Professional Documents
Culture Documents
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على سيدنا حممد أفضل األنبياء واملرسلني ،وعلى آله وصحبه ومن
فلما اطلعت على بعض الكتب ،خطر ببايل أن أكتب مالحظات تدور على بعض ما أثري فيها ،وأحببت
أن أطلع اإلخوة القراء املهتمني على ذلك ألمهية املوضوع وخطورته.
وقد جردت الكالم من األمساء لدفع أسباب احلساسية املفرطة اليت يتصف هبا بعض اخلائضني يف هذه
املعاني ،ومبادرهتم إىل االهتام بالقدح والطعن يف األكابر واألولياء ،مع أن مقتضى احلال يوجب عليهم التأني
1
أوال ً :قدم العامل :
كيف ميكن أن يقول بقدم العامل من يقول :ال وجود إال للحق املعبود ،فإن من ينفي وجود غري اهلل تعاىل ال
ميكن أن يثبت قدم العامل باملعنى الذي نفهمه من القدم ،فإن قدم العامل يف عرفنا معناه ( :أن يكون العامل
موجوداً بوجود غري وجود اهلل تعاىل ،وأن يكون ال بداية له ) .
فالعامل الذي نراه –إذن -ما هو إال مظاهر –هي يف حقيقتها نسبٌ -تتجلى هبا الذات الذي ثبت له الوجود
األزيل ،بل هي حمض الوجود املطلق غري املقيد .فإذا كان العامل كذلك ،فال أكثر من أن يقال :إن واجب
الوجود مل يزل يتجلى مبظاهر العامل وصوره ،أو بأحكامه ،إما بعلمه أو بذاته ،حبيث تكون هذه املظاهر عني
النسبة ،ال بأن تكون شيئاً منسوباً إىل الذات ،إذ ال ذات إال ذات احلق ،وال ذات للعامل ،بل ميكن أن يقال :إنّ
وعليه يقال أيضاً :أعيان املمكنات ثابتة يف علم الواجب ،أزال ،وال تزال أبداً ،وال يعطيها الواجب إال نسبة
إىل الوجود ،أي ال يعطيها إال الصفة ال حقيقة الوجود ،إذ الوجود غري جمعول الحنصاره فيه ،والنسبة ال تقوم
إال مبنسوب إليه ،وال بد أن يكون قائما بذاته وإال بطل الكلّ ،وال قائم بذاته إال الذات الواجب الوجود.
2
واهلل تعاىل عامل باملوجودات احلادثة بعلمه األزيل عند أهل احلقّ ،فلها متيز حبسب علم اهلل تعاىل هبا ،وعندما
نقول إن اهلل تعاىل عامل هبا ،أي مييزها حبسب ما ستكون عليه ،وختصيص هذه املكوَّنات بإرادته جل وعزَّ ال
بسبق إجياب وال ثبوت ،ويدركها كذلك ،وإجياد هذه املخلوقات عند أهل احلقِّ ال يكون بإجيادها يف العلم،
فالعلم أزيل ليس حمل ختصيص وجعل ،بل بأن يوجدها يف نفس األمر ،وهو املعرب عنه باخلارج ،ال بأن تكون
ثابتة يف علم العالم فقط ،والقائل بذلك يُكَثِّرُ الوجود ،ويقسِّمُه إىل واجب وممكن ،وذات الواجب وحقيقته
غري ذات املمكن وحقيقته ،ال يشرتكان إال يف بعض األحكام االعتبارية اليت ال تستلزم التشريك بني احلقائق وال
تغريها عند ذوي التحقيق ،فال تنسب لشيء منها ما ليس له ،فشتان ما بينهما شتان.
وهل يصح أن يقال :إن للموجودات قدماً حبسب علم اهلل تعاىل؟
إن الذي أراه أصحَّ يف التعبري والنظر أن يقال :إنّ اهلل تعاىل عامل هبا أزالً ،أما هي يف نفسها فال قيام هلا يف
علم اهلل تعاىل حتى ينسب إليها القدم حبسب هذا االعتبار ،بل الثابت علم اهلل تعاىل هبا ،فالقديم هو العلم
ال املوجود الذي يقال عليه معلوم .ولو كان كما يفرض؛ لكان للمُحال أيضا قد ٌم يف علم اهلل تعاىل ،ولكان كل
شيء مستوياً مع غريه هبذا االعتبار ،فال فرق بني شيء وآخر حبسبه.
وفرقٌ بني املعلومية الثابتة للموجودات وبينها نفسها ،فال يقال :إذا كانت املعلوميةُ ثابتةً أزالً ،أنَّ املوجودية ثابتة
أزالً ،فالعلم يتعلق باملوجود واملعدوم ،واملمكن واحملال فضالً عن الواجب الذي ال يزال ،وال يشرتط لعلم اهلل
3
تعاىل وجود املعلوم ،فال يلزم حدوث علمه ؛ حلدوث وجود معلومه أو موجوديته ،كما يزعم!
ومن ظنّ أن علم اخللق ال يكون إال تابعاً للمعلوم مبعنى أنه ال يكون إال تابعاً لوجود املعلوم يف رتبة ما ،أما علم
اهلل تعاىل فال يكون إال مساوياً للمعلوم ،فقد أبعد ،ووقع يف اإلشكال! فإن بعض معلومات املخلوقات تكون
حمالة ،وبعضها غري ثابتة يف الوجود أصال ،فاملخلوق قد يعلم بعض ما مل حيصل بعد باالستدالل عليه ببعض
مقدماته اليت حصلت ،فالفارق بني علم اهلل تعاىل وبني علم املخلوق ليس يف التبعية إذن ،وال يف املساواة ،كما
يزعم ،بل إن علم اهلل تعاىل أزيل قديم ال أول له كما قرره أهل احلق ،وعلم املخلوقات حادث يكون بالضرورة
أو بأسباب ووسائل ،خبالف علم احلق تعاىل ،فإهنما خيتلفان يف احلقيقة كاختالف واجب الوجود عن ممكنه
مع اشرتاكهما يف وصف املوجودية وثبوت الوجود ،أما التبعية واملساواة ففيها نظر وأي نظر.
ومن أين يلزم كفر من يقول :إن علم اهلل تعاىل تابع للمعلوم ،مبعنى أنه تابع حلقيقة املعلوم املنكشفة هلل تعاىل
أزالً ،ال تابع لوجوده ،حتى يلزم احلدث والتغري احملاالن على الواجب ،أي يكشف عنها حبسب ما هي يف
نفسها ،ألنه لو كان غري ذلك لكان جهال .فمن توهم كفر القائل بذلك فقد جهل مقصده أو حرَّفه عن
موضعه.
ثم كيف يُتوهم أنَّ القائل بأن اهلل تعاىل عامل جبميع املعلومات ،وأنَّ علمه تعاىل قبل املعلومات ،يلزمه تقدم ذاته
على املعلومات! حتى يشنَّع عليه بأن يقال :بأنه قليل األدب! وهال تأنى من اندفع وراء ومهه فشنع على
4
غريه إىل أن يفهم قوهلم على حقيقته ،ويعلم أن املراد باملعلومات أي :ما تعلق علم اهلل تعاىل هبا وكشف
عنها ،وليس هي عندهم عني العلوم القائمة بعلم اهلل تعاىل ،أو اليت يسميها باألعيان الثابتة من الصور
والتجليات العلمية ،فهي عندهم :كون اهلل تعاىل عاملا أزالً ،أو عني التعلق واالنكشاف هلل تعاىل ،فهي التعلق
وكيف يقال ( :إنَّ من أطلق القبلَ والبعد على اهلل تعاىل فهو قليل أدب مع اهلل تعاىل) ! وقد ورد يف
أحاديث النيب عليه أفضل الصالة والسالم ( :كان اهلل قبل كل شيء ) ( ، )1وورد يف الصحاح ( كان اهلل ومل
يكن شيء غريه ) ( ، )2مع أنه يكفي {هُو الْأَوَّلُ والْآخرُ} [احلديد ،]3:وقد وردتْ نصوص كثرية تفيد
هذا املعنى اجلليل ،فهل يصحُّ عند صاحب ذوق إطالق قلة األدب على العموم هكذا حبيث تشمل ما ورد
عن صاحب الشريعة! وإن زعم أن ذلك يُدخل احلق تعاىل حتت حكم الزمان فيكون ظرفاً له تعاىل ،فهو
واهم منساق وراء غفلته ،وهيهات أن يكون ذلك نتيجة الكشف املبني.
ولو عدنا إىل من قال إن الوجود واحد ،لعرفنا أنه يفسر العامل املشاهد بأنه جتليات ونسب إىل ذلك الوجود،
قد يعرب عنها باألحكام أو بغري ذلك مما ال يدل على ذوات قائمة يف أنفسها بإقامة اهلل تعاىل هلا ،إذ إنه قد
- 1أحمد بن حنبل – المسند :مسند البصريين ،حديث عمران بن حصين ،ص . 108/33نشر مؤسسة الرسالة ،ط 2001 ، 1بتحقيق شعيب اآلرنؤوط .وقد صحح المحقق
الحديث .
- 2البخاري – الصحيح :كتاب بدء الخلق ،باب ما جاء في قول هللا تعالى{ :وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} ،رقم .3191 :
5
يعدُّ ذلك كفراً وشركاً ،ألن التوحيد احلق عنده :توحيد الوجود احلق الثابت يف نفس األمر ،ال توحيد
الشهود مع اعتقاد التغاير بني الوجود احلادث والقديم كما يقرره أهل احلق .فخَلْقُ اهلل تعاىل عندهم معناه أنه
يوجد أمراً مل يكن موجوداً ،وذلك حبسب علمه األزيل الذي ال يتغري ،وليس معناه أنه يوجد املعدوم بأن مينحه
ثم إن هذه التجليات املنسوبة للوجود األحد املطلق إما أن تكون أزلية الشخص ،أو النوع ،فال قائل من أهل
اإلسالم بأزلية شخص بعض التجليات وسواء مسوها جتليات أو خملوقات أو موجودات خارجية ،فقد اتفق
أهل اإلسالم على عدم أزلية شخص املخلوق ،فلزم إذن القول إما بتجرد الذات أزال ،وعدم جتليها بأحكام
املمكنات أبداً ،أو أهنا مل تزل متجلية بأحكامها ظاهرة هبذه املظاهر ألجل الكرم واللطف والرمحة ! وهو
ومنْ مل يفرق بني قول الفالسفة بأزلية العامل أو مادته لكون الواجب عندهم علة له ،وبني قول األشاعرة إن علم
اهلل تعاىل أزيل ،وما علمه اهلل تعاىل ال بد أنه يوجد كما يعلم ،فقد أغفل الفارق األهمّ بني الفريقني أو تغافل
عنه ،وهو أن اإلجياب يف الثانية باالختيار وباألوىل ال بعلم وال اختيار بل بالعلة.
ولذلك فإن األشاعرة يصرحون بأن اهلل تعاىل لو مل يُرِد إجياد العامل من األصل لكان ذلك مقدوراً ،وأما
املتفلسفة ومن تبعهم فيقولون –لنفيهم االختيار : -إن وجود العامل ال بدَّ حاصل ،وإنه ال تعلق بقدرة اإلله
6
واختياره –على فرض إثباهتم إياها -به ،فسبحان اهلل تعاىل! كيف مل يفرق من مل يفرق بني القولني فجمع بني
الفريقني ،ومل يكشف له عن هذا الفرق اجللي الواضح وكان ينبغي أن ينكشف له بال كسب ونظرٍ أصال ً!
ثم إنّ العلم ليس هو عند أهل احلق علةَ اإلجياب وال علة اإلجياد ،بل العلم شرط اإلجياد ،والعلة -إن أطلقوا
العلية عليها -إمنا هو التعلق التنجيزي للقدرة ال جمرد العلم األزيل حتى يقال ال فرق بني املتفلسفة واألشاعرة
إذ يلزمهما كليهما القولُ بقدم العامل حبجة أنَّ العلة ال تتقدم على معلوهلا إال بالرتبة!
وال يُسْتَغْربُ أن يبين بعضُهم على موجودية املمكنات يف العلم القديم باملعنى الذي أشرنا إىل رده حقيقةَ توجه
خطاب (كن) إليه ،فلذلك خيْرُجُ -عند القائل بذلك -بأن يظهر ال بأن يوجد ،وذلك بعد أن كان ثابتاً يف العلم
ولذلك توجه اخلطاب إليه ،ولو مل يكن ثابتا يف العلم ملا صح توجيه ذلك اخلطاب حقيقة! وال خيفى أن هذا
من الكالم الضعيف الركيك ،فإنَّ أهل السنة صرحوا بأن املراد من اآلية التمثيل والكناية عن عدم ختلف
املقدور عند إرادة خلقه وإجياده ،وأن اإلجياد يكون بالقدرة ال بنفس الكالم األزيل .وضعَّفوا قول من مال إىل
حنو ذلك وإن كان منقوالً عن األعالم فضال عن املشايخ العظام ،وال عربة بالكشف املخالف للدليل الظاهر.
فإنْ توهَّم متوهِّمٌ حجيَّتَه – إن سُلِّم -فإمنا للقائل به املنكشف له ،ثم ال جيوز تقليده لغريه ،وال جيوز
لصاحبه خمالفة ظاهر الشريعة به ؛ ألن االعتماد إمنا هو على األدلة الشرعية وعلى أدلة أهل احلق وعقائدهم
7
الراسخة املوضحة يف كتب التوحيد .وغاية ما يقال يف حنو هذا الكشف أن صاحبه سكران والسكران –
املضطرّ إىل سكره -يُرفع عنه إثمُ ما يفعله يف سكره أو لسكره ،وال يرفع عنه األحكام الوضعية تعويضاً عما
كسره أو أتلفه وحنو ذلك ،ويطالب أصحابه بأن ال يشجعوه على ما يفعل ،ويؤمرون بأنْ ال يوافقوه فيما فعله يف
سكره وهم غري سكارى مثله ،ومل يضطروا إىل ما اضطر إليه ،ويُمْنعون من أن يوافقوه على ما يصدر عنه مما
خيالف أحكام الشريعة الظاهرة ،فإن االجتهاد الذي يسوغ التقليد ويرفع إمثه عن املقلد ،هو االجتهاد الظاهر
من اجملتهد املعترب بالنظر املرسوم قواعده يف الشريعة ،ال بالكشف الباطن فهو ليس حبجة عند أهل احلقّ.
ولو كان نزاعهم مع غريهم يف معذريته لوفَّوا ووصلوا إىل القصد املباح ،ولكن أنْ يُلزموا الناس باتباعه أو عدم
8
ثانياً :احللول واالحتاد :
كيف ميكن أن يقول صاحب القول بأن ( ال وجود إال للواجب ،وما سواه مظاهر وجتليات له ) باالحتاد
فال فائدة بعد ذلك يف تنزيه من قال بالوحدة عن القول باالحتاد واحللول الستحالة قوله هبما ،فاألمر ليس يف
هذين ،بل فيما يصرح به مما يعزوه بعضهم إىل السكر والوجد أو الدسّ أو عدم الفهم والوهم حبجة الوالية
والعبادة اليت وصل يف مراتب العبودية فيها إىل درجة مل يتفوق عليه أحد من أهل عصره وإن كان وصل إليها
والنزاع ليس يف عبوديته وال يف عبادته وال يف صدقه وال مهته وال غري ذلك مما يقال يف هذا الباب ويدرج
إدراجاً ال فائدة منه يف فصل اخلطاب ،فإن العاقل ال ينازع الناس مراتبهم عند اهلل تعاىل ،إال أنه قد تقرر أنَّ
الوالية ال تستلزم عدم اخلطأ وال العصمةَ ألن ذلك كله مضمون لألنبياء فقط ،وأما احلفظ فهو مع حفظ اهلل
تعاىل ،وهو يف حفظ ظاهر الشريعة وما قرره أهل احلق من علماء األمة ،الذين يسمهم الوامسون بالظاهرية
9
وقد نصَّ أكابر الصوفية وخصوصاً السادة النقشبندية منهم على أن :الكشف ميكن أن خيالطه الوهم أو
غريه فيكون مثار اخلطأ وخباصة إذا كان غري موافق يف ظاهره ملا قرره أكابر أهل السنة من عقائد باألدلة
واهلل املوفق وعليه التكالن واحلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على خري من أرسله رمحة للخلق أمجعني.
سعيد فودة
10
وعلّق الشيخ جالل اجلهاني – حفظه اهلل : -
سيدي هل لكم أن تعلقوا على قبول بعض العلماء لتقسيم الوجود إىل وجود خارجي ،ووجود ذهين ،ووجود
األخ الفاضل الشيخ املفيد جالل وفقه اهلل تعاىل ونفعنا به،
قال اإلمام التفتازاني رمحه اهلل تعاىل ( :ثم الوجود ينقسم إىل العيين والذهينّ حقيقة ،وإىل اللفظي واخلطي
جمازاً ،إذ ليس يف اللفظ واخلط من اإلنسان الشخص واملاهية كما يف اخلارج والذهن بل املوجود االسم
وصورته ) (.)3
فمعنى كون الوجود اخلارجي أنه حقيقي واضح ،ومعنى كون الوجود الذهين حقيقيّ إما حبسب الدعوى
عند من يثبته ،أو على أساس أن الوجود الذهين عني العلم ،والعلم ثابت حقيقة.
املدلول عليها هبما ليس واقعاً يف اخلارج ،فلو تلفظنا بلفظ "القلم" ملا قامت ماهية القلم بعني اللفظ ،بل القائم
هو عني اللفظ املركب من احلروف .وكذلك إذا كتبنا صورة كلمة "قلم" على ورقة ،فاملوجود على الورقة
ليس هو عني القلم ،بل هو فيهما أمر دال على معنى القلم الثابت يف الذهن أو يف علم العالم.
والثابت يف الذهن :هو معنى دالٌّ على املاهية اخلارجية أو املتومهة ،ال عني املاهية كما يزعم بعضهم.
" ومن ظنّ أن علم اخللق ال يكون إال تابعاً للمعلوم مبعنى أنه ال يكون إال تابعاً لوجود املعلوم يف رتبة ما ،أما
علم اهلل تعاىل فال يكون إال مساوياً للمعلوم ،فقد أبعد ،ووقع يف اإلشكال "
كون علم اهلل مساوياً لوجود املعلوم مبعنى أن التعلق التنجيزي للعلم حادث ظاهر البطالن على مذهب أهل
12
والظاهر أيضا من مذهب القائلني بوحدة الوجود-وخصوصا الشيخ ابن عربي -أهنم ال يقولون بأن علم
الباري مساوٍ لوجود املعلوم يف اخلارج ،خالفا ملا فهمته من العبارة السابقة؛ إذ حاصلها أن الفرق بني علم
اخللق واخلالق هو كون األول تابع لوجود املعلوم يف اخلارج وكون الثاني مساوٍ لوجود املعلوم يف اخلارج.
فإن قيل :إن املراد من وجود املعلوم ليس وجوده يف اخلارج ،وإمنا وجوده يف مرتبة من الوجود-وهي الوجود
الذهين عند من يثبته حقيقة -سابقة على مرتبة الوجود اخلارجي .
فيقال حينها :وهل علم اخللق تابع لوجود املعلوم يف هذه املرتبة أيضا ،هذا حمال عقال ،وال أحد يقول به.
فيكون املراد من العبارة هو أن الشيخ ابن عربي ومن معه يفرقون بني علم اخللق واخلالق بأن األول تابع لوجود
املعلوم يف اخلارج ،وأن الثاني مساوٍ لوجود املعلوم يف مرتبة الوجود الذهين األزلية.
والسؤال هنا :هل ما قلتُه يف الفقرة األخرية هو مذهب الشيخ ابن عربي ومن تابعه ؟
وملاذا يا سيدي مل تقولوا أن علم اخللق عنده "تابع لوجود املعلوم يف اخلارج" ،وقلتم إن علم اخللق عنده "تابع
لوجود املعلوم يف مرتبة ما" ،فهل هي عني املرتبة أم غريها ،إن غريها فما هي؟
وبعد ذلك هل تفريق الشيخ ابن عربي كان لعلم اخلالق واملخلوق يف نفس املرتبة ،أم يف مرتبتني؟
13
إن كان يف مرتبتني خمتلفتني فهذا فارق كافٍ بني العلْمني ،فيقال حينها :إن الفرق بني علم اخلالق واملخلوق هو
أن علم اخلالق يكون للمعلوم كعني ثابتة أزال يف ما يسمى بالوجود الذهين ،وأما علم اخللق فيكون للمعلوم بعد
وجوده يف اخلارج ،وينبين على هذا كون العلم األول أزيل مساوٍ والعلم الثاني حادث تابع ،فيجب أن يكون
الفارق احلقيقي عنده هو اختالف مرتبيت املعلوم عند اخللق واخلالق ال ما َذكَر ،فما ذكره يكون حينها مثرة
فلو تفضلتم علينا يا سيدي باإلجابة ،فهي ستحل عندي-إن شاء اهلل -بعض اإلشكاالت يف مذهب الشيخ
العلم اإلهلي تابع لثبوت األعيان الثابتة يف نفس األمر ،فهو كاشف عنها أزال ،وتتعلق بعد ذلك قدرته بكل عني
من األعيان فتظهرها على حسب أحواله بعني الوجود اإلهلي ،ليكون الوجود اإلهلي مظهرا هلا ،فتكون من
جتلياته الوجود اإلهلي ،فهو الظاهر يف املظاهر ،واملظاهر هي أحكام األعيان وأحواهلا الثابتة أزال.
14
واملشهور من مذهب ابن عربي أن األعيان الثابتة غري متوقفة يف ثبوهتا على قدرة اهلل تعاىل وال إرادته،
ولكين رأيت يف كالم بعض املشايخ خالف ذلك حيث يفهم منه دعواه أن نفس األعيان الثابتة عند الشيخ ابن
15