You are on page 1of 15

‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬

‫‪ -‬الرسالة الثالثة –‬

‫تنزيه االعتقاد عن الحلول واالتحاد‬


‫للحافظ جالل الدين السيوطى‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫احلمد هلل ‪ ،‬وس الم على عب اده ال ذين اص طفى ‪ .‬الق ول ب احللول‬
‫واالحتاد ال ذى هو أخو احلل ول أول من ق ال به النص ارى إال أهنم خص وا‬
‫بعيسى ‪ ، ‬أو به وم رمي أمه ‪ ،‬ومل يع دوه إىل أحد ‪ ،‬وخص وه باحتاد الكلمة‬
‫دون الذات حبيث أن علماء املسلمني سلكوا ىف الرد عليهم طريق إلزامهم‬
‫ب أن يقول وا مبثل ذلك ىف موسى ‪ ‬وىف ال ذات أيضا وهم ال يقول ون‬
‫باألمرين ‪ ،‬وإذا سلموا بطالن ذلك لزم إبطال ما قالوه ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫وأما املتومسون بس مة اإلس الم فلم يب دع أحد منهم ه ذه البدعة ‪،‬‬
‫وحاشاهم من ذلك ‪ ،‬ألهنم أذكى فطرة وأصح لبا من أن ميشى عليهم هذا‬
‫احملال ‪ ،‬وإمنا مشى ذلك على النص ارى ألهنم أبلد اخللق أذهانا وأعم اهم‬
‫قلوبا ‪ ،‬غري أن طائفة من غالة املتص وفة نقل عنهم أهنم ق الوا مبثل ه ذه‬
‫املقالة وزادوا على النصارى ىف تعدية ذلك ‪ .‬والنصارى قصروه على واحد‬
‫‪ ،‬فإن صح ذلك عنهم فقد زادوا ىف الكفر على النصارى ‪.‬‬
‫وأحسن ما اعتذر عمن صدرت منه هذه الكلمة الدالة على ذلك ‪،‬‬
‫وهى قوله ‪ " :‬أنا احلق " ‪ ،‬بأنه ق ال ذلك ىف ح ال س كر واس تغراق غيبوبة‬
‫اب عقله وألغى أقواله ‪ ،‬فال تعد‬ ‫عقل ‪ .‬وقد رفع اهلل التكليف عمن غ‬
‫مقالته هذه شيئا وال يلتفت إليها فضال عن أن تعد مذهبا ينقل ‪.‬‬
‫وما زالت العلم اء وحمقق وا الص وفية ي بينون بطالن الق ول ب احللول‬
‫واالحتاد ‪ ،‬وينبه ون على فس اده ‪ ،‬وحيذرونه من ض الله ‪ .‬وه ذه نب ذة من‬
‫كالم األئمة ىف ذلك ‪:‬‬
‫قال حجة اإلسالم الغزاىل ىف اإلحياء ىف باب السماع ‪:‬‬
‫احلالة الرابعة مساع من ج اوز األح وال واملقام ات ‪ ،‬فع زب عن فهم‬
‫ما س وى اهلل تع اىل حىت ع زب عن نفسه وأحواهلا ومعامالهتا ‪ ،‬وك ان‬
‫كاملدهوش الغ ائص ىف حبر عني الش هود ال ذى يض اهى حاله ح ال النس وة‬
‫الالتى قطعن أيديهن ىف مشاهدة مجال يوسف حىت هبنت وسقط إحساسهن‬
‫‪ ،‬وعن مثل هذه احلالة يعرب الصوفية بأنه قد فىن عن نفسه ‪ ،‬ومهما فىن عن‬
‫نفسه فهو عن غ ريه أفىن ‪ ،‬فكأنه فىن عن كل ش يء إال عن الواحد‬
‫املش هود‪ ،‬وفىن أيضا عن الش هود ‪ .‬ف إن القلب أيضا إذا التفت إىل الش هود‬

‫‪38‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫وإىل نفسه بأنه مش اهد فقد غفل عن املش هود ‪ ،‬فاملس ترت ب املرئى ال التف ات‬
‫له ىف حال استغرقه إىل رؤيته ‪ ،‬وال إىل عينه الىت هبا رؤيته ‪ ،‬وإىل قلبه الذى‬
‫به لذته ‪ ،‬فالسكران ال خربة له من سكره ‪ ،‬واملتلذذ ال خربة له من التذاذه‬
‫‪ ،‬إمنا خربته من املتل ذذ به فقط ‪ ،‬ومثاله ‪ :‬العلم بالش يء فإنه مغ اير للعلم‬
‫بالعلم بذلك الشيء ‪ ،‬فالعامل بالشيء مهما ورد عليه العلم بالعلم بالشيء‬
‫ك ان معرضا عن الش يء ‪ ،‬ومثل ه ذه احلالة قد تط رأ ىف حق املخل وقني‬
‫وتط رأ أيضا ىف حق خالقية اخلالق ‪ ،‬ولكنها ىف الغ الب تك ون ك الربق‬
‫اخلاطف الذى ال يثبت وال يدوم ‪ .‬فإن دام مل تطقه القوى البشرية ‪ ،‬فرمبا‬
‫يض طرب حتت أعبائه اض طرابا هتلك فيه نفسه ‪ ،‬فه ذه درجة الص ديقني ىف‬
‫الفهم والوجد وهى أعلى ال درجات ‪ ،‬ألن الس ماع على األح وال وهى‬
‫ممتزجة بص فات البش رية وهو ن وع قص ور ‪ .‬وإمنا الكم ال أن يفىن بالكلية‬
‫عن نفسه وأحواله ‪ ،‬أعىن أنه ينس اها فال يبقى له إلتف ات إليها كما مل يكن‬
‫للنسوة التفات إىل األيدى والسكاكني ‪ ،‬فيسمع باهلل وهلل وىف اهلل ومن اهلل‬
‫‪ .‬وهذه رتبة من خاض جلة احلقائق وعرب بأهل األحوال واألعمال ‪ ،‬واحتد‬
‫لص فاء التوحيد ‪ ،‬وحتقق مبحض اإلخالص ‪ ،‬فلم يبق فيه منه ش يء أصال ‪،‬‬
‫بل مخدت بالكلية بش ريته ‪ ،‬وفىن إلتفاته إىل ص فات البش رية رأسا إىل أن‬
‫ق ال ‪ :‬ومن هنا نشأ خي ال من ادعى احلل ول واالحتاد ‪ ،‬وق ال ‪ " :‬أنا احلق‬
‫" ‪ ،‬وحوله يدن دن كالم النص ارى ىف دع وى احتاد الاله وت بالناس وت أو‬
‫ت درعها هبا أو حلوهلا فيها على ما اختلفت فيه عب اراهتم وهو غلط حمض ‪،‬‬
‫هذا كله لفظ الغزاىل ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫وق ال أيضا ىف ب اب احملبة ‪ :‬من قويت بص ريته ومل تضعف منته فإنه‬
‫ىف حال اعتدال أمره ال يرى إال اهلل ‪ ،‬وال يعرف غريه ‪ ،‬ويعلم أنه ليس ىف‬
‫الوج ود إال اهلل وأفعاله أثر من آث ار قدرته ‪ ،‬فهى تابعة له ‪ ،‬فال وج ود هلا‬
‫باحلقيقة دونه ‪ ،‬وإمنا الوج ود للواحد احلق ال ذى به وج ود األفع ال كلها ‪.‬‬
‫ومن ه ذا حاله فال ينظر ىف ش يء من األفع ال إال وي رى فيه الفاعل ‪،‬‬
‫وي ذهل عن الفعل من حيث أنه مساء ‪ ،‬وأرض ‪ ،‬وحي وان ‪ ،‬وش جر ‪ ،‬بل‬
‫ينظر فيه من حيث أنه أث ره ال من حيث أنه ص نع ‪ ،‬فال يك ون نظ ره جماوزا‬
‫له إىل غريه ‪ ،‬كمن نظر ىف شعر إنسان ‪ ،‬أو خطه ‪ ،‬أو تصنيفه ‪ ،‬ورأى فيه‬
‫الش اعر واملص نف ورأى آث اره من حيث أنه أث ره ‪ ،‬ال من حيث أنه حرب‬
‫وعفص وزاج مرق وم على بي اض ‪ ،‬فال يك ون قد نظر إىل غري املص نف ‪،‬‬
‫وكذا العامل صنع اهلل تعاىل ‪ ،‬فمن نظر إليه من حيث أنه فعل اهلل وعرفه من‬
‫حيث أنه فعل اهلل وأحبه من حيث أنه فعل اهلل ‪ ،‬مل يكن ن اظرا إال ىف اهلل ‪،‬‬
‫وال عارفا إال باهلل ‪ ،‬وال حمبا إال هلل ‪ ،‬وهو املوحد احلق ال ذى ال ي رى إال‬
‫اهلل ‪ ،‬بل ال ينظر إىل نفسه من حيث نفسه ‪ ،‬بل من حيث أنه عبد اهلل ‪،‬‬
‫فه ذا هو ال ذى يق ال فيه أنه فىن ىف التوحيد ‪ ،‬وأنه فىن عن نفسه ‪ ،‬وإليه‬
‫اإلش ارة بق ول من ق ال ‪ " :‬كنا بنا ففنينا ( عنا فبقينا ) بال حنن " ‪ ،‬فه ذه‬
‫أم ور معلومة عند ذوى األبص ار ‪ ،‬أش كلت لض عف األفه ام عن دركها ‪،‬‬
‫وقص ور ق درة العلم اء هبا عن إيض احها ‪ ،‬وبياهنا بعب ارة مفهمة موص لة‬
‫للغرض إىل األفهام أو الشتغاهلم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغريهم‬
‫مما ال يع نيهم مث ق ال ‪ :‬وقد حتزب الن اس إىل قاص رين م الوا إىل التش بيه‬
‫الظ اهر ‪ ،‬وإىل غ الني مس رفني جتاوزوا إىل االحتاد وق الوا ب احللول حىت ق ال‬

‫‪40‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫بعض هم ‪ " :‬أنا احلق " ‪ ،‬وضل النص ارى ىف عيسى ‪ ‬وق الوا ‪ :‬هو اآلله ‪،‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬تدرع الناسوت بالالهوت ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬احتد به ‪ ،‬وأما‬
‫ال ذين انكشف هلم اس تحالة التش بيه والتمثيل واس تحالة االحتاد واحلل ول ‪،‬‬
‫واتضح هلم وجه الص واب فهم األقل ون انتهى كالم الغ زاىل ‪ ،‬وب دأنا بالنقل‬
‫عنه ألنه فقيه أص وىل متكلم ص وىف ‪ ،‬وهو أجل من يعتمد عليه ىف ه ذا‬
‫املقام الجتماع هذه الفنون فيه ‪.‬‬
‫وق ال إم ام احلرمني ىف اإلرش اد ‪ :‬أصل م ذهب النص ارى أن االحتاد‬
‫مل يقع إال باملس يح ‪ ‬دون غ ريه من األنبي اء ‪ ،‬واختلفت م ذاهبهم فيه ‪،‬‬
‫فزعم بعضهم أن املعىن به حلول الكلمة جسد املسيح ال حيل العرض حمله ‪،‬‬
‫وذهبت ال روم إىل أن الكلمة م اجزت جسد املس يح وخالطه خمالطة اخلمر‬
‫اللنب – وهذا كله خبط –‬
‫وق ال األس تاذ أبو بكر بن ف ورك ىف كتابه املس مى بـ " النظ امى ىف‬
‫أصول الدين " ‪ :‬قالت النصارى إن عيسى ‪ ‬الهوتى ناسىت ‪ ،‬وتكلموا ىف‬
‫حل ول الكلمة ملرمي عليها الس الم ‪ ،‬فمنهم من ق ال ‪ :‬الكلمة حلت ىف م رمي‬
‫حل ول املمازجة كما حيل املاء ىف اللنب حل ول املمازجة واملخالطة ‪ ،‬ومنهم‬
‫من قال ‪ :‬إهنا حلت فيها من غري ممازجة كما أن شخص اإلنسان يتبني ىف‬
‫املرآة الص قيلة من غري ممازجة بينهما ‪ ،‬ومنهم من ق ال ‪ :‬إن مثل الاله وت‬
‫مع الناس وت مثل اخلامت مع الش مع ىف أنه ي ؤثر فيه حىت يت بني فيه النقش مث‬
‫ال يبقى فيه ش يء من األثر ‪ ،‬واألول طريق اليعقوبية ‪ ،‬والث اين طريق امللكية‬
‫‪ ،‬والثالث طريق النسطورية ‪ ،‬مث قال ‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫واعلم أهنم ق الوا باالحتاد ‪ ،‬فق الت طائفة منهم ىف معىن االحتاد‬
‫الكلمة الىت هى " كن " حلت جسد املس يح ‪ ،‬وق الت اليعقوبية ‪ :‬إن‬
‫االحتاد اختالط وام تزاج ‪ ،‬وزعمت أن كلمة اهلل انقلبت حلما ودما باالحتاد‬
‫‪ ،‬وقالت طائفة منهم ‪ :‬إن االحتاد هو أنه أودعها بإظهار روح القدس عليه‬
‫‪ ،‬وقد حكينا عمن ق ال ‪ :‬جيرى ه ذا االحتاد جمرى وق وع اهليئة ىف املرآة ‪،‬‬
‫والنقش من اخلامت ىف الش مع ‪ ،‬وما ج رى جمراه ‪ ،‬ويق ال هلذه الطائفة منهم‬
‫أن ظهور هذه الصورة ىف املرآة والشيء الصقيل ليس اختالط شيء بشيء‬
‫وال انتق ال ش يء إىل ش يء ‪ ،‬بل أج رى اهلل الع ادة ب أن الواحد إذا قابل‬
‫الشيء الصقيل خلق اهلل له رؤية يرى هبا نفسه ‪ ،‬وأما أن يكون ىف الصقيل‬
‫على ش يء فال ‪ ،‬أما ت رى أنه أن ملس وجهه فوجه نفسه ملس ال وجه ظهر‬
‫فيه فعلم أنه ليس ىف املرآة ش يء ‪ ،‬وه ذا الق ول ي وجب عليهم اإلق رار بأنه‬
‫ليس من القدمي سبحانه وتعاىل ىف مرمي وال ىف عيسى شيء ‪ ،‬ويبطل عليهم‬
‫الق ول بأنه اله وتى وناس وتى ‪ ،‬وك ذلك الق ول ىف اخلامت ونقشه مع الش مع‬
‫فليس حيصل من الفص ىف الش مع ش يء ‪ ،‬وإمنا ي رتكب الش مع تركيبا من‬
‫بعضه ىف بعض ‪ ،‬مث إن ه ذا ال ذى ذك روه كله إمنا جيوز بني املتماسني‬
‫املتجاورين املتالصقني اجلسمني احملدودين الذين جيوز فيهما حلول احلوادث‬
‫وتغري األوص اف ‪ ،‬واهلل تع اىل يت نزه عن ذلك كله ‪ ،‬وأما ق وهلم أن الكلمة‬
‫انقلبت حلما ودما فال جيوز ألنه لو جاز ذلك جلاز أن ينقلب القدمي حمدثا ‪،‬‬
‫ولو جاز ذلك جلاز انقالب احملدث قدميا فيبطل الفصل بينهما ‪ ،‬وهذا حمال‬
‫فبطل ما قالوه انتهى ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫وقال اإلمام فخر الرازى ىف كتاب احملصل ىف أصول الدين ‪ :‬مسألة‬
‫البارى تعاىل ال يتحد بغريه ‪ ،‬ألنه حال االحتاد إن بقيا موجودين فهما اثنان‬
‫ال واحد ‪ ،‬وإن ص ارا مع دومني فلم يتح دا بل ح دث ث الث ‪ ،‬وإن ع دم‬
‫أحدمها وبقى اآلخر فلم يتحد ألن املعدوم ال يتحد باملوجود ‪.‬‬
‫وق ال اإلم ام أقضى القض اة أبو احلسن املاوردى ص احب احلاوى‬
‫الكبري ىف من اظرة ناظرها لبعض النص ارى ىف ذلك ( القائل ) ب احللول‬
‫واالحتاد ‪ :‬ليس من املس لمني بالش ريعة بل ىف الظ اهر والتس مية وال ينفع‬
‫التنزيه مع الق ول باالحتاد واحلل ول ‪ ،‬ف إن دع وى التنزيه مع ذلك إحلاد ‪،‬‬
‫وكيف يصح توحيد مع اعتق اد أنه س بحانه حل ىف البشر املأخوذ من م رمي‬
‫‪ ،‬وهنالك حلوله إما حلول عرض ىف جوهر فيقولون بأنه عرض أو حلول‬
‫ت داخل األجس ام فهو جسم ‪ ،‬وهنالك أن حل كله فقد احنصر ىف الق الب‬
‫البش رى وص ار ذا هناية وبداية أو بعضه فقد انقسم وتبعض ‪ ،‬وكل ه ذه‬
‫األمور أباطيل وتضاليل ‪.‬‬
‫وقال القاضى عياض ىف الشفاء ما معناه ‪ :‬أمجع املسلمون على كفر‬
‫أص حاب احلل ول ‪ ،‬ومن ادعى حل ول الب ارى س بحانه ىف أحد األش خاص‬
‫كق ول بعض املتص وفة ‪ ،‬والباطنية ‪ ،‬والنص ارى ‪ ،‬والقرامطة ‪ ،‬وق ال ىف‬
‫موضع آخر ‪ :‬ما ع رف اهلل من ش بهه وجس مه من اليه ود أو أج از عليه‬
‫احلل ول واالنتق ال واالم تزاج من النص ارى ‪ ،‬ونقله عنه الن ووى ىف ش رح‬
‫مسلم ‪.‬‬
‫وق ال القاضى ناصر ال دين البيض اوى ىف تفس ريه ىف قوله تع اىل ‪:‬‬
‫‪ ‬لقد كفر ال ذين ق الوا إن اهلل هو املس يح ابن م رمي ‪ ، ‬ه ذا ق ول اليعقوبية‬

‫‪43‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫القائلني باالحتاد ‪ ،‬وقال ىف قوله تعاىل ‪ :‬أفال يتوبون إىل اهلل ويستغفرونه‪‬‬
‫أى أال يتوب ون باالنته اء عن تلك العقائد واألق وال الزائغة ‪ ،‬ويس تغفرونه‬
‫بالتوحيد والتنزيه عن االحتاد واحللول بعد هذا التقرير والتهديد ‪.‬‬
‫وق ال الش يخ عز ال دين بن عبد الس الم ىف قواع ده الك ربى ‪ :‬ومن‬
‫زعم أن اإلله حيل ىف ش يء من أجس اد الن اس أو غ ريهم فهو ك افر ألن‬
‫الش رع إمنا عفا عن اجملس مة لغلبة التجس يم على الن اس ‪ ،‬ف إهنم ال يفهم ون‬
‫موج ودا ىف غري جهة خبالف احلل ول فإنه ال يعم االبتالء به وال خيطر على‬
‫قلب عاقل فال يعفى عنه انتهى ‪.‬‬
‫( قلت ) مقص ود الش يخ أنه ال جيرى ىف تكف ريهم اخلالف ال ذى‬
‫ج رى ىف اجملس مة بل يقطع بتكفري الق ائلني ب احللول إمجاعا وإن ج رى ىف‬
‫اجملسمة خالف ‪.‬‬
‫وق ال احلافظ أبو نعيم األص بهاىن ىف أول احللية ‪ :‬أما بعد فقد‬
‫اس تعنت باهلل وأجبتك إلىما ابتغيت من مجع كت اب يتض من أس امى مجاعة‬
‫من أعالم احملققني من املتص وفة وأئمتهم وت رتيب طبق اهتم من النس اك‬
‫وحمجتهم من قرن الصحابة والتابعني وتابعيهم ومن بعدهم ممن عرف األدلة‬
‫احلق ائق ‪ ،‬وباشر األح وال والطرائق ‪ ،‬وس اكن الري اض واحلدائق ‪ ،‬وف ارق‬
‫الع وارض والعالئق ‪ ،‬وت ربأ من املتنطعني واملتعمقني ‪ ،‬ومن أهل ال دعاوى‬
‫من املتس وفني ‪ ،‬ومن الكس اىل واملتثبطني املش بهني هبم ىف اللب اس واملق ال ‪،‬‬
‫واملخالفني ىف العقيدة والفعال ‪ ،‬ذلك ملا بلغك من بسط لساننا وألسنة أهل‬
‫الفقه واآلثار ىف كل القطر واألمصار ىف املنتسبني إليهم من الفسقة الفجار‬

‫‪44‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫‪ ،‬واملباحية واحللولية الكف ار ‪ ،‬وليس ماحل بالكذبة من الوقيعة واإلنك ار ‪،‬‬
‫بقادح ىف منقبة الربرة األخيار وواضع من درجة الصفوة األبرار ‪.‬‬
‫وق ال ص احب ( كت اب ) معي ار املري دين ‪ :‬اعلم أن منشأ أغالط‬
‫الفرق الىت غلطت ىف االحتاد واحللول جهلهم بأصول الدين وفروعه وعدم‬
‫مع رفتهم ب العلم ‪ ،‬وقد وردت األح اديث واآلث ار بالتح ذير من عابد جاهل‬
‫‪ ،‬فمن ال يكون سابقة علم مل ينتج ومل يصح له سلوك ‪ .‬وقد قال سهل بن‬
‫عبد اهلل التس رتى ‪ :‬اجتنب ص حبة ثالثة أص ناف من الن اس ؛ اجلب ابرة‬
‫الغ افلني ‪ ،‬والق راء املداهنني ‪ ،‬واملتص وفة اجلاهلني ‪ ،‬ف افهم وال تغلط ‪ ،‬ف إن‬
‫ال دين واضح ق ال ‪ :‬واعلم أنه وقع ىف عب ارة بعض احملققني لفظ االحتاد‬
‫إشارة منهم إىل حقيقة التوحيد ‪ ،‬فإن االحتاد عندهم هو املبالغة ىف التوحيد‬
‫‪ ،‬والتوحيد معرفة الواحد واألحد ‪ ،‬فاشتبه ذلك على من ال يفهم إشاراهتم‬
‫فحملوه على غري حممله فغلطوا وهلكوا بذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬والدليل على بطالن‬
‫احتاد العبد مع اهلل تع اىل أن االحتاد بني مرب وبني حمال ‪ ،‬ف إن رجلني مثال ال‬
‫يصري أح دمها عني اآلخر لتباينهما ىف ذاتيهما كما هو معل وم ‪ ،‬فالتب اين بني‬
‫العبد وال رب س بحانه وتع اىل أعظم ‪ ،‬ف إذن أصل االحتاد باطل حمال م ردود‬
‫ش رعا وعقال وعرفا بإمجاع األنبي اء واألولي اء ومش ايخ الص وفية وس ائر‬
‫العلماء واملسلمني ‪ ،‬وليس هذا مذهب الصوفية ‪ ،‬وإمنا قاله طائفة غالة لقلة‬
‫علمهم وسوء حظهم من اهلل تعاىل فشاهبوا هبذا القول النصارى الذين قالوا‬
‫ىف عيسى ‪ ‬احتد ناسوته بالهوته ‪.‬‬
‫وأما من حفظه اهلل تع اىل بالعناية ف إهنم مل يعتق دوا احتادا وال حل وال‬
‫‪ ،‬وإن وقع منهم لفظ االحتاد ‪ ،‬فإمنا يري دون به حمو أنفس هم وإثب ات احلق‬

‫‪45‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫سبحانه ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد يذكر االحتاد مبعىن فناء املخالفات وبقاء املوافقات ‪،‬‬
‫وفن اء حظ وظ النفس من ال دنيا وبق اء الرغبة ىف اآلخ رة ‪ ،‬وفن اء األوص اف‬
‫الذميمة وبقاء األوصاف احلميدة ‪ ،‬وفناء الشك وبقاء اليقني ‪ ،‬وفناء الغفلة‬
‫وبق اء ال ذكر ‪ ،‬ق ال ‪ :‬وأما ق ول أىب يزيد البس طامى ‪ :‬س بحاىن ‪ ،‬ما أعظم‬
‫شاىن ‪ ،‬فهو ىف معرض احلكاية عن اهلل تعاىل ‪ ،‬وكذلك قول من قال ‪ :‬أنا‬
‫احلق ‪ ،‬حمم ول على احلكاية ‪ ،‬وال يظن هبؤالء الع ارفني احلل ول واالحتاد ‪،‬‬
‫ألن ذلك غري مظن ون بعاقل فضال عن املتم يزين خبص وص املكاش فات‬
‫واليقني واملش اهدات ‪ ،‬وال يظن ب العقالء املتم يزين على أهل زم اهنم ب العلم‬
‫ال راجح والعمل الص احل واجملاه دة وحفظ ح دود الش رع الغلط ب احللول‬
‫واالحتاد كما غلط النص ارى ىف ظنهم ذلك ىف حق عيسى ‪ ، ‬وإمنا ح دث‬
‫ذلك ىف اإلس الم من واقع ات جهلة املتص وفة ‪ ،‬وأما العلم اء الع ارفون‬
‫احملققون فحاشاهم من ذلك ‪ ،‬هذا كله كالم معيار املريدين بلفظه ‪.‬‬
‫( واحلاصل ) أن لفظ االحتاد مش رتك فيطلق على املعىن املذموم‬
‫ال ذى هو أخو احلل ول وهو كفر ‪ ،‬ويطلق على مق ام الفن اء اص طالحا –‬
‫اص طلح عليه الص وفية – وال مش احة ىف االص طالح إذ ال مينع أحد من‬
‫اس تعمال لفظ ىف معىن صحيح ال حمذور فيه شرعا ‪ ،‬ولو كان ذلك ممنوعا‬
‫مل جيز ألحد أن يتف وه بلفظ االحتاد وأنت تق ول ‪ :‬بيىن وبني ص احىب زيد‬
‫احتاد ‪ ،‬وكم استعمل احملدثون ‪ ،‬والفقهاء ‪ ،‬والنحاة ‪ ،‬وغريهم لفظ االحتاد‬
‫ىف مع ان حديثية وفقهية وحنوية ‪ ،‬كق ول احملدثني ‪ :‬احتاد خمرج احلديث ‪،‬‬
‫وق ول الفقه اء ‪ :‬احتد ن وع املاش ية ‪ ،‬وق ول النح اة ‪ :‬احتد العامل لفظا أو‬
‫مع ىن‪ ،‬وحيث وقع لفظ االحتاد من حمققى الص وفية فإمنا يري دون به معىن‬

‫‪46‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫الفن اء ال ذى هو حمو النفس وإثب ات األمر كله هلل س بحانه ‪ ،‬ال ذلك املعىن‬
‫املذموم ال ذى يقش عر له اجللد ‪ ،‬وقد أش ار إىل ذلك س يدى علي بن وفا ‪،‬‬
‫فقال من قصيدة له ‪:‬‬
‫وقلىب من سوى التوحيد خاىل‬ ‫يظنوا ىب حلوال واحتادا‬
‫فتربأ من االحتاد مبعىن احللول وقال من أبيات أخر ‪:‬‬
‫هو املعىن املسمى باحتاد‬ ‫وعلمك أن كل األمر أمرى‬
‫ف ذكر أن املعىن ال ذى يريدونه باالحتاد إذا أطلق وه هو تس ليم األمر‬
‫كله هلل وت رك اإلرادة معه واالختي ار واجلرى على مواقع أق داره من غري‬
‫اعرتاض وترك نسبة شيء ما إىل غريه ‪.‬‬
‫وقال صاحب كتاب هنج الرشاد ىف الرد على أهل الوحدة واحللول‬
‫واالحتاد ‪ :‬ح دثىن الش يخ كم ال ال دين املراغى عن الش يخ تقى ال دين بن‬
‫دقيق العيد أنه قال له مرة ‪ :‬الكفار إمنا انتشروا ىف بالدكم النتشار الفلسفة‬
‫هن اك وقلة اعتن ائهم بالش ريعة والكت اب والس نة ‪ ،‬ق ال ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬ىف‬
‫بالدكم ما هو شر من هذا وهو قول االحتادية فقال ‪ :‬هذا ال يقوله عاقل ‪،‬‬
‫ف إن ق ول ه ؤالء كل أحد يع رف فس اده ‪ ،‬ق ال ‪ :‬وح دثىن الش يخ كم ال‬
‫ال دين املذكور ق ال ‪ :‬اجتمعت بالش يخ أىب العب اس املرسى تلميذ الش يخ‬
‫الكبري أىب احلسن الش اذيل ‪ ،‬وفاوض ته ىف ه ؤالء االحتادية فوجدته ش ديد‬
‫اإلنكار عليهم والنهى عن طريقهم وقال ‪ :‬أتكون الصنعة هى الصانع ؟ ‪.‬‬
‫( قلت ) وهلذا ك انت طريقة الش اذيل هى أحسن ط رق التصوف ‪،‬‬
‫وهى ىف املت أخرين نظري طريقة اجلنيد ىف املتق دمني ‪ ،‬وقد ق ال الش يخ ت اج‬
‫ال دين بن الس بكى ىف كت اب مجع اجلوامع ‪ :‬وإن طريق ( الش يخ ) اجلنيد‬

‫‪47‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫وصحبه طريق مقوم ‪ ،‬وكان والده شيخ اإلسالم تقى الدين السبكى يالزم‬
‫جملس الش يخ ت اج ال دين بن عط اء اهلل يس مع كالمه ووعظه ونقل عنه ىف‬
‫كتابه املسمى غرية اإلميان اجللى فائدة حسنة ىف حديث ال تسبوا أصحاىب‬
‫فق ال ‪ :‬إنه ذكر أن النيب ‪ ‬ك انت له جتلي ات ف رأى ىف بعض ها س ائر أمته‬
‫اآلتني من بعده فقال خماطبا هلم ‪ :‬ال تسبوا أصحاىب فلو أنفق أحدكم مثل‬
‫أحد ذهبا ما أدرك مد أح دهم وال نص يفه ‪ ،‬وارتضى الس بكى منه ه ذا‬
‫التأويل وق ال ‪ :‬إن الش يخ ت اج ال دين ك ان متكلم الص وفية ىف عص ره على‬
‫طريق الشاذلية انتهى ‪.‬‬
‫( قلت ) وهو تلميذ الشيخ أىب العباس املرسى ‪ ،‬والشيخ أبو العباس‬
‫تلميذ الش اذيل ‪ ،‬وقد ط العت كالم ه ؤالء الس ادة الثالثة فلم أر فيه حرفا‬
‫حيت اج إىل تأويل فضال عن أن يك ون منك را ص رحيا ‪ ،‬وما أحسن ق ول‬
‫سيدى علي بن وفا ‪:‬‬
‫تروم وحقق ذا الرجاء‬ ‫متسك حبب الشاذلية تلق ما‬
‫وحصل‬
‫مشوس هدى ىف أعني املتأمل‬ ‫وال تعدون عيناك عنهم فإهنم‬
‫مث قال صاحب هنج الرشاد ‪ :‬وما زال عباد اهلل الصاحلون من أهل‬
‫العلم واإلميان ينك رون ح ال ه ؤالء االحتادية وإن ك ان بعض الن اس قد‬
‫يك ون أعلم وأق در وأحكم من بعض ىف ذلك ‪ ،‬وق ال الش يخ س عد ال دين‬
‫التفت ازاىن ىف ش رح املقاصد ‪ :‬وأما املنتم ون إىل اإلس الم فمنهم بعض غالة‬
‫الش يعة الق ائلون بأنه ال ميتنع ظه ور الروح اىن ىف اجلس ماىن كجربيل ىف‬
‫صورة دحية الكلىب ‪ ،‬وكبعض اجلن أو الشياطني ىف صورة األناسى قالوا ‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫فال يبعد أن يظهر اهلل تعاىل ىف صورة بعض الكاملني ‪ ،‬وأوىل الناس بذلك‬
‫علي وأوالده‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك علوا كبريا ‪ ،‬قال ‪ :‬ومنهم بعض املتصوفة‬
‫القائلون بأن السالك إذا أمعن ىف السلوك وخاض معظم جلة الوصول فرمبا‬
‫حيل اهلل فيه ‪ ( ،‬تعاىل اهلل عما يقول الظاملون علوا كبريا ) كالنار ىف اجلمر‬
‫حبيث ال متايز وال يتحد به حبيث ال اثنينية وال تغ اير ‪ ،‬وصح أن يق ول هو‬
‫أنا وأنا هو ‪ ،‬ق ال ‪ :‬وفس اد ال رأيني غىن عن البي ان ‪ ،‬ق ال ‪ :‬وههنا م ذهبان‬
‫آخ ران يومهان احلل ول أواالحتاد وليسا منه ش يء ‪ ،‬األول أن الس الك إذا‬
‫انتهى س لوكه إىل اهلل وىف اهلل يس تغرق ىف حبر التوحيد والعرف ان حبيث‬
‫تضمحل ذاته تعاىل ىف ذاته وصفاته ىف صفاته وتغيب عن كل ما سواه وال‬
‫يرى ىف الوجود إال اهلل تعاىل ‪ ،‬وهذا هو الذى يسمونه الفناء ىف التوحيد ‪،‬‬
‫وحينئذ رمبا تصدر عنه عبارات تشعر باحللول أو االحتاد لقصور العبارة عن‬
‫بي ان تلك احلال وبعد الكشف عنها باملق ال ‪ ،‬وحنن على س احل التمىن‬
‫نغ رتف من حبر التوحيد بق در اإلمك ان ‪ ،‬ونع رتف ب أن طريق الفن اء فيه‬
‫العي ان دون الربه ان ‪ ،‬واهلل املوفق ‪ ،‬مث ذكر ىف املذهب الث اىن وهو الق ول‬
‫بالوح دة املطلقة وق ال ‪ :‬إنه غري احلل ول واالحتاد ‪ ،‬وأنه أيضا خ ارج عن‬
‫طريق العقل والش رع وأنه باطل وض الل ‪ ،‬وقد س قت بقية كالمه فيه ىف‬
‫الكت اب ال ذى ألفته ىف ذم الق ول بالوح دة املطلقة فإنه به أج در ‪ ،‬وذكر‬
‫الس يد اجلرج اىن ىف ش رح املواقف حنو ذلك ‪ ،‬وقد س قت أيضا عبارته ىف‬
‫الكتاب املشار إليه ‪.‬‬
‫وقال العالمة مشس الدين بن القيم ىف كتابه شرح منازل السائرين ‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫الدرجة الثالثة من درج ات الفن اء فن اء خ واص األولي اء وأئمة املق ربني وهو‬
‫الفناء عن إرادة السوى شائما برق الفناء عن إرادة ما سواه سالكا سبيل‬
‫اجلمع على ما حيبه ويرض اه فانيا مبراد حمبوبه منه عن م راده هو من حمبوبه‬
‫فضال عن إرادة غريه ‪ ،‬قد احتد مراده مبراد حمبوبه أعىن املراد الديىن األمرى‬
‫ال املراد الك وىن الق درى فص ار املرادان واحد ق ال ‪ :‬وليس ىف العقل احتاد‬
‫ص حيح إال ه ذا واالحتاد ىف العلم واخلرب فيك ون املرادان واملعلوم ان‬
‫واملذكوران واحد مع تب اين اإلرادتني والعلمني واخلربين ‪ ،‬فغاية احملبة احتاد‬
‫م راد احملب مبراد احملبوب وفن اء إرادة احملب ىف م راد احملب وب ‪ ،‬فه ذا االحتاد‬
‫والفن اء هو احتاد خ واص احملبني وفن اؤهم ‪ ،‬قد فن وا بعبادته عن عب ادة ما‬
‫س واه ‪ ،‬وحببه وخوفه ورجائه والتوكل عليه واالس تعانة به والطلب منه عن‬
‫حب ما س واه ‪ ،‬ومن حتقق هبذا الفن اء ال حيب إال ىف اهلل ‪ ،‬وال يبغض إال‬
‫فيه ‪ ،‬وال ي واىل إال فيه ‪ ،‬وال يع ادى إال فيه ‪ ،‬وال يعطى إال هلل ‪ ،‬وال مينع‬
‫إال هلل ‪ ،‬وال يرجو إال إياه ‪ ،‬وال يستعني إال به ‪ ،‬فيكون دينه كله ظاهرا هلل‬
‫‪ ،‬ويك ون اهلل ورس وله أحب إليه مما س وامها فال ي واد من ح اد اهلل ورس وله‬
‫ولو كان أقرب اخللق إليه بل –‬
‫يعادى الذى عادى من الناس كلهم مجيعا ولو كان احلبيب املصافيا‬
‫وحقيقة ذلك فن اؤه عن ه وى نفسه وحظوظها مبراضى ربه تع اىل‬
‫وحقوقه ‪ ،‬واجلامع هلذا كله حتقيق ش هادة أن آل إله إال اهلل علما ومعرفة‬
‫وعمال وح اال وقص دا ‪ ،‬وحقيقة ه ذا النفى واإلثب ات ال ذى تض منته ه ذه‬
‫الش هادة هو الفن اء والبق اء ‪ ،‬ففىن عن تأله ما س واه علما وإف رادا وتعم دا ‪،‬‬
‫وبقى تأهله وحده ‪ ،‬فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة التوحيد الذى اتفقت‬

‫‪50‬‬
‫تنزيه االعتقاد عن الحلول‬ ‫الرسالة الثالثة‬
‫عليه املرس لون ص لوات اهلل عليهم ‪ ،‬وأن زلت به الكتب ‪ ،‬وخلقت ألجله‬
‫اخلليقة ‪ ،‬وش رعت له الش رائع ‪ ،‬وق امت عليه س وق اجلنة ‪ ،‬وأسس عليه‬
‫اخللق واألمر ‪ ،‬إىل أن ق ال ‪ :‬وه ذا املوضع مما غلط فيه كثري من أص حاب‬
‫اإلرادة ‪ ،‬واملعصوم من عصمه اهلل ‪ ،‬واهلل املستعان ‪.‬‬
‫وق ال ىف موضع آخر ‪ :‬وإن ك ان مش مرا للفن اء الع اىل وهو الفن اء‬
‫عن إرادة السوى ‪ ،‬مل يبق ىف قلبه مراد يزاحم مراده الديىن الشرعى النبوى‬
‫القرآىن ‪ ،‬بل يتحد املرادان فيصري عني مراد الرب تعاىل هو عني مراد العبد‪،‬‬
‫وه ذا حقيقة احملبة اخلالصة ‪ ،‬وفيها يك ون االحتاد الص حيح وهو االحتاد ىف‬
‫املراد ال ىف املريد وال ىف اإلرادة ‪ ،‬قال ‪ :‬فتدبر هذا الفرقان ىف هذا املوضع‬
‫الذى طاملا زلت فيه أقدام السالكني ‪ ،‬وضلت فيه أفهام الواحدين انتهى ‪.‬‬
‫وقد تك رر كالم ابن القيم ىف ه ذا الكت اب ىف تض ليل االحتادية‬
‫والق ائلني بالوح دة املطلقة ‪ ،‬وقد س قت منه أش ياء ىف كت اىب ال ذى أش رت‬
‫إليه‪ ،‬فلينظر منه ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪51‬‬

You might also like