You are on page 1of 91

‫د‪ .

‬فهمي إسالم جيوانتو‬


‫كلمة الناشر‬

‫محدا هلل عىل نعمه وصالة وسالما عىل عبده ورسوهل‬


‫س يدان محمد وعىل آهل وحصبه ومن تبع هداه اىل يوم‬
‫ادلين‪ ،‬وبعد‪.‬‬

‫لقد تزايدت حاجة آمتنا اىل العودة اىل القرآن واىل‬


‫تذليل الصعوابت يف كيفية قراءة كتاب هللا‪ ،‬وتناىم‬
‫شغف الناس ورغبهتم يف قراءة وفهم كتاب هللا‪ ،‬ذلكل‬
‫فقد ارتأينا نرش هذا الكتاب ليك تعم الفائدة املرجوة‬
‫وليك نقتبس من نور وجاملية القرآن الكرمي ونكتسب‬
‫منه مرايق الميان والصفاء الرويح‪.‬‬

‫وحيسن بنا هنا آن نشري اىل خصائص هذا الكتاب‪:‬‬


‫أ‬
‫لك من يقرآ هذا الكتاب يدرك آمهية تدبر‬ ‫‪-1‬‬
‫آايت القرآن الكرمي وكيفية الوصول اىل التدبر‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫اعمتد املؤلف يف اعداد هذا الكتاب عىل‬ ‫‪-2‬‬
‫مصادر رصينة والاستناد اىل حصاح‬
‫الحاديث وحساهنا‪.‬‬
‫مما ملس نا آيضا يف حفوى هذا الكتاب آن‬ ‫‪-3‬‬
‫تسلسل فقراته من مراتب التالوة يعطي‬
‫ومضات واحضة يف التعامل الرايق مع كتاب‬
‫هللا واتباع مهنجية سلمية يف التعايش مع آايت‬
‫اذلكر احلكمي قراءة وتفهام وتدبرا وتفكرا وختشعا‬
‫وتطبيقا‪.‬‬
‫ونشكر للمؤلف حرصه عىل تقدمي هذه الفوائد‬ ‫‪-4‬‬
‫امجلة ابجياز غري خمل‪ ،‬مما يسهل عىل اكفة‬

‫ب‬
‫القراء من مجيع املس توايت استيعاب املضمون‬
‫دون اس هتالك الكثري من الوقت‪.‬‬

‫ونبهتل اىل املوىل القدير جل وعال آن يتقبل من املؤلف‬


‫الكرمي ومن لك من سامه يف اعداد هذا الكتيب‬
‫وطبعه‪ ،‬وخنص ابلشكر فضيةل ادلكتور عبد السالم‬
‫باليج اذلي اعتىن هبذا العمل وراجعه وقدمه مجلهور‬
‫القراء وجشع عىل اقتنائه والاس تفادة من حمتواه‪ ،‬جفزاه‬
‫هللا خريا وجعهل يف مزيان حس ناته‪.‬‬

‫النارش‬

‫ج‬
‫بسم هللا الرمحن الرحمي‬

‫تقديم د‪ .‬عبد السالم بالجي‬

‫حقيقة الذكر وآثاره‬

‫آمر هللا عز وجل ابذلكر يف خمتلف الحوال‬


‫والوقات‪ ،‬هجرا ورسا‪ ،‬بكرة وآصيال‪ ،‬فقال‪﴿ :‬واذكر‬
‫َربك كثريا وس بح ابلعيش والباكر﴾‪( .‬سورة آل‬
‫معران‪ ،‬الية ‪ .)41‬وقال‪﴿ :‬واذكر ربك يف نفسك‬
‫ترضعا وخيفة ودون اجلهر من القول ابلغدو والصال‬
‫ول تكن من الغافلني﴾‪( .‬سورة العراف‪ ،‬الية‬
‫‪ .)205‬وواحض آن من آمه مفاهمي اذلكر املتضمنة هنا‬
‫شدة اليقظة والانتباه املفضية اىل الطاعة والتقوى‪،‬‬
‫د‬
‫وعدم الركون اىل الغفةل والنس يان املفيض اىل املعصية‬
‫والفجور‪.‬‬
‫قال ابن كثري يف تفسريه‪« :‬اذكر ربك يف‬
‫نفسك رغبة ورهبة وابلقول‪ ،‬ل هجرا‪ .‬ولهذا قال‪:‬‬
‫"ودون اجلهر من القول" وهكذا يس تحب آن يكون‬
‫اذلكر ل يكون نداء وهجرا بليغا‪ ،‬ولهذا ملا سألوا رسول‬
‫هللا صىل هللا عليه وسمل فقالوا‪ :‬آقريب ربنا فنناجيه آم‬
‫بعيد فنناديه؟ فأنزل هللا عز وجل‪﴿ :‬واذا سأكل‬
‫عبادي عين فاين قريب آجيب دعوة ادلاع اذا دعان‬
‫﴾»‪( .‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.)186‬‬
‫فاذلكر اذن مش تق من التذكر واذلكرى وهو ضد‬
‫الغفةل والنس يان‪ ،‬فهو اس تحضار لعظمة هللا ومعيته‬
‫ورقابته يف لك الحيان‪ ،‬ويه الوقات والحوال‪،‬‬

‫ه‬
‫وينتج عن ذكل تقوى هللا ابلجهتاد يف طاعته‬
‫واجتناب معاصيه‪ ،‬وقد ذكرت عائشة ريض هللا عهنا‬
‫آن «رسول هللا ‪ ‬اكن يذكر هللا عىل لك آحيانه»‪.‬‬
‫(آخرجه المام مسمل عن عائشة ريض هللا عهنا)‪ .‬قال‬
‫النووي يف رشح احلديث‪ّ :‬اكن يذكر هللا تعاىل متطهرا‬
‫وحمداث وجنبا وقامئا وقاعدا ومضطجعا وماش يا"‪.‬‬
‫وآشاد احلق س بحانه ابذلاكرين املس تدميني يف‬
‫اذلكر‪ ،‬واعتربمه من ذوي العقول الراحجة‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ان‬
‫يف خلق الساموات والرض واختالف الليل والهنار‬
‫لايت لويل اللباب‪ ،‬اذلين يذكرون هللا قياما وقعودا‬
‫وعىل جنوهبم ويتفكرون يف خلق الساموات والرض‪،‬‬
‫ربنا ما خلقت هذا ابطال س بحانك‪ ،‬فقنا عذاب‬
‫النار﴾‪( .‬سورة آل معران‪ ،‬الية ‪ .)191 -190‬فدلت‬
‫اليتان آن اذلكر ينتظم مجيع آوقات وآحوال اذلاكرين‪،‬‬
‫و‬
‫واس تحال بذكل آن يكون اذلكر مبجرد القول واللسان‪،‬‬
‫وال لتعب اذلاكرون وملوا‪.‬‬
‫آما آنواع اذلكر فقد نقل عن القايض عياض آن‬
‫«ذكر هللا رضابن‪ :‬ذكر ابلقلب فقط‪ ،‬وذكر ابللسان آي‬
‫مع القلب‪ .‬وذكر القلب نوعان‪ ،‬وهو آرفع الذاكر وآجلها‬
‫التفكر يف عظمة هللا وجالهل وآايته‪ ،‬ومصنوعاته العلوية‬
‫والسفلية‪ ،‬والثاين ذكره تعاىل مبعىن اس تحضاره ابلقلب‬
‫عند آمره وهنيه»‪.‬‬
‫ويتبني آن اذلكر –كام رآينا‪ -‬معل متعدد الشاكل‬
‫والوضاع‪ ،‬فهو يكون ابللسان‪ ،‬وابلقلب وابلسلوك‬
‫والعمل‪ .‬وليس جمرد الكم يقال ابللسان‪ ،‬يف خمالفة اتمة‬
‫لزتكية النفس وحسن السلوك والعمل‪ ،‬فال فائدة يف‬
‫الكم مجيل ل يصاحبه تزكية قلبية ونفس ية‪ ،‬ومعل‬

‫ز‬
‫صاحل وسلوك طيب‪ ،‬قال هللا عز وجل‪﴿ :‬امنا‬
‫املؤمنون اذلين اذا ذكر هللا وجلت قلوهبم‪ ،‬واذا تليت‬
‫علهيم آايته زادهتم امياان وعىل رهبم يتولكون‪ ،‬اذلين‬
‫يقميون الصالة ومما رزقنامه ينفقون‪ ،‬آولئك مه املؤمنون‬
‫حقا‪ ،‬هلم درجات عند رهبم ومغفرة ورزق كرمي﴾‪.‬‬
‫(سورة النفال‪ ،‬الية ‪»« .)4 -2‬‬
‫ويتساءل ابن آيب مجرة الندليس‪ :‬هل املراد بذكر‬
‫هللا «آن نذكره كيف اكن‪ ،‬آو يريد به اذلكر ابلعامل»؟‬
‫مث جييب بسؤال آخر‪ ،‬قائال‪« :‬فكيف ابذلكر وحده؟‬
‫ومل جيعل عز وجل اذلكر يف كتابه ال بعد حتقيق الميان‬
‫ات َوالْ ُم ْؤ ِم ِن َني‬ ‫بقوهل‪﴿ :‬ا َّن الْ ُم ْس ِل ِم َني َوالْ ُم ْس ِل َم ِ‬
‫ات‬ ‫الصا ِدقَ ِ‬ ‫الصا ِد ِق َني َو َّ‬
‫ات َو َّ‬ ‫ات ِ َوالْقَا ِن ِت َني َوالْقَا ِنتَ ِ‬
‫َوالْ ُم ْؤ ِمنَ ِ‬
‫ات‬ ‫الصا ِب َر ِات َوالْخ َِاش ِع َني َوالْخ َِاش َع ِ‬ ‫الصا ِب ِر َين َو َّ‬ ‫َو َّ‬
‫ات‬ ‫الصائِ َم ِ‬ ‫الصائِ ِم َني َو َّ‬ ‫ات َو َّ‬ ‫َوالْ ُمتَ َص ِّد ِق َني َوالْ ُمتَ َص ِّدقَ ِ‬

‫ح‬
‫اَّلل َك ِث ًريا‬ ‫وهج ْم َوالْ َحا ِف َظ ِ‬
‫ات َوا َّذلا ِك ِر َين َّ َ‬ ‫َوالْ َحا ِف ِظ َني فُ ُر َ ُ‬
‫اَّلل لَه ُْم َم ْغ ِف َر ًة َو َآ ْج ًرا َع ِظميًا﴾‪( .‬سورة‬
‫َوا َّذلا ِك َر ِات َآعَ َّد َّ ُ‬
‫الحزاب‪ ،‬الية ‪ .»)35‬مث خيلص يف الهناية اىل آن‬
‫«ذكره عز وجل‪ ،‬ابلفعال هو الفضل‪ ،‬ويكفي يف ذكل‬
‫قول معر بن اخلطاب ريض هللا عنه‪ :‬ذكر هللا عند‬
‫آمره وهنيه خري من ذكره ابللسان»‪( .‬هبجة النفوس‪،‬‬
‫عبد هللا بن آيب مجرة الندليس‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬ص‬
‫‪.)1505‬‬
‫ويؤيد هذا التوجه تأكيد الفخر الرازي يف تفسريه‪،‬‬
‫آن هذه آايت سورة النفال السابقة انطوت عىل مخسة‬
‫مراتب‪ :‬ثالث ابطنة‪ ،‬واثنتان ظاهراتن‪« :‬املراتب‬
‫الثالثة املتقدمة آحوال معتربة يف القلوب والبواطن‪ ،‬مث‬
‫انتقل مهنا اىل رعاية آحوال الظاهر ورآس الطاعات‬
‫املعتربة يف الظاهر‪ ،‬ورئيسها بذل النفس يف الصالة‪،‬‬
‫ط‬
‫وبذل املال يف مرضاة هللا‪ ،‬ويدخل فيه الزكوات‬
‫والصدقات والصالة‪ ،‬والنفاق يف اجلهاد‪ ،‬والنفاق عىل‬
‫املساجد والقناطر»‪.‬‬
‫واذلكر مبا آنه معل دامئ ومس متر ومتنوع‪،‬‬
‫تتحقق به التقوى (لزوم الطاعة واجتناب املعصية)‪،‬‬
‫فقد يكون واقيا من املعايص‪ ،‬آو مانعا من ارتاكهبا‪ ،‬آو‬
‫توبة لحقة علهيا‪ .‬فتكل ثالثة آنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬اذلكر السابق‪ ،‬وهو ذكر وقاية ومثاهل الرجل‬
‫اذلي «ذكر هللا خاليا ففاضت عيناه» من تقصريه‪ ،‬آو‬
‫ذكل اذلي دعته «امرآة ذات منصب وجامل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫اين آخاف هللا رب العاملني»‪ .‬والكهام من الس بعة‬
‫«اذلين يظلهم هللا بظهل يوم ل ظل ال ظهل»‪( .‬آخرجه‬
‫البخاري ومسمل عن آيب هريرة)‪.‬‬

‫ي‬
‫‪ -2‬اذلكر املرافق‪ ،‬وهو ذكر امتناع ومثاهل املرآة اليت‬
‫ذكرت ابن معها‪ ،‬القاعد بني رجلهيا لرتاكب املعصية‪،‬‬
‫بقولها‪« :‬اتق هللا ول تفض اخلامت ال حبقه»‪( .‬آخرجه‬
‫البخاري‪ ،‬عن ابن معر)‪ .‬فامتنع عن شهوة حمرمة يف‬
‫حلظة حامسة حرجة‪ ،‬بعدما ذكرته فتذكر حرمة وخطورة‬
‫ما اكن عازما عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬اذلكر الالحق‪ ،‬وهو ذكر توبة واس تغفار ومثاهل‬
‫مرتكب املعصية التائب مهنا واملقلع عن معاودهتا‪ ،‬مثل‬
‫اذلين حىك هللا عهنم آهنم ﴿ا َذا فَ َعلُوا فَا ِحشَ ًة َآ ْو َظلَ ُموا‬
‫ِ‬
‫َآنْ ُف َسه ُْم َذ َك ُروا َّ َ‬
‫اَّلل فَ ْاس تَ ْغ َف ُروا ِ ُذلن ُوهبِ ِ ْم َو َم ْن ي َ ْغ ِف ُر ُّاذلن َ‬
‫ُوب‬
‫ون (‪)135‬‬ ‫ِصوا عَ َىل َما فَ َعلُوا َو ُ ْمه ي َ ْعلَ ُم َ‬ ‫ا َّل َّ ُ‬
‫اَّلل َولَ ْم يُ ِ ُّ‬
‫ات َ َْت ِري ِم ْن َحتْهتِ َا‬ ‫ِ ُآولَ ِئ َك َج َزا ُؤ ُ ْمه َم ْغ ِف َر ٌة ِم ْن َر ِ ّ ِهب ْم َو َجن َّ ٌ‬
‫َادل َين ِفهيَا َوِن ْع َم َآ ْج ُر الْ َعا ِم ِل َني﴾‪( .‬سورة آل‬ ‫ْ َالهنْ َ ُار خ ِ ِ‬
‫معران‪ ،‬الية ‪.)136 –135‬‬
‫ك‬
‫ولذلكر دور يوازي العبادات‪ ،‬لنه عبادة مس مترة‬
‫بيامن العبادات مرتبطة بأوقات حمددة‪ ،‬ويف ضوء ذكل‬
‫يفهم قوهل تعاىل‪﴿ :‬ان الصالة تهنى عن الفحشاء‬
‫واملنكر‪ ،‬وذلكر هللا آكرب‪ ،‬وهللا يعمل ما تصنعون﴾‪.‬‬
‫(سورة العنكبوت‪ ،‬الية ‪ .)45‬جاء يف تفسري ابن‬
‫كثري‪« :‬قال آبو العالية يف قوهل تعاىل‪ :‬ان الصالة تهنى‬
‫عن الفحشاء واملنكر‪ ،‬ان الصالة فهيا ثالث خصال‪،‬‬
‫فلك صالة ل يكـون فهيا يشء من هذه اخلالل‬
‫فليست بصالة‪ :‬الخالص‪ ،‬واخلش ية‪ ،‬وذكر هللا‪.‬‬
‫فالخالص يأمره ابملعروف‪ ،‬واخلش ية تهناه عن املنكر‪،‬‬
‫وذكر هللا القرآن يأمره ويهناه»‪.‬‬
‫كام آورد رواية عن عبد هللا بن ربيعة «قال‪ :‬قال‬
‫يل ابن عباس‪ :‬هل تدري ما قوهل تعاىل "وذلكر هللا‬
‫آكرب"؟‬
‫ل‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬مفا هو؟‬
‫قلت التسبيح والتحميد والتكبري يف الصالة وقراءة‬
‫القرآن وحنو ذكل‪.‬‬
‫قال‪ :‬لقد قلت قول جعيبا وما هو كذكل‪ ،‬ولكنه‬
‫امنا يقول‪ :‬ذكر هللا اايمك عندما آمر به آو هنى عنه اذا‬
‫ذكرمتوه آكرب من ذكرمك اايه»‪.‬‬
‫ولذلكر آاثر عديدة عىل النسان‪ :‬يف اس تقراره‬
‫الرويح والنفيس‪ ،‬وحصة واس تقامة سلوكه‪ ،‬وعىل‬
‫حياته املادية والعلمية والدارية‪ ،‬وذكل بعض ما‬
‫يتضمنه احلديث القديس اذلي جاء فيه‪« :‬من شغهل‬
‫ذكري عن مسأليت‪ ،‬آعطيته آفضل ما آعطي‬
‫السائلني»‪( .‬آخرجه البخاري عن عبد هللا بن معر)‪.‬‬

‫م‬
‫وجاء يف احلديث القديس كذكل‪« :‬من ذكرين يف‬
‫نفسه ذكرته يف نفيس‪ ،‬ومن ذكرين يف مل ذكرته يف‬
‫مل خري مهنم‪ ،‬ومن تقرب ايل شرب ًا تقربت منه ذراع ًا‪،‬‬
‫ومن تقرب مين ذراع ًا تقربت منه ابع ًا‪ ،‬ومن آاتين مييش‬
‫آتيته هروةل»‪( .‬آخرجه البخاري‪ ،‬عن آنس بن ماكل)‪.‬‬
‫وذكر ابن جحر العسقالين يف فتح الباري آن «املراد‬
‫مبا جاء يف هذا احلديث رسعة قبول توبة هللا للعبد‪ ،‬آو‬
‫تيسري طاعته وتقويته علهيا‪ ،‬ومتام هدايته وتوفيقه»‪.‬‬
‫وغين عن البيان آن آفضل اذلكر هو القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬قال النيب صىل هللا عليه وسمل‪« :‬آفضل‬
‫الالكم بعد القرآن آربع‪ ،‬ويه من القرآن ل يرضك بأهيا‬
‫بدآت‪ :‬س بحان هللا‪ ،‬وامحلد هلل‪ ،‬ول اهل ال هللا‪ ،‬وهللا‬
‫آكرب»‪( .‬آخرجه المام آمحد يف املس ند‪ ،‬عن مسرة بن‬
‫جندب)‪.‬‬
‫ن‬
‫وقد آحسن الس تاذ الباحث فهمي اسالم‬
‫جيوانتو‪ ،‬بتخصيص رسالته اللطيفة هذه ملراتب قراءة‬
‫القرآن‪ ،‬ابعتباره آفضل آنواع اذلكر‪ ،‬جاعال مهنا س تة‬
‫مراتب‪ ،‬يه‪ :‬قراءة تلفُّظ‪ ،‬قراءة تفهُّم‪ ،‬قراءة تدبر‪،‬‬
‫ختشع‪ ،‬قراءة تنفيذ‪ ،‬وقد حىل‬ ‫قراءة تفكر‪ ،‬قراءة ُّ‬
‫رسالته بأايت بينات من اذلكر احلكمي‪ ،‬وقطوف دانيات‬
‫من آحاديث رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬فأحسن‬
‫الاختيار والاقتباس‪ ،‬مما جيعل القارئ ل ميل من‬
‫اجلوةل والقراءة املمتعة لهذه الرساةل‪ ،‬وقد وددت عليه‬
‫آن خيصص قسام لقراءة التعقل اذ خيصص القرآن لها‬
‫حزيا واسعا للتعقل والتبِص بعد لك حديث عن آايت‬
‫هللا الكونية ملفتا النظر اىل حركة الكون والنسان‬
‫واحليوان‪ ،‬ورابطا للس باب ابملسببات‪ ،‬غري آنه آثر‬
‫ادماهجا يف قراءة التفكر اليت نرى آهنا نوع مس تقل هو‬

‫س‬
‫آليق ابلتدبر وآقرب اليه‪.‬‬
‫واين اذ آقدم لهذه الرساةل بنبذة اضافية عن اذلكر‪،‬‬
‫آنصح معوم القراء وخصوصا الش باب مهنم‪ ،‬ابختاذ هذه‬
‫الرساةل آداة معينة عىل قراءة القرآن والفادة من كنوزه‬
‫اليت ل تنفد‪ ،‬فهو «حبل هللا املتني ونوره املبني»‪.‬‬
‫سائال هللا عز وجل آن جيعلها يف مزيان حس نات‬
‫الاكتب‪ ،‬وآن يرشكنا معه يف الجر والثواب‪ ،‬وهللا من‬
‫وراء القصد وهو هيدي السبيل‪.‬‬
‫رايج رمحة وعفو ربه‪:‬‬
‫ادلكتور عبد السالم باليج‬
‫رابط الفتح‪ :‬امجلعة ‪ 20‬رمضان ‪ 1433‬ه‪،‬‬
‫املوافق‪ 10 :‬غشت ‪ 2012‬م‬

‫ع‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫مراتب قراءة القرآن‬

‫"اقرآ‪ "...‬لكمة تلقاها الرسول صىل هللا عليه وسمل‬


‫كول آمر حت ّمل به هممة النبوة‪ ،‬وآول لكمة ساموية‬
‫طرقت آسامع البرش بعد فرتة من الرسل وانقطاع من‬
‫الويح‪ .‬فقد نزلت تكل اللكمة املباركة دافعة ابلنسانية‬
‫اىل مرحةل جديدة ‪ ...‬نزلت "اقرآ" من السامء عىل‬
‫قلب املصطف صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬فتفاعلت مع‬
‫نفسه الطاهرة‪ ،‬وآشعلت النور اذلي ل خيفت‪،‬‬
‫وآوقدت النار اليت ل ختبو ‪ ...‬تأجج بعدها الوقود‬
‫المياين وارتق هبا الوعي النساين ليودل حضارة فريدة‬

‫‪1‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫مل ير التارخي مثلها قط ‪...‬‬


‫ْس َرب ّ َِك َّ ِاذلي‬
‫نزلت هذه اللكامت الزاكيات‪ :‬ا ْق َر ْآ ِاب ْ ِ‬
‫َخلَ َق ‪َ ...‬خلَ َق الن ْ َس َان ِم ْن عَلَ ٍق ‪...‬‬
‫ا ْق َر ْآ َو َرب ُّ َك ال ْك َرم ‪ِ َّ ...‬اذلي عَ َّ َمل ِابلْ َق َمل ‪ ...‬عَ َّ َمل‬
‫الن ْ َس َان َما لَ ْم ي َ ْع َ ْمل ‪...‬‬
‫اهنا توجهيات واسعة الطيف‪ ،‬غنية املعاين‪ ،‬بعيدة‬
‫املرايم‪...‬‬
‫مل حيدد القرآن هنا ماهية املقروء‪ ،‬واكتف بتحديد‬
‫ليوسع منافذ املعرفة وحيدد مهنجية التعمل‪.‬‬
‫"املقروء به"‪ّ ،‬‬
‫كل آن تقرآ لك املعلومات‪ ،‬وكل آن تدرس مجيع‬
‫املقالت‪ ،‬ولكن عليك آن تقرآها "ابْس ربك اذلي‬

‫‪2‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫خلقك"‪ ،‬عليك آن تقرآها مرتبطا ابحلقيقة الثابتة عن‬


‫آصكل وآصل الكون‪ ،‬آصل لك يشء‪...‬‬
‫لقد آقبل املسلمون عىل قراءة القرآن صباح مساء‪،‬‬
‫يف املساجد‪ ،‬وعند املناس بات الكثرية‪ ،‬ولكن هل‬
‫قراءته هبذا الشلك الشائع اذلي مارسه عامة املسلمني‬
‫رشقا وغراب يه لك ما يطلب من آبعاد تكل القراءة‬
‫املأمور هبا؟ وهل المة ستهنض اذا اكتفت مبزاوةل تكل‬
‫القراءة املعروفة؟‬
‫والقراءة يف اللغة معناها امجلع والضم‪ ،‬كام يف لسان‬
‫اليشء قُ ْرآ ًان َ َمج ْع ُته َ َ‬
‫وَض ْم ُت‬ ‫َ‬ ‫العرب قال‪ " :‬وقَ َر ْآ ُت‬
‫بعضَ ه اىل بعض‪ ،‬ومنه قوهلم‪ :‬ما قَر َآ ْت هذه الناق ُة َس ًىل‬
‫ِ‬
‫قَطُّ‪ ،‬وما قَ َر َآ ْت َج ِنين ًا قطُّ َآي مل يَضْ َط ّم َر ِ ُمحها عىل‬

‫‪3‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫ودل‪ 1".‬والقراءة عبارة عن مض حرف اىل آخر فيتكون‬


‫منه معىن‪ ،‬ومجع لكمة اىل مثيالهتا لتكون من اجامتعها‬
‫مجةل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وان القراءة لها آشاكل متعددة‪ ،‬ولها مراتب‬
‫متدرجة‪ ،‬احداها آرىق من الخرى‪ ،‬ل تتحقق آهداف‬
‫القراءة اكمةل ال بتطبيق مجيعها‪ ،‬ومن توقف عند‬
‫املرحةل ادلنيا توقف به العطاء القرآين عن بلوغ املرتبة‬
‫العليا مما آعد هللا لهل القرآن وطالب العرفان‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫لسان العرب‪131/1 :‬‬

‫‪4‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫املرتبة األولى‪ :‬قراءة ُّ‬


‫تلفظ‬

‫ان آول شلك من آشاكل القراءة املطلوبة هو آن‬


‫تتلق الايت آلفاظا حصيحة وآن تؤدهيا وتروهيا سامعا‬
‫سلامي‪ ،‬وهكذا آنزل هللا القرآن مسموعا ل مكتواب {‬
‫وح ْ َال ِم ُني ‪ .‬عَ َىل قَلْب َِك ِل َت ُك َ‬
‫ون ِم َن‬ ‫نَ َز َل ِب ِه ُّالر ُ‬
‫الْ ُم ْن ِذ ِر َين}‪ 2‬فكذكل آداؤه قراءة مسموعة‪ ،‬ل كتابة‬
‫مقروءة‪ ،‬وهو آول دور قام به رسول هللا صىل هللا‬

‫‪2‬‬
‫سورة الشعراء‪1٩٤ - 1٩3 :‬‬

‫‪5‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫عليه وسمل‪ .‬قال تعاىل‪{ :‬ه َُو َّ ِاذلي ب َ َع َث ِيف ْ ُال ِّميّ َِني‬
‫ِ ِ ‪3‬‬
‫َر ُس ًول ِمهنْ ُ ْم ي َ ْتلُو عَلَهيْ ِ ْم آ َايته}‪.‬‬
‫فاعطاء القرآن حقه من القراءة املتقنة ل بد من‬
‫تلفظ آايته حصيحة سلمية‪ ،‬كام اكن النيب صىل هللا عليه‬
‫وسمل يعلمها للصحابة ريض هللا عهنم‪ ،‬وكام آداه‬
‫الصحابة اىل من بعدمه اىل آن وصل الينا عن طريق‬
‫التواتر اذلي ل ينقطع فرتة من الزمن‪ .‬فتجويد القرآن‬
‫جزء آصيل من القرآن نفسه ل جيوز التفريط به‪ .‬قال‬
‫ابن اجلزري‪:‬‬
‫لز ُم *** َم ْن لَ ْم ُ َجي ِّو ِد الْ ُق َرآ َن‬
‫َوا َلخ ُْذ ِابلتَّ ْج ِوي ِد َحـ ْتـ ٌم ِ‬

‫‪3‬‬
‫سورة الجمعة‪2 :‬‬

‫‪6‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫آ ِ ُمث‬
‫َلن َّــــــ ُه ِبـــــ ِه اللـــَ ُه َآنْــــ َز َل *** َو َه َك َذا ِمنْ ُه ال َ ْينَا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َص َال‬
‫جمودا مزيَّنا ابلصوات امجليةل‬
‫ان آداء القرآن َّ‬
‫والداء املتقن س نة اثبتة وركن همم من اعالء شأن‬
‫القرآن وتعظمي قدره‪.‬‬
‫اَّلل َص َّىل َّ ُ‬
‫اَّلل‬ ‫َع ْن الْ َ َربا ِء ْب ِن عَ ِاز ٍب قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُس ُ‬
‫ول َّ ِ‬
‫ِ ُْ ‪4‬‬
‫عَلَ ْي ِه َو َس َّ َمل‪"َ :‬زِي ّ ُنوا الْ ُق ْرآ َن ِبأَ ْص َواتُك‪".‬‬

‫‪٤‬‬
‫أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وابن حبان وابن خزيمة في‬
‫صحيحيهما والحاكم وصححه وصححه األلباني في صحيح سنن‬

‫‪7‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫وبقدر اجادة النسان آداء قراءة القرآن ترتفع درجته‬


‫عند هللا وعند اخللق‪ ،‬قال رسول هللا صىل هللا عليه‬
‫الس َف َر ِة ْال ِك َرا ِم الْ َ َرب َر ِة‪َ ،‬و َّ ِاذلي‬
‫وسمل‪" :‬الْ َما ِه ُر ِابلْ ُق ْرآ ِن َم َع َّ‬
‫ي َ ْق َر ُآ الْ ُق ْرآ َن َويَتَتَ ْع َت ُع ِفي ِه َوه َُو عَلَ ْي ِه َش ٌّاق َ ُهل َآ ْج َر ِان‪ 5".‬انه‬
‫رشف القرآن اذلي محهل و ّجبهل مالئكة كرام بررة { ِيف‬
‫حص ٍف ُم َك َّر َم ٍة‪َ .‬م ْرفُوعَ ٍة ُم َطه ََّر ٍة‪ِ .‬بأَيْ ِدي َس َف َر ٍة‪ِ .‬ك َرا ٍم‬ ‫ُُ‬
‫ٍ ‪6‬‬
‫بَ َر َرة}‬
‫لكن القراءة اللفظية اليت ل تتجاوز الفواه ول تنفذ‬
‫اىل العقول ول تؤثر يف القلوب لن يكون لها وزن عند‬

‫أبي داود‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫رواه مسلم‬
‫‪6‬‬
‫سورة عبس‪16 - 13 :‬‬

‫‪8‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫هللا وان اكن آثرها يف الناس غري خاف‪ ،‬قال رسول‬


‫هللا صىل هللا عليه وسمل‪" :‬الْ ُم ْؤ ِم ُن َّ ِاذلي ي َ ْق َر ُآ الْ ُق ْرآ َن‬
‫ِب‪،‬‬ ‫ِب َو ِر ُحيهَا َط ّي ٌ‬ ‫َوي َ ْع َم ُل ِب ِه َاك ْ ُل ْت ُر َّج ِة‪َ ،‬ط ْع ُمهَا َط ّي ٌ‬
‫َوالْ ُم ْؤ ِم ُن َّ ِاذلي َل ي َ ْق َر ُآ الْ ُق ْرآ َن َوي َ ْع َم ُل ِب ِه َاكلتَّ ْم َر ِة َط ْع ُمهَا‬
‫ِب َو َل ِر َحي لَهَا‪َ ،‬و َمث َ ُل الْ ُمنَا ِف ِق َّ ِاذلي ي َ ْق َر ُآ الْ ُق ْرآ َن‬ ‫َط ّي ٌ‬
‫ِب َو َط ْع ُمهَا ُم ٌّر‪َ ،‬و َمث َ ُل الْ ُمنَا ِف ِق َّ ِاذلي‬ ‫َاك َّلر ْ َحيان َ ِة ِر ُحيهَا َط ّي ٌ‬
‫ِيث َو ِر ُحيهَا‬ ‫َل ي َ ْق َر ُآ الْ ُق ْرآ َن َاكلْ َح ْن َظ َ ِةل َط ْع ُمهَا ُم ٌّر َآ ْو َخب ٌ‬
‫‪7‬‬
‫ُم ٌّر‪.‬‬
‫ان عبري القرآن يفوح عطرا زكيا يف وسط الناس‬
‫َتليا ظاهرا مجلالية القرآن‪ ،‬لكن الطعم الصيل والنفع‬
‫احلقيقي هو يف العمل به‪ ،‬وهو اذلي يغذي الروح‬

‫‪7‬‬
‫أخرجه البخاري‬

‫‪9‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫والعقل‪...‬‬
‫‪‬‬

‫املرتبة الثانية‪ :‬قراءة ُّ‬


‫تفهم‬

‫ليس للقراءة آي معىن اذا مل تنشئ ادرااك ومل ترث‬


‫فكرا‪ .‬ليست القراءة املطلوبة متمتة غري معلومة‪ ،‬ول‬
‫حترك‬
‫آحلاان غري مفهومة‪ ،‬ان القراءة معلية عقلية ّ‬
‫ُ‬
‫اللكامت فهيا نشاطا فكراي‪ ،‬ويكون لللكامت فعلها‬
‫اذلهين‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫انه ملن املهازل غري املقبوةل آن يتخذ القرآن آحلاان ل‬


‫عالقة لها ابملعاين‪ ،‬آو يتغىن به آصواات ل صةل لها‬
‫ابدلللت‪ ،‬كنه لغو من القول آو رضب من الطرب!‬
‫ان حقيقة ما حتويه اللكمة‪ ،‬آية لكمة‪ ،‬يه املعىن‪،‬‬
‫آما الصوت آو اللفظ فهو وعاء‪ ،‬مفا آعقل من آلك‬
‫القرش ورىم اللب‪!!..‬‬
‫انه دآب المم السابقة ‪ ...‬آن حتافظ عىل الشاكل‬
‫وتضيع املضامني ‪ ...‬آن تروي اللفاظ وَتهل املعاين‪...‬‬
‫ون َل‬
‫قال هللا تعاىل يف شأن آهل الكتاب‪َ { :‬و ِمهنْ ُ ْم ُآ ِّميُّ َ‬

‫‪11‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫ون ْال ِكتَ َ‬


‫‪8‬‬
‫اين َوا ْن ُ ْمه ا َّل ي َ ُظنُّ َ‬
‫ون}‬ ‫اب ا َّل َآ َم ِ َّ‬ ‫ي َ ْعلَ ُم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫نعم‪ ،‬ان من المم اليت ورثت كتاب هللا آقواما ل‬
‫يعرفون شيئا عنه غري "آماين"‪ ،‬ويف معىن الالكم ثالثة‬
‫آقوال عند العلامء‪:‬‬
‫آحدها‪:‬آهنا الاكذيب‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬ال آما َّين‪:‬‬
‫يريد ال قو ًل يقولونه بأفواههم كذ ًاب‪ .‬وهذا قول جماهد‬
‫واختيار الفراء‪ .‬وذكر الفراء آن بعض العرب قال لبن‬
‫دآب وهو حيدث‪ :‬آهذا يشء رويته‪ ،‬آم يشء متنّيته؟‬
‫يريد‪ :‬افتعلته؟ ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫سورة البقرة‪78 :‬‬

‫‪12‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫والثاين‪ :‬آن الماين‪ :‬التالوة‪ ،‬مفعناه‪ :‬ل يعلمون فقه‬


‫الكتاب‪ ،‬امنا يقتِصون عىل ما يسمعونه يتىل علهيم‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫متين داود الزبور عىل‬
‫متىن كتاب هللا آول ليةل ‪َ ...‬‬
‫رسل‬
‫وهذا قول الكسايئ والزجاج ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫والثالث‪ :‬آهنا آمانهيم عىل هللا‪ ،‬قاهل قتادة ‪.‬‬
‫للك من هذه القوال جند مصداقها يف واقع‬ ‫و ٍّ‬
‫الناس‪ ،‬مفهنم من ظن آن كتاب هللا ما هو ال آاكذيب‬

‫‪٩‬‬
‫زاد المسير‪88/1 :‬‬

‫‪13‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫خمتلقة‪ ،‬ومعتقدات مفرتضة عىل الناس ليس لها عالقة‬


‫ابحلقيقة ول لها نسب اىل العمل‪ ،‬وظنوا آن تعالمي ادلين‬
‫لكها من اخرتاع آانس من رجال ادلين هلم مصاحل ل تمت‬
‫ال هبا‪.‬‬
‫وقوم آخرون حظهم من كتاب هللا تالوة صورية‬
‫وآلفاظ مروية غري مفهومة‪ ،‬ل يعلمون معانهيا ول‬
‫يفكرون يف مدلولهتا‪.‬‬
‫وطائفة اثلثة ل يعدو تديّهنم آماين عىل هللا ومتنيات‬
‫ابملغفرة والفالح يف ادلنيا والخرى‪ ،‬وليس هلم رصيد‬
‫من العمل ول فتيل من العمل‪.‬‬
‫وكام اكن مثل تكل النوعيات موجودا يف المم‬

‫‪14‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫السابقة من الهيود والنصارى‪ ،‬فان من املسلمني من‬


‫سلكوا الطريق نفسها‪ ،‬قال رسول هللا صىل هللا عليه‬
‫وسمل‪ :‬لَتَتْ َب ُع َّن َس َ ََن َم ْن َاك َن قَ ْبلَ ُ ُْك ِش ْ ًربا ِش ْ ًربا َو ِذ َراعًا‬
‫ومه‪ .‬قُلْنَا‪َ :‬اي‬ ‫ِب ِذ َرا ٍع‪َ ،‬ح ََّّت لَ ْو َد َخلُوا ُج ْح َر ضَ ٍ ّب تَ ِب ْع ُت ُم ُ ْ‬
‫‪10‬‬ ‫َر ُسو َل َّ ِ‬
‫اَّلل آلْهيَ ُو ُد َوالنَّ َص َارى؟ قَا َل‪ :‬فَ َم ْن؟‬
‫ان هللا عز وجل مل يزنل آلغازا عىل الناس‪ ،‬يضيع‬
‫هبا آعامرمه‪ ،‬ويعمي هبا آبصارمه‪ ،‬انه هداية! ول يكون‬
‫هداية ال اذا اكن مفهوما‪ ،‬ان هللا خلق العقل ل َيفهم‪،‬‬
‫وآنزل القرآن ل ُيفهَم‪.‬‬
‫ان القرآن العظمي ‪ -‬رمغ بالغته العالية وآساليبه‬

‫‪10‬‬
‫أخرجه البخاري‬

‫‪15‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫الراقية– قريب املنال سهل التناول‪ ،‬ليس فيه تقعر ول‬


‫اغراب‪ .‬نعم ان بعض لكامته قد تكون غري متداوةل دلى‬
‫بعض الناس‪ ،‬وبعض آساليبه قد ل تس توعهبا بعض‬
‫العقول‪ ،‬لكنك اذا تفحصهتا ل َتدها غريبة‪ ،‬ول‬
‫صعبة‪ ،‬ويبق املعىن العام واحضا‪ ،‬ويظل املقصد اللكي‬
‫جليا‪.‬‬
‫ان القرآن الكرمي خياطب مس توايت من العقول‪،‬‬
‫وآلواان من الثقافات‪ ،‬وآنواعا من املواضيع واملدراكت‪،‬‬
‫فال بد من تنوع الساليب‪ ،‬ول بد من تباين الطرائق‪،‬‬
‫لتغطي تكل املساحات الواسعة‪ ،‬ومتسح تكل الساحات‬
‫الشاسعة‪.‬‬
‫فذلكل ليست الايت القرآنية عىل مس توى واحد‬

‫‪16‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫يف سهوةل فهمها‪ ،‬كام روى الطرباين عن ابن عباس ‪،‬‬


‫ريض هللا عنه قال‪ُ « :‬آنزل القرآن عىل آربعة وجوه‪:‬‬
‫فوجه حالل وحرام ول يسع آحدا هجالته‪ ،‬ووجه‬
‫تعرفه العرب‪ ،‬ووجه تأويل يعلمه العلامء‪ ،‬ووجه تأويل‬
‫ل يعلمه ال هللا عز وجل‪ ،‬من انتحل منه علام فقد‬
‫‪11‬‬
‫كذب»‪.‬‬
‫ان للقرآن آربعة مس توايت‪ :‬مس توى يفهمه لك‬

‫‪11‬‬
‫رواه الطبراني في مسند الشاميين وابن جرير وأبو نصر السجزى‬
‫عن ابن عباس مرفوعا وقال ابن جرير ‪ :‬في إسناده نظر‪ .‬ورواه ابن‬
‫جرير وابن المنذر وابن االنباري في الوقف موقوفا على ابن عباس‬
‫( انظر جامع األحاديث للسيوطي‪ 6٤/7 :‬رقم‪ ،5812 :‬كنز العمال‬
‫رقم‪)30٩7 :‬‬

‫‪17‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫آحد ويس توعبه آي انسان‪ ،‬ويشمل هذا آسس العقيدة‬


‫من الميان ابهلل واليوم الخر وآصول احلالل واحلرام‬
‫وآراكن ادلين‪ ،‬فهذه المور ل يعذر آي انسان ابجلهل‬
‫هبا‪.‬‬
‫واملس توى الثاين‪ :‬ما يعمتد عىل معرفة اكفية للغة‬
‫العربية‪ ،‬فان سعة اللغة العربية اليت نزل هبا القرآن َتعل‬
‫من بعض آحصاب اللغة نفسها يغيب عهنم بعض‬
‫اخلطاب ريض َّاَّلل عنه‬ ‫مفرداهتا‪ ،‬روي آن معر بن َّ‬
‫َخ ِف َي عليه معىن التخُّوف يف قول هللا تعاىل { َآ ْو يَأْخ َُذ ُ ْمه‬
‫عىل َ َخت ُّو ٍف}‪ ،12‬وآراد ال َك ْت َب اىل المصار يسأل عن‬
‫فريوى آنه جاءه فَ ًَّت ِمن العرب‪ ،‬فقال‪ :‬اي آمري‬ ‫ذكل‪َ ،‬‬

‫‪12‬‬
‫سورة النحل‪٤7 :‬‬

‫‪18‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫املؤ ِم ِنني‪ ،‬ا َّن َآيب يتخَّوفُ ِين َمايل‪ ،‬فقَا َل ُ َمع ُر‪ُ َّ :‬‬
‫اَّلل‬
‫ِ‬
‫َآ ْك َ ُرب!‪ 13‬فأدرك آن التخوف مبعىن التنقص‪.‬‬
‫واملس توى الثالث‪ :‬ما ل يدركه ال من استبحر يف‬
‫تفاصيهل وآتقن علومه وفنونه‪ ،‬فان كثريا من وجوه‬
‫تفسري القرآن ل يكشف معناه ول يدرك مراده ال‬
‫مبعرفة معيقة يف علوم القرآن اكلناخس واملنسوخ واجململ‬
‫واملبني واخلاص والعام واملطلق واملقيد‪ ،‬فهذه لكها علوم‬
‫رضورية لتفسري القرآن‪.‬‬
‫روى عبد الرزاق يف مصنفه آن عليا بن آيب طالب‬
‫مر ب ّ ٍ‬
‫قاص – يعين واعظا‪ -‬فقال هل‪ :‬آتعرف الناخس من‬

‫‪13‬‬
‫تفسير الثعالبي‪3٤0/2 :‬‬

‫‪19‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫‪14‬‬
‫هلكت‪.‬‬
‫هلكت وآ َ‬
‫املنسوخ؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫ان اذلي يتلكم عن القرآن وينصب نفسه مفرسا هل‬
‫عاملا به ل بد هل من معرفة علومه وآساليبه وآحاكمه‪،‬‬
‫ومن آحقم نفسه فامي ل يتقنه قد آهكل نفسه وآهكل‬
‫غريه‪.‬‬
‫واملس توى الرابع‪ :‬ما ل يعلمه ال هللا‪ ،‬ويه قضااي‬
‫حمددة‪ ،‬كعمل الساعة وآمثاهل من الغيبيات‪ ،‬من ادع‬
‫معرفة ذكل فهو كذاب دجال من ادلجاجةل‪.‬‬
‫وانسان هذا العِص ل يس تغين عن الرجوع اىل‬

‫‪1٤‬‬
‫مصنف عبد الرزاق‪221/3 :‬‬

‫‪20‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫تفاسري العلامء املشهود هلم ابلصالح والاس تقامة يف فهم‬


‫كتاب هللا‪ ،‬وخاصة لفهم املس توايت الثالثة الخرية‪،‬‬
‫وآكرث ما تناوهل القرآن هو من املس توى الول‪ ،‬لن‬
‫القرآن الكرمي آراد تكريس تكل املعاين املهمة‬
‫الساس ية‪ ،‬وهذا رس جاذبية القرآن‪ ،‬فان القرآن ل‬
‫يطيل ول يسهب يف مسائل صعبة معقدة‪ ،‬واذا تطرق‬
‫اىل آمور دقيقة اكتف ابشارة رسيعة يفهمها الراخسون‬
‫يف العمل‪ .‬وقد حوت سهوةل القرآن هذه آيضا دللت‬
‫آدق يتوصل الهيا من دقق النظر فهيا‪ .‬لكن ذكل ل‬
‫يتحقق بقراءة سطحية‪ ،‬بل حيتاج اىل مرتبة آخرى‬
‫ويه‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪21‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫املرتبة الثالثة‪ :‬قراءة تدبر‬

‫املطلوبة من‬ ‫وهذه املرتبة من القراءة يه الغاية‬


‫الَ ْي َك ُم َب َاركٌ‬ ‫اب َآ ْن َزلْنَا ُه‬
‫انزال القرآن‪ ،‬قال تعاىل‪ِ { :‬ك َت ٌ‬
‫ِ‬ ‫‪15‬‬
‫ِل َي َّدبَّ ُروا آ َاي ِت ِه َو ِل َي َت َذكَّ َر ُآولُو ْ َاللْ َب ِاب}‬
‫معان كبرية‬
‫ان آايت القرآن الكرمي حتتوي عىل ٍ‬
‫ومعلومات كثرية يف آلفاظ قليةل‪ ،‬ول تس تخرج هذه‬
‫املعاين وتكل املعلومات ال من خالل قراءة متأنية‬

‫‪15‬‬
‫سورة ص‪2٩ :‬‬

‫‪22‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫متدبرة‪ .‬فليس ما تبادر اىل ذهن القارئ هو لك ما‬


‫حواه القرآن من الفوائد وادلللت‪ ،‬فان ما وراء‬
‫الظاهر من املعاين اجلليةل والفاق الواسعة آضعاف ما‬
‫يظهر من ادلللت الولية الِصحية‪.‬‬
‫والتدبر –كام قال الراغب الصفهاين‪ :‬التفكر يف‬
‫دبر المور‪ ،‬والتدبري آن تفعل اليشء وآنت غري غافل‬
‫عن املأل‪ ،‬ومنه "واملدبرات آمرا" مالئكة مولكة بتدبري‬
‫آمور اخللق‪.‬‬
‫وقال الغزايل‪ :‬التدبر وراء حضور القلب‪... ،‬‬
‫واملقصود من القراءة التدبر‪ ،‬ونقل عن المام عيل قوهل‪:‬‬
‫"ل خري يف قراءة ل تدبر فهيا‪ ".‬واذا مل يمتكن من‬
‫التدبر ال برتديد ما يقرآ فلريدد‪ .‬ونقل عن بعض‬

‫‪23‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫الصاحلني قوهل‪" :‬آية ل آتفهمها ول يكون قليب فهيا ل‬


‫‪16‬‬
‫آعد لها ثوااب‪".‬‬
‫ان التدبر هو مفتاح "قوى الوعي النساين" فال‬
‫ملس معاين هذا‬
‫مفتاح لهذه القوى غريه‪ ،‬ول سبيل ّ‬
‫اخلطاب اللهىي ال ذكل السبيل‪ ،‬فبالتدبر وحده تفهم‬
‫‪17‬‬
‫آبعاده املتنوعة‪.‬‬
‫فذلكل حث هللا س بحانه وتعاىل عىل تدبر القرآن‬
‫ون الْ ُق ْرآ َن َآ ْم‬
‫وشدد عىل ذكل‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬آفَ َال يَتَدَ بَّ ُر َ‬

‫‪16‬‬
‫إحياء علوم الدين‪ ،‬ربع المنجيات‪ ،‬الباب الثالث في أعمال‬
‫الباطن في التالوة (‪)2٤8/٤‬‬
‫‪17‬‬
‫أفال يتدبرون القرآن‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬طه جابر العلواني‪ ،‬دار السالم‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪1٤31 ،1‬ه‪2010/‬م‪ ،‬ص‪25‬‬

‫‪24‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫‪18‬‬
‫وب َآ ْق َفالُهَا}‬
‫عَ َىل قُلُ ٍ‬
‫وهذه الية الكرمية َتعل آقفال القلوب واقفالها‬
‫مقابال لعدم التدبر‪ ،‬فاما تدبر القرآن واما اغالق‬
‫القلوب‪ ،‬ووضع القفال علهيا لتصبح جمرد مضغة آو‬
‫‪19‬‬
‫مضخة لدلم ل غري‪.‬‬
‫ان التدبر يشحذ قوى الوعي النساين وجيعلها‬
‫قادرة عىل التفتح ابلقرآن عىل الكون وما فيه‪ ،‬والزمان‬
‫وادلوائر اليت ينظمها‪ ،‬واملاكن وما يش متل عليه‪ ،‬وحييط‬
‫به‪ ،‬فيدرك املتدبر قدرات القرآن الهائةل عىل "التصديق‬

‫‪18‬‬
‫سورة محمد‪2٤ :‬‬
‫‪ 19‬أفال يتدبرون القرآن ص‪30‬‬

‫‪25‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫والهمينة والاستيعاب والتجاوز" خملتلف النساق‬


‫الثقافية واحلضارية‪.‬‬
‫ان التدبر يكشف عن "مكنون القرآن" اذلي‬
‫يتكشف عرب الزمان‪ ،‬ووفقا للسقف املعريف والعلمي‬
‫هل‪ ،‬ويؤثر يف مس توايت عديدة‪ ،‬فهو يعمل عىل‬
‫مس توى الشعور لتقومي مسريته‪ ،‬وتدبريه عىل انتاج‬
‫‪20‬‬
‫ادلواعي وادلوافع والنوااي اخلرية‪.‬‬
‫ان التدبر جيعل النسان قادرا عىل آن ينفذ اىل ما‬
‫وراء املعاين الظاهرة آو املتبادرة اىل الذهان البس يطة‬
‫فيفجر يف قوى وع ِي من آاته هللا تعاىل الاس تعداد‬

‫‪20‬‬
‫المصدر نفسه ص‪37‬‬

‫‪26‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫ينابي َع احلمكة يق قلبه {يُ ْؤ ِِت الْ ِح ْمكَ َة َم ْن يَشَ ا ُء َو َم ْن ي ُ ْؤ َت‬


‫وِت خ ْ ًَريا َك ِث ًريا َو َما ي َ َّذكَّ ُر ا َّل ُآولُو‬ ‫الْ ِح ْمكَ َة فَقَدْ ُآ ِ َ‬
‫ِ‬ ‫‪21‬‬
‫ْ َاللْ َب ِاب}‬
‫لكن التعامل مع القرآن هل مهنجية اثبتة من آخطأها‬
‫ضل الطريق‪ ،‬فانه ل يُقبل آن يتالعب النسان بأايت‬
‫القرآن ومعانهيا حبجة التدبر‪ ،‬والقرآن اكملطر يتحدد‬
‫نتاجه مبا حتويه الرض من البذور واخلصوبة ونوعية‬
‫الرتبة‪ ،‬فاملطر يصيب آرضا فتنبت مثارا اينعة طيبة‪،‬‬
‫ويصيب آخرى فال تنبت غري اللك واحلشيش‪،‬‬
‫ويصيب اثلثة فال تنبت شيئا‪ ،‬ويصيب رابعة فيسبب‬
‫انزلقا آرضيا آو فيضاان جارفا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫سورة البقرة‪26٩ :‬‬

‫‪27‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫فهو كام قال النيب صىل هللا عليه وسمل‪" :‬ا َّن َمث َ َل‬
‫ِ‬
‫اَّلل ِب ِه َع َّز َو َج َّل ِم ْن الْهُدَ ى َوالْ ِع ْ ِمل ََكَث َِل غَ ْي ٍث‬ ‫َما ب َ َعث ِ ََين َّ ُ‬
‫اب َآ ْرضً ا‪ ،‬فَ َاكن َْت ِمهنْ َا َطائِ َف ٌة َط ِ ّي َب ٌة قَ ِبلَ ْت الْ َم َاء‬ ‫َآ َص َ‬
‫لك َوالْ ُع ْش َب ْالكَ ِث َري‪َ ،‬و َاك َن ِمهنْ َا َآ َجا ِد ُب‬ ‫فَأَنْ َبت َ ْت ْال َ َ َ‬
‫رشبُوا ِمهنْ َا َو َسقَ ْوا‬ ‫اَّلل هبِ َا النَّ َاس فَ َ ِ‬ ‫َآ ْم َس َك ْت الْ َم َاء فَنَ َف َع َّ ُ‬
‫يه ِقي َع ٌان َل‬ ‫اب َطائِ َف ًة ِمهنْ َا ُآخ َْرى ِان َّ َما ِ َ‬ ‫َو َر َع ْوا‪َ ،‬و َآ َص َ‬
‫َك‪ ،‬فَ َذ ِ َكل َمث َ ُل َم ْن فَ ُق َه ِيف ِد ِين‬ ‫تُ ْم ِس ُك َم ًاء َو َل تُ ْن ِب ُت َ َ أ‬
‫اَّلل ِب ِه فَ َع ِ َمل َوعَ َّ َمل‪َ ،‬و َمث َ ُل َم ْن لَ ْم يَ ْرفَ ْع‬ ‫َّ ِ‬
‫اَّلل َون َ َف َع ُه ِب َما ب َ َعث ِ ََين َّ ُ‬
‫ِ ‪22‬‬
‫اَّلل َّ ِاذلي ُآ ْر ِسلْ ُت ِبه‪.‬‬‫ب َِذ ِ َكل َر ْآ ًسا َولَ ْم ي َ ْقبَ ْل هُدَ ى َّ ِ‬

‫وهكذا شأن القرآن مع قلوب الناس‪ ،‬فأما القلوب‬


‫الطيبة املؤمنة فينفعها الكم هللا‪ ،‬وآما القلوب الفاسدة‬

‫‪22‬‬
‫أخرجه مسلم‪ 3٩0/11 :‬رقم‪٤232 :‬‬

‫‪28‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫الزائغة فال يزيدها الكم هللا ال بعدا وضالل‪ .‬قال‬


‫ول‪َ :‬آيُّ ُ ُْك َزا َدتْ ُه‬
‫تعاىل‪َ { :‬وا َذا َما ُآ ْن ِزلَ ْت ُس َور ٌة فَ ِمهنْ ُ ْم َم ْن ي َ ُق ُ‬
‫َه ِذ ِه امي َ ِاانً ؟ فَأَ َّما َّ ِاذل َين آ َمنُوا فَ َزا َدهتْ ُ ْم اميَاانً َو ُ ْمه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‪َ .‬و َآ َّما َّ ِاذل َين ِيف قُلُوهبِ ِ ْم َم َر ٌض فَ َزا َدهتْ ُ ْم ِر ْج ًسا‬ ‫رش َ‬ ‫ي َْس تَبْ ِ ُ‬
‫‪23‬‬
‫ا َىل ِر ْج ِسه ِْم َو َماتُوا َو ُ ْمه َاك ِف ُرون}‬
‫ِ‬
‫وقد آنزل هللا القرآن عىل لونني من البيان‪ :‬لون‬
‫واحض حمُك ل يقبل تعدد الفهوم ول اختالف التفاسري‪،‬‬
‫ملعان عدة وتفسريات متعددة‪ ،‬مسي‬ ‫ولون مفتوح قابل ٍ‬
‫الول حمكام والثاين متشاهبا‪ ،‬فالقلوب املؤمنة املهتدية‬
‫اَتهت اىل حمكامت القرآن ودللهتا الواحضة وهداايهتا‬
‫الناصعة فاهتدت واطمأنت‪ ،‬وآما القلوب الزائغة املتبعة‬

‫‪23‬‬
‫سورة التوبة‪125 - 12٤ :‬‬

‫‪29‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫للهوى مفالت اىل املتشاهبات من القرآن هرواب من‬


‫صوارم الحاكم وضوابط الرشع احتجاجا مبا مل ُحي َسم‬
‫من ادلللت وما مل ُحي َُك من املعاين‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬ه َُو‬
‫ات ه َُّن ُآ ُّم‬ ‫اب ِمنْ ُه آ َاي ٌت ُم ْح َمكَ ٌ‬ ‫َّ ِاذلي َآ ْن َز َل عَلَ ْي َك ْال ِكتَ َ‬
‫ات؛ فَأَ َّما َّ ِاذل َين ِيف قُلُوهبِ ِ ْم َزيْغٌ‬ ‫ْال ِكتَ ِاب َو ُآخ َُر ُمتَشَ اهبِ َ ٌ‬
‫يهل َو َما‬ ‫ون َما تَشَ اب َ َه ِمنْ ُه ابْ ِتغ ََاء الْ ِف ْتنَ ِة َوابْ ِتغ ََاء تَأْ ِو ِ ِ‬ ‫فَ َيتَّ ِب ُع َ‬
‫ون آ َمنَّا ِب ِه‬ ‫ُون ِيف الْ ِع ْ ِمل ي َ ُقولُ َ‬ ‫اَّلل؛ َو َّالر ِاخس َ‬ ‫ي َ ْع َ ُمل تَأْ ِو َ ُيهل ا َّل َّ ُ‬
‫ِ‬
‫‪24‬‬
‫لك ِم ْن ِع ْن ِد َ ِرب ّنَا َو َما ي َ َّذكَّ ُر ا َّل ُآولُو ْ َاللْ َب ِاب}‬ ‫ُ ٌّ‬
‫ِ‬
‫وهكذا امتحن هللا القلوب‪ ،‬قال رسول هللا صىل‬
‫هللا عليه وسمل‪ :‬تُ ْع َر ُض‪ 25‬الْ ِف َ َُت عَ َىل الْ ُقلُ ِ‬
‫وب َاكلْ َح ِص ِري‬

‫‪2٤‬‬
‫سورة آل عمران‪7 :‬‬
‫ومعنى تعرض‪ :‬أنها تلصق بعرض القلوب‪ ،‬أي جانبها‪ ،‬كما‬ ‫‪25‬‬

‫‪30‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫ٌ ‪28‬‬
‫رشهبَ َا‪ 27‬نُ ِك َت ِفي ِه نُ ْكتَة‬ ‫‪26‬‬
‫عُودًا عُودًا ‪ ،‬فَأَ ُّي قَلْ ٍب آُ ْ ِ‬

‫يلصق الحصير بجنب النائم‪ ،‬ويؤثر فيه شدة التصاقها به‪( .‬شرح‬
‫النووي ‪)171/2‬‬
‫‪26‬‬
‫ومعنى (عودا عودا) أى تعاد وتكرر شيئا بعد شىء‪ .‬وقال‬
‫االستاذ أبو عبد هللا بن سليمان‪ :‬معناه تظهر على القلوب أى تظهر‬
‫لها فتنة بعد أخرى (شرح النووي ‪)171٩/2‬‬
‫‪ 27‬معنى أشربها دخلت فيه دخوال تاما‪ ،‬وألزمها وحلت منه محل‬
‫الشراب‪ .‬ومنه قوله تعالى ( َوأُش ِرُبوا ِفي ُقلُوبِ ِه ُم ال ِعج َل) أى حب‬
‫العجل‪ .‬ومنه قولهم‪ :‬ثوب مشرب بحمرة أى خالطته الحمرة مخالطة‬
‫ال انفكاك لها (شرح النووي ‪)171/2‬‬
‫ومعنى (نكت نكتة)‪ :‬نقط نقطة‪ .‬وهى بالتاء المثناة فى آخره‪.‬‬ ‫‪28‬‬

‫قال ابن دريد وغيره‪ :‬كل نقطة فى شىء بخالف لونه فهو نكت‬
‫(شرح النووي ‪)172/2‬‬

‫‪31‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫َس ْودَا ُء‪َ ،‬و َآ ُّي قَلْ ٍب َآ ْن َك َرهَا‪ 29‬نُ ِك َت ِفي ِه نُ ْكتَ ٌة ب َ ْيضَ ا ُء‪،‬‬
‫الص َفا‪ 30‬فَ َال‬ ‫َح ََّّت ت َِص َري عَ َىل قَلْ َب ْ ِني؛ عَ َىل َآبْ َي َض ِمث ِْل َّ‬
‫الس َم َاو ُات َو ْ َال ْر ُض‪َ ،‬و ْالخ َُر َآ ْس َو ُد‬
‫َرض ُه ِف ْتنَ ٌة َما دَا َم ْت َّ‬
‫ت ُ ُّ‬
‫ُم ْر َابدًّا‪َ 31‬اك ْل ُك ِوز‪ُ 32‬م َج ِّخ ًيا‪َ 33‬ل ي َ ْع ِر ُف َم ْع ُروفًا َو َل‬

‫ومعنى (أنكرها) ردها (شرح النووي ‪)172/2‬‬ ‫‪2٩‬‬

‫قال القاضي عياض رحمه هللا‪ :‬ليس تشبيهه بالصفا بيانا لبياضه‬ ‫‪30‬‬

‫لكن صفة أخرى لشدته على عقد اإليمان وسالمته من الخلل‪ ،‬وأن‬
‫الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه‪ ،‬كالصفا وهو الحجر األملس الذى‬
‫ال يعلق به شىء (شرح النووي ‪)172/2‬‬
‫‪ 31‬قال النووي‪ :‬وأما قوله ( ِمربادا) فكذا هو فى روايتنا وأصول‬
‫بالدنا وهو نصب على الحال‪ .‬وذكر القاضى عياض رحمه هللا‬
‫خالفا فى ضبطه وأن منهم من ضبطه كما ذكرناه‪ ،‬ومنهم من رواه‬
‫مربئد بهمزة مكسورة بعد الباء‪ .‬قال القاضى‪ :‬وهذه رواية أكثر‬
‫شيوخنا‪ ،‬وأصله أن ال يهمز ويكون مربد مثل مسود ومحمر‪ .‬وكذا‬

‫‪32‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫ذكره أبو عبيد والهروي وصححه بعض شيوخنا عن أبى مروان بن‬
‫سراج‪ ،‬ألنه من اربد إال على لغة من قال احمار بهمزة بعد الميم‬
‫اللتقاء الساكنين‪ ،‬فيقال اربأد ومربئد‪ ،‬والدال مشددة على القولين‪.‬‬
‫قال‪ :‬أرى إن صوابه شبه البياض فى سواد‪ ،‬وذلك أن شدة البياض‬
‫فى سواد ال يسمى ربدة‪ ،‬وانما يقال لها‪ :‬بلق‪ ،‬إذا كان فى الجسم‪،‬‬
‫وحو ار إذا كان فى العين‪ ،‬والربدة إنما هو شىء من بياض يسير‬
‫كلون أكثر النعام‪ ،‬ومنه قيل‪ :‬للنعامة ربداء‪ ،‬فصوابه شبه البياض‪،‬‬
‫ال شدة البياض‪ .‬قال أبو عبيد عن أبى عمرو وغيره‪ :‬الربدة لون بين‬
‫السواد والغبرة‪ .‬وقال ابن دريد‪ :‬الربدة لون أكدر‪ .‬وقال غيره‪ :‬هى أن‬
‫يختلط السواد بكدرة‪ .‬وقال الحربى‪ :‬لون النعام بعضه أسود وبعضه‬
‫أبيض‪ .‬ومنه اربد لونه اذا تغير ودخله سواد‪ .‬وقال نفطويه‪ :‬المربد‬
‫الملمع بسواد وبياض‪ .‬ومنه تربد لونه أى تلون‪ .‬وهللا أعلم‪( .‬شرح‬
‫النووي ‪)17٤-172/2‬‬
‫‪32‬‬
‫الشيء َكو اًز‬
‫َ‬ ‫كاز‬
‫وز من األَواني معروف وهو مشتق من َ‬ ‫الك ُ‬
‫ُ‬
‫ان ِ‬
‫وك َوَزةٌ (لسان‬ ‫وزه َكو اًز جمعته‪ ،‬والجمع أَكو ٌاز ِ‬
‫وكيز ٌ‬ ‫َك ُ‬
‫وكزتُه أ ُ‬
‫جمعه ُ‬

‫‪33‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫العرب‪)٤02/٤ :‬‬
‫وأما قوله ( ُم َج ِخياً) فهو بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم خاء‬ ‫‪33‬‬

‫معجمة مكسورة معناه مائال‪ .‬كذا قاله الهروى وغيره‪ .‬وفسره الراوى‬
‫فى الكتاب بقوله (منكوسا)‪ ،‬وهو قريب من معنى المائل‪ .‬قال‬
‫القاضى عياض‪ :‬قال لى ابن سراج‪ :‬ليس قوله كالكوز مجخيا‬
‫تشبيها لما تقدم من سواده‪ ،‬بل هو وصف آخر من أوصافه بأنه‬
‫قلب نكس حتى ال يعلق به خير وال حكمة‪ .‬ومثله بالكوز المجخى‪.‬‬
‫وبينه بقوله (ال يعرف معروفا وال ينكر منكرا)‪ .‬قال القاضى رحمه‬
‫هللا‪ :‬شبه القلب الذى ال يعى خي ار بالكوز المنحرف الذى ال يثبت‬
‫الماء فيه‪ .‬وقال صاحب التحرير‪ :‬معنى الحديث أن الرجل إذا تبع‬
‫هواه وارتكب المعاصى دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة‪ ،‬واذا‬
‫صار كذلك افتتن وزال عنه نور االسالم‪ .‬والقلب مثل الكوز فاذا‬
‫انكب انصب ما فيه‪ ،‬ولم يدخله شىء بعد ذلك (شرح النووي‬
‫‪)173/2‬‬

‫‪34‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫‪34‬‬
‫رش َب ِم ْن ه ََوا ُه‪.‬‬ ‫يُ ْن ِك ُر ُمنْ َك ًرا ا َّل َما ُآ ْ ِ‬
‫ِ‬
‫فعملية التدبر حتتاج اىل قلب سلمي يريد احلق‬
‫ويس تعد هل ويستسمل هل‪ ،‬فأما القلب املريض فيظل يف‬
‫شك وارتياب {فَأَ َّما َّ ِاذل َين آ َمنُوا فَيَ ْعلَ ُم َ‬
‫ون َآن َّ ُه الْ َح ُّق ِم ْن‬
‫اَّلل هبِ َ َذا َمث ًَال‪،‬‬
‫ون َما َذا َآ َرا َد َّ ُ‬‫َر ِ ّ ِهب ْم َو َآ َّما َّ ِاذل َين َك َف ُروا فَ َي ُقولُ َ‬
‫يُ ِض ُّل ِب ِه َك ِث ًريا َوهيَ ْ ِدي ِب ِه َك ِث ًريا َو َما يُ ِض ُّل ِب ِه ا َّل‬
‫ِ‬ ‫ِ ‪35‬‬
‫الْ َف ِاسق َني}‬
‫ان القرآن الكرمي ليس كتااب عاداي يزنل عىل‬
‫السمع‪ ،‬آو يوضع آمام العني ليك يقلب النسان الطرف‬

‫‪3٤‬‬
‫أخرجه مسلم‪ 3٤٩/1 :‬رقم‪207 :‬‬
‫‪35‬‬
‫سورة البقرة‪26 :‬‬

‫‪35‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫يف لكامته‪ ،‬آو يتصفحه تصفحا‪ ،‬آو يس متع اليه بقلب ل ٍه‬
‫آو سا ٍه‪ ،‬ل‪ ،‬ل بد آن َّيزنل عىل القلب قبل آن َّيزنل‬
‫عىل اللسان‪ ،‬وقبل آن يزنل عىل الذن يف حاةل‬
‫‪36‬‬
‫الاس امتع‪.‬‬
‫والتزنيل عىل القلب يس تلزم آول‪ :‬تطهري القلب‬
‫وتنقيته ِمن لك ما قد حيول بني القرآن وبني الزنول‬
‫عىل قلب ممهَّد لني هميأ لزنوهل عليه‪ ،‬مس تعد ذلكل متام‬
‫الاس تعداد اذا نزل عليه زاده امياان واخباات وخشوعا‬
‫وآلن ذكل القلب وآرسجه‪ ،‬وانعكس ذكل منه عىل‬
‫اجلدل‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬تَ ْقشَ ِع ُّر ِمنْ ُه ُجلُو ُد َّ ِاذل َين َ ْخيشَ ْو َن‬

‫‪36‬‬
‫أفال يتدبرون القرآن ص‪78‬‬

‫‪36‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫اَّلل}‪ 37‬ويف‬
‫َرهبَّ ُ ْم ُ َّمث تَ ِل ُني ُجلُود ُ ُْمه َو ُقلُوهبُ ُ ْم ا َىل ِذ ْك ِر َّ ِ‬
‫ِ‬
‫الوقت نفسه ل بد من تزكية القلب واعداده وجالئه‪،‬‬
‫فكام متهد الرض لنزال طائرة علهيا آو اقامة بناء ل بد‬
‫‪38‬‬
‫من متهيد القلب ليك تزنل عليه آايت القرآن الكرمي‪.‬‬
‫يضاف اىل ذكل آنه ل بد آن حيدد هذا القارئ‬
‫هدفه من القراءة بدقة اتمة وهو ما نسميه "ابلنية" ففي‬
‫ات"‪ 39‬والقراءة معل فال بد‬
‫احلديث "ان َّ َما ْ َال ْ َمع ُال ِابل ِنّيَّ ِ‬
‫ِ‬
‫من بناء النية‪ ،‬والتعرض للتطهري اللهىي‪ ،‬فلعل القارئ‬
‫يكون واحدا من آولئك املتطهرين اذلين يس تطيعون‬

‫‪37‬‬
‫سورة الزمر‪23 :‬‬
‫‪38‬‬
‫أفال يتدبرون القرآن ص‪80-7٩‬‬
‫‪3٩‬‬
‫أخرجه البخاري‪ 3/1 :‬رقم‪1 :‬‬

‫‪37‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫‪40‬‬
‫مبس معاين القرآن‪.‬‬
‫العروج اىل العلياء ّ‬
‫‪‬‬

‫‪٤0‬‬
‫أفال يتدبرون القرآن ص‪81‬‬

‫‪38‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫املرتبة الرابعة‪ :‬قراءة تفكر‬

‫ان التفاعل احلي مع الايت القرآنية ينقل عقل‬


‫النسان اىل عامل من املعاين اجلديدة اليت يكون ادراكها‬
‫فارقا آساس يا بني احلمكة واجلهل‪ ،‬بني الميان والكفر‪،‬‬
‫وبني الفطنة والغفةل‪ ،‬وبني الهداية والضالةل‪ .‬ان التفكر‬
‫‪-‬اذلي دعاان اليه القرآن العظمي‪ -‬قراءة آخرى آبعد من‬
‫حدود دلةل اللفاظ وآوسع من معطيات النصوص‪ ،‬انه‬
‫يدعوان اىل قراءة الكون والحداث‪.‬‬
‫والتفكر عبارة عن حتريك العقل وتركزيه عىل‬

‫‪39‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫موضوع من املوضوعات ليس تخلص بذكل فوائد وعربا‪،‬‬


‫‪41‬‬
‫قال ابن فارس‪ :‬يقال تفكّ َر اذا ر َّد َد قلبه ِ‬
‫معتربا‪.‬‬
‫تِصف القلب يف معاين‬
‫وقال اجلرجاين‪ :‬التفكر ّ‬
‫الش ياء َ‬
‫دلرك املطلوب‪ ،‬ورساج القلب يرى به خريه‬
‫ورشه‪ ،‬ومنافعه ومضاره‪ ،‬ولك قلب ل تفكر فيه فهو‬
‫‪42‬‬
‫يف ظلامت يتخبط‪.‬‬
‫ودعوة القرآن اىل التفكر تعين الانطالق من‬
‫احياءات النصوص اىل قراءة الواقع‪ ،‬والانتقال من‬
‫اس امتع آايت هللا املسطورة اىل معاجلة آايته املنظورة‪.‬‬

‫‪٤1‬‬
‫مقاييس اللغة‪357/٤ :‬‬
‫‪٤2‬‬
‫التعريفات ص‪20‬‬

‫‪40‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫والتفكر يف خلق هللا من آمه خصائص دين محمد‬


‫وآمته ‪-‬عليه آفضل الصالة وآمت التسلمي‪ -‬فان النبياء‬
‫والرسل قبهل –عليه الصالة والسالم‪ -‬آتوا مبعجزات‬
‫حس ية وخوارق غري معقوةل‪ ،‬آما هذه الرساةل اخلامتة‬
‫فهىي تأِت بأرىق ما يتحدى به البرش‪ ...‬تتحدى ابلعمل‪،‬‬
‫وتدعو اىل التفكري واعامل العقل ليتوصلوا به اىل‬
‫الميان‪.‬‬
‫وقد آخرج ابن املنذر وابن آيب حامت والطرباين وابن‬
‫مردويه عن ابن عباس قال‪ :‬آتت قريش الهيود‪ ،‬فقالوا‬
‫ما جاءمك به مو ى من الايت؟ قالوا عصاه‪ ،‬ويده‬
‫بيضاء للناظرين‪ ،‬وآتوا النصارى‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف اكن‬
‫عيىس فيُك؟ قالوا‪ :‬اكن يربىء الَكه والبرص وحييي‬

‫‪41‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫املوىت‪ ،‬فأتوا النيب صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬فقالوا‪ :‬ادع لنا‬
‫ربك جيعل لنا الصفا ذهب ًا‪ ،‬فدعا ربه‪ ،‬فزنلت‪{:‬ا َّن ِيف‬
‫ِ‬
‫َخلْ ِق السموات والرض}‪ 43‬الية‪.‬‬
‫نعم لنقرآ هذه اللكامت الساموية‪{ :‬ا َّن ِيف َخلْ ِق‬
‫ِ‬
‫الس َم َاو ِات َو ْ َال ْر ِض َوا ْخ ِت َال ِف الل َّ ْي ِل َوالهنَّ َ ِار َل َاي ٍت‬ ‫َّ‬
‫اَّلل ِق َيا ًما َوقُ ُعودًا َوعَ َىل‬
‫ون َّ َ‬‫ِ ُل ِويل ْ َاللْ َب ِاب‪ِ َّ .‬اذل َين ي َ ْذ ُك ُر َ‬
‫الس َم َاو ِات َو ْ َال ْر ِض َربَّنَا َما‬
‫ون ِيف َخلْ ِق َّ‬ ‫ُجنُوهبِ ِ ْم َويَتَ َفكَّ ُر َ‬
‫‪44‬‬
‫َخلَ ْق َت ه ََذا َاب ِط ًال ُس ْب َحان ََك فَ ِقنَا عَ َذ َاب النَّ ِار}‬
‫فقد روي عن آم املؤمنني عائشة ريض هللا عهنا‬

‫‪ 43‬سورة آل عمران‪1٩0 :‬‬


‫‪ 44‬سورة آل عمران‪1٩1 - 1٩0 :‬‬

‫‪42‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫آن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل قال‪ :‬ويل ملن قرآ‬
‫هذه الية مث مل يتفكر فهيا يعىن {ان ىف خلق السموات‬
‫‪46 45‬‬
‫والرض} ‪.‬‬
‫اهنا هزة قوية مؤثرة للعقل ليلتفت اىل املعاين اليت‬
‫نطقت هبا تدابري الكون‪ ،‬وادلللت اليت تفصح عهنا‬
‫تصاريف المور‪ ،‬فاهنا تقول لحصاب العقول النظيفة‬
‫اهنا ي ُّرست حلمكة ابلغة‪ ،‬وخُلقت لغاية عالية‪ ،‬فهىي‬

‫‪ 45‬سورة آل عمران‪1٩0 :‬‬


‫‪٤6‬‬
‫أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪ 386/2‬رقم‪ )620 :‬والديلمى‬
‫واللفظ له (‪ ، ٤00/٤‬رقم ‪ )7158‬وصححه األلباني في السلسلة‬
‫الصحيحة (‪ 67/1‬رقم‪ )68 :‬وحسنه في صحيح الترغيب والترهيب‬
‫(‪ 88/2‬رقم‪)1٤68 :‬‬

‫‪43‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫ليست عبثا ول يه لغو آو لهو‪ ،‬بل المر جاد‪ ،‬واحلياة‬


‫ليست لعبا‪ ،‬فان لها آهدافا معينة ووضعت لتحقيقها‬
‫مدة حمددة‪.‬‬
‫قال تعاىل‪َ { :‬آ َولَ ْم يَتَ َفكَّ ُروا ِيف َآنْ ُف ِسه ِْم َما َخلَ َق َّ ُ‬
‫اَّلل‬
‫الس َم َاو ِات َو ْ َال ْر َض َو َما ب َ ْيهنَ ُ َما ا َّل ِابلْ َح ّ ِق َو َآ َج ٍل ُم َس ًّم‬ ‫َّ‬
‫‪47‬‬ ‫ِ‬
‫ون}‬ ‫َوا َّن َك ِث ًريا ِم َن النَّ ِاس ِب ِلقَا ِء َر ِ ّ ِهب ْم لَ َاك ِف ُر َ‬
‫ِ‬
‫ان دلةل معاين آحداث ساحة هذه املعمورة ل‬
‫تسمح لعاقل آن يرشد عن املسار القومي اذلي يُريه‬
‫العقل السلمي ويشري اليه القلب اليقظ‪ ،‬كيف ل‪ ،‬ويف‬
‫آمثال القرآن آوحض تصوير لطبيعة هذه احلياة ادلنيا‬

‫‪٤7‬‬
‫سورة الروم‪8 :‬‬

‫‪44‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫القصرية الفانية‪ ،‬مثل قول هللا تعاىل‪{ :‬ان َّ َما َمث َ ُل الْ َح َيا ِة‬
‫ِ‬
‫ات ْ َال ْر ِض‬ ‫الس َما ِء فَا ْختَلَطَ ِب ِه ن َ َب ُ‬ ‫ادلُّ نْ َيا َ َمَك ٍء َآ ْن َزلْنَا ُه ِم َن َّ‬
‫لك النَّ ُاس َو ْ َالنْ َعا ُم َح ََّّت ا َذا َآ َخ َذ ِت ْ َال ْر ُض‬ ‫ِم َّما يَأْ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫ون عَلَهيْ َا َآاتَ هَا‬ ‫ُزخ ُْرفَهَا َو َّازيَّن َ ْت َو َظ َّن َآ ْهلُهَا َآهنَّ ُ ْم قَا ِد ُر َ‬
‫َآ ْم ُرانَ لَ ْي ًال َآ ْو هنَ َ ًارا فَ َج َعلْنَاهَا َح ِصيدً ا َ َك ْن لَ ْم تَغ َْن‬
‫‪48‬‬
‫ون}‬ ‫ِاب ْ َل ْم ِس َك َذ ِ َكل ن ُ َف ّ ِص ُل ْال َاي ِت ِلقَ ْو ٍم يَتَ َفكَّ ُر َ‬
‫ان ما حيتويه القرآن من املعاين وادلللت آمور‬
‫عظمية تنوء عن محلها اجلبال الراس يات‪ ،‬وهذه حقيقة‬
‫كبرية ل تس توعهبا ال عقول متفكرة وقلوب متذكرة‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪{ :‬لَ ْو َآ ْن َزلْنَا ه ََذا الْ ُق ْرآ َن عَ َىل َج َب ٍل لَ َر َآيْتَ ُه خ َِاش ًعا‬
‫كل ْ َال ْمث َُال ن ْ ِ‬
‫َرضهبُ َا ِللنَّ ِاس‬ ‫اَّلل َو ِت ْ َ‬
‫ُمتَ َص ِّدعًا ِم ْن خ َْش َي ِة َّ ِ‬

‫‪٤8‬‬
‫سورة يونس‪2٤ :‬‬

‫‪45‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫‪49‬‬
‫لَ َعلَّه ُْم يَتَ َفكَّ ُر َ‬
‫ون}‬

‫‪‬‬

‫‪٤٩‬‬
‫سورة الحشر‪21 :‬‬

‫‪46‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫املرتبة الخامسة‪ :‬قراءة ُّ‬


‫تخشع‬

‫ان هذا الكتاب شأنه عظمي‪ ،‬وشأوه بعيد‪ ،‬ووزنه‬


‫ثقيل‪ ،‬ووقعه معيق‪ ،‬ان القلوب الطاهرة تس تجيب‬
‫وتتفاعل مع لكامت القرآن بعاطفة جياشة واخبات اتم‬
‫ووجه خاشع‪ ...‬اهنا رحةل طويةل رسيعة جعيبة‪ ...‬من‬
‫جامل الصوت وحسن الداء اىل بالغة اللكامت‬
‫والساليب املعجزة‪ ...‬اىل غزارة املعاين وعظمة‬
‫املواضيع‪ ...‬اىل سعة الفق ودقة املعرفة‪ ...‬اىل خشوع‬
‫القلب وحالوة الميان‪ ...‬مث السعادة الغامرة والطمأنينة‬
‫التامة‪ ...‬بني يدي الكم رب العباد‪...‬‬

‫‪47‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫يث‬‫اَّلل نَ َّز َل َآ ْح َس َن الْ َح ِد ِ‬


‫قال هللا عز وجل‪ُ َّ { :‬‬
‫َاين تَ ْقشَ ِع ُّر ِمنْ ُه ُجلُو ُد َّ ِاذل َين َ ْخيشَ ْو َن‬
‫ِكتَ ًااب ُمتَشَ اهبِ ًا َمث ِ َ‬
‫اَّلل َذ ِ َكل هُدَى‬‫َرهبَّ ُ ْم ُ َّمث تَ ِل ُني ُجلُود ُ ُْمه َوقُلُوهبُ ُ ْم ا َىل ِذ ْك ِر َّ ِ‬
‫ِ‬
‫اَّلل هيَ ْ ِدي ِب ِه َم ْن يَشَ ا ُء َو َم ْن يُضْ ِل ِل َّ ُ‬
‫اَّلل فَ َما َ ُهل ِم ْن‬ ‫َّ ِ‬
‫‪50‬‬
‫هَاد}‬
‫ما آعظم آن ختشع القلوب اذعاان لهذا الالكم من‬
‫النور‪ ...‬هيزت كيان النسان املؤمن آمام احلقيقة اللهية‬
‫اليت ل يأتهيا الباطل من بني يدهيا ول من خلفها‪...‬‬
‫خوفا وطمعا‪ ،‬امياان واحساان‪...‬‬
‫وهكذا دآب الصاحلني قدميا وحديثا‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫سورة الزمر‪23 :‬‬

‫‪48‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫{ا َّن َّ ِاذل َين ُآوتُوا الْ ِع ْ َمل ِم ْن قَ ْب ِ ِهل ا َذا يُ ْت َىل عَلَهيْ ِ ْم َ ِخي ُّر َ‬
‫ون‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ُس ْب َح َان َ ِرب ّنَا ا ْن َاك َن َو ْعدُ َ ِرب ّنَا‬ ‫ِل ْ َل ْذقَ ِان ُُسَّدً ا‪َ .‬وي َ ُقولُ َ‬
‫‪51‬‬ ‫ِ‬
‫ون َويَ ِزيدُ ُ ْمه خ ُُشوعًا}‬ ‫ون ِل ْ َل ْذقَ ِان ي َ ْب ُك َ‬
‫لَ َم ْف ُع ًول‪َ .‬و َ ِخي ُّر َ‬
‫فهىي قراءة آخرى‪ ...‬تصل اىل ما بعد املعاين‪،‬‬
‫وتقف عىل ما وراء املدارك‪ ...‬ان ما بعد التصديق‬
‫امياان‪ ،‬وما بعد الدراك طمأنينة‪ ...‬وما بعد العمل‬
‫خشوعا‪...‬‬
‫وهكذا حال الرسول صىل هللا عليه وسمل مع‬
‫القرآن‪ ،‬روى البخاري عن عبد هللا بن مسعود ريض‬
‫هللا عنه آن رسول هللا صىل هللا عليه وسمل قال هل‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫سورة اإلسراء‪10٩ - 107 :‬‬

‫‪49‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫ا ْق َر ْآ عَ َ َّيل‪.‬‬
‫قُلْ ُت‪ :‬آ ْق َر ُآ عَلَ ْي َك َوعَلَ ْي َك ُآ ْن ِز َل؟‬
‫قَا َل‪ :‬فَا ِ ّين آُ ِح ُّب َآ ْن َآ ْ َمس َع ُه ِم ْن غَ ْ ِريي‪.‬‬
‫ِ‬
‫فَقَ َر ْآ ُت عَلَ ْي ِه ُس َور َة ال ِن ّ َسا ِء َح ََّّت بَلَغ ُْت {فَ َك ْي َف ا َذا‬
‫ِ‬
‫لك ُآ َّم ٍة بِشَ هِي ٍد َو ِج ْئنَا ب َِك عَ َىل َه ُؤ َل ِء‬ ‫ِج ْئنَا ِم ْن ُ ِّ‬
‫‪52‬‬
‫َشهِيدً ا}‬
‫قَا َل‪َ :‬آ ْم ِس ْك‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫سورة النساء‪٤1 :‬‬

‫‪50‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫‪53‬‬
‫فَا َذا َع ْينَا ُه ت َْذ ِرفَ ِان‪.‬‬
‫ِ‬
‫ومل يرتك القرآن املسلمني يف غفةل طويةل وقسوة‬
‫قلب مس مترة‪ ،‬بل عاتهبم عىل عدم اخلشوع يف فرتة‬
‫مبكرة من اترخي ادلعوة‪ ،‬كام روى مسمل عن ا ْبن‬
‫َم ْس ُعو ٍد ريض هللا عنه قَا َل‪َ :‬ما َاك َن ب َ ْ َني ا ْس َال ِمنَا َوب َ ْ َني‬
‫ِ‬
‫اَّلل هبِ َ ِذ ِه ْالي َ ِة { َآلَ ْم يَأْ ِن ِل َّ ِذل َين آ َمنُوا َآ ْن َ ْختشَ َع‬
‫َآ ْن عَاتَبَنَا َّ ُ‬
‫ِ ِ ‪54‬‬
‫اَّلل} ا َّل َآ ْرب َ ُع س ن َني‪.‬‬‫قُلُوهبُ ُ ْم ِ ِذل ْك ِر َّ ِ‬
‫ِ‬
‫وعن سعد بن آيب وقاص ريض هللا عنه قال‪:‬‬
‫اَّلل عَلَ ْي ِه َو َس َّ َمل ي َ ُق ُ‬
‫ول‪" :‬ا َّن ه ََذا‬ ‫َ ِمس ْع ُت َر ُسو َل َّ ِ‬
‫اَّلل َص َّىل َّ ُ‬
‫ِ‬

‫‪53‬‬
‫أخرجه البخاري‪ 76/1٤ :‬رقم‪٤216 :‬‬
‫‪5٤‬‬
‫أخرجه مسلم‪ 323/1٤ :‬رقم‪5352 :‬‬

‫‪51‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫الْ ُق ْرآ َن نَ َز َل ِ ُحب ْز ٍن‪ ،‬فَا َذا قَ َر ْآتُ ُمو ُه فَا ْب ُكوا‪ ،‬فَا ْن لَ ْم تَ ْب ُكوا‬
‫ِ ِ ‪55‬‬
‫فَتَ َبا َك ْوا‪َ ،‬وتَغَنَّ ْوا ِب ِه فَ َم ِ ْن لَ ْم يَتَغ ََّن ِب ِه فَلَيْ َس منَّا‪".‬‬
‫وعن آيب صاحل قال‪ :‬قدم انس من آهل المين عىل‬
‫آيب بكر الصديق ريض هللا عنه‪ ،‬جفعلوا يقرؤون القرآن‬
‫ويبكون‪ ،‬فقال آبو بكر الصديق ريض هللا‪ :‬عنه‬
‫‪56‬‬
‫"هكذا كنا ‪"...‬‬

‫‪‬‬

‫‪55‬‬
‫أخرجه ابن ماجه (‪ 235/٤‬رقم‪)1327 :‬‬
‫‪56‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه والقاسم بن سالم في فضائل‬
‫القرآن‬

‫‪52‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫املرتبة السادسة‪ :‬قراءة تنفيذ‬

‫ماذا يُبىن بعد تكل القراءات؟ وهل تقف معلية‬


‫القراءة عند هذه المور العلمية والوجدانية رمغ آمهيهتا؟‬
‫مفن بدهيات المور هنا آل تكون القراءة ‪-‬همام‬
‫ارتقت– ذات معىن اذا مل يتبعها يشء معيل ملموس‪،‬‬
‫فالقراءة املفيدة يه اليت تمثر العمل‪ ،‬وقد حرص حصابة‬
‫رسول هللا ‪-‬رضوان هللا علهيم– آل ّيفرطوا يف هذه‬
‫املعادةل‪ ،‬فقد مجعوا العمل ابلقرآن والعمل به‪ ،‬وعرفوا آن‬
‫حق العمل هو العمل به‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫السلَ ِم َّي قَا َل‪َ :‬ح َّدثَنَا َم ْن َاك َن‬ ‫َع ْن َآ ِيب َع ْب ِد َّالر ْ َمح ِن ُّ‬
‫اَّلل عَلَ ْي ِه َو َس َّ َمل‪-‬‬‫اَّلل ‪َ -‬ص َّىل َّ ُ‬ ‫حص ِاب َر ُسولِ َّ ِ‬ ‫يُ ْق ِرئُنَا ِم ْن َآ ْ َ‬
‫اَّلل عَلَ ْي ِه‬ ‫اَّلل ‪َ -‬ص َّىل َّ ُ‬ ‫ون ِم ْن َر ُسولِ َّ ِ‬ ‫َآهنَّ ُ ْم َاكنُوا يَأْخ ُُذ َ‬
‫رش ْ ُالخ َْرى‬ ‫ون ِيف الْ َع ْ ِ‬ ‫َرش آ َاي ٍت‪ ،‬فَ َال يَأْخ ُُذ َ‬ ‫َو َس َّ َمل‪ -‬ع ْ َ‬
‫َح ََّّت ي َ ْعلَ ُموا َما ِيف َه ِذ ِه ِم َن الْ ِع ْ ِمل َوالْ َع َم ِل‪ .‬قَا َل‪ :‬فَ ُي َع ِلّ ُمنَا‬
‫‪57‬‬
‫الْ ِع ْ َمل َوالْ َع َملَ‪.‬‬
‫وهذه يه املهنجية الصحيحة يف التعامل مع القرآن‪،‬‬
‫مل يكن القرآن كتاب نظرايت فلسفية يكتفي ابلالكم‬
‫النظري‪ ،‬لكنه هداية شامةل لها متطلبات معلية كام آن‬
‫لها حمتوايت علمية‪ .‬وهذا هو رس ُّمتزي جيل حصابة‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وسمل عىل غريمه‪ .‬كام بني‬

‫‪57‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند وعبد الرزاق في المصنف‬

‫‪54‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫ول‪:‬‬ ‫ذكل عبد هللا بن معر ريض هللا عنه‪ ،‬حني ي َ ُق ُ‬


‫"لَقَدْ ِع ْش نَا بُ ْر َه ًة ِم ْن َد ْه ِرانَ ‪َ ،‬و َآ َحدُ انَ يُ ْؤ َىت ْالمي َ َان قَ ْب َل‬
‫هللا عَِلَ ْي ِه َو َس َّ َمل‬
‫الس َور ُة عَ َىل ُم َح َّم ٍد َص َّىل ُ‬ ‫الْ ُق ْرآ ِن‪َ ،‬وت ْ َِزن ُل ُّ‬
‫فَنَ َت َع َّ ُمل َح َاللَهَا َو َح َرا َمهَا‪َ ،‬وآ ِم َرهَا َو َز ِاج َرهَا‪َ ،‬و َما يَنْ َب ِغي َآ ْن‬
‫ون َآن ُ ُْمت الْ َي ْو َم الْ ُق ْرآ َن‪َّ ُ ،‬مث لَقَدْ‬ ‫ي َ ِق َف ِع ْندَ ُه ِمهنْ َا‪َ َ ،‬مَك تَ َعل َّ ُم َ‬
‫َر َآيْ ُت الْ َي ْو َم ِر َج ًال يُ ْؤ َىت َآ َحدُ ُ ُمه الْ ُق ْرآ َن قَ ْب َل ْالمي َ ِان‪ ،‬فَيَ ْق َرآُ‬
‫احت ِت ِه ا َىل خَا ِت َم ِت ِه َما يَدْ ِري َما آ ِم ُر ُه ِ َو َل َز ِاج ُر ُه‪،‬‬ ‫َما ب َ ْ َني فَ ِ َ‬
‫‪58‬‬ ‫ِ‬
‫َو َل َما يَنْ َب ِغي َآ ْن ي َ ِق َف ِع ْندَ ُه ِمنْهُ‪ ،‬فَيَ ْن ُ َرث ُه ن ْ ََرث ادلَّ قَ ِل‪.‬‬
‫اَّلل قَا َل‪ُ :‬كنَّا َم َع النَّ ِ ِ ّيب َص َّىل‬‫و َع ْن ُج ْندُ ِب ْب ِن َع ْب ِد َّ ِ‬
‫اَّلل عَلَ ْي ِه َو َس َّ َمل‪َ ،‬و َ ْحن ُن ِف ْت َي ٌان َح َزا ِو َر ٌة‪ ،59‬فَتَ َعل َّ ْمنَا ْالمي َ َان‬
‫َّ ُ‬
‫ِ‬
‫‪58‬‬
‫أخرجه البيهقي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك وصححه‬
‫‪5٩‬‬
‫زور‪ ،‬وهو المراهق‪ ،‬والتاء لتأنيث الجمع‪.‬‬
‫وح َّ‬
‫هو جمع َحزَور َ‬

‫‪55‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫قَ ْب َل َآ ْن نَتَ َع َّ َمل الْ ُق ْرآ َن‪َّ ُ ،‬مث تَ َعل َّ ْمنَا الْ ُق ْرآ َن فَ ْاز َددْانَ ِب ِه‬
‫‪60‬‬
‫اميَاانً ‪.‬‬
‫ِ‬
‫كام آن للقراءة حقها من النطق السلمي والفهم‬
‫ادلقيق فان لها حقها من التطبيق الصحيح‪ ،‬الميان‬
‫احلقيقي ابلقرآن هو اذلي يس تويف لك هذه احلقوق‪،‬‬
‫امه ْال ِكتَ َ‬
‫اب ي َ ْتلُون َ ُه َح َّق ِت َال َو ِت ِه‬ ‫قال تعاىل‪ِ َّ { :‬اذل َين آتَيْنَ ُ ُ‬
‫ِ ‪61‬‬
‫ون ِبه}‬ ‫ُآولَ ِئ َك يُ ْؤ ِمنُ َ‬
‫قال جماهد رمحه هللا يف قوهل تعاىل‪{ :‬يتلونه حق‬

‫(الفائق في عريب الحديث واألثر‪)٩0/1 :‬‬


‫‪60‬‬
‫أخرجه ابن ماجه والبيهقي في الشعب والسنن الكبرى والطبراني‬
‫في الكبير وصححه األلباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫سورة البقرة‪121 :‬‬

‫‪56‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫‪62‬‬
‫تالوته} آي‪ :‬يعملون به حق معهل‪.‬‬
‫حفق تالوته آن يعمل به‪ ،‬وحق الخبار الصحيحة‬
‫آن تصدّ ق‪ ،‬وحق الرشاد احلكمي آن ينفّذ‪ ،‬وحق‬
‫الهداية الرابنية آن تتبع‪...‬‬
‫وهذه القراءة التطبيقية ليست اختيارية جيوز‬
‫التخيل عهنا‪ ،‬مفن محل هذا الكتاب ومل يؤد حقه من‬
‫العمل يلحقه ذكل اذلم القبيح‪ ...‬قال تعاىل‪َ { :‬مث َ ُل َّ ِاذل َين‬
‫ُ ِ ّمحلُوا التَّ ْو َرا َة ُ َّمث لَ ْم َ ْحي ِملُوهَا ََكَث َِل الْ ِح َم ِار َ ْحي ِم ُل آَ ْس َف ًارا‬
‫اَّلل َل هيَ ْ ِدي‬ ‫ِبئْ َس َمث َ ُل الْقَ ْو ِم َّ ِاذل َين كَ َّذبُوا بِأ َاي ِت َّ ِ‬
‫اَّلل َو َّ ُ‬

‫‪62‬‬
‫زاد المسير‪121/1 :‬‬

‫‪57‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫‪63‬‬
‫الْقَ ْو َم َّ‬
‫الظا ِل ِم َني }‬
‫قال المام اللويس‪" :‬ويف الية دليل عىل سوء‬
‫حال العامل اذلي ل يعمل بعلمه‪ ،‬وختصيص امحلار‬
‫‪64‬‬ ‫ابلتشبيه به لنه َ‬
‫اكلعمل يف اجلهل‪".‬‬
‫واذا اكن قبح التنصل عن العمل بكتاب هللا يؤدي‬
‫اىل ذكل التشبيه اخملزي‪ ،‬التشبيه ابمحلار‪ ،‬فهناك ما هو‬
‫آش نع من ذكل وهو لهث حامل الفرقان ابدلنيا واتباعه‬
‫خلطوات الش يطان‪ ،‬فينتكس وضعه وترتكس حاهل‪،‬‬
‫فهو ليس اكمحلار فقط ‪ ...‬بل مثل اللكب الالهث‬

‫‪63‬‬
‫سورة الجمعة‪5 :‬‬
‫‪6٤‬‬
‫روح المعاني‪3٩٩/20 :‬‬

‫‪58‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫املس تقذر! عياذ ًا ابهلل‪ ،..‬قال تعاىل‪َ { :‬واتْ ُل عَلَهيْ ِ ْم ن َ َبأَ‬


‫الش ْي َط ُان فَ َاك َن ِم َن‬ ‫َّ ِاذلي آتَيْنَا ُه آ َاي ِتنَا فَان ْ َسلَخَ ِمهنْ َا فَأَتْ َب َع ُه َّ‬
‫الْغَا ِو َين‪َ .‬ولَ ْو ِشئْنَا لَ َرفَ ْعنَا ُه هبِ َا َولَ ِكن َّ ُه آَخ َ َْدل ا َىل ْ َال ْر ِض‬
‫ِ‬
‫َوات َّ َب َع ه ََوا ُه فَ َمث ُ َُهل ََكَث َِل الْ َ ْلك ِب‪ ،‬ا ْن َ ْحت ِم ْل عَلَ ْي ِه يَلْه َْث َآ ْو‬
‫ِ‬
‫ت ْ َُرت ْك ُه يَلْه َْث؛ َذ ِ َكل َمث َ ُل الْقَ ْو ِم َّ ِاذل َين َك َّذبُوا بِأ َاي ِتنَا‬
‫‪65‬‬
‫فَا ْق ُص ِص الْقَ َص َص لَ َعلَّه ُْم يَتَ َفكَّ ُرون}‬
‫وذلكل قيل‪" :‬رب اتلٍ للقرآن والقرآن يلعنه"‪ ،‬ومن‬
‫الناس من يصدّ ق القرآن بأقواهل ويكذبه بأعامهل‪ ،‬حيمل‬
‫كتاب هللا يف آطراف لسانه ويرفضه بسائر آراكنه‪،‬‬
‫فظاهره مع القرآن وابطنه ضده‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫سورة األعراف‪176 - 175 :‬‬

‫‪59‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫فذلكل اكن لقارئ القرآن وحامل رايته آدابه اخلاصة‬


‫وسامته املمزية‪ ،‬فقد جاء عن عبد هللا بن مسعود ريض‬
‫هللا عنه قال‪ :‬ينبغي حلامل القرآن آن يُعرف بليهل اذ‬
‫الناس انمئون‪ ،‬وبهناره اذا الناس مفطرون‪ ،‬وحبزنه اذا‬
‫الناس يفرحون‪ ،‬ولباكئه اذا الناس يضحكون‪ ،‬وبصمته‬
‫اذا الناس خيوضون‪ ،‬وخبشوعه اذا الناس خيتالون‪،‬‬
‫وينبغي حلامل القرآن آن يكون ابكيا حمزوان حلامي حكامي‬
‫سكيتا‪ ،‬ول ينبغي حلامل القرآن آن يكون خصااب ول‬
‫‪66‬‬
‫صياحا ول حديدا‪.‬‬
‫رش الْ ُق َّرا ِء‬
‫و َع ْن ُح َذيْ َف َة ريض هللا عنه قَا َل‪َ :‬اي َم ْع َ َ‬

‫‪66‬‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (‪ 305/8‬رقم‪ )63 :‬والبيهقي‬
‫في الشعب (‪ 32٤/٤‬رقم‪)175٩ :‬‬

‫‪60‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫ا ْس َت ِقميُوا فَقَدْ َس َب ْق ُ ْمت َس ْبقًا ب َ ِعيدً ا‪ ،‬فَا ْن َآخ َْذ ُ ْمت ي َ ِمينًا‬
‫و ِِش ًال لَقَدْ ضَ لَلْ ُمت ضَ َال ًل ب ِعيدً ا‪ِ 67.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫وعن معر بن اخلطاب ريض هللا عنه آنه قال‪ :‬اي‬
‫معرش القراء‪ ،‬ارفعوا رؤوسُك‪ ،‬فقد وحض لُك الطريق‪،‬‬
‫‪68‬‬
‫فاستبقوا اخلريات‪ ،‬ل تكونوا عيال عىل الناس‪.‬‬
‫وعن احلسن بن عيل ريض هللا عنه قال‪ :‬ان من‬
‫اكن قبلُك رآوا القرآن رسائل من رهبم‪ ،‬فاكنوا يتدبروهنا‬
‫‪69‬‬
‫ابلليل ويتفقدوهنا يف الهنار‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ 250/22‬رقم‪)673٩ :‬‬
‫‪68‬‬
‫أخرجه البيهقي في الشعب (‪ 262/3‬رقم‪)1213 :‬‬
‫‪6٩‬‬
‫التبيان في آداب حملة القرآن‪ ،‬للنووي (‪)5٤/1‬‬

‫‪61‬‬
‫مراتب قراءة القرآن‬

‫وعن الفضيل بن عياض قال‪ :‬حامل القرآن حامل‬


‫راية السالم‪ ،‬ل ينبغي آن يلهو مع من يلهو‪ ،‬ول يسهو‬
‫مع من يسهو‪ ،‬ول يلغو مع من يلغو تعظامي حلق‬
‫‪70‬‬
‫القرآن‪.‬‬
‫وهللا ويل التوفيق‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪70‬‬
‫أخالق حملة القرآن لآلجري (‪ ٤1/1‬رقم‪)3٤ :‬‬

‫‪62‬‬
‫قائمة املراجع‬

‫‪ ‬القرآن الكرمي‬
‫‪ ‬احياء علوم ادلين‪ ،‬محمد بن محمد آبو حامد‬
‫الغزايل‬
‫‪ ‬آخالق محةل القرآن‪ ،‬الجري‬
‫‪ ‬آفال يتدبرون القرآن‪ ،‬آ‪.‬د‪ .‬طه جابر العلواين‪،‬‬
‫دار السالم‬
‫‪ ‬التبيان يف آداب محةل القرآن‪ ،‬حميي ادلين حيىي‬
‫بن رشف النووي‬
‫‪ ‬التعريفات‪ ،‬عبد القاهر اجلرجاين‬
‫اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن‪ ،‬آبو زيد‬ ‫‪‬‬
‫عبد الرمحن بن محمد بن خملوف الثعاليب‬
‫جامع الحاديث‪ ،‬جالل ادلين الس يوطي‬ ‫‪‬‬
‫جامع البيان يف تأويل آي القرآن‪ ،‬محمد بن‬ ‫‪‬‬
‫جرير الطربي‬
‫روح املعاين يف تفسري القرآن العظمي والس بع‬ ‫‪‬‬
‫املثاين‪ ،‬شهاب ادلين محمود بن عبد هللا‬
‫احلسيين اللويس‬
‫زاد املسري يف عمل التفسري‪ ،‬جامل ادلين آبو‬ ‫‪‬‬
‫الفرج عبد الرمحن بن عيل بن محمد اجلوزي‬
‫السلسةل الصحيحة‪ ،‬محمد انرص ادلين اللباين‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬سَن ابن ماجه‪ ،‬ابن ماجة آبو عبد هللا محمد‬
‫بن يزيد القزويين‬
‫‪ ‬سَن آيب داود‪ ،‬آبو داود سلامين بن الشعث‬
‫بن احساق بن بشري بن شداد ا ِّلسجِ ْس تاين‬
‫‪ ‬السَن الكربى‪ ،‬آمحد بن احلسني بن عيل بن‬
‫مو ى آبو بكر البهيقي‬
‫‪ ‬سَن النسايئ‪ ،‬آبو عبد الرمحن آمحد بن‬
‫شعيب بن عيل اخلراساين‪ ،‬النسايئ‬
‫‪ ‬رشح النووي عىل حصيح مسمل‪ ،‬حميي ادلين‬
‫حيىي بن رشف النووي‬
‫‪ ‬شعب الميان‪ ،‬آمحد بن احلسني بن عيل بن‬
‫مو ى آبو بكر البهيقي‬
‫‪ ‬حصيح ابن حبان‪ ،‬محمد بن حبان بن آمحد بن‬
‫حبان‪ ،‬المتميي‪ ،‬آبو حامت‪ ،‬ادلاريم‪ ،‬البُس يت‬
‫‪ ‬حصيح ابن خزمية‪ ،‬آبو بكر محمد بن احساق بن‬
‫خزمية السلمي النيسابوري‬
‫‪ ‬حصيح البخاري‪ ،‬محمد بن اسامعيل آبو عبدهللا‬
‫البخاري اجلعفي‬
‫‪ ‬حصيح الرتغيب والرتهيب‪ ،‬محمد انرص ادلين‬
‫اللباين‬
‫‪ ‬حصيح سَن آيب داود‪ ،‬محمد انرص ادلين‬
‫اللباين‬
‫‪ ‬حصيح مسمل‪ ،‬مسمل بن احلجاج آبو احلسن‬
‫القشريي النيسابوري‬
‫‪ ‬حصيح وضعيف سَن ابن ماجه‪ ،‬محمد انرص‬
‫ادلين اللباين‬
‫‪ ‬الفائق يف عريب احلديث والثر‪ ،‬جار هللا‬
‫محمود بن معر بن محمد اخلوارزيم الزخمرشي‬
‫‪ ‬فضائل القرآن‪ ،‬آبو عبيد القاْس بن سالم‬
‫‪ ‬كزن العاملفي سَن القوال والفعال‪ ،‬عالء‬
‫ادلين عيل بن حسام ادلين ابن قايض خان‬
‫القادري الشهري ابملتقي الهندي‬
‫‪ ‬لسان العرب‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور‬
‫الفريقي املِصي‬
‫‪ ‬املس تدرك عىل الصحيحني‪ ،‬بو عبد هللا احلامك‬
‫محمد بن عبد هللا بن محمد بن محدويه بن ن ُعمي‬
‫بن احلُك الضيب الطهامين النيسابوري‬
‫‪ ‬مس ند المام آمحد‪ ،‬آبو عبد هللا آمحد بن محمد‬
‫بن حنبل بن هالل بن آسد الشيباين‬
‫‪ ‬مصنف ابن آيب شيبة‪ ،‬بو بكر بن آيب شيبة‪،‬‬
‫عبد هللا بن محمد بن ابراهمي بن عامثن بن‬
‫خواس يت العبيس‬
‫‪ ‬مصنف عبد الرزاق‪ ،‬بو بكر عبد الرزاق بن‬
‫هامم بن انفع امحلريي الاميين الصنعاين‬
‫‪ ‬مقاييس اللغة‪ ،‬آيب احلسني آمحد بن ِ‬
‫فارس بن‬
‫ز َك ِر ّاي‬
‫املؤلف يف سطور‬

‫ودل فهمي اسالم جيوانتو مبدينة كيديري‬


‫الندونيس ية‪ ،‬يف ‪ 16‬رمضان ‪ 1939‬هـ املوافق لـ‪12‬‬
‫آكتوبر ‪1973‬م ‪.‬‬
‫حصل عىل بلكوريوس الرشيعة س نة ‪1998‬م من‬
‫اجلامعة السالمية ابملدينة املنورة‪.‬‬
‫وانل اجازة املش يخة وشهادة املاجس تري س نة‬
‫‪2004‬م من جامعة الميان بصنعاء بتقدير "ممتاز"‬
‫واكن عنوان رسالته "استرشاف املس تقبل يف القرآن‬
‫والس نة‪".‬‬
‫وانل درجة ادلكتوراة س نة ‪2013‬م من جامعة‬
‫س يدي محمد بن عبد هللا مبدينة فاس ابملغرب بتقدير‬
‫"مرشف جدا" برساةل عنواهنا‪" :‬مقاصد الرشيعة‬ ‫ِّ‬
‫ودروها يف صياغة املس تقبل‪".‬‬
‫معل آس تاذا يف قسم ادلراسات العليا جبامعة‬
‫الشافعية السالمية ابندونس يا‪ ،‬ومدرسا يف عدة معاهد‬
‫ومهنا معهد العلوم السالمية والعربية جباكرات وهو فرع‬
‫جلامعة المام محمد بن سعود السالمية‪ ،‬مث معل‬
‫آس تاذا مساعدا جبامعة المام محمد بن سعود ابلرايض‪،‬‬
‫وعني عضوا يف جلنة البحوث مبجلس علامء اندونيس يا‪،‬‬
‫وعضوا يف جلنة التعلمي برابطة ادلعاة الندونيس يني‪.‬‬
‫آسس بعض املؤسسات ادلعوية َكؤسسة منتدى آهل‬
‫القرآن‪ ،‬ومؤسسة رعاية مسلمي اندونيس يا‬
‫(‪.)Indonesia Muslim Care‬‬
‫من مؤلفاته‪:‬‬

‫‪ ‬مقاصد الرشيعة ودورها يف صياغة املس تقبل‬


‫(رساةل دكتوراة)‬
‫‪ ‬استرشاف املس تقبل يف القرآن والس نة (رساةل‬
‫املاجس تري)‬
‫‪ ‬مس تقبل المة بني اخلري والرش‬
‫‪ ‬من ويح سورة الكهف‪ :‬آرسار املس تقبل يف‬
‫خبااي املايض‬
‫‪ ‬مراتب قراءة القرآن‬
‫الفهرس‬

‫كلمة الناشر ‪ ....................................‬أ‬


‫تقدمي د‪ .‬عبد السالم بالجي ‪ .....................‬د‬
‫مراتب قراءة القرآن‪1 ..............................‬‬
‫املرتبة األوىل‪ :‬قراءة تلفُّظ ‪5 .............................‬‬
‫تفهم ‪10............................‬‬
‫املرتبة الثانية‪ :‬قراءة ُّ‬
‫املرتبة الثالثة‪ :‬قراءة تدبر ‪22.............................‬‬
‫املرتبة الرابعة‪ :‬قراءة تفكر ‪39............................‬‬
‫املرتبة اخلامسة‪ :‬قراءة ختشُّع ‪47.........................‬‬
‫املرتبة السادسة‪ :‬قراءة تنفيذ ‪53.........................‬‬

You might also like