Professional Documents
Culture Documents
شرح على
مسائل أبي الليث
لإلمام نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
الملقب
بإمام الهدى
1
بسم هللا الرمحن الرحمي
احلمد هلل الذي هدانا لإلسالم واإلميان ،وخص بعض عباده بالطاعات
وبعضهم بالعصيان ،والصالة والسالم على أفضل الرسل سيد ولد آدم،
سيدنا حممد وآله وأصحابه وأزواجه وذريته عدد ما جرى به القلم.
(بسم اهلل الرحمن الرحيم) فاسم "الجاللة" ليس مبشتق وال منقول،
و"ال" فيه زائدة الزمة للتعريف ،بل وضع كذلك ،وهو اسم جامع جلميع
أمساء اهلل احلسىن وصراته العليا .و"الرحمن" :كثي الرمحة بالنعم العظيمة.
و"الرحيم" :كثي الرمحة بالنعم الصغية .وختصيص التسمية هبذه األمساء،
ليعلم العارف أن اسفستحق بأن يستعان به يف مجيع األمور هو اسفعبود احلقيقي
معطي النعم كلها جليلها وحقيها .وإمنا افتتح اسفصنف كتابه هذا بالبسملة
اقتداءً بالكتب السماوية ،وعمالً باألحاديث اسفروية ،كما روي عن رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم أنه قال(( :إذا كتب العبد بسم اهلل الرحمن الرحيم
2
في لوح أو في كتاب فإنه تكتب له المالئكة األجر ،وتستغفر له ما دام
ذلك االسم في اللوح أو الكتاب)).
(مسألة)( :إذا قيل لك) :يا مؤمن( :ما اإليمان؟) ،أي :ما متعلقات
حقيقة اإلميان الذي هو التصديق؟.
3
اآلخرة للمؤمن ،وبأن رسله صادقون فيما أخربوا به عن اهلل تعاىل ،وبالبعث
من القبور.
قال بعضهم :من تعلم يف الصغر :آمنت باهلل ومالئكته وكتبه ورسله
واليوم اآلخر وقدره خيه وشره من اهلل تعاىل ،وعلم أن ذلك إميان إال أنه ال
يسن ترسيه ،فال يكم بإميانه .وقال بعضهم :إميان شخص حال يأس،
أي :وقت سكرات اسفوت عند رؤية مكانه يف اجلنة أو يف النار غي مقبول
لعدم اإلتيان باسفأمور به عن اختيار ،فإن العبد يرى مكانه يف ذلك الوقت
كما روي عن النب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال(( :إن العبد لن يموت
حتى يرى موضعه في الجنة أو في النار)) خبالف توبة اليائس ،فإهنا مقبولة
بعد صحة إميانه سفا روي عن ابن عمر أنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم(( :تقبل توبة العبد المؤمن ما لم يغرغر)) أي :ما مل تبلغ روحه
احللقوم.
واعلم أن اإلميان باهلل على ثالثة أقسام :إميان تقليدي ،وإميان حتقيقي،
وإميان استداليل :فالتقليدي :هو أن يعتقد بوحدانية اهلل تعاىل تقليداً بقول
العلماء من غي برهان ،وهذا ال يأمن من التزلزل بتشكيك مشكك.
والحقيقي :هو أن يطوي قلبه على وحدانية اهلل تعاىل ،حبيث لو خالره أهل
العلم فيما طوى عليه قلبه سفا وجد يف قلبه زلة .واالستداللي :هو أن يستدل
من اسفصنوع على الصانع ،ومن األثر على اسفؤثر ،فاألثر يدل على اسفؤثر،
والبناء يدل على الباين ،واسفصنوع يدل على الصانع ،والبعرة تدل على البعي
مثالً ،إذ األثر بال مؤثر حمال.
5
– وهو لغة اليهود – فهو توراة ،وإن عرب عنه بالسريانية فهو إجنيل وزبور.
واختالف العبارات ال تستلزم اختالف الكالم ،كما أن اهلل يسمى بعبارات
خمتلرة مع أن ذاته تعاىل واحدة( .باق) بذاته العليا ،أي :دائم الوجود ال
يقبل الرناء( ،خالَّق) ،أي :كثي إظهار اسفوجودات بقدرته ،وكثي تقدير كل
واحد مبقدار معني بإرادتهَّ ( ،
رزاق) ،أي :خالق األرزاق أو اسفرتزقة وموصلها
إليهم .واسم "الرزق" ال خيتص باسفأكول واسفشروب ،بل كل ما انترع به
احليوان من مأكول ومشروب وملبوس وغيها .ومن أعظم الرزق التوفيق
للطاعات .والرزق قسمان :ظاهر :وهو األقوات واألطعمة وذلك لألبدان.
وباطن :وهي اسفعارف واسفكاشرات ،وذلك للقلوب واألسرار.
واعلم أنه تعاىل يوصل الرزق إىل مجيع خملوقاته ،وأن من أسباب سعة
اصطبِ ْر عل ْي ها ال الرزق كثرة الصالة ،لقوله تعاىل{ :وأْمر أ ْهلك بِ َّ ِ
الصالة و ْ ْ
ن ْسألك ِرْزقًا نَّ ْحن ن ْرزقك والْعاقِبة لِلتَّ ْقوى} ،والصالة والسالم على النب
صلى اهلل عليه وسلم واالستغرار( ،رب) ،ومعناه :معبود ،ومنه قولك :ربنا
اهلل( ،ومالك) ،ومنه قوله تعاىل{ :هلل ملك السموات واألرض}( ،بال
شريك) أي :شبيه له ،أي :يف الربوبية ،وال ضد أي :ال نظي (وال ند) أي:
مماثل .والررق بني" :الشبيه" و"النظير" و"المماثل" :أن "النظير" :ما
يساوي ولو يف وجه .و"الشبيه" :ما يساوي أكثر الوجوه .و"المماثل" :ما
يساوي يف مجيع الوجوه .قال الرباوي :وال جيوز البحث عن ذات اهلل تعاىل
وال عن صراته ،ألن ترك اإلدراك إدراك والبحث يف ذات اهلل تعاىل إشراك،
وكل ما خطر ببالك من صرات احلوادا فاهلل خبالف ذلك.
6
(فائدة) :من ترك أربع كلمات كمل إميانه :أين ،وكيف ،ومىت ،وكم:
فإن قال لك قائل :أين اهلل؟ ،فجوابه :ليس يف مكان وال مير عليه زمان .وإن
قال لك :كيف اهلل؟ ،فقل له :ليس كمثله شيء .وإن قال لك :مىت اهلل؟،
فقل :له أول بال ابتداء وآخر بال انتهاء .وإن قال لك :كم اهلل؟ ،فقل له:
واحد ال من قلة ،قل :اهلل أحد .انتهى.
(ومنهم حافون) ،قال :وهب بن منبه :إن حول العرش سبعني ألف
صف من اسفالئكة ،صف خلف صف ،يطوفون بالعرش ،يقبل هؤالء ويقبل
هؤالء ،فإذا استقبل بعضهم بعضاً هلل هؤالء وكرب هؤالء ،ومن ورائهم
سبعون ألف صف قيام أيديهم إىل أعناقهم واضعني هلا على عواتقهم ،فإذا
مسعوا تكبي أولئك وهتليلهم رفعوا أصواهتم فقالوا :سبحانك اللهم وحبمدك ما
أعظمك وأحلمك ،أنت اهلل ال إله غيك ،أنت األكرب واخللق كلهم لك
راجعون ،ومن وراء هؤالء مائة ألف صف من اسفالئكة قد وضعوا اليمىن على
7
اليسرى ،ليس منهم أحد إال يسبح بتسبيح ال يسبحه اآلخر ،ما بني جناحي
أحدهم مسية مثامنائة عام ،وما بني شحميت أذن أحدهم إىل عاتقه أربعمائة
عام ،واحتجب اهلل عن اسفالئكة الذين حول العرش بسبعني حجاباً من نور،
وسبعني حجاباً من ظلمة ،وسبعني حجاباً من در أبيض ،وسبعني حجاباً من
ياقوت أمحر ،وسبعني حجاباً من زبرجد أخضر ،وسبعني حجاباً من ثلج،
وسبعني حجاباً من ماء و سبعني من برد ،وما ال يعلمه إال اهلل.
(ومنهم سفرة) أي :وسائط بني اهلل وبني أنبيائه والصاحلني يبلغون إليهم
رسالته بالوحي واإلهلام والرؤيا الصاحلة ،أو بينه وبني خلقه يوصلون إليهم آثار
صنعه .و"السفرة" هنا مجع سري مبعىن :رسول ،وليس مجع سافر مبعىن:
كاتب؛ ألن اسفصنف فسرها هبؤالء األربعة (أي :جبريل وميكائيل وإسرافيل
وعزرائيل) برتح العني ،فجربيل نازل على مجيع األنبياء ،وميكائيل وكيل
األمطار ،وإسرافيل وكيل نرخ الصور ينرخ فيموت اخللق ،وينرخ إلحياء
اخللق فرتجع األرواح ألجسادها ،وعزرائيل وكيل قبض األرواح ،فإذا حضر
أجل العبد أمر اهلل تعاىل ملك اسفوت أن يقبض روح ذلك العبد ،وسفلك اسفوت
أعوان من اسفالئكة ،يأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده ،فإذا وصلت إىل
8
احللقوم توىل قبضها ملك اسفوت بنرسه ،وخروج الروح يكون من "اليافوخ"،
كما أن دخوهلا يف البدن منه ،وأما فتح احملتضر فمه عند خروجها فقيل:
لشدة ما يراه من األهوال .و"اليافوخ" هو اسفوضع الذي يتحرك يف رأس
الطرل.
(ومنهم حفظة) ،قال حممد اخلليلي :روي أن عثمان بن عران رضي اهلل
عنه سأل النب صلى اهلل عليه وسلم :كم من ملك على اإلنسان؟ فقال:
عشرون ملكاً ،منهم ملك عن ميينك على حسناتك ،وهو أمني على الذي
عن يسارك ،فإذا عملت حسنة كتبت عشراً وإذا عملت سيئة ،قال الذي
على الشمال للذي على اليمني :أأكتب؟ فيقول :دعه سبع ساعات لعله
يتوب ،فإذا مل يتب قال :نعم ،اكتب أراحنا اهلل منه .فاسم اسفلك الذي
علىاليمني "رقيب" وهو الذي يكتب احلسنات ،واسم اسفلك الذي على
الشمال "عتيد" وهو الذي يكتب السيئات ،وملكان بني يديك ومن
خلرك ،وملك قابض على ناصيتك إذا تواضعت هلل تعاىل رفعك ،وإذا
جتربت على اهلل قصمك ،وملكان على شرتيك ليس يرظان عليك إال
الصالة على النب صلى اهلل عليه وسلم ،وملك على فيك ال يدع احلية أو
اهلوام تدخل يف فيك ،وملكان على عينيك ،ويقال :إن امسهما "شوية"،
فهؤالء عشرة أمالك على كل آدمي ،فتنزل مالئكة الليل على مالئكة النهار
فهؤالء وهؤالء عشرون ملكاً على كل آدمي.
9
منهم ،وثالثة ثالثة لصنف آخر منهم ،وأربعة أربعة لصنف آخر منهم ،ويزيد
اهلل يف خلق األجنحة يف غيه ما تقتضيه مشيئته وحكمته.
(تنبيه) :قوله" :حملة وسفرة وحفظة وكتبة" برتح أحرفها الثالثة ،وهي
مجع حامل وسري وحافظ وكاتب.
(وكلهم مخلوقون) أي :موجودون بإجياد اهلل إياهم كغيهم( ،عبيد
ِ
هلل) ،فال يقولون شيئاً حىت يقوله كما هو شأن العبيد اسفؤدبني( ،ال يوصفون
بذكورة وال بأنوثة) ،فمن اعتقد أنوثة اسفالئكة أو خنوثتهم فهو كافر
باالتراق ،ومن اعتقد ذكورهتم فهو فاسق( ،وليس لهم شهوة) أي :اشتياق
النرس( ،وال نفس).
فالنفس سبع مراتبَّ :أمارة :وحملها الصدر ،وجنودها :البخل،
واحلرص ،واحلسد ،واجلهل ،والكرب ،والشهوة ،والغضب .مث ل َّوامة :وحملها
القلب ،وهو حتت الثدي األيسر بقدر أصبعني ،وجنودها :اللوم ،واهلوى،
واسفكر ،والعجب ،والغيبة ،والرياء ،والظلم ،والكذب ،والغرلة .مث ملهمة:
وحملها الروح ،وهو حتت الثدي األمين بقدر أصبعني ،وجنودها :السخاوة،
والقناعة ،واحللم ،والتواضع ،والتوبة ،والصرب ،والتحمل .مث مطمئنة :وحملها:
السر ،وهو يف جانب الثدي األيسر بقدر أصبعني إىل جهة الصدر،
وجنودها :اجلود ،والتوكل ،والعبادة ،والشكر ،والرضا ،واخلشية .مث راضية:
وحملها :سر السر ،ولعل اسفراد هبا القالب _ باأللف بعد القاف وبرتح الالم،
وهو مجيع اجلسد ،وجنودها :الكرم ،والزهد ،واإلخالص ،والورع ،والرياضة،
والوفاء .مث مرضية :وحملها اخلري :وهو يف جانب الثدي األمين بقدر أصبعني
إىل أوسط الصدر ،وجنودها :حسن اخللق ،وترك ما سوى اهلل ،واللطف
باخللق ،ومحلهم على الصالح والصرح عن ذنوهبم وحبهم ،واسفيل إليهم
11
إلخراجهم من ظلمات طبائعهم وأنرسهم إىل أنوار أرواحهم .مث كاملة:
وحملها األخرى :وهو وسط الصدر ،وجنودها :علم اليقني ،وعني اليقني،
وحق اليقني.
(وال أب وال أم) ،فإهنم أجسام نورانية ،أي :خملوقة من نور غالباً ،وقد
يكون بعضهم خملوقاً من القطرات اليت تقطر من جربيل بعد اغتساله من هنر
حتت العرش ،وهم قادرون على التشكل بأشكال خمتلرة( .وال يشربون وال
يأكلون) وال ينامون ،ودليل كوهنم ال ينامون قوله تعاىل{ :يسبِّحون اللَّْيل
والنَّهار ال ي ْفت رون} ،فالنوم فتور يعرتي اإلنسان وال يرقد معه عقله( ،وال
يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) ،قال تعالى{ :يخافون ربَّه ْم
ِم ْن ف ْوقِ ِه ْم وي ْفعلون ما ي ْؤمرون} أي :من الطاعة والتدبي ،وقال تعاىل:
{ب ْل ِعباد م ْكرمون .ال ي ْسبِقونه بِالْق ْو ِل وه ْم بِأ ْم ِرهِ ي ْعملون} أي :بل
اسفالئكة عباد من عباده تعاىل مكرمون بالعصمة من الزلل ال يسبقون إذنه
تعاىل بالقول ،وهم بأمره تعاىل إذا أمرهم يعملون ،ألهنم يف غاية اسفراقبة له
تعاىل ،فجمعوا يف الطاعة بني القول والرعل وذلك غاية الطاعة( .ومحبتهم)
بالقلب (شرط) صحة (اإليمان ،وبغضهم :كفر) لقوله تعاىل{ :كل آمن
اهلل ومالئِكتِ ِه وكتبِ ِه ورسلِ ِه}.
بِ ِ
(فالجواب) أن تقول( :إن اهلل أنزل الكتب على أنبيائه ،وهي) أي:
الكتب (منزلة) على الرسل يف األلواح ،أو على لسان ملك (غير مخلوقة)
أي :إن الكتب اسفنزلة من تأليره تعاىل ال من تأليف اخللق( ،قديمة) من
حيث داللتها على اسفعىن القدمي( ،بغير تناقض) أي :اختالف يف معىن
11
الكالم .و"التناقض" :بأن يكون بعض الكالم يف حمل يقتضي إبطال بعض
يف حمل آخر ،قال تعاىل{ :أفال ي تدبَّرون الْقرآن ولو كان ِمن ِع ْن ِد غي ِر اللَّهِ
ْ ْ ْ ْ
لوجدوا فِ ِيه ا ْختِالفًا كثِ ًيرا} أي :أفال يتركرون يف القرآن؟ ولو كان من كالم
البشر لوجدوا فيه "تناقضاً" يف معانيه وتبايناً يف نظمه بأن يكون بعض أخباره
غي مطابق للواقع وبعض نظمه فصيحاً وبعضه ركيكاً ،أي :ولو كان من عند
غي اهلل للزم أن يكون فيه اختالف كثي فضالً عن القليل ،لكنه من عند اهلل،
فليس فيه اختالف ال كثي وال قليل( .ومن شك فيها) أي :يف الكتب اسفنزلة
على الرسل بأن مل يؤمن بشيء منها( ،من آية أو كلمة فقد كفر).
(مسألة)( :إذا قيل لك :وكم كتاباً أنزل على أنبيائه؟) أي :اسفرسلني،
ف "كم" اسم استرهام يف حمل نصب مرعول مقدم ،و"كتاباً" متييز.
12
يلبسون اجللود ،وأول من اختذ السالح وقاتل الكرار( .وأنزل اهلل تعالى منها
عشر كتب على إبراهيم عليه السالم) ،وقيل :إن يف صحف إبراهيم هذه
الكلمات :ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه ،عارفاً بزمانه ،مقبالً على
شأنه( .وأنزل اهلل تعالى اإلنجيل) مجلة (على عيسى) ابن مرمي (عليه
السالم ،وأنزل اهلل تعالى التوراة) مجلة (على موسى) بن عمران (عليه
السالم) .قال بعضهم :التوراة واإلجنيل امسان عربانيان ،وقيل :سريانيان
كالزبور .وقيل :مسيت التوراة بذلك ألن فيها نوراً خيرج به من الضالل إىل
اهلدى ،كما خيرج بالنار من الظالم إىل النور ،وقيل :مسيت بذلك ألن أكثرها
تلويات ومعاريض .وقال بعضهم :مسي اإلجنيل بذلك ألن فيه توسعة مل
تكن يف التوراة ،إذ حلل فيه أشياء كانت حمرمة يف التوراة ،وقيل :مسي بذلك
الستخراجه خالصة نور التوراة( .وأنزل اهلل تعالى الزبور على داود) بن
إيشا (عليه السالم) ،وهو من أتباع موسى وبعده بأزمان متطاولة( .وأنزل
اهلل تعالى القرآن) منجماً مررقاً يف ثالا وعشرين سنة ،بعد أن كتب يف
صحف ،وأنزل دفعة واحدة يف ليلة القدر يف بيت العزة ،وهو حمل يف مساء
الدنيا ،ومسي القرآن فرقاناً لررقه بني احلق والباطل ،ولكونه منجماً ومررقاً يف
سنني كثية ،ومسي قرآناً ألنه قام مقام التوراة واإلجنيل والزبور يف كثرة القراءة،
(على محمد المصطفى) أي :اسفختار صلى اهلل عليه وسلم .وهو :ابن عبد
اهلل بن عبد اسفطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كالب بن مرة بن
كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزمية بن
مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ،من أوالد سيدنا
أيب بن كعب أنه سألإمساعيل بن إبراهيم عليه السالم .وذلك ما روي عن ّ
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :كم أنزل اهلل تعاىل من كتاب؟ فقال(( :مائة
13
وأربعة كتب ،منها :على آدم عشر صحف .وعلى شيث خمسون
صحيفة .وعلى أخنوخ وهو إدريس ثالثون صحيفة .وعلى إبراهيم عشر
صحائف .والتوراة واإلنجيل والزبور والفرقان)) ،كما ذكره الشربيين يف
ترسيه .واحلق عدم حصر الكتب يف عدد معني لكثرة اختالف الروايات ،بل
الواجب أن يعتقد أن اهلل تعاىل أنزل كتباً من السماء ويعرف الكتب األربعة.
ِ
األنبياء آدم عليه السالم) وهو امسه (فالجواب) أن تقولَّ ( :
إن أول
صري اهلل (وآخرهم) وأفضلهم (سيدنا
الشريف ،وكنيته أبو البشر ،ولقبه ّ
محمد) فال نب بعده (صلوات اهلل عليهم أجمعين ،كلهم كانوا مخبرين)
عن الغيوب ،كالساعة وأحواهلا من البعث والنشر واحلشر واحلساب واجلزاء
واحلوض والشراعة واسفيزان والصراط واجلنة والنار وغي ذلك (ناصحين) أي:
مصرني العمل من شوائب الرساد ،وال يغشون قومهم (صادقين) يف
أخبارهم ويف دعواهم (مبلغين) أي :موصلني األحكام اليت أمروا بتبليغها إىل
األمم إليهم ،إذ هم مأمورون بالتبليغ (آمرين) على الطاعات هلل عز وجل
(ناهين) عن اسفعاصي (أمناء اهلل تعالى) على "وحيه الخفي" ،وهو الذي مل
يظهر إال على ألسنة الرسل ،وهو إعالم اهلل تعاىل أنبياءه مبا شاء "بكتاب"
أو بإرسال "ملك" أو "بمنام" أو "إلهام" أو "بال واسطة" ،كما وقع لنبينا
صلى اهلل عليه وسلم ليلة اإلسراء من فرض الصالة بال واسطة (معصومين
من الزلل) أي :اخلطايا وهي الصغائر" ،فال ِزلل" -بكسر الزاي -مجع زلة.
قاله حممد اجلوهري يف "شرح الجزائرية" وأما "الزلل" -برتحها -فهو
مصدر زل يزل من باب علم وضرب ،كما يف "القاموس" و"المصباح"،
14
(والكبائر) أي أن اهلل تعاىل حرظ بواطنهم وظواهرهم عن التلبس مبنهى عنه،
ولو هني كراهة ولو حالة الطرولية ،كما قال أمحد الدردير .والذي عليه
اجلمهور ،وهو الصحيح أهنم معصومون من الكبائر والصغائر قبل النبوة
وبعدها ،فعصمتهم واجبة كما قاله أمحد البيلي( .ومحبتهم) بالقلب (شرط)
ِ
اإليمان ،وبغضهم كفر). صحة (
(فالجواب) أن تقول :هم (ستة :آدم ونوح) وعمره ألف سنة وأربعمائة
ومخسون سنة (وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات اهلل عليهم
أجمعين).
(فرع) :قال ابن عباس وقتادة :وأولو العزم ،أي :الثبات واجلد يف
األمور ،مخسة ،وهم أصحاب الشرائع ،وهم حممد وإبراهيم وموسى وعيسى
ونوح ،ونظمهم بعضهم يف بيت من الطويل فقال:
وقال مقاتل :وأولو العزم ستة :نوح :صرب على أذى قومه .وإبراهيم:
صرب على النار .وإسحاق :صرب على الذبح .ويعقوب :صرب على فقد ولده
وذهاب بصره .ويوسف :صرب يف اجلب والسجن .وأيوب :صرب على الضر.
(وكل شريعة منسوخة) أي :مزال حكمها (بشر ِ
يعة) سيدنا (محمد صلى
اهلل عليه وسلم) إذا مل تكن موافقةً لشريعته صلى اهلل عليه وسلم ،فقد كان
من شريعة آدم – عليه السالم – تزويج األخ من أخته اليت ليست توأمته،
15
وقد اترقوا على حترميه بعد آدم – عليه السالم – كما قاله حممد اجلوهري،
الم ِديناً ف ل ْن ي ْقبل
والدليل على ذلك قوله تعاىل{ :وم ْن ي ْبت ِغ غ ْي ر ا ِإل ْس ِ
ِم ْنه}.
16
(مسألة)( :إذا قيل لك :وأسماؤهم) أي :اسفرسلني (وعددهم) أي:
حرظهم علينا (شرط اإليمان أم ال؟).
ومعىن وجوب اإلميان هبؤالء بالترصيل أنه لو عرض عليه واحد منهم مل
نبوته وال رسالته ،ولو مل يرظ أمساءهم فإن احلرظ ال جيب فمن أنكر ي نكر ّ
نبوة واحد من هؤالء أو رسالته فقد كرر ،لكن العامي ال يكم عليه بالكرر،
إال إن أنكر بعد تعلمه .وجيب اإلميان إمجاالً يف غي هؤالء بأن يصدق
ويصدق بأن هلل رسالً وأنبياء ،فمن مل يؤمن هبم
ونبوهتم وإرساهلم ّ
بوجودهم ّ
كذلك مل يصح إميانه فيكون كافراً .واسفختلف يف نبوهتم ثالثة :ذو القرنني
والعزير ولقمان ،واختلف يف اخلضر أيضاً ،فقيل :إنه نب ورسول .وقيل :نب
17
وىل وهو باق إىل اآلن أعطي علم الشريعة واحلقيقة ،وجيتمع مع
فقط .وقيلّ :
إلياس كل سنة مبكة ،ويشربان من ماء زمزم شربة إىل العام القابل ،وطعامها
الكرفس ،فإلياس موكل بالرب ،واخلضر موكل بالبحر ،كذا قاله عيسى الرباوي
وأمحد البيلي والشيخ يوسف السنبالويين.
(مسألة)( :إذا قيل لك :وكيف تؤمن باليوم اآلخر؟) أي :بوجوده،
فأوله من النرخة الثانية وهي نرخة البعث ،ومسي ذلك اليوم باآلخر ألنه آخر ّ
أيام الدنيا ،ومسي أيضاً بالقيامة لقيام الناس فيه من قبورهم ووقوفهم بني يدي
رب العاسفني.
إن اهلل تعالى يميت الخالئق) أي :مجيع (فالجواب) أن تقولَّ ( :
ت}احليوانات من ذوي الروح (كلِّهم) قال تعالى{ :كل ن ْفس ذائِقة الْمو ِ
ْ
و"الموت" :ال يكون إال باألجل ،وهو الوقت الذي كتب اهلل يف األزل
انتهاء حياته فيه ،فال ميوت أحد بدونه ،مقتوالً كان أو غيه لقوله تعاىل:
{وما كان لِن ْفس أ ْن تموت إِال بِِإ ْذ ِن ِ
اهلل كِتاباً مؤ َّجالً} أي :وما كان لنرس
أن متوت إال بقضاء اهلل ومشيئته أو بإذنه سفلك اسفوت يف قبضه روحه ،كتب
اهلل ذلك اسفوت كتاباً مؤقتاً ال يتقدم وال يتأخر (إالَّ م ْن كان في الجنة
والنار) مث ييي اهلل اسفيت بإعادة الروح إىل مجيع البدن ألجل سؤال اسفلكني:
منكر ونكي ،وبعد السؤال خيرج منه الروح ويعذب من أراد تعذيبه بأن خيلق
اهلل يف اسفيت نوع حياة بسبب اتصال الروح جبسده ،كاتصال شعاع الشمس
باألرض بقدر ما يدرك األمل ،فيتأمل الروح مع اجلسد ،وإن كان خارجاً منه.
و"الكافر" عذابه دائم إىل يوم القيامة ،ويرفع عن "المؤم ِن" العذاب يف يوم
اجلمعة ويف شهر رمضان حلرمة النب صلى اهلل عليه وسلم ،وإن مات يوم
18
اجلمعة أو ليلته يكون العذاب ساعةً واحد ًة ،وضغطة القرب كذلك ،مث ينقطع
وال يعود إىل يوم القيامة( .ويحييهم اهلل تعالى) بعد فنائهم بإعادة أرواحهم
إىل أجسادهم ،قال تعاىل{ :ي ْحيِي اهلل الْم ْوتى} ويكون اإلحياء بنرخة
البعث بعد إماتتهم بنرخة الصعق ،وبني النرختني أربعون سنة ،قال تعاىل:
ات وم ْن فِي ْاأل ْر ِ
ض إَِّال م ْن شاء {ون ِفخ فِي الصوِر فصعِق م ْن فِي َّ
السماو ِ
اهلل ث َّم ن ِفخ فِ ِيه أ ْخرى فِإذا ه ْم ِقيام ي ْنظرون}( .و) بعد إحيائهم يسوقهم
حرا ًة عرا ًة غرالً إىل أرض احملشر أرض بيضاء ال ترى فيها عوجاً وال أمتا ،و
(يحشرهم) أي :جيمعهم للعرض واحلساب ،قال تعاىل{ :ي ْوم ي ْجمعك ْم
اسبِين} ،فمنهم لِي وِم الْجم ِع}( ،ويحاسبهم) قال اهلل تعالى{ :وكفى بِنا ح ِ
ْ ْ
من ياسب حساباً شديداً على رؤوس األشهاد لرضيحته ،وهو من يعطى يف
ذلك اليوم كتاب عمله الذي كتبته اسفالئكة احلرظة أيام حياته من وراء ظهره،
وهو الكافر أو اسفنافق ،فتغل ميناه إىل عنقه وجتعل يسراه وراء ظهره ،فيأخذ
هبا كتابه .ومنهم من ال ياسبه اهلل على يد أحد من اسفالئكة ،وال غيهم سرتاً
على ذلك احملاسب ،وإمنا ياسبه اسفوىل بينه وبينه ،وي عرض عمله عليه بأن
يقول له :هذه أفعالك اليت فعلتها يف دار الدنيا وسرتهتا عليك ،واليوم أغررها،
وهو من يعطى يف ذلك اليوم كتاب عمله من أمامه ،وهو اسفؤمن اسفطيع.
وكتب األعمال جعلت بعد موت صاحبها يف خزانة حتت العرش ،فإذا كانوا
يف اسفوقف بعث اهلل رياً فتطيها ،فكل صحيرة تلتصق بعنق صاحبها ال
تتجاوزه ،مث تأخذها اسفالئكة من األعناق فيعطوهنا إليهم يف أيديهم
فيأخذوهنا .وأول من يأخذ كتابه بيمينه عمر بن اخلطاب وله شعاع كشعاع
الشمس ،وأما أبو بكر فهو رئيس السبعني ألراً الذين يدخلون اجلنة بغي
حساب ،فهم مل يأخذوا صحائف ،وبعد عمر أبو سلمة عبد اهلل بن عبد
19
األسد اسفخزومي ،أول من يأخذ كتابه بشماله أخوه األسود بن عبد األسد.
مث إذا أخذ العبد كتابه وجد حروفه نيًة أو مظلمةً على حسب األعمال
احلسنة أو القبيحة .وأول خط يف الصحائف{ :اقْرأْ كتابك كفى بِن ْف ِسك
الْي ْوم عل ْيك ح ِسيبًا} ،فإذا قرأه ابيض وجهه إن كان مؤمناً ،واسود إن كان
كافراً ،وذلك قوله تعاىل{ :ي ْوم ت ْب يض وجوه وت ْسود وجوه} .وقد ورد يف
إن أول من يحاسب اهلل تعالى اللوح المحفوظ)) حبيث ي ركب احلديثَّ (( :
فيه إدراكاً وعقالً ونطقاً ،فيدعى به ،فرتتعد فرائصه :فيقول له :هل بلغت ما
فيك إلسرافيل؟ فيقول :بلغت .فيدعى بإسرافيل فرتتعد فرائصه خوفاً من اهلل
فيقول له :ما صنعت فيما روى إليك اللوح؟ فيقول :بلغته جلربيل .فيدعى
جبربيل فرتتعد فرائصه فيقول له :ما صنعت فيما رواه إليك إسرافيل؟ فيقول:
بلغته إىل الرسل .فيدعى هبم فيقول هلم :ما صنعتم فيما رواه إليكم جربيل؟
فيقولون :بلغناه إىل الناس ،فيسألون عن عمرهم فيم أفنوه ،وعن شباهبم فيم
أبلوه ،وعن أمواهلم من أين اكتسبوها وفيم أنرقوها ،وعن علومهم ماذا عملوا
هبا .وذلك قوله تعاىل{ :ف لن ْسأل َّن الَّ ِذين أ ْر ِسل إِل ْي ِه ْم ولن ْسأل َّن الْم ْرسلِين.
ص َّن عل ْي ِه ْم بِعِلْم وما كنَّا غائِبِين .ف وربِّك لن ْسألنَّه ْم أ ْجمعِ ْين ع َّما كانوا
ف لن ق َّ
ي ْعملون} ،مث ينصب اهلل "الميزان" ،وتشخص األبصار إىل الكتب أتقع يف
اليمني أو يف الشمال ،مث إىل لسان اسفيزان أمييل إىل جانب السيئات أو إىل
جانب احلسنات (ويحكم بينهم بالعدل) وأول ما يقضى يف اسفوقف يف
"الصالة" ،مث بعدها "الدعاوى" من قتل نرسا بغي نرس .مث يساقون إىل
"الصراط" ،وهو جسر ممدود على منت النار بني اسفوقف واجلنة ،فإن النار
أحد من السيف ،فهو مثل اسفوسى ،فالناجون بينهما ،أرق من الشعرة و ّ
جيوزونه كلمحة البصر ،مث كالربق ،مث كالريح ،مث كالطي ،مث كاخليل ،مث
21
جيوزونه ،سعياً ،مث مشياً ،مث حبواً ،مث زحراً ،فهم يتراوتون كاهلالكني ،فمنهم
من يكب بأول قدم ،وهو الذي يكون آخر اخلارجني من النار ،ومنهم من
يكب عند آخر قدم ،فيكون أول اخلارجني منها ،وتراوت اسفرور حبسب
التراوت يف األعمال الصاحلة واإلعراض عن حرمات اهلل تعاىل إذا خطرت
على القلوب .وأول من يأيت إىل النار "قابيل" الذي قتل أخاه "هابيل" بغي
حق ،ألنه أول من أظهر هذه اخلصلة ،وهذا أول من يدخلها من اإلنس،
و"إبليس" هو أول من يدخلها من اجلن( .فمن كان) أي :فالذي وجد (من
المالئكة والجن واإلنس فإنهم يتالشون) ،أي :ميوتون ،لكن ال ميوت أحد
من اسفالئكة قبل النرخة األوىل ،بل هبا إال محلة العرش واسفالئكة األربعة،
فإهنم ميوتون بعدها وييون قبل النرخة الثانية ،وآخر من ميوت ملك اسفوت،
كذا قال الشرقاوي .وقيل :إن محلة العرش ال ميوتون ألهنم خلقوا للبقاء.
(فمن كان فاسقاً) أي :خارجاً عن أمر اهلل بارتكاب كبية أو إصرار على
صغية ،ومل ت غلب طاعاته على معاصيه (لم يبق في النار بعد الحساب)
أي :بعد فراغ مقدار ذنبه ،ألن ذلك ال خيرجه عن اإلميان إال إذا اعتقد حل
اسفعصية سواءً كانت كبيًة أم صغيًة ،ألن اإلميان عند األشاعرة وحمققي
اسفاتريدية تصديق بالقلب فقط ،وأما اإلقرار من القادر فهو شرط إلجراء
األحكام الدنيوية اليت من مجلتها وجوب اعتقاد أهنم غي خملدين يف النار،
وإذا كان اإلميان هو التصديق لزم أن ال خيرج العبد عن االتصاف به إال مبا
ينافيه من "الكفر" ،وهو عدم التصديق مبا علم ضرورة جميء النب صلى اهلل
عليه وسلم به ،أو االمتناع من شرطه وهو النطق بالشهادتني مع القدرة.
وكما أن العصاة من اسفؤمنني ال خلود هلم يف النار ،كذلك "الشفاعة" ال
الشافِعِين}.
تصل للكرار ،قال تعاىل{ :فما ت ْن فعه ْم شفاعة َّ
21
وللرسل شراعات غي حمصورة أعظمها الشراعة اليت ردها الرسل ،وهي
الشراعة إلنقاذ اخللق من خوف شديد ومن فزع .ولقبت هذه الشراعة
تعم اخللق أمجع ،وباسفقام احملمود أيضاً لكونه يمده صلى
بالعظمى لكوهنا ّ
اهلل عليه وسلم فيها األولون واآلخرون .مث الشراعة يف إدخال قوم اجلنة بغي
حساب ،وهذه من خصائصه صلى اهلل عليه وسلم كاليت قبلها .مث الشراعة
فيمن استحقوا دخول النار فلم يدخلوها .مث الشراعة يف زيادة الدرجات يف
اجلنة مث الشراعة يف قوم من الصلحاء ،ليتجاوز اهلل عنهم يف تقصيهم يف
الطاعات .مث الشراعة يف اخراج من أدخل النار من اسفوحدين ،وهذه ال
ختتص به صلى اهلل عليه وسلم بل يشاركه فيها األنبياء واسفالئكة واسفؤمنون.
مث الشراعة يف ختريف العذاب سفن استحق اخللود يف النار يف بعض أوقات
كأيب طالب .مث الشراعة يف أطرال اسفشركني ليدخلوا اجلنة .مث شراعته صلى
اهلل عليه وسلم :سفن مات باسفدينة .وسفن صرب على ألوائها .وسفن زاره صلى اهلل
عليه وسلم بعد موته .وسفن أجاب اسفؤذن ودعا له صلى اهلل عليه وسلم
بالوسيلة .وسفن صلى عليه ليلة اجلمعة ويومها .وسفن حرظ أربعني حديثاً يف
أمر الدين وعمل هبا .وسفن صام شعبان حلبه صلى اهلل عليه وسلم صيامه.
وسفن مدح آل البيت وأثىن عليهم.
(وأما المؤمنون) أي :الذين ماتوا على دين اإلسالم وإن تقدم منهم
كرر (ففي الجنة خالدون) وال يصح أن يدخلوا اجلنة مث يدخلوا النار ،ألن
من يدخل اجلنة ال خيرج منها ،قال اهلل تعاىل{ :فما ت ْن فعه ْم شفاعة
الشافِعِين} ،فالدخول يف اجلنة إما بدون دخول النار باسفرة أو بعد دخول
َّ
النار بقدر الذنب.
22
(وأما الكافرون) من اإلنس واجلن ،أي :الذين ماتوا على الكرر وإن
عاشوا طول عمرهم على اإلميان (ففي النار خالدون) فال يزالون فيها معذبني
إما باحليات أو بالعقارب أو بالضرب أو بغي ذلك.
(وال تفنى الجنة) ،وهي سبعة :فردوس مث عدن ،مث خلد ،مث نعيم ،مث
مأوى ،مث دار السالم ،مث دار اجلالل ،وكلها متصلة مبقام صاحب الوسيلة
صلى اهلل عليه وسلم ليتنعم أهل اجلنة مبشاهدته صلى اهلل عليه وسلم ،ألنه
صلى اهلل عليه وسلم يظهر هلم منها ،فهي مشرفة على أهل اجلنة كما أن
الشمس مشرقة على أهل الدنيا( .والنار) وطبقاهتا سبع أعالها :جهنم ،وهي
لعصاة اسفؤمنني ،مث لظى لليهود ،مث احلطمة للنصارى ،مث السعي للصابئني،
وهم فرقة من اليهود ،مث سقر للمجوس ،مث اجلحيم لعبدة األصنام ،مث اهلاوية
للمنافقني( .وال أهلهما) من احلور العني والولدان وخزنة اجلنة ،ومالئكة
العذاب ،والعقارب ،واحليات .وقال الشربيين نقالً عن النسري :سبعة ال
ترىن :العرش ،والكرسي ،واللوح ،والقلم ،واجلنة ،والنار بأهلهما ،واألرواح،
اه .واختلف في تفسير قوله تعالى{ :كل ش ْيء هالِك إَِّال و ْجهه} ،فإن
كان معىن كون الشيء "هالكاً" كونه قابالً للهلك يف ذاته ،ألن كل ما عاده
23
تعاىل ممكن الوجود قابل العدم ،فهذه السبعة حممولة على هذا اسفعىن ،وإن
كان معىن كونه "هالكاً" كونه خارجاً عن كونه منترعاً به باإلماتة أو ترريق
األجزاء ،فهذه مستثناة من اهلالك( .ومن شك في شيء من هذه األشياء)
اسفذكورة (فقد كفر).
(مسألة)( :إذا قيل لك :وكيف تؤمن بالقدر خيره وشره من اهلل
تعالى؟).
24
وحكم وقياس مضبوط ،وقسمة حمدودة ،وقوة بالغة ،وتدبي حمكم يف وقت
معلوم ومكان حمدود ،مكتوب ذلك يف اللوح قبل وقوعه ،وقال تعاىل{ :وكل
صغِير وكبِير م ْستطر} أي :وكل صغي وكبي من اخللق وأعماهلم وآجاهلم
مكتوب يف اللوح احملروظ من الشياطني ومن الزيادة فيه والنقصان .وروي أنه
صلى اهلل عليه وسلم قال(( :كتب اهلل مقادير الخالئق كلها قبل أن يخلق
السموات واألرض بخمسين ألف عام)) ،وقال صلى اهلل عليه وسلم(( :ال
يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة :يشهد أن ال إله إال اهلل وأني رسول اهلل
بعثني بالحق ،ويؤمن بالبعث بعد الموت ،ويؤمن بالقدر خيره وشره)).
25
التعذيب عليه .وأما "المباحات" فليست بأمره تعاىل ،فكل ما علم اهلل تعاىل
أنه يوجد أراد وجوده سواء أمر به أو مل يأمر.
مث اعلم أن الكافر مأمور بالعمل كما هو مأمور باإلميان ،وهذا عند
الشافعية ،خالفاً للحنري حيث قال :إن الكافر ال يكون مأموراً بالعمل بل
هو مأمور باإلميان ودليله قوله تعاىل{ :يا أيها الناس اتقوا} بناءً على أن
ترسي هذه اآلية عنده :يا أيها اسفؤمنون أطيعوا ،ويا أيها الكافرون آمنوا ،ويا
أيها اسفنافقون أخلصوا ،فإن الناس على ثالثة أصناف" :مؤمن مخلص في
يقر باللسان ويصدق باجلنان ويعمل باألركان .و"كافرإيمانه" :وهو الذي ّ
جاحد في كفره" :وهو الذي مل يقر بلسانه ومل يؤمن بقلبه .و"منافق مداهن
أقر بلسانه ومل يؤمن بقلبه وداهن مع اسفؤمنون (وهم
في نفاقه" :وهو الذي ّ
يثابون) على الطاعة (ويعاقبون) على العصيان (وكل ذلك) أي :الثواب
والعقاب (بوعده تعالى) يف الطاعة (ووعيده) يف العصيان ،قال تعاىل{ :فأ َّما
م ْن طغى .وآث ر الْحياة الدنْيا .فِإ َّن الْج ِحيم ِهي الْمأْوى .وأ َّما م ْن خاف
مقام ربِّهِ} أي :قيامه بني يدي ربه {ون هى النَّ ْفس ع ِن الْهوى .فِإ َّن الْجنَّة
ِهي الْمأْوى}.
(مسألة)( :إذا قيل قيل لك :آإليمان) أي :أصله (يتجزأ) أي :يقبل
القسمة بأن جيعل أجزاء (أم ال؟) ،قوله :آإلميان -مبد اهلمزة -إذ أصله:
اإلميان -هبمزتني -فقلبت الثانية ألراً فتمد مداً الزماً.
26
عليه) ،أي :اسفؤمن (فمن أنكر) أي :جحد (شيئاً منها) أي :من كون
اإلميان هداية اهلل تعاىل (فقد كفر).
(مسألة)( :إذا قيل لك :ما المراد باإليمان؟) الذي هو نور وهداية
من اهلل تعاىل.
(مسألة)( :إذا قيل لك :الصالة) أي :اخلمس (والصوم) أي :يف
ِ
المالئكة وحب الكتب) رمضان (والزكاة) أي :لألموال واألبدان (وحب
أي :السماوية اليت أنزهلا اهلل على بعض الرسل (وحب الرسل) واألنبياء
عليهم الصالة والسالم (وحب القد ِر خي ِره وش ِره من ِ
اهلل تعالى ،وغير ذلك
27
من األمر والنهي واتباع سنة النبي صلى اهلل عليه وسلم أهو) أي :اسفذكور
(من اإليمان) أي :من حقيقته وأصله (أم ال؟).
(فالجواب) أن تقول( :ال) أي :إن ذلك ليس من حقيقة اإلميان
وأصله ،بل هو فرع اإلميان (ألن اإليمان عبارة عن التوحيد) كما تقدم (وما
سوى ذلك) أي :اسفذكور (شرط من شرائط اإليمان) وشعبة من شعب
اإلميان ،ألن من شرط صحة اإلميان حب اهلل ،ومالئكته ،وأنبيائه ،وأوليائه،
وخوف عذاب اهلل ،ورجاء رمحة اهلل ،وتعظيم أمر اهلل وهنيه ،وبغض أعداء اهلل
وهم الكرار .وأما الصالة والصوم والزكاة واحلج فهي "شرط كمال" على
اسفختار عند أهل السنة ،فمن تركها واعتقد وجوهبا عليه أو ترك واحداً منها
كذلك فهو مؤمن كامل يف جريان أحكام اسفؤمنني يف الدنيا واآلخرة ،ألن
مرجعه إىل اجلنة وإن دخل النار إن مل ينل شراعة من أحد الشافعني أو
غرراناً من اهلل تعاىل ،وهو مؤمن ناقص من جهة ضعف اإلميان لرتكه لبعض
اسفأمورات ،وإن تركها معانداً للشرع ،أو شاكاً يف وجوهبا فهو كافر إمجاعاً
وكذا إن ترك واحداً منها كذلك ،ألهنا معلومة من أدلة الدين بالضرورة.
واعلم أن أمور الدين أربعة :أولها :صحة العقد :بأن تعتقد اعتقاداً
صحيحاً خالياً عن الرتديد والشبه من ضالالت أهل األهواء .وثانيها :صدق
القصد :بأن تكون صادقاً يف قصدك لقوله صلى اهلل عليه وسلم(( :إنما
األعمال بالنيات)) .وثالثها :الوفاء بالعهد :فإذا عاهدت عهداً تري به لئال
يكون فيك خصلة من النراق ألن من خصال اسفنافق إذا عاهد غدر.
ورابعها :اجتناب احلد ،بأن جتتنب اسفعاصي كلها.
28
(تنبيه) :فلو قيل لك" :الكفر" يكون "بقضاء" اهلل تعاىل و"قدره"،
و"الرضا" بالقضاء والقدر واجب ،والرضا بالكرر كرر ،فكيف اجتماع
الواجب والكرر .قلت" :الكفر" مقضي ومقدور ال "قضاء وقدر" ،والرضا
إمنا جيب بالقضاء والقدر دون اسفقضي واسفقدور .وأيضاً الشيء اسفخالف
للشرع يكرهه العبد من حيث ذاته ،وأما من حيث كونه مقضياً فيضى به
مبعىن ال يعرتض على مراد اهلل تعاىل فيه ،وال يكلف العبد مبحبته ولو من
حيث أنه مقضي ،وإمنا هو مكلف برتك االعرتاض على اهلل واعتقاد احلكمة
على ذلك والعدل على اهلل.
29
أسلم قبل اسفوت فإن ثوابه يرسد دون عمله فال جيب عليه إعادة حج قد
فعله وال صالة قد صالها قبل الردة.
31
واألعمال .وعلى كل قول منها هو خملوق ،ألنه فعل العبد اسفخلوق لقوله
تعاىل{ :واهلل خلقك ْم وما ت ْعملون} .وأما قول أيب الليث السمرقندي يف
جواب" :إنه مخلوق أو :ال" :اإلميان إقرار وهداية ،فاإلقرار صنع العبد ،وهو
خملوق ،واهلداية صنع الرب ،وهو غي خملوق ،فري ذلك تسمح ،ألن هداية
اهلل تعاىل للعبد سبب اإلميان ال جزء منه ،واسفسؤول عنه نرس اإلميان ال هو
وسببه معاً ،واهلل أعلم .وصلى اهلل على سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم،
واحلمد هلل رب العاسفني.
31