اآلية أركان ال ِّبر ،فمن اتصف هبا كان صادقا يف إيمانه
ومخلصًا يف دعوته لإليمان ،يقول الرازي« :أهل هذه األصناف هم الذين صدقوا يف
يف آخر هذه اآلية مسألة ،وهي أنه قال :هذه الواوات إيماهنم .وذكر الواحديؓ
يف األوصاف يف هذه اآلية للجمع ،فمن شرائط البِّر وتمام شرط ال ِّبر أن تجتمع فيه
هذه األوصاف ،ومن قام بواحد منها لم يستحق الوصف بال ِّبر ،فال ينبغي أن يظن
اإلنسان أن المويف بعهده من جملة من قام بال ِّبر وكذا الصابر يف البأساء ،بل ال يكون
خاصة
الصفة َّ
قائما بال ِّبر ،إال عند استجماع هذه الخصال ،ولذلك قال بعضهم :هذه ِّ
لألنبياء عليهم السالم ،ألن غيرهم ال تجتمع فيه هذه األوصاف كلها ،وقال آخرون:
هذه عامة يف جميع المؤمنين»(.)3
خص ثم يورد الرازي سؤا ً
ال يف مسألة اإليمان ويجيب عنه ،فيقول« :لم َّ
يصدق به،
اإليمان هبذه األمور الخمسة؟ الجواب :ألنه دخل تحتها كل ما يلزم أن ْ
فقد دخل تحت اإليمان باهلل :معرفته بتوحيده وعدله وحكمته ،ودخل تحت اليوم
اآلخر :المعرفة بما يلزم من أحكام الثواب والعقاب والمعاد ،إلى سائر ما يتصل
بذلك ،ودخل تحت المالئكة ما يتصل بأدائهم الرسالة إلى النبي ﷺ ليؤديها إلينا،
إلى غير ذلك مما يجب أن يعلم من أحوال المالئكة ،ودخل تحت الكتاب القرآن،
وجميع ما أنزل اهلل على أنبيائه ،ودخل تحت النبيين اإليمان بنبوهتم ،وصحة
شرائعهم ،فثبت أنه لم يبق شيء مما يجب اإليمان به إال دخل تحت هذه اآلية»(.)1
للصادقين؛ اإليمان باهلل ورسوله ﷺ قال
ومن الشواهد على صفة اإليمان َّ
تعالى :ﭽﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟﭼ( ،)2بل وجعل سبحانه وتعالى
الصادق
وأس صفات المؤمن َّ
اإليمان بركني( :اهلل ورسله) أقوى دعائم اإليمان ّ
الصدق وهي درجة التَّصديق ،لذا قال تعالى:
الذي هبما يرتفع إلى درجة أعلى يف ِّ
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘﭼ( .)3يقول الشوكاين« :إن ِّ
الصديقين
الصدق حيث آمنوا باهلل وصدقوا جميع رسله»(.)4
هم المبالغون يف ِّ
-1الطاعة:
(الصدق) :طاعة اهلل ورسوله ،استجابة ألمر اهلل وندائه لهم
من صفات أهل ِّ
بالطاعة ابتدا ًء؛ فقال تعالى :ﭽﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖﭼ( ،)5فمن عمل بما أمره اهلل به ورسوله ،وترك ما هناه اهلل عنه
ورسوله ،فإن اهلل عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقًا لألنبياء ،ثم لمن بعدهم
الصالحون الذين
الصديقون ،ثم الشهداء ،ثم عموم المؤمنين ،وهم َّ
يف الرتبة وهم ِّ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ...ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇﭼ(.)1
من صفات الصادقين أهنم يحبون صدقة النافلة وهي غير الزكاة المفروضة
عليهم ،وهذا من دقيق صدقهم لحب الخير ،لذا قال تعالى :ﭽﭤ ﭥ ﭦ
« :وأنت حريص صحيح ،تأمل العيش وتخشى ﭧﭼ قال ابن مسعود ؓ
الفقر»( .)2أي :يف حال الصحة ولوجه اهلل تعالى ال للتفاخر كما كانوا يف الجاهلية(.)3
ادق أن َيتصدَّ ق عليهم ،وهم :أقرباء وقد ذكرت اآلية أصنافا ممن يحب الص ِ
َّ
المتصدق ،واأليتام سواء كانوا من األقرباء أو من غيرهم ،والمساكين ،وابن السبيل،
سواء المسافر العابر أو الضيف ،والسائل صاحب الحاجة ،والعبد الذي يسعى لفك
رقبته من العبودية( .)4وهبذا وصفهم اهلل بقوله :ﭽﮁ ﮂ ﮃﭼ.
-5أداء الفرائض:
قال تعالى :ﭽ ..ﭱﭲ ﭳ ﭴﭞﭞﭞ ﮁ ﮂ ﮃﮄ
ﮅ ﮆ ﮇﭼ( .)5معلوم أن إقامة الصالة وإيتاء الزكاة فرض على كل مسلم،
الصادقين ألهنم أولى من يأيت بأدائها على وجهها
ولكن جعلها اهلل تعالى من صفات َّ
الصحيح ،وألهنا تحتاج إلى صدق يف العبودية ودقة وإخالص يف أدائها ،فهي من
أس العبادات وأوجبها على العبد .وقد ذكرت الزكاة هنا بعد صدقة النافلة يف آية ال ّبر
للمبالغة يف الحث عليها(.)6
-6الوفاء بالعرد:
قال تعالى :ﭽﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹﭞﭞﭞ ..ﮁ ﮂ
ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇﭼ( .)1الوفاء بالعهد بمعناه الشامل -سواء الوفاء مع اهلل أو
الصادقين ،إذ ال ينفذه إال من كان صادقًا مع
أخص صفات َّ
ّ الوفاء مع الناس -من
ال ثم مع ربه عبادة وطاعة ثانيًا ،ثم مع الغير ُخلقًا وإنجاز ًا ،فقوله تعالى:
نفسه أو ً
ﭽﭷ ﭸﭹﭼ أي :إذا ألزموا أنفسهم قوال وفعال هبذا الوعد ،فال يصرب عليه إال
السامية التي دعا إليها القرآن ،قال
الصادقون .لذا كان الوفاء بالعهد من األخالق َّ
َّ
تعالى :ﭽﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﭼ(.)2
-5الصرب:
الصادقين –يف آية الرب -خلق الصرب ،فقال تعالى:
ذكر اهلل من صفات َّ
ﭽﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ
ﮇﭼ( .)3فقد ذكرت اآلية أشد ما يكون الصرب فيه ،فقال :ﭽﭻ ﭼﭼ ،أي:
عند حلول الشدة هبم يف أنفسهم ،ﭽﭽﭼ بحصوله يف أموالهم وبقية احتقار
الناس لهم ونحوه ،ﭽﭾ ﭿﭼ ،أي :الشدة يف الحرب أو القتال( .)4ويعرف
الصادقون هنا ،إذ أثبتوا حقيقة صدقهم يف الصرب على هذه الشدائد ،فاستحقوا اسم
َّ
الرب وأهله.
-8التقو :
الصدق بالتقوى ،مما دل على أهنا صفة من
يف آية ال ِّبر قرن سبحانه خلق ِّ
المبحث الخامس
املعرتفون بقيمة (الصِّدق)
األخالق الكريمة التي تدعو صاحبها إلى الخير وطلب السعادة؛ أخالق
مجمع عليها عند أصحاب ِ
الف َطر السليمة ،لذا عرفت يف أزمان الجاهلية قبل بعثة ُ
(الصدق) الذي كان معلومًا
النبي ﷺ كثير من األخالق الحميدة ،على رأسها :خلق ِّ
ومؤصالً يف طباع األقوام المكذبين برسلهم ،إذ إهنم يعرتفون به حق المعرفة،
ويقرون بقيمته وفضله ،ال سيما يف إقامة الحجج على خصمهم ،فكثيرا ما نقرأ
ُّ
(الصدق) على صحة رسالة أنبيائهم حين يدعوهنم إلى اهلل الواحد
ِّ طلبهم دليل
القهار ،وينذروهنم عذاب اهلل وعقابه ،وذلك كقوله تعالى حكاية عنهم يف ردهم على
نبيهم صالح ♠ وكذا قيلت يف هود ♠ :ﭽﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈﭼ( ،)1وهكذا اآليات تحكي لنا العديد من قصصهم يف هذا المعنى.
وبحسب معطيات اآليات يف هذا الشأن ،يمكن بيان أو ذكر المعرتفين منهم بقيمة
(الصدق) على النحو اآليت:
ِّ
ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖﭼ( ،)1يقول
ابن عاشور« :وكانت المجادلة األخيرة هي التي استفزت امتعاضهم من قوارع جدله
حتى سئموا من تزييف معارضتهم وآرائهم شأن المبطل إذا دمغته الحجة ،ولذلك
طي بساط الجدال ،وأرادوا إفحامه بأن طلبوا تعجيل ما توعدهم من عذاب
أرادوا ّ
ينـزل هبم ،كقوله-لهم آنفًا ﭽﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﭼ( .)3(»)2والشاهد
توعدهم وإال كان كالمه اآلنف ال يمت
أهنم أرادوا أن يعجزوا نوح ♠ بما َ
الصدق بصلة .هنا فوض نوح ♠ األمر هلل تعالى الذي بيده مقادير
لخلق ِّ
األمور ،فقال ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﭼ( ،)4فأثبت ♠
صدقه مرتين ،ورد عليهم رد ًا جميالً إذ وجه جواهبم إلى خالقهم الذي كفروا به.
بذلك االستهزاء والسخرية بوعد اهلل تعالى وبصدق هود ♠ .وفيه تعريض
للنيل من أخالق النبوة والرسالة الح ّقة .ثم كان وعد اهلل الذي كان دليال على صدق
هود ♠ ،إذ قال لهم :ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﭼ( ،)1وبالفعل
الريح العقيم ،ﭽﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
وقع عليهم العذاب وهو ِّ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔﭼ( ،)2والشاهد :أن اهلل تعالى ب َّين كذهبم
بوضوح وأقام الدليل على صدق هود ♠ بوقوع العذاب عليهم ،ومع أهنم
عرفوا صدق رسولهم إال أهنم استكربوا واستهزؤا به ،حتى أدركوا ورأوا دليل صدقه
بأعينهم.
عن يوسف ♠ .وذلك بعدما ألقوه يف غيابة الجب .قال تعالى :ﭽﭤ ﭥ
ﭦ ﭧ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ
ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ( ،)1فب ّين سبحانه كذهبم مباشرة بقوله:
ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂﭼ( ،)2وأوحى إلى والدهم يعقوب ♠ إذ قال
لهم :ﭽﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﭼ(.)3
(الصدق) ،وكانوا حقًا صادقين.
الموقف الثاين :ادعوا ِّ
وذلك بعدما رجعوا إلى أبيهم إذ حبس يوسف ♠ أخاه بنيامين عنده
بتهمة السرقة ،ورفض أخوهم الكبير الرجوع معهم إلى أبيهم ،وأوصاهم أن يقولوا
الحقيقة كما علموها وشاهدوها ،فقال لهم :ﭽﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﭼ( )4فإن لم تصدقنا
يا أبانا فاسأل ﭽﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ
ﮥﭼ( ،)5أي :واسأل أهل مصر عن حقيقة ما حدث ،واسأل القافلة التي
جئنا معهم أيضا ،وإنا لصادقون فيما أخربناك(.)6
طلبوا العذاب عليهم ليكون دليال على صدق نبيهم ،فقالوا :ﭽﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﭼ( ،)1قال
المفسرون :بعث اهلل عليهم َحرا شديد ًا يأخذهم بأنفاسهم ،فخرجوا من البيوت
هربًا إلى الربية ،فبعث اهلل عليهم سحابًا أظلتهم من الشمس فوجدوا لها برد ًا ونادى
بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل اهلل عليهم نارا فاحرتقوا جميعًا ،وكان
ذلك من أعظم العواقب ولهذا قال ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﭼ( ،)3()2والشاهد :أن
اهلل أنزل عليهم عذابا من جنس ما طلبوه ﭽﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫﭼ(،)4
ليكون دليالً قويًا على صدق نبيهم الذي رموه بالكذب واستهزؤا به.
ﭽﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭼ( ،)1فرد عليه فرعون
استخفافا بدعوته ﭽﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭼ(،)2
وتكرر الموقف يف سورة الشعراء :ﭽﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓﭼ( ،)3فقدَّ م موسى ♠ دليال على صدقه وهي اآلية التي طلبها
فرعون ﭽﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭼ(.)4
وأرسل اهلل رجالً مؤمنًا من آل فرعون يحاورهم ليراجعوا أنفسهم يف دعوة
(الصدق).
موسى ♠ مستعمال معهم القيمة نفسها التي يؤمنون هبا وهي خلق ِّ
قال تعالى :ﭽﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﭼ(.)5
(الصدق) وكيف تمثل يف دعوة موسى
ومع أن فرعون وقومه عرفوا قيمة ِّ
♠ إال أن فرعون استخف مرة ثانية هبذا الخلق العظيم يف نبي اهلل موسى
♠ ورماه بالكذب فقال :ﭽﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﭼ( .)6وقوله :ﭽﮎ ﮏ ﮐ
(الصدق) إذ لم يجزم بكذب موسى
ِّ ﮑﭼ دليل قوي على اعرتافه بقيمة
♠.
بعد الهجرة ،وكلهم كان على دراية تا َّمة بخلق النبي ﷺ الكريم حتى ُعرف بينهم أنه
سجل أحد أحبار اليهود شهادة حق وصدق يف دعوة النبي ﷺ إذ
صادق أمين .وقد َّ
سأله بعض األسئلة ثم صدقه بعدها ،منها قوله« :وجئت أسألك عن شيء ال يعلمه
أحد من أهل األرض إال نبي أو رجل أو رجالن ،قال :ينفعك إن حدثتك؟ قال
أسمع بأذين! قال جئت أسألك عن الولد؟ قال :ماء الرجل أبيض ،وماء المرأة أصفر،
فإذا اجتمعا ،فعال َمن ِ ُّي الرجل َمن ِ ّي المرأة ،أذكرا ،بإذن اهلل ،وإذا عال َمن ِ ُّي المرأة َمن ِ َّي
الرجل ،أنثا ،بإذن اهلل ،قال اليهودي :لقد صدقت ،وإنك لنبي ،ثم انصرف.)1(»..
لقد ذكر لنا القرآن الكريم مواقف عديدة عن هؤالء المعارضين المكذبين
بدعوة النبي ﷺ ،يمكن أن نُجمل موضوعاهتا باآليت:
)1يف مسألة إنكارهم للبعث يحتج المشركون بطلب إحيائهم وإحياء
آبائهم ،يقول ربنا سبحانه وتعالى عنهم :ﭽﯝ ﯞ ﯟ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦ ﯧ ﯨﭼ( ،)2أي :مبعوثين ،ثم يوجهون الخطاب للنبي ﷺ والمؤمنين على
وجه التعجيز ﭽﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﭼ( ،)3أي :أحيوا لنا آباءنا ليخربونا
سماه
بصدقكم إن كنتم صادقين يف أن هناك حياة بعد هذه الحياة( .)4فطلبهم هذا َّ
القرآن الكريم حجة ،أي :حجة باطلة على سبيل التهكم ،لذا سألوا هبا النبي ﷺ
ليعجزوه عن إثبات صدقه بخرب البعث .يقول تعالى عنهم يف سورة الجاثية :ﭽﮈ
ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﭼ(.)5
( )1رواه مسلم ،برقم ،)716( :كتاب :الحيض ،باب :بيان صفة مني الرجل والمرأة( ،ص.)121
( )2الدخان .35-32
( )3الدخان.36 :
()2صفوة التفاسير للصابوين.)163/3( ،
( )5الجاثية.25 :
التفسري املوضوعي) القر ن الكري :دراسة مباحث الصِّدق) 788
)2ويف مسألة وقوع العذاب عليهم بسبب تحذير النبي ﷺ لهم وترهيبهم
منه إلنكارهم البعث؛ قالوا للنبي ﷺ والمؤمنين بسخرية واستهزاء :ﭽﮝ ﮞ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞﭼ( ،)1وتتصل اآليات ببعضها حتى قالوا:
ﭽﰉ ﰊ ﰋﰌﭼ( ،)2أي :ما وعدتنا به يا محمد ﷺ من العذاب والبعث؟
ﭽﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕﭼ(.)3
هذا وقد ذكر لنا القرآن الكريم تكرار سؤالهم عن موعد وقوع العذاب يف
مواضع عدة يف كتاب اهلل ،وهو قولهم :ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳﭼ ،يف كل من سور :األنبياء .38 :والنمل .71 :وسبأ .29 :ويس.28 :
والملك.25 :
)3ويف مسألة سماعهم من المسلمين أن اهلل سيفتح للمسلمين على
المشركين وينتصرون عليهم ،قالوا لهم على سبيل السخرية ،ﭽﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﯡﭼ(.)4
وبالجملة :فإن القاسم المشرتك واحد يف جميع هذه المواقف ،وهو اعرتاف
الصدق وتعظيم شأنه فهم يحتجون به دومًا ،وإن كان على سبيل
كفار قريش بقيمة ِّ
التهكم والسخرية.
وإن من بالغة القرآن الكريم أنه يقيم على المخالف الحجة نفسها التي يحتج
هبا .ففي آيات عديدة يخاطب اهلل تعالى فيها كفار قريش بتقديم األدلة على صدقهم
كما كانوا هم يخاطبون النبي ﷺ .ففي مسألة عبادهتم لغير اهلل قال لهم :ﭽﮨ ﮩ
ﮪ ﮫﮬ ﮭﭼ( ،)1وقال :ﭽﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﭼ( ،)2وقال لهم:
ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﭼ( ،)3بل طلب منهم أن يأتوا بكتاب
قبل القرآن أو بقية علم من األولين :ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ
ﯩﭼ(.)4
ويف مسألة تحريمهم ما أحل اهلل لهم من األنعام يرد اهلل عليهم :ﭽﭑ
ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭼ(.)5
ويف مسالة ادعائهم األلوهية لغير اهلل ،يحاجهم ربنا بقوله :ﭽﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭼ(.)6
ويف دعوى المشركين أن اهلل اتخذ المالئكة بناتا له؟! –سبحانه -قال :ﭽﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒﭓ
ﭔ ﭖ ﭗ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭼ(.)7
ويف قولهم إن محمدا اختلق القرآن وأ َّلفه من عند نفسه ،يرد اهلل عليهم :ﭽﭛ
ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭼ(.)1
ويرد اهلل على المشركين يف مسألة إنكارهم للبعث ومجازاهتم ،قال تعالى:
ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭲ ﭳ ﭴ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭾ
ﭿ ﮀﮁ ﮂﮄ ﮅﮆ ﮇﭼ( ،)2أي :فهال ترجعون هذه النفس التي
بلغت الحلقوم إلى مكاهنا األول ومقرها من الجسد إن كنتم غير محاسبين أو
مصدقين أنكم تدانون وتبعثون وتجزون فردوا هذه النفس»(.)3
ويف مسألة مساواة المشركين المطيع بالعاصي والمؤمن بالكافر ،يخاطبهم
سبحانه :ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰔ ﰕ
ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛﭼ( .)4والمراد إن كان لكم شركاء يقدرون على شيء،
فأتوا هبم وأحضروهم كي نرى حالهم! وهذا تعجيز للكفار( )5ليدل على كذهبم.
وباألسلوب نفسه خاطب اهلل تعالى اليهود من أهل الكتاب بإقامة
دليل(الصدق) على دعواهم يف بعض الموضوعات كاآليت:
َّ
-يدَّ عي اليهود أن الجنة لهم من اهلل خاصة دون غيرهم ،ويف الوقت نفسه
يكرهون الموت .فيرد اهلل عليهم قائال :ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
أي :فتمنو من اهلل أن يميتكم ،لتنتقلوا سريعًا إلى دار كرامته المعدة ألوليائه ،إن كنتم
صادقين يف هذه الدعوى .ثم يقول تعالى فاضحًا لهم ،مبينًا كذهبم ﭽﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﭼ(.)5()4
بل وتجرؤوا على سنن اهلل ،وزكُّوا أنفسهم وشاركهم النصارى كذلك يف
مسألة أن الجنة خالصة لهم .قال تعالى :ﭽﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﭼ(،)6
فرد اهلل عليهم ﭽﯲ ﯳﯴﭼ .أي :إنما هي أمنية وليست حقيقة ،فالحكم هلل
ليس لهم .ثم جاراهم بدعوهتم هذه الكاذبة ،فقال :ﭽﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
الخاتمة
نسأل اهلل حسنها ،و َقبول هذا البحث والنفع به إذ تتلخص أهم نتائجه باآليت:
(الصدق) صراحة )155( :مائة وخمس
-عدد اآليات التي وردت فيها مادة ِّ
وخمسون آية.
القوة،
َّ (الصدق) لغة :خالف الكذب ونقيضه وضدُّ ه .وهو بمعنى:
ِّ -
والصالبةِّ ،
والشدة ،والكمال. َّ
(الصدق) اصطالحًا :مطابقة الكالم للواقع المخرب عنه مطابقة تا َّمة ال
ِّ -
تحتمل الكذب.
صيغ(الصدق) واشتقاقاته يف القرآن الكريم )28( :ثمان وأربعون صيغة.
ِّ -عدد
(الصدق) يف القرآن الكريم هي( :مطابقة الكالم للواقع مطابقة تا َّمة،
-معاين ِّ
بالصدق ،المنـزل الحسن ،الفعل الفاضل).
الوفاء بالوعد ،المبالغة ِّ
(الحق).
ّ (الصدق)؛ كلمة:
-أقرب المفردات القرآنية لمعنى ِّ
بالصدق كل من :إبراهيم ♠ ،ومحمد ﷺ.
-طلب الدعاء ِّ
الصادقين يف الدارين.
-ذكرت اآليات جزاء َّ
والصدق يف األعمال.
الصدق يف األقوال ِّ
(الصدق) يف القرآن على قسمينِّ :
-جاء ِّ
بالصدق يف القرآن الكريم؛ هم :اهلل جل جالله ،والمالئكة،
-الموصوفون ِّ
واألنبياء عليهم السالم؛ وذكر منهم :إدريس ،وإبراهيم ،وإسحاق ،ويعقوب،
وإسماعيل ،ويوسف ،وموسى ،ومحمدً ا عليهم الصالة والسالم جميعًا .والصالحون،
وذكر منهم :مريم أم عيسى ♠ ،والمهاجرين ،وأخير ًا عامة المؤمنين.
الصادقين بحسب معطيات اآليات( :اإليمان ،وطاعة اهلل
-أهم صفات َّ
ورسوله ،والجهاد يف سبيل اهلل ،وحب التَّصدق ،وأداء الفرائض ،والوفاء بالعهد،
والصرب ،والتقوى).
التفسري املوضوعي) القر ن الكري :دراسة مباحث الصِّدق) 793
توصيات البحث:
موضوعات القرآن الكريم كثيرة ومتعددة ،وبحاجة إلى جهود فردية وجماعية
إلحصائها والكتابة فيها ،وقد تم اإلعالن يف شبكة المعلومات العالمية عن عمل
موسوعة يف موضوعات القرآن الكريم بعنوان :موسوعة التفسير الموضوعي ،لم
تكتمل بعد ،وقد شملت موضوعات القرآن الصريحة اللفظ فقط ،وهي ال شك
خطوة إيجابية وفريدة(.)1
لذا يرى الباحث أن من أهم توصيات البحث-ومواصلة للجهد السابق-
عمل موسوعة علمية أخرى لموضوعات القرآن الكريم الضمنية –غير الصريحة
اللفظ -تستنبط من سياق اآليات والوحدة الموضوعية فيها ،مثل الحضارة يف
القرآن ،وصفات القائد الناجح ،واإليجابيون يف القرآن .. ،وغيرها من موضوعات
واسعة ودقيقة ،وهذه الموضوعات يصعب حصرها ألهنا مبهمة ومتجددة ،لكن
يمكن تحديد أهم الموضوعات البارزة فيها بحسب حاجة العصر ومتطلباته.
فهرس المراجع
الغزالي( ،بيروت :دار
.7إحياء علوم الدين ،أبي حامد محمد بن محمد َّ
الكتب العلمية ،ط 1986 ،1م).
.6إصالح الوجوه والنظائر يف القرآن الكريم ،الحسين بن محمد ،الدامغاين،
تحقيق :عبد العزيز سيد األهدل( ،بيروت :دار العلم للماليين ،ط.)1980 ،3
.4تاج العروس من جواهر القاموس ،محمد مرتضى الزبيدي ،تحقيق :د.
عبد الفتاح الحلو( ،الكويت :وزارة اإلعالم ،ط1996 ،1م).
.3تفسير التحرير والتنوير ،محمد الطاهر ابن عاشور( ،تونس :دار سحنون،
د .ط ،د .ت).
.1تفسير القرآن العظيم ،أبو الفداء إسماعيل بن كثير( ،بيروت :دار المعرفة،
ط1987 ،2م).
.2تفسير القرآن ،عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم( ،بيروت :دار ابن
حزم ،ط2002 ،1م).
.1التفسير الموضوعي بين النظرية والتطبيق ،صالح عبد الفتاح الخالدي،
(األردن :دار النفائس ،ط2012 ،3م).
العزي،
.8هتذيب مدارج السالكين-ابن قيم الجوزية ،عبد المنعم صالح ّ
(جدة :دار المطبوعات الحديثة ،د .ط ،د .ت).
.9تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان ،عبد الرحمن بن ناصر
السعدي( ،بيروت :مؤسسة الرسالة ،ط 2002 ،1م).
.71جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،أبي جعفر محمد بن جرير الطربي،
(القاهرة :دار الحديث ،د .ط2010 ،م).
.77جامع الرتمذي ،أبي عيسى محمد بن عيسى الرتمذي( ،الرياض :دار
التفسري املوضوعي) القر ن الكري :دراسة مباحث الصِّدق) 792
2006م).
.66فتح البيان يف مقاصد القرآن ،أبي الطيب صديق بن حسن القنوجي،
تحقيق :عبد الرزاق المهدي( ،بيروت :دار الكتاب العربي ،د .ط2008 ،م).
.64فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ،محمد بن
علي الشوكاين ،تحقيق :عبد الرحمن عميرة( ،دار الوفاء ،د .ط ،د .ت).
.63الفروق اللغوية ،أبي هالل العسكري ،تحقيق :محمد إبراهيم سليم،
(القاهرة :دار العلم والثقافة ،ط1997 ،1م)
.61القاموس المحيط ،مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي( ،دار
القلم ،د .ط ،د .ت).
.62قطف الثمر يف بيان عقيدة أهل األثر ،محمد صديق حسن خان القنوجي،
(الرياض :جامعة اإلمام محمد بن سعود ،ط2011 ،1م).
.61كشاف اصطالحات الفنون والعلوم ،محمد علي التهانوي ،تحقيق :علي
دحروج( ،بيروت :مكتبة لبنان ناشرون ،ط1996 ،1م).
.68لسان العرب ،محمد بن مكرم بن علي بن منظور ،تحقيق :ياسر أبو
شادي؛ مجدي السيد( ،القاهرة :المكتبة التوفيقية ،د .ط ،د .ت).
.69المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز ،أبي محمد عبد الحق بن غالب
بن عطية ،تحقيق :هاين الحاج( ،القاهرة :دار التوفيقية للرتاث ،د .ط ،د .ت).
.41مختار الصحاح ،محمد بن أبي بكر الرازي( ،بيروت :دار القلم ،د .ط ،د.
ت).
.47مسند اإلمام أحمد بن حنبل ،تحقيق :شعيب األرنؤوط؛ عادل مرشد،
(بيروت :مؤسسة الرسالة ،ط1995 ،1م)
.46المعجم الكبير ،أبي القاسم سليمان الطرباين ،تحقيق :حمدي
التفسري املوضوعي) القر ن الكري :دراسة مباحث الصِّدق) 798
Abstract
Key words:
Truth- Right – Lying- Morality - Qur'n-karim.