You are on page 1of 3

‫االستغفار ختام الصيام‬

‫د‪ .‬محمد بن إبراهيم الحمد‬

‫احلمد هلل غافر الذنوب‪ ،‬وساتر العيوب‪ ،‬والصالة والسالم على إمام املستغفرين‪ ،‬وقدوة الناس أمجعني‪،‬‬
‫نبينا حممد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فقد جاء يف احلديث املرفوع عن أبي هريرة ÷ يف فضل شهر رمضان =ويغفر فيه إال ملن أبى‪.+‬‬
‫قالو‪ :‬يا أبا هريرة! ومن يأبى! قال‪= :‬يأبى أن يستغفر اهلل‪.+‬‬
‫معاشر الصائمني‪ :‬االستغفارُ‪ :‬طلبُ املغفرةِ‪ ،‬وهي سَتررُ الذنوبِ‪ ،‬والعفوُ عنها‪ ،‬ووقايةُ شرِّها‪.‬‬
‫واالستغفا ُر من أجلّ القربات‪ ،‬وأنفعِ الطاعات‪ ،‬وأعظ ِم موانع إنفاذ الوعيد‪.‬‬
‫واالستغفارُ ختامُ األعمال الصاحلة؛ فيختم به الصالةُ‪ ،‬وقيامُ الليل‪ ،‬واحلجُّ‪.‬‬
‫وخيتم به اجملالس؛ فإن كانت ذكرًا كان كالطاَبعِ عليها‪ ،‬وإن كانت لغوًا كان كفارةً اها‪.‬‬
‫وملا وفّى نبينا" تبليغَ الرسااالةِ وااها ِ يف ساابيل اهلل‪ ،‬وأقَّر اهلل عينه بعز اإلسااالم‪ ،‬وظهور املساالمني‪،‬‬
‫و خول الناس يف ين اهلل أفواجاً _ أمره اهلل باالساااااتغفار؛ فكان التبليغُ وااها عبا ةً قد أكملها‪ ،‬وأ اها‪،‬‬
‫ف ُش ِرعَ له االستغفار عَقِيبها‪.‬‬
‫وبااملة فهذه حالُ العبدِ مع ربه يف مجيع أحواله؛ فهو يعلمُ أنه ال يوفِّي هذا املقامَ حقَّه؛ فهو أبداً يستغفر‬
‫عَقِبَ كلِّ عمل صاحل‪ ،‬فكلُّ أحدٍ حمتاج إىل مغفرة اهلل ورمحته‪ ،‬وال سبيل إىل النجاة بدون ذلك‪.‬‬
‫ولذلك ينبغي أن ُيخرتَم شهرُ رمضانَ باالستغفار؛ فهو يكمِّل الصيام‪ ،‬ويرقِّع ما خترَّق منه باللغو‪،‬‬
‫والرفث‪.‬‬
‫قال ابن رجب ×‪( :‬ويروى عن أبي هريرة ÷ قال‪= :‬الغيبة خترق الصيام‪ ،‬واالستغفار يرقِّعه؛ فمن‬
‫استطاع منكم أن جييء بصوم مرقَّع فليفعل‪.)+‬‬
‫وعن ابن املنذر × قال‪= :‬معنى ذلك‪ :‬أن الصيامَ جَُّنةٌ من النار ما مل خيرِقْها‪ ،‬والكالم السيِّئ َيخررِقُ هذه‬
‫ااُنة‪ ،‬واالستغفار يرقِّع ما خترَّق منها‪.+‬‬
‫=وكتب عُمر بن عبد العزيز × إىل األمصار يأمرهم خبتم شهر رمضان باالستغفار‪ ،‬وصدقة الفطر ‪.+‬‬
‫أيها الصائمون‪ :‬مِنَ الناسِ مَنر ال يعرف مِنر موجبات سخط اهلل‪ ،‬وأسباب عقوبته إال املعاصي اليت‬

‫‪@m__alhamad‬‬ ‫‪@m_alhamad‬‬
‫شد ت الشريعة يف النهي عنها؛ فإذا تابوا من عمل سيء فإمنا يتوبون منها؛ فهذه حال عامة املؤمنني‪.‬‬
‫أما خاصة املؤمنني فحااهم أكملُ وأمت؛ فهم يعرفون أن لكل عمل سيِّء لوثةً يف النفس ُترب ِعدُ بها عن‬
‫الكمال‪ ،‬ويرون أن لكل عمل صاحل أثراً يف النفس يقربها من اهلل _عز وجل_ والتقصري يف الصاحلات يعدُّ‬
‫عند هؤالء من الذنوب اليت تهبط بالنفس‪ ،‬وتبعدها عن اهلل؛ فالنفس إذا قصَّرت فيها تتوب؛ وإذا استمرت‬
‫مل تأم رن من النقائض والعيوب‪.‬‬
‫وخيتلف اتهامُ هؤالء ألنفسهم باختالف ِعلْمِهم بصفات النفس‪ ،‬وما يعرِضُ اها من اآلفات يف سريِها‪،‬‬
‫وعلمهم بكمال اهلل‪ ،‬ومعنى القرب منه‪ ،‬واستحقاق رضوانه‪.‬‬
‫واهذا ترى هؤالء الكمّلِ يسارعون يف اخلريات‪ ،‬ويبا رون إىل التوبة واالستغفار؛ لشعورهم بالنقص يف‬
‫العمل والتقصري يف حق رب األرض والسماوات‪.‬‬
‫ت متنوعة‪ ،‬فمن ذلك أنه طاعة هلل‪،‬‬
‫أيها الصاائمون‪ :‬لالساتغفار فضاائلُ مجَّة‪ ،‬وأسرار بديعةٌ‪ ،‬وبركا ُ‬
‫وأنه سااااااااااااببن ملغفرةِ الذنوب‪ ،‬ورفعةِ الدرجات‪ ،‬ونزولِ األمطار‪ ،‬واإلمدا ِ باألموال والبنني [‪‬‬

‫‪              ‬‬

‫‪.]      ‬‬


‫واالستغفارُ سببن يف زيا ة القوة واملتاع احلسن‪ ،‬و فع البالء‪ ،‬وحصول الرمحة‪.‬‬
‫قال _تعاىل_‪           [ :‬‬

‫‪.]     ‬‬


‫_عليه السالم_‪       [ :‬‬ ‫وقال على لسان هو‬
‫‪. ]   ‬‬ ‫‪  ‬‬

‫وقال _عز وجل_‪.]    [ :‬‬


‫قال لقمان _عليه السالم_ البنه‪= :‬يا بين عوّ لسانَك االستغفارَ‪ ،‬فإن هلل ساعاتٍ ال يَرُ ُّ فيهن سائالً‪.+‬‬
‫قالت عائشةُ _رضي اهلل عنها_‪= :‬طوبى ملن وجد يف صحيفته استغفاراً كثرياً‪.+‬‬
‫وقال أبو املنهال ×‪= :‬ما جاو َر عبدن يف قربِه من جارٍ أحبَّ إليه من استغفا ٍر كثري‪.+‬‬
‫وقال احلسنُ ×‪= :‬أكثروا من االستغفار؛ فإنكم ال تدرون متى تنزل الرمحة‪+‬‬
‫وقال قتا ة ×‪= :‬إن هذا القرآن يدلُّكم على ائكم و وائكم؛ فأما اؤكم فالذنوب‪ ،‬وأما واؤكم‬
‫فاالستغفار‪.+‬‬

‫‪@m__alhamad‬‬ ‫‪@m_alhamad‬‬
‫وقال بعضهم‪= :‬فمن أهمّتهُ ذنوبُه أكثر اها من االستغفار‪.+‬‬
‫ومما يدل على عِظم شأن االستغفار أن اهلل _عز وجل_ مجع بينه وبني التوحيد يف قوله‪ [ :‬‬

‫‪.]     ‬‬


‫ويف بعض اآلثار أن إبليس قال‪= :‬أهلكت الناس بالذنوب‪ ،‬وأهلكوني با‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬واالستغفار‪.+‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية×‪= :‬شها ةُ التوحيدِ تفتح بابَ اخلري‪ ،‬واالستغفارُ يغلقُ بابَ الشر‪.+‬‬
‫معاشر الصائمني‪ :‬لالستغفار صيغ عديدة‪ ،‬وأفضلُها أن يبدأ العبد بالثناء على ربه‪ ،‬ثم يثنِّى باالعرتاف‬
‫بذنبه‪ ،‬ثم يسااأل اهلل املغفرة كما يف حديث شاادا بن أوس يف صااحيح البخارع عن الن" " قال‪= :‬ساايد‬
‫االسااااااتغفار أن يقول العبد‪ :‬اللهم أنت رب ي ال إله إال أنت خلقتين وأنا عبدك‪ ،‬وأنا على عهدك ووعدك‬
‫ما استطعت‪ ،‬أعوذ بك من شر ما صنعت‪ ،‬أبوء لك بنعمت ك عليّ‪ ،‬وأبوء بذن"؛ فاغفر لي؛ فإنه ال يغفر‬
‫الذنوب إال أنت‪.+‬‬
‫ومن صيغ االستغفار‪= :‬استغفر اهللَ احليَّ القيو َم وأتوب إليه‪.+‬‬
‫قال _عليه الصالة والسالم_‪= :‬من قاله غُفر له وإن كان فر من الزحف‪+‬‬
‫رواه أبو او ‪ ،‬والرتمذع‪ ،‬وجوّ إسنا ه املنذرع يف الرتغيب والرتهيب‪.‬‬
‫ويف كتاب عمل اليوم والليلة للنسائي عن خباب بن األرت ÷ قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل! كيف نستغفر‬
‫قال‪= :‬قل‪ :‬اللهم اغفر لنا وارمحنا وتب علينا؛ إنك أنت التواب الرحيم‪.+‬‬
‫وفيه _أيضا_ عن أبي هريرة ÷ قال‪= :‬ما رأيت أحدًا أكثر أن يقول‪ :‬أستغفر اهلل وأتوب إليه من رسول‬
‫اهلل"‪.+‬‬
‫وعن ابن عمر _رضي اهلل عنهما_ قال‪= :‬إنر كنا لنعُدُّ لرسول اهلل " يف اجمللس الواحد مائةَ مرةٍ يقول‪:‬‬
‫=رب اغفر لي وتب عليّ؛ إنك أنت التواب الرحيم‪.+‬‬
‫رواه أمحد‪ ،‬وأبو او ‪ ،‬والبخارع يف األ ب املفر ‪ ،‬والرتمذع‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬وصححه ابن حبّان‬
‫ومن أخصر الصيغ وأشهرها‪ :‬أستغفر اهلل‪ ،‬ورب اغفر لي‪.‬‬
‫معاشر الصائمني‪ ،‬هذا هو االستغفار‪ ،‬وهذا فضله‪ ،‬وتلك صيغه‪ ،‬فما أحرانا يف نهاية شهرنا أن تلهج‬
‫ألسنتنا باالستغفار‪ ،‬وما أمجل أن يكون االستغفار لنا خري ثار فيما نستقبله من أيام‪.‬‬
‫اللهم تقبل صيامنا‪ ،‬وجتاوز عن تقصرينا وتفريطنا‪ ،‬وصلّ اللهم وسلّم على نبينا حممد‪.‬‬

‫‪@m__alhamad‬‬ ‫‪@m_alhamad‬‬

You might also like