You are on page 1of 17

1

‫األسرار في مالزمة االستغفار‬

‫‪2‬‬
‫كلمة شكر وتقدير‬

‫الحمد هلل ربّ العالمين والصالة والسالم على أشرف األنبياء والمرسلين سيدنا مح ّمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪..‬‬

‫أوال‪ ،‬فإني أشكر هللا تعالى الذي أنعم علينا نعمة الصحة والعافية والعزيمة‪ ،‬وأيضا أشكره‬
‫على فضله وسعة رحمته ونعمته حيث أتاح لي إنجاز هذا العمل‪ ،‬فالحمد هللا حمدا كثيرا‪،‬‬
‫أوال وأخرا‪ ،‬ظاهرا وباطنا‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬وال أنسى أيضا أن أقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى أستاذي المشرف على البحث‬
‫فضيلة األستاذ‪ /‬مفتاح فايز على كل ما قدمه لي من توجهات ومعلومات كثيرة‪.‬‬

‫و ثالثا‪ ،‬أشكر القائمين على جامعة األزهر الشريف وعلى شيخ األزهر فضيلة اإلمام‬
‫األكبر الدكتور‪ /‬أحمد مح ّمد الطيب‪ ،‬وفقه لكل خير لما يبذله من اهتمام بطالب األزهر‬
‫الشريف‪.‬‬

‫عسى هللا أن يجزيهم بأحسن الجزاء والعطاء في الدنيا واألخرى‬

‫الطالب‪/‬عبد الواحد نهوان‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬

‫الحمد هلل الغفور التواب‪ ،‬وعد المستغفرين بجزيل الثواب‪ ،‬وجعله أمانا من العذاب‪،‬‬
‫والصالة والسالم على النبي المختار‪ ،‬أمر باالستغفار‪ ،‬وبشر من لزمه بإزالة األكدار‪ ،‬صلى‬
‫هللا عليه وعلى أصحابه األخيار‪ ،‬وآله األبرار‪ ،‬وأزواجه األطهار‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان فى‬
‫هذه الدار‪ ،‬وسلّم تسليما كثيرا‪،‬أما بعد‪:‬‬

‫إن من كمال نعمة هللا وسعة رحمته أن جعل لعباده طريقا ً يرجعون به عن ذنوب اقترفوها‬
‫وآثام ارتكبوها وما من عبد إال وهو معرض الرتكاب الذنوب صغيرة كانت أو كبيرة إما‬
‫بتركه لما أمره هللا به أو فعله لما نهاه عنه وذلك من سنن هللا‪ ،‬له فيها حكمة بالغة ليميز‬
‫الخبيث من الطيب كما قال نبينا صلى هللا عليه وسلم في الحديث ‪" :‬لو لم تذنبوا لذهب هللا‬
‫بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم" (أخرجه مسلم) وكل بني آدم خطاء وخير‬
‫الخطائين التوابون ( أخرجه ابن ماجه‪ ،‬والحاكم في المستدرك ‪ ،‬والدارمي في سننه ‪،‬‬
‫وصححه األلباني في صحيح سنن ابن ماجه) ‪.‬‬

‫وأخيرا‪ ,‬أرجو من هللا أن ينتفع بهذا البحث الباحث والقارئ ‪ ,‬وأشكر شكرا جزيال لمشرف‬
‫القاعة األستاذ مفتاح فايز وجميع أصدقائى في القاعة األربعين‪ ,‬عسى هللا أن يجعلنا من أهل‬
‫العلم والفهم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫معنى االستغفار‬
‫االستغفار لغة ‪ :‬مأخوذ من فعل استغفر‪ -‬يستغفر‪ -‬اسغفارا‬
‫معناه ‪ :‬طلب المغفرة والعفو من هللا‬
‫وأما في اإلصطالح (الفقهية) ‪ :‬الطلب من هللا المغفرة والصفح عن الذنوب ‪.‬‬

‫فإن االستغفار هو طلب المغفرة‪ ،‬فالسين والتاء في اللغة للطلب‪ ،‬فإذا قال العبد‪ :‬أستغفر‬
‫هللا‪ ،‬فمعناه أطلب منه المغفرة‪ ،‬كما في قوله‪ :‬أستعين باهلل‪ ،‬أي‪ :‬أطلب منه تعالى العون‪.‬‬
‫وقد جاء األمر باالستغفار في كتاب هللا‪ ،‬وفي سنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬سواء‬
‫كان ذلك بعد ارتكاب ما يستدعي طلب المغفرة من المخالفة الشرعية‪ ،‬أو بعد الطاعة أو‬
‫على كل حال‪.‬‬

‫تنوعت عبارات العلماء في تعريف االستغفار‪ ،‬وتعددت كلماتهم فيه‪ ،‬وكلها تهدف إلى‬
‫الكشف عن حقيقة وبيان معناه الشرعي فاالستغفار من طلب الغفران‪ ،‬والغفران‪ :‬تغطية‬
‫الذنب بالعفو عنه‪ ،‬الغفر الستر‪ ،‬ومنها قال الطبري ‪ -‬رحمه هللا ‪" -‬االستغفار معناه ‪ :‬طلب‬
‫العبد من ربه غفران ذنوبه‪ (".‬تفسير الطبري)‬
‫لكن يرد على هذا التعريف أنه لم يبين األدعية التي يطلب بها الغفران‪ ،‬فتعريفه هذا‬
‫تعريف مطلق‪ ،‬فأي استغفار دعا به المستغفر سوا ًء كان مأثورا ً عن هللا ورسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم أو غير مأثور عنهما فإن هذا التعريف يشمله ‪.‬‬

‫وقال أهل الكالم ‪ " :‬االستغفار طلب المغفرة بعد رؤية قبح المعصية‪ ،‬واإلعراض عنها "‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫العالقة بين االستغفار والتوبة‬

‫إن لفظ التوبة يقرن دائما ً باالستغفار‪ ،‬واالستغفار كذلك دائ ًما يقرن بالتوبة‪ ،‬ولبيان العالقة‬
‫بين التوبة واالستغفار‪ ،‬فال بد من بيان المراد بالتوبة‪.‬‬

‫التوبة ‪ :‬هي اإلقالع عن عمل ذنب‪ ،‬والعزم على أن ال يعود إليه‬


‫وقول الحسن البصري رحمه هللا ‪" :‬هي أن يكون العبد نادما ً على ما مضى مجمعًا على أن‬
‫ال يعود فيه‪".‬‬

‫يقول اإلمام ابن القيم رحمه هللا‪" :‬واالستغفار يتضمن التوبة‪ ،‬والتوبة تتضمن‬
‫االستغفار‪ ،‬وكل منهما يدخل في مسمى اآلخر عند اإلطالق‪".‬‬
‫وعلى هذا فالتوبة واالستغفار لفظان يشتركان في المعنى فيعطي واحد منهما معنى اآلخر‬
‫وذلك عند افتراقهما‪ ،‬أما عند االقتران فإن لكل واحد منهما معنى خاص ‪.‬‬

‫االستغفار فال بد أن يكون مقرونا بالتوبة‪ ،‬ولهذا جاء ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬األمر بهما مرتبا‬
‫بقوله‪" :‬وأن استغفروا ربَّكم ث َّم توبوا إليه" (هود‪)٣:‬‬

‫قال اإلمام النووي رحمه هللا ‪ " :‬واعلم أن للتوبة ثالثة شروط ‪ :‬اإلقالع عن المعصية‪،‬‬
‫والندم على ما فات‪ ،‬والعزم على أن ال يعود‪ ،‬وإن كانت حق آدمي فليبادر بأداء الحق إليه‬
‫والتحلل منه‪ ،‬وإن كانت بينه وبين هللا تعالى وفيها كفارة فال بد من فعل الكفارة‪ ،‬وهذا شرط‬
‫وتاب التوبة بشروطها فإن هللا‬ ‫الرابع‪ ،‬فلو فعل اإلنسان مثل هذا في اليوم مرارا‬
‫يغفر له‪".‬‬

‫‪6‬‬
‫آيات االستغفار في القرآن الكريم‬

‫السؤال‪ :‬هل عدد من اآليات القرآنية التي ورد فيها اإلستغفار كثير؟ لماذا؟‬

‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬آيات االستغفار في القرآن الكريم كثيرة جدا ؛‬


‫ألن االستغفار من أفضل العبادات وأنفعها للعباد‪ ،‬وقد أمر هللا عز وجل به في آيات كثيرة‪،‬‬
‫ور ّرحي ٌم (المزمل‪ )٢٠:‬وقال تعالى‪ :‬واستغفروا ربَّكم‬ ‫فقال تعالى‪ :‬واستغفروا هللا إ َّن هللا غف ٌ‬
‫ث َّم توبوا إليه (هود‪ ،)٩٠:‬وقد أمر عز وجل به نبيه صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وفي ضمن ذلك‬
‫أمر ألمته ‪ -‬فقال عز وجل‪ :‬فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنَّه كان ت َّوابا ً (النصر‪ ،)٣:‬وقال عز‬
‫وجل‪ :‬واستغفر هللا إ َّن هللا كان غفورا ً رحيما ً (النساء‪)١٠٦:‬‬

‫ي واإلبكار(غافر‪ ،)٥٥:‬ولما عصى‬ ‫وقال أيضاً‪ :‬واستغفر لذنبك وسبّح بحمد ربّك بالعش ّ‬
‫آدم ربه عز وجل وأكل من الشجرة قال‪ :‬ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون َّن‬
‫من الخاسرين (األعراف‪ ،)٢٣:‬واستغفر نوح ربه عز وجل فقال‪ :‬وإ َّال تغفر لي وترحمني‬
‫أكن من الخاسرين(هود‪ ،)٤٧ :‬واستغفر ذو النون في بطن الحوت فقال‪ :‬ال إله إ َّال أنت‬
‫الظالمين (األنبياء‪ ،)٨٧ :‬وهذا اعتراف بالذنب وهو متضمن لطلب‬ ‫سبحانك إنّي كنت من َّ‬
‫المغفرة‪.‬‬

‫وأمر هود قومه باالستغفار فقال‪ :‬واستغفروا ربَّكم ث َّم توبوا إليه إ َّن ربّي رحي ٌم ودو ٌد‬
‫(هود‪ ،)٩٠:‬وأمر به نوح قومه أيضا ً فقال‪ :‬استغفروا ربَّكم إنَّه كان غفَّارا ً (نوح‪ :‬من اآلية‬
‫‪ .)١٠‬وهكذا ترى أن أفضل البشر وسادات األنبياء يستغفرون هللا ويأمرون قومهم‬
‫لعظم منزلته في‬ ‫باالستغفار‪ ،‬ويذكرون اآلثار المترتبة على االستغفار‪ ،‬كل ذلك‬
‫الدين‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ :‬فإن العباد ال بد لهم من االستغفار أولهم وآخرهم‪ ،‬قال صلى‬
‫"وَّللا إنّي ألستغفر هللا وأتوب إليه في اليوم أكثر من‬
‫َّ‬ ‫هللا عليه وسلم في الحديث الصحيح‪:‬‬
‫سبعين م َّرةً‪".‬‬

‫‪7‬‬
‫حديث قدسي عن سعة مغفرة هللا تعالى للمستغفرين‬

‫عن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪( :‬قال هللا‬
‫تعالى‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك وال أبالي‪ ،‬يا ابن‬
‫آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء‪ ،‬ثم استغفرتني‪ ،‬غفرت لك‪ ،‬يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب‬
‫األرض خطايا‪ ،‬ثم لقيتني ال تشرك بي شيئًا‪ ،‬ألتيتك بقرابها مغفرة)‪ .‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫وهذا الحديث فيه سعة رحمة هللا و مغفرته ولطفه جل وعال ‪ ،‬كما قال ابن دقيق العيد ‪-‬‬
‫رحمه هللا‪ -‬في شرح األربعين النووية ‪ " :‬في هذا الحديث بشارة عظيمة‪ ،‬وحل ٌم وكرم‬
‫عظيم‪ ،‬وما ال يحصى من أنواع الفضل واإلحسان‪ ،‬والرأفة والرحمة واالمتنان‪ ،‬ومثل هذا‬
‫قوله ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ " : -‬هلل أفرح بتوبة عبده من أحدكم بضالته لو وجدها"‬

‫‪8‬‬
‫شرح الحديث‬

‫قوله ‪ ( :‬يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك) ‪ :‬هذا موافق لقوله ‪ ( :‬أنا عند‬
‫ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ) وقد جاء ‪ ( :‬إن العبد إذا أذنب ثم ندم فقال ‪ :‬أي يا ربي‬
‫أذنبت ذنبا فاغفرلي ‪ ،‬وال يغفر الذنوب إال أنت‪ ،‬قال‪ :‬فيقول هللا تعالى ‪ :‬علم عبدي أن له‬
‫ربا يغفر الذنب ويأخذ به؛ أشهدكم أني قد غفرت له)‪ ،‬ثم يفعل ذالك ثانية وثالثة فيقول هللا‬
‫عز وجل في كل مرة مثل ذالك ‪ ،‬ثم يقول ‪ (:‬اعمل ما شئت غفرت لك ) يعني لما أذنبت‬
‫واستغفرت‪.‬‬

‫قوله ‪ ( :‬على ما كان منك )‪ :‬أي ‪ :‬من تكرار معصيتك‬


‫( وال أبالي )‪ :‬وال أبالي بذنوبك‬

‫قوله ‪ ( :‬يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك )‪ :‬أي ‪ :‬لو كانت‬
‫أشخاصا تمأل ما بين السماء واألرض وهذا نهاية الكثرة ‪ ،‬ولكن كرمه وحلمه سبحانه‬
‫وعفوه أكثر وأعظم وليس بينهما مناسبة هنا مدخل فتتالشى عند حلمه وعفوه‪.‬‬

‫قوله‪ (:‬يابن آدم إنك لو أتيتني بقراب األرض خطايا ثم لقيتني التشرك بي شيئا ألتيتك‬
‫بقرابها مغفرة)‪ :‬أي أتيتني بما يقارب مثل األرض‬
‫قوله ‪ (:‬ثم لقيتني)‪ :‬أي ‪ :‬مت على اإليمان التشرك بي شيئا والراحة للمؤمن دون لقاء ربه‪,‬‬
‫وقد قال تعالى (إن هللا ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء ‪, 48‬وقد‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم ‪ (:‬ما أ صر من استغفر ‪,‬وإن عاد في اليوم سبعين مرة ) وقال أبو‬
‫هريرة رضي هللا عنه ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪(:‬حسن الظن باهلل من حسن‬
‫عبادة هللا)‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫قال الشيخ ابن عثيمين ‪:‬‬
‫هذا من االحاديث القدسية التي يرويها النبي صلى هللا عليه وسلم عن ربه أنه قال جل وعال‬
‫‪:‬‬

‫(يابن أدم )‪ :‬الخطاب لجميع بني آدم‪.‬‬


‫(إنك ما دعوني ورجوني غفرت لك) ماشرطية ‪ ،‬يعني‪ :‬متي دعوتني ورجوتني‪ ,‬دعوتني‬
‫أي ‪ :‬سألتني أن أغفر لك‪ ,‬ورجوتني ‪ :‬رجوت مغفرتي‪ ,‬ولم تيأس‪ ,‬غفرت لك ‪ :‬هذا جواب‬
‫الشرط‪ ,‬والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه‪ ,‬أي ‪ :‬أن هللا يستر ذنبك عن الناس ‪ ,‬وياتجاوز‬
‫عنك فال يعاقبك‪.‬‬

‫وقوله ‪( :‬على ماكان منك وال أبالي) يعني‪ :‬على ماكان منك من المعاصي وهذا يشهد له‬
‫قوله تعالى (قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة هللا إن هللا يغفر‬
‫الذنب جميعا‪ ،‬إنه هو الغفور الرحيم) الزمر ‪٥٣:‬‬

‫(يابن آدم‪ ،‬لو بلغت ذنوبك عنان السماء)‪ :‬يعني‪ :‬لو بلغت أعلى السماء‪.‬‬
‫(ثم استغفرتني غفرت لك)‪ :‬يعني مهما عظمت الذنوب حتى لو وصلت السماء بكثرتها ثم‬
‫استغفرت هللا بصدق وإخالص وافتقار غفر هللا لك‪.‬‬
‫( يابن آدم إنك لو أتيتني بقراب األرض خطايا ثم لقيتني التشرك بي شيئا ألتيتك بقرابها‬
‫مغفرة)‪ :‬قرابها ‪ :‬يعني‪ :‬قرب ملئها‪ ،‬إذا لقي اإلنسان ربه عز وجل بقراب األرض‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ملئها أو قربه خطايا‪ ،‬لكنها دون الشرك ولهذا قال‪:‬‬

‫(ثم لقيتني ال تشرك بي شيئًا‪ ،‬ألتيتك بقرابها مغفرة) وهذا يضل على فضيلة اإلخالص وأنه‬
‫سبب لمغفرة الذنوب‪.‬‬

‫وفى هذا الحديث من الفوائد ‪:‬‬


‫‪ -١‬أن اإلنسان مهما دعا هللا بأي شيء ورجا هللا في أي شيء إال غفر له‪.‬‬
‫‪ -٢‬بيان سعة فضل هللا غز وجل ‪.‬‬
‫‪ -٣‬فضيلة اإلخالص وأنه سبب لمغفرة الذنوب ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪(:‬إ َّن هللا ال يغفر أن يشرك‬
‫به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء ) النساء‪٤٨ :‬‬
‫األسرار في مالزمة االستغفار‬

‫فاالستغفار سبيل وضعه هللا لعباده للعود إليه بعد الذنب؛ ليعفو عن سيئاتهم‪ ،‬ويقيهم‬
‫شر عقوبتها‪ ،‬ويوفقهم لفعل الحسنات ‪ ،‬فيتبين إذن أن االستغفار له نتائج حسنة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫والفوائد طيبة وعجائب كبيرة وأسرار كثيرة‪ ،‬وأريد أن أذكر بعضها في هذا‬
‫البحث‪:‬‬

‫‪ .١‬أن االستغفار يجلب الرحمة‪ ،‬يدل على ذلك قوله تعالى ‪ " :‬ومن يعمل‬
‫ورا َّرحي ًما " [النساء‪.]١١٠ :‬‬‫َّللا غف ً‬
‫َّللا يجد َّ‬
‫سو ًءا أو يظلم نفسه ث َّم يستغفر َّ‬
‫وقوله تعالى في خطاب شعيب عليه السَّالم لقومه ‪ " :‬واستغفروا ربَّكم ث َّم‬
‫توبوا إليه إ َّن ربّي رحي ٌم َّودو ٌد " [هود‪]٩٠:‬‬

‫أن االستغفار سبب لفتح أبواب الخيرات والبركات على الناس‪ ،‬يفيد ذلك‬ ‫‪ّ .٢‬‬
‫قوله ج َّل وعال على لسان نبي هللا هود علية السَّالم لقومه ‪ " :‬ويا قوم‬
‫ارا ويزدكم ق َّوة ً إلى‬
‫استغفروا ربَّكم ث َّم توبوا إليه يرسل السَّماء عليكم مدر ً‬
‫ق َّوتكم ‪[ " . . .‬هود ‪ ]٥٢:‬وقوله ج َّل شأنه على لسان نوح عليه السَّالم لقومه‬
‫ارا *‬‫ارا * يرسل السَّماء عليكم مدر ً‬ ‫‪ " :‬فقلت استغفروا ربَّكم إنَّه كان غفَّ ً‬
‫ارا " [نوح ‪]١٠ :‬‬ ‫ت ويجعل لَّكم أنه ً‬
‫ويمددكم بأموا ٍل َّوبنين ويجعل لَّكم جنَّا ٍ‬

‫أن االستغفار سبب لتفريج الهم وتيسير الرزق وتسهيله‪ ،‬قال عليه أفضل‬ ‫‪ّ .٣‬‬
‫الصالة وأتم التسليم ‪" :‬من لزم االستغفار جعل هللا له من كل ضيق مخرجا‪،‬‬
‫ومن كل هم فرجا‪ ،‬ورزقه من حيث ال يحتسب" (أخرجه أبو داوود‪،‬وضعفه‬
‫األلباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته ‪ ،‬وسلسلة األحاديث الضعيفة) ‪.‬‬
‫وقال اإلمام ابن كثير رحمه هللا في تفسيره آلية هود السابقة ‪" :‬ومن اتصف‬
‫بهذه الصفة (أي االستغفار) يسر هللا عليه رزقه وسهل عليه أمره وحفظ‬
‫شأنه"(تفسير القرآن العظيم ‪ ،‬ابن كثير) ‪.‬‬
‫‪ .٤‬االستغفار نوع من أنواع الذكر‪ ،‬والذكر من أجل العبادات القولية حث هللا‬
‫عليه في مواضع شتى في كتابه العزيز في مثل قوله تعالى ‪ " :‬يا أيُّها الَّذين‬
‫يرا " [األحزاب ‪. ]٤١:‬‬
‫َّللا ذك ًرا كث ً‬
‫آمنوا اذكروا َّ‬

‫‪11‬‬
‫‪ .٥‬أن االستغفار يعين العبد على أن تكون دعوته مستجابة‪ ،‬حيث جعل‬
‫االستغفار من آداب الدعاء التي ينبغي أن يقدمها الداعي قبل التوجه بطلبه‬
‫إلى ربه ج َّل وعال ‪.‬‬
‫قال ابن حجر في شرحه ألحاديث باب التوبة ‪( :‬أشار المصنف – أي‬
‫البخاري – بإيراد هذين البابين – وهما االستغفار ثم التوبة – في أوائل‬
‫كتاب الدعاء إلى أن اإلجابة تسرع إلى من لم يكن متلبسا ً بالمعصية‪ ،‬فإذا قدم‬
‫التوبة واالستغفار قبل الدعاء كان أمكن إلجابته‪ ،‬وما ألطف قول ابن‬
‫الجوزي‪ ،‬إذ سئل أأسبح أو أستغفر فقال ‪ :‬الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون‬
‫من البخور) (فتح الباري)‬

‫َّللا‬
‫‪ .٦‬أن االستغفار أمان من غضب الجبار وعقابه‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬وما كان َّ‬
‫َّللا معذّبهم وهم يستغفرون " (األنفال ‪. )٣٣ :‬‬
‫ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان َّ‬

‫‪ .٧‬االستغفار يورث العبد دخول الجنة‪ ،‬ففي حديث سيد االستغفار‪ .‬عن شداد‬
‫بن أوس عن النبي‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪( :‬سيد االستغفار أن يقول العبد‪:‬‬
‫اللهم أنت ربى ال إله إال أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك‪ ،‬ووعدك ما‬
‫استطعت‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي‬
‫فاغفر لي فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت‪ ".‬وقال‪" :‬ومن قالها من النهار موقنا ً‬
‫بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ‪ ،‬ومن قالها من الليل‬
‫وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة" (أخرجه البخاري) ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مصادر ومراجع‬

‫‪ .١‬القرآن الكريم‬
‫‪ .٢‬تفسير القرآن العظيم البن كثير‬
‫‪ .٣‬التفسير الطبروي‬
‫‪ .٤‬صحيح البخاري‬
‫‪ .٥‬فتح الباري‬
‫‪ .٦‬رياض الصالحين‬
‫‪ .٧‬األربعين النواوي‬
‫‪ .٨‬معجم المعاني الجامع‬
‫‪ .٩‬بحوث ومقاالت لمحمد بن ابراهيم بن سلمان الرومي (موقع على شبكة اإلنترنت‪،‬‬
‫تطبيق الكلم الطيب)‬
‫‪( https://dorar.net/ .١٠‬الدرر الثنية)‬

‫‪13‬‬
‫الفهرس‬

‫كلمة شكر وتقدير‬


‫مقدمة‬
‫المبحث األول ‪ :‬معنى االستغفار‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬العالقة بين االستغفار والتوبة‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬آيات االستغفار في القرآن الكريم‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬حديث قدسي عن سعة مغفرة هللا تعالى‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬شرح الحديث‬
‫المبحث السادس ‪ :‬األسرار في مالزمة االستغفار‬
‫المالحظة والخاتمة‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪14‬‬
‫المالحظة المهمة‬
‫يأيها اإلخوة في هللا‪ ،‬أريد أن أذكركم وأذكر نفسي في هذه المسألة‪،‬‬
‫أن هللا غفور رحيم للعباد‪ ،‬وسعة رحمته ومغفرته لمن يستغفر الذنوب وتاب‪ ،‬ولكن البد‬
‫علينا أن نذكر أن هللا أيضا له عذاب عظيم أليم ومهين لمن لم يتب إليه توبة نصوحا‪ ،‬ولم‬
‫يفعل الخيرات مخلصا‪.‬‬

‫الرحيم َّ‬
‫وأن عذابي هو العذاب األليم"(الحجر‪:‬‬ ‫قال هللا تعالى ‪" :‬نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور َّ‬
‫"إن‬ ‫تعالى‪":‬إن ربَّك سريع العقاب وإنَّه لغف ٌ‬
‫ور رحي ٌم"(األنعام‪ )١٦٥:‬وقال‪َّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ )٥٠-٤٩‬وقال‬
‫بطش ربّك لشدي ٌد إنَّه هو يبدئ ويعيد وهو الغفور الودود"(البروج‪ )١٤-١٢ :‬وقال‪" :‬حم‬
‫َّللا العزيز العليم غافر الذَّنب وقابل التَّوب شديد العقاب"(الغافر‪)٣:‬‬
‫تنزيل الكتاب من َّ‬

‫َّللا لما‬
‫َّللا عليه وسلم قال‪( :‬لو يعلم العبد قدر عفو ّ‬
‫َّللا صلى ّ‬
‫وقال قتادة‪ :‬بلغنا أن رسول ّ‬
‫َّللا لبخع نفسه)‬
‫تورع من حرام‪ ،‬ولو يعلم العبد قدر عذاب ّ‬

‫‪-‬نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور َّ‬


‫الرحيم‬
‫أي‪ :‬أخبر‪ -‬يا مح َّمد‪ -‬عبادي خب ًرا جاز ًما مؤ َّكدًا أنّي أنا كثير المغفرة لذنوبهم إذا تابوا‪،‬‬
‫الرحمة بهم إذا استقاموا‪ ،‬ومن رحمتي أنّي ال‬ ‫فأستر ذنوبهم وأتجاوز عن مؤاخذتهم‪ ،‬كثير َّ‬
‫أعذّبهم على الذنوب بعد توبتهم منها‪.‬‬
‫‪-‬وأ َّن عذابي هو العذاب األليم‬
‫مناسبة اآلية لما قبلها‪:‬‬
‫ل َّما أمر هللا‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬رسوله بأن يخبر عباده بتلك البشارة العظيمة في اآلية السَّابقة؛‬
‫لرجاء والخوف‪،‬‬ ‫أمره بأن يذكر لهم شيئًا م َّما يتض َّمن التَّخويف والتَّحذير؛ حتى يجتمع ا َّ‬
‫ويتقابل التَّبشير والتَّحذير‪ ،‬ليكونوا راجين خائفين‪ ،‬فقال‪ :‬وأ َّن عذابي هو العذاب األليم‬
‫أصر على الكفر والمعاصي‪ ،‬فلم يتب منها‪ ،‬هو‬ ‫َّ‬ ‫أن عذابي لمن‬ ‫أي‪ :‬وأخبر عبادي أيضًا َّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫العذاب الموجع الكثير اإليالم؛ فليحذروا أسباب عذابي‪ ،‬وليقبلوا على التَّوبة واإلنابة إل َّ‬
‫أن رسول هللا صلَّى هللا عليه وسلَّم قال‪( :‬لو يعلم المؤمن ما‬ ‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه‪َّ ،‬‬
‫الرحمة‪ ،‬ما قنط من‬ ‫عند هللا من العقوبة‪ ،‬ما طمع بجنَّته أحدٌ‪ ،‬ولو يعلم الكافر ما عند هللا من َّ‬
‫جنَّته أحدٌ)‬

‫الفوائد التربوية‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ -1‬قول هللا تعالى‪ :‬نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور َّ‬
‫الرحيم * وأ َّن عذابي هو العذاب األليم فيه َّ‬
‫أن‬
‫والرهبة‪ ،‬فإذا نظر إلى رحمة‬
‫والرغبة َّ‬‫والرجاء‪َّ ،‬‬ ‫العبد ينبغي أن يكون قلبه دائ ًما بين الخوف َّ‬
‫والرغبة‪ ،‬وإذا نظر إلى ذنوبه‬ ‫الرجاء َّ‬
‫ربّه ومغفرته وجوده وإحسانه؛ أحدث له ذلك َّ‬
‫والرهبة واإلقالع عنها‪.‬‬ ‫وتقصيره في حقوق ربّه؛ أحدث له الخوف َّ‬
‫الرحيم * وأ َّن عذابي هو العذاب األليم قال‬ ‫‪ -2‬قال هللا تعالى‪ :‬نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور َّ‬
‫ابن عطاءٍ ‪":‬هذه اآلية إرشا ٌد له صلَّى هللا عليه وسلَّم إلى كيفيَّة اإلرشاد‪ ،‬كأنَّه قيل‪ :‬أقم عبادي‬
‫فإن من غلب عليه رجاؤه‬ ‫الطاعة‪َّ ،‬‬ ‫والرجاء؛ ليص َّح لهم سبيل االستقامة في َّ‬ ‫بين الخوف َّ‬
‫عطله‪ ،‬ومن غلب عليه خوفه أقنطه‪".‬‬ ‫َّ‬

‫‪16‬‬
‫الخاتمة‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا مح ّمد أشرف األنبياء والمرسلين‬
‫وعلى آله وأصحابه أجمعين ‪ ،‬وبعد‪.‬‬
‫ففي النهاية أحمد هللا الذي وفقني إلى أن أنتهى من هذا البحث‪ ،‬ووفقني في كتابة‬
‫الموضوع (األسرار فى مالزمة اإلستغفار)‬

‫وفي هذه الخاتمة أذ ّكركم و نفسي بتقوى هللا‪ ،‬وبالعمل الصالح لوجه هللا تعالى‪ ،‬وقد بذلت‬
‫وإن موضوع البحث كالبحر وما أخذت‬ ‫جهدا كبيرا بهذا البحث وهو عمل خالصا هلل تعالى‪ّ ،‬‬
‫منه إالّ قطرة ؛ ولذا أترك الباب مفتوحا للطالب ألن يكملوا على هذا الموضوع‪.‬‬

‫وإننا لنجد أننا بشر لدينا أخطاء‪ ،‬وأرجو أن تسامحوني على األخطاء‪ .‬وإنني أتوجه إلى‬
‫هللا بالدعاء على توفيقي في تقدم هذا البحث وعلى حسن قراءتكم ومتابعتكم لهذا البحث‪،‬‬
‫وفي النهاية اليسعني سوى أن أشكركم على حسن متابعتكم لهذا‪ ،‬وهللا تعالى يوفقني ويوفقكم‬
‫إلى ما يحبه و يرضاه‪.‬‬

‫عسى هللا أن يجعلنا من أهل العلم والفهم‪ ،‬ومن أهل الخير والحلم‪ .‬اللهم تقبل منا دعائنا‬
‫إنك أنت السميع العليم وتب علينا توبتنا إنك أنت التواب الرحيم وأستغفرهللا العظيم‪.‬‬

‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫‪17‬‬

You might also like