Professional Documents
Culture Documents
قال جل ذكره فيما وصف به عباده من األخالق التي شرفهم بها فقال:
وعباد الرحمن الذين يمشون على األرض هونا .وإذا خاطبهم الجاهلون
قالوا سالما .والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}
فوصفهم جل ذكره أنهم في مبيتهم في ليلهم ليس هم كغيرهم من سائر الناس
وذلك أن أكثر الخلق يتلذذون بالنوم وهؤالء استأثروا الخدمة لموالهم الكريم
ثم وصفهم جل ذكره في موضع آخر فقال{ :تتجافى جنوبهم عن المضاجع
يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون}
وقال الله عز وجل {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر اآلخرة
ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون إنما
يتذكر أولوا األلباب}
قال محمد بن الحسين تدبروا رحمكم الله ما تسمعون من موالكم الكريم
كيف يخبر بكثرة سجودهم وطول قيامهم وحسن خدمتهم ،ثم أخبر عنهم
الكد الشديد أنهم على حذر مما حذرهم من عظيم شأن اآلخرة وشدة بعد هذا ِّ
1
الخطبة
أهوالها ،وأن الغالب على قلوبهم شدة الخوف والوجل مع المسارعة فيما
يرضيه ،وكذلك وصفهم في موضع آخر من كتابه فقال عز وجل{ :إن
الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنو .والذين هم
بربهم ال يشركون .والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم
راجعون .أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} وقال عز وجل:
{ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم
يسجدون} فأخبر عز وجل عن تالوتهم للقرآن في الليل تارة قياما وتارة لله
سجدا.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على قيام الليل ورغب
فيه أمته وأخبر أنه ال صالة بعد صالة الفريضة أفضل من قيام الليل
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصالة بعد
الصالة المفروضة صالة الليل
عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل
فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله عز وجل ومكفرة للسيئات ومبرأة
من اإلثم ومنهاة عن اإلثم.
عن عائشة رحمها الله قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان
له صالة يصليها من الليل فنام عنها كان ذلك صدقة تصدق الله عز وجل
عليه وكتب له أجر صالته
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استيقظ
من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا
والذاكرات.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله رجال قام من الليل فصلى
وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها من الماء ورحم الله امرأة
قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه من
الماء.
عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في
الجنة غرفا يرى بطونها من ظهورها وظهورها من بطونها قال فقام
2
الخطبة
أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله فقال هي لمن طيب الكالم وأطعم الطعام
وأفشى السالم وصلى بالليل والناس نيام.
عن عبد الله بن مسعود قال يضحك الله عز وجل إلى رجلين رجل قام في
جوف الليل وأهله نياما فتطهر ثم قام يصلي فيضحك الله إليه ورجل لقي
العدو فانهزم أصحابه وثبت حتى رزقه الله عز وجل الشهادة.
الخطبة الثانية
عباد الله وقد وصل المسلمون إلى أواخر شهرهم واقترب السباق من نهايته
وزادت حرارة اإليمان بدخول العشر ورجاء ليلة القدر ,فهذا أوان الجد
واالجتهاد وإخراج أكثر ما لدى للنفس من الطاعة والعبادة ,فاعمل يا عبد
الله بقدر ما تستطيع فإنها أيام ال تعود ,وإنها فرصة ال تعوض ,وال ندري
من الذي يدرك رمضان القادم ,وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد
في العشر األواخر من رمضان ما ال يجتهد في غيرها وكان يعتكف فيها
ويتحرى ليلة القدر خاللها وكان إذا دخل العشر أحيا الليلة وأيقظ أهله وشد
مئزره كناية عن االستعداد للعبادة واالجتهاد فيها أكثر من المعتاد ,تشهيرا ً
في الطاعات ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى ,اعتكاف في المسجد
وتباعد عن النساء كذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر ,أحيا
ليله أي استغرقه بالسهر في الصالة وغيرها والنبي صلى الله عليه وسلم
لم يقم ليلة كاملة إلى الصباح ليصلي ولكنه صلى في تلك الليالي كثيرا ً جدا ً
وأطال الوقت في الصالة وما بقى من الليل استغرقه في االستغفار والذكر
والدعاء و والتذكر والتدبر والتفكر وهذه عبادات المؤمنين
إن هذه العشر عشر عظيمة وهي أعظم أيام السنة على اإلطالق لوجود
اكليلة القدر فيها وألنها في شهر الصيام ِّإنَّا أَنزَ ْلنَاهُ ِّفي لَ ْيلَ ِّة ْالقَ ْد ِّر ِِّ* َو َما أَ ْد َر َ
ب ْال ُمبِّ ِّ
ين حم * َو ْال ِّكتَا ِّ ش ْه ٍر ِِّ(ِّ )1 ف َ َما لَ ْيلَةُ ْالقَ ْد ِّر ِِّ * لَ ْيلَةُ ْالقَ ْد ِّر َخي ٌْر ِّم ْن أَ ْل ِّ
ار َك ٍة ِّإنَّا ُكنَّا ُمنذ ِِّّرينَ * فِّي َها يُ ْف َر ُق ُك ُّل أَ ْم ٍر َح ِّك ٍيم * * ِّإنَّا أَنزَ ْلنَاهُ فِّي لَ ْيلَ ٍة ُّمبَ َ
س ِّمي ُع ْالعَ ِّلي ُم
أَ ْمرا ً ِّم ْن ِّعن ِّدنَا ِّإنَّا ُكنَّا ُم ْر ِّس ِّلينَ * َر ْح َمةً ِّمن َّر ِّب َك ِّإنَّهُ ُه َو ال َّ
3