You are on page 1of 4

‫فضائل ولطائف سورة الفاحتة‬

‫أوال‪ :‬فضائل سورة الفاتحة‪:‬‬


‫عن أبي سعيد بن المعلى‪ ،‬قال‪ :‬كنت أصلي يف المسجد‪ ،‬فدعاين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فلم أجبه‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫إين كنت أصلي‪ ،‬فقال‪ " :‬ألم يقل اهلل‪{ :‬استجيبوا هلل وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [األنفال‪ .]42 :‬ثم قال لي‪« :‬ألعلمنك‬
‫سورة هي أعظم السور يف القرآن‪ ،‬قبل أن تخرج من المسجد»‪ .‬ثم أخذ بيدي‪ ،‬فلما أراد أن يخرج‪ ،‬قلت له‪« :‬ألم تقل ألعلمنك‬
‫سورة هي أعظم سورة يف القرآن»‪ ،‬قال‪{ :‬الحمد هلل رب العالمين} [الفاتحة‪« ]4 :‬هي السبع المثاين‪ ،‬والقرآن العظيم الذي‬
‫أوتيته»‪ .‬صحيح البخاري (‪)71 /6‬‬

‫عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬بينما جربيل قاعد عند النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬سمع نقيضا من فوقه‪ ،‬فرفع رأسه‪ ،‬فقال‪ " :‬هذا باب من‬
‫السماء فتح اليوم لم يفتح قط إال اليوم‪ ،‬فنزل منه ملك‪ ،‬فقال‪ :‬هذا ملك نزل إلى األرض لم ينزل قط إال اليوم‪ ،‬فسلم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤهتما نبي قبلك‪ :‬فاتحة الكتاب‪ ،‬وخواتيم سورة البقرة‪ ،‬لن تقرأ بحرف منهما إال أعطيته"‪ .‬صحيح‬
‫مسلم (‪)552 /7‬‬

‫عن أبي سعيد رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬انطلق نفر من أصحاب النبي صلى اهلل عليه وسلم يف سفرة سافروها‪ ،‬حتى نزلوا على حي‬
‫من أحياء العرب‪ ،‬فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم‪ ،‬فلدغ سيد ذلك الحي‪ ،‬فسعوا له بكل شيء ال ينفعه شيء‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬لو‬
‫أتيتم هؤالء الرهط الذين نزلوا‪ ،‬لعله أن يكون عند بعضهم شيء‪ ،‬فأتوهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ‪ ،‬وسعينا له بكل‬
‫شيء ال ينفعه‪ ،‬فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم‪ :‬نعم‪ ،‬واهلل إين ألرقي‪ ،‬ولكن واهلل لقد استضفناكم فلم تضيفونا‪ ،‬فما‬
‫أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعال‪ ،‬فصالحوهم على قطيع من الغنم‪ ،‬فانطلق يتفل عليه‪ ،‬ويقرأ‪ :‬الحمد هلل رب العالمين فكأنما‬
‫نشط من عقال‪ ،‬فانطلق يمشي وما به قلبة‪ ،‬قال‪ :‬فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬اقسموا‪ ،‬فقال الذي‬
‫رقى‪ :‬ال تفعلوا حتى نأيت النبي صلى اهلل عليه وسلم فنذكر له الذي كان‪ ،‬فننظر ما يأمرنا‪ ،‬فقدموا على رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم فذكروا له‪ ،‬فقال‪« :‬وما يدريك أهنا رقية»‪ ،‬ثم قال‪« :‬قد أصبتم‪ ،‬اقسموا‪ ،‬واضربوا لي معكم سهما» ويف لفظ‪ :‬فضحك‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ .‬صحيح البخاري (‪ )24 /3‬ومسلم‪.‬‬

‫يف الحديث الصحيح أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬وقرأ عليه أبي أم القرآن‪،‬‬
‫فقال‪« :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ما أنزل يف التوراة‪ ،‬وال يف اإلنجيل‪ ،‬وال يف الزبور‪ ،‬وال يف الفرقان مثلها‪ ،‬إهنا السبع المثاين‪ ،‬والقرآن‬
‫العظيم الذي أعطيت»‪ .‬أخرجه الرتمذي (‪ )5/5‬وأحمد (‪.)373 /72‬‬

‫‪1‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬لطائف سورة الفاتحة‪:‬‬
‫ولهذا قال من قال من السلف‪ :‬إن اهلل جمع الكتب المنزلة يف القرآن وجمع علم القرآن يف المفصل وجمع علم المفصل يف‬
‫فاتحة الكتاب وجمع علم فاتحة الكتاب يف قوله إياك نعبد وإياك نستعين‪ .‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)71/73‬‬

‫وقال ابن تيمية‪ :‬الحمد هلل أحق ما قاله العباد؛ ولهذا أوجب قوله يف كل صالة‪ ،‬وأن تفتتح به الفاتحة‪ ،‬وأوجب قوله يف كل‬
‫خطبة‪ ،‬وىف كل أمر ذي بال‪ .‬والحمد ضد الذم‪ ،‬والحمد يكون على محاسن المحمود‪ ،‬مع المحبة له‪ ،‬كما أن الذم يكون على‬
‫مساويه‪ ،‬مع البغض له‪ .‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)374/72‬‬

‫وقال‪ :‬فهم يفتحون القيام يف الصالة بالتحميد‪ ،‬ويختموهنا بالتحميد‪ ،‬وإذا رفعوا رءوسهم من الركوع يقول‪ :‬إمامهم سمع اهلل‬
‫لمن حمده‪ ،‬ويقولون‪ :‬جميعا ربنا ولك الحمد‪ ،‬ويختمون صالهتم بتحميد‪ ،‬بجعل التحيات له والصلوات والطيبات‪ .‬وأنواع‬
‫تحميدهم هلل مما يطول وصفه‪ .‬الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح البن تيمية (‪)417 /5‬‬

‫ين}‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اك َن ْع ُبدُ َوإِ َّي َ‬


‫وقال ابن تيمية‪ :‬تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته ثم رأيته يف الفاتحة يف‪{ :‬إِ َّي َ‬
‫اك َن ْستَع ُ‬
‫ين} تدفع الكربياء‪ .‬المستدرك على مجموع الفتاوى (‪)715 /7‬‬ ‫ِ‬ ‫اك َن ْع ُبدُ } تدفع الرياء‪ ،‬و {إِ َّي َ‬
‫وقال‪{ :‬إِ َّي َ‬
‫اك ن َْستَع ُ‬

‫وقال ابن تيمية‪ :‬ولهذا كان أنفع الدعاء‪ ،‬وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة‪{ :‬اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم‬
‫غير المغضوب عليهم وال الضالين} ‪ ،‬فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته‪ ،‬فلم يصبه شر‪ ،‬ال يف الدنيا وال‬
‫يف اآلخرة‪.‬‬
‫لكن الذنوب هي من لوازم نفس اإلنسان‪ ،‬وهو محتاج إلى الهدى يف كل لحظة‪ ،‬وهو إلى الهدى أحوج منه إلى األكل‬
‫والشرب‪ .‬ليس كما يقوله طائفة من المفسرين‪ :‬إنه قد هداه‪ ،‬فلماذا يسأل الهدى؟ وأن المراد بسؤال الهدى‪ :‬الثبات‪ ،‬أو مزيد‬
‫الهداية‪ .‬مجموع الفتاوى البن تيمية (‪.)343/72‬‬

‫وقال ابن تيمية‪ :‬كل مخلوق فهو محتاج إلى اهلل مفتقر إليه‪ ،‬والحاجة والفقر للمخلوق وصف الزم‪ ،‬ال يفارقه ال يف الدنيا وال يف‬
‫اآلخرة‪ ،‬بل العبد محتاج إلى اهلل من جهة ألوهيته ومن جهة ربوبيته‪ ،‬فهو محتاج إلى أن يعبد اهلل ال يعبد غيره‪ ،‬ومحتاج إلى أن‬
‫أعرض عن العبادة َخ ِس َر‬
‫َ‬ ‫غيره أو‬
‫ين)‪ ،‬فإن لم يعبده بل عبدَ َ‬
‫ِ‬
‫اك ن َْستَع ُ‬ ‫يستعيِن باهلل ال يستعين بغيره‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬إِ َّي َ‬
‫اك َن ْعبدُ َوإِ َّي َ‬
‫الدنيا واآلخرة‪ .‬جامع المسائل البن تيمية (‪)415 /2‬‬

‫‪2‬‬
‫وقال ابن القيم‪ :‬على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه اهلل لعباده يف هذه الدار يكون ثبوت قدمه على الصراط‬
‫المنصوب على متن جهنم‪ ،‬وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط‪ ،‬فمنهم من يمر كالربق‪ ،‬ومنهم‬
‫من يمر كالطرف‪ ،‬ومنهم من يمر كالريح‪ ،‬ومنهم من يمر كشد الركاب‪ ،‬ومنهم من يسعى سعيا‪ ،‬ومنهم من يمشي مشيا‪ ،‬ومنهم‬
‫من يحبو حبوا‪ ،‬ومنهم المخدوش المسلم‪ ،‬ومنهم المكردس يف النار‪ ،‬فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا‪،‬‬
‫حذو القذة بالقذة‪ ،‬جزاء وفاقا {هل تجزون إال ما كنتم تعملون}‪ .‬مدارج السالكين (‪.)33 /7‬‬

‫وقال ابن القيم‪ :‬قوله {الحمد هلل رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين} يتضمن األصل األول وهو معرفة الرب‬
‫تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله واألسماء المذكورة يف هذه السورة هي أصول األسماء الحسنى وهي اسم اهلل والرب‬
‫والرحمن فاسم اهلل متضمن لصفات األلوهية واسم الرب متضمن الربوبية واسم الرحمن متضمن لصفات اإلحسان والجود‬
‫والرب ومعاين أسمائه تدور لى هذا وقوله {إياك نعبد وإياك نستعين} يتضمن معرفة الطريق الموصلة إليه وأهنا ليست إال عبادته‬
‫وحده بما يحبه ويرضاه واستعانته على عبادته وقوله {اهدنا الصراط المستقيم} يتضمن بيان أن العبد ال سبيل له إلى سعادته‬
‫إال باستقامته على الصراط المستقيم وأنه ال سبيل له إلى االستقامة إال هبداية ربه له كما ال سبيل له إلى عبادته بمعونته فال‬
‫سبيل له إلى االستقامة على الصراط إال هبدايته وقوله {غير المغضوب عليهم وال الضالين} يتضمن بيان طريف االنحراف عن‬
‫الصراط المستقيم وأن االنحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضالل الذي هو فساد العلم واالعتقاد واالنحراف إلى‬
‫الطرف اآلخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل‬
‫فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة وحظ العبد من النعمة على قدر حظه من الهداية وحظه منها على قدر حظه‬
‫من الرحمة فعاد األمر كله إلى نعمته ورحمته والنعمة والرحمة من لوازم ربوبيته فال يكون إال رحيما منعما وذلك من موجبات‬
‫الهيته فهو اإلله الحق وإن جحده الجاحدون وعدل به المشركون فمن تحقق بمعاين الفاتحة علما ومعرفة وعمال وحاال فقد‬
‫فاز من كماله بأوفر نصيب وصارت عبوديته عبودية الخاصة الذين ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبدين واهلل المستعان‪.‬‬
‫الفوائد البن القيم (ص‪)72 :‬‬

‫وقال ابن القيم‪ :‬ولما كانت التوبة هي رجوع العبد إلى اهلل‪ ،‬ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين‪ ،‬وذلك ال يحصل إال‬
‫هبداية اهلل إلى الصراط المستقيم‪ ،‬وال تحصل هدايته إال بإعانته وتوحيده‪ ،‬فقد انتظمتها سورة الفاتحة أحسن انتظام‪ ،‬وتضمنتها‬
‫أبلغ تضمن‪ ،‬فمن أعطى الفاتحة حقها ‪ -‬علما وشهودا وحاال معرفة ‪ -‬علم أنه ال تصح له قراءهتا على العبودية إال بالتوبة‬
‫النصوح‪ ،‬فإن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم ال تكون مع الجهل بالذنوب‪ ،‬وال مع اإلصرار عليها‪ ،‬فإن األول جهل ينايف‬
‫معرف ة الهدى‪ ،‬والثاين غي ينايف قصده وإرادته‪ ،‬فلذلك ال تصح التوبة إال بعد معرفة الذنب‪ ،‬واالعرتاف به‪ ،‬وطلب التخلص من‬
‫سوء عواقبه أوال وآخرا‪ .‬مدارج السالكين (‪)721 /7‬‬

‫‪3‬‬
‫وقال ابن القيم‪ :‬ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة‪ ،‬لرأى لها تأثيرا عجيبا يف الشفاء‪.‬‬
‫ومكثت بمكة مدة يعرتيني أدواء وال أجد طبيبا وال دواء‪ ،‬فكنت أعالج نفسي بالفاتحة‪ ،‬فأرى لها تأثيرا عجيبا‪ ،‬فكنت أصف‬
‫ذلك لمن يشتكي ألما‪ ،‬وكان كثير منهم يربأ سريعا‪ .‬الجواب الكايف لمن سأل عن الدواء الشايف = الداء والدواء (ص‪)2 :‬‬

‫وقال ابن القيم‪ :‬ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه وفقدت الطبيب والدواء‪ ،‬فكنت أتعالج هبا‪ ،‬آخذ شربة من ماء زمزم‪،‬‬
‫وأقرؤها عليها مرارا‪ ،‬ثم أشربه‪ ،‬فوجدت بذلك الربء التام‪ ،‬ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من األوجاع‪ ،‬فأنتفع هبا غاية‬
‫االنتفاع‪ .‬زاد المعاد (‪.)762/2‬‬

‫وقال ابن عثيمين‪ :‬بالغة القرآن‪ ،‬حيث حذف حرف الجر من {اهدنا} ؛ والفائدة من ذلك‪ :‬ألجل أن تتضمن طلب الهداية‪:‬‬
‫التي هي هداية العلم‪ ،‬وهداية التوفيق؛ ألن الهداية تنقسم إلى قسمين‪ :‬هداية علم‪ ،‬وإرشاد؛ وهداية توفيق‪ ،‬وعمل؛ فاألولى‬
‫عز ّ‬
‫وجل قد هدى هبذا المعنى جميع الناس‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪{ :‬شهر رمضان الذي أنزل فيه‬ ‫ليس فيها إال مجرد الداللة؛ واهلل ّ‬
‫القرآن هدً ى للناس}؛ والثانية فيها التوفيق للهدى‪ ،‬واتباع الشريعة‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪{ :‬ذلك الكتاب ال ريب فيه هدً ى‬
‫للمتقين} وهذه قد يحرمها بعض الناس‪ ،‬كما قال تعالى‪{ :‬وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}‪{ :‬فهديناهم}‬
‫أي ب ّينّا لهم الحق‪ ،‬و َد َل ْلناهم عليه؛ ولكنهم لم يوفقوا‪ ...‬تفسير سورة الفاتحة والبقرة البن عثيمين (‪.)76/7‬‬

‫‪4‬‬

You might also like