Professional Documents
Culture Documents
عن ابن عباس ،قال :بينما جربيل قاعد عند النبي صلى اهلل عليه وسلم ،سمع نقيضا من فوقه ،فرفع رأسه ،فقال " :هذا باب من
السماء فتح اليوم لم يفتح قط إال اليوم ،فنزل منه ملك ،فقال :هذا ملك نزل إلى األرض لم ينزل قط إال اليوم ،فسلم ،وقال:
أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤهتما نبي قبلك :فاتحة الكتاب ،وخواتيم سورة البقرة ،لن تقرأ بحرف منهما إال أعطيته" .صحيح
مسلم ()552 /7
عن أبي سعيد رضي اهلل عنه ،قال :انطلق نفر من أصحاب النبي صلى اهلل عليه وسلم يف سفرة سافروها ،حتى نزلوا على حي
من أحياء العرب ،فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم ،فلدغ سيد ذلك الحي ،فسعوا له بكل شيء ال ينفعه شيء ،فقال بعضهم :لو
أتيتم هؤالء الرهط الذين نزلوا ،لعله أن يكون عند بعضهم شيء ،فأتوهم ،فقالوا :يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ ،وسعينا له بكل
شيء ال ينفعه ،فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم :نعم ،واهلل إين ألرقي ،ولكن واهلل لقد استضفناكم فلم تضيفونا ،فما
أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعال ،فصالحوهم على قطيع من الغنم ،فانطلق يتفل عليه ،ويقرأ :الحمد هلل رب العالمين فكأنما
نشط من عقال ،فانطلق يمشي وما به قلبة ،قال :فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه ،فقال بعضهم :اقسموا ،فقال الذي
رقى :ال تفعلوا حتى نأيت النبي صلى اهلل عليه وسلم فنذكر له الذي كان ،فننظر ما يأمرنا ،فقدموا على رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم فذكروا له ،فقال« :وما يدريك أهنا رقية» ،ثم قال« :قد أصبتم ،اقسموا ،واضربوا لي معكم سهما» ويف لفظ :فضحك
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .صحيح البخاري ( )24 /3ومسلم.
يف الحديث الصحيح أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،قال :وقرأ عليه أبي أم القرآن،
فقال« :والذي نفسي بيده ،ما أنزل يف التوراة ،وال يف اإلنجيل ،وال يف الزبور ،وال يف الفرقان مثلها ،إهنا السبع المثاين ،والقرآن
العظيم الذي أعطيت» .أخرجه الرتمذي ( )5/5وأحمد (.)373 /72
1
ثان ًيا :لطائف سورة الفاتحة:
ولهذا قال من قال من السلف :إن اهلل جمع الكتب المنزلة يف القرآن وجمع علم القرآن يف المفصل وجمع علم المفصل يف
فاتحة الكتاب وجمع علم فاتحة الكتاب يف قوله إياك نعبد وإياك نستعين .مجموع الفتاوى البن تيمية (.)71/73
وقال ابن تيمية :الحمد هلل أحق ما قاله العباد؛ ولهذا أوجب قوله يف كل صالة ،وأن تفتتح به الفاتحة ،وأوجب قوله يف كل
خطبة ،وىف كل أمر ذي بال .والحمد ضد الذم ،والحمد يكون على محاسن المحمود ،مع المحبة له ،كما أن الذم يكون على
مساويه ،مع البغض له .مجموع الفتاوى البن تيمية (.)374/72
وقال :فهم يفتحون القيام يف الصالة بالتحميد ،ويختموهنا بالتحميد ،وإذا رفعوا رءوسهم من الركوع يقول :إمامهم سمع اهلل
لمن حمده ،ويقولون :جميعا ربنا ولك الحمد ،ويختمون صالهتم بتحميد ،بجعل التحيات له والصلوات والطيبات .وأنواع
تحميدهم هلل مما يطول وصفه .الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح البن تيمية ()417 /5
وقال ابن تيمية :ولهذا كان أنفع الدعاء ،وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة{ :اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم
غير المغضوب عليهم وال الضالين} ،فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته ،فلم يصبه شر ،ال يف الدنيا وال
يف اآلخرة.
لكن الذنوب هي من لوازم نفس اإلنسان ،وهو محتاج إلى الهدى يف كل لحظة ،وهو إلى الهدى أحوج منه إلى األكل
والشرب .ليس كما يقوله طائفة من المفسرين :إنه قد هداه ،فلماذا يسأل الهدى؟ وأن المراد بسؤال الهدى :الثبات ،أو مزيد
الهداية .مجموع الفتاوى البن تيمية (.)343/72
وقال ابن تيمية :كل مخلوق فهو محتاج إلى اهلل مفتقر إليه ،والحاجة والفقر للمخلوق وصف الزم ،ال يفارقه ال يف الدنيا وال يف
اآلخرة ،بل العبد محتاج إلى اهلل من جهة ألوهيته ومن جهة ربوبيته ،فهو محتاج إلى أن يعبد اهلل ال يعبد غيره ،ومحتاج إلى أن
أعرض عن العبادة َخ ِس َر
َ غيره أو
ين) ،فإن لم يعبده بل عبدَ َ
ِ
اك ن َْستَع ُ يستعيِن باهلل ال يستعين بغيره ،كما قال تعالى( :إِ َّي َ
اك َن ْعبدُ َوإِ َّي َ
الدنيا واآلخرة .جامع المسائل البن تيمية ()415 /2
2
وقال ابن القيم :على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه اهلل لعباده يف هذه الدار يكون ثبوت قدمه على الصراط
المنصوب على متن جهنم ،وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط ،فمنهم من يمر كالربق ،ومنهم
من يمر كالطرف ،ومنهم من يمر كالريح ،ومنهم من يمر كشد الركاب ،ومنهم من يسعى سعيا ،ومنهم من يمشي مشيا ،ومنهم
من يحبو حبوا ،ومنهم المخدوش المسلم ،ومنهم المكردس يف النار ،فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا،
حذو القذة بالقذة ،جزاء وفاقا {هل تجزون إال ما كنتم تعملون} .مدارج السالكين (.)33 /7
وقال ابن القيم :قوله {الحمد هلل رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين} يتضمن األصل األول وهو معرفة الرب
تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله واألسماء المذكورة يف هذه السورة هي أصول األسماء الحسنى وهي اسم اهلل والرب
والرحمن فاسم اهلل متضمن لصفات األلوهية واسم الرب متضمن الربوبية واسم الرحمن متضمن لصفات اإلحسان والجود
والرب ومعاين أسمائه تدور لى هذا وقوله {إياك نعبد وإياك نستعين} يتضمن معرفة الطريق الموصلة إليه وأهنا ليست إال عبادته
وحده بما يحبه ويرضاه واستعانته على عبادته وقوله {اهدنا الصراط المستقيم} يتضمن بيان أن العبد ال سبيل له إلى سعادته
إال باستقامته على الصراط المستقيم وأنه ال سبيل له إلى االستقامة إال هبداية ربه له كما ال سبيل له إلى عبادته بمعونته فال
سبيل له إلى االستقامة على الصراط إال هبدايته وقوله {غير المغضوب عليهم وال الضالين} يتضمن بيان طريف االنحراف عن
الصراط المستقيم وأن االنحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضالل الذي هو فساد العلم واالعتقاد واالنحراف إلى
الطرف اآلخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل
فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة وحظ العبد من النعمة على قدر حظه من الهداية وحظه منها على قدر حظه
من الرحمة فعاد األمر كله إلى نعمته ورحمته والنعمة والرحمة من لوازم ربوبيته فال يكون إال رحيما منعما وذلك من موجبات
الهيته فهو اإلله الحق وإن جحده الجاحدون وعدل به المشركون فمن تحقق بمعاين الفاتحة علما ومعرفة وعمال وحاال فقد
فاز من كماله بأوفر نصيب وصارت عبوديته عبودية الخاصة الذين ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبدين واهلل المستعان.
الفوائد البن القيم (ص)72 :
وقال ابن القيم :ولما كانت التوبة هي رجوع العبد إلى اهلل ،ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين ،وذلك ال يحصل إال
هبداية اهلل إلى الصراط المستقيم ،وال تحصل هدايته إال بإعانته وتوحيده ،فقد انتظمتها سورة الفاتحة أحسن انتظام ،وتضمنتها
أبلغ تضمن ،فمن أعطى الفاتحة حقها -علما وشهودا وحاال معرفة -علم أنه ال تصح له قراءهتا على العبودية إال بالتوبة
النصوح ،فإن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم ال تكون مع الجهل بالذنوب ،وال مع اإلصرار عليها ،فإن األول جهل ينايف
معرف ة الهدى ،والثاين غي ينايف قصده وإرادته ،فلذلك ال تصح التوبة إال بعد معرفة الذنب ،واالعرتاف به ،وطلب التخلص من
سوء عواقبه أوال وآخرا .مدارج السالكين ()721 /7
3
وقال ابن القيم :ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة ،لرأى لها تأثيرا عجيبا يف الشفاء.
ومكثت بمكة مدة يعرتيني أدواء وال أجد طبيبا وال دواء ،فكنت أعالج نفسي بالفاتحة ،فأرى لها تأثيرا عجيبا ،فكنت أصف
ذلك لمن يشتكي ألما ،وكان كثير منهم يربأ سريعا .الجواب الكايف لمن سأل عن الدواء الشايف = الداء والدواء (ص)2 :
وقال ابن القيم :ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه وفقدت الطبيب والدواء ،فكنت أتعالج هبا ،آخذ شربة من ماء زمزم،
وأقرؤها عليها مرارا ،ثم أشربه ،فوجدت بذلك الربء التام ،ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من األوجاع ،فأنتفع هبا غاية
االنتفاع .زاد المعاد (.)762/2
وقال ابن عثيمين :بالغة القرآن ،حيث حذف حرف الجر من {اهدنا} ؛ والفائدة من ذلك :ألجل أن تتضمن طلب الهداية:
التي هي هداية العلم ،وهداية التوفيق؛ ألن الهداية تنقسم إلى قسمين :هداية علم ،وإرشاد؛ وهداية توفيق ،وعمل؛ فاألولى
عز ّ
وجل قد هدى هبذا المعنى جميع الناس ،كما يف قوله تعالى{ :شهر رمضان الذي أنزل فيه ليس فيها إال مجرد الداللة؛ واهلل ّ
القرآن هدً ى للناس}؛ والثانية فيها التوفيق للهدى ،واتباع الشريعة ،كما يف قوله تعالى{ :ذلك الكتاب ال ريب فيه هدً ى
للمتقين} وهذه قد يحرمها بعض الناس ،كما قال تعالى{ :وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}{ :فهديناهم}
أي ب ّينّا لهم الحق ،و َد َل ْلناهم عليه؛ ولكنهم لم يوفقوا ...تفسير سورة الفاتحة والبقرة البن عثيمين (.)76/7
4