You are on page 1of 3

‫الخطبة‬

‫الخطبة األولى‬ ‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الله عز وجل أثنى على المتهجدين في الليل‬
‫فأحسن عليهم الثناء ووعدهم أحسن ما يكون من الموعد الجميل ورغب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل وحث أمته عليه وهكذا العلماء‬
‫رغبوا فيه وحثوا على قيامه ونَبُ َل عند جميع المسلمين من‬
‫كان له حظ في قيام‪ ،‬فنحن نبين إلخواننا ما فيه من الفضل العظيم والحظ‬
‫الجزيل ليكون الراغب في قيام الليل على بصيرة من أمره يتاجر مواله‬
‫الكريم بعلم ويحسن الخدمة للمولى رجاء القربة منه‬
‫فأما ما وصف الله عز وجل به المتقين من أخالقهم الشريفة في الدنيا التي‬
‫أعقبتهم عند الله عز وجل شرف المنازل في دار السالم فأثنى عليهم بما‬
‫تفضل به عليهم ووفقهم له فله الحمد على ذلك‬
‫قال الله عز وجل‪{ :‬إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم‬
‫إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليال من الليل ما يهجعون وباألسحار هم‬
‫يستغفرون} فوصفهم جل ذكره بقلة النوم أنهم أكثر ليلهم قياما إلى السحر‬
‫ثم أخذوا عند السحر في االستغفار لما سلف منهم‬

‫قال جل ذكره فيما وصف به عباده من األخالق التي شرفهم بها فقال‪:‬‬
‫وعباد الرحمن الذين يمشون على األرض هونا‪ .‬وإذا خاطبهم الجاهلون‬
‫قالوا سالما‪ .‬والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}‬
‫فوصفهم جل ذكره أنهم في مبيتهم في ليلهم ليس هم كغيرهم من سائر الناس‬
‫وذلك أن أكثر الخلق يتلذذون بالنوم وهؤالء استأثروا الخدمة لموالهم الكريم‬
‫ثم وصفهم جل ذكره في موضع آخر فقال‪{ :‬تتجافى جنوبهم عن المضاجع‬
‫يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون}‬
‫وقال الله عز وجل {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر اآلخرة‬
‫ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون إنما‬
‫يتذكر أولوا األلباب}‬
‫قال محمد بن الحسين تدبروا رحمكم الله ما تسمعون من موالكم الكريم‬
‫كيف يخبر بكثرة سجودهم وطول قيامهم وحسن خدمتهم‪ ،‬ثم أخبر عنهم‬
‫الكد الشديد أنهم على حذر مما حذرهم من عظيم شأن اآلخرة وشدة‬ ‫بعد هذا ِّ‬

‫‪1‬‬
‫الخطبة‬

‫أهوالها‪ ،‬وأن الغالب على قلوبهم شدة الخوف والوجل مع المسارعة فيما‬
‫يرضيه‪ ،‬وكذلك وصفهم في موضع آخر من كتابه فقال عز وجل‪{ :‬إن‬
‫الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنو‪ .‬والذين هم‬
‫بربهم ال يشركون‪ .‬والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم‬
‫راجعون‪ .‬أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} وقال عز وجل‪:‬‬
‫{ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم‬
‫يسجدون} فأخبر عز وجل عن تالوتهم للقرآن في الليل تارة قياما وتارة لله‬
‫سجدا‪.‬‬

‫وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على قيام الليل ورغب‬
‫فيه أمته وأخبر أنه ال صالة بعد صالة الفريضة أفضل من قيام الليل‬
‫عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصالة بعد‬
‫الصالة المفروضة صالة الليل‬
‫عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل‬
‫فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله عز وجل ومكفرة للسيئات ومبرأة‬
‫من اإلثم ومنهاة عن اإلثم‪.‬‬
‫عن عائشة رحمها الله قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان‬
‫له صالة يصليها من الليل فنام عنها كان ذلك صدقة تصدق الله عز وجل‬
‫عليه وكتب له أجر صالته‬
‫عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استيقظ‬
‫من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا‬
‫والذاكرات‪.‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله رجال قام من الليل فصلى‬
‫وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها من الماء ورحم الله امرأة‬
‫قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه من‬
‫الماء‪.‬‬
‫عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في‬
‫الجنة غرفا يرى بطونها من ظهورها وظهورها من بطونها قال فقام‬

‫‪2‬‬
‫الخطبة‬

‫أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله فقال هي لمن طيب الكالم وأطعم الطعام‬
‫وأفشى السالم وصلى بالليل والناس نيام‪.‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود قال يضحك الله عز وجل إلى رجلين رجل قام في‬
‫جوف الليل وأهله نياما فتطهر ثم قام يصلي فيضحك الله إليه ورجل لقي‬
‫العدو فانهزم أصحابه وثبت حتى رزقه الله عز وجل الشهادة‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬
‫عباد الله وقد وصل المسلمون إلى أواخر شهرهم واقترب السباق من نهايته‬
‫وزادت حرارة اإليمان بدخول العشر ورجاء ليلة القدر ‪ ,‬فهذا أوان الجد‬
‫واالجتهاد وإخراج أكثر ما لدى للنفس من الطاعة والعبادة ‪ ,‬فاعمل يا عبد‬
‫الله بقدر ما تستطيع فإنها أيام ال تعود ‪ ,‬وإنها فرصة ال تعوض ‪ ,‬وال ندري‬
‫من الذي يدرك رمضان القادم ‪ ,‬وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد‬
‫في العشر األواخر من رمضان ما ال يجتهد في غيرها وكان يعتكف فيها‬
‫ويتحرى ليلة القدر خاللها وكان إذا دخل العشر أحيا الليلة وأيقظ أهله وشد‬
‫مئزره كناية عن االستعداد للعبادة واالجتهاد فيها أكثر من المعتاد ‪ ,‬تشهيرا ً‬
‫في الطاعات ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى ‪ ,‬اعتكاف في المسجد‬
‫وتباعد عن النساء كذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر‪ ,‬أحيا‬
‫ليله أي استغرقه بالسهر في الصالة وغيرها والنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لم يقم ليلة كاملة إلى الصباح ليصلي ولكنه صلى في تلك الليالي كثيرا ً جدا ً‬
‫وأطال الوقت في الصالة وما بقى من الليل استغرقه في االستغفار والذكر‬
‫والدعاء و والتذكر والتدبر والتفكر وهذه عبادات المؤمنين‬
‫إن هذه العشر عشر عظيمة وهي أعظم أيام السنة على اإلطالق لوجود‬
‫اك‬‫ليلة القدر فيها وألنها في شهر الصيام ِّإنَّا أَنزَ ْلنَاهُ ِّفي لَ ْيلَ ِّة ْالقَ ْد ِّر ِِّ* َو َما أَ ْد َر َ‬
‫ب ْال ُمبِّ ِّ‬
‫ين‬ ‫حم * َو ْال ِّكتَا ِّ‬ ‫ش ْه ٍر ِِّ(‪ِّ )1‬‬ ‫ف َ‬ ‫َما لَ ْيلَةُ ْالقَ ْد ِّر ِِّ * لَ ْيلَةُ ْالقَ ْد ِّر َخي ٌْر ِّم ْن أَ ْل ِّ‬
‫ار َك ٍة ِّإنَّا ُكنَّا ُمنذ ِِّّرينَ * فِّي َها يُ ْف َر ُق ُك ُّل أَ ْم ٍر َح ِّك ٍيم *‬ ‫* ِّإنَّا أَنزَ ْلنَاهُ فِّي لَ ْيلَ ٍة ُّمبَ َ‬
‫س ِّمي ُع ْالعَ ِّلي ُم‬
‫أَ ْمرا ً ِّم ْن ِّعن ِّدنَا ِّإنَّا ُكنَّا ُم ْر ِّس ِّلينَ * َر ْح َمةً ِّمن َّر ِّب َك ِّإنَّهُ ُه َو ال َّ‬

‫‪3‬‬

You might also like