You are on page 1of 23

‫تيسير الله‬

‫بشرح أدلة شروط ل إله‬


‫إل الله‬

‫لفضيلة الشيخ‬
‫عبيد بن عبدالله بن سليمان الجابري‬
‫‪-‬حفظه الله ‪-‬‬

‫اعتنى به ‪:‬‬
‫أبو جويرية عفا الله عنه وغفر له‬
‫ذنبه وستر له عيبه‬

‫تيسير الله بشرح أدلة شروط ل إله إل الـله‬


‫لفضيلة الشيخ عبيد بن عبدالله الجابري‬
‫المقـدمـة‬

‫الحميد ل رب العالميين والعاقبية للمتقيين وأشهيد أن ل إله إل ال وحده ل شرييك له ‪ ،‬قيوم السيماوات والراضيين‬
‫وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه المين صلى ال عليه وسلم وعيلى آله وصحبه الطيييبييين اليطياهييرين ‪.‬‬
‫أما بعييد ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫فهذا مختصر ضمنته شرحاً لما استدل به إمام الدعوة المباركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه ال على شروط‬
‫ل إله إل ال ‪ ،‬وسميته " تيسير الله بشرح أدلة شروط ل إله إل ال " ‪.‬‬

‫منهج التأليف‬

‫أولً‪ :‬قمت بكتابة شروط ل إله إل ال ‪ ،‬وأتبعت كل شرط بدليله ‪ ،‬مع المحافظة على لفظ المصنف ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬عزوت اليات القرآنية التي استدل بها المصنف إلى مواضعها من السور كما قمت بتخريج أحاديثه‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تقصدت في شرحي للدلة النقول عن أهل العلم فجعلتها جُل الشرح لسباب كثيرة منها ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬إعترافيي الصيريح لهيل السيابقة مين علماء السيلم والئمية بالفضيل الجزييل عليّي يحفزنيي على ذلك قوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ (:‬ل يشكر ال من ل يشكر الناس )‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬السييهام فييي دعوة شباب السييلم المتطلعييين إلى سييبل الرشاد والسييتقامة والمتحمسييين لسييبل الصييلح‬
‫والصيلح إلى أن ينهلوا مين كتيب علماء السيلم الذيين بنيو فقههيم على الكتاب والسينيّية وتربوا عليهميا ول يغتروا‬
‫ببريق الكتب الفكرية المعاصرة ‪ ،‬فإن غالبها مبني على الجهل بحقائق الدين أصولً وفروعاً ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬لعلي أعطييت دليلً قاطعيا ً على أن أئمية السيلم كشييخ السيلم ابين تيميية ومين قبله المام أحميد ومين جاء‬
‫بعدهما مثل شيخ السلم محمد بن عبد الوهاب و العلماء المعاصرين مثل ابن سعدي هم خير من يشرح ل إله إل‬
‫ال ‪ ،‬ويعرّفون الناس حقيقتهيا والعميل بمقتضاهيا وأن مين ادّعيى ذلك فيي أرباب الكتيب الفكريية قيد أبعيد النُييجعة‬
‫وأعظم الفرية ‪ ،‬ووجه سهما من السم بمقالته تلك بالتهوين من شأن أئمة الدعوة السلفية ودعا المة عامة والشباب‬
‫خاصية إلى النحراف عين منهيج السيلف وركوب البدع وميا أحسين ميا قاله أبيو عثمان النيسيابوري – رحميه ال –‬
‫ل نطق بالبدعة ‪.‬‬ ‫ل وفع ً‬
‫ل وفعلً نطق بالحكمة ومن أمّر الهوى على نفسه قو ً‬‫من أمّر السنيّية على نفسه قو ً‬
‫وصلى ال وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬

‫كــتبـــــــــــــــــــــــه ‪:‬‬
‫المدرس‬ ‫الفقيــر إلى الله‬
‫بالجامعـة السـلمية بالمدينـة النبويـة [سـابقا ] حرسـها الله وبارك فيهـا وفـي مشائخهـا‬
‫وعلمائها دعاة الحق على نور من الله وبصيرة ‪.‬‬

‫شروط ل إله إل الله ‪ :‬الشرط الول‬

‫قال رحمه ال تعالى ‪ [[:‬شروط ل إله إل ال ]]‬


‫قوله ‪ (( :‬شروط ))‬
‫جميع شرط والشرط فيي اللغية العلمية ويجميع على شروط وأشراط والمراد هاهنيا ميا يتحتيم على‬
‫المكلف معرفته والعمل به حتى يكون موحداً ظاهراً وباطناً‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫[[ الـشــرط الول‪ :‬العلم بمعناها نفيا واثباتا ‪.‬‬
‫•ودليل العلم قوله تعالى ‪ { :‬فاعلم أ نه ل إله إل ال }‪ .)(1‬وقوله { إل من ش هد‬
‫بالحق وهم يعلمون }‪ .)(2‬أي بل إله إل ال ‪.‬‬
‫{ وهم يعلمون } بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم‪.‬‬
‫•ومن السنـَـة ‪ :‬الحديث الثابت في الصحيح عن عثمان رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬من مات وهو يعلم أنه ل إله إل ال‬
‫دخل الجنة ) ‪]] .)(3‬‬

‫قوله ‪ (( :‬العلم بمعناها نفياً وإثباتا ))‬


‫يتضمين شطرهيا الول نفيي العبادة عميا سيوى ال عيز وجيل كميا يتضمين شطرهيا الثانيي إثباتهيا له‬
‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬فكما أن الحق جل عله ل شريك له في ملكه وخلقه وتدبيره فإنه ل شريك له في‬
‫عبادته ‪.‬‬
‫وهذا ميا بعيث ال به النيبيين والمرسيلين واتفقيت علييه دعوتهيم قال تعالى ‪ { :‬وميا أرسيلنا من قبلك‬
‫من رسولٍ إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون }‪.))4‬‬
‫وقال نوح وهود وصالح ‪ { :‬يا قوم اعبدوا ال مالكم من إله غيره }‪.))5‬‬
‫وقال تعالى مخبراً عن اتفاق دعوة النبياء والمرسلين { ولقد بعثنا في كل أمة رسول ً أن اعبدوا‬
‫ال واجتنبوا الطاغوت }‪. ))6‬‬
‫وقال عين الخلييل علييه الصيلة وسيلم { وإذ قال إبراهييم لبييه وقوميه إننيي براء مميا تعبدون إل‬
‫الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون } ‪.))7‬‬
‫وقال تعالى فيي ميا أمير بيه نيبيه محميد صيلى ال علييه وسيلم أن يبلغيه هذه المية { وقضيى ربيك أل‬
‫تعبدوا إل إياه } وقال في موضع آخر { واعبدوا ال ول تشركوا به شيئا }‪.‬‬
‫فهذه اليات وميا فيي معناهيا مين الكتاب الكرييم صيريحة الدللة على أن النيبياء والمرسيلين جميعاً‬
‫دعوا قومهم إلى تحقيق معنى ل إله إل ال أنه ل معبود بحق إل ال ‪.‬‬
‫قــــولــه ‪ { :‬فاعلم أنيه ل إله إل ال } تمامهييا { واسييتغفر لذنبييك وللمؤمنييين والمؤمنات وال يعلم‬
‫متقلبكم ومثواكم } ‪.))1‬‬

‫قال ابن سعدي رحمه ال ‪ " :‬العلم لبد فيه من إقرار القلب ‪ ،‬بمعنى ما طلب منه علمه ‪ ،‬وتمامه ‪،‬‬
‫أن يعمل بمقتضاه ‪ .‬وهذا العلم ‪ ،‬الذي أمر ال به – وهو العلم بتوحييد ال – فرض عين على كل‬
‫مسلم ‪ ،‬ل يسقط عن أحد ‪ ،‬كائنا من كان ‪ ،‬بل كل مضطر إلى ذلك‪ .‬والطريق إلى العلم بأنه ل إله‬
‫إل ال ‪ ،‬أمور ‪:‬‬

‫(‪ )1‬سورة محمد آيـ ‪19‬ــة ‪.‬‬


‫(‪ )2‬سورة الزخرف آيـ ‪ 86‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم كتاب اليمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً‬
‫(‪ )4‬سورة النبياء آيــ ‪25‬ـــة ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سورة العـراف (‪ )59‬هــود ( ‪.) 61 – 50‬‬
‫(‪ )6‬سورة الـنـحـل آيــ ‪ 36‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )7‬سورة الزخرف آيــ ‪ 26‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة محمد اليــ ‪ 19‬ــة ‪.‬‬
‫‪ )2‬تفسير ابن سعدي ‪30 /5‬‬

‫‪3‬‬
‫أحــدهــما ‪ :‬بل أعظمهما ‪ -:‬تدبير أسمائه وصفاته ‪ ،‬وأفعاله الدالة على كماله ‪ ،‬وعظمته ‪ ،‬وجلله‬
‫‪ ،‬فإنهيا توجيب بذل الجهيد فيي التأله له ‪ ،‬والتعبيد للرب الكاميل ‪ ،‬الذي له كيل حميد ومجيد ‪ ،‬وجلل‬
‫وجمال ‪.‬‬
‫الـثـانـي ‪ :‬العلم بأنه تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير ‪ ،‬فيعلم بذلك أنه المنفرد باللوهية ‪.‬‬
‫الــثـالث ‪ :‬العلم بأنيه المنفرد بالنعيم الظاهرة والباطنية ‪ ،‬الدينيية والدنيويية ‪ .‬فإن ذلك ‪ ،‬يوجيب تعلق‬
‫القلب به ‪ ،‬ومحبته ‪ ،‬والتأله له وحده ل شريك له‪.‬‬
‫الـرابــع ‪ :‬ما نراه ونسمعه ‪ ،‬من الثواب لولوية القائمين بتوحيده ‪ ،‬من النصر ‪ ،‬والنعم العاجلة ‪،‬‬
‫ومن عقوبته لعدائه المشركين به ‪ ،‬فإن هذا ‪ ،‬داع إلى العلم ‪ ،‬بأنه تعالى وحده ‪ ،‬المستحق للعبادة‬
‫كلها ‪.‬‬
‫الخامس ‪:‬معرفة أوصاف الوثان والنداد ‪ ،‬التي عبدت مع ال ‪ ،‬واتخذت آلهة ‪ ،‬وأنها ناقصة من‬
‫جميع الوجوه ‪ ،‬فقيرة بالذات ‪ ،‬ل تملك لنفسها ول لعابدها ‪ ،‬نفعًا ول ضراً ‪ ،‬ول موتاً ‪ ،‬ول حياةً ‪،‬‬
‫ول نشوراً ‪ ،‬ول ينصرون من عبدهم ‪ ،‬ول ينفعونهم بمثيقال ذرة ‪ ،‬من جلب خير ‪ ،‬أو دفع شر ‪،‬‬
‫فإن العلم بذلك ‪ ،‬يوجب العلم ‪ ،‬بأنه ل إله إل ال ‪،‬وبطلن إلهية ما سواه‪.‬‬
‫الـسـادس ‪ :‬اتفاق كتب ال على ذلك وتواطؤها عليه ‪.‬‬
‫الــسـابــع ‪ :‬أن خواص الخلق ‪ ،‬الذيين هيم أكميل الخليقة أخلقاً وعقولً ‪ ،‬ورأييا ‪ ،‬وصيواباً ‪ ،‬وعلميا‬
‫– وهم الرسل والنبياء والعلماء الربانيون – قييد شهدوا ل بذلك‪.‬‬
‫الــثـامـن ‪ :‬ميا أقاميه ال مين الدلة الفقيية والنفسيية ‪ ،‬التيي تدل على التوحييد أعظيم دللة ‪ ،‬تنادي‬
‫عليه بلسان حالها ‪ ،‬بما أودعها من لطف صنعته ‪ ،‬وبديع حكمته ‪ ،‬وغرائب خلقه ‪ ،‬فهذه الطرق ‪،‬‬
‫التي أكثر ال من دعوة الخلق بها ‪ ،‬إلى أنه ل إله إل ال ‪ ،‬وأبداها في كتاب ‪ ،‬وأعادها ‪ ،‬عند تأمل‬
‫العبد في بعضها ‪ ،‬لبد أن يكون عنده يقين ‪ ،‬وعلم بذلك ‪ ،‬فكيف ‪ ،‬إذا اجتمعت وتواطأت ‪ ،‬واتفقت‬
‫‪ ،‬وفامت أدلة للتوحيد من كل جانب ‪.‬‬

‫فهناك يرسخ اليمان والعلم بذلك ‪ ،‬في قلب العبد ‪ ،‬بحيث يكون كالجبال الرواسي ل تزلزله الشبه‬
‫والخيالت ‪ ،‬ول يزداد – على تكرار الباطل والشبه – إل نموا وكمالً‪.‬‬
‫هييذا ‪ ،‬وان نظرت إلى الدليل العظيم ‪ ،‬والمر الكبير – وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في‬
‫آياته فإنه الباب العظم إلى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما ل يحصيييييييييل في‬
‫غيره " ‪ .‬أهي(‪)2‬‬

‫مــا تفيده اليــة ‪:‬‬

‫أولً ‪ :‬وجوب العلم بمعنيى ل إله إل ال نفيًا وإثباتاً وقيييد ذكيير الشييخ رحميه ال الطرق الموصيلة‬
‫إلى هيذا العلم ‪.‬‬
‫ثانيـــاً ‪ :‬فييي أمره صييلى ال عليييه وسييلم بالسييتغفار للمؤمنييين والمؤمنات شمول للعصيياة ميين‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫قال المام أحمييد ‪ :‬وميين مات ميين أهييل القبلة موحداً يصييلي عليييه ويسييتغفر له ول يحجييب عنييه‬
‫‪1‬‬
‫الستغفار ول تترك الصلة عليه لذنب أذنبه – صغيراً كان أو كبيراً – أمره إلى ال تعالى‬
‫قـلـت ‪ - :‬هيذا هو ما أجمع عليه أهل السنيّية فيمن مات على كبيرة من أهل التوحيد‪.‬‬
‫ثـالـثـاً ‪ :‬إحاطة علم ال بأعمال العباد ومجازاتهم عليها ‪.‬‬

‫قـولــه ‪ (( :‬إل من شهد بالحق وهم يعلمون ))‬

‫‪ )11‬أصول السنة ص ‪60‬‬

‫‪4‬‬
‫قال ابن كثير رحمه ال ‪ " :‬هييذا استثناء منقطع أي لكن من شهد بالحق على بصيرة وعلم فإنه‬
‫‪2‬‬
‫تنفع شفاعته عنده بإذنه ليه " ا‪.‬هي‬
‫قــولــه ‪ (( :‬أي بل إله إل ال ))‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ‪ " :‬أي نطق بلسانه مقرا بقلبه عالما بما يشهد به ويشترط أن‬
‫يكون شهادته بالحق وهي الشهادة ل تعالى بالوحدانية ولرسله بالنبوة والرسالة وصحة ما جاءوا‬
‫‪3‬‬
‫به من أصول الدين وفروعه وحقائقه وشرائعه "‬
‫قــولــه ‪ :‬في (( الصحيح ))‪ :‬أي في صحيح مسلم ‪.‬‬
‫قــــولــه ‪ (( :‬مــن مات وهــو يعلم ‪ ...‬الخ )) ‪ :‬قال النووي مبوباً عليييه فييي كتاب اليمان ‪ " :‬باب‬
‫الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً " ‪.‬‬
‫قــلـت ‪ - :‬اتفيق صيحة اسيتشهاد المصينف واسيتنباط النووي مين لفيظ الحدييث ‪ ،‬وفيي معناه أحادييث‬
‫كثيرة منها‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ميا رواه الشيخان عين عبادة بين الصيامت رضيي ال عنيه قال ‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ( :‬من شهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى‬
‫عبيد ال ورسيوله وكلمتيه ألقاهيا إلى مرييم وروح منيه والجنية حيق والنار حيق أدخله ال الجنية على‬
‫‪4‬‬
‫ما كان من العمل "‬
‫ثـانـيـا ً ‪ :‬ما رواه مسلم عن جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ":‬من لقي ال ل يشرك‬
‫به شيئا دخل الجنة ‪ ،‬ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار" ‪.5‬‬

‫فهذه الحاديث كما ترى وما في معناها تفيد أمرين ‪- :‬‬


‫الول ‪ :‬الوعد بدخول الجنة لمن مات على التوحيد ‪.‬‬
‫والثانــي ‪ :‬أن مرتكييب الكييبيرة ل يخرج عيين مسييمى اليمان ففيهييا شاهييد لمعتقييد أهييل السيينيّية‬
‫والجماعة أن الفاسق الملي مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ويزيد هذا توضيحاً ما رواه البخاري عن‬
‫أنيس رضيي ال عنيه قال ‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ‪ ( :‬مين صيلى صيلتنا واسيتقبل‬
‫‪6‬‬
‫قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة ال وذمة رسول ال فل تخفروا ال في ذمته )‬

‫الشرط الثاني‬

‫[[ الشرط الثاني ‪ :‬اليقين وهو كمال العلم بها المنافي للشك والريب ‪.‬‬
‫ودليـل اليقيـن ‪ :‬قوله تعالى { إنمـا المؤمنون الذيـن آمنوا بال ورسـوله ثـم لم‬
‫يرتابوا وجاهدوا بأموالهـم وأنفسـهم فـي سـبيل ال أولئك هـم الصـادقون } ‪.)(1‬‬

‫‪ )22‬تفسير ابن كثير ‪147 / 4‬‬


‫‪ )33‬تفسير ابن سعدي ‪461 /4‬‬
‫‪ )44‬البخاري كتاب النبياء باب قوله تعالى‪ ( :‬إذ قالت الملئكة يا مريم إن ال يبشرك بكلمة منه إسمه المسيح بن مريم) ‪.‬مسلم كتاب‬
‫اليمان باب ‪ :‬الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا‬
‫‪ )55‬مسلم كتاب اليمان باب ‪ :‬من مات ل يشرك بال شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار‬
‫‪ )66‬البخاري ‪ :‬أبواب القبلة ‪ :‬فضل استقبال القبلة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة الحجرات آيــ ‪ 15‬ــة ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فاشترط فـي صـدق إيمانهـم بال ورسـوله كونهـم لم يرتابوا ‪ ،‬أي لم يشكوا فأمـا‬
‫المرتاب فهو من المنافقين ‪.‬‬
‫ومن السنـَـة ‪ :‬الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( أشهد أن ل إله إل ال وأني رسول ال‬
‫ل يلقي ال بهما عبد غير شاك فيهما إل دخل الجنة )‪.)(2‬‬
‫وفي رواية( ل يلقي ال بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة )‪.)(3‬‬
‫وعن أبي هريرة أيضا من حديث طويل( من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن‬
‫‪]] .‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫ل إله إل ال مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة)‬

‫قــولــه ‪ (( :‬إنما المؤمنون الذين أمنوا بال ورسوله )) ‪ ..‬الية ‪.‬‬


‫{ إنميا } أداة حصير وهيو إثبات الحكيم فيي المذكور ونفييه عميا سيواه ‪ ،‬والمعنيى ‪ :‬أن مين أهيل‬
‫ل وفعلً واعتقاداً غييير شاك فييي ذلك ول‬ ‫اليمان الحييق ظاهراً وباطنًا ميين آميين بال ورسييوله قو ً‬
‫مرتاب وجاهد بماله ونفسه في سبيل ال ولهذا قال ‪ { :‬أولييئيك هم الصادقون } ‪.‬‬
‫والشاهيد مين اليية ‪ { :‬ثيم لم يرتابوا } وفيي اليية غيير ميا اسيتدل له المصينف دلييل على أن العميل‬
‫من مسمى اليمان ‪.‬‬
‫ووجيه دللتهيا على ذلك ذكير الجهاد فيي سيبيل ال وهيو عميل ضمين خصيال اليمان الواردة فيي‬
‫الية ‪.‬‬
‫ويدل لذلك من السنيّية ما رواه الشيخان عن أبى حمزة قال ‪ :‬كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين‬
‫الناس فأتتيه امرأة تسيأله عين نيبيذ الجير ‪ :‬فقال‪ :‬إن وفيد عبيد الييقيس أتوا رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم [ من الوفد ؟ أو من القوم ؟ قالوا ‪ :‬ربيعة قال [ مرحباً‬
‫بالقوم ‪ ،‬أو بالوفد ‪ ،‬غير خزايا ول ندامى ] قال ‪ :‬فقالوا يا رسول ال إنا نأتيك من شقة بعيدة وإن‬
‫بيننيا وبينيك هذا الحيي مين كفار مضير وإنيا ل نسيتطيع أن نأتييك إل فيي شهير الحرام فمرنيا بأمير‬
‫فصيل نخيبر بيه مين وراءنيا ندخيل بيه الجنية ‪ ،‬قال ‪ :‬فأمرهيم بأربيع ‪ :‬ونهاهيم عين أربيع ‪ .‬قال أمرهيم‬
‫باليمان بال وحده وقال [ هل تدرون ما اليمان بال ] قالوا ال ورسوله أعلم قال ‪ [ :‬شهادة أن ل‬
‫إله إل ال وأن محمدأً رسول ال ‪ ،‬وٌقام الصلة وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وصوم رمضان ‪ ،‬وأن تؤدوا خمساً‬
‫من المغنم ‪ ....‬الحديث ‪.))1‬‬
‫الشاهد منه تفسير النبي صلى ال عليه وسلم اليمان بأعمال السلم الظاهرة ‪.‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬من السنـّـة الحديث الثابت في الصحيح ‪)).‬‬


‫قلت ‪ :‬هو في صحيح مسلم وله قصة عن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬كنا مع النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم في مسير قال فنفدت أزواد القوم قال حتى هم بنحر بعض حمائلهم قال ‪ :‬فقال عمر يا‬
‫رسيول ال لو جمعيت ميا بقيي مين أزواد القوم فدعوت ال عليهيا قال ففعيل قال فجاء ذو البر بيبره‬

‫(‪ )2‬مسلم كتاب اليمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا‪.‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬المصدر نفسه ‪.‬‬
‫(‪ )1‬البخاري مواقيت الصلة باب ( منيبين إليه واتقوه و أقيموا الصلة ول تكونوا من المشركين)‪ .‬مسلم كتاب اليمان ‪ :‬باب المر‬
‫باليمان بال تعالى ورسوله صلى ال عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه‬

‫‪6‬‬
‫وذو التميييير بتمره ‪ ،‬قال مجاهييييد وذو النواة بنواه قلت ‪ :‬ومييييا كانوا يصيييينعون بالنوى قال كانوا‬
‫يمصونه ويشربون عليه الماء ‪ ،‬قال فدعا عليها حتى مل القوم أزودتهم فذكره ‪.))2‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬أشهد أن ل إله إل ال وأني رسول ال )) ‪.‬‬
‫الشهادة فييي اللغيية العلم والقرار ‪ ،‬والمراد بييه هاهنييا اعتراف المكلف ل بالعبادة والوحدانييية‬
‫وللنبي صلى ال عليه وسلم بالرسالة ‪.‬‬
‫قــولـه ‪ (( :‬ل يلقى ال بهما عبد )) ‪.‬‬
‫أي يوم القيامة بالشهادة ل بالوحدانية ولنبيه بالرسالة ‪.‬‬
‫قـولـه ‪ (( :‬غير شاكٍ فيهما )) ‪.‬‬
‫أي مرتاب ول متردد ‪.‬‬
‫وهذا هو وجه الشاهد من الحديث ‪.‬‬
‫قـولـه ‪ (( :‬وفي رواية )) ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هيو كالذي قبله عنيد مسيلم وبنفيس السيياق ميع اختلف يسيير وفييه تحدييد بأن تلك الحادثية‬
‫وقعت في غزوة تبوك‪.‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬فيحجب عن الجنة )) ‪:‬أي ل يمنع عن الجنة ‪ ،‬ولبد حيال ذلك من بيان أمرين ‪:‬‬
‫المرالول ‪ :‬أن الحجب عن الجنة نوعان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬حجب دائم وهذا في حق الكفار وهو المنفي عن من لقي ال على التوحيد‪.‬‬
‫والثانييي ‪ :‬حجييب مؤقييت ‪ ،‬وهذا قييد يصيييب بعييض الموحدييين لقترافهييم الكبائر كمييا دلت عليييه‬
‫الحاديث المتواترة في الشفاعة ‪.‬‬
‫والمـر الثانـي ‪ :‬أن الحجيب المنفيي فيي هذا الحدييث لييس على إطلقيه بيل مقييد بالقيود الثقال ‪ ،‬مين‬
‫العلم بمعنيى ل إله إل ال والعميل بمقتضاهيا وسيتعرف مزيداً مين البسيط عنيد كلمنيا على حدييث‬
‫عتبان في شرط الخلص ‪.‬‬
‫قــولـه ‪ (( :‬وعن أبي هريرة أيضاً من حديث طويل ))‬
‫قلت ‪ :‬هو عند مسلم ولفظه ‪ :‬كنا قعوداً حول رسول ال صلى ال عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر‬
‫في نفر فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا‬
‫وفزعنيا فقمنيا فكنيت أول مين فزع فخرجيت أبتغيي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حتيى أتييت‬
‫حائطاً للنصيار لبنيي النجار فدرت بيه هيل أجيد له بابيا فلم أجيد ‪ ،‬فإذا ربييع يدخيل فيي جوف حائط‬
‫من بئر خارجه ( والربيع الجدول ) فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال ‪ ( :‬أبو هريرة ؟ ) فقلت نعم يا رسول ‪ .‬قال ‪ ( :‬ما شأنك؟ ) قلت كنت بين أظهرنا‬
‫فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت‬
‫كما يحتفز الثعلب ‪ ،‬وهؤلء الناس ورائي فقال ( يا أبا هريرة ) وأعطاني نعليه ‪ ،‬قال إذهب بنعلي‬
‫هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن ل إله إل ال مستقيمًا بها قلبه فبشره بالجنة ) فذكر‬
‫الحديث وفيه أن عمر قال ‪ :‬يا رسول ال بأبي أنت وأمي ‪ ،‬ابعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد‬
‫أن ل إله إل ال مسيتيقناً بهيا قلبيه بشره بالجنية ؟ قال نعيم ؟ قال ‪ :‬فل تفعيل ‪ .‬فإنيي أخشيى أن يتكيل‬
‫الناس عليها فخلهم يعملون ‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم [ فخلهم ] ‪.))1‬‬
‫قــوله ‪ (( :‬فبشره ))‪.‬‬
‫يقال ‪ :‬أبشرت الرجييل وبشييّيرته وبشرتييه أخييبرته بسييار بسييط بشرة وجهييه ‪ ،‬وذلك أن النفييس إذا‬
‫سُرّت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر ‪ ،‬والمعنى أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أمر‬
‫أبا هريرة أن يعلم كل مسلم لقيه بأنه من أهل الجنة ‪.‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬مستيقناً بها قلبه )) ‪.‬‬
‫اشتراط اليقين يستلزم نفي الشك والريب وهذا هو محل الشاهد من الحديث‪.‬‬

‫(‪ )2‬مسلم كتاب اليمان باب الدليل عل أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً ‪.‬‬
‫(‪ )1‬مسلم كتاب اليمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مـا تـفـيــده الحــاديث ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬وجوب اليمان باليوم الخر وما فيه من حساب وجزاء ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬فضل التوحيد وأنه سبب في دخول الجنة لمن مات عليه موقناً به‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬أن العبرة في قبول الشورى بالصابة و إن كانت من واحد وأنه ل عبرة بجمع الصوات ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬إن درء المفاسيييد مقدم على جلب المصيييالح ومرد ذلك إلى الشرع ل إلى مجرد العقيييل ‪،‬‬
‫وشواهد ذلك من النصوص تفوق الحصر ول يتسع المجال لذكرها في هذا الموضع ‪.‬‬

‫الشرط الثالث‬

‫[[ الــشــرط الــثــالــث ‪:‬الخلص المنافي للشرك‪.‬‬


‫ودليل الخلص ‪ :‬قوله تعالى { أل ل الدين الخالص }‪.)(2‬‬
‫وقوله سبحانه وتعالى { وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين حنفاء }‪.)(3‬‬
‫ومن السنـَـة ‪ :‬الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى ال‬
‫عل يه و سلم [ أ سعد الناس بشفاع تي من قال ل إله إل ال خال صا من قل به أو‬
‫نفسه ] ‪.)(4‬‬
‫وفي الصحيح عن عتبان بن مالك رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪ [ :‬إن ال حرم على النار مـن قال ل إله إل ال يبتغـي بذلك وجـه ال عـز‬
‫وجل ] ‪.)(5‬‬
‫وللنسائي في " اليوم والليلة " من حديث رجلين من الصحابة عن النبي صلى ال‬
‫عليه و سلم قال [ من قال ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد‬
‫و هو على كل ش يء قد ير مخل صا ب ها قل به ي صدق ب ها ل سانه إل ف تق ال ل ها‬
‫السماء فتقا حتى ينظر إلى قائلها من أهل الرض ‪ ،‬وحق لعبد نظر ال إليه أن‬
‫يعطيه سؤله ]‪]] .)(1‬‬

‫قــولـــه ‪ (( :‬الخـلص )) ‪ :‬هو في اللغة ‪ :‬التصفية‪ .‬وفي الشرع ‪ :‬تخليص العبادة وتصفيتها من‬
‫شائبة الشرك والرياء ‪.‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬أل ل الدين الخالص ))‬

‫(‪ )2‬سورة الزمر آيــ ‪ 3‬ــة ‪.‬‬


‫(‪ )3‬ســورة الـبــيــنـة آيـــ ‪ 5‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري كتاب العلم باب الحرص على الحديث ‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري كتاب المساجـد باب المساجد في البيوت ‪.‬‬
‫(‪ )1‬عمل اليوم والليلة ص ‪.150‬‬

‫‪8‬‬
‫قال ابين كثيير رحميه ال ‪ " :‬أي فاعبيد ال وحده ل شرييك له وادع الخلق إلى ذلك وأعلمهيم أنيه ل‬
‫تصيلح العبادة إل له وحده وأنيه لييس له شرييك ول عدييل ول ندييد ولهذا قال تعالى { أل ل الديين‬
‫الخالص } أي ل تقبل من العمل إل ما أخلص فيه العامل ل وحده ل شريك له ‪ ".‬أ‪.‬هيي‪.))2‬‬
‫وقال ابن سعدي رحمه ال ‪ " :‬هذا تقرير للمر بالخلص وبيان أنه تعالى كما أنه له الكمال كله‬
‫وله التفضل على عباده من جميع الوجوه فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب فهو‬
‫الدين الذي ارتضاه لنفسه وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به لنه متضمن للتأله ل في حبه وخوفه‬
‫ورجائه والنابة إليه في تحصيل مطالب عباده وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيهيا ويطهرها دون‬
‫الشرك به في شيء من العبادة فإن ال بريء منه وليس ل فيه شيء" انتهى محل الشاهد‪.))3‬‬
‫ويزييد ميا ذكره هذان المامان فيي معنيى اليية توضيحًا وتأكيداً ميا رواه المام مسيلم فيي صيحيحه‬
‫عين أبيي هريرة رضيي ال عنيه قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال ال تعالى ‪ ( :‬أنيا‬
‫أغينيى الشركاء عن الشرك من عمل عملً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)‪.))4‬‬

‫قــــولــه ‪ (( :‬ومـــا أمروا إل ليعبدوا ال مخلصــين له الديــن حنفاء )) تمامهييا { ويقيموا الصييلة‬
‫ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ‪ { " :‬وما أمروا } في سائر الشرائع { إل ليعبدوا ال مخلصين‬
‫له الدييين } أي قاصييدين بجميييع عباداتهييم ‪ ،‬الظاهرة والباطنيية وجييه ال وطلب الزلفييى لديييه ‪.‬‬
‫{ حنفييياء } أي معرضيين مائليين عين سيائر الديان ‪ ،‬المخالفية لديين التوحييد ‪ ،‬وخيص الصيلة‬
‫والزكاة بالذكير ميع أنهميا داخلن فيي قوله { ليعبدوا ال مخلصيين له الديين } لفضلهميا وشرفهميا‬
‫وكونهميا العبادتيين اللتيين مين قام بهميا قام بجمييع شرائع الديين { وذلك } أن التوحييد والخلص‬
‫فيي الديين هميا { ديين القيمية } أي الديين المسيتقيم ‪ ،‬الموصيل إلى جنات النعييم وميا سيواه فطرق‬
‫موصلة إلى الجحيم"‪.))5‬أهي‬
‫قلت ‪ :‬وفيمييا أسييلفنا ميين الدلة على وجوب الخلص ومييا يأتييي فييي الباب تأكيييد لمييا قاله الشيييخ‬
‫رحمه ال ‪.‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬ومن السنيّية ‪ :‬الحديث الثابت في الصحيح عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬أسعد الناس بشفاعتي من قال ل إله إل ال خالصاً من قلبيييييييييييييه‬
‫أو نيفيسيه" ))‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪))6‬‬
‫قـلـت ‪ :‬الحديث في صحيح البخاري ‪ .‬وغييييره ‪ .‬ولفظه عند البخاري عن أبي هريرة أنه قال‬
‫‪ :‬قيل يا رسول ال ‪ :‬من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫( لقيد ظننيت – ييا أبيا هريرة – أن ل سيألني عين هذا الحدييث أول منيك ‪ ،‬لميا رأييت مين حرصيك‬
‫على الحديث ‪ ،‬أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال ل إله إل ال خالصاً من قلبه أو نفسه )‪.‬‬
‫وأعلم بأن الشفاعية المذكورة فيي هذا الحدييث هيي الشفاعية فيي أهيل الكبائر مين الموحديين ‪ ،‬تلك‬
‫الشفاعة التي أنكرها طوائف من المبتدعة كالخوارج والمعتزلة‪.‬‬
‫قال الحافيظ فيي الفتيح على هذا الحدييث ‪ " :‬لعيل أبيا هريرة سيأل عين ذلك عنيد تحديثيه صيلى ال‬
‫علييه وسيلم بقوله ‪ ( :‬وأرييد أن أختبيئ دعوتيي شفاعية لمتيي فيي الخرة ) وقييد تقدم سيياقة وبيان‬
‫الفاظه في أول كتاب الدعوات ومن طرقه ( شفاعتي لهل الكبائر من أمتي ) " ‪.))1‬‬
‫قـــلـت ‪ :‬وبهذا يتضيح لك صييحة احتجاج أهيل السيينيّية والجماعية على ثبوت هذه الشفاعية وفسيياد‬
‫مذهب المخالف ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير ابن كثير ‪.49 /4‬‬
‫(‪ )3‬تفسير ابن سعدي ‪.306 /4‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك في عمله غير ال ‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير ابن سعـدي ‪.442 /5‬‬
‫(‪ )6‬البخاري كتاب العلم باب الحرص على الحديث ‪ )7 .‬أنظر ظلل الجنة ‪394 /2‬‬
‫‪7‬‬

‫(‪ )1‬فتح الباري كتاب الرقاق باب صفة الجنة والنار ‪.443 /11‬‬

‫‪9‬‬
‫قــولــه ‪ :‬وفي الصحيح عن عتبان بن مالك ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫قــلـت ‪ :‬الحدييث عنيد الشيخيين وله قصية ولفيظ البخاري أن عتبان ابين مالك وهيو مين أصيحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ممن شهد بدراً من النصار ‪ :‬أنه أتى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم فقال ‪ :‬ييا رسيول ال قيد أنكرت بصيري وأنيا أصيلي لقوميي فإذا كانيت المطار سيال الوادي‬
‫الذي بينيي وبينهيم لم أسيتطع أن آتييي مسيجدهم فأصيلى بهيم ‪ ،‬لوددت ‪ -‬يارسيول ال ‪ -‬أنيك تأتينيي‬
‫فتصيلي فيي بيتيي فأتخذه مصيلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ( سيأفعل إن شاء‬
‫ال ) ‪ ،‬قال عتبان ‪ :‬فغدا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأبيو بكير حيين ارتفاع النهار فاسيتأذن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فأذنيت له فلم يجلس حتيى دخيل البييت ثيم قال ‪ ( :‬أيين تحيب أن‬
‫أصيلي مين بيتيك ) قال ‪ :‬فأشرت إلى ناحيية مين البييت فقام رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فكيبر‬
‫فقمنيا فصيففنا فصيلى ركعتيين ثيم سيلم قال ‪ :‬وحبسيناه على خزيرة صينعناها له ‪ ،‬قال ‪ :‬فثاب فيي‬
‫البيت رجال من أهل الدار ذو عدد فاجتمعوا فقال قائل منهم أين مالك بن الدّخيشن أو ابن اليدّخشن‬
‫؟ فقال بعضهم ذلك منافق ل يجب ال ورسوله فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( ل تيقيل ذلك‬
‫‪ ،‬أل تراه قييييد قال ل إله إل ال ‪ ،‬يرييييد بذلك وجيييه ال ) قال ‪ :‬ال ورسيييوله أعلم قال ‪ :‬فإن نرى‬
‫وجهه ونصيحته إلى المنافقين قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬فذكره ‪.‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬فإن ال قــد حرم على النار )) ‪.‬‬


‫قلت ‪ :‬التحريم نوعان ‪:‬‬
‫تحريم دخول وهذا في حق من مات على التوحيد غير مرتكب للكبائر ول مصر على الصغائر‪.‬‬
‫وتحرييم خلود وهذا فيي حيق عصياة الموحديين كميا دلت علييه أحادييث الشفاعية المتواترة فيي أهيل‬
‫الكبائر ‪.‬‬
‫قــــولــه ‪ (( :‬مــن قال ل إله إل ال )) أي تلفييظ بالشهادة ولبييد ميين العلم بأن هذا القول مقيييد كمييا‬
‫سبق في حديث أبي هريرة في الشرط الثاني وكما سيأتي ‪.‬‬
‫قــولــه ‪ [(( :‬يبتغي بذلك )) أي يطلب ويرجو والشارة بذلك إلى النطق بالشهادة ‪.‬‬
‫قـــولــه ‪ (( :‬وجـه ال )) فييه إثبات صيفه الوجيه ل والشاهيد مين الحدييث اشتراط الخلص فيي‬
‫النطق الشهادة‪.‬‬
‫كميا يفييد أحكاماً أخرى منهيا ‪ :‬تحرييم أهيل التوحييد الخالص على النار وأعلم أن التحرييم فيي هذا‬
‫الحديث وما في معناه ليس على إطلقيه بل مقيد ‪.‬‬
‫ل لشييخ السيلم‬ ‫قال الشييخ سيليمان بين عبيد ال فيي شرحيه على هذا الحدييث بعيد نقله كييلماً مطو ً‬
‫ابين تيميية ‪ " :‬وحاصيله أن ل إله إل ال سيبب لدخول الجنية والنجاة مين النار ومقتضيًا لذلك ولكين‬
‫المقتضييى ل يعمييل عمله إل باسييتجماع شروطييه وانتفاء موانعييه فقييد يتخلف عنييه مقتضاه لفوات‬
‫شرط مين شروطيه أو لوجود مانيع ‪ ،‬ولهذا قييل للحسين إن ناسياً يقولون ‪ (( :‬مين قال ل إله إل ال‬
‫دخل الجنة )) ‪ ،‬فقال من قال ‪ " :‬ل إله إل ال فأدى حقها وفرضها دخل الجنة "‪.‬‬
‫وقال وهب بن منبة ‪ :‬لمن سأله ‪ :‬أليس ل إله إل ال مفتاح الجنة ؟ قال ‪ " :‬بلى ولكن ما من مفتاح‬
‫إل وله أسنان ‪ ،‬فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإل لم يفتح"‪.‬‬
‫ويدل على ذلك أن ال رتيب دخول الجنية على اليمان والعمال الصيالحة وكذلك النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم كما في (( الصحيحين )) عن أبي أيوب ‪ ،‬أن رجلً قال ‪ :‬يا رسول ال أخبرني بعمل‬
‫يدخلنييي الجنيية فقال ‪ ( :‬تعبييد ال ول تشرك بييه شيئا ‪ ،‬وتقيييم الصييلة ‪ ،‬وتؤتييي الزكاة ‪ ،‬وتصييل‬
‫الرحم) ‪ .‬وفي المسند ‪ ،‬عن بشر بن الخصاصية قال ‪ :‬أتيت النبي صلى ال عليه وسلم لبايعه ‪،‬‬
‫فاشترط علي ّي شهادة ل إله إل ال و أن محمدا ً عبييد ال ورسييوله ‪ ،‬وأن أقيييم الصييلة ‪ ،‬وأن آتييي‬
‫الزكاة ‪ ،‬وأن أحييج حجيية السييلم ‪ ،‬وأن أصييوم رمضان ‪ ،‬وأن أجاهييد فييي سييبيل ال ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يييا‬
‫رسول ال أما اثنتين ‪ ،‬فو ال ما أطيقهما الجهاد والصدقة ‪ ،‬فقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يده ثيم حركهيا وقال ‪ :‬فل جهاد ول صيدقة ‪ ،‬فبيم تدخيل الجنية إذاً ؟ قلت ‪ :‬ييا رسيول ال أبيا يعيك‬
‫عليهين كلهين ‪ ،‬ففيي الحدييث أن الجهاد والصيدقة شرط فيي دخول الجنية ميع حصيول التوحييد ‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫والصييلة ‪ ،‬والحييج ‪ ،‬والصيييام ‪ ،‬والحاديييث فييي هذا الباب كثيرة ‪ ،‬وفيييه تحريييم النار على أهييل‬
‫‪))1‬‬
‫التوحيد الكامل ‪ ،‬وفيه أن العمل ل ينفع إل إذا كان خالصاً ل تعالى‪".‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا الذي ذكره الشيخ يتحتم المصير إليه جمعاً بين النصوص‪.‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬وللنسائي ‪ :‬في اليوم والليلة من حديث رجلين ‪ )) ..‬الخ‪.‬‬


‫قــلـت ‪ :‬وفييي إسيينياده مييحيميد بين عييبيد ال بين مييييميون ويييعيقيوب بين عيياصيم ابين عروة بين‬
‫مسعود ‪.‬‬
‫قال الحافييظ فييي كييل منهمييا‪ " :‬مقبول " ‪ ،‬والمعروف فيميين هذا حاله فييي اصييطلحه انييه لييين‬
‫الحدييث إذا لم يتابيع فالحدييث على هذا ضعييف ولم أجيد له مين الشواهيد والمتابعات ميا يقوييه وال‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫الشرط الرابع‬

‫[[ الــشــرط الـرابــع ‪-:‬الصدق المنافي للكذب المانع من النفاق ودليل‬


‫الصدق ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ل‬
‫يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }‪.)(2‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬و من الناس من يقول أم نا بال واليوم ال خر و ما هم بمؤمن ين‬
‫يخادعون ال والذين أمنوا وما يخدعون إل أنفسهم وما يشعرون في قلوبهــم‬
‫مرض فزادهم ال مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون }‪.)(3‬‬
‫ومن السنـَـة ‪ :‬ما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي ال عنه عن‬
‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم ‪ ( :‬ما من أ حد يش هد أن ل إله إل ال وأن محمدا‬
‫عبده ورسوله صدقا من قلبه إل حرمه ال على النار ) ‪]] .)(1‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬ألم ‪ .....‬اليات )) ‪.‬‬


‫قال البغوي رحمه ال ‪ { " :‬ألم أحسب الناس } أظن الناس { أن يتركوا } بغير اختبار ول ابتلء‬
‫{ أن يقولوا } أي بأن يقولوا { آمنا وهم ل يفتنون } ل يبتلون في أموالهم وأنفسهم كل لنختبرنهم‬
‫لييبين المخلص مين المنافيق ‪ ،‬والصيادق مين الكاذب إلى أن قال وقييل { وهيم ل يفتنون } بالوامير‬
‫والنواهيي وذلك أن ال تعالى أمرهيم فيي البتداء بمجرد اليمان ثيم فرض عليهيم الصيلة والزكاة ‪،‬‬
‫وسائر الشرائع فشق على بعضهم فأنزل ال هذه الية ثم عزاهم فقال { ولقد فتنا الذين من قبلهم }‬
‫يعنييي النييبياء والمؤمنييين فمنهييم ميين نشيير بالمنشار ‪ ،‬ومنهييم مين قتييل ‪ ،‬وابيييتيُيليّ بنوا إسييرائيل‬
‫بفرعون فكان يسييومهم سييوء العذاب { فليعلميين ال الذييين صييدقوا } فييي قولهييم آمنييا { وليعلميين‬

‫(‪ )1‬تيسير العزيز الحميد (‪. )91‬‬


‫(‪ )2‬العـنـكـبـوت آيـ ‪ 30‬ــة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الـبـقـرة آيــ ‪ 8‬ـ ‪ 9‬ـ ‪ 10‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬البخاري كتاب العلم باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أل يفهموا ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الكاذبين } وال أعلم بهم قبل الختبار ‪ ،‬ومعنى الية وليظهرن الصادقين من الكاذبين حتى يوجد‬
‫معلومة " انتهى محل الغرض‪.))2‬‬
‫قـــولــه ‪ (( :‬ومـن الناس مـن يقول آمنـا بال وباليوم الخـر ‪ ...‬اليات )) هييذا إخبار مين ال جيل‬
‫وعل عميا درج علييه المنافقون مين إظهار اليمان بألسينتهم وإضمار الكفير فيي قلوبهيم مخادعية ل‬
‫زعموا والمؤمنيين كيي يغتروا بهيم ويركنوا إليهيم والنتيجية العكسيية لهذه المراوغية هيي خداعهيم‬
‫أنفسيهم ولكنهيم ل يشعرون بذلك لفرط جهلهيم وخبيث طويتهيم ‪ ،‬والباعيث لولييئك على هذا التلون‬
‫والكذب هوالشك { في قلوبهم مرض فزادهم ال مرضا } فالجزاء من جنس العمل ‪.‬‬
‫هذه عقوبتهيم فيي الدنييا وذلك نظييير قوله تعالى فيي كفار بنيي إسيرائيل { فلميا أزاغييوا أزاغ ال‬
‫قلوبهم وال ل يهدي القوم الفاسقين }‪.‬‬
‫وأما عقوبتهم في الخرة ففي قوله تعالى { ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون }‪.‬‬
‫ونظير ما قصه ال عن المنافقين في آيات البقرة هذه قوله تعالى من سورة النساء { إن المنافقين‬
‫يخادعون ال وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسيالى يراءون الناس ول يذكرون ال إل‬
‫قليل مذبذبين بين ذلك ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء ومن يضلل ال فلن تجد له سبيلً }‪. ))3‬‬
‫قال ابن سعدي ‪ :‬يخبر ال تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه من قبيح الصفات وشنائع السمات ‪،‬‬
‫وأن طريقتهييم مخادعيية ال تعالى ‪ ،‬أي بمييا أظهروه ميين اليمان وأبطنوه ميين الكفران ظنوا أنييه‬
‫يروج على ال ول يعلمييه ول يبديييه لعباده والحال أن ال خادعهييم بمجرد وجود هذه الحال منهييم‬
‫ومشيهييم عليهييا ‪ ،‬خداع لنفسييهم وأي خداع أعظييم مميين يسييعى سييعياً يعود عليييه بالهوان والذل‬
‫والحرمان ؟‬
‫ويدل – بمجرده – على نقيص عقيل صياحبه ‪ ،‬حييث جميع بيين المعصيية ورآهيا حسينة وظنهيا مين‬
‫العقيل والمكير ‪ ،‬فال ميا يصينع الجهيل والخذلن بصياحبه ومين خداعيه لهيم يوم القيامية ميا ذكره ال‬
‫فيي قوله ‪ { :‬يوم يقول المنافقون والمنافقات للذيين آمنوا إنظرونيا نقتبيس مين نوركيم قييل ارجعوا‬
‫وراءكيم فالتمسيوا نورا فضرب بينهيم بسيور له باب باطنيه فييه الرحمية وظاهره مين قبله العذاب‬
‫ينادونهم ألم نكن معكم } إلى آخر اليات ‪.‬‬
‫ومين صيفاتهم أنهيم ‪ { :‬إذا قاموا إلى الصيلة } التيي هيي أكيبر الطاعات العمليية إن قاموا { قاموا‬
‫كسالى } متثاقلين لها متبرمين من فعلها ‪.‬‬
‫والكسيل ل يكون إل مين فقيد الرغبية مين قلوبهيم ‪ ،‬فلول أن قلوبهيم فارغية مين الرغبية إلى ال وإلى‬
‫ما عنده ‪ ،‬عادمة لليمان لم يصدر منهم الكسل ‪.‬‬
‫{ يراءون الناس } أي هذا الذي انطوت عليه سرائرهم وهذا مصدر أعمالهم ‪ ،‬مراءاة الناس ‪،‬‬
‫يقصدون رؤية الناس وتعظيمهم واحترامهم ول يخلصون ل‪.‬‬
‫فلهذا ‪ { :‬ل يذكرون ال إل قليل } لمتلء قلوبهييم ميين الرياء فإن ذكييير ال تعالى وملزمتييه ل‬
‫يكون إل مين مؤمين ممتلئ قلبييه بمحبية ال وعظمتيه ‪ { .‬مذبذبييين بيين ذلك ل إلى هؤلء ول إلى‬
‫هؤلء } أي متردديين بيين فرييق المؤمنيين وفرييق الكافريين ‪ ،‬فل مين المؤمنيين ظاهرا وباطنيا ول‬
‫من الكافرين ظاهرا وباطنا ‪ ،‬أعطوا باطنهم للكفرين وظاهرهم للمؤمنين وهذا أعظم ضلل يقدر‪.‬‬

‫ولهذا قال ‪ { :‬ومين يضلل ال فلن تجيد له سيبيل } أي ‪ :‬لن تجيد طريقيا لهدايتيه ول وسييله لترك‬
‫غوايتييه لنييه انغلق عنييه باب الرحميية وصييار بدله كييل نقميية ‪ ،‬فهذه الوصيياف المذموميية تدل‬
‫بييتينيبيييهها على أن المؤمنيين متصيفون بضدهيا مين الصيدق والخلص ظاهرا وباطنيا وأنهيم ل‬
‫يجهيل ميا عندهيم مين النشاط فيي صيلتهم وعبادتهيم وكثرة ذكرهيم ل تعالى وأنهيم قيد هداهيم ال‬
‫ووفقهيم للصيراط المسيتقيم فليعرض العاقيل نفسيه على هذيين المريين وليختير أيهيا أولى بيه وال‬
‫المستعان أهي ‪.))1‬‬

‫(‪ )2‬تـفـسـيـر الـبـغـوي ‪.3/460‬‬


‫(‪ )3‬سورة النـسـاء آيــ ‪ 143‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬ابن سـعـدي ‪.429 /1‬‬

‫‪12‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬ومن السنـّـة ما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي ال عنه ‪ )) ...‬الخ‬

‫قلت ‪ :‬وهيو كميا قال ؛ فقيد أخرج الشيخان بروايية أنيس عين معاذ ولفيظ البخاري ‪ :‬أن النيبي صيلى‬
‫ال عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال ‪ :‬يا معاذ بن جبل قال لبيك يا رسول ال‬
‫وسعديك قال ‪ :‬يا معاذ قال ‪ :‬لبيك يا رسول ال وسعديك ( ثلثاً ) قال ‪ :‬ما من أحد يشهد أن ل إله‬
‫إل ال وأن محمداً رسو ال صدقا من قلبه إل حرمه ال على النار ‪ ،‬قال ‪ :‬يا رسول ال أفل أخبر‬
‫به الناس فيستبشروا ؟ قال ‪ :‬إذاً يتكلوا ‪ ،‬وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً أهي‪.))2‬‬
‫والشاهد من الحديث قوله ‪ " :‬صدقا من قلبه " ‪.‬‬
‫‪))3‬‬
‫قال الحافظ ‪ [ :‬صدقا ] فيه احتراز عن شهادة المنافق ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وبهذا يظهير لك تطابيق الحدييث ميع ميا أورده المصينف مين اليات قبله على رد الشهادة إذا‬
‫لم يجتمع مع لفظها اعتقاد القلب ‪ ،‬وقد أكذب ال المنافقين ورد قولهم مع تصريحهم بالشهادة للنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم بالرسالة إذ كان ذلك مقصورًا منهم على النطق باللسن فقال جل ذكره { إذا‬
‫جاءك المنافقون قالوا نشهييد إنييك لرسييول ال وال يعلم إنييك لرسييوله وال يشهييد إن المنافقييين‬
‫لكييياذبون }‪.‬‬

‫وفي الحديث فوائد غير ما تقدم منها ‪:‬‬


‫جواز تخصييص المعلم بعيض تلميذه بمسيائل مين العلم دون الخريين إذا خشيي عدم فهمهيم لهيا ‪،‬‬
‫وعليييه بوب البخاري رحمييه ال فقال ‪ ( :‬باب ميين خييييييص بالعلم قومًا دون قوم كراهييية أن ل‬
‫يفهموا ) ‪.‬‬
‫ومنهييا ‪ :‬أن درء المفاسييد مقدم على جلب المصييالح ومرد ذلك إلى الشرع ل إلى العقييل ومييع قيام‬
‫الدلييل القطعيي مين الكتاب والسينيّية على هذا الجانيب العظييم فقيد غفيل عنيه كثيير مين الناس وال‬
‫المستعان ‪.‬‬

‫الشرط الخامس‬

‫[[ الـشـرط الـخـامــس‪:‬المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك‪.‬‬
‫ودليـل المحبـة ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬ومـن الناس مـن يتخـذ مـن دون ال أندادا‬
‫يحبونهم كحب ال والذين آمنوا أشد حبا ل } ‪.)(1‬‬
‫وقوله { ي ــا أي ها الذ ين آمنوا من ير تد من كم عن دي نه ف سوف يأ تي ال بقوم‬
‫يحب هم ويحبو نه أذلة على المؤمن ين أعزة على الكافر ين يجاهدون في سبيل ال‬
‫ول يخافون لومة لئم }‪.)(2‬‬
‫و من ال سـنـَـة ‪ :‬ما ث بت في ال صحيح عن أ نس ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ [ :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة اليمان ‪ :‬أن‬

‫(‪ )2‬البخاري كتاب العلم باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ل يفهـموا ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفتح ‪.226 /1‬‬
‫(‪ )1‬سورة الــبـقــرة آيــ ‪ 165‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة المائدة آيــ ‪ 54‬ــة ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫يكون ال ور سوله أ حب إل يه م ما سواهما وأن ي حب المرء ل يح به إل ل وأن‬
‫يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه ال منه كما يكره أن يقذف في النار ]‪]].)(3‬‬

‫قــولــه ‪ :‬المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه والسرور بذلك أقول وهذا يتحقق بأمرين ‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬إخلص العبادة ل وحده ل شريك له ‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬نبذ الشرك ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪ :‬أصل الدين وقاعدته أمران ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬المر بعبادة ال وحده ل شريك له والتحريض على ذلك والمولة فيه وتكفير من تركه‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬النذار عن الشرك في عبادة ال والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله‪.))4‬‬
‫فتأمييل رحمنييا ال وإياك هذا الكلم النفيييس ‪ ،‬الذي يجييب أن يعيييه المسييلمون عاميية ‪ ،‬والعلماء‬
‫والدعاة إلى ال خاصة ‪.‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا )) الية ‪.‬‬
‫جاءت هذه اليية عقيب آيية ضمنهيا الحيق جيل ثناؤه عددا مين الدلة على وحدانيتيه وتفرده بالعبادة‬
‫وعلى الرغم من تلك الدلة إل أنه كان من الناس من عمد إلى اتخاذ النداد وهم الشركاء وجعلوا‬
‫لهم من المحبة مثل ما ل عز وجل وفي معنى قوله تعالى { والذين آمنوا أشد حباً ل} قولن لهل‬
‫العلم ‪:‬‬
‫أحدهمـا ‪ { :‬والذيين آمنوا أشيد حباً ل } مين محبية المشركيين ل لن محبتهيم للرب خالصية ومحبية‬
‫المشركين مشتركة‪.‬‬
‫وثانيهما ‪ { :‬والذين آمنوا أشد حبا ل } من محبة المشركين لندادهيم‪.‬‬
‫والول أرجح وأظهر – والعلم عند ال تعالى ‪.‬‬
‫وفي الية دليل على تحريم نوع من أنواع الشرك الكبر وهو شرك المحبة كصنيع المشركين في‬
‫تسويتهم أندادهم في المحبة بال ‪.‬‬
‫قــولــه ‪ { :‬ييا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه } الية ‪.‬‬
‫هذا إخبار بأنيه سيبحانه وتعالى مين كمال قدرتيه وغناه وحفظيه دينيه إذا ارتيد عنيه أهله المخاطبون‬
‫به أولً ‪ ،‬بأنه سوف يأتي بمن يحمي هذا الدين ويتحمله وهم متصفون بخمس صفات ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أن ال يحبهم لتمسكهم بدينه وشرعه وأنهم يحبونه فيمتثلون أوامره ونواهيه ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬لينوا الجانب لهل اليمان ‪.‬‬
‫الثالثـة ‪ { :‬أعزة على الكافريين } أي أقوياء على أهيل الكفير ‪ ،‬ونظيرهاتيين الصيفتين قوله تعالى‬
‫{ محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم }‪. ))1‬‬
‫الصفة الرابعة ‪ :‬يجاهدون في سبيل ال من كفر بال إعلءً لكلمته وإعزازاً لدينه‪.‬‬
‫الخامسة ‪ ( :‬ل يخافون لومة لئييم ) فيقولون بالحق أينما كانوا‪ ،‬وفق ماتوجيه الشريعة ‪.‬‬
‫وقيييد تحقيق ميا وعيد ال به فيي هذه اليية على يدي أبيي بكير الصيديق وجيشه حيين قاتلوا المرتدين‬
‫من أهل الجزيرة عقيب وفاة رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أعادوهم إلى حظيرة السلم ‪.‬‬

‫مـا تفيده اليات ‪:‬‬


‫أولً ‪ :‬وجوب إخلص العبادة ل ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬إثبات المحبة من جانب الرب وجانب العبد‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬ثناء ال على أهل اليمان بكمال محبتهم له‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬أن العاقبة الحميدة لهل اليمان ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم كتاب اليمان باب بيان خصال من اتصف بهـن وجد حلوة اليمان ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرسالة الولى في التوحيد اليمان ضمن الخمس رسائل للشيخ عبد الرحمن بن حسن بالجامع الفريد ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سورة الفتح آيــ ‪ 29‬ــة ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬في الصحيح ))‬
‫قلت ‪ :‬أخرجه الشيخان وهذا لفظ البخاري ‪.‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬ثلث من كن فيه ‪ )).......‬الخ‪.‬‬
‫قال النووي في معنى الحديث ‪" :‬هذا حديث عظيم أصل من أصول السلم "‬
‫قال العلماء رحمهم ال معنى حلوة اليمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضى ال عز‬
‫وجل ورسوله صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وإيثار ذلك على عرض الدنيا ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك‬
‫محبة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال القاضي رحمه ال هذا الحديث بمعنى الحديث المتقدم ذاق طعم اليمان من رضي بال ربا‬
‫وبالسلم دينا وبمحمد صلى ال عليه وسلم رسول وذلك أنه ل يصح المحبة ل ورسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم حقيقة وحب الدامي في ال ورسوله صلى ال عليه وسلم وكراهة الرجوع إلى‬
‫الكفر إل لمن قوي باليمان يقينه و اطمأنت به نفسه وانشرح له صدره وخالط لحمه ودمه وهذا‬
‫هو الذي وجد حلوته‪.‬‬
‫قال والحب في ال من ثمرات حب ال ‪.‬‬
‫)‬
‫قال بعضهم ‪ :‬المحبة مواطأة القلب على ما يرضى الرب سبحانه فيحب ما أحب ويكره ما كره‬
‫‪.)2‬‬
‫وقال الشيخ سليمان ‪ :‬قال شيخ السلم ‪ :‬أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أن هذه الثلث من كن‬
‫فيه وجد اليمان لن وجود الحلوة للشيء يتبع المحبة له فمن أحب شيئا واشتهاه إذا حصل له‬
‫مراده فإنه يجد الحلوة واللذة والسرور بذلك واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملئم الذي هو‬
‫المحبوب أو المشتهى قال ‪ :‬فحلوة اليمان المتضمنة للذة والفرح يتبع كمال محبة العبد له ‪،‬‬
‫وذلك بثلثة أمور ‪:‬‬
‫تكميل هذه المحبة وتفريغها ودفع ضدها فتكميلها أن يكون ال ورسوله أحب إليه مما سواهما ‪،‬‬
‫فإن محبة ال ورسوله ‪ ،‬ل يكتفى فيها بأصل الحب بل لبد أن يكون ال ورسوله أحب إليه مما‬
‫سواهما ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ول يكون كذلك إل إذا وافق ربه ‪ ،‬فيما يحبه وما يكرهه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وتفريغها ‪ :‬أن يحب المرء ل يحبه إل ل ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فإن من أحب مخلوقاً ل ‪ ،‬ل لغرض آخر ‪ ،‬كان هذا من تمام حبه ل ‪ ،‬فإن محبة محبوب‬
‫المحبوب من تمام محبة المحبوب ‪ ،‬فإذا أحب أنبياء ال وأولياءه ‪ ،‬لجل قيامهم بمحبوبات ال ل‬
‫لشيء آخر فقد أحبهم ل ل لغيره ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ودفع ضدها أن يكره ضد اليمان ‪ ،‬كما يكره أن يقذف في النار ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬إنما كره الضد لما دخل قلبه من محبة ال ‪ ،‬فانكشف له بنور المحبة محاسن السلم ‪،‬‬
‫ورذائل الجهل والكفران وهذا هو المحب الذي يكون مع من أحب كما في الصحيح عن أنس‬
‫ل سأل النبي صلى ال عليه وسلم متى الساعة ؟ فقال ما أعدت لها ؟ قال ‪:‬‬ ‫رضي ال عنه أن رج ً‬
‫ما أعددت لها من كثير صلة ول صيام ول صدقة ولكني أحب ال ورسوله ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ( :‬أنت مع من أحببت) ‪.‬‬
‫وفي رواية للبخاري ‪:‬فقلنا ونحن كذلك قال نعم قال أنس ‪ " :‬ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً " ‪.‬‬

‫وقوله ‪ (( :‬مما سواهما )) فيه جمع ضمير الرب سبحانه وضمير الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫وقد أنكره على الخطيب لما قال ومن يعصهما فقد غوى ‪ ،‬وأحسن ما قيل فيه قولن ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬ما قاله البيضاوي وغيره أنه ثنى الضمير هنا إيماء إلى أن المعتبر هو مجموع المركب‬
‫من المحبتين ل كل واحدة فإنها وحدها ل غية وأمر بالفراد في حديث الخطيب أشعاراً بأن كل‬
‫(‪ )2‬مسلم بشرح النووي ‪.2/13‬‬

‫‪15‬‬
‫واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية إذ العطف في تقدير التكرير والصل استقلل كل‬
‫من المعطوفين في الحكم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا جواب بليغ جداً ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬حمل حديث الخطيب على الدب والولى ‪ ،‬وهذا على الجواز‪.‬‬
‫وجواب ثالث ‪ :‬وهو أن هذا ورد على الصل ‪ ،‬وحديث الخطيب ناقل فيكون أرجح‪.‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬كما يكره أن يقذف في النار)) أي ‪ :‬يستوي عنده المران اللقاء في النار والعود في‬
‫الكفر ‪.‬‬

‫قلت ‪ :‬وفي الحديث من الفوائد أن ال تعالى يحبه المؤمنون وهو تعالى يحبهم كما قال } يحبهم‬
‫ويحبونه {‪.‬‬
‫•وفيه رد ما يظنه الناس من أنه من ولد على السلم أفضل ممن كان كافرًا فأسلم فمن‬
‫أتصف بهذه المور فهو أفضل ممن لم يتصف بها مطلقاً ولهذا كان السابقون‬
‫الولون أفضل ممن ولد على السلم ‪.‬‬
‫•وفيه رد على الغلة الذين يتوهمون أن صدور الذنب من العبد نقص في حقه مطلقاً‬
‫والصواب أنه أن لم يتب كان نقصاً ‪ ،‬وإن تاب فل ‪ ،‬ولهذا كان المهاجرون‬
‫والنصار أفضل هذه المة وإن كانوا في أول المر كفارا يعبدون الصنام بل‬
‫المنتقل من الضلل إلى الهدى ومن السيئات إلى الحسنات يضاعف له الثواب قاله‬
‫شيخ السلم ‪.‬‬
‫•وفيه دليل على عداوة المشركين وبغضهم ‪ ،‬لن من أبغض شيئاً أبغض من أتصف‬
‫به فإذا كان يكره الكفر كما يكره أن يلقى في النار فكذلك يكره من أتصف به ‪.‬‬
‫انتهى‪. ))1‬‬

‫الشرط السادس‬

‫[[ الشرط السادس ‪ :‬النقياد بحقوقها ‪ :‬وهي العمال والواجبة إخلصا ل وطلبا‬
‫لمرضاته ‪.‬‬
‫ودليل النقياد ‪ :‬لما دلت عليه قوله تعالى { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له}‪.)(2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ومن أحسن قولً ممن اسلم وجهه ل وهو محسن } ‪.)(3‬‬
‫(‬
‫وقوله ‪ { :‬ومن يسلم وجهه إلى ال وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى }‬
‫‪ .)4‬أي بل إله إل ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيم شجر بينهم ثم ل يجدوا في‬
‫أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } ‪.)(5‬‬
‫(‪ )1‬تـيـسـيــر الـعــزيـــز الـحـمــيــد ( ‪. )477‬‬
‫(‪ )2‬سورة الزمر آيــ ‪ 45‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة النساء آيــ ‪ 125‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة لقمان آيــ ‪ 22‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )5‬سورة النساء آيــ ‪ 65‬ــة ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ومن السنـَـة ‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم [ ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه‬
‫تبعا لما جئت به ] ‪ .)(6‬وهذا تمام النقياد وغـايـتــه‪]] .‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬وأنيبوا إلى ربكم )) تمامها { من قبل أن يأتيكم العذاب ثم ل تنصرون }‪.‬‬
‫قال البغوي رحمه ال ‪ { " :‬وأنيبوا إلى ربكم } أقبلوا وارجعوا إليه بالطاعة { وأسلموا له }‬
‫وأخلصوا له التوحيد { من قبل أن يأتيكم العذاب ثم ل تنصرون }"‪. ))7‬‬
‫وقال ابن سعدي ‪ " :‬ولهذا أمر تعالى بالنابة إليه والمبادرة إليها فقال ‪ { :‬وأنيبوا إلى ربكم }‬
‫بقلوبكم { وأسلموا له } بجوارحكم إذا أفردت النابة دخلت فيها أعمال الخوارج وإذا جمع بينهما‬
‫كما في هذا الموضع كان المعنى ما ذكرناه ‪.‬‬
‫وفي قولييه ‪ { :‬إلى ربكم وأسلموا له } دليل على الخلص ‪ ،‬وأنه من دون إخلص ل تفيد‬
‫العمال الظاهرة والباطنة شيئاً ‪.‬‬
‫{ من قبل أن يأتيكم العذاب } مجيئاً ل يدفع { ثم ل تنصرون } فكأنه قيل ‪ :‬ما هي النابة‬
‫والسلم ؟ وما جزئياتها وأعمالها ؟‬
‫‪))8‬‬
‫فأجاب تعالى بقوله ‪ { :‬واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } " ‪.‬انتهى محل الغرض‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وتفسير هذين المامين مستنبط من ارتباط الية بالتي قبلها ‪ { :‬قل يا عبادي الذين أسرفوا‬
‫على أنفسهم ل تنقطعوا من رحمة ال إن ال يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم }‪ .‬فأعظم‬
‫بتفسير يسنده الدليل فإنه يشفي العليل ويروي الغليل ‪ ،‬ويزيد المعنى وضوحًا وتأكيداً ما في‬
‫صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ( :‬بادروا بالعمال ستا ‪:‬‬
‫طلوع الشمس من مغربها ‪ ،‬أو الدخان ‪ ،‬أو الدجال ‪ ،‬أو الدابة ‪ ،‬أو خاصة أحدكم ‪ ،‬أو أمر‬
‫العامييية )‪. ))1‬‬
‫ووجه مطابقة الحديث للية في الحث على المبادرة ‪ ،‬وهذا من النابة ل عز وجل ‪.‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬ومن أحسن دين ًا ممن أسلم وجهه ل وهو محسن)) تمامها { واتبع ملة إبراهيم‬
‫حنيفاً } أي ل أحد أحسن تديناً وتعبدًا ل ممن جمع في أقواله وأعماله بين السلم والحسان ‪.‬‬
‫وهذا معناه أنه اجتمع له الخلص ل والمتابعة لرسوله صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫قال الحافظ ابن كثير ‪ " :‬لما ذكر الجزاء على السيئات وأنه لبد أن يأخذ مستحقها من العبد إما في‬
‫الدنيا وهو الجود له وأما في الخرة والعياذ بال من ذلك ونسأله العافية في الدنيا والخرة‬
‫والصفح والعفو والمسامحة‪ ،‬شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول العمال الصالحة‬
‫من عبادة ذكرانهم وإناثهم بشرط اليمان وأنه سيدخلهم الجنة ول يظلمهم من حسناتهم ول مقدار‬
‫النقير وهو النقرة التي في ظهر نواة التمر والقطمير وقد تقدم الكلم على الفتيل وهو الخيط الذي‬
‫في شق النواة ‪ ،‬وهذا النقير وهما في نواة التمرة والقطمير وهو اللفافة التي على نواة التمرة ‪،‬‬
‫والثلثة في القرآن ‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه ل } أي أخلص العمل لربه عز وجل فعمل‬
‫إيمانًا واحتساباً { وهو محسن } أي اتبع في عمله ما شرعه ال له وما أرسل به رسوله من الهدى‬
‫ودين الحق ‪ ،‬وهذان الشرطان ل يصح عمل عامل بدونهما أي يكون خالصاً صواباً والخالص أن‬
‫يكون ل ‪ ،‬والصواب أن يكون متابعاً للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة وباطنه بالخلص فمتى‬
‫فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد ‪ ،‬فمتى فقد الخلص كان منافقاً وهم الذين يراؤون الناس‬

‫(‪ )6‬البغوي شرح السنـّـة ‪.213 /1‬‬


‫(‪ )7‬تـفـسـيـر الـبـغــوي ‪.85 /4‬‬
‫(‪ )8‬تـفـسـيــر ابـن سـعــدي ‪.332 /4‬‬
‫(‪ )1‬مسلم كتاب الفتن باب في بقية من أحاديث الدجال‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ل جاهلً ومتى جمعها كان عمل المؤمنين { الذين يتقبل عنهم أحسن ما‬ ‫ومن فقد المتابعة كان ضا ً‬
‫عملوا ويتجاوز عن سيئاتهم } الية ‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬واتبع ملة إبراهيم حنيفاً } وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة كما قال تعالى‬
‫{ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي } الية ‪ .‬وقال تعالى ‪ { :‬ثم أوحينا إليك أن أتبع‬
‫ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين } والحنيف ‪ :‬هو المائل عن الشرك قصدًا أي تاركاً له‬
‫عن بصيرة ومقبل على الحق بكليته ل يصده عنه صاد ول يرده عنه راد ‪ ".‬انتهى محيييييييييل‬
‫الغرض‪. ))2‬‬

‫وحاصل ما تضمنته الية أمران ‪:‬‬


‫أولهما ‪ :‬أنه ل ينال عمل عند ال القبول حتى يجتمع فيه اليمان بال والخلص له ومتابعة‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهذا هو تمام النقياد وغايته ‪.‬‬
‫وثاني المرين ‪ :‬أن الحنيفية التي بعث ال بها محمدًا صلى ال عليه وسلم ومن قبله من النبياء‬
‫والمرسلين ‪ :‬هي ملة إبراهيم الخليل صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قــولــه ‪ (( :‬ومن يسلم وجهه إلى ال وهو محسن فقد أستمسك بالعروة الوثقى ))‬
‫يخبر جل شأنه أن طريق الستمساك بالعروة الوثقى هو الستسلم ل مع الحسان ‪.‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬أي بل إله إل ال ))‬


‫قلت ‪ :‬قد جاء هذا التفسير عن بعض السلف وإتماماً للفائدة وتقوية للمعنى ننقل ما قاله ابن كثير‬
‫في نظير هذه الية من سورة البقرة وهي قوله { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد أستمسك‬
‫بالعروة الوثقى ل إنفصام لها وال سميع عليم } أي من خلع النداد والوثان وما يدعوا إليه‬
‫الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون ال ووحد ال فعبده وحده وشهد أن ل إله إل هو { فقد‬
‫استمسك بالعروة الوثقى } أي فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم ‪.‬‬
‫إلى أن قال ومعنى قوله في الطاغوت أنه الشيطان قوي جدًا فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل‬
‫الجاهلية من عبادة الوثان والتحاكم إليها والستنصار بها ‪.‬‬
‫وقــولــه ‪ { :‬فقد استمسك بالعروة الوثقى ل إنفصام لها } أي فقد أستمسك من الدين بأقوى سبب‬
‫وشبه ذلك بالعروة الوثقى التي ل تنفصم هي في نفسها محكمة مبرمة قوية وربطها قوي شديد‬
‫ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ فقد أستمسك بالعروة الوثقى ل إنفصام لها }الييية ‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ { :‬العروة الوثقى } يعني اليمان ‪.‬‬
‫وقال السدّي ‪ :‬هو السلم ‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير والضحاك ‪ :‬يعني ل إله إل ال ‪.‬‬
‫وعن أنس ابن مالك ‪ { :‬العروة الوثقى } القرآن ‪.‬‬
‫ي الجعد قال ‪ :‬هو الحب في ال والبغض في ال وكل هذه القوال صحيحة ول‬ ‫وعن سالم بن أب ّ‬
‫تنافي بينها ‪ . ))1‬انتهى محل الغرض‪.‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬فل وربك ل يؤمنون ‪ (( ....‬الية‬


‫يخبر جل وعل أن اليمان الظاهر والباطن يحصل بثلثة أمور ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬تحكيم النبي صلى ال عليه وسلم وهو تحكيم شخصه في حياته وتحكيم شرعه بعد مماته‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬أنتفاء الحرج من النفوس حال التحكيم وهذا يستلزم قبول الحكم مع أتساع الصدور‬
‫وانشراحها له ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن كثير ‪.573 /1‬‬
‫(‪ )1‬تفسير ابن كثير ‪.319 /1‬‬

‫‪18‬‬
‫ثالثها ‪ :‬التسليم التام لحكمه صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ويوضح معنى هذه الية ما رواه البخاري في كتاب التفسير عن عروة ابن الزبير قال ‪ [ :‬خاصم‬
‫الزبير رجل من النصار في شريج من الحرة فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ [ :‬أسق يا زبير‬
‫ثم أرسل الماء إلى جارك فقال النصاري يا رسول ال ‪ :‬أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجهه ثم قال‬
‫أسق يا زبير ثم أحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك واستوعى النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه النصاري كان أشار عليهما بأمر‬
‫لهما فيه سعة قال الزبير ‪ :‬فما أحسب هذه اليات إل نزلت في ذلك { فل وربك ل يؤمنون حتى‬
‫يحكموك في ما شجر بينهم }‪.))2‬‬
‫ونظير هذه الية في وجوب التسليم لحكم ال ورسوله قوله تعالى ‪ { :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه‬
‫إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل } ‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه ال – في شرح هذه الية وما قبلها ثم أمر برد كل ما‬
‫تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى ال والرسول ‪ ،‬أي إلى كتاب ال وسنيّية رسوله‬
‫فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلفية ‪ ،‬إما بصريحهما ‪ ،‬أو عمومهما ‪ ،‬أو إيماء ‪ ،‬أو‬
‫تنبيه ‪ ،‬أو مفهوم ‪ ،‬أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبههُ ‪.‬‬
‫لن كتاب ال وسنيّية رسوله عليهما بناء الدين ول يستقيم اليمان إل بهما فالرد إليهما شرط في‬
‫اليمان فلهذا قال ‪ { :‬إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر } فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما‬
‫مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقةً بل مؤمن بالطاغوت كما ذكر في الية بعدها ‪.‬‬
‫{ ذلك } أي ‪ :‬الرد إلى ال ورسوله { خير وأحسن تأويل } ‪ .‬فإن حكم ال ورسوله أحسن‬
‫الحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم ‪ ،‬أهيي ‪.))1‬‬

‫ما تفيد اليات ‪:‬‬


‫أولً ‪ :‬وجوب الخلص ل وحده ووجوب المتابعة للرسول صلى ال عليه وسلم وهذان هما‬
‫سبيل التمسك بالعروة الوثقى ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬وجوب النقياد لحكم ال ورسوله ظاهراً وباطناً وهذا هو وجه أستشهاد المصنف بها ‪.‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬ل يؤمن أحدكم حتى يكون هوه تبعاً لما جئت به ))‬
‫قلت ‪ :‬أخرج الحديث عن عبد ال بن عمرو عن النبي صلى ال عليه وسلم البغوي في شرح‬
‫السنة ‪ .))2‬والخطيب في التاريخ‪ ))3‬وابن أبي عاصم في السنة‪ .))4‬وغيرهم لكنه ضعيف لن مداره‬
‫على نعيم بن حماد قال فيه الحافظ ابن رجب بعد تخريجه ‪ " :‬قلت ‪ :‬تصحيح هذا الحديث بعيد جداً‬
‫من وجوه منها ‪:‬‬
‫أنه حديث ينفرد به نعيم بن حماد المروزي ونعيم هذا وإن كان وثقه جماعة من الئمة وخرج له‬
‫البخاري فإن أئمة الحديث كانوا يحسنون به الظن لصلبته في السنيّية وتشدده في الرد على أهل‬
‫الهواء وكانوا ينسبونه إلى أنه يتهم ويشبه عليه في بعض الحاديث فلما كثر عثورهم على‬
‫مناكيره حكموا عليه بالضعف ‪ .‬إلى أن قال ‪ :‬وأما معنى الحديث من الوامر والنواهي وغيرها‬
‫فيحب ما أمر به ويكره ما نهى عنه وقد ورد القرآن بمثل هذا في غير موضع قال تعالى ‪ {:‬فل‬
‫وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت‬
‫ويسلموا تسليما } ‪.‬‬

‫(‪ )2‬الـبـخـاري كـتـاب الـتـفـسـيـر بـاب { فـل وربـك ل يـؤمـنـون } ‪.‬‬


‫(‪ )1‬تـفـسـيــر ابـن سـعــدي ‪.362 /1‬‬
‫(‪ )2‬شــرح الـسـنـّـــة للـبـغـــوي ‪.213 /1‬‬
‫(‪ )3‬تـاريـخ بـغـــداد للـخـطـيـب ‪.369 /4‬‬
‫(‪ )4‬الـسـنـّــة لبـن أبـي عـاصـــم ‪.12 /1‬‬

‫‪19‬‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنه إذا قضى ال ورسوله أمراً أن يكون له الخيرة من‬
‫أمرهم }‪ .‬وذم سبحانه وتعالى من كره ما أحبه ال وأحب ما كرهه ال قال ال تعالى ‪ {:‬ذلك بأنهم‬
‫كرهوا ما أنزل ال فأحبط أعمالهم }‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ {:‬ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط ال وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم }‪.‬‬
‫فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه ال محبة توجب له التيان بما وجب عليه منه فإن‬
‫زادت المحبة حتى أتى بما ندب إليه منه كان ذلك فضلً وأن يكره ما كره ال تعالى كراهة توجب‬
‫له الكف عما حرم ال عليه منه فإن زادت الكراهه حتى أوجبت الكف عما كرهه تنزهاً كان ذلك‬
‫فضلً وقد ثبت في الصحيحين عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون‬
‫أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين ) فل يكون المؤمن مؤمنًا حتى يقدم محبة‬
‫الرسول على محبة جميع الخلق ‪ ،‬ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسله ‪ ،‬المحبة الصحيحة تقتضي‬
‫‪))5‬‬
‫المتابعة والموافقة في حب المحبوبات وبغض المكروهات " أهي‬
‫قلت ‪ :‬ويبدو لي والعلم عند ال أن المصنف رحمه ال أستشهد بالحديث لصحة معناه كما ذكر‬
‫الحافظ ابن رجب مدعماً بالدلة‪.‬‬

‫الشرط السابع‬

‫[[ الشرط السابع ‪:‬القبول المنافي للرد ‪.‬‬


‫ودليل القبول ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إل قال‬
‫مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم‬
‫بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم‬
‫فانظر كيف كان عاقبة المكذبين } ‪.))1‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬إنهم كانوا إذا قيل لهم ل إله إل ال يستكبرون ويقولون أئنا‬
‫لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون}‪.))2‬‬
‫ومن السنـَـة ما ثبت عن أبي موسى رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪ ( :‬مثل ما بعثني ال به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب‬
‫أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنـبـتـت الكل والعشب الكثير وكانت منها‬
‫أجادب أمسكت الماء فنفع بها ال الناسَ فشربوا وسقوا وزرعوا ‪ ،‬وأصاب منها‬
‫طائفة أخرى إنما هي قيعان ل تمسك ماء ول تنبت كل ؛ فذلك َمثَـل من فقه في‬

‫(‪ )5‬جامع العلوم والحكم ( ‪. ) 364‬‬


‫(‪ )1‬سورة الزخرف آيــ ‪ 23‬ــة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة الصافات آيــ ‪ 35‬ــة ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫علّم ‪ ،‬و َمثَـل من لم يرفع بذلك رأسا ولم‬
‫دين ال ونفعه ما بعثني ال به ف َعلِمَ و َ‬
‫يقبل هدى ال الذي أرسلت به‪]]. ))3‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إل قال مترفوها ‪ ))....‬اليات‬


‫يخبر جل ثناءه أن صنيع قريش ومن خولهم في ردهم دعوة النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وإعراضهم عن ما جاء به من الحق هو شبيه بصنيع المم السالفة مع أنبيائهم والباعث لهؤلء‬
‫وأولئك هو التقليد للشخاص والنحل ‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه ال –‪ { " :‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك في‬
‫قرية من نذير إل قال مترفوها } أي منعموها وملؤها الذين أطغتهم الدنيا وغرتهم الموال‬
‫واستكبروا على الحق { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } أي فهؤلء ليسوا‬
‫ببدع منهم وليس بأول من قال بهذه المقالة ‪ ،‬وهذا الحتجاج من هؤلء المشركين الضالين‬
‫بتقليدهم لبائهم الضالين ليس المقصود به إتباع الحق والهدى وإنما هو تعصب محض ‪ ،‬يراد به‬
‫الشبهة الباطلة { أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم } أي أفتتبعوني لجل الهدى { قالوا‬
‫إنا بما أرسلتم به كافرون } يعلم بهذا أنهم ما أرادوا اتباع الحق والهدى وإنما قصدهم إتباع‬
‫الباطل والهوى { فانظر كيف كان عاقبة المكذبين } فليحذر هؤلء أن يستمروا على تكذيبهم‬
‫فيصيبهم ما أصابهم "‪ .‬أهي‪.))1‬‬

‫مـا تفيده اليات ‪:‬‬


‫أول ‪ :‬تثبيت قلب النبي صلى ال عليه وسلم وتسليته وأنه ليس بدعا من المردود أقوالهم كما أن‬
‫قومه ليسوا بدعا من المكذبين ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬التحذير ممن مخالفة النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬خطر التقليد وأنه من أعظم الصوارف عن قبول الحق والهدى ومما يدل على ذلك ما في‬
‫الصحيحين عن سعيد بن المسيّب عن أبيه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد ال ابن أبي أمية أبن المغيرة فقال ‪ ( :‬أي عم قل ل إله إل‬
‫ال كلمة حاجُ لك بها عند ال ) ‪ ،‬فقال أبو جهل وعبد ال ابن أبي أمية ‪ :‬أترغب عن ملة عبد‬
‫المطلب فلن يزل رسول ال صلى ال عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬وال لستغفرن لك ما لم أنه عنك ) فأنزل ال { ما كان للنبي‬
‫والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين } فأنزل ال في أبي طالب { أنك ل تهدي من أحببت ولكن‬
‫ال يهدي من يشاء } ‪.))2‬‬

‫قال المصنف في مسائله ‪ :‬المسألة الثامنة ‪ :))3‬مضرة أصحاب السوء على النسان ‪.‬‬
‫المسألة التاسعة ‪ :‬مضرة تعظيم السلف والكابر‪.‬‬

‫فانظر هدانا ال وأياك كيف أثر أبو طالب دين آبائه وأجداده وأبا أن يشهد شهادة الحق { إن في‬
‫ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } إياك أيها المسلم والتعصب الحمق‬
‫والتقليد العمى ‪.‬‬
‫قــولــه‪ (( :‬إنهم كانوا إذا قيل لهم ل إله إل ال ‪ ))....‬الية‬

‫(‪ )3‬البخاري كتاب العلم باب فضل من عَـلِـمَ وعَـلـَـمَ ‪.‬‬


‫(‪ )1‬تفسير ابن سـعــدي ‪.442 /4‬‬
‫(‪ )2‬البخاري كتاب التفسير باب { أنك ل تهدي من أحببت ‪ ...‬الية } ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم كتاب التوحيد ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ‪ { " :‬أنهم كانوا إذا قيل لهم ل إله إل ال } فدعوا إليها وأمروا‬
‫بترك إلهية ما سواه { يستكبرون } عنها وعلى من جاء بها { ويقولون } معارضة ً لها { أإنا‬
‫لتاركوا آلهتنا } التي لم نزل نعبدها نحن وآباؤنا { لقول شاعر مجنون } يعنون محمدًا صلى ال‬
‫عليه وسلم فلم يكفهم قبّحهم ال العراض عنه ول مجرد تكذيبه حتى حكموا عليه بأظلم الحكام‬
‫وجعلوه شاعراً مجنوناً وهم يعلمون أنه ل يعرف الشعر والشعراء ول وصفة وصفهم وأنه أعقل‬
‫خلق ال وأعظمهم رأيا "‪.))4‬أهي‬
‫قلت ‪ :‬وهذا الصنيع من المشركين العراض والترك كما أنه أقبح الساليب في الصد عن سبيل‬
‫ال ولهذا كذبهم الحق جل عله ونقض قولهم ودحض فريتهم في الية بعدها { بل جاء بالحق‬
‫وصدق المرسلين } ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير – رحمه ال ‪ " : -‬قال ال تعالى تكذيباً لهم ورداً عليهم { بل جاء بالحق }‬
‫يعني رسول ال صلى ال عليه وسلم جاء بالحق في جميع شرعة ال تعالى له من الخبار‬
‫والطلب { وصدق المرسلين } أي صدقهم فيما أخبروا عنه من الصفات الحميدة والمناهج السديدة‬
‫وأخبر عن ال تعالى في شرعه وأمره كما أخبروا { ما يقال لك إل ما قد قيل للرسل من قبلك }‬
‫الية" ‪ . ))5‬أهي‬

‫قــولــه ‪ (( :‬ومن السنـّـة ما ثبت عن ابي موسى ‪ )) ....‬الخ‬


‫قلت ‪ :‬أخرجه الشيخان وهذا لفظ البخاري ‪.))1‬‬

‫قــولــه ‪ (( :‬مثل ما بعثني ال به من الهدى والعلم ‪ )).....‬الخ‬


‫قلت ‪ :‬ووجه استدلل المصنف به يظهر من قوله صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬فذلك مثل من فقه في‬
‫دين ال ونفعه ما بعثني ال به َفعَيِلمَ وعَيلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى ال الذي‬
‫أرسلت به )‪.‬‬
‫قال النووي رحمه ال ‪ " :‬أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى ال‬
‫عليه وسلم بالغيث ومعناه ‪ :‬أن الرض ثلثة أنوع وكذلك الناس ‪:‬‬
‫فالنوع الول‪ :‬من الرض ينتفع بالمطر فيحيى بعد أن كان ميتاً وينبت الكل فينتفع بها الناس‬
‫والدواب والزرع وغيره‪.‬‬
‫وكذا النوع الول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع‬
‫وينفع‪.‬‬
‫والنوع الثاني ‪ :‬من الرض ما ل تقبل النتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها‬
‫فينتفع بها الناس والدواب ‪.‬‬
‫وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة ول رسوخ لهم في العقل‬
‫يستنبطون به المعاني والحكام وليس عندهم إجتهاد في الطاعة والعمل به فهم يحفظونه حتى‬
‫يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهلٌ للنفع والنتفاع فيأخذه منهم فينتفع به فهؤلء‬
‫نفعوا بما بلغهم ‪.‬‬
‫والنوع الثالث ‪ :‬من الرض السباخ التي ل تنبت ونحوها فهي ل تنتفع بالماء ول تمسكه لينتفع‬
‫بها غيرها ‪.‬‬
‫وكذا النوع الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة ول أفهام واعية فإذا سمعوا العلم ل ينتفعوا‬
‫به ول يحفظونه لنفع غيرهم ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫وفي هذا الحديث أنواع من العلم منها ‪:‬‬

‫(‪ )4‬تفسير ابن سعدي ‪.256 /4‬‬


‫(‪ )5‬تفسير ابن كثير ‪.7 /4‬‬
‫(‪ )4‬سبق تخريجه ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ -1‬ضرب المثال ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومنها فضل العلم والتعليم ‪.‬‬
‫‪ -3‬وشدة الحث عليها ‪.‬‬
‫‪))2‬‬
‫‪ -4‬وذم العراض عن العلم "‪ .‬انتهى ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫هذا ما يسر ال جمعه وتحريره من الشرح المختصر على أدلة شروط‬


‫ل إله إل ال وقد تم الفراغ منه ليلة الخميس المصادف للحادي والعشرين من ربيع الثاني لعام‬
‫أربعة عشر وأربعمائة وألف ‪ ،‬وكان بالمدينة النبوية والحمد ل الذي بنعمته تتم الصالحات ‪،‬‬
‫وصلى ال وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫تم بحمد ال‬

‫(‪ )1‬مسلم بشرح النووي ‪.47 / 15‬‬

‫‪23‬‬

You might also like