You are on page 1of 79

‫التدمرية‬

‫تحقيق الثبات‬
‫للسماء والصفات‬
‫وحقيقة الجمع بين‬
‫القدر والشرع‬
‫تأليف‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‬

‫‪1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل وحده‬
‫والصلة والسلم على من ل نبي بعده‬
‫قال الشييخ المام العالم العلمية شييخ السيلم تقيي الديين أبيو العباس أحميد بين عبيد الحلييم‬
‫بن عبد السلم ابن تيمية الحراني رضي ال عنه وأرضاه ‪:‬‬

‫الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من‬
‫يهده ال فل مضل له‬
‫ومن يضلل فل هادي له ; وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‬
‫وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى ال عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد ‪:‬‬

‫فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس ;‬
‫مين الكلم فيي التوحييد والصيفات وفيي الشرع والقدر لمسييس الحاجية إلى تحقييق هذيين‬
‫الصلين وكثرة الضطراب فيهما ‪ .‬فإنهما مع حاجة كل أحد إليهما ومع أن أهل النظر‬
‫والعلم والرادة والعباد ‪ :‬ل بد أن يخطر لهم في ذلك من الخواطر والقوال ما يحتاجون‬
‫معييه إلى بيان الهدى ميين الضلل ل سيييما مييع كثرة ميين خاض فييي ذلك بالحييق تارة‬
‫وبالباطل تارات وما يعتري القلوب في ذلك ‪ :‬من الشبه التي توقعها في أنواع الضللت‬
‫‪.‬‬

‫فالكلم في باب التوحيد والصفات ‪ :‬هو من باب الخبر الدائر بين النفي والثبات والكلم‬
‫فييي الشرع والقدر ‪ :‬هييو ميين باب الطلب والرادة ‪ :‬الدائر بييين الرادة والمحبيية وبييين‬
‫الكراهيية والبغييض ‪ :‬نفيييا وإثباتييا والنسييان يجييد فييي نفسييه الفرق بييين النفييي والثبات ;‬
‫والتصيديق والتكذييب وبيين الحيب والبغيض والحيض والمنيع ; حتيى إن الفرق بيين هذا‬

‫‪2‬‬
‫النوع وبين النوع الخر معروف عند العامة والخاصة ومعروف عند أصناف المتكلمين‬
‫فيي العلم كميا ذكير ذلك الفقهاء فيي كتاب اليمان وكميا ذكره المقسيمون للكلم ; مين أهيل‬
‫النظير والنحيو والبيان فذكروا أن الكلم نوعان ‪ :‬خيبر وإنشاء ‪ ,‬والخيبر دائر بيين النفيي‬
‫والثبات ‪ ,‬والنشاء أمر أو نهي أو إباحة‪.‬‬

‫وإذا كان كذلك ‪ :‬فل بد للعبد أن يثبت ل ما يجب إثباته له من صفات الكمال وينفي عنه‬
‫ميا يجيب نفييه عنيه مميا يضاد هذه الحال ول بيد له فيي أحكاميه مين أن يثبيت خلقيه وأمره‬
‫فيؤمين بخلقيه المتضمين كمال قدرتيه وعموم مشيئتيه ويثبيت أمره المتضمين بيان ميا يحبيه‬
‫ويرضاه ‪ :‬مين القول والعميل ويؤمين بشرعيه وقدره إيمانيا خالييا مين الزلل وهذا يتضمين‬
‫التوحيد في عبادته وحده ل شريك له ‪ :‬وهو التوحيد في القصد والرادة والعمل والول‬
‫يتضمين التوحييد فيي العلم والقول كميا دل على ذلك سيورة { قيل هيو ال أحيد } ودل على‬
‫الخير سيورة ‪ { :‬قيل ييا أيهيا الكافرون } وهميا سيورتا الخلص وبهميا كان النيبي صيلى‬
‫ال عليه وسلم يقرأ بعد الفاتحة في ركعتي الفجر وركعتي الطواف وغير ذلك ‪.‬‬

‫فأما الول وهو ( التوحيد في الصفات فالصل في هذا الباب أن يوصف ال بما وصف‬
‫به نفسه وبما وصفته به رسله ‪ :‬نفيا وإثباتا ; فيثبت ل ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه‬
‫عن نفسه ‪.‬‬
‫وقد علم أن طريقة سلف المة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ول‬
‫تمثييل ومين غيير تحرييف ول تعطييل وكذلك ينفون عنيه ميا نفاه عين نفسيه ميع إثبات ميا‬
‫أثبتيه مين الصيفات مين غيير إلحاد ‪ :‬ل فيي أسيمائه ول فيي آياتيه فإن ال تعالى ذم الذيين‬
‫يلحدون فيي أسييمائه وآياتييه كمييا قال تعالى ‪ { :‬ول السيماء الحسيينى فادعوه بهييا وذروا‬
‫الذيين يلحدون فيي أسيمائه سييجزون ميا كانوا يعملون } وقال تعالى ‪ { :‬إن الذيين يلحدون‬
‫في آياتنا ل يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما‬

‫‪3‬‬
‫شئتم } ! الية ‪ .‬فطريقتهم تتضمن إثبات السماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات ‪:‬‬
‫إثباتيا بل تشيبيه وتنزيهيا بل تعطييل كميا قال تعالى ‪ { :‬لييس كمثله شييء وهيو السيميع‬
‫البصير } ‪ .‬ففي قوله { ليس كمثله شيء } ‪ :‬رد للتشبيه والتمثيل وقوله ‪ { :‬وهو السميع‬
‫البصير } ‪ .‬رد لللحاد والتعطيل ‪.‬‬
‫وال سيبحانه ‪ :‬بعيث رسيله ( بإثبات مفصيل ونفيي مجميل فأثبتوا ل الصيفات على وجيه‬
‫التفصيييل ونفوا عنييه مييا ل يصييلح له ميين التشييبيه والتمثيييل كمييا قال تعالى { فاعبده‬
‫واصيطبر لعبادتيه هيل تعلم له سيميا } قال أهيل اللغية ‪ { :‬هيل تعلم له سيميا } أي نظيرا‬
‫يسيتحق مثيل اسيمه ‪ .‬ويقال ‪ :‬مسياميا يسياميه وهذا معنيى ميا يروى عين ابين عباس ( هيل‬
‫تعلم له سييميا مثيل أو شبيهييا وقال تعالى { لم يلد ولم يولد } { ولم يكيين له كفوا أحييد }‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬فل تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون } وقال تعالى ‪ { :‬ومن الناس من يتخذ‬
‫من دون ال أندادا يحبونهم كحب ال والذين آمنوا أشد حبا ل } وقال تعالى ‪ { :‬وجعلوا‬
‫ل شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون }‬
‫{ بدييع السيموات والرض أنيى يكون له ولد ولم تكين له صياحبة وخلق كيل شييء وهيو‬
‫بكيل شييء علييم } ؟ وقال تعالى ‪ { :‬تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالميين‬
‫نذيرا } { الذي له ملك السموات والرض ولم يتخيذ ولدا ولم يكين له شريك فيي الملك }‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬فاسييتفتهم ألربييك البنات ولهييم البنون } { أم خلقنييا الملئكيية إناثييا وهييم‬
‫شاهدون } { أل إنهم من إفكهم ليقولون } { ولد ال وإنهم لكاذبون } { أصطفى البنات‬
‫على البنييين } { مييا لكييم كيييف تحكمون } { أفل تذكرون } { أم لكييم سييلطان مييبين }‬
‫{ فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين } { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم‬
‫لمحضرون } { سيييبحان ال عميييا يصيييفون } { إل عباد ال المخلصيييين } إلى قوله ‪:‬‬
‫{ سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { وسلم على المرسلين } { والحمد ل رب‬
‫العالمين } ‪ .‬فسبح نفسه عما يصفه المفترون المشركون وسلم على المرسلين لسلمة ما‬
‫قالوه من الفك والشرك وحمد نفسه ; إذ هو سبحانه المستحق للحمد بما له من السماء‬

‫‪4‬‬
‫والصيفات وبدييع المخلوقات وأميا ( الثبات المفصيل ‪ :‬فإنيه ذكير مين أسيمائه وصيفاته ميا‬
‫أنزله فييي محكييم آياتييه كقوله ‪ { :‬ال ل إله إل هييو الحييي القيوم } الييية بكمالهييا وقوله ‪:‬‬
‫{ قل هو ال أحد } { ال الصمد } السورة وقوله ‪ { :‬وهو العليم الحكيم } { وهو العليم‬
‫القديير } { وهيو السيميع البصيير } { وهيو العزييز الحكييم } { وهيو الغفور الرحييم }‬
‫{ وهو الغفور الودود } { ذو العرش المجيد } { فعال لما يريد } { هو الول والخر‬
‫والظاهير والباطين وهيو بكيل شييء علييم } { هيو الذي خلق السيموات والرض فيي سيتة‬
‫أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء‬
‫وميا يعرج فيهيا وهيو معكيم أيين ميا كنتيم وال بميا تعملون بصيير } وقوله ‪ { :‬ذلك بأنهيم‬
‫اتبعوا ما أسخط ال وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } وقوله ‪ { :‬فسوف يأتي ال بقوم‬
‫يحبهييم ويحبونييه أذلة على المؤمنييين أعزة على الكافرييين } الييية وقوله ‪ { :‬رضييي ال‬
‫عنهيم ورضوا عنيه ذلك لمين خشيي ربيه } وقوله ‪ { :‬ومين يقتيل مؤمنيا متعمدا فجزاؤه‬
‫جهنيم خالدا فيهيا وغضيب ال علييه ولعنيه } وقوله ‪ { :‬إن الذيين كفروا ينادون لمقيت ال‬
‫أكيبر مين مقتكيم أنفسيكم إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون } وقوله ‪ { :‬هيل ينظرون إل أن‬
‫يأتيهيم ال فيي ظلل مين الغمام والملئكية } وقوله ‪ { :‬ثيم اسيتوى إلى السيماء وهيي دخان‬
‫فقال لهيا وللرض ائتييا طوعيا أو كرهيا قالتيا أتينيا طائعيين } وقوله ‪ { :‬وكلم ال موسيى‬
‫تكليمييا } وقوله ‪ { :‬وناديناه ميين جانييب الطور اليميين وقربناه نجيييا } وقوله ‪ { :‬ويوم‬
‫يناديهييم فيقول أييين شركائي الذييين كنتييم تزعمون } وقوله { إنمييا أمره إذا أراد شيئا أن‬
‫يقول له كيين فيكون } وقوله ‪ { :‬هييو ال الذي ل إله إل هييو عالم الغيييب والشهادة هييو‬
‫الرحمين الرحييم } { هيو ال الذي ل إله إل هيو الملك القدوس السيلم المؤمين المهيمين‬
‫العزييز الجبار المتكيبر سيبحان ال عميا يشركون } { هيو ال الخالق البارئ المصيور له‬
‫السيماء الحسينى يسيبح له ميا فيي السيموات والرض وهيو العزييز الحكييم } ‪ .‬إلى أمثال‬
‫هذه اليات والحادييث الثابتية عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي أسيماء الرب تعالى‬
‫وصيفاته فإن فيي ذلك مين إثبات ذاتيه وصيفاته على وجيه التفصييل وإثبات وحدانيتيه بنفيي‬

‫‪5‬‬
‫التمثييل ميا هدى ال بيه عباده إلى سيواء السيبيل فهذه طريقية الرسيل صيلوات ال وسيلمه‬
‫عليهيم أجمعيين ‪ .‬وأميا مين زاغ وحاد عين سيبيلهم مين الكفار والمشركيين والذيين أوتوا‬
‫الكتاب ومين دخيل فيي هؤلء مين الصيابئة والمتفلسيفة والجهميية والقرامطية والباطنيية‬
‫ونحوهم ‪ :‬فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل ول يثبتون‬
‫إل وجودا مطلقيا ل حقيقية له عنيد التحصييل وإنميا يرجيع إلى وجود فيي الذهان يمتنيع‬
‫تحققه في العيان فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل ; فإنهم يمثلونه بالممتنعات‬
‫والمعدومات والجمادات ; ويعطلون السيييماء والصيييفات تعطيل يسيييتلزم نفيييي الذات ‪.‬‬
‫فغلتهييم يسييلبون عنييه النقيضييين فيقولون ‪ :‬ل موجود ول معدوم ول حييي ول ميييت ول‬
‫عالم ول جاهيييل لنهيييم يزعمون أنهيييم إذا وصيييفوه بالثبات شبهوه بالموجودات وإذا‬
‫وصييفوه بالنفييي شبهوه بالمعدومات فسييلبوا النقيضييين وهذا ممتنييع فييي بداهيية العقول ;‬
‫وحرفوا ما أنزل ال من الكتاب وما جاء به الرسول فوقعوا في شر مما فروا منه فإنهم‬
‫شبهوه بالممتنعات إذ سيلب النقيضيين كجميع النقيضيين كلهميا مين الممتنعات وقيد علم‬
‫بالضطرار ‪ .‬أن الوجود ل بد له من موجد واجب بذاته غني عما سواه ; قديم أزلي ; ل‬
‫يجوز علييه الحدوث ول العدم فوصيفوه بميا يمتنيع وجوده فضل عين الوجوب أو الوجود‬
‫أو القدم ‪ .‬وقاربهييم طائفيية ميين الفلسييفة وأتباعهييم فوصييفوه بالسييلوب والضافات دون‬
‫صيفات الثبات وجعلوه هيو الوجود المطلق بشرط الطلق وقيد علم بصيريح العقيل أن‬
‫هذا ل يكون إل فييي الذهيين ل فيمييا خرج عنييه ميين الموجودات وجعلوا الصيييفة هييي‬
‫الموصيوف ‪ ,‬فجعلوا العلم عيين العالم مكابرة للقضاييا البديهات وجعلوا هذه الصيفة هيي‬
‫الخرى فلم يميزوا بيين العلم والقدرة والمشيئة جحدا للعلوم الضروريات وقاربهيم طائفية‬
‫ثالثية مين أهيل الكلم مين المعتزلة ومين اتبعهيم ; فأثبتوا ل السيماء دون ميا تتضمنيه مين‬
‫الصيفات ‪ -‬فمنهيم مين جعيل العلييم والقديير ; والسيميع ; والبصيير ; كالعلم المحضية‬
‫المترادفات ومنهيم مين قال علييم بل علم قديير بل قدرة سيميع بصيير بل سيمع ول بصير‬
‫فأثبتوا السم دون ما تضمنه من الصفات والكلم على فساد مقالة هؤلء وبيان تناقضها‬

‫‪6‬‬
‫بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول مذكور في غير هذه الكلمات وهؤلء جميعهم‬
‫يفرون من شيء فيقعون في نظيره وفي شر منه مع ما يلزمهم من التحريف والتعطيل‬
‫ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلت وفرقوا بين المختلفات كما تقتضيه المعقولت ;‬
‫ولكانوا ميين الذييين أوتوا العلم الذييين يرون أنمييا أنزل إلى الرسييول هييو الحييق ميين ربييه‬
‫ويهدي إلى صيراط العزييز الحمييد ‪ .‬ولكنهيم مين أهيل المجهولت المشبهية بالمعقولت‬
‫يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات ‪ .‬وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه‬
‫ل بييد ميين موجود قديييم غنييي عمييا سييواه إذ نحيين نشاهييد حدوث المحدثات ‪ :‬كالحيوان‬
‫والمعدن والنبات والحادث ممكييين لييييس بواجيييب ول ممتنيييع وقيييد علم بالضطرار أن‬
‫المحدث ل بيد له مين محدث والممكين ل بيد له مين موجيد كميا قال تعالى ‪ { :‬أم خلقوا مين‬
‫غييير شيييء أم هييم الخالقون ؟ } فإذا لم يكونوا خلقوا ميين غييير خالق ول هييم الخالقون‬
‫لنفسهم تعين أن لهم خالقا خلقهم ‪.‬‬
‫وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث‬
‫ممكيين يقبييل الوجود والعدم ‪ :‬فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ول يلزم ميين اتفاقهمييا‬
‫فيي مسيمى الوجود أن يكون وجود هذا مثيل وجود هذا بيل وجود هذا يخصيه ووجود هذا‬
‫يخصيه واتفاقهميا فيي اسيم عام ‪ :‬ل يقتضيي تماثلهميا فيي مسيمى ذلك السيم عنيد الضافية‬
‫والتخصيص والتقييد ول في غيره ‪ .‬فل يقول عاقل إذا قيل أن العرش شيء موجود وأن‬
‫البعوض شيء موجود ‪ :‬إن هذا مثل هذا ; لتفاقهما في مسمى الشيء والوجود لنه ليس‬
‫فيي الخارج شييء موجود غيرهميا يشتركان فييه بيل الذهين يأخيذ معنيى مشتركيا كلييا هيو‬
‫مسييمى السييم المطلق وإذا قيييل هذا موجود وهذا موجود ‪ :‬فوجود كييل منهمييا يخصييه ل‬
‫يشركه فيه غيره ; مع أن السم حقيقة في كل منهما ولهذا سمى ال نفسه بأسماء وسمى‬
‫صيفاته بأسيماء ; وكانيت تلك السيماء مختصية بيه إذا أضيفيت إلييه ل يشركيه فيهيا غيره‬
‫وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك السماء إذا قطعت‬
‫عين الضافية والتخصييص ; ولم يلزم مين اتفاق السيمين وتماثيل مسيماهما واتحاده عنيد‬

‫‪7‬‬
‫الطلق والتجريد عن الضافة والتخصيص ‪ :‬اتفاقهما ول تماثل المسمى عند الضافة‬
‫والتخصييص فضل عين أن يتحيد مسيماهما عنيد الضافية والتخصييص ‪ .‬فقيد سيمى ال‬
‫نفسييه حيييا فقال ‪ { :‬ال ل إله إل هييو الحييي القيوم } وسييمى بعييض عباده حيييا ; فقال ‪:‬‬
‫{ يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } وليس هذا الحي مثل هذا الحي لن‬
‫قوله الحيي اسيم ل مختيص بيه وقوله ‪ { :‬يخرج الحيي مين المييت } اسيم للحيي المخلوق‬
‫مختيص بيه وإنميا يتفقان إذا أطلقيا وجردا عين التخصييص ; ولكين لييس للمطلق مسيمى‬
‫موجود فييي الخارج ولكيين العقييل يفهييم ميين المطلق قدرا مشتركييا بييين المسييميين وعنييد‬
‫الختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق ول بد من‬
‫هذا في جميع أسماء ال وصفاته يفهم منها ما دل عليه السم بالمواطأة والتفاق وما دل‬
‫عليييه بالضافيية والختصيياص ‪ :‬المانعيية ميين مشاركيية المخلوق للخالق فييي شيييء ميين‬
‫خصائصه ‪ -‬سبحانه وتعالى وكذلك سمى ال نفسه عليما حليما وسمى بعض عباده عليما‬
‫فقال ‪ { :‬وبشروه بغلم علييم } يعنيي إسيحاق وسيمى آخير حليميا فقال ‪ { :‬فبشرناه بغلم‬
‫حلييم } يعنيي إسيماعيل ولييس العلييم كالعلييم ول الحلييم كالحلييم ‪ ,‬وسيمى نفسيه سيميعا‬
‫بصيييرا فقال ‪ { :‬إن ال يأمركييم أن تؤدوا المانات إلى أهلهييا وإذا حكمتييم بييين الناس أن‬
‫تحكموا بالعدل إن ال نعميا يعظكيم بيه إن ال كان سيميعا بصييرا } وسيمى بعيض عباده‬
‫سميعا بصيرا فقال ‪ { :‬إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا }‬
‫وليس السميع كالسميع ول البصير كالبصير وسمى نفسه بالرءوف الرحيم ‪ .‬فقال ‪ { :‬إن‬
‫ال بالناس لرءوف رحييم } وسيمى بعيض عباده بالرءوف الرحييم فقال ‪ { :‬لقيد جاءكيم‬
‫رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } وليس‬
‫الرءوف كالرءوف ول الرحييم كالرحييم وسيمى نفسيه بالملك ‪ .‬فقال ‪ { :‬الملك القدوس }‬
‫وسيمى بعيض عباده بالملك فقال { وكان وراءهيم ملك يأخيذ كيل سيفينة غصيبا } { وقال‬
‫الملك ائتونيي بيه } ولييس الملك كالملك ‪ .‬وسيمى نفسيه بالمؤمين المهيمين وسيمى بعيض‬
‫عباده بالمؤمين فقال ‪ { :‬أفمين كان مؤمنيا كمين كان فاسيقا ل يسيتوون } ولييس المؤمين‬

‫‪8‬‬
‫كالمؤمين وسيمى نفسيه بالعزييز فقال ‪ { :‬العزييز الجبار المتكيبر } وسيمى بعيض عباده‬
‫بالعزيييز فقال ‪ { :‬قالت امرأة العزيييز } وليييس العزيييز كالعزيييز وسييمى نفسييه الجبار‬
‫المتكيبر وسيمى بعيض خلقيه بالجبار المتكيبر قال ‪ { :‬كذلك يطبيع ال على كيل قلب متكيبر‬
‫جبار } وليييس الجبار كالجبار ول المتكييبر كالمتكييبر ونظائر هذا متعددة وكذلك سييمى‬
‫صيفاته بأسيماء وسيمى صيفات عباده بنظيير ذلك فقال ‪ { :‬ول يحيطون بشييء مين علميه‬
‫إل بمييا شاء } { أنزله بعلمييه } وقال ‪ { :‬إن ال هييو الرزاق ذو القوة المتييين } وقال ‪:‬‬
‫{ أولم يروا أن ال الذي خلقهيم هيو أشيد منهيم قوة } وسيمى صيفة المخلوق علميا وقوة‬
‫فقال ‪ { :‬ومييا أوتيتييم ميين العلم إل قليل } وقال ‪ { :‬وفوق كييل ذي علم عليييم } وقال ‪:‬‬
‫{ فرحوا بما عندهم من العلم } وقال ‪ { :‬ال الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد‬
‫ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } وقال ‪ { :‬ويزدكم قوة إلى قوتكم } وقال‬
‫‪ { :‬والسماء بنيناها بأيد } أي بقوة وقال ‪ { :‬واذكر عبدنا داود ذا اليد } أي ذا القوة‬
‫وليس العلم كالعلم ول القوة كالقوة ووصف نفسه بالمشيئة ووصف عبده بالمشيئة فقال ‪:‬‬
‫{ لمين شاء منكيم أن يسيتقيم } { وميا تشاءون إل أن يشاء ال رب العالميين } وقال ‪:‬‬
‫{ إن هذه تذكرة } { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيل } { وما تشاءون إل أن يشاء ال إن‬
‫ال كان عليمييا حكيمييا } وكذلك وصييف نفسييه بالرادة وعبده بالرادة فقال ‪ { :‬تريدون‬
‫عرض الدنيا وال يريد الخرة وال عزيز حكيم } ووصف نفسه بالمحبة ووصف عبده‬
‫بالمحبة فقال ‪ { :‬فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه } وقال ‪ { :‬قل إن كنتم تحبون ال‬
‫فاتبعوني يحببكم ال } ووصف نفسه بالرضا ووصف عبده بالرضا فقال ‪ { :‬رضي ال‬
‫عنهييم ورضوا عنييه } ومعلوم أن مشيئة ال ليسييت مثييل مشيئة العبييد ‪ ,‬ول إرادتييه مثييل‬
‫إرادتيه ول محبتيه مثيل محبتيه ‪ ,‬ول رضاه مثيل رضاه وكذلك وصيف نفسيه بأنيه يمقيت‬
‫الكفار ووصفهم بالمقت فقال ‪ { :‬إن الذين كفروا ينادون لمقت ال أكبر من مقتكم أنفسكم‬
‫إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون } ولييس المقيت مثيل المقيت وهكذا وصيف نفسيه بالمكير‬
‫والكيييد كمييا وصييف عبده بذلك فقال ‪ { :‬ويمكرون ويمكيير ال } وقال { إنهييم يكيدون‬

‫‪9‬‬
‫كيدا } { وأكيد كيدا } وليس المكر كالمكر ول الكيد كالكيد ووصف نفسه بالعمل فقال ‪:‬‬
‫{ أولم يروا أنيا خلقنيا لهيم مميا عملت أيدينيا أنعاميا فهيم لهيا مالكون ؟ } ووصيف عبده‬
‫بالعميل فقال { جزاء بميا كانوا يعملون } ولييس العميل كالعميل ووصيف نفسيه بالمناداة‬
‫والمناجاة فقال ‪ { :‬وناديناه مييين جانيييب الطور اليمييين وقربناه نجييييا } وقال ‪ { :‬ويوم‬
‫يناديهييم } وقال ‪ { :‬وناداهمييا ربهمييا } ووصييف عباده بالمناداة والمناجاة فقال ‪ { :‬إن‬
‫الذيين ينادونيك مين وراء الحجرات أكثرهيم ل يعقلون } وقال ‪ { :‬إذا ناجيتيم الرسيول }‬
‫وقال ‪ { :‬إذا تناجيتيم فل تتناجوا بالثيم والعدوان } ولييس المناداة ول المناجاة كالمناجاة‬
‫والمناداة ووصيف نفسيه بالتكلييم فيي قوله ‪ { :‬وكلم ال موسيى تكليميا } وقوله ‪ { :‬ولميا‬
‫جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } وقوله ‪ { :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم‬
‫من كلم ال } ووصف عبده بالتكليم في قوله ‪ { :‬وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي‬
‫فلميا كلميه قال إنيك اليوم لدينيا مكيين أميين } ولييس التكلييم كالتكلييم ووصيف نفسيه بالتنبئة‬
‫ووصف بعض الخلق بالتنبئة فقال ‪ { :‬وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت‬
‫بيه وأظهره ال علييه عرف بعضيه وأعرض عين بعيض فلميا نبأهيا بيه قالت من أنبأك هذا‬
‫قال نبأنيي العلييم الخيبير } ولييس النباء كالنباء ووصيف نفسيه بالتعلييم ووصيف عبده‬
‫بالتعليم فقال ‪ { :‬الرحمن } { علم القرآن } { خلق النسان } { علمه البيان } وقال ‪{ :‬‬
‫تعلمونهين مميا علمكيم ال } وقال ‪ { :‬لقيد من ال على المؤمنيين إذ بعيث فيهيم رسول مين‬
‫أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وليس التعليم كالتعليم وهكذا‬
‫وصف نفسه بالغضب فقال ‪ { :‬وغضب ال عليهم ولعنهم } ووصف عبده بالغضب في‬
‫قوله ‪ { :‬ولميا رجيع موسيى إلى قوميه غضبان أسيفا } ولييس الغضيب كالغضيب ووصيف‬
‫نفسيه بأنيه اسيتوى على عرشيه فذكير ذلك فيي سيبع مواضيع مين كتابيه أنيه اسيتوى على‬
‫العرش ووصف بعض خلقه بالستواء على غيره في مثل قوله ‪ { :‬لتستووا على ظهوره‬
‫} وقوله ‪ { :‬فإذا اسيتويت أنيت ومين معيك على الفلك } وقوله ‪ { :‬واسيتوت على‬
‫الجودي } وليس الستواء كالستواء ووصف نفسه ببسط اليدين فقال ‪ { :‬وقالت اليهود‬

‫‪10‬‬
‫يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } ووصف‬
‫بعيض خلقيه ببسيط الييد فيي قوله ‪ { :‬ول تجعيل يدك مغلولة إلى عنقيك ول تبسيطها كيل‬
‫البسط } وليس اليد كاليد ول البسط كالبسط ; وإذا كان المراد بالبسط العطاء والجود ‪:‬‬
‫فلييس إعطاء ال كإعطاء خلقيه ول جوده كجودهيم ونظائر هذا كثيرة ‪ .‬فل بيد مين إثبات‬
‫ما أثبته ال لنفسه ونفي مماثلته بخلقه فمن قال ‪ :‬ليس ل علم ول قوة ول رحمة ول كلم‬
‫ول يحيييب ول يرضيييى ول نادى ول ناجيييى ول اسيييتوى ‪ :‬كان معطل جاحدا ممثل ل‬
‫بالمعدومات والجمادات ومين قال له علم كعلميي أو قوة كقوتيي أو حيب كحيبي أو رضاء‬
‫كرضاي أو يدان كيداي أو اسيتواء كاسيتوائي كان مشبهيا ممثل ل بالحيوانات ; بيل ل بيد‬
‫مييين إثبات بل تمثييييل وتنزييييه بل تعطييييل ويتيييبين هذا ( بأصيييلين شريفيييين ) ومثليييين‬
‫مضروبين ‪ -‬ول المثل العلى ‪ . -‬و ( بخاتمة جامعة )‬

‫فصل‬

‫فأما الصلن ‪ :‬فأحدهما أن يقال ‪ ( :‬القول في بعض الصفات كالقول في بعض فإن كان‬
‫المخاطب ممن يقول ‪ :‬بأن ال حي بحياة عليم بعلم قدير بقدرة سميع بسمع بصير ببصر‬
‫متكلم بكلم مريييد بإرادة ويجعييل ذلك كله حقيقيية وينازع فييي محبتييه ورضاه وغضبييه‬
‫وكراهتييه فيجعييل ذلك مجازا ويفسييره إمييا بالرادة وإمييا ببعييض المخلوقات ميين النعييم‬
‫والعقوبات فيقال له ‪ :‬ل فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته بل القول في أحدهما كالقول في‬
‫الخير ; فإن قلت ‪ :‬إن إرادتيه مثيل إرادة المخلوقيين فكذلك محبتيه ورضاه وغضبيه وهذا‬
‫هيو التمثييل وإن قلت ‪ :‬إن له إرادة تلييق بيه ; كميا أن للمخلوق إرادة تلييق بيه قييل لك ‪:‬‬
‫وكذلك له محبية تلييق بيه وللمخلوق محبية تلييق بيه وله رضيا وغضيب يلييق بيه وللمخلوق‬
‫رضييا وغضييب يليييق بييه وإن قلت ‪ :‬الغضييب غليان دم القلب لطلب النتقام فيقال له ‪:‬‬
‫والرادة مييل النفيس إلى جلب منفعية أو دفيع مضرة فإن قلت ‪ :‬هذه إرادة المخلوق قييل‬

‫‪11‬‬
‫لك ‪ :‬وهذا غضب المخلوق وكذلك يلزم القول في كلمه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته‬
‫; إن نفيي عنه الغضيب والمحبية والرضيا ونحيو ذلك مميا هيو مين خصيائص المخلوقيين ;‬
‫فهذا منتيف عين السيمع والبصير والكلم وجمييع الصيفات وإن قال ‪ :‬أنيه ل حقيقية لهذا إل‬
‫ميا يختيص بالمخلوقيين ; فيجيب نفييه عنيه قييل له ‪ :‬وهكذا السيمع والبصير والكلم والعلم‬
‫والقدرة فهذا المفرق بييين بعييض الصييفات وبعييض يقال له ‪ :‬فيمييا نفاه كمييا يقوله هييو‬
‫لمنازعه فيما أثبته فإذا قال المعتزلي ‪ :‬ليس له إرادة ول كلم قائم به ; لن هذه الصفات‬
‫ل تقوم إل بالمخلوقات فإنيه ييبين للمعتزلي أن هذه الصيفات يتصيف بهيا القدييم ول تكون‬
‫كصفات المحدثات فهكذا يقول له المثبتون لسائر الصفات من المحبة والرضا ونحو ذلك‬
‫فإن قال ‪ :‬تلك الصيفات أثبتهيا بالعقيل لن الفعيل الحادث دل على القدرة والتخصييص دل‬
‫على الرادة والحكام دل على العلم وهذه الصيفات مسيتلزمة للحياة والحيي ل يخلو عين‬
‫السمع والبصر والكلم أو ضد ذلك قال له سائر أهل الثبات ‪ :‬لك جوابان ‪ :‬أحدهما أن‬
‫يقال ‪ :‬عدم الدلييل المعيين ل يسيتلزم عدم المدلول المعيين فهيب أن ميا سيلكت مين الدلييل‬
‫العقلي ل يثبت ذلك فإنه ل ينفيه وليس لك أن تنفيه بغير دليل لن النافي عليه الدليل كما‬
‫على المثبييت والسييمع قييد دل عليييه ولم يعارض ذلك معارض عقلي ول سييمعي فيجييب‬
‫إثبات مييا أثبتييه الدليييل السييالم عيين المعارض المقاوم الثانييي أن يقال ‪ :‬يمكيين إثبات هذه‬
‫الصيفات بنظيير ميا أثبيت بيه تلك مين العقليات فيقال نفيع العباد بالحسيان إليهيم دل على‬
‫الرحمييية كدللة التخصييييص على المشيئة وإكرام الطائعيييين يدل على محبتهيييم وعقاب‬
‫الكافرييين يدل على بغضهييم كمييا قييد ثبييت بالشهادة والخييبر ‪ :‬ميين إكرام أوليائه وعقاب‬
‫أعدائه والغايات المحمودة فييي مفعولتييه ومأموراتييه ‪ -‬وهييي مييا تنتهييي إليييه مفعولتييه‬
‫ومأموراتيه مين العواقيب الحميدة ‪ -‬تدل على حكمتيه البالغية ; كميا يدل التخصييص على‬
‫المشيئة وأولى لقوة العلة الغائيية ; ولهذا كان ميا فيي القرآن مين بيان ميا فيي مخلوقاتيه مين‬
‫النعيم والحكيم ‪ :‬أعظيم مميا فيي القرآن مين بيان ميا فيهيا مين الدللة على محيض المشيئة‬
‫وإن كان المخاطيب ممين ينكير الصيفات ويقير بالسيماء كالمعتزلي الذي يقول ‪ :‬إنيه حيي‬

‫‪12‬‬
‫علييم قديير وينكير أن يتصيف بالحياة والعلم والقدرة قييل له ‪ :‬ل فرق بيين إثبات السيماء‬
‫وإثبات الصييفات فإنييك إن قلت ‪ :‬إثبات الحياة والعلم والقدرة يقتضييي تشبيهييا أو تجسيييما‬
‫لنا ل نجد في الشاهد متصفا بالصفات إل ما هو جسم قيل لك ‪ :‬ول نجد في الشاهد ما‬
‫هو مسمى حي عليم قدير إل ما هو جسم فإن نفيت ما نفيت لكونك لم تجده في الشاهد إل‬
‫للجسم فانف السماء بل وكل شيء لنك ل تجده في الشاهد إل للجسم فكل ما يحتج به‬
‫من نفى الصفات يحتج به نافي السماء الحسنى ; فما كان جوابا لذلك كان جوابا لمثبتي‬
‫الصفات وإن كان المخاطب من الغلة نفاة السماء والصفات وقال ل أقول ‪ :‬هو موجود‬
‫ول حييي ول عليييم ول قدييير ; بييل هذه السييماء لمخلوقاتييه إذ هييي مجاز لن إثبات ذلك‬
‫يستلزم التشبيه بالموجود الحي العليم قيل له ‪ :‬كذلك إذا قلت ‪ :‬ليس بموجود ول حي ول‬
‫عليم ول قدير كان ذلك تشبيها بالمعدومات وذلك أقبح من التشبيه بالموجودات فإن قال ‪:‬‬
‫أنيا أنفيي النفيي والثبات قييل له ‪ :‬فيلزميك التشبيه بميا اجتميع فييه النقيضان مين الممتنعات‬
‫فإنيه يمتنيع أن يكون الشييء موجودا معدوميا أو ل موجودا ول معدوميا ويمتنيع أن يكون‬
‫يوصيف ذلك باجتماع الوجود والعدم أو الحياة والموت أو العلم والجهيل أو يوصيف بنفيي‬
‫الوجود والعدم ونفيييي الحياة والموت ونفيييي العلم والجهيييل فإن قلت إنميييا يمتنيييع نفيييي‬
‫النقيضييين عمييا يكون قابل لهمييا وهذان يتقابلن تقابييل العدم والملكيية ; ل تقابييل السييلب‬
‫واليجاب فإن الجدار ل يقال له أعميى ول بصيير ول حيي ول مييت إذ لييس بقابيل لهميا‬
‫قيييل لك ‪ :‬أول هذا ل يصييح فييي الوجود والعدم فإنهمييا متقابلن تقابييل السييلب واليجاب‬
‫باتفاق العقلء ; فيلزم مين رفيع أحدهميا ثبوت الخير وأميا ميا ذكرتيه مين الحياة والموت‬
‫والعلم والجهييل ‪ :‬فهذا اصييطلح اصييطلحت عليييه المتفلسييفة المشاءون والصييطلحات‬
‫اللفظيية ليسيت دليل على نفيي الحقائق العقليية وقيد قال ال تعالى ‪ { :‬والذيين يدعون مين‬
‫دون ال ل يخلقون شيئا وهم يخلقون } { أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ؟‬
‫} فسمى الجماد ميتا وهذا مشهور في لغة العرب وغيرهم وقيل لك ثانيا ‪ :‬فما ل يقبل‬
‫التصياف بالحياة والموت والعميى والبصير ونحيو ذلك مين المتقابلت أنقيص مميا يقبيل‬

‫‪13‬‬
‫ذلك ‪ -‬فالعميى الذي يقبيل التصياف بالبصير أكميل مين الجماد الذي ل يقبيل واحدا منهميا‬
‫فأنيت فررت مين تشيبيهه بالحيوانات القابلة لصيفات الكمال ووصيفته بصيفات الجامدات‬
‫التيي ل تقبيل ذلك وأيضيا فميا ل يقبيل الوجود والعدم ‪ :‬أعظيم امتناعيا مين القابيل للوجود‬
‫والعدم ; بييل وميين اجتماع الوجود والعدم ونفيهمييا جميعييا فمييا نفيييت عنييه قبول الوجود‬
‫والعدم ‪ .‬كان أعظييم امتناعييا ممييا نفيييت عنييه الوجود والعدم وإذا كان هذا ممتنعييا فييي‬
‫صييرائح العقول فذاك أعظييم امتناعييا ; فجعلت الوجود الواجييب الذي ل يقبييل العدم هييو‬
‫أعظيم الممتنعات وهذا غايية التناقيض والفسياد وهؤلء الباطنيية منهيم مين يصيرح برفيع‬
‫النقيضييين ‪ :‬الوجود والعدم ; ورفعهمييا كجمعهمييا ‪ .‬وميين يقول ل أثبييت واحدا منهمييا‬
‫فامتناعيه عين إثبات أحدهميا فيي نفيس المير ل يمنيع تحقيق واحيد منهميا فيي نفيس المير‬
‫وإنما هو كجهل الجاهل وسكوت الساكت الذي ل يعبر عن الحقائق وإذا كان ما ل يقبل‬
‫الوجود ول العدم أعظم امتناعا مما يقدر قبوله لهما ‪ -‬مع نفيهميا عنه ‪ -‬فميا يقدر ل يقبيل‬
‫الحياة ول الموت ول العلم ول الجهييل ول القدرة ول العجييز ول الكلم ول الخرس ول‬
‫العمى ول البصر ول السمع ول الصمم ‪ :‬أقرب إلى المعدوم الممتنع مما يقدر قابل لهما‬
‫‪ -‬ميع نفيهميا عنيه ‪ -‬وحينئذ فنفيهميا ميع كونيه قابل لهميا أقرب إلى الوجود والممكين وميا‬
‫جاز لواجب الوجود ‪ -‬قابل ‪ -‬وجب له ; لعدم توقف صفاته على غيره ; فإذا جاز القبول‬
‫وجب ; وإذا جاز وجود القبول وجب وقد بسط هذا في موضع آخر وبين وجوب اتصافه‬
‫بصيفات الكمال التي ل نقص فيها بوجيه من الوجوه وقيل له أيضيا ‪ :‬اتفاق المسميين في‬
‫بعييض السييماء والصييفات ‪ :‬ليييس هييو التشييبيه والتمثيييل الذي نفتييه الدلة السييمعيات‬
‫والعقليات وإنما نفت ما يستلزم اشتراكهما فيما يختص به الخالق مما يختص بوجوبه أو‬
‫جوازه أو امتناعيه ; فل يجوز أن يشركيه فييه مخلوق ول يشركيه مخلوق فيي شييء مين‬
‫خصائصه ‪ -‬سبحانه وتعالى وأما ما نفيته فهو ثابت بالشرع والعقل وتسميتك ذلك تشبيها‬
‫وتجسيما تمويه على الجهال الذين يظنون أن كل معنى سماه مسم بهذا السم يجب نفيه ;‬
‫ولو سياغ هذا لكان كيل مبطيل يسيمي الحيق بأسيماء ينفير عنهيا بعيض الناس ليكذب الناس‬

‫‪14‬‬
‫بالحييق المعلوم بالسييمع والعقييل وبهذه الطريقيية ‪ :‬أفسييدت الملحدة على طوائف الناس‬
‫عقلهيم ودينهيم حتيى أخرجوهيم إلى أعظيم الكفير والجهالة وأبلغ الغيي والضللة وإن قال‬
‫نفاة الصييفات ‪ :‬إثبات العلم والقدرة والرادة مسييتلزم تعدد الصييفات وهذا تركيييب ممتنييع‬
‫قيل ‪ :‬وإذا قلتم ‪ :‬هو موجود واجب وعقل وعاقل ومعقول وعاشق ومعشوق ولذيذ وملتذ‬
‫ولذة ‪ .‬أفلييس المفهوم مين هذا هيو المفهوم مين هذا ؟ فهذه معان متعددة متغايرة فيي العقيل‬
‫وهذا تركييب عندكيم وأنتيم تثبتونيه وتسيمونه توحيدا فإن قالوا ‪ :‬هذا توحيييد فيي الحقيقية‬
‫ولييس هذا تركيبيا ممتنعيا قييل لهيم ‪ :‬واتصياف الذات بالصيفات اللزمية لهيا توحييد فيي‬
‫الحقيقية ; ولييس هيو تركيبيا ممتنعيا وذلك أنيه مين المعلوم فيي صيريح العقول أنيه لييس‬
‫معنى كون الشيء عالما هو معنى كونه قادرا ول نفس ذاته هو نفس كونه عالما قادرا ;‬
‫فمين جوز أن تكون هذه الصيفة هيي الموصيوف فهيو مين أعظيم الناس سيفسطة ثيم إنيه‬
‫متناقيض فإنيه إن جوز ذلك جاز أن يكون وجود هذا هيو وجود هذا فيكون الوجود واحدا‬
‫بالعين ل بالنوع وحينئذ فإذا كان وجود الممكن هو وجود الواجب كان وجود كل مخلوق‬
‫يعدم بعدم وجوده ويوجيد بعيد عدميه ‪ :‬هيو نفيس وجود الحيق القدييم الدائم الباقيي الذي ل‬
‫يقبيل العدم وإذا قدر هذا كان الوجود الواجيب موصيوفا بكيل تشيبيه وتجسييم وكيل نقيص‬
‫وكييل عيييب ; كمييا يصييرح بذلك ( أهييل وحدة الوجود الذييين طردوا هذا الصييل الفاسييد‬
‫وحينئذ فتكون أقوال نفاة الصيفات باطلة على كيل تقديير وهذا باب مطرد فإن كيل واحيد‬
‫من النفاة لما أخبر به الرسول من الصفات ‪ :‬ل ينفي شيئا فرارا مما هو محذور إل وقد‬
‫أثبيت ميا يلزميه فييه نظيير ميا فير منيه فل بيد فيي آخير المير مين أن يثبيت موجودا واجبيا‬
‫قديميا متصيفا بصيفات تميزه عين غيره ول يكون فيهيا مماثل لخلقيه فيقال له ‪ :‬هكذا القول‬
‫في جمع الصفات وكل ما تثبته من السماء والصفات ‪ :‬فل بد أن يدل على قدر تتواطأ‬
‫فييه المسيميات ولول ذلك لميا فهيم الخطاب ; ولكين نعلم أن ميا اختيص ال بيه وامتاز عين‬
‫خلقه ‪ :‬أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وهذا يتبين ( بالصيل الثانيي وهو أن يقال ‪ ( :‬القول فيي الصيفات كالقول في الذات ‪ ,‬فإن‬
‫ال ليس كمثله شيء ل في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله ‪ .‬فإذا كان له ذات حقيقة ل‬
‫تماثيل الذوات ‪ .‬فالذات متصيفة بصيفات حقيقية ل تماثيل سيائر الصيفات فإذا قال السيائل ‪:‬‬
‫كييف اسيتوى على العرش ؟ قييل له كميا قال ربيعية ومالك وغيرهميا رضيي ال عنهميا ‪:‬‬
‫السييتواء معلوم والكيييف مجهول واليمان بيه واجييب والسيؤال عين الكيفييية بدعيية لنيه‬
‫سيؤال عميا ل يعلميه البشير ول يمكنهيم الجابية عنيه وكذلك إذا قال ‪ :‬كييف ينزل ربنيا إلى‬
‫السماء الدنيا ؟ قيل له ‪ :‬كيف هو ؟ فإذا قال ‪ :‬ل أعلم كيفيته قيل له ‪ :‬ونحن ل نعلم كيفية‬
‫نزوله إذ العلم بكيفييية الصييفة يسييتلزم العلم بكيفييية الموصييوف وهييو فرع له وتابييع له ;‬
‫فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله وأنت ل تعلم كيفية‬
‫ذاته وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس المر مستوجبة لصفات الكمال ل يماثلها‬
‫شييء فسيمعه وبصيره وكلميه ونزوله واسيتواؤه ثابيت فيي نفيس المير وهيو متصيف‬
‫بصييفات الكمال التييي ل يشابهييه فيهييا سييمع المخلوقييين وبصييرهم وكلمهييم ونزولهييم‬
‫واستواؤهم وهذا الكلم لزم لهم في العقليات وفي تأويل السمعيات ‪ :‬فإن من أثبت شيئا‬
‫ونفى شيئا بالعقل ‪ -‬إذا ‪ -‬ألزم فيما نفاه من الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة نظير ما‬
‫يلزمه فيما أثبته ولو طولب بالفرق بين المحذور في هذا وهذا ‪ :‬لم يجد بينهما فرقا ولهذا‬
‫ل يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض ‪ -‬الذين يوجبون فيما نفوه ‪ :‬إما التفويض ; وإما‬
‫التأوييل المخالف لمقتضيى اللفيظ ‪ -‬قانون مسيتقيم ‪ .‬فإذا قييل لهيم ‪ :‬لم تأولتيم هذا وأقررتيم‬
‫هذا والسييؤال فيهمييا واحييد ؟ لم يكيين لهييم جواب صييحيح فهذا تناقضهييم فييي النفييي وكذا‬
‫تناقضهم في الثبات ; فإن من تأول النصوص على معنى من المعاني التي يثبتها فإنهم‬
‫إذا صيرفوا النيص عين المعنيى الذي هيو مقتضاه إلى معنيى آخير ‪ :‬لزمهيم فيي المعنيى‬
‫المصروف إليه ما كان يلزمهم في المعنى المصروف عنه فإذا قال قائل ‪ :‬تأويل محبته‬
‫ورضاه وغضبه وسخطه ‪ :‬هو إرادته للثواب والعقاب ; كان ما يلزمه في الرادة نظير‬
‫ما يلزمه في الحب والمقت والرضا والسخط ولو فسر ذلك بمفعولته وهو ما يخلقه من‬

‫‪16‬‬
‫الثواب والعقاب فإنه يلزمه في ذلك نظير ما فر منه فإن الفعل ل بد أن يقوم أول بالفاعل‬
‫والثواب والعقاب المفعول إنمييا يكون على فعييل مييا يحبييه ويرضاه ويسييخطه ويبغضييه‬
‫المثيب المعاقب فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد مثلوا وإن‬
‫أثبتوه على خلف ذلك فكذلك الصفات ‪.‬‬

‫فصل‬

‫وأمييا المثلن المضروبان ‪ :‬فإن ال ‪ -‬سييبحانه وتعالى ‪ -‬أخبرنييا عمييا فييي الجنيية ميين‬
‫المخلوقات ‪ :‬مين أصيناف المطاعيم والملبيس والمناكيح والمسياكن ; فأخبرنيا أن فيهيا لبنيا‬
‫وعسل وخمرا وماء ولحما وحريرا وذهبا وفضة وفاكهة وحورا وقصورا وقد قال ابن‬
‫عباس رضي ال عنهما ‪ :‬ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إل السماء وإذا كانت تلك‬
‫الحقائق التي أخبر ال عنها هي موافقة في السماء للحقائق الموجودة في الدنيا وليست‬
‫مماثلة لها ; بل بينهما من التباين ما ل يعلمه إل ال تعالى ‪ :‬فالخالق ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪-‬‬
‫أعظيم مباينية للمخلوقات منيه مباينية المخلوق للمخلوق ومباينتيه لمخلوقاتيه ‪ :‬أعظيم مين‬
‫مباينة موجود الخرة لموجود الدنيا إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق الموافق له في السم‬
‫مين الخالق إلى المخلوق وهذا بيين واضيح ولهذا افترق الناس فيي هذا المقام ثلث فرق ‪:‬‬
‫فالسلف والئمة وأتباعهم ‪ :‬آمنوا بما أخبر ال به عن نفسه وعن اليوم الخر مع علمهم‬
‫بالمباينية التيي بيين ميا فيي الدنييا وبيين ميا فيي الخرة وأن مباينية ال لخلقيه أعظيم والفرييق‬
‫الثاني ‪ :‬الذين أثبتوا ما أخبر ال به في الخرة من الثواب والعقاب ونفوا كثيرا مما أخبر‬
‫به من الصفات ; مثل طوائف من أهل الكلم والفريق الثالث ‪ :‬نفوا هذا وهذا كالقرامطة‬
‫والباطنيية والفلسيفة أتباع المشائيين ونحوهيم مين الملحدة الذيين ينكرون حقائق ميا أخيبر‬
‫ال بيه عين نفسيه وعين اليوم الخير ‪ ,‬ثيم إن كثيرا منهيم يجعلون المير والنهيي مين هذا‬
‫الباب ; فيجعلون الشرائع المأمور بهيا والمحظورات المنهيي عنهيا ‪ :‬لهيا تأويلت باطنية‬

‫‪17‬‬
‫تخالف ما يعرفه المسلمون منها كما يتأولون من الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان‬
‫وحج البيت فيقولون ‪ :‬إن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم ‪ ,‬وإن صيام رمضان كتمان‬
‫أسييرارهم ‪ ,‬وإن حييج البيييت السييفر إلى شيوخهييم ونحييو ذلك ميين التأويلت التييي يعلم‬
‫بالضطرار أنهييا كذب وافتراء على الرسييل ‪ -‬صييلوات ال عليهييم ‪ -‬وتحريييف لكلم ال‬
‫ورسوله عن مواضعه وإلحاد في آيات ال وقد يقولون الشرائع تلزم العامة دون الخاصة‬
‫فإذا صيار الرجيل مين عارفيهيم ومحققيهيم وموحديهيم ‪ :‬رفعوا عنيه الواجبات وأباحوا له‬
‫المحظورات وقيد يدخيل فيي المنتسيبين إلى التصيوف والسيلوك مين يدخيل فيي بعيض هذه‬
‫المذاهب وهؤلء الباطنية ‪ :‬هم الملحدة الذين أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود‬
‫والنصارى وما يحتج به على الملحدة أهل اليمان والثبات ‪ :‬يحتج به كل من كان من‬
‫أهييل اليمان والثبات على ميين يشرك هؤلء فييي بعييض إلحادهييم فإذا أثبييت ل تعالى‬
‫الصيفات ونفيى عنيه مماثلة المخلوقات ‪ -‬كميا دل على ذلك اليات البينات ‪ -‬كان ذلك هيو‬
‫الحييق الذي يوافييق المعقول والمنقول ويهدم أسيياس اللحاد والضللت وال سييبحانه ل‬
‫تضرب له المثال التيي فيهيا مماثلة لخلقيه فإن ال ل مثييل له ; بيل له " المثيل العلى "‬
‫فل يجوز أن يشرك هيو والمخلوقات فيي قياس تمثييل ول فيي قياس شمول تسيتوي أفراده‬
‫ولكيين يسييتعمل فييي حقييه المثييل العلى وهييو أن كييل مييا اتصييف بييه المخلوق ميين كمال‬
‫فالخالق أولى به ‪ ,‬وكل ما ينزه عنه المخلوق من نقص فالخالق أولى بالتنزيه عنه ‪ ,‬فإذا‬
‫كان المخلوق منزهيا عين مماثلة المخلوق ميع الموافقية فيي السيم ‪ :‬فالخالق أولى أن ينزه‬
‫عن مماثلة المخلوق ‪ ,‬وإن حصلت موافقة في السم وهكذا القول في المثل الثاني ‪ .‬وهو‬
‫أن الروح التي فينا ‪ -‬فإنها قد وصفت بصفات ثبوتية وسلبية وقد أخبرت النصوص أنها‬
‫تعرج وتصعد من سماء إلى سماء وأنها تقبض من البدن وتسل منه كما تسل الشعرة من‬
‫العجينيية والناس مضطربون فيهييا ; فمنهييم طوائف ميين أهييل الكلم يجعلونهييا جزءا ميين‬
‫البدن أو صفة من صفاته كقول بعضهم ‪ :‬أنها النفس أو الريح التي تردد في البدن وقول‬
‫بعضهيم ‪ :‬إنهيا الحياة أو المزاج أو نفيس البدن ومنهيم طوائف مين أهيل الفلسيفة يصيفونها‬

‫‪18‬‬
‫بما يصفون به واجب الوجود عندهم وهي أمور ل يتصف بها إل ممتنع الوجود فيقولون‬
‫‪ :‬ل هي داخلة في البدن ول خارجة ول مباينة له ول مداخلة له ول متحركة ول ساكنة‬
‫ول تصعد ول تهبط ول هي جسم ول عرض وقد يقولون ‪ :‬أنها ل تدرك المور المعينة‬
‫والحقائق الموجودة فيي الخارج وإنميا تدرك المور الكليية المطلقية وقيد يقولون ‪ :‬أنهيا ل‬
‫داخييل العالم ول خارجييه ول مباينيية له ول مداخلة وربمييا قالوا ليسييت داخلة فييي أجسييام‬
‫العالم ول خارجة عنها مع تفسيرهم للجسم بما ل يقبل الشارة الحسية فيصفونها بأنها ل‬
‫يمكين الشارة إليهيا ونحيو ذلك مين الصيفات السيلبية التيي تلحقهيا بالمعدوم والممتنيع وإذا‬
‫قيل لهم ‪ :‬إثبات مثل هذا ممتنع في ضرورة العقل قالوا ‪ :‬بل هذا ممكن بدليل أن الكليات‬
‫ممكنية موجودة وهيي غيير مشار إليهيا وقيد غفلوا عين كون الكليات ل توجيد كليية إل فيي‬
‫الذهان ل فييي العيان ; فيعتمدون فيمييا يقولونييه فييي المبدأ والمعاد على مثييل هذا الخيال‬
‫الذي ل يخفيييى فسييياده على غالب الجهال واضطراب النفاة والمثبتييية فيييي الروح كثيييير‬
‫وسبب ذلك أن الروح ‪ -‬التي تسمى بالنفس الناطقة عند الفلسفة ‪ -‬ليست هي من جنس‬
‫هذا البدن ول مين جنيس العناصير والمولدات منهيا ; بيل هيي مين جنيس آخير مخالف لهذه‬
‫الجناس فصار هؤلء ل يعرفونها إل بالسلوب التي توجب مخالفتها للجسام المشهودة‬
‫وأولئك يجعلونهيا مين جنيس الجسيام المشهودة وكل القوليين خطيأ وإطلق القول عليهيا‬
‫بأنهيا جسيم أو ليسيت بجسيم يحتاج إلى تفصييل فإن لفيظ الجسيم للناس فييه أقوال متعددة‬
‫اصيطلحية غيير معناه اللغوي فإن أهيل اللغية يقولون ‪ :‬الجسيم هيو الجسيد والبدن وبهذا‬
‫العتبار فالروح ليسيت جسيما ; ولهذا يقولون ‪ :‬الروح والجسيم ; كميا قال تعالى ‪ { :‬وإذا‬
‫رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم } وقال تعالى ‪ { :‬وزاده بسطة في العلم‬
‫والجسم } وأما أهل الكلم ‪ :‬فمنهم من يقول الجسم هو الموجود ; ومنهم من يقول ‪ :‬هو‬
‫القائم بنفسيه ومنهيم مين يقول ‪ :‬هيو المركيب مين الجواهير المفردة ومنهيم مين يقول ‪ :‬هيو‬
‫المركب من المادة والصورة وكل هؤلء يقولون ‪ :‬إنه مشار إليه إشارة حسية ومنهم من‬
‫يقول ‪ :‬لييس مركبيا مين هذا ول مين هذا بيل هيو مميا يشار إلييه ويقال ‪ :‬إنيه هنيا أو هناك ;‬

‫‪19‬‬
‫فعلى هذا إن كانيت الروح مما يشار إليها ويتبعها بصر الميت ‪ -‬كما قال صلى ال عليه‬
‫وسيلم ‪ { :‬أن الروح إذا خرجيت تبعهيا البصير وأنهيا تقبيض ويعرج بهيا إلى السيماء } ‪-‬‬
‫كانت الروح جسما بهذا الصطلح والمقصود ‪ :‬أن الروح إذا كانت موجودة حية عالمة‬
‫قادرة سيميعة بصييرة ‪ :‬تصيعد وتنزل وتذهيب وتجييء ونحيو ذلك مين الصيفات ‪ ,‬والعقول‬
‫قاصرة عن تكييفها وتحديدهيا ; لنهم لم يشاهدوا لها نظيرا ‪ .‬والشييء إنما تدرك حقيقته‬
‫بمشاهدتيه أو مشاهدة نظيره ‪ .‬فإذا كانيت الروح متصيفة بهذه الصيفات ميع عدم مماثلتهيا‬
‫لميا يشاهيد مين المخلوقات ‪ :‬فالخالق أولى بمباينته لمخلوقاتيه ميع اتصيافه بميا يسيتحقه من‬
‫أسيمائه وصيفاته ; وأهيل العقول هيم أعجيز عين أن يحدوه أو يكيفوه منهيم عين أن يحدوا‬
‫الروح أو يكيفوهيا ‪ .‬فإذا كان مين نفيى صيفات الروح جاحدا معطل لهيا ومين مثلهيا بميا‬
‫يشاهده مين المخلوقات جاهل ممثل لهيا بغيير شكلهيا وهيي ميع ذلك ثابتية بحقيقية الثبات‬
‫مستحقة لما لها من الصفات ‪ :‬الخالق ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬أولى أن يكون من نفى صفاته‬
‫جاحدا معطل ومين قاسيه بخلقيه جاهل بيه ممثل " وهيو ‪ -‬سيبحانه وتعالى ‪ -‬ثابيت بحقيقية‬
‫الثبات مستحق لما له من السماء والصفات ‪.‬‬

‫فصل‬

‫( وأما الخاتمة الجامعة ففيها قواعد نافعة ‪:‬‬


‫القاعدة الولى أن ال سييبحانه موصييوف بالثبات والنفييي فالثبات كإخباره بأنييه بكييل‬
‫شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه سميع بصير ونحو ذلك والنفي كقوله ل تأخذه سنة‬
‫ول نوم وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ول كمال إل إذا تضمن إثباتا وإل فمجرد‬
‫النفيي لييس فييه مدح ول كمال ; لن النفيي المحيض عدم محيض ; والعدم المحيض لييس‬
‫بشييء وميا لييس بشييء فهيو كميا قييل ‪ :‬لييس بشييء ; فضل عين أن يكون مدحيا أو كمال‬
‫ولن النفيي المحيض يوصيف بيه المعدوم والممتنيع والمعدوم والممتنيع ل يوصيف بمدح‬

‫‪20‬‬
‫ول كمال ‪ .‬فلهذا كان عامة ما وصف ال به نفسه من النفي متضمنا لثبات مدح كقوله‬
‫‪ { :‬ال ل إله إل هييييو الحييييي القيوم ل تأخذه سيييينة ول نوم } إلى قوله ‪ { :‬ول يؤوده‬
‫حفظهميا } فنفيي السينة والنوم ‪ :‬يتضمين كمال الحياة والقيام ; فهيو ميبين لكمال أنيه الحيي‬
‫القيوم وكذلك قوله ‪ { :‬ول يؤوده حفظهميا } أي ل يكرثيه ول يثقله وذلك مسيتلزم لكمال‬
‫قدرتيه وتمامهيا بخلف المخلوق القادر إذا كان يقدر على الشييء بنوع كلفية ومشقية فإن‬
‫هذا نقييص فييي قدرتييه وعيييب فييي قوتييه وكذلك قوله ‪ { :‬ل يعزب عنييه مثقال ذرة فييي‬
‫السييموات ول فييي الرض } فإن نفييي العزوب مسييتلزم لعلمييه بكييل ذرة فييي السييموات‬
‫والرض وكذلك قوله ‪ { :‬ولقيد خلقنيا السيموات والرض وميا بينهميا فيي سيتة أيام وميا‬
‫مسينا مين لغوب } فإن نفيي ميس اللغوب الذي هيو التعيب والعياء دل على كمال القدرة‬
‫ونهاية القوة بخلف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلل ما يلحقه وكذلك قوله ‪ { :‬ل‬
‫تدركيه البصيار } إنميا نفيى الدراك الذي هيو الحاطية كميا قاله أكثير العلماء ولم ينيف‬
‫مجرد الرؤية ; لن المعدوم ل يرى ولييس في كونه ل يرى مدح ; إذ لو كان كذلك لكان‬
‫المعدوم ممدوحيا وإنميا المدح فيي كونيه ل يحاط بيه وإن رئي ; كميا أنيه ل يحاط بيه وإن‬
‫علم فكميا أنيه إذا علم ل يحاط بيه علميا ‪ :‬فكذلك إذا رئي ل يحاط بيه رؤيية فكان فيي نفيي‬
‫الدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحا وصفة كمال وكان ذلك دليل على إثبات الرؤية‬
‫ل على نفيهيا لكنيه دلييل على إثبات الرؤيية ميع عدم الحاطية وهذا هيو الحيق الذي اتفيق‬
‫علييه سيلف المية وأئمتهيا وإذا تأملت ذلك ‪ :‬وجدت كيل نفيي ل يسيتلزم ثبوتيا هيو مميا لم‬
‫يصف ال به نفسه فالذين ل يصفونه إل بالسلوب ‪ :‬لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا بل‬
‫ول موجودا وكذلك مين شاركهيم فيي بعيض ذلك كالذيين قالوا ل يتكلم أو ل يرى أو لييس‬
‫فوق العالم أو لم يسيتو على العرش ويقولون ‪ :‬لييس بداخيل العالم ول خارجيه ول مباينيا‬
‫للعالم ول محايثيا له ; إذ هذه الصيفات يمكين أن يوصيف بهيا المعدوم ; وليسيت هيي صيفة‬
‫مستلزمة صفة ثبوت ولهذا " قال محمود بن سبكتكين " لمن ادعى ذلك في الخالق ‪ :‬ميز‬
‫لنيا بيين هذا الرب الذي تثبتيه وبيين المعدوم ‪ .‬وكذلك كونيه ل يتكلم أو ل ينزل لييس فيي‬

‫‪21‬‬
‫ذلك صيفة مدح ول كمال ; بيل هذه الصيفات فيهيا تشيبيه له بالمنقوصيات أو المعدومات‬
‫فهذه الصيفات ‪ :‬منهيا ميا ل يتصيف بيه إل المعدوم ومنهيا ميا ل يتصيف بيه إل الجمادات‬
‫والناقص فمن قال ‪ :‬ل هو مباين للعالم ول مداخل للعالم فهو بمنزلة من قال ‪ :‬ل هو قائم‬
‫بنفسيه ول بغيره ول قدييم ول محدث ول متقدم على العالم ول مقارن له ومين قال ‪ :‬إنيه‬
‫ليس بحي ول ميت ول سميع ول بصير ول متكلم لزمه أن يكون ميتا أصم أعمى أبكم ‪.‬‬
‫فإن قال ‪ :‬العميى عدم البصير عميا مين شأنيه أن يقبيل البصير وميا لم يقبيل البصير كالحائط‬
‫ل يقال له أعميى ول بصيير قييل له ‪ :‬هذا اصيطلح اصيطلحتموه وإل فميا يوصيف بعدم‬
‫الحياة والسمع والبصر والكلم ‪ :‬يمكن وصفه بالموت والعمى والخرس والعجمة وأيضا‬
‫فكيل موجود يقبيل التصياف بهذه المور ونقائضهيا فإن ال قادر على جعيل الجماد حييا‬
‫كميا جعيل عصيى موسيى حيية ابتلعيت الحبال والعصيي وأيضيا فالذي ل يقبيل التصياف‬
‫بهذه الصيفات أعظيم نقصيا ممين ل يقبيل التصياف بهيا ميع اتصيافه بنقائضهيا ‪ .‬فالجماد‬
‫الذي ل يوصييف بالبصيير ول العمييى ول الكلم ول الخرس ‪ :‬أعظييم نقصييا ميين الحييي‬
‫العميى الخرس فإذا قييل ‪ :‬إن الباري ل يمكين اتصيافه بذلك ‪ :‬كان فيي ذلك مين وصيفه‬
‫بالنقيص أعظيم مميا إذا وصيف بالخرس والعميى والصيمم ونحيو ذلك ; ميع أنيه إذا جعيل‬
‫غيير قابيل لهيا كان تشبيهيا له بالجماد الذي ل يقبيل التصياف بواحيد منهيا ‪ .‬وهذا تشيبيه‬
‫بالجمادات ; ل بالحيوانات ‪ ,‬فكيف من قال ذلك غيره مما يزعم أنه تشبيه بالحي وأيضا‬
‫فنفيس نفيي هذه الصيفات نقيص كميا أن إثباتهيا كمال فالحياة مين حييث هيي هيي ميع قطيع‬
‫النظيير عيين تعيييين الموصييوف بهييا صييفة كمال ‪ ,‬وكذلك العلم والقدرة والسييمع والبصيير‬
‫والكلم والفعيل ونحيو ذلك ; وميا كان صيفة كمال ‪ :‬فهيو سيبحانه أحيق أن يتصيف بيه مين‬
‫المخلوقات فلو لم يتصف به مع اتصاف المخلوق به ‪ :‬لكان المخلوق أكمل منه ‪.‬‬
‫واعلم أن الجهمييية المحضيية كالقرامطيية وميين ضاهاهييم ‪ :‬ينفون عنييه تعالى اتصييافه‬
‫بالنقيضيين حتيى يقولون لييس بموجود ول لييس بموجود ول حيي ول لييس بحيي ومعلوم‬
‫أن الخلو عن النقيضين ممتنع في بدائه العقول كالجمع بين النقيضين ‪ .‬وآخرون وصفوه‬

‫‪22‬‬
‫بالنفيي فقيط فقالوا لييس بحيي ول سيميع ول بصيير ; وهؤلء أعظيم كفرا مين أولئك مين‬
‫وجه وأولئك أعظم كفرا من هؤلء من وجه فإذا قيل لهؤلء هذا مستلزم وصفه بنقيض‬
‫ذلك كالموت والصييمم والبكييم قالوا إنمييا يلزم ذلك لو كان قابل لذلك وهذا العتذار يزيييد‬
‫قولهييم فسييادا وكذلك ميين ضاهييى هؤلء ‪ -‬وهييم الذييين يقولون ‪ :‬ليييس بداخييل العالم ول‬
‫خارجيه إذا قييل هذا ممتنيع فيي ضرورة العقيل كميا إذا قييل ‪ :‬لييس بقدييم ول محدث ‪ -‬ول‬
‫واجييب ول ممكيين ول قائم بنفسييه ول قائم بغيره قالوا هذا إنمييا يكون إذا كان قابل لذلك‬
‫والقبول إنميا يكون مين المتحييز فإذا انتفيى التحييز انتفيى قبول هذيين المتناقضيين ‪ .‬فيقال‬
‫لهم علم الخلق بامتناع الخلو منه هذين النقيضين ‪ :‬هو علم مطلق ل يستثنى منه موجود‬
‫والتحيز المذكور ‪ :‬إن أريد به كون الحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم‬
‫; وإن أرييد بيه أنيه منحاز عين المخلوقات ; أي مبايين لهيا متمييز عنهيا فهذا هيو الخروج‬
‫فالمتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم وتارة ما هو خارج العالم فإذا قيل ليس بمتحيز‬
‫كان معناه لييس بداخيل العالم ول خارجيه ‪ ,‬فهيم غيروا العبارة ليوهموا مين ل يفهيم حقيقية‬
‫قولهيم أن هذا معنيى آخير وهيو المعنيى الذي علم فسياده بضرورة العقيل ; كميا فعيل أولئك‬
‫بقولهم ليس بحي ول ميت ول موجود ول معدوم ول عالم ول جاهل ‪.‬‬
‫القاعدة الثانية أن ما أخبر به الرسول عن ربه فإنه يجب اليمان به ‪ -‬سواء عرفنا معناه‬
‫أو لم نعرف ‪ -‬لنييه الصييادق المصييدوق ; فمييا جاء فييي الكتاب والسيينة وجييب على كييل‬
‫مؤمن اليمان به وإن لم يفهم معناه وكذلك ما ثبت باتفاق سلف المة وأئمتها مع أن هذا‬
‫الباب يوجيد عامتيه منصيوصا فيي الكتاب والسينة متفيق علييه بيين سيلف المية وميا تنازع‬
‫فيه المتأخرون نفيا وإثباتا فليس على أحد بل ول له ‪ :‬أن يوافق أحدا على إثبات لفظه أو‬
‫نفيه حتى يعرف مراده فإن أراد حقا قبل وإن أراد باطل رد وإن اشتمل كلمه على حق‬
‫وباطيل لم يقبيل مطلقيا ولم يرد جمييع معناه بيل يوقيف اللفيظ ويفسير المعنيى كميا تنازع‬
‫الناس فيي الجهية والتحييز وغيير ذلك ‪ ,‬فلفيظ الجهية قيد يراد بيه شييء موجود غيير ال‬
‫فيكون مخلوقيا كميا إذا أرييد بالجهية نفيس العرش أو نفيس السيموات وقيد يراد بيه ميا لييس‬

‫‪23‬‬
‫بموجود غيير ال تعالى كميا إذا أرييد بالجهية ميا فوق العالم ومعلوم أنيه لييس فيي النيص‬
‫إثبات لفيظ الجهية ول نفييه كميا فييه إثبات العلو والسيتواء والفوقيية والعروج إلييه ونحيو‬
‫ذلك وقيد علم أن ميا ثيم موجود إل الخالق والمخلوق والخالق مبايين للمخلوق ‪ -‬سيبحانه‬
‫وتعالى ‪ -‬ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ; ول في ذاته شيء من مخلوقاته ‪ .‬فيقال لمن‬
‫نفيى الجهية ‪ :‬أتريد بالجهية أنها شييء موجود مخلوق ؟ فال ليس داخل في المخلوقات أم‬
‫ترييد بالجهية ميا وراء العالم ؟ فل رييب أن ال فوق العالم مبايين للمخلوقات وكذلك يقال‬
‫لمن قال ال في جهة ‪ :‬أتريد بذلك أن ال فوق العالم ؟ أو تريد به أن ال داخل في شيء‬
‫ميين المخلوقات ؟ فإن أردت الول فهييو حييق وإن أردت الثانييي فهييو باطييل وكذلك لفييظ‬
‫التحييز ‪ :‬إن أراد بيه أن ال تحوزه المخلوقات فال أعظيم وأكيبر ; بيل قيد وسيع كرسييه‬
‫السييموات والرض وقييد قال ال تعالى ‪ { :‬ومييا قدروا ال حييق قدره والرض جميعييا‬
‫قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه } ‪ .‬وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى‬
‫ال عليييه وسييلم أنييه قال ‪ { :‬يقبييض ال الرض ويطوي السييموات بيمينييه ثييم يقول ‪ :‬أنييا‬
‫الملك أيين ملوك الرض ؟ } وفيي حدييث آخير ‪ { :‬وإنيه ليدحوهيا كميا يدحيو الصيبيان‬
‫بالكرة } وفي حديث ابن عباس ‪ { :‬ما السموات السبع والرضون السبع وما فيهن في‬
‫يد الرحمن إل كخردلة في يد أحدكم } وإن أراد به أنه منحاز عن المخلوقات ; أي مباين‬
‫لهيا منفصيل عنهيا لييس حال فيهيا ‪ :‬فهيو سيبحانه كميا قال أئمية السينة ‪ :‬فوق سيمواته على‬
‫عرشه بائن من خلقه ‪.‬‬
‫القاعدة الثالثة إذا قال القائل ‪ :‬ظاهر النصوص مراد أو ظاهرها ليس بمراد فإنه يقال ‪:‬‬
‫لفييظ الظاهيير فيييه إجمال واشتراك فإن كان القائل يعتقييد أن ظاهرهييا التمثيييل بصييفات‬
‫المخلوقين أو ما هو من خصائصهم فل ريب أن هذا غير مراد ; ولكن السلف والئمة لم‬
‫يكونوا يسيمون هذا ظاهرهيا ول يرتضون أن يكون ظاهير القرآن والحدييث كفرا وباطل‬
‫وال سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلمه الذي وصف به نفسه ل يظهر منه‬
‫إل مييا هييو كفيير أو ضلل والذييين يجعلون ظاهرهييا ذلك يغلطون ميين وجهييين ‪ :‬تارة‬

‫‪24‬‬
‫يجعلون المعنيى الفاسيد ظاهير اللفيظ حتيى يجعلوه محتاجيا إلى تأوييل يخالف الظاهير ول‬
‫يكون كذلك ‪ ,‬وتارة يردون المعنييى الحييق الذي هييو ظاهيير اللفييظ لعتقادهييم أنييه باطييل‬
‫( فالول كما قالوا في قوله ‪ { :‬عبدي جعت فلم تطعمني } الحديث وفي الثر الخر ‪{ :‬‬
‫الحجر السود يمين ال في الرض فمن صافحه أو قبله فكأنما صافح ال وقبل يمينه }‬
‫وقوله ‪ { :‬قلوب العباد بيين أصيبعين مين أصيابع الرحمين } فقالوا ‪ :‬قيد علم أن لييس فيي‬
‫قلوبنا أصابع الحق فيقال لهم ‪ :‬لو أعطيتم النصوص حقها من الدللة لعلمتم أنها لم تدل‬
‫إل على حيق أميا ( الواحيد فقوله ‪ { :‬الحجير السيود يميين ال فيي الرض فمين صيافحه‬
‫وقبله فكأنما صافح ال وقبل يمينه } صريح في أن الحجر السود ليس هو صفة ل ول‬
‫هو نفس يمينه ; لنه قال ‪ { :‬يمين ال في الرض } وقال ‪ { :‬فمن قبله وصافحه فكأنما‬
‫صافح ال وقبل يمينه } ومعلوم أن المشبه ليس هو المشبه به ففي نفس الحديث بيان أن‬
‫مستلمه ليس مصافحا ل ; وأنه ليس هو نفس يمينه فكيف يجعل ظاهره كفرا لنه محتاج‬
‫إلى التأويل ‪ .‬مع أن هذا الحديث إنما يعرف عن ابن عباس ؟ وأما الحديث الخر ‪ :‬فهو‬
‫في الصحيح مفسرا ‪ { :‬يقول ال عبدي ! جعت فلم تطعمني فيقول ‪ :‬رب ! كيف أطعمك‬
‫وأنيت رب العالميين ؟ فيقول ‪ :‬أميا علميت أن عبدي فلنيا جاع فلو أطعمتيه لوجدت ذلك‬
‫عندي عبدي ! مرضييت فلم تعدنييي فيقول ‪ :‬رب ! كيييف أعودك وأنييت رب العالمييين ؟‬
‫فيقول ‪ :‬أما علمت أن عبدي فلنا مرض فلو عدته لوجدتني عنده } وهذا صريح في أن‬
‫ال سييبحانه لم يمرض ول يجييع ولكيين مرض عبده وجاع عبده فجعييل جوعييه جوعييه‬
‫ومرضه مرضه مفسرا ذلك بأنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ولو عدته لوجدتني عنده‬
‫; فلم يبيق فيي الحدييث لفيظ يحتاج إلى تأوييل وأميا قوله { قلوب العباد بيين أصيبعين مين‬
‫أصيابع الرحمين } ‪ ,‬فإنيه لييس فيي ظاهره أن القلب متصيل بالصيابع ول مماس لهيا ول‬
‫أنهييا فييي جوفييه ول فييي قول القائل هذا بييين يدي مييا يقتضييي مباشرتيه ليديييه وإذا قيييل ‪:‬‬
‫السييحاب المسييخر بييين السييماء والرض لم يقتييض أن يكون مماسييا للسييماء والرض‬
‫ونظائر هذا كثيرة ومما يشبه هذا القول أن يجعل اللفظ نظيرا لما ليس مثله كما قيل في‬

‫‪25‬‬
‫قوله { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } ؟ فقيل هو مثل قوله ‪ { :‬أولم يروا أنا خلقنا‬
‫لهم مما عملت أيدينا أنعاما } ؟ فهذا ليس مثل هذا ; لنه هنا أضاف الفعل إلى اليدي ;‬
‫فصار شبيها بقوله ‪ { :‬فبما كسبت أيديكم } وهنا أضاف الفعل إليه فقال ‪ { :‬لما خلقت }‬
‫ثم قال ‪ { :‬بيدي } وأيضا ‪ :‬فإنه هنا ذكر نفسه المقدسة بصيغة المفرد وفي اليدين ذكر‬
‫لفييظ التثنييية كمييا فييي قوله ‪ { :‬بييل يداه مبسييوطتان } وهناك أضاف اليدي إلى صيييغة‬
‫الجمع فصار كقوله ‪ { :‬تجري بأعيننا } ‪ .‬وهذا في ( الجمع نظير قوله ‪ { :‬بيده الملك }‬
‫وبيده الخيير فيي ( المفرد فال سيبحانه وتعالى يذكير نفسيه تارة بصييغة المفرد مظهرا أو‬
‫مضمرا وتارة بصيغة الجمع كقوله ‪ { :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا } وأمثال ذلك ‪ .‬ول يذكر‬
‫نفسيه بصييغة التثنيية قيط ; لن صييغة الجميع تقتضيي التعظييم الذي يسيتحقه ; وربميا تدل‬
‫على معانيي أسيمائه وأميا صييغة التثنيية فتدل على العدد المحصيور وهيو مقدس عين ذلك‬
‫فلو قال ‪ { :‬ميا منعيك أن تسيجد لميا خلقيت بيدي } لميا كان كقوله ‪ { :‬مميا عملت أيدينيا }‬
‫وهو نظير قوله ‪ { :‬بيده الملك } وبيده الخير ولو قال خلقت بصيغة الفراد لكان مفارقا‬
‫له ; فكيف إذا قال خلقت بيدي ؟ بصيغة التثنية هذا مع دللت الحاديث المستفيضة بل‬
‫المتواترة وإجماع السلف على مثل ما دل عليه القرآن كما هو مبسوط في موضعه مثل‬
‫قوله ‪ { :‬المقسيطون عنيد ال على منابر مين نور عين يميين الرحمين وكلتيا يدييه يميين ‪:‬‬
‫الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا } وأمثال ذلك وإن كان القائل يعتقد أن ظاهر‬
‫النصييوص المتنازع فييي معناهييا ميين جنييس ظاهيير النصييوص المتفييق على معناهييا ‪-‬‬
‫والظاهر هو المراد في الجميع ‪ -‬فإن ال لما أخبر أنه بكل شيء عليم وأنه على كل شيء‬
‫قديير واتفيق أهيل السينة وأئمية المسيلمين على أن هذا على ظاهره وأن ظاهير ذلك مراد ‪:‬‬
‫كان ميين المعلوم أنهييم لم يريدوا بهذا الظاهيير أن يكون علمييه كعلمنييا وقدرتييه كقدرتنييا‬
‫وكذلك لميا اتفقوا على أنيه حيي حقيقية عالم حقيقية قادر حقيقية ; لم يكين مرادهيم أنيه مثيل‬
‫المخلوق الذي هو حي عليم قدير ; فكذلك إذا قالوا في قوله تعالى ‪ { :‬يحبهم ويحبونه }‬
‫{ رضيي ال عنهيم ورضوا عنيه } وقوله ‪ { :‬ثيم اسيتوى على العرش } أنيه على ظاهره‬

‫‪26‬‬
‫لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواء كاستواء المخلوق ول حبا كحبه ول رضا كرضاه‬
‫فإن كان المسيتمع يظين أن ظاهير الصيفات تماثيل صيفات المخلوقيين لزميه أن ل يكون‬
‫شييء مين ظاهير ذلك مرادا وإن كان يعتقيد أن ظاهرهيا ميا يلييق بالخالق ويختيص بيه لم‬
‫يكن له نفي هذا الظاهر ونفي أن يكون مرادا إل بدليل يدل على النفي ; وليس في العقل‬
‫ول السمع ما ينفي هذا إل من جنس ما ينفي به سائر الصفات فيكون الكلم في الجميع‬
‫واحدا وبيان هذا أن صيفاتنا منهيا ميا هيي أعيان وأجسيام وهيي أبعاض لنيا كالوجيه والييد ‪:‬‬
‫ومنها ما هو معان وأعراض وهي قائمة بنا ‪ :‬كالسمع والبصر والكلم والعلم والقدرة ‪.‬‬
‫ثيم إن مين المعلوم أن الرب لميا وصيف نفسيه بأنيه حيي علييم قديير ‪ :‬لم يقيل المسيلمون إن‬
‫ظاهير هذا غيير مراد لن مفهوم ذلك فيي حقيه مثيل مفهوميه فيي حقنيا ; فكذلك لميا وصيف‬
‫نفسيه بأنيه خلق آدم بيدييه لم يوجيب ذلك أن يكون ظاهره غيير مراد لن مفهوم ذلك فيي‬
‫حقه كمفهومه في حقنا بل صفة الموصوف تناسبه ‪ .‬فإذا كانت نفسه المقدسة ليست مثل‬
‫ذوات المخلوقيين فصيفاته كذاتيه ليسيت كصيفات المخلوقيين ونسيبة صيفة المخلوق إلييه‬
‫كنسيبة صيفة الخالق إلييه ولييس المنسوب كالمنسوب ول المنسيوب إليه كالمنسيوب إلييه ;‬
‫كميا قال صيلى ال علييه وسيلم { ترون ربكيم كميا ترون الشميس والقمير } فشبيه الرؤيية‬
‫بالرؤية ولم يشبه المرئي بالمرئي ‪.‬‬
‫وهذا يتبين بالقاعدة الرابعة وهو أن كثيرا من الناس يتوهم في بعض الصفات أو كثير‬
‫منهيا ; أو أكثرهيا أو كلهيا أنهيا تماثيل صيفات المخلوقيين ثيم يرييد أن ينفيي ذلك الذي فهميه‬
‫فيقيع فيي ( أربعية أنواع مين المحاذيير ‪ ( - :‬أحدهيا كونيه مثيل ميا فهميه مين النصيوص‬
‫بصيفات المخلوقيين وظين أن مدلول النصيوص هيو التمثييل ( الثانيي أنيه إذا جعيل ذلك هيو‬
‫مفهومها وعطله بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللئقة بال ‪.‬‬
‫فيبقيى ميع جنايتيه على النصيوص ; وظنيه السييئ الذي ظنيه بال ورسيوله ‪ -‬حييث ظين أن‬
‫الذي يفهيم مين كلمهميا هيو التمثييل الباطيل ‪ -‬قيد عطيل ميا أودع ال ورسيوله فيي كلمهميا‬
‫مين إثبات الصيفات ل والمعانيي اللهيية اللئقية بجلل ال تعالى ( الثالث أنيه ينفيي تلك‬

‫‪27‬‬
‫الصفات عن ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بغير علم ; فيكون معطل لما يستحقه الرب ( الرابع ‪ :‬أنه‬
‫يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الموات والجمادات أو صفات المعدومات‬
‫فيكون قيد عطيل بيه صيفات الكمال التيي يسيتحقها الرب ومثله بالمنقوصيات والمعدومات‬
‫وعطيل النصيوص عميا دلت علييه مين الصيفات وجعيل مدلولهيا هيو التمثييل بالمخلوقات ‪.‬‬
‫فيجمييع فييي كلم ال وفييي ال بييين التعطيييل والتمثيييل يكون ملحدا فييي أسييماء ال وآياتييه‬
‫( مثال ذلك أن النصييوص كلهييا دلت على وصييف الله بالعلو والفوقييية على المخلوقات‬
‫واسييتوائه على العرش ‪ -‬فأمييا علوه ومباينتييه للمخلوقات فيعلم بالعقييل الموافييق للسييمع ;‬
‫وأما الستواء على العرش فطريق العلم به هو السمع ‪ .‬وليس في الكتاب والسنة وصف‬
‫له بأنيه ل داخيل العالم ول خارجيه ول مباينيه ول مداخله فيظين المتوهيم أنيه إذا وصيف‬
‫بالسييتواء على العرش ‪ :‬كان اسييتواؤه كاسييتواء النسييان على ظهور الفلك والنعام ;‬
‫كقوله ‪ { :‬وجعل لكم من الفلك والنعام ما تركبون } { لتستووا على ظهوره } ‪ ,‬فيتخيل‬
‫له أنه إذا كان مستويا على العرش كان محتاجا إليه كحاجة المستوي على الفلك والنعام‬
‫فلو غرقت السفينة لسقط المستوي عليها ولو عثرت الدابة لخر المستوي عليها ‪ .‬فقياس‬
‫هذا أنيه لو عدم العرش لسيقط الرب سيبحانه وتعالى ثيم يرييد بزعميه أن ينفيي هذا فيقول ‪:‬‬
‫ليس استواؤه بقعود ول استقرار ول يعلم أن مسمى القعود والستقرار يقال فيه ما يقال‬
‫فيي مسيمى السيتواء ; فإن كانيت الحاجية داخلة فيي ذلك ‪ :‬فل فرق بيين السيتواء والقعود‬
‫والستقرار وليس هو بهذا المعنى مستويا ول مستقرا ول قاعدا وإن لم يدخل في مسمى‬
‫ذلك إل ميا يدخيل فيي مسمى السيتواء فإثبات أحدهميا ونفيي الخير تحكيم وقيد علم أن بيين‬
‫مسيمى السيتواء والسيتقرار والقعود فروقيا معروفية ‪ .‬ولكين المقصيود هنيا أن يعلم خطيأ‬
‫مين ينفيي الشييء ميع إثبات نظيره وكأن هذا الخطيأ مين خطئه فيي مفهوم اسيتوائه على‬
‫العرش حيث ظن أنه مثل استواء النسان على ظهور النعام والفلك وليس في هذا اللفظ‬
‫ميا يدل على ذلك ; لنيه أضاف السيتواء إلى نفسيه الكريمية كميا أضاف إلييه سيائر أفعاله‬
‫وصيفاته ‪ .‬فذكير أنيه خلق ثيم اسيتوى كميا ذكير أنيه قدر فهدى وأنيه بنيى السيماء بأييد وكميا‬

‫‪28‬‬
‫ذكير أنيه ميع موسيى وهارون يسيمع ويرى وأمثال ذلك ‪ .‬فلم يذكير اسيتواء مطلقيا يصيلح‬
‫للمخلوق ول عاميا يتناول المخلوق كميا لم يذكير مثيل ذلك فيي سيائر صيفاته وإنميا ذكير‬
‫استواء أضافه إلى نفسه الكريمة فلو قدر ‪ -‬على وجه الفرض الممتنع ‪ -‬أنه هو مثل خلقه‬
‫‪ -‬تعالى عن ذلك ‪ -‬لكان استواؤه مثل استواء خلقه أما إذا كان هو ليس مماثل لخلقه بل‬
‫قد علم أنه الغني عن الخلق وأنه الخالق للعرش ولغيره وأن كل ما سواه مفتقر إليه وهو‬
‫الغني عن كل ما سواه وهو لم يذكر إل استواء يخصه لم يذكر استواء يتناول غيره ول‬
‫يصيلح له ‪ -‬كميا لم يذكير فيي علميه وقدرتيه ورؤيتيه وسيمعه وخلقيه إل ميا يختيص بيه ‪-‬‬
‫فكييف يجوز أن يتوهيم أنيه إذا كان مسيتويا على العرش كان محتاجيا إلييه وأنيه لو سيقط‬
‫العرش لخير مين علييه ؟ سيبحانه وتعالى عميا يقول الظالمون والجاحدون علوا كيبيرا هيل‬
‫هذا إل جهل محض وضلل ممن فهم ذلك وتوهمه أو ظنه ظاهر اللفظ ومدلوله أو جوز‬
‫ذلك على رب العالميين الغنيي عين الخلق ؟ بيل لو قدر أن جاهل فهيم مثيل هذا وتوهميه‬
‫لبيين له أن هذا ل يجوز وأنيه لم يدل اللفيظ علييه أصيل كميا لم يدل على نظائره فيي سيائر‬
‫ما وصف به الرب نفسه ‪ .‬فلما قال سبحانه وتعالى ‪ { :‬والسماء بنيناها بأيد } فهل يتوهم‬
‫متوهيم أن بناءه مثيل بناء الدميي المحتاج الذي يحتاج إلى زنبييل ومجارف وضرب لبين‬
‫وجبيل طيين وأعوان ؟ ثيم قيد علم أن ال تعالى خلق العالم بعضيه فوق بعيض ولم يجعيل‬
‫عالييييييه مفتقرا إلى سيييييافله فالهواء فوق الرض ولييييييس مفتقرا إلى أن تحمله الرض‬
‫والسيييحاب أيضيييا فوق الرض ولييييس مفتقرا إلى أن تحمله والسيييموات فوق الرض‬
‫وليست مفتقرة إلى حمل الرض لها ; فالعلي العلى رب كل شيء ومليكه إذا كان فوق‬
‫جمييع خلقيه ‪ :‬كييف يجيب أن يكون محتاجيا إلى خلقيه أو عرشيه ؟ أو كييف يسيتلزم علوه‬
‫على خلقيه هذا الفتقار وهيو لييس بمسيتلزم فيي المخلوقات ؟ وقيد علم أن ميا ثبيت لمخلوق‬
‫مين الغنيى عين غيره فالخالق سيبحانه وتعالى أحيق بيه وأولى وكذلك قوله ‪ { :‬أأمنتيم مين‬
‫فيي السيماء أن يخسيف بكيم الرض فإذا هيي تمور } مين توهيم أن مقتضيى هذه اليية أن‬
‫يكون ال فيي داخيل السيموات فهيو جاهيل ضال بالتفاق ‪ ,‬وإن كنيا إذا قلنيا ‪ :‬إن الشميس‬

‫‪29‬‬
‫والقمير فيي السيماء يقتضيي ذلك فإن حرف ( فيي متعلق بميا قبله وبميا بعده ‪ -‬فهيو بحسيب‬
‫المضاف إليييه ولهذا يفرق بييين كون الشيييء فييي المكان وكون الجسييم فييي الحيييز وكون‬
‫العرض في الجسم وكون الوجه في المرآة وكون الكلم في الورق فإن لكل نوع من هذه‬
‫النواع خاصية يتمييز بهيا عن غيره وإن كان حرف ( فيي مسيتعمل فيي ذلك فلو قال قائل‬
‫‪ :‬العرش في السماء أو في الرض ؟ لقيل في السماء ولو قيل ‪ :‬الجنة في السماء أم في‬
‫الرض ؟ لقيل الجنة في السماء ; ول يلزم من ذلك أن يكون العرش داخل السموات بل‬
‫ول الجنة فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ { :‬إذا سألتم ال‬
‫الجنية فاسيألوه الفردوس فإنيه أعلى الجنية وأوسيط الجنية وسيقفها عرش الرحمين } فهذه‬
‫الجنة سقفها الذي هو العرش فوق الفلك ‪ .‬مع أن الجنة في السماء يراد به العلو سواء‬
‫كانييت فوق الفلك أو تحتهييا قال تعالى ‪ { :‬فليمدد بسييبب إلى السييماء } وقال تعالى ‪:‬‬
‫{ وأنزلنيا مين السيماء ماء طهورا } ولميا كان قيد اسيتقر فيي نفوس المخاطيبين أن ال هيو‬
‫العلي العلى ; وأنيه فوق كيل شييء كان المفهوم مين قوله ‪ :‬إنيه فيي السيماء أنيه فيي العلو‬
‫وأنيه فوق كيل شييء ‪ .‬وكذلك الجاريية لميا قال لهيا أيين ال ؟ قالت فيي السيماء إنميا أرادت‬
‫العلو مع عدم تخصيصه بالجسام المخلوقة وحلوله فيها وإذا قيل ‪ :‬العلو فإنه يتناول ما‬
‫فوق المخلوقات كلها فما فوقها كلها هو في السماء ول يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف‬
‫وجودي يحيط به إذ ليس فوق العالم شيء موجود إل ال كما لو قيل ‪ :‬العرش في السماء‬
‫فإنه ل يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق وإن قدر أن السماء المراد‬
‫بها الفلك ‪ :‬كان المراد إنه عليها كما قال ‪ { :‬ولصلبنكم في جذوع النخل } وكما قال‬
‫‪ { :‬فسييروا فيي الرض } وكميا قال ‪ { :‬فسييحوا فيي الرض } ويقال ‪ :‬فلن فيي الجبيل‬
‫وفي السطح وإن كان على أعلى شيء فيه ‪.‬‬
‫القاعدة الخامسسسة أنييا نعلم لمييا أخبرنييا بييه ميين وجييه دون وجييه ‪ .‬فإن ال قال ‪ { :‬أفل‬
‫يتدبرون القرآن ولو كان ميين عنييد غييير ال لوجدوا فيييه اختلفييا كثيرا } وقال ‪ { :‬أفلم‬
‫يدبروا القول ‪ } ,‬وقال ‪ { :‬كتاب أنزلناه إلييييييك مبارك ليدبروا آياتيييييه وليتذكييييير أولوا‬

‫‪30‬‬
‫اللباب } وقال ‪ { :‬أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالهيا } ‪ .‬فأمير بتدبر الكتاب كله‬
‫وقيد قال تعالى ‪ { :‬هيو الذي أنزل علييك الكتاب منيه آيات محكمات هين أم الكتاب وأخير‬
‫متشابهات فأميا الذيين فيي قلوبهيم زييغ فيتبعون ميا تشابيه منيه ابتغاء الفتنية وابتغاء تأويله‬
‫وما يعلم تأويله إل ال والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إل‬
‫أولوا اللباب } وجمهور سييلف الميية وخلفهييا على أن الوقييف على قوله ‪ { :‬ومييا يعلم‬
‫تأويله إل ال } وهذا هيو المأثور عين أبيي بين كعيب وابين مسيعود وابين عباس وغيرهيم‬
‫وروي عيين ابيين عباس أنييه قال ‪ :‬التفسييير على أربعيية أوجييه تفسييير تعرفييه العرب ميين‬
‫كلمهيا وتفسيير ل يعذر أحيد بجهالتيه وتفسيير تعلميه العلماء وتفسيير ل يعلميه إل ال مين‬
‫ادعيى علميه فهيو كاذب وقيد روي عين مجاهيد وطائفية ‪ :‬أن الراسيخين فيي العلم يعلمون‬
‫تأويله وقد قال مجاهد ‪ :‬عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أوقفه‬
‫عند كل آية وأسأله عن تفسيرها ول منافاة بين القولين عند التحقيق فإن لفظ ( التأويل قد‬
‫صيار بتعدد الصيطلحات مسيتعمل فيي ثلثية معان ‪ ( - :‬أحدهيا ‪ -‬وهيو اصيطلح كثيير‬
‫مين المتأخريين مين المتكلميين فيي الفقيه وأصيوله ‪ -‬أن ( التأوييل هيو صيرف اللفيظ عين‬
‫الحتمال الراجيح إلى الحتمال المرجوح ; لدلييل يقترن بيه وهذا هيو الذي عناه أكثير مين‬
‫تكلم مين المتأخريين فيي تأوييل نصيوص الصيفات وترك تأويلهيا ; وهيل ذلك محمود أو‬
‫مذموم أو حيق أو باطيل ؟ ‪ ( . .‬الثانيي ‪ :‬أن التأوييل بمعنيى التفسيير وهذا هيو الغالب على‬
‫اصيطلح المفسيرين للقرآن كميا يقول ابين جريير وأمثاله ‪ -‬مين المصينفين فيي التفسيير ‪-‬‬
‫واختلف علماء التأوييل ومجاهيد إمام المفسيرين ; قال الثوري ‪ " :‬إذا جاءك التفسيير عين‬
‫مجاهيد فحسيبك بيه " وعلى تفسييره يعتميد الشافعيي وأحميد والبخاري وغيرهميا فإذا ذكير‬
‫أنيه يعلم تأوييل المتشابيه فالمراد بيه معرفية تفسييره ( الثالث مين معانيي التأوييل ‪ :‬هيو‬
‫الحقيقيية التيي يؤول إليهييا الكلم كمييا قال ال تعالى ‪ { :‬هيل ينظرون إل تأويله يوم يأتيي‬
‫تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق } ‪ .‬فتأويل ما في القرآن من‬
‫أخبار المعاد هيو ميا أخيبر ال بيه فييه مميا يكون ‪ :‬مين القيامية والحسياب والجزاء والجنية‬

‫‪31‬‬
‫والنار ونحيو ذلك كميا قال ال تعالى فيي قصية يوسيف لميا سيجد أبواه وإخوتيه قال ‪ { :‬ييا‬
‫أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا الثاني‬
‫‪ :‬هيو تفسيير الكلم وهيو الكلم الذي يفسير بيه اللفيظ حتيى يفهيم معناه أو تعرف علتيه أو‬
‫دليله وهذا ( التأويل الثالث هو عين ما هو موجود في الخارج ومنه قول عائشة ‪ { .‬كان‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده ‪ :‬سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم‬
‫اغفير لي } يتأول القرآن يعنيي قوله ‪ { :‬فسيبح بحميد ربيك واسيتغفره } وقول سيفيان بين‬
‫عيينة ‪ :‬السنة هي تأويل المر والنهيي فإن نفس الفعل المأمور به ‪ :‬هو تأوييل المر به‬
‫ونفيس الموجود المخيبر عنيه هيو تأوييل الخيبر والكلم خيبر وأمير ولهذا يقول أبيو عبييد‬
‫وغيره ‪ :‬الفقهاء أعلم بالتأويل من أهل اللغة كما ذكروا ذلك في تفسير اشتمال الصماء ;‬
‫لن الفقهاء يعلمون تفسير ما أمر به ونهى عنه ; لعلمهم بمقاصد الرسول صلى ال عليه‬
‫وسيلم كميا يعلم أتباع بقراط وسييبويه ونحوهميا مين مقاصيدهما ميا ل يعلم بمجرد اللغية ;‬
‫ولكيين تأويييل الميير والنهييي ل بييد ميين معرفتييه بخلف تأويييل الخييبر ‪ .‬إذا عرف ذلك ‪:‬‬
‫فتأوييل ميا أخيبر ال تعالى بيه عين نفسيه المقدسية المتصيفة بميا لهيا مين حقائق السيماء‬
‫والصفات هو حقيقة لنفسه المقدسة المتصفة بما لها من حقائق الصفات وتأويل ما أخبر‬
‫ال به تعالى من الوعد والوعيد هو نفس ما يكون من الوعد والوعيد ولهذا ما يجيء في‬
‫الحديث نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه لن ما أخبر ال به عن نفسه وعن اليوم الخر‬
‫فييه ألفاظ متشابهية يشبيه معانيهيا ميا نعلميه فيي الدنييا كميا أخيبر أن فيي الجنية لحميا ولبنيا‬
‫وعسل وخمرا ونحو ذلك وهذا يشبه ما في الدنيا لفظا ومعنى ; ولكن ليس هو مثله ول‬
‫حقيقتييه فأسييماء ال تعالى وصييفاته أولى وإن كان بينهمييا وبييين أسييماء العباد وصييفاتهم‬
‫تشابه أن ل يكون لجلها الخالق مثل المخلوق ‪ ,‬ول حقيقته كحقيقته والخبار عن الغائب‬
‫ل يفهيم إن لم يعيبر عنيه بالسيماء المعلومية معانيهيا فيي الشاهيد ويعلم بهيا ميا فيي الغائب‬
‫بواسيطة العلم بميا فيي الشاهيد ; ميع العلم بالفارق الممييز وأن ميا أخيبر ال بيه مين الغييب‬
‫أعظيم مميا يعلم فيي الشاهيد وفيي الغائب ميا ل عيين رأت ول أذن سيمعت ول خطير على‬

‫‪32‬‬
‫قلب بشر فنحن إذا أخبرنا ال بالغيب الذي اختص به ‪ :‬من الجنة والنار علمنا معنى ذلك‬
‫وفهمنا ما أريد منا فهمه بذلك الخطاب وفسرنا ذلك وأما نفس الحقيقة المخبر عنها مثل‬
‫التي لم تكن بعد ; وإنما تكون يوم القيامة فذلك من التأويل الذي ل يعلمه إل ال ولهذا لما‬
‫سيئل مالك وغيره مين السيلف عين قوله تعالى ‪ { :‬الرحمين على العرش اسيتوى } قالوا ‪:‬‬
‫السيتواء معلوم والكييف مجهول واليمان بيه واجيب والسيؤال عنيه بدعية ‪ ,‬وكذلك قال‬
‫ربيعية شييخ مالك قبله ‪ :‬السيتواء معلوم والكييف مجهول ومين ال البيان وعلى الرسيول‬
‫البلغ وعلينيا اليمان فيبين أن السيتواء معلوم وأن كيفيية ذلك مجهول ‪ ,‬ومثيل هذا يوجيد‬
‫كثيرا في كلم السلف ‪ ,‬والئمة ينفون علم العباد بكيفية صفات ال وأنه ل يعلم كيف ال‬
‫إل ال فل يعلم ميا هيو إل هيو ‪ ,‬وقيد قال النيبي ‪ { :‬ل أحصيي ثناء علييك أنيت كميا أثنييت‬
‫على نفسك } وهذا في صحيح مسلم وغيره وقال في الحديث الخر ‪ { :‬اللهم إني أسألك‬
‫بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت‬
‫به في علم الغيب عندك } وهذا الحديث في المسند ‪ ,‬وصحيح أبي حاتم وقد أخبر فيه أن‬
‫ل مين السيماء ميا اسيتأثر بيه فيي علم الغييب عنده فمعانيي هذه السيماء التيي اسيتأثر بهيا‬
‫فيي علم الغييب عنده ل يعلمهيا غيره ‪ .‬وال سيبحانه أخبرنيا أنيه علييم قديير سيميع بصيير‬
‫غفور رحيم ; إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته ‪ .‬فنحن نفهم معنى ذلك ونميز بين العلم‬
‫والقدرة وبيين الرحمية والسيمع والبصير ‪ ,‬ونعلم أن السيماء كلهيا اتفقيت فيي دللتهيا على‬
‫ذات ال ميع تنوع معانيهيا فهيي متفقية متواطئة مين حييث الذات متباينية مين جهية الصيفات‬
‫وكذلك أسماء النبي صلى ال عليه وسلم مثل محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب ‪.‬‬
‫وكذلك أسيماء القرآن مثيل القرآن والفرقان والهدى والنور والتنزييل والشفاء وغيير ذلك‬
‫ومثل هذه السماء تنازع الناس فيها هل هي من قبيل المترادفة ‪ -‬لتحاد الذات ‪ -‬أو من‬
‫قبييل المتباينية لتعدد الصيفات ؟ كميا إذا قييل ‪ :‬السييف والصيارم والمهنيد وقصيد بالصيارم‬
‫معنى الصرم وفي المهند النسبة إلى الهند ; والتحقيق أنها مترادفة في الذات متباينة في‬
‫الصفات ومما يوضح هذا أن ال وصف القرآن كله بأنه محكم وبأنه متشابه وفي موضع‬

‫‪33‬‬
‫آخر جعل منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه فينبغي أن يعرف الحكام والتشابه الذي‬
‫يعميه ; والحكام والتشابيه الذي يخيص بعضيه قال ال تعالى ‪ { :‬الر كتاب أحكميت آياتيه‬
‫ثيم فصيلت } فأخيبر أنيه أحكيم آياتيه كلهيا ‪ ,‬وقال تعالى ‪ { :‬ال نزل أحسين الحدييث كتابيا‬
‫متشابهيا مثانيي } فأخيبر أنيه كله متشابيه والحكيم هيو الفصيل بيين الشيئيين فالحاكيم يفصيل‬
‫بيين الخصيمين ‪ ,‬والحكيم فصيل بيين المتشابهات علميا وعمل إذا مييز بيين الحيق والباطيل‬
‫والصدق والكذب والنافع والضار وذلك يتضمن فعل النافع وترك الضار فيقال ‪ :‬حكمت‬
‫السيفيه وأحكمتيه إذا أخذت على يدييه وحكميت الدابية وأحكمتهيا إذا جعلت لهيا حكمية وهيو‬
‫ميا أحاط بالحنيك مين اللجام وإحكام الشييء إتقانيه فإحكام الكلم إتقانيه بتميييز الصيدق مين‬
‫الكذب في أخباره وتمييز الرشد من الغي في أوامره ‪ ,‬والقرآن كله محكم بمعنى التقان‬
‫فقد سماه ال حكيما بقوله ‪ { :‬الر تلك آيات الكتاب الحكيم } فالحكيم بمعنى الحاكم ; كما‬
‫جعله يقيييص بقوله ‪ { :‬إن هذا القرآن يقيييص على بنيييي إسيييرائيل أكثييير الذي هيييم فييييه‬
‫يختلفون } ‪ ,‬وجعله مفتييا فيي قوله ‪ { :‬قيل ال يفتيكيم فيهين وميا يتلى عليكيم فيي الكتاب }‬
‫أي مييا يتلى عليكييم يفتيكييم فيهيين وجعله هاديييا ومبشرا فييي قوله ‪ { :‬إن هذا القرآن يهدي‬
‫للتيي هيي أقوم ويبشير المؤمنيين الذيين يعملون الصيالحات } وأميا التشابيه الذي يعميه فهيو‬
‫ضيد الختلف المنفيي عنيه فيي قوله ‪ { :‬ولو كان مين عنيد غيير ال لوجدوا فييه اختلفيا‬
‫كثيرا } وهيو الختلف المذكور فيي قوله ‪ { :‬إنكيم لفيي قول مختلف } { يؤفيك عنيه مين‬
‫أفك } ‪ .‬فالتشابه هنا ‪ :‬هو تماثل الكلم وتناسبه ‪ :‬بحيث يصدق بعضه بعضا ; فإذا أمر‬
‫بأمير لم يأمير بنقيضه فيي موضيع آخير ; بيل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماتيه ; وإذا نهيى‬
‫عن شيء لم يأمر به في موضع آخر بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته إذا لم‬
‫يكين هناك نسيخ وكذلك إذا أخيبر بثبوت شييء لم يخيبر بنقييض ذلك بيل يخيبر بثبوتيه أو‬
‫بثبوت ملزوماتيه وإذا أخيبر بنفيي شييء لم يثبتيه بيل ينفييه أو ينفيي لوازميه بخلف القول‬
‫المختلف الذي ينقيض بعضيه بعضيا فيثبيت الشييء تارة وينفييه أخرى أو يأمير بيه وينهيى‬
‫عنيه فيي وقيت واحيد ويفرق بيين المتماثليين فيمدح أحدهميا ويذم الخير فالقوال المختلفية‬

‫‪34‬‬
‫هنيا ‪ :‬هيي المتضادة ‪ .‬والمتشابهية ‪ :‬هيي المتوافقية وهذا التشابيه يكون فيي المعانيي وإن‬
‫اختلفيت اللفاظ فإذا كانيت المعانيي يوافيق بعضهيا بعضيا ويعضيد بعضهيا بعضيا ويناسيب‬
‫بعضهيا بعضيا ويشهيد بعضهيا لبعيض ويقتضيي بعضهيا بعضيا ‪ :‬كان الكلم متشابهيا ;‬
‫بخلف الكلم المتناقيض الذي يضاد بعضيه بعضيا فهذا التشابيه العام ‪ :‬ل ينافيي الحكام‬
‫العام بل هو مصدق له فإن الكلم المحكم المتقن يصدق بعضه بعضا ل يناقض بعضه‬
‫بعضيا بخلف الحكام الخاص ; فإنيه ضيد التشابيه الخاص والتشابيه الخاص هيو مشابهية‬
‫الشييء لغيره مين وجيه ميع مخالفتيه له مين وجيه آخير بحييث يشتبيه على بعيض الناس إنيه‬
‫هيو أو هيو مثله ولييس كذلك والحكام هيو الفصيل بينهميا بحييث ل يشتبيه أحدهميا بالخير‬
‫وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما ثم من الناس‬
‫مين ل يهتدي للفصيل بينهميا فيكون مشتبهيا علييه ومنهيم مين يهتدي إلى ذلك ; فالتشابيه‬
‫الذي ل يتميز معه قد يكون من المور النسبية الضافية بحيث يشتبه على بعض الناس‬
‫دون بعض ومثل هذا يعرف منه أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الشتباه كما إذا اشتبه على‬
‫بعيض الناس ميا وعدوا بيه فيي الخرة بميا يشهدونيه فيي الدنييا فظين أنيه مثله فعلم العلماء‬
‫أنيه لييس مثله وإن كان مشبهيا له مين بعيض الوجوه ومين هذا الباب الشبيه التيي يضيل بهيا‬
‫بعيض الناس وهيي ميا يشتبيه فيهيا الحيق والباطيل حتيى تشتبيه على بعيض الناس ; ومين‬
‫أوتي العلم بالفصل بين هذا وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل والقياس الفاسد إنما هو من‬
‫باب الشبهات لنيه تشيبيه للشييء فيي بعيض المور بميا ل يشبهيه فييه فمين عرف الفصيل‬
‫بيين الشيئيين ‪ :‬اهتدى للفرق الذي يزول بيه الشتباه والقياس الفاسيد ; وميا مين شيئيين إل‬
‫ويجتمعان فيي شييء ويفترقان فيي شييء فبينهميا اشتباه مين وجيه وافتراق مين وجيه فلهذا‬
‫كان ضلل بني آدم من قبل التشابه والقياس الفاسد ل ينضبط كما قال المام أحمد ‪ :‬أكثر‬
‫ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس ; فالتأويل ‪ :‬في الدلة السمعية ‪ ,‬والقياس ‪ :‬في‬
‫الدلة العقليية وهيو كميا قال والتأوييل الخطيأ إنميا يكون فيي اللفاظ المتشابهية ‪ ,‬والقياس‬
‫الخطيأ إنميا يكون فيي المعانيي المتشابهية وقيد وقيع بنيو آدم فيي عامية ميا يتناوله هذا الكلم‬

‫‪35‬‬
‫من أنواع الضللت حتى آل المر إلى من يدعي التحقيق والتوحيد والعرفان منهم إلى‬
‫أن اشتبيه عليهيم وجود الرب بوجود كيل موجود فظنوا أنيه هيو فجعلوا وجود المخلوقات‬
‫عين وجود الخالق مع أنه ل شيء أبعد عن مماثلة شيء وأن يكون إياه أو متحدا به ; أو‬
‫حال فييه مين الخالق ميع المخلوق فمين اشتبيه علييه وجود الخالق بوجود المخلوقات كلهيا‬
‫حتييى ظنوا وجودهييا وجوده ; فهييم أعظييم الناس ضلل ميين جهيية الشتباه ‪ .‬وذلك أن‬
‫الموجودات تشترك في مسمى الوجود فرأوا الوجود واحدا ولم يفرقوا بين الواحد بالعين‬
‫والواحد بالنوع وآخرون توهموا أنه إذا قيل ‪ :‬الموجودات تشترك في مسمى الوجود لزم‬
‫التشييبيه والتركيييب فقالوا ‪ :‬لفييظ الوجود مقول بالشتراك اللفظييي فخالفوا مييا اتفييق عليييه‬
‫العقلء مع اختلف أصنافهم من أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث ونحو ذلك من أقسام‬
‫الموجودات وطائفيية ظنييت أنييه إذا كانيت الموجودات تشترك فييي مسيمى الوجود لزم أن‬
‫يكون فيي الخارج عين الذهان موجود مشترك فييه وزعموا أن فيي الخارج عين الذهان‬
‫كليات مطلقيية مثييل وجود مطلق وحيوان مطلق وجسييم مطلق ونحييو ذلك فخالفوا الحييس‬
‫والعقل والشرع وجعلوا ما في الذهان ثابتا في العيان وهذا كله من نوع الشتباه ومن‬
‫هداه ال فرق بيين المور وإن اشتركييت مين بعيض الوجوه وعلم ميا بينهمييا مين الجمييع‬
‫والفرق والتشابييه والختلف ; وهؤلء ل يضلون بالمتشابييه ميين الكلم لنهييم يجمعون‬
‫بينيه وبيين المحكيم الفارق الذي ييبين ميا بينهميا مين الفصيل والفتراق وهذا كميا أن لفيظ‬
‫( إنا ) و ( نحن ) وغيرهما من صيغ الجمع يتكلم بها الواحد له شركاء في الفعل ويتكلم‬
‫بهيا الواحيد العظييم الذي له صيفات تقوم كيل صيفة مقام واحيد وله أعوان تابعون له ; ل‬
‫شركاء له فإذا تمسك النصراني بقوله تعالى ‪ { :‬إنا نحن نزلنا الذكر } ونحوه على تعدد‬
‫اللهة كان المحكم كقوله تعالى ‪ { :‬وإلهكم إله واحد } ونحو ذلك مما ل يحتمل إل معنى‬
‫واحدا يزيل ما هناك من الشتباه ; وكان ما ذكره من صيغة الجمع مبينا لما يستحقه من‬
‫العظمة والسماء والصفات وطاعة المخلوقات من الملئكة وغيرهم وأما حقيقة ما دل‬
‫عليه ذلك من حقائق السماء والصفات وما له من الجنود الذين يستعملهم في أفعاله فل‬

‫‪36‬‬
‫يعلمهم إل هو { وما يعلم جنود ربك إل هو } وهذا من تأويل المتشابه الذي ل يعلمه إل‬
‫ال بخلف الملك مين البشير إذا قال ‪ :‬قيد أمرنيا لك بعطاء فقيد علم أنيه هيو وأعوانيه مثيل‬
‫كاتبييه وحاجبييه وخادمييه ونحييو ذلك أمروا بييه وقييد يعلم مييا صييدر عنييه ذلك الفعييل ميين‬
‫اعتقاداتيه وإراداتيه ونحيو ذلك وال ‪ -‬سيبحانه وتعالى ‪ -‬ل يعلم عباده الحقائق التيي أخيبر‬
‫عنهييا ميين صييفاته وصييفات اليوم الخيير ول يعلمون حقائق مييا أراد بخلقييه وأمره ميين‬
‫الحكمة ول حقائق ما صدرت عنه من المشيئة والقدرة وبهذا يتبين أن التشابه يكون في‬
‫اللفاظ المتواطئة كما يكون في اللفاظ المشتركة التي ليست بمتواطئة وإن زال الشتباه‬
‫بما يميز أحد النوعين ‪ :‬من إضافة أو تعريف كما إذا قيل ‪ :‬فيها أنهار من ماء فهناك قد‬
‫خيص هذا الماء بالجنية فظهير الفرق بينيه ‪ ,‬وبيين ماء الدنييا لكين حقيقية ميا امتاز بيه ذلك‬
‫الماء غيير معلوم لنيا وهيو ميع ميا أعده ال لعباده الصيالحين ‪ -‬مميا ل عيين رأت ول أذن‬
‫سييمعت ول خطيير على قلب بشيير ‪ -‬ميين التأويييل الذي ل يعلمييه إل ال وكذلك مدلول‬
‫أسيمائه وصيفاته الذي يختيص بهيا التيي هيي حقيقية ل يعلمهيا إل هيو ; ولهذا كان الئمية‬
‫كالمام أحمييد وغيره ينكرون على الجهمييية وأمثالهييم ‪ -‬ميين الذييين يحرفون الكلم عيين‬
‫مواضعيه ‪ -‬تأوييل ميا تشابيه عليهيم مين القرآن على غيير تأويله كميا قال أحميد ‪ :‬فيي كتابيه‬
‫الذي صينفه فيي الرد على الزنادقية والجهميية فيميا شكيت فييه مين متشابيه القرآن وتأولتيه‬
‫على غييير تأويله وإنمييا ذمهييم لكونهييم تأولوه على غييير تأويله وذكيير فييي ذلك مييا يشتبييه‬
‫عليهم معناه وإن كان ل يشتبه على غيرهم وذمهم على أنهم تأولوه على غير تأويله ولم‬
‫ينف مطلق لفظ التأويل كما تقدم ‪ :‬من أن لفظ التأويل يراد به التفسير المبين لمراد ال به‬
‫فذلك ل يعاب بيل يحميد ويراد بالتأوييل الحقيقية التيي اسيتأثر ال بعلمهيا فذاك ل يعلميه إل‬
‫هيو وقيد بسيطنا هذا فيي غيير هذا الموضيع ومين لم يعرف هذا ‪ :‬اضطربيت أقواله مثيل‬
‫طائفيية يقولون إن التأويييل باطييل وإنييه يجييب إجراء اللفييظ على ظاهره ويحتجون بقوله‬
‫تعالى ‪ { :‬وما يعلم تأويله إل ال } ويحتجون بهذه الية على إبطال التأويل وهذا تناقض‬
‫منهيم ; لن هذه اليية تقتضيي أن هناك تأويل ل يعلميه إل ال وهيم ينفون التأوييل مطلقيا‬

‫‪37‬‬
‫وجهة الغلط أن التأويل الذي استأثر ال بعلمه هو الحقيقة التي ل يعلمها إل هو ‪.‬‬
‫وأما التأويل المذموم والباطل ‪ :‬فهو تأويل أهل التحريف والبدع الذين يتأولونه على غير‬
‫تأويله ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ويدعون‬
‫أن فيي ظاهره مين المحذور ميا هيو نظيير المحذور اللزم فيميا أثبتوه بالعقيل ويصيرفونه‬
‫إلى معان هي نظير المعاني التي نفوها عنه فيكون ما نفوه من جنس ما أثبتوه فإن كان‬
‫الثابت حقا ممكنا كان المنفي مثله وإن كان المنفي باطل ممتنعا كان الثابت مثله وهؤلء‬
‫الذين ينفون التأويل مطلقا ويحتجون بقوله تعالى ‪ { :‬وما يعلم تأويله إل ال } قد يظنون‬
‫أنا خوطبنا في القرآن بما ل يفهمه أحد ; أو بما ل معنى له أو بما ل يفهم منه شيء وهذا‬
‫مع أنه باطل فهو متناقض لنا إذا لم نفهم منه شيئا لم يجز لنا أن نقول له تأويل يخالف‬
‫الظاهيير ول يوافقييه ; ل مكان أن يكون له معنييى صييحيح وذلك المعنييى الصييحيح ‪ :‬ل‬
‫يخالف الظاهر المعلوم لنا فإنه ل ظاهر له على قولهم فل تكون دللته على ذلك المعنى‬
‫دللة على خلف الظاهيير فل يكون تأويل ول يجوز نفييي دللتييه على معان ل نعرفهييا‬
‫على هذا التقديير ‪ .‬فإن تلك المعانيي التيي دل عليهيا قيد ل نكون عارفيين بهيا ولنيا إذا لم‬
‫نفهيم اللفيظ ومدلوله فلن ل نعرف المعانيي التيي لم يدل عليهيا اللفيظ أولى ; لن إشعار‬
‫اللفيظ بميا يراد بيه أقوى مين إشعاره بميا ل يراد بيه ; فإذا كان اللفيظ ل إشعار له بمعنيى‬
‫مين المعانيي ول يفهيم منيه معنيى أصيل لم يكين مشعرا بميا أرييد بيه فلن ل يكون مشعرا‬
‫بمييا لم يرد بييه أولى فل يجوز أن يقال ‪ :‬إن هذا اللفييظ متأول بمعنييى أنييه مصييروف عيين‬
‫الحتمال الراجييح إلى الحتمال المرجوح فضل عيين أن يقال ‪ :‬إن هذا التأويييل ل يعلمييه‬
‫إل ال ‪ .‬اللهيم إل أن يراد بالتأوييل ميا يخالف ظاهره المختيص بالخلق فل رييب أن مين‬
‫أراد بالظاهر هذا ل بد وأن يكون له تأويل يخالف ظاهره ‪ .‬لكن إذا قال هؤلء ‪ :‬أنه ليس‬
‫لها تأويل يخالف الظاهر أو أنها تجري على المعاني الظاهرة منها كانوا متناقضين وإن‬
‫أرادوا بالظاهير هنيا معنيى وهناك معنيى ‪ :‬فيي سيياق واحيد مين غيير بيان كان تلبيسيا وإن‬
‫أرادوا بالظاهر مجرد اللفظ أي تجري على مجرد اللفظ الذي يظهر من غير فهم لمعناه‬

‫‪38‬‬
‫كان إبطالهيم للتأوييل أو إثباتيه تناقضيا ; لن مين أثبيت تأويل أو نفاه فقيد فهيم معنيى مين‬
‫المعانيي ‪ .‬وبهذا التقسييم يتيبين تناقيض كثيير مين الناس مين نفاة الصيفات ومثبتيهيا فيي هذا‬
‫الباب ‪.‬‬
‫القاعدة السسادسة أنيه لقائل أن يقول ‪ :‬ل بيد فيي هذا الباب مين ضابيط يعرف بيه ميا يجوز‬
‫على ال ممييا ل يجوز فييي النفييي والثبات إذ العتماد فييي هذا الباب على مجرد نفييي‬
‫التشبيه أو مطلق الثبات من غير تشبيه ليس بسديد وذلك أنه ما من شيئين إل بينهما قدر‬
‫مشترك وقدر مميز فالنافي إن اعتمد فيما ينفيه على أن هذا تشبيه قيل له ‪ :‬إن أردت أنه‬
‫مماثييل له ميين كييل وجييه فهذا باطييل ; وإن أردت أنييه مشابييه له ميين وجييه دون وجييه أو‬
‫مشارك له فيي السيم لزميك هذا فيي سيائر ميا تثبتيه وأنتيم إنميا أقمتيم الدلييل على إبطال‬
‫التشيبيه والتماثيل الذي فسيرتموه بأنيه يجوز على أحدهميا ميا يجوز على الخير ويمتنيع‬
‫علييه ميا يمتنيع علييه ويجيب له ميا يجيب له ومعلوم أن إثبات التشيبيه بهذا التفسيير مميا ل‬
‫يقوله عاقيل يتصيور ميا يقول ; فإنيه يعلم بضرورة العقيل امتناعيه ول يلزم مين نفيي هذا‬
‫نفي التشابه من بعض الوجوه كما في السماء والصفات المتواطئة ولكن من الناس من‬
‫يجعل التشبيه مفسرا بمعنى من المعاني ثم أن كل من أثبت ذلك المعنى قالوا ‪ :‬إنه مشبه‬
‫ومنازعهم يقول ‪ :‬ذلك المعنى ليس من التشبيه وقد يفرق بين لفظ التشبيه والتمثيل وذلك‬
‫أن المعتزلة ونحوهيم مين نفاة الصيفات يقولون ‪ :‬كيل مين أثبيت ل صيفة قديمية فهيو مشبيه‬
‫ممثيل فمين قال إن ل علميا قديميا أو قدرة قديمية كان عندهيم مشبهيا ممثل لن القدييم عنيد‬
‫جمهورهيم هيو أخيص وصيف الله فمين أثبيت له صيفة قديمية فقيد أثبيت ل مثل قديميا‬
‫ويسيمونه ممثل بهذا العتبار ومثبتية الصيفات ل يوافقونهيم على هذا بيل يقولون ‪ :‬أخيص‬
‫وصفه ما ل يتصف به غيره مثل كونه رب العالمين وأنه بكل شيء عليم وأنه على كل‬
‫شييء قديير وأنيه إله واحيد ونحيو ذلك ; والصيفة ل توصيف بشييء مين ذلك ثيم مين هؤلء‬
‫الصيفاتية مين ل يقول فيي الصيفات إنهيا قديمية بيل يقول ‪ :‬الرب بصيفاته قدييم ومنهيم مين‬
‫يقول ‪ :‬هيو قدييم وصيفته قديمية ول يقول ‪ :‬هيو وصيفاته قديمان ‪ .‬ومنهيم مين يقول ‪ :‬هيو‬

‫‪39‬‬
‫وصييفاته قديمان ; ولكيين يقول ‪ :‬ذلك ل يقتضييي مشاركيية الصييفة له فييي شيييء ميين‬
‫خصيييائصه فإن القدم لييييس مييين خصيييائص الذات المجردة بيييل مييين خصيييائص الذات‬
‫الموصوفة بصفات وإل فالذات المجردة ل وجود لها عندهم فضل عن أن تختص بالقدم‬
‫وقد يقولون ‪ :‬الذات متصفة بالقدم والصفات متصفة بالقدم وليست الصفات إلها ول ربا‬
‫كما أن النبي محدث وصفاته محدثة وليست صفاته نبيا فهؤلء إذا أطلقوا على الصفاتية‬
‫اسيم التشيبيه والتمثييل ‪ :‬كان هذا بحسيب اعتقادهيم الذي ينازعهيم فييه أولئك ثيم تقول لهيم‬
‫أولئك ‪ :‬هيب أن هذا المعنيى قيد يسيمى فيي اصيطلح بعيض الناس تشبيهيا فهذا المعنيى لم‬
‫ينفيه عقيل ول سيمع وإنميا الواجيب نفيي ميا نفتيه الدلة الشرعيية والعقليية والقرآن قيد نفيى‬
‫مسيمى المثيل والكفيء والنيد ونحيو ذلك ولكين يقولون الصيفة فيي لغية العرب ليسيت مثيل‬
‫الموصوف ول كفؤه ول نده فل يدخل في النص وأما العقل ‪ :‬فلم ينف مسمى التشبيه في‬
‫اصطلح المعتزلة وكذلك أيضا يقولون ‪ :‬إن الصفات ل تقوم إل بجسم متحيز والجسام‬
‫متماثلة فلو قامييت بييه الصييفات للزم أن يكون مماثل لسييائر الجسييام وهذا هييو التشييبيه‬
‫وكذلك يقول ‪ :‬هذا كثيير مين الصيفاتية الذيين يثبتون الصيفات وينفون علوه على العرش‬
‫وقيام الفعال الختياريية بيه ونحيو ذلك ويقولون ‪ :‬الصيفات قيد تقوم بميا لييس بجسيم وأميا‬
‫العلو على العالم فل يصيح إل إذا كان جسيما فلو أثبتنيا علوه للزم أن يكون جسيما وحينئذ‬
‫فالجسام متماثلة فيلزم التشبيه فلهذا تجد هؤلء يسمون من أثبت العلو ونحوه مشبها ول‬
‫يسمون من أثبت السمع والبصر والكلم ونحوه مشبها كما يقول صاحب الرشاد وأمثاله‬
‫وكذلك يوافقهيم على القول بتماثيل الجسيام القاضيي أبيو يعلى وأمثاله مين مثبتية الصيفات‬
‫والعلو ; لكيين هؤلء يجعلون العلو صييفة خبرييية كمييا هييو أول قولي القاضييي أبييي يعلى‬
‫فيكون الكلم فيييه كالكلم فييي الوجييه وقييد يقولون ‪ :‬أن مييا يثبتونييه ل ينافييي الجسييم كمييا‬
‫يقولونيه فيي سيائر الصيفات والعاقيل إذا تأميل وجيد المير فيميا نفوه كالمير فيميا أثبتوه ل‬
‫فرق وأصل كلم هؤلء كلهم على أن إثبات الصفات مستلزم للتجسيم والجسام متماثلة‬
‫‪ .‬والمثبتون يجيبون عين هذا تارة بمنيع المقدمية الولى وتارة بمنيع المقدمية الثانيية وتارة‬

‫‪40‬‬
‫بمنع كل من المقدمتين وتارة بالستفصال ول ريب أن قولهم بتماثل الجسام قول باطل‬
‫سواء فسيروا الجسم بميا يشار إليه أو بالقائم بنفسه أو بالموجود أو بالمركب من الهيولى‬
‫والصيورة ونحيو ذلك فأميا إذا فسيروه بالمركيب مين الجواهير المفردة وعلى أنهيا متماثلة‬
‫فهذا يبنييى على صييحة ذلك ; وعلى إثبات الجوهيير الفرد وعلى أنييه متماثييل وجمهور‬
‫العقلء يخالفونهم في ذلك ( والمقصود هنا أنهم يطلقون التشبيه على ما يعتقدونه تجسيما‬
‫بناء على تماثيل الجسيام والمثبتون ينازعونهيم فيي اعتقادهيم ; كإطلق الرافضية النصيب‬
‫على مين تولى أبيا بكير وعمير رضيي ال عنهميا ; بناء على أن مين أحبهميا فقيد أبغيض‬
‫علييا رضيي ال عنيه ; ومين أبغضيه فهيو ناصيبي وأهيل السينة ينازعونهيم فيي المقدمية‬
‫الولى ; ولهذا يقول هؤلء ‪ :‬إن الشيئيين ل يشتبهان مين وجيه ويختلفان مين وجيه وأكثير‬
‫العقلء على خلف ذلك وقد بسطنا الكلم على هذا في غير هذا الموضع وبينا فيه حجج‬
‫من يقول بتماثل الجسام وحجج من نفى ذلك ‪ ,‬وبينا فساد قول من يقول بتماثلها وأيضا‬
‫فالعتماد بهذا الطرييق على نفيي التشيبيه اعتماد باطيل وذلك أنيه إذا أثبيت تماثيل الجسيام‬
‫فهم ل ينفون ذلك إل بالحجة التي ينفون بها الجسم وإذا ثبت أن هذا يستلزم الجسم وثبت‬
‫امتناع الجسييم ‪ :‬كان هذا وحده كافيييا فييي نفييي ذلك ل يحتاج نفييي ذلك إلى نفييي مسييمى‬
‫التشبيه لكن نفي التجسيم يكون مبنيا على نفي هذا التشبيه بأن يقال ‪ :‬لو ثبت له كذا وكذا‬
‫لكان جسما ; ثم يقال ‪ :‬والجسام متماثلة فيجب اشتراكها فيما يجب ويجوز ويمتنع وهذا‬
‫ممتنيع علييه ‪ .‬لكين حينئذ يكون مين سيلك هذا المسيلك معتمدا فيي نفيي التشيبيه على نفيي‬
‫التجسييم ; فيكون أصيل نفييه نفيي الجسيم وهذا مسيلك آخير سينتكلم علييه إن شاء ال وإنميا‬
‫المقصيود هنيا ‪ :‬أن مجرد العتماد فيي نفيي ميا ينفيى على مجرد نفيي التشيبيه ل يفييد إذ ميا‬
‫مين شيئيين إل يشتبهان مين وجيه ويفترقان مين وجيه بخلف العتماد على نفيي النقيص‬
‫والعيب ونحو ذلك مما هو سبحانه مقدس عنه فإن هذه طريقة صحيحة وكذلك إذا أثبت‬
‫له صييفات الكمال ونفييى مماثلة غيره له فيهييا فإن هذا نفييي المماثلة فيمييا هييو مسييتحق له‬
‫وهذا حقيقية التوحييد ‪ :‬وهيو أن ل يشركيه شييء مين الشياء فيميا هيو مين خصيائصه وكيل‬

‫‪41‬‬
‫صفة من صفات الكمال فهو متصف بها على وجه ل يماثله فيه أحد ; ولهذا كان مذهب‬
‫سيلف المية وأئمتهيا إثبات ميا وصيف بيه نفسيه مين الصيفات ونفيي مماثلتيه بشييء مين‬
‫المخلوقات ( فإن قيل إن الشيء إذا شابه غيره من وجه جاز عليه ما يجوز عليه من ذلك‬
‫الوجه ووجب له ما وجب له وامتنع عليه ما امتنع عليه ( قيل هب أن المر كذلك ولكن‬
‫إذا كان ذلك القدر المشترك ل يسييتلزم إثبات مييا يمتنييع على الرب سييبحانه ول نفييي مييا‬
‫يستحقه لم يكن ممتنعا كما إذا قيل ‪ :‬إنه موجود حي عليم سميع بصير وقد سمي بعض‬
‫المخلوقات حييا سيمعيا عليميا بصييرا فإذا قييل ‪ :‬يلزم أنيه يجوز علييه ميا يجوز على ذلك‬
‫مين جهية كونيه موجودا حييا عليميا سيميعا بصييرا قييل ‪ :‬لزم هذا القدر المشترك لييس‬
‫ممتنعييا على الرب تعالى فإن ذلك ل يقتضييي حدوثييا ول إمكانييا ول نقصييا ول شيئا ممييا‬
‫ينافي صفات الربوبية وذلك أن القدر المشترك هو مسمى الوجود أو الموجود أو الحياة‬
‫أو الحيي أو العلم أو العلييم أو السيمع أو البصير أو السيميع أو البصيير أو القدرة أو القديير‬
‫والقدر المشترك مطلق كلي ل يختيص بأحدهميا دون الخير ; فلم يقيع بينهميا اشتراك ل‬
‫فيما يختص بالممكن المحدث ول فيما يختص بالواجب القديم فإن ما يختص به أحدهما‬
‫يمتنييع اشتراكهمييا فيييه فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركييا فيييه صييفة كمال كالوجود‬
‫والحياة والعلم والقدرة ولم يكين فيي ذلك شييء مميا يدل على خصيائص المخلوقيين كميا ل‬
‫يدل على شيء من خصائص الخالق لم يكن في إثبات هذا محذور أصل ; بل إثبات هذا‬
‫مين لوازم الوجود ‪ ,‬فكيل موجوديين ل بيد بينهميا مين مثيل هذا ومين نفيي هذا لزميه تعطييل‬
‫وجود كيل موجود ولهذا لميا اطلع الئمية على أن هذا حقيقية قول الجهميية سيموهم معطلة‬
‫وكان جهيم ينكير أن يسيمى ال شيئا وربميا قالت الجهميية هيو شييء ل كالشياء فإذا نفيى‬
‫القدر المشترك مطلقا لزم التعطيل العام ‪.‬‬
‫والمعانيييي التيييي يوصيييف بهيييا الرب تعالى كالحياة والعلم والقدرة بيييل الوجود والثبوت‬
‫والحقيقيييية ونحييييو ذلك ‪ :‬تجييييب لوازمهييييا فإن ثبوت الملزوم يقتضييييي ثبوت اللزم ‪,‬‬
‫وخصائص المخلوق التي يجب تنزيه الرب عنها ليست من لوازم ذلك أصل بل تلك من‬

‫‪42‬‬
‫لوازم مييا يختييص بالمخلوق ميين وجود وحياة وعلم ونحييو ذلك وال سييبحانه منزه عيين‬
‫خصائص المخلوقين وملزومات خصائصهم وهذا الموضع من فهمه فهما جيدا وتدبره ‪:‬‬
‫زالت عنه عامة الشبهات وانكشف له غلط كثير من الذكياء في هذا المقام وقد بسط هذا‬
‫في مواضع كثيرة وبين فيها أن القدر المشترك الكلي ل يوجد في الخارج إل معينا مقيدا‬
‫وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من المور هو تشابهها من ذلك الوجه وأن ذلك‬
‫المعنى العام يطلق على هذا وهذا ; لن الموجودات في الخارج ل يشارك أحدهما الخر‬
‫فيي شييء موجود فييه بيل كيل موجود متمييز عين غيره بذاتيه وصيفاته وأفعاله ولميا كان‬
‫الميير كذلك كان كثييير ميين الناس متناقضييا فييي هذا المقام ; فتارة يظيين أن إثبات القدر‬
‫المشترك يوجب التشبيه الباطل فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حذرا من‬
‫ملزومات التشيبيه وتارة يتفطين أنيه ل بيد مين إثبات هذا على تقديير فيجييب بيه فيميا يثبتيه‬
‫من الصفات لمن احتج به من النفاة ولكثرة الشتباه في هذا المقام ‪ :‬وقعت الشبهة في أن‬
‫وجود الرب هيييل هيييو عيييين ماهيتيييه أو زائد على ماهيتيييه ؟ وهيييل لفيييظ الوجود مقول‬
‫بالشتراك اللفظيي أو التواطيؤ أو التشكييك ؟ كميا وقيع الشتباه فيي إثبات الحوال ونفيهيا‬
‫وفي أن المعدوم هل هو شيء أم ل ؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها‬
‫أم ل ؟ وقيد كثير مين أئمية النظار الضطراب والتناقيض فيي هذه المقامات ; فتارة يقول‬
‫أحدهيم القوليين المتناقضيين ويحكيي عين الناس مقالت ميا قالوهيا ; وتارة يبقيى فيي الشيك‬
‫والتحيير وقيد بسيطنا مين الكلم فيي هذه المقامات وميا وقيع مين الشتباه والغلط والحيرة‬
‫فيها لئمة الكلم والفلسفة ما ل تتسع له هذه الجمل المختصرة وبينا أن الصواب هو أن‬
‫وجود كيل شييء فيي الخارج هيو ماهيتيه الموجودة فيي الخارج ; بخلف الماهيية التيي فيي‬
‫الذهين فإنهيا مغايرة للموجود فيي الخارج ; وأن لفيظ الذات والشييء والماهيية والحقيقية‬
‫ونحيو ذلك فهذه اللفاظ كلهيا متواطئة فإذا قييل ‪ :‬إنهيا مشككية لتفاضيل معانيهيا فالمشكيك‬
‫نوع ميين المتواطييئ العام الذي يراعييى فيييه دللة اللفييظ على القدر المشترك سييواء كان‬
‫المعنى متفاضل في موارده أو متماثل ‪ .‬وبينا أن المعدوم شيء أيضا في العلم والذهن ل‬

‫‪43‬‬
‫فيي الخارج فل فرق بيين الثبوت والوجود لكين الفرق ثابيت بيين الوجود العلميي والعينيي‬
‫مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به وكذلك‬
‫الحوال التييي تتماثييل فيهييا الموجودات وتختلف ‪ :‬لهييا وجود فييي الذهان وليييس فييي‬
‫العيان إل العيان الموجودة وصفاتها القائمة بها المعينة فتتشابه بذلك وتختلف به وأما‬
‫هذه الجملة المختصيرة فإن المقصيود بهيا التنيبيه على جميل مختصيرة جامعية مين فهمهيا‬
‫علم قدر نفعها وانفتح له باب الهدى وإمكان إغلق باب الضلل ; ثم بسطها وشرحها له‬
‫مقام آخر ; إذ لكل مقام مقال " والمقصود " ‪ :‬هنا أن العتماد على مثل هذه الحجة فيما‬
‫ينفى عن الرب وينزه عنه ‪ -‬كما يفعله كثير من المصنفين ‪ -‬خطأ لمن تدبر ذلك وهذا من‬
‫طرق النفي الباطلة ‪.‬‬

‫( فصل )‬
‫وأفسييد ميين ذلك ‪ :‬مييا يسييلكه نفاة الصييفات أو بعضهييا إذا أرادوا أن ينزهوه عمييا يجييب‬
‫تنزيهه عنه مما هو من أعظم الكفر مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك‬
‫ويريدون الرد على اليهود ‪ :‬الذييين يقولون إنييه بكييى على الطوفان حتييى رمييد وعادتييه‬
‫الملئكيية والذييين يقولون بإلهييية بعييض البشيير وأنييه ال فإن كثيرا ميين الناس يحتييج على‬
‫هؤلء بنفيي التجسييم والتحييز ونحيو ذلك ويقولون لو اتصيف بهذه النقائص والفات لكان‬
‫جسييما أو متحيزا وذلك ممتنييع وبسييلوكهم مثييل هذه الطريييق اسييتظهر عليهييم هؤلء‬
‫الملحدة نفاة السييماء والصييفات فإن هذه الطريقيية ل يحصييل بهييا المقصييود لوجوه ‪- :‬‬
‫( أحدهيا أن وصيف ال تعالى بهذه النقائص والفات أظهير فسيادا فيي العقيل والديين مين‬
‫نفيي التحييز والتجسييم ; فإن هذا فييه مين الشتباه والنزاع والخفاء ميا لييس فيي ذلك وكفير‬
‫صياحب ذلك معلوم بالضرورة مين ديين السيلم والدلييل معرف للمدلول وميبين له ; فل‬
‫يجوز أن يستدل على الظهر البين بالخفى كما ل يفعل مثل ذلك في الحدود ( الوجه‬
‫الثانيي أن هؤلء الذيين يصيفونه بهذه الصيفات ‪ :‬يمكنهيم أن يقولوا نحين ل نقول بالتجسييم‬

‫‪44‬‬
‫والتحييز كميا يقوله مين يثبيت الصيفات وينفيي التجسييم فيصيير نزاعهيم مثيل نزاع مثبتية‬
‫الكلم وصييفات الكمال فيصييير كلم ميين وصييف ال بصييفات الكمال وصييفات النقييص‬
‫واحدا ويبقيى رد النفاة على الطائفتيين بطرييق واحيد وهذا فيي غايية الفسياد ( الثالث ) أن‬
‫هؤلء ينفون صييفات الكمال بمثييل هذه الطريقيية واتصييافه بصييفات الكمال واجييب ثابييت‬
‫بالعقييل والسييمع فيكون ذلك دليل على فسيياد هذه الطريقيية ( الرابييع ) ‪ :‬أن سييالكي هذه‬
‫الطريقة متناقضون فكل من أثبت شيئا منهم ألزمه الخر بما يوافقه فيه من الثبات كما‬
‫أن كيل مين نفيى شيئا منهيم ألزميه الخير بميا يوافقيه فييه مين النفيي ‪ .‬فمثبتية الصيفات ‪-‬‬
‫كالحياة والعلم والقدرة والكلم والسيييمع والبصييير ‪ -‬إذا قالت لهيييم النفاة كالمعتزلة ‪ :‬هذا‬
‫تجسييييم ; لن هذه الصيييفات أعراض والعرض ل يقوم إل بالجسيييم أو لنيييا ل نعرف‬
‫موصيوفا بالصيفات إل جسيما ‪ .‬قالت لهيم المثبتية ‪ :‬وأنتيم قيد قلتيم ‪ :‬إنيه حيي علييم قديير ‪.‬‬
‫وقلتم ‪ :‬ليس بجسم ; وأنتم ل تعلمون موجودا حيا عالما قادرا إل جسما فقد أثبتموه على‬
‫خلف ما علمتم فكذلك نحن وقالوا لهم ‪ :‬أنتم أثبتم حيا عالما قادرا ; بل حياة ول علم ول‬
‫قدرة وهذا تناقض يعلم بضرورة العقل ثم هؤلء المثبتون إذا قالوا لمن أثبت أنه يرضى‬
‫ويغضب ويحب ويبغض أو من وصفه بالستواء والنزول والتيان والمجيء أو بالوجه‬
‫واليد ونحو ذلك إذا قالوا ‪ :‬هذا يقتضي التجسيم لنا ل نعرف ما يوصف بذلك إل ما هو‬
‫جسييم قالت لهييم المثبتيية ‪ :‬فأنتييم قييد وصييفتموه بالحياة والعلم والقدرة والسييمع والبصيير‬
‫والكلم وهذا هكذا ; فإذا كان هذا ل يوصيف بيه إل الجسيم فالخير كذلك ‪ ,‬وإن أمكين أن‬
‫يوصيف بأحدهميا ميا لييس بجسيم فالخير كذلك ; فالتفرييق بينهميا تفرييق بيين المتماثليين‬
‫ولهذا لميا كان الرد على مين وصيف ال تعالى بالنقائص بهذه الطرييق طريقيا فاسيدا ‪ :‬لم‬
‫يسيلكه أحيد مين السيلف والئمية فلم ينطيق أحيد منهيم فيي حيق ال بالجسيم ل نفييا ول إثباتيا‬
‫ول بالجوهر والتحيز ونحو ذلك لنها عبارات مجملة ل تحق حقا ول تبطل باطل ولهذا‬
‫لم يذكر ال في كتابه فيما أنكره على اليهود وغيرهم من الكفار ‪ :‬ما هو من هذا النوع ;‬
‫بل هذا هو من الكلم المبتدع الذي أنكره السلف والئمة ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫( فصل )‬

‫وأما في طرق الثبات ‪ :‬فمعلوم أيضا أن المثبت ل يكفي في إثباته مجرد نفي التشبيه إذ‬
‫لو كفى في إثباته مجرد نفي التشبيه لجاز أن يوصف سبحانه من العضاء والفعال بما‬
‫ل يكاد يحصيى مميا هيو ممتنيع علييه ‪ -‬ميع نفيي التشيبيه وأن يوصيف بالنقائص التيي ل‬
‫تجوز علييه ميع نفيي التشيبيه كميا لو وصيفه مفتير علييه بالبكاء والحزن والجوع والعطيش‬
‫مع نفي التشبيه ‪ .‬وكما لو قال المفتري ‪ :‬يأكل ل كأكل العباد ويشرب ل كشربهم ويبكي‬
‫ويحزن ل كبكائهم ول حزنهم ; كما يقال يضحك ل كضحكهم ويفرح ل كفرحهم ويتكلم‬
‫ل ككلمهيييم ‪ .‬ولجاز أن يقال ‪ :‬له أعضاء كثيرة ل كأعضائهيييم كميييا قييييل ‪ :‬له وجييه ل‬
‫كوجوههيم ويدان ل كأيديهيم ‪ .‬حتيى يذكير المعدة والمعاء والذكير وغيير ذلك مميا يتعالى‬
‫ال عيز وجيل عنيه سيبحانه وتعالى عميا يقول الظالمون علوا كيبيرا ‪ .‬فإنيه يقال لمين نفيى‬
‫ذلك ميع إثبات الصيفات الخبريية وغيرهيا مين الصيفات ‪ :‬ميا الفرق بيين هذا وميا أثبتيه إذا‬
‫نفيت التشبيه وجعلت مجرد نفي التشبيه كافيا في الثبات فل بد من إثبات فرق في نفس‬
‫المر فإن قال ‪ :‬العمدة في الفرق هو السمع فما جاء به السمع أثبته دون ما لم يجئ به‬
‫السيمع قيل له أول ‪ :‬السيمع هو خبر الصيادق عميا هو المير عليه في نفسه فما أخبر به‬
‫الصادق فهو حق من نفي أو إثبات ; والخبر دليل على المخبر عنه والدليل ل ينعكس ;‬
‫فل يلزم من عدميه عدم المدلول علييه فميا لم يرد بيه السيمع يجوز أن يكون ثابتيا فيي نفيس‬
‫الميير وإن لم يرد بييه السييمع ; إذا لم يكيين نفاه ومعلوم أن السييمع لم ينييف هذه المور‬
‫بأسيمائها الخاصية فل بيد مين ذكير ميا ينفيهيا مين السيمع وإل فل يجوز حينئذ نفيهيا كميا ل‬
‫يجوز إثباتها وأيضا ‪ :‬فل بد في نفس المر من فرق بين ما يثبت له وينفى فإن المور‬
‫المتماثلة فييي الجواز والوجوب والمتناع ‪ :‬يمتنييع اختصيياص بعضهييا دون بعييض فييي‬
‫الجواز والوجوب والمتناع فل بيد مين اختصياص المنفيي عين المثبيت بميا يخصيه بالنفيي‬

‫‪46‬‬
‫ول بد من اختصاص الثابت عن المنفي بما يخصه بالثبوت وقد يعبر عن ذلك بأن يقال ‪:‬‬
‫ل بد من أمر يوجب نفي ما يجب نفيه عن ال كما أنه ل بد من أمر يثبت له ما هو ثابت‬
‫وإن كان السمع كافيا كان مخبرا عما هو المر عليه في نفسه فما الفرق في نفس المر‬
‫بيين هذا وهذا ؟ فيقال ‪ :‬كلميا نفيي صيفات الكمال الثابتية ل فهيو منزه عنيه فإن ثبوت أحيد‬
‫الضديين يسيتلزم نفيي الخير فإذا علم أنيه موجود واجيب الوجود بنفسيه وأنيه قدييم واجيب‬
‫القدم ‪ :‬علم امتناع العدم والحدوث علييه وعلم أنيه غنيي عميا سيواه فالمفتقير إلى ميا سيواه‬
‫فيي بعيض ميا يحتاج إلييه لنفسيه ‪ :‬لييس هيو موجودا بنفسيه بيل بنفسيه وبذلك الخير الذي‬
‫أعطاه ما تحتاج إليه نفسه فل يوجد إل به ‪ .‬وهو سبحانه غني عن كل ما سواه فكل ما‬
‫نافيى غناه فهيو منزه عنيه ; وهيو سيبحانه قديير قوي فكيل ميا نافيى قدرتيه وقوتيه فهيو منزه‬
‫عنه وهو سبحانه حي قيوم فكل ما نافى حياته وقيوميته فهو منزه عنه وبالجملة فالسمع‬
‫قيد أثبيت له مين السيماء الحسينى وصيفات الكمال ميا قيد ورد فكيل ميا ضاد ذلك فالسيمع‬
‫ينفيه كما ينفي عنه المثل والكفؤ فإن إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده والعقل‬
‫يعرف نفيي ذلك كميا يعرف إثبات ضده فإثبات أحيد الضديين نفيي للخير ولميا يسيتلزمه ‪.‬‬
‫فطرق العلم بنفي ما ينزه عنه الرب متسعة ل يحتاج فيها إلى القتصار على مجرد نفي‬
‫التشبيه والتجسيم كما فعله أهل القصور والتقصير ‪ :‬الذين تناقضوا في ذلك وفرقوا بين‬
‫المتماثلين حتى أن كل من أثبت شيئا احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبيه وكذلك احتج‬
‫القرامطيية على نفييي جميييع المور حتييى نفوا النفييي فقالوا ‪ :‬ل يقال ل موجود ول ليييس‬
‫بموجود ول حيييي ول لييييس بحيييي ; لن ذلك تشيييبيه بالموجود أو المعدوم فلزم نفيييي‬
‫النقيضييين ‪ :‬وهييو أظهيير الشياء امتناعييا ثييم إن هؤلء يلزمهييم ميين تشييبيهه بالمعدومات‬
‫والممتنعات والجمادات ‪ :‬أعظييم ممييا فروا منييه ميين التشييبيه بالحياء الكاملييين فطرق‬
‫تنزيهيه وتقديسيه عميا هيو منزه عنيه متسيعة ل تحتاج إلى هذا وقيد تقدم أن ميا ينفيى عنيه ‪-‬‬
‫سييبحانه ‪ -‬النفييي المتضميين للثبات إذ مجرد النفييي ل مدح فيييه ول كمال فإن المعدوم‬
‫يوصف بالنفي والمعدوم ل يشبه الموجودات وليس هذا مدحا له لن مشابهة الناقص في‬

‫‪47‬‬
‫صفات النقص نقص مطلقا كما أن مماثلة المخلوق في شيء من الصفات تمثيل وتشبيه‬
‫ينزه عنييه الرب تبارك وتعالى والنقييص ضييد الكمال ; وذلك مثييل أنييه قييد علم أنييه حييي‬
‫والموت ضيد ذلك فهيو منزه عنيه ; وكذلك النوم والسينة ضيد كمال الحياة فإن النوم أخيو‬
‫الموت وكذلك اللغوب نقص في القدرة والقوة والكل والشرب ونحو ذلك من المور فيه‬
‫افتقار إلى موجود غيره كمييا أن السييتعانة بالغييير والعتضاد بييه ونحييو ذلك تتضميين‬
‫الفتقار إليييه والحتياج إليييه ‪ .‬وكييل ميين يحتاج إلى ميين يحمله أو يعينييه على قيام ذاتييه‬
‫وأفعاله فهييو مفتقيير إليييه ليييس مسييتغنيا عنييه بنفسييه فكيييف ميين يأكييل ويشرب والكييل‬
‫والشارب أجوف والمصييمت الصييمد أكمييل ميين الكييل والشارب ولهذا كانييت الملئكيية‬
‫صييمدا ل تأكييل ول تشرب وقييد تقدم أن كييل كمال ثبييت لمخلوق فالخالق أولى بييه وكييل‬
‫نقيص تنزه عنيه المخلوق فالخالق أولى بتنزيهيه عين ذلك والسيمع قيد نفيى ذلك فيي غيير‬
‫موضييع كقوله تعالى ‪ { :‬ال الصييمد } والصييمد الذي ل جوف له ول يأكييل ول يشرب‬
‫وهذه السورة هي نسب الرحمن أو هي الصل في هذا الباب وقال في حق المسيح وأمه‬
‫‪ { :‬ميا المسييح ابين مرييم إل رسيول قيد خلت مين قبله الرسيل وأميه صيديقة كانيا يأكلن‬
‫الطعام } فجعييل ذلك دليل على نفييي اللوهييية فدل ذلك على تنزيهييه عيين ذلك بطريييق‬
‫الولى والحرى والكبد والطحال ونحو ذلك ‪ :‬هي أعضاء الكل والشرب فالغني المنزه‬
‫عين ذلك ‪ :‬منزه عين آلت ذلك بخلف الييد فإنهيا للعميل والفعيل وهيو سيبحانه موصيوف‬
‫بالعميل والفعيل ; إذ ذاك مين صيفات الكمال ; فمين يقدر أن يفعيل أكميل ممين ل يقدر على‬
‫الفعيل ‪ .‬وهيو سيبحانه منزه عين الصياحبة والولد وعين آلت ذلك وأسيبابه وكذلك البكاء‬
‫والحزن ‪ :‬هو مستلزم الضعف والعجز الذي ينزه عنه سبحانه ; بخلف الفرح والغضب‬
‫‪ :‬فإنه من صفات الكمال فكما يوصف بالقدرة دون العجز وبالعلم دون الجهل وبالحياة‬
‫دون الموت وبالسييمع دون الصييمم وبالبصيير دون العمييى وبالكلم دون البكييم ‪ :‬فكذلك‬
‫يوصيف بالفرح دون الحزن وبالضحيك دون البكاء ونحيو ذلك وأيضيا فقيد ثبيت بالعقيل ميا‬
‫أثبته السمع من أنه سبحانه ل كفؤ له ول سمي له وليس كمثله شيء فل يجوز أن تكون‬

‫‪48‬‬
‫حقيقته كحقيقة شيء من المخلوقات ول حقيقة شيء من صفاته كحقيقة شيء من صفات‬
‫المخلوقات فيعلم قطعييا أنييه ليييس ميين جنييس المخلوقات ل الملئكيية ول السييموات ول‬
‫الكواكيب ول الهواء ول الماء ول الرض ول الدمييين ول أبدانهيم ول أنفسيهم ول غيير‬
‫ذلك بيل يعلم أن حقيقتيه عين مماثلت شييء مين الموجودات أبعيد مين سيائر الحقائق وأن‬
‫مماثلتيه لشييء منهيا أبعيد مين مماثلة حقيقية شييء مين المخلوقات لحقيقية مخلوق آخير فإن‬
‫الحقيقتيين إذا تماثلتيا ‪ :‬جاز على كيل واحدة ميا يجوز على الخرى ووجيب لهيا ميا وجيب‬
‫لهيا ‪ .‬فيلزم أن يجوز على الخالق القدييم الواجيب بنفسيه ميا يجوز على المحدث المخلوق‬
‫من العدم والحاجة وأن يثبت لهذا ما يثبت لذلك من الوجوب والفناء فيكون الشيء الواحد‬
‫واجبا بنفسه غير واجب بنفسه موجودا معدوما وذلك جمع بين النقيضين وهذا مما يعلم‬
‫بيه بطلن قول المشبهية الذيين يقولون ‪ :‬بصير كبصيري أو ييد كيدي ونحيو ذلك تعالى ال‬
‫عن قولهم علوا كبيرا وليس المقصود هنا استيفاء ما يثبت له ول ما ينزه عنه واستيفاء‬
‫طرق ذلك ; لن هذا مبسيوط فيي غيير هذا الموضيع ‪ .‬وإنميا المقصيود هنيا التنيبيه على‬
‫جوامع ذلك وطرقه وما سكت عنه السمع نفيا وإثباتا ولم يكن في العقل ما يثبته ول ينفيه‬
‫سكتنا عنه فل نثبته ول ننفيه ‪ .‬فنثبت ما علمنا ثبوته وننفي ما علمنا نفيه ونسكت عما ل‬
‫نعلم نفيه ول إثباته وال أعلم ‪.‬‬
‫( ا ) القاعدة السسابعة أن يقال ‪ :‬إن كثيرا مميا دل علييه " السيمع " يعلم " بالعقيل " أيضيا‬
‫والقرآن ييبين ميا يسيتدل بيه العقيل ويرشيد إلييه وينبيه علييه ; كميا ذكير ال ذلك فيي غيير‬
‫موضع ‪ .‬فإنه سبحانه وتعالى ‪ :‬بين من اليات الدالة عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه‬
‫وغير ذلك ‪ :‬ما أرشد العباد إليه ودلهم عليه ; كما بين أيضا ما دل على نبوة أنبيائه ; وما‬
‫دل على المعاد وإمكانيه فهذه المطالب هيي شرعيية مين جهتيين ‪ - :‬مين جهية أن الشارع‬
‫أخبر بها ‪ .‬ومن جهة أنه بين الدلة العقلية التي يستدل بها عليها والمثال المضروبة في‬
‫القرآن هي " أقيسة عقلية " وقد بسط في غيير هذا الموضع وهيي أيضيا عقلية من جهة‬
‫أنها تعلم بالعقل أيضا وكثير من أهل الكلم يسمي هذه " الصول العقلية " لعتقاده أنها‬

‫‪49‬‬
‫( بي ) ل تعلم إل بالعقل فقط فإن السمع هو مجرد إخبار الصادق وخبر الصادق الذي هو‬
‫النبي ل يعلم صدقه إل بعد العلم بهذه الصول بالعقل ثم إنهم قد يتنازعون في الصول‬
‫التي تتوقف إثبات النبوة عليها ‪ " .‬فطائفة " تزعم ‪ :‬أن تحسين العقل وتقبيحه داخل في‬
‫هذه الصييول وأنييه ل يمكيين إثبات النبوة بدون ذلك ويجعلون التكذيييب بالقدر ممييا ينفيييه‬
‫العقيل و " طائفية " تزعيم أن حدوث العالم مين هذه الصيول وأن العلم بالصيانع ل يمكين‬
‫إل بإثبات حدوثه وإثبات حدوثه ل يمكن إل بحدوث الجسام ‪ ,‬وحدوثها يعلم إما بحدوث‬
‫الصيفات ‪ ,‬وإميا بحدوث الفعال القائمية بهيا فيجعلون نفيي أفعال الرب ونفيي صيفاته مين‬
‫الصول التي ل يمكن إثبات النبوة إل بها ثم هؤلء ل يقبلون الستدلل بالكتاب والسنة‬
‫على نقييض قولهيم لظنهيم أن العقيل عارض السيمع ‪ -‬وهيو أصيله ‪ -‬فيجيب تقديميه علييه‬
‫والسييمع ‪ :‬إمييا أن يؤول وإمييا أن يفوض وهييم أيضييا عنييد التحقيييق ل يقبلون السييتدلل‬
‫بالكتاب والسنة على وفق قولهم لما تقدم وهؤلء يضلون من وجوه ‪ ( - :‬ج ) ( منها ) ‪:‬‬
‫ظنهم أن السمع بطريق الخبر تارة وليس المر كذلك بل القرآن بين من الدلئل العقلية ‪-‬‬
‫التي تعلم بها المطالب الدينية ‪ -‬ما ل يوجد مثله في كلم أئمة النظر فتكون هذه المطالب‬
‫‪ :‬شرعيية عقليية و ( منهيا ‪ :‬ظنهيم أن الرسيول ل يعلم صيدقه إل بالطرييق المعينية التيي‬
‫سيلكوها وهيم مخطئون قطعيا فيي انحصيار طرييق تصيديقه فيميا ذكروه فإن طرق العلم‬
‫بصييدق الرسييول كثيرة كمييا قييد بسييط فييي غييير هذا الموضييع و ( منهييا ‪ :‬ظنهييم أن تلك‬
‫الطريق التي سلكوها صحيحة وقد تكون باطلة ( ومنها ‪ :‬ظنهم أن ما عارضوا به السمع‬
‫معلوم بالعقييل ويكونون غالطييين فييي ذلك ; فإنييه إذا وزن بالميزان الصييحيح وجييد مييا‬
‫يعارض الكتاب والسنة من المجهولت ; ل من المعقولت وقد بسط الكلم على هذا في‬
‫غيير هذا الموضيع والمقصيود هنيا ‪ :‬أن مين " صيفات ال تعالى " ميا قيد يعلم بالعقيل كميا‬
‫يعلم أنه عالم وأنه قادر وأنه حي ; كما أرشد إلى ذلك قوله ‪ { :‬أل يعلم من خلق ؟ } وقد‬
‫اتفيق النظار مين مثبتية الصيفات ‪ :‬على أنيه يعلم بالعقيل ( عنيد المحققيين أنيه حيي ; علييم ;‬
‫قديير ; مرييد ; وكذلك السيمع ; والبصير والكلم ‪ .‬يثبيت ( د ) بالعقيل عنيد المحققيين بيل‬

‫‪50‬‬
‫وكذلك الحييب والرضييا والغضييب ‪ .‬يمكيين إثباتييه بالعقييل وكذلك علوه على المخلوقات‬
‫ومباينته لها مما يعلم بالعقل كما أثبتته بذلك الئمة ‪ :‬مثل أحمد بن حنبل وغيره ‪ .‬ومثل ‪:‬‬
‫عبد العالي المكي وعبد ال بن سعيد بن كلب ; بل وكذلك إمكان الرؤية ‪ :‬يثبت بالعقل ‪,‬‬
‫لكين منهيم مين أثبتهيا بأن كيل موجود تصيح رؤيتيه ومنهيم مين أثبتهيا بأن كيل قائم بنفسيه‬
‫يمكن رؤيته ‪ .‬وهذه الطريق أصح من تلك وقد يمكن إثبات الرؤية بغير هذين الطريقين‬
‫بتقسييم دائر بيين النفيي والثبات كميا يقال ‪ :‬إن الرؤيية ل تتوقيف إل على أمور وجوديية‬
‫فإن مييا ل يتوقييف إل على أمور وجودييية يكون الموجود الواجييب القديييم ‪ :‬أحييق بييه ميين‬
‫الممكن المحدث والكلم على هذه المور مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود هنا ‪:‬‬
‫أن مين الطرق التيي يسيلكها الئمية ومين اتبعهيم مين نظار السينة فيي هذا الباب ‪ :‬أنيه لو لم‬
‫يكيين موصييوفا بإحدى الصييفتين المتقابلتييين ‪ :‬للزم اتصييافه بالخرى ; فلو لم يوصييف‬
‫بالحياة لوصف بالموت ; ولو لم يوصف ( هي ) بالقدرة لوصف بالعجز ; ولو لم يوصف‬
‫بالسيمع والبصير والكلم لوصيف بالصيمم والخرس والبكيم وطرد ذلك أنيه لو لم يوصيف‬
‫بأنيه مبايين للعالم لكان داخل فييه ‪ .‬فسيلب إحدى الصيفتين المتقابلتيين عنيه يسيتلزم ثبوت‬
‫الخرى وتلك صيفة نقيص ينزه عنهيا الكاميل مين المخلوقات فتنزييه الخالق عنهيا أولى ‪.‬‬
‫وهذه الطرييق غيير قولنيا إن هذه صيفات كمال يتصيف بهيا المخلوق ; فالخالق أولى فإن‬
‫طريق إثبات صفات الكمال بأنفسها مغاير لطريق إثباتها بنفي ما يناقضها وقد اعترض‬
‫طائفية مين النفاة على هذه الطريقية باعتراض مشهور لبسيوا بيه على الناس ; حتيى صيار‬
‫كثيير مين أهيل الثبات يظين صيحته ويضعيف الثبات بيه مثيل ميا فعيل مين فعيل ذلك مين‬
‫النظار حتى المادي أمسى مع أنه أصل قول القرامطة الباطنية وأمثالهم من الجهمية ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬القول بأنيه لو لم يكين متصيفا بهذه الصيفات ; كالسيمع والبصير والكلم ميع كونيه‬
‫حييا ‪ :‬لكان متصيفا بميا يقابلهيا فالتحقييق فييه متوقيف على بيان حقيقية ( المتقابليين ‪ .‬وبيان‬
‫أقسيامهما ‪ ) .‬فنقول ‪ ( :‬و ) أميا المتقابلن فل يجتمعان فيي شييء واحيد مين جهية واحدة‬
‫وهو إما أل يصح اجتماعهما في الصدق ول في الكذب ‪ :‬أو يصح ذلك في أحد الطرفين‬

‫‪51‬‬
‫; ولنهمييا متقابلن بالسييلب واليجاب وهييو تقابييل التناقييض ; والتناقييض هييو اختلف‬
‫القضيتيين بالسيلب واليجاب على وجيه ل يجتمعان فيي الصيدق ول فيي الكذب لذاتيهميا ;‬
‫كقولنا ‪ :‬زيد حيوان زيد ليس بحيوان ‪ .‬ومن خاصة استحالة اجتماع طرفيه في الصدق‬
‫والكذب ‪ :‬أنيه ل واسيطة بيين الطرفيين ول اسيتحالة لحيد الطرفيين مين جهية واحدة ول‬
‫يصح اجتماعهما في الصدق ول في الكذب ; إذ كون الموجود واجبا بنفسه وممكنا بنفسه‬
‫‪ .‬ل يجتمعان ول يرتفعان فإذا جعلتيم هذا التقسييم ‪ :‬وهميا " النقيضان ميا ل يجتمعان ول‬
‫يرتفعان " فهذان ل يجتمعان ول يرتفعان ولييس هميا السيلب واليجاب فل يصيح حصير‬
‫النقيضييين ‪ -‬اللذييين ل يجتمعان ول يرتفعان ‪ -‬فييي السييلب واليجاب وحينئذ فقييد ثبييت‬
‫وصيفان ‪ -‬شيئان ‪ -‬ل يجتمعان ول يرتفعان ; وهيو خارج عين القسيام الربعية على هذا‬
‫فمين جعيل الموت معنيى وجودييا ‪ :‬فقيد يقول إن كون الشييء ل يخلو مين الحياة والموت‬
‫هييو ميين هذا الباب ; وكذلك العلم والجهييل والصييمم والبكييم ونحييو ذلك ( ز ) ( الوجييه‬
‫الثانيي ) ‪ :‬أن يقال ‪ :‬هذا القسييم يتداخيل ; فإن العدم والملكية ‪ :‬يدخيل فيي السيلب واليجاب‬
‫وغايتيه أنيه نوع منيه والمتضايفان يدخلن فيي المتضاديين إنميا هميا نوع منيه فإن قال ‪:‬‬
‫أعنيي بالسيلب واليجاب ‪ :‬فل يدخيل فيي العدم والملكية ‪ -‬وهيو أن يسيلب عين الشييء ميا‬
‫ليس بقابل له ‪ -‬ولهذا جعل من خواصه أنه ل استحالة لحد طرفيه ‪ .‬إلى آخره قيل له ‪:‬‬
‫عن هذا جوابان ‪ - :‬أحدهميا ‪ :‬أن غاية هذا أن السيلب ينقسم إلى نوعين ‪ :‬أحدهميا ‪ :‬سلب‬
‫ما يمكن اتصاف الشيء به والثاني ‪ :‬سلب ما ل يمكن اتصافه به ‪ .‬فيقال ‪ :‬الول إثبات‬
‫ميا يمكين اتصيافه ول يجيب والثانيي ‪ :‬إثبات ميا يجيب اتصيافه بيه ; فيكون المراد بيه سيلب‬
‫ممتنع ‪ .‬وإثبات الواجب ‪ .‬كقولنا زيد حيوان فإن هذا إثبات واجب ‪ ,‬وزيد ليس بحجر فإن‬
‫هذا سيلب ممتنيع وعلى هذا التقديير فالممكنات التيي تقبيل الوجود والعدم ‪ -‬كقولنيا المثلث‬
‫إما موجود وإما معدوم ‪ -‬يكون من قسم العدم والملكة وليس كذلك ‪ .‬فإن ( ح ) ذلك القسم‬
‫يخلو فييه الموصييوف الواحييد على المتقابلييين جميعييا ول يخلو شيييء ميين الممكنات عين‬
‫الوجود والعدم ‪ .‬وأيضيا فإنيه على هذا التقديير ‪ -‬فصيفات الرب كلهيا واجبية له ‪ -‬فإذا قييل‬

‫‪52‬‬
‫إما أن يكون حيا أو عليما أو سميعا أو بصيرا أو متكلما ; أو ل يكون ‪ :‬كان مثل قولنا ‪:‬‬
‫إمييا أن يكون موجودا ; وإمييا أن ل يكون ‪ .‬وهذا متقابييل تقابييل السييلب واليجاب فيكون‬
‫الخير مثله وبهذا يحصيل المقصيود ‪ .‬فإن قييل ‪ :‬هذا ل يصيح حتيى يعلم إمكان قبوله لهذه‬
‫الصيفات ‪ :‬قييل له هذا إنميا اشتركيا فيميا أمكين أن يثبيت له ويزول كالحيوان ; فأميا الرب‬
‫تعالى ‪ :‬فإنيه بتقديير ثبوتهيا له فهيي واجبية ضرورة ; فإنيه ل يمكين اتصيافه بهيا وبعدمهيا‬
‫باتفاق العقلء ‪ .‬فإن ذلك يوجيب أن يكون تارة حييا وتارة ميتيا وتارة أصيم وتارة سيميعا‬
‫وهذا يوجيب اتصيافه بالنقائص ; وذلك منتيف قطعيا ; بخلف مين نفاهيا وقال ‪ :‬إن نفيهيا‬
‫لييس بنقيص لظنيه أنيه ل يقبيل التصياف بهيا فإن مين قال هذا ل يمكنيه أن يقول ‪ :‬إنيه ميع‬
‫إمكان التصاف بها ل يكون نفيها نقصا فإن فساد هذا معلوم بالضرورة ‪ .‬وقيل له أيضا‬
‫‪ :‬أنت في تقابل السلب واليجاب إن اشترطت العلم بإمكان الطرفين ‪ :‬لم يصح أن تقول‬
‫واجييب الوجود ; إمييا موجود وإمييا معدوم ; ( ط ) والممتنييع الوجود إمييا موجود وإمييا‬
‫معدوم ; لن أحييد الطرفييين هنييا معلوم الوجود ‪ .‬والخيير معلوم المتناع وإن اشترطييت‬
‫العلم بإمكان أحدهما صح أن تقول إما أن يكون حيا وإما أل يكون ; وإما أن يكون سميعا‬
‫بصييرا وإميا أن ل يكون ; لن النفيي إن كان ممكنيا صيح التقسييم وإن كان ممتنعيا ‪ :‬كان‬
‫الثبات واجبييا وحصييل المقصييود فإن قيييل ‪ :‬هذا يفيييد أن هذا التأويييل يقابييل السييلب‬
‫واليجاب ونحن نسلم ذلك كما ذكر في العتراض ; لكن غايته ‪ :‬أنه إما سميع وإما ليس‬
‫بسميع وإما بصير وإما ليس ببصير ; والمنازع يختار النفي فيقال له ‪ :‬على هذا التقدير‬
‫‪ :‬فالمثبييت واجييب ; والمسييلوب ممتنييع ‪ .‬فإمييا أن تكون هذه الصييفات واجبيية له وإمييا أن‬
‫تكون ممتنعية علييه والقول بالمتناع ل وجيه له ; إذ ل دلييل علييه بوجيه ‪ .‬بيل قيد يقال ‪:‬‬
‫نحين نعلم بالضطرار بطلن المتناع ; فإنيه ل يمكين أن يسيتدل على امتناع ذلك إل بميا‬
‫يسيتدل بيه على إبطال أصيل الصيفات ; وقيد علم فسياد ذلك وحينئذ فيجيب القول بوجوب‬
‫هذه الصيفات له ‪ .‬واعلم أن هذا يمكين أن يجعيل طريقية مسيتقلة فيي إثبات صيفات الكمال‬
‫له فإنهيا إميا واجبية له وإميا ممتنعية علييه والثانيي باطيل فتعيين الول ; لن كونيه قابل‬

‫‪53‬‬
‫( ى ) لها خاليا عنها يقتضي أن يكون ممكنا وذلك ممتنع في حقه وهذه طريقة معروفة‬
‫لمين سيلكها مين النظار ( الجواب الثانيي أن يقال ‪ :‬فعلى هذا إذا قلنيا زييد إميا عاقيل وإميا‬
‫غيير عاقيل ; وإميا عالم وإميا لييس بعالم وإميا حيي وإميا غيير حيي وإميا ناطيق وإميا غيير‬
‫ناطيق ‪ .‬وأمثال ذلك مميا فييه سيلب الصيفة عين محيل قابيل لهيا لم يكين هذا داخل فيي قسيم‬
‫تقابييل السييلب واليجاب ومعلوم أن هذا خلف المعلوم بالضرورة وخلف اتفاق العقلء‬
‫وخلف مييا ذكروه فييي المنطييق وغيره ‪ .‬ومعلوم أن مثييل هذه القضايييا تتناقييض بالسييلب‬
‫واليجاب على وجييه يلزم منييه صييدق إحداهمييا كذب الخرى فل يجتمعان فييي الصييدق‬
‫والكذب فهذه شروط التناقييض موجود فيهييا ‪ .‬وغاييية فرقهييم أن يقولوا إذا قلنييا ‪ :‬هييو إمييا‬
‫بصيير وإميا لييس ببصيير ‪ :‬كان إيجابيا وسيلبا وإذا قلنيا ‪ :‬إميا بصيير ; وإميا أعميى ‪ :‬كان‬
‫ملكية وعدميا وهذه منازعية لفظيية وإل فالمعنيى فيي الموضعيين سيواء ‪ .‬فعلم أن ذلك نوع‬
‫مين تقابيل السيلب واليجاب وهذا يبطيل قولهيم فيي حيد ذلك التقابيل ‪ :‬أنيه ل اسيتحالة لحيد‬
‫الطرفيين إلى الخير فإن السيتحالة هنيا ممكنية كإمكانهيا إذا عيبر بلفيظ العميى ( الوجيه‬
‫الثالث أن يقال ‪ :‬التقسييييم الحاصييير أن يقال ‪ :‬المتقابلن إميييا أن ( ك ) يختلفيييا بالسيييلب‬
‫واليجاب وإميا أن ل يختلفيا بذلك بيل يكونان إيجابيين أو سلبيين ‪ .‬فالول هو النقيضان ‪.‬‬
‫والثانيي إميا أن يمكين خلو المحيل عنهميا وإميا أن ل يمكين والول ‪ :‬هميا الضدان كالسيواد‬
‫والبياض ‪ .‬والثانييي ‪ :‬همييا فييي معنييى النقيضييين وإن كانييا ثبوتيييين كالوجوب والمكان‬
‫والحدوث والقدم والقيام بالنفيس والقيام بالغيير والمباينية والمجانبية ونحيو ذلك ومعلوم أن‬
‫الحياة والموت والصيمم والبكيم والسيمع ‪ :‬لييس مميا إذا خل الموصيوف عنهميا وصيف‬
‫بوصييف ثالث بينهمييا كالحمرة بييين السييواد والبياض فعلم أن الموصييوف ل يخلو عيين‬
‫أحدهميا فإذا انتفيى تعيين الخير ( الوجيه الرابيع ‪ :‬المحيل الذي ل يقبيل التصياف بالحياة‬
‫والعلم والقدرة والكلم ونحوها ‪ :‬أنقص من المحل الذي يقبل ذلك ويخلو عنها ولهذا كان‬
‫الحجيير ونحوه أنقييص ميين الحييي العمييى وحينئذ فإذا كان البارئ منزهييا عيين نفييي هذه‬
‫الصيفات ; ميع قبوله لهيا فتنزيهيه عين امتناع قبوله لهيا أولى وأحرى إذ بتقديير قبوله لهيا‬

‫‪54‬‬
‫يمتنيع منيع المتقابليين واتصيافه بالنقائص ممتنيع فيجيب اتصيافه بصيفات الكمال وبتقديير‬
‫عدم قبوله ( ل ) ل يمكيين اتصييافه ل بصييفات الكمال ول بصييفات النقييص وهذا أشييد‬
‫امتناعييا فثبييت أن اتصييافه بذلك ممكيين وأنييه واجييب له وهييو المطلوب ‪ .‬وهذا فييي غاييية‬
‫الحسين ( الوجيه الخاميس ‪ .‬أن يقال ‪ :‬أنتيم جعلتيم تقابيل العدم والملكية فيميا يمكين اتصيافه‬
‫بثبوت فإذا عنيتيم بالمكان المكان الخارجيي ‪ -‬هيو أن يعلم ثبوت ذلك فيي الخارج ‪ -‬كان‬
‫هذا باطل لوجهيين ‪ - :‬أحدهميا ‪ :‬أنيه يلزمكيم أن تكون الجامدات ل توصيف بأنهيا ل حيية‬
‫ول ميتية ول ناطقية ول صيامتة وهيو قولكيم ‪ -‬لكين هذا اصيطلح محيض ‪ -‬وأل تصيفوا‬
‫هذه الجمادات بالموت والصييمت وقييد جاء القرآن بذلك ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬والذييين يدعون‬
‫مييين دون ال ل يخلقون شيئا وهيييم يخلقون } { أموات غيييير أحياء وميييا يشعرون أيان‬
‫يبعثون } فهذا فيي " الصينام " وهيي مين الجمادات وقيد وصيفت بالموت والعرب تقسيم‬
‫الرض إلى الحيوان والموتان قال أهيل اللغية ‪ :‬الموتان بالتحرييك خلف الحيوان يقال ‪:‬‬
‫اشتير الموتان ول تشتير الحيوان أي اشتير الرض والدور ; ول تشتير الرقييق والدواب ;‬
‫وقالوا أيضييا ‪ :‬الموات مييا ل روح فييه فإن قيييل ‪ :‬فهذا إنمييا يسييمى مواتييا باعتبار قوله "‬
‫للحياة " التي هي إحياء الرض ‪ :‬قيل وهذا يقتضي أن الحياة أعم من حياة الحيوان وأن‬
‫الجماد يوصيييف بالحياة إذا كان قابل للزرع والعمارة ; والخرس ضيييد النطيييق والعرب‬
‫تقول ( م ) " لبين أخرس " أي خاثير ل صيوت له فيي الناء " وسيحابة خرسياء " لييس‬
‫فيها رعد ول برق " وعلم أخرس " إذا لم يسمع له في الجبل صوت صدى " ويقال ‪" :‬‬
‫كتيبية خرسياء " قال أبيو عيبيدة ‪ :‬هيي التيي صيمتت مين كثرة الدروع لييس له فقاقيع وأبلغ‬
‫ميين ذلك الصييمت والسييكوت ; فإنييه يوصييف بييه القادر على النطييق إذا تركييه ; بخلف‬
‫الخرس فإنيه عجيز عين النطيق ‪ .‬وميع هذا فالعرب تقول ‪ " :‬ميا له صيامت ول ناطيق "‬
‫فالصامت الذهب والفضة والناطق البل والغنم فالصامت من اللبن ‪ :‬الخاثر والصموت‬
‫‪ :‬الدرع التييي صييمت إذا لم يسييمع له صييوت ‪ .‬ويقولون ‪ :‬دابيية عجماء وخرسيياء لمييا ل‬
‫تنطق ول يمكن منها النطق في العادة ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬العجماء‬

‫‪55‬‬
‫جبار } وكذلك فييي " العمياء " تقول العرب ‪ :‬عمييى الموج يعمييي عمييا إذا رمييى بالقذى‬
‫والزبد ; و " العميان " السيل والجمل الهائج ‪ .‬وعمى عليه المر إذا التبس ومنه قوله‬
‫تعالى ‪ { :‬فعميت عليهم النباء يومئذ } وهذه المثلة قد يقال في بعضها إنه عدم ما يقبل‬
‫المحييل التصيياف بييه كالصييوت ; ولكيين فيهييا مييا ل يقبييل كموت الصيينام ‪ .‬الثانييي ‪ :‬أن‬
‫الجامدات يمكن اتصافها بذلك فإن ال سبحانه قادر أن يخلق في الجمادات حياة كما جعل‬
‫عصيى موسيى حيية تبتلع الحبال والعصيي ‪ -‬وإذا [ كان ] ( ن ) فيي إمكان العادات ‪ :‬كان‬
‫ذلك مميا قيد علم بالتواتير ‪ -‬وأنتيم أيضيا قائلون بيه فيي مواضيع كثيرة وإذا كان الجمادات‬
‫يمكيين اتصييافها بالحياة وتوابييع الحياة ثبييت أن جميييع الموجودات يمكيين اتصييافها بذلك‬
‫فيكون الخالق أولى بهذا المكان وإن عنيتيم المكان الذهنيي ‪ -‬وهيو عدم العلم بالمتناع ‪-‬‬
‫فهذا حاصيل فيي حيق ال فإنيه ل يعلم امتناع اتصيافه بالسيمع والبصير والكلم ( الوجيه‬
‫السادس أن يقال ‪ :‬هب أنه ل بد من العلم بالمكان الخارجي فإمكان الوصف للشيء يعلم‬
‫تارة بوجوه له أو بوجوده لنظيره أو بوجوده لمييا هييو الشيييء أولى بذلك منييه ومعلوم أن‬
‫الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلم ‪ :‬ثابت للموجودات المخلوقة وممكن لها ‪.‬‬
‫فإمكانها للخالق تعالى أولى وأحرى ; فإنها صفات كمال ‪ .‬وهو قابل للتصاف بالصفات‬
‫; وإذا كانت ممكنة في حقه فلو لم يتصف بها لتصف بأضدادها ( الوجه السابع أن يقال‬
‫‪ :‬مجرد سيلب هذه الصيفات نقيص لذاتيه سيواء سيميت عميى وصيمما وبكميا أو لم تسيم ‪.‬‬
‫والعلم بذلك ضروري فأما إذا قدرنا موجودين أحدهما يسمع ويبصر ويتكلم والخر ليس‬
‫كذلك ‪ :‬كان الول أكميل مين الثانيي ولهذا عاب ال سيبحانه مين عبيد ميا تنتفيي فييه هذه‬
‫الصفات ; فقال تعالى عن ( ‪ ) 88‬إبراهيم الخليل ‪ { :‬لم تعبد ما ل يسمع ول يبصر ول‬
‫يغنيي عنيك شيئا ؟ } وقال أيضيا فيي قصيته ‪ { :‬فاسيألوهم إن كانوا ينطقون } وقال تعالى‬
‫عنه ‪ { :‬هل يسمعونكم إذ تدعون } { أو ينفعونكم أو يضرون } { قالوا بل وجدنا آباءنا‬
‫كذلك يفعلون } { قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون } { أنتم وآباؤكم القدمون } { فإنهم عدو‬
‫لي إل رب العالمين } وكذلك في قصة موسى في العجل ‪ { :‬ألم يروا أنه ل يكلمهم ول‬

‫‪56‬‬
‫يهديهيم سيبيل اتخذوه وكانوا ظالميين } وقال تعالى ‪ { :‬وضرب ال مثل رجليين أحدهميا‬
‫أبكيم ل يقدر على شييء وهيو كيل على موله أينميا يوجهيه ل يأت بخيير هيل يسيتوي هيو‬
‫ومين يأمير بالعدل وهيو على صيراط مسيتقيم } ؟ ! فقابيل بيين البكيم العاجيز وبيين المير‬
‫بالعدل ‪ :‬الذي هو على صراط مستقيم ‪.‬‬

‫فصل‬
‫وأمييا الصييل الثانييي ( وهييو التوحيييد فييي العبادات ) المتضميين لليمان بالشرع والقدر‬
‫جميعا ‪ .‬فنقول ‪ :‬ل بد من اليمان بخلق ال وأمره فيجيب اليمان بأن ال خالق كل شيء‬
‫وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ول حول ول‬
‫قوة إل بال وقيد علم ميا سييكون قبيل أن يكون وقدر المقاديير وكتبهيا حييث شاء كميا قال‬
‫تعالى ‪ { :‬ألم تعلم أن ال يعلم ميا فيي السيماء والرض إن ذلك فيي كتاب إن ذلك على ال‬
‫يسيير } وفيي الصيحيح عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال ‪ { " :‬إن ال قدر مقاديير‬
‫الخلئق قبل أن يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء } ‪.‬‬
‫ويجيب اليمان بأن ال أمير بعبادتيه وحده ل شرييك له كميا خلق الجين والنيس لعبادتيه‬
‫وبذلك أرسيل رسيله وأنزل كتبيه وعبادتيه تتضمين كمال الذل والحيب له وذلك يتضمين‬
‫كمال طاعتييه { ميين يطييع الرسييول فقييد أطاع ال } وقييد قال تعالى ‪ { :‬ومييا أرسييلنا ميين‬
‫رسييول إل ليطاع بإذن ال } وقال تعالى ‪ { :‬إن كنتييم تحبون ال فاتبعونييي يحببكييم ال‬
‫ويغفير لكيم ذنوبكيم } وقال تعالى ‪ { :‬واسيأل مين أرسيلنا مين قبلك مين رسيلنا أجعلنيا مين‬
‫دون الرحمن آلهة يعبدون ؟ } { وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله‬
‫إل أنيا فاعبدون } وقال تعالى ‪ { :‬شرع لكيم مين الديين ميا وصيى بيه نوحيا والذي أوحينيا‬
‫إلييك وميا وصيينا بيه إبراهييم وموسيى وعيسيى أن أقيموا الديين ول تتفرقوا فييه كيبر على‬
‫المشركيين ميا تدعوهيم إلييه } وقال تعالى ‪ { :‬ييا أيهيا الرسيل كلوا مين الطيبات واعملوا‬
‫صيالحا إنيي بميا تعملون علييم } { وإن هذه أمتكيم أمية واحدة وأنيا ربكيم فاتقون } فأمير‬

‫‪57‬‬
‫الرسل بإقامة الدين وأن ل يتفرقوا فيه ولهذا قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث‬
‫الصحيح ‪ { " :‬إنا معاشر النبياء ديننا واحد والنبياء إخوة لعلت وإن أولى الناس بابن‬
‫مريم لنا ; إنه ليس بيني وبينه نبي } وهذا الدين هو دين السلم الذي ل يقبل ال دينا‬
‫غيره ل من الولين ول من الخرين فإن جميع النبياء على دين السلم قال ال تعالى‬
‫عن نوح { واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري‬
‫بآيات ال فعلى ال توكلت فأجمعوا أمركييم وشركاءكييم } إلى قوله ‪ { :‬وأمرت أن أكون‬
‫ميين المسييلمين } ‪ .‬وقال عيين إبراهيييم ‪ { :‬وميين يرغييب عيين ملة إبراهيييم إل ميين سييفه‬
‫نفسيه ؟ } إلى قوله ; { إذ قال له ربيه أسيلم قال أسيلمت لرب العالميين } إلى قوله ‪ { :‬فل‬
‫تموتين إل وأنتيم مسيلمون } وقال عين موسيى ‪ { :‬ييا قوم إن كنتيم آمنتيم بال فعلييه توكلوا‬
‫إن كنتيم مسيلمين } وقال فيي خيبر المسييح ‪ { :‬وإذ أوحييت إلى الحوارييين أن آمنوا بيي‬
‫وبرسيولي قالوا آمنيا واشهيد بأننيا مسيلمون } وقال فيمين تقدم مين النيبياء ‪ { :‬يحكيم بهيا‬
‫النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } وقال عن بلقيس أنها قالت ‪ { :‬رب إني ظلمت نفسي‬
‫وأسييلمت مييع سييليمان ل رب العالمييين } فالسييلم يتضميين السييتسلم ل وحده ; فميين‬
‫اسيتسلم له ولغيره كان مشركيا ومين لم يسيتسلم له كان مسيتكبرا عين عبادتيه والمشرك بيه‬
‫والمسيتكبر عين عبادتيه كافير والسيتسلم له وحده يتضمين عبادتيه وحده وطاعتيه وحده ‪.‬‬
‫فهذا ديين السيلم الذي ل يقبيل ال غيره ; وذلك إنميا يكون بأن يطاع فيي كيل وقيت بفعيل‬
‫ميا أمير بيه فيي ذلك الوقيت ; فإذا أمير فيي أول المير باسيتقبال الصيخرة ثيم أمرنيا ثانييا‬
‫باستقبال الكعبة ‪ :‬كان كل من الفعلين حين أمر به داخل في السلم فالدين هو الطاعة‬
‫والعبادة له في الفعلين ; وإنما تنوع بعض صور الفعل وهو وجه المصلى فكذلك الرسل‬
‫دينهم واحد وإن تنوعت الشرعة والمنهاج والوجه والمنسك ; فإن ذلك ل يمنع أن يكون‬
‫الدين واحدا كما لم يمنع ذلك في شريعة الرسول الواحد وال تعالى جعل من دين الرسل‬
‫‪ :‬أن أولهيم يبشير بآخرهيم ويؤمين بيه وآخرهيم يصيدق بأولهيم ويؤمين بيه قال ال تعالى ‪:‬‬
‫{ وإذ أخيذ ال ميثاق النيبيين لميا آتيتكيم مين كتاب وحكمية ثيم جاءكيم رسيول مصيدق لميا‬

‫‪58‬‬
‫معكييم لتؤمنيين بييه ولتنصييرنه قال أأقررتييم وأخذتييم على ذلكييم إصييري قالوا أقررنييا قال‬
‫فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } قال ابن عباس ‪ :‬لم يبعث ال نبيا إل أخذ عليه الميثاق‬
‫لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث‬
‫محمييد وهييم أحياء ليؤمنيين بييه ولينصييرنه وقال تعالى ‪ { :‬وأنزلنييا إليييك الكتاب بالحييق‬
‫مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم‬
‫عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } وجعل اليمان متلزما وكفر من‬
‫قال ‪ :‬إنييه آميين ببعييض وكفيير ببعييض قال ال تعالى ‪ { :‬إن الذييين يكفرون بال ورسييله‬
‫ويريدون أن يفرقوا بيين ال ورسيله ويقولون نؤمين ببعيض ونكفير ببعيض ويريدون أن‬
‫يتخذوا بيين ذلك سيبيل } { أولئك هيم الكافرون حقيا } وقال تعالى ‪ { :‬أفتؤمنون ببعيض‬
‫الكتاب وتكفرون ببعيض فميا جزاء مين يفعيل ذلك منكيم إل خزي فيي الحياة الدنييا ويوم‬
‫القيامية يردون إلى أشيد العذاب } إلى قوله ‪ { :‬تعملون } وقيد قال لنيا ‪ { :‬قولوا آمنيا بال‬
‫وميا أنزل إلينيا وميا أنزل إلى إبراهييم وإسيماعيل وإسيحاق ويعقوب والسيباط وميا أوتيي‬
‫موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } {‬
‫فإن آمنوا بمثيل ميا آمنتيم بيه فقيد اهتدوا وإن تولوا فإنميا هيم فيي شقاق فسييكفيكهم ال وهيو‬
‫السميع العليم } فأمرنا أن نقول ‪ :‬آمنا بهذا كله ونحن له مسلمون فمن بلغته رسالة محمد‬
‫صيلى ال علييه وسيلم فلم يقير بميا جاء بيه لم يكين مسيلما ول مؤمنيا ; بيل يكون كافرا وإن‬
‫زعم أنه مسلم أو مؤمن ‪ .‬كما ذكروا أنه لما أنزل ال تعالى ‪ { :‬ومن يبتغ غير السلم‬
‫دينييا فلن يقبييل منييه وهييو فييي الخرة ميين الخاسييرين } قالت اليهود والنصييارى ‪ :‬فنحيين‬
‫مسيلمون ‪ :‬فأنزل ال ‪ { :‬ول على الناس حيج البييت مين اسيتطاع إلييه سيبيل } فقالوا ‪ :‬ل‬
‫نحيج فقال تعالى ‪ { :‬ومين كفير فإن ال غنيي عين العالميين } فإن السيتسلم ل ل يتيم إل‬
‫بالقرار بميا له على عباده مين حيج البييت ; كميا قال صيلى ال علييه وسيلم ‪ { " :‬بنيي‬
‫السييلم على خمييس ‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال ‪ ,‬وأن محمدا رسييول ال ‪ ,‬وإقام الصييلة ‪,‬‬
‫وإيتاء الزكاة ‪ ,‬وصيوم رمضان ‪ ,‬وحيج البييت } ولهذا لميا وقيف النيبي صيلى ال علييه‬

‫‪59‬‬
‫وسيلم بعرفية أنزل ال تعالى ‪ { :‬اليوم أكملت لكيم دينكيم وأتمميت عليكيم نعمتيي ورضييت‬
‫لكم السلم دينا } وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم‬
‫ل ؟ " وهيو نزاع لفظيي " فإن السيلم الخاص الذي بعيث ال بيه محمدا صيلى ال علييه‬
‫وسلم المتضمن لشريعة القرآن ‪ :‬ليس عليه إل أمة محمد صلى ال عليه وسلم والسلم‬
‫اليوم عنيد الطلق يتناول هذا وأميا السيلم العام المتناول لكيل شريعية بعيث ال بهيا نبييا‬
‫فإنه يتناول إسلم كل أمة متبعة لنبي من النبياء ‪.‬‬
‫ورأس السييلم مطلقييا شهادة أن ل إله إل ال وبهييا بعييث جميييع الرسييل كمييا قال تعالى‬
‫{ ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى ‪ { :‬وما‬
‫أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون } وقال عن الخليل ‪:‬‬
‫{ وإذ قال إبراهييم لبييه وقوميه إننيي براء مميا تعبدون } { إل الذي فطرنيي فإنيه‬
‫سييهدين } { وجعلهيا كلمية باقيية فيي عقبيه لعلهيم يرجعون } وقال تعالى عنيه ‪ { :‬أفرأيتيم‬
‫ميا كنتيم تعبدون } { أنتيم وآباؤكيم القدمون } { فإنهيم عدو لي إل رب العالميين } وقال‬
‫تعالى ‪ { :‬قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم‬
‫ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا‬
‫بال } وقال { واسييأل ميين أرسييلنا ميين قبلك ميين رسييلنا أجعلنييا ميين دون الرحميين آلهيية‬
‫يعبدون } ؟ وذكيير عيين رسييله ‪ :‬كنوح وهود وصييالح وغيرهييم أنهييم قالوا لقومهييم ‪:‬‬
‫{ اعبدوا ال ميا لكيم مين إله غيره } وقال عين أهيل الكهيف ‪ { :‬إنهيم فتيية آمنوا بربهيم‬
‫وزدناهيم هدى } { وربطنيا على قلوبهيم إذ قاموا فقالوا ربنيا رب السيموات والرض لن‬
‫ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا } إلى قوله ‪ { :‬فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا‬
‫} وقد قال سبحانه ‪ { :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ذكر‬
‫ذلك فيي موضعيين مين كتابيه وقيد بيين فيي كتابيه الشرك بالملئكية ‪ ,‬والشرك بالنيبياء ‪,‬‬
‫والشرك بالكواكييب ‪ ,‬والشرك بالصيينام ‪ -‬وأصييل الشرك الشرك بالشيطان ‪ -‬فقال عيين‬
‫النصييارى ‪ { :‬اتخذوا أحبارهييم ورهبانهييم أربابييا ميين دون ال والمسييح ابيين مريييم ومييا‬

‫‪60‬‬
‫أمروا إل ليعبدوا إلهييا واحدا ل إله إل هييو سييبحانه عمييا يشركون } وقال تعالى ‪ { :‬وإذ‬
‫قال ال ييا عيسيى ابين مرييم أأنيت قلت للناس اتخذونيي وأميي إلهيين مين دون ال قال ‪:‬‬
‫سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي‬
‫ول أعلم ما في نفسك إنك أنت علم الغيوب } { ما قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا‬
‫ال ربيي وربكيم } وقال تعالى ‪ { :‬ميا كان لبشير أن يؤتييه ال الكتاب والحكيم والنبوة ثيم‬
‫يقول للناس كونوا عبادا لي مين دون ال } إلى قوله ‪ { :‬ول يأمركيم أن تتخذوا الملئكية‬
‫والنيبيين أربابيا أيأمركيم بالكفير بعيد إذ أنتيم مسيلمون } ؟ فيبين أن اتخاذ الملئكية والنيبيين‬
‫أربابيا كفير ومعلوم أن أحدا مين الخلق لم يزعيم أن النيبياء والحبار والرهبان والمسييح‬
‫ابن مريم شاركوا ال في خلق السموات والرض ‪ .‬بل ول زعم أحد من الناس أن العالم‬
‫له صانعان متكافئان في الصفات والفعال ‪ .‬بل ول أثبت أحد من بني آدم إلها مساويا ل‬
‫فيي جمييع صيفاته بيل عامية المشركيين بال ‪ :‬مقرون بأنيه لييس شريكيه مثله بيل عامتهيم‬
‫يقرون أن الشريك مملوك له سواء كان ملكا أو نبيا أو كوكبا أو صنما ; كما كان مشركو‬
‫العرب يقولون في تلبيتهم ‪ " :‬لبيك ل شريك لك إل شريكا هو لك تملكه وما ملك " فأهل‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بالتوحييد وقال ‪ { " :‬لبييك اللهيم لبييك لبييك ل شرييك لك‬
‫لبييك إن الحميد والنعمية لك والملك ل شرييك لك } وقيد ذكير أرباب المقالت ‪ :‬ميا جمعوا‬
‫مين مقالت الوليين والخريين فيي الملل والنحيل والراء والديانات فلم ينقلوا عين أحيد‬
‫إثبات شريك مشارك له في خلق جميع المخلوقات ول مماثل له في جميع الصفات ; بل‬
‫من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية الذين يقولون بالصلين " النور " و " الظلمة "‬
‫وأن النور خلق الخير ‪ ,‬والظلمة خلقت الشر ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين ‪ :‬أحدهما ‪:‬‬
‫أنهيا محدثية فتكون مين جملة المخلوقات له والثانيي ‪ :‬أنهيا قديمية لكنهيا لم تفعيل إل الشير‬
‫فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولتها عن النور وقد أخبر سبحانه عن المشركين‬
‫مين إقرارهيم بأن ال خالق المخلوقات ميا بينيه فيي كتابيه فقال ‪ { :‬ولئن سيألتهم مين خلق‬
‫السموات والرض ليقولن ال قل أفرأيتم ما تدعون من دون ال إن أرادني ال بضر هل‬

‫‪61‬‬
‫هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي ال عليه يتوكل‬
‫المتوكلون } وقال تعالى ‪ { :‬قل لمن الرض ومن فيها إن كنتم تعلمون } { سيقولون ل‬
‫قل أفل تذكرون } { قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم } { سيقولون ل‬
‫قل أفل تتقون } إلى قوله { فأنى تسحرون ؟ } إلى قوله { ما اتخذ ال من ولد وما كان‬
‫معييه ميين إله إذا لذهييب كييل إله بمييا خلق ولعل بعضهييم على بعييض سييبحان ال عمييا‬
‫يصفون } وقال ‪ { :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون } وبهذا وغيره ‪ :‬يعرف ما‬
‫وقيع مين الغلط فيي مسيمى التوحييد فإن عامية المتكلميين الذيين يقررون التوحييد فيي كتيب‬
‫الكلم والنظر ‪ :‬غايتهم أن يجعلوا التوحيد ( ثلثة أنواع ) ‪ .‬فيقولون ‪ :‬هو واحد في ذاته‬
‫ل قسيم له ‪ ,‬وواحد في صفاته ل شبيه له ‪ ,‬وواحد في أفعاله ل شريك له وأشهر النواع‬
‫الثلثة عندهم هو الثالث وهو " توحيد الفعال " وهو أن خالق العالم واحد وهم يحتجون‬
‫على ذلك بما يذكرونه من دللة التمانع وغيرها ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب ‪,‬‬
‫وأن هذا هو معنى قولنا ل إله إل ال حتى قد يجعلوا معنى اللهية القدرة على الختراع‬
‫ومعلوم أن المشركيين مين العرب الذيين بعيث إليهيم محميد صيلى ال علييه وسيلم أول ‪ :‬لم‬
‫يكونوا يخالفونيه فيي هذا بيل كانوا يقرون بأن ال خالق كيل شييء حتيى إنهيم كانوا يقرون‬
‫بالقدر أيضيا وهيم ميع هذا مشركون فقيد تيبين أن لييس فيي العالم مين ينازع فيي أصيل هذا‬
‫الشرك ; ولكين غايية ميا يقال ‪ :‬إن مين الناس مين جعيل بعيض الموجودات خلقيا لغيير ال‬
‫كالقدرية وغيرهم ; لكن هؤلء يقرون بأن ال خالق العباد وخالق قدرتهم وإن قالوا إنهم‬
‫خلقوا أفعالهيم وكذلك أهيل الفلسيفة والطبيع والنجوم الذيين يجعلون أن بعيض المخلوقات‬
‫مبدعة لبعض المور هم مع القرار بالصانع يجعلون هذه الفاعلت مصنوعة مخلوقة‬
‫ل يقولون إنها غنية عن الخالق مشاركة له في الخلق فأميا من أنكير الصيانع فذاك جاحيد‬
‫معطييل للصييانع كالقول الذي أظهيير فرعون والكلم الن مييع المشركييين بال المقرييين‬
‫بوجوده فإن هذا التوحيد الذي قرروه ل ينازعهم فيه هؤلء المشركون بل يقرون به مع‬
‫أنهم مشركون كما ثبت بالكتاب والسنة والجماع وكما علم بالضطرار من دين السلم‬

‫‪62‬‬
‫وكذلك " النوع الثانيي " ‪ -‬وهيو قولهيم ‪ :‬ل شيبيه له فيي صيفاته ‪ -‬فإنيه لييس فيي الميم مين‬
‫أثبت قديما مماثل له في ذاته سواء قال إنه يشاركه ‪ .‬أو قال ‪ :‬إنه ل فعل له ; بل من شبه‬
‫به شيئا من مخلوقاته فإنما يشبهه به في بعض المور وقد علم بالعقل امتناع أن يكون له‬
‫مثيل فيي المخلوقات يشاركيه فيميا يجيب أو يجوز أو يمتنيع علييه ; فإن ذلك يسيتلزم الجميع‬
‫بين النقيضين كما تقدم وعلم أيضا بالعقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما فل بد بينهما‬
‫مين قدر مشترك كاتفاقهميا فيي مسيمى الوجود والقيام بالنفيس والذات ونحيو ذلك فإن نفيي‬
‫ذلك يقتضيي التعطييل المحيض وإنيه ل بيد مين إثبات خصيائص الربوبيية وقيد تقدم الكلم‬
‫على ذلك ثيم إن الجهميية مين المعتزلة وغيرهيم أدرجوا نفيي الصيفات فيي مسيمى التوحييد‬
‫فصيار مين قال ‪ :‬إن ل علميا أو قدرة أو إنيه يرى فيي الخرة أو إن القرآن كلم ال منزل‬
‫غير مخلوق يقولون ‪ :‬إنه مشبه ليس بموحد وزاد عليهم غلة الفلسفة والقرامطة فنفوا‬
‫أسيماءه الحسينى وقالوا ‪ :‬مين قال إن ال علييم قديير عزييز حكييم ‪ :‬فهيو مشبيه لييس بموحيد‬
‫وزاد عليهم غلة الغلة وقالوا ‪ :‬ل يوصف بالنفي ول الثبات ; لن في كل منهما تشبيها‬
‫له وهؤلء كلهييم وقعوا ميين جنييس التشييبيه فيمييا هييو شيير ممييا فروا منييه فإنهييم شبهوه‬
‫بالممتنعات والمعدومات والجمادات فرارا مين تشيبيههم ‪ -‬بزعمهيم ‪ -‬له بالحياء ومعلوم‬
‫أن هذه الصييفات الثابتيية ل ل تثبييت له على حييد مييا يثبييت لمخلوق أصييل وهييو سييبحانه‬
‫وتعالى لييس كمثله شييء ل فيي ذاتيه ول فيي صيفاته ول فيي أفعاله فل فرق بيين إثبات‬
‫الذات وإثبات الصيفات ; فإذا لم يكين فيي إثبات الذات إثبات مماثلة للذوات ‪ :‬لم يكين فيي‬
‫إثبات الصيييفات إثبات مماثلة له فيييي ذلك فصيييار هؤلء الجهميييية المعطلة يجعلون هذا‬
‫توحيدا ; ويجعلون مقابل ذلك التشبيه ‪ ,‬ويسمون أنفسهم الموحدين وكذلك " النوع الثالث‬
‫" وهو قولهم ‪ :‬هو واحد ل قسيم له في ذاته أو ل جزء له أو ل بعض له ; لفظ مجمل‬
‫فإن ال سبحانه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ; فيمتنع عليه أن يتفرق أو‬
‫يتجزأ أو يكون قد ركب من أجزاء ; لكنهم يدرجون في هذا اللفظ نفي علوه على عرشه‬
‫ومباينته لخلقه وامتيازه عنهم ونحو ذلك من المعاني المستلزمة لنفيه وتعطيله ويجعلون‬

‫‪63‬‬
‫ذلك من التوحيد فقد تبين أن ما يسمونه توحيدا ‪ :‬فيه ما هو حق ‪ ,‬وفيه ما هو باطل ولو‬
‫كان جميعه حقا ; فإن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم‬
‫به في القرآن وقاتلهم عليه الرسول صلى ال عليه وسلم ; بل ل بد أن يعترفوا أنه ل إله‬
‫إل ال وليييس المراد ( بالله هييو القادر على الختراع كمييا ظنييه ميين ظنييه ميين أئميية‬
‫المتكلميين حييث ظنوا أن اللهيية هيي القدرة على الختراع دون غيره وأن مين أقير بأن‬
‫ال هيو القادر على الختراع دون غيره فقيد شهيد أن ل إله إل هيو ‪ .‬فإن المشركيين كانوا‬
‫يقرون بهذا وهم مشركون كما تقدم بيانه بل الله الحق هو الذي يستحق بأن يعبد فهو إله‬
‫بمعنيى مألوه ; ل إله بمعنيى آله ; والتوحييد أن يعبيد ال وحده ل شرييك له والشراك أن‬
‫يجعيل ميع ال إلهيا آخير وإذا تيبين أن غايية ميا يقرره هؤلء النظار ; أهيل الثبات للقدر‬
‫المنتسبون إلى السنة إنما هو توحيد الربوبية وأن ال رب كل شيء ومع هذا فالمشركون‬
‫كانوا مقريين بذلك ميع أنهيم مشركون وكذلك طوائف مين أهيل التصيوف والمنتسيبين إلى‬
‫المعرفية والتحقييق والتوحييد ‪ :‬غايية ميا عندهيم مين التوحييد هيو شهود هذا التوحييد وأن‬
‫يشهييد أن ال رب كييل شيييء ومليكييه وخالقييه ل سيييما إذا غاب العارف بموجوده عيين‬
‫وجوده وبمشهوده عين شهوده وبمعروفيه عين معرفتيه ودخيل فيي فناء توحييد الربوبيية‬
‫بحييث يفنيى مين لم يكين ويبقيى مين لم يزل فهذا عندهيم هيو الغايية التيي ل غايية وراءهيا‬
‫ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد ول يصير الرجل بمجرد هذا‬
‫التوحيييد مسييلما فضل عيين أن يكون وليييا ل أو ميين سييادات الولياء وطائفيية ميين أهييل‬
‫التصوف والمعرفة ‪ :‬يقررون هذا التوحيد مع إثبات الصفات فيفنون في توحيد الربوبية‬
‫مييع إثبات الخالق للعالم المباييين لمخلوقاتييه ‪ ,‬وآخرون يضمون هذا إلى نفييي الصييفات‬
‫فيدخلون فيي التعطييل ميع هذا ‪ ,‬وهذا شير مين حال كثيير مين المشركيين وكان جهيم ينفيي‬
‫الصييفات ويقول بالجييبر فهذا تحقيييق قول جهييم لكنييه إذا أثبييت الميير والنهييي والثواب‬
‫والعقاب ‪ :‬فارق المشركييين ميين هذا الوجييه لكيين جهمييا وميين اتبعييه يقول بالرجاء ;‬
‫فيضعف المر والنهي والثواب والعقاب عنده والنجارية والضرارية وغيرهم ‪ :‬يقربون‬

‫‪64‬‬
‫من جهم في مسائل القدر واليمان مع مقاربتهم له أيضا في نفي الصفات ‪.‬‬
‫والكلبية والشعرية ‪ :‬خير من هؤلء في باب الصفات فإنهم يثبتون ل الصفات العقلية‬
‫‪ ,‬وأئمتهم يثبتون الصفات الخبرية في الجملة كما فصلت أقوالهم في غير هذا الموضع‬
‫وأما في باب القدر ومسائل السماء والحكام فأقوالهم متقاربة ‪ .‬والكلبية هم أتباع أبي‬
‫محمييد عبييد ال بيين سييعيد بيين كلب الذي سييلك الشعري خطتييه وأصييحاب ابيين كلب‬
‫كالحارث المحاسبي ‪ ,‬وأبي العباس القلنسي ونحوهما ‪ .‬خير من الشعرية في هذا وهذا‬
‫فكلما كان الرجل إلى السلف والئمة أقرب كان قوله أعلى وأفضل والكرامية قولهم في‬
‫اليمان قول منكير لم يسيبقهم إلييه أحيد حييث جعلوا اليمان قول اللسيان وإن كان ميع عدم‬
‫تصيديق القلب فيجعلون المنافيق مؤمنيا ; لكنيه يخلد فيي النار فخالفوا الجماعية فيي السيم‬
‫دون الحكم ‪ ,‬وأما في الصفات والقدر والوعيد فهم أشبه من أكثر طوائف الكلم التي في‬
‫أقوالها مخالفة للسنة وأما المعتزلة فهم ينفون الصفات ويقاربون قول جهم لكنهم ينفون‬
‫القدر ; فهيم وإن عظموا المير والنهيي والوعيد والوعيد ; وغلوا فييه ; فهيم يكذبون بالقدر‬
‫ففيهم نوع من الشرك من هذا الباب ‪ ,‬والقرار بالمر والنهي والوعد والوعيد مع إنكار‬
‫القدر خيير مين القرار بالقدر ميع إنكار المير والنهيي والوعيد والوعييد ولهذا لم يكين فيي‬
‫زمين الصيحابة والتابعيين مين ينفيي المير والنهيي والوعيد والوعييد وكان قيد نبيغ فيهيم‬
‫القدريية كميا نبيغ فيهيم الخوارج ‪ :‬الحروريية وإنميا يظهير مين البدع أول ميا كان أخفيى‬
‫وكلمييا ضعييف ميين يقوم بنور النبوة قويييت البدعيية فهؤلء المتصييوفون الذييين يشهدون‬
‫الحقيقية الكونيية ميع إعراضهيم عين المير والنهيي ‪ :‬شير مين القدريية المعتزلة ونحوهيم ‪:‬‬
‫أولئك يشبهون المجوس وهؤلء يشبهون المشركين الذين قالوا ‪ { :‬لو شاء ال ما أشركنا‬
‫ول آباؤنيا ول حرمنيا مين شييء } والمشركون شير مين المجوس فهذا أصيل عظييم على‬
‫المسيلم أن يعرفيه ; فإنيه أصيل السيلم الذي يتمييز بيه أصيل اليمان مين أهيل الكفير وهيو‬
‫اليمان بالوحدانيية والرسيالة ‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسيول ال ‪ .‬وقيد وقيع‬

‫‪65‬‬
‫كثيير مين الناس فيي الخلل بحقيقية هذيين الصيلين أو أحدهميا ميع ظنيه أنيه فيي غايية‬
‫التحقيق والتوحيد والعلم والمعرفة ‪.‬‬
‫فإقرار المشرك بأن ال رب كييل شيييء ومليكييه وخالقييه ‪ :‬ل ينجيييه ميين عذاب ال إن لم‬
‫يقترن به إقراره بأنه ل إله إل ال فل يستحق العبادة أحد إل هو ; وأن محمدا رسول ال‬
‫فيجيب تصيديقه فيميا أخيبر وطاعتيه فيميا أمير فل بيد مين الكلم فيي هذيين الصيلين ‪- :‬‬
‫الصيل الول " توحييد اللهيية " فإنيه سيبحانه أخيبر عين المشركيين كميا تقدم بأنهيم أثبتوا‬
‫وسيائط بينهيم وبيين ال يدعونهيم ويتخذونهيم شفعاء بدون إذن ال قال تعالى ‪ { :‬ويعبدون‬
‫من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال قل أتنبئون ال بما‬
‫ل يعلم فيي السيموات ول فيي الرض سيبحانه وتعالى عميا يشركون } فأخيبر أن هؤلء‬
‫الذيين اتخذوا هؤلء شفعاء مشركون وقال تعالى عين مؤمين ييس { وميا لي ل أعبيد الذي‬
‫فطرنيي وإلييه ترجعون } { أأتخيذ مين دونيه آلهية إن يردن الرحمين بضير ل تغين عنيي‬
‫شفاعتهم شيئا ول ينقذون } { إني إذا لفي ضلل مبين } { إني آمنت بربكم فاسمعون }‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬ولقييد جئتمونييا فرادى كمييا خلقناكييم أول مرة وتركتييم مييا خولناكييم وراء‬
‫ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل‬
‫عنكيم ميا كنتيم تزعمون } فأخيبر سيبحانه عين شفعائهيم أنهيم زعموا أنهيم فيهيم شركاء ‪,‬‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬أم اتخذوا مييييييين دون ال شفعاء قيييييييل أو لو كانوا ل يملكون شيئا ول‬
‫يعقلون } { قيل ل الشفاعية جميعيا له ملك السيموات والرض ثيم إلييه ترجعون } ‪ ,‬وقال‬
‫تعالى ‪ { :‬مييا لكييم ميين دونييه ميين ولي ول شفيييع } ‪ ,‬وقال تعالى ‪ { :‬وأنذر بييه الذييين‬
‫يخافون أن يحشروا إلى ربهيم لييس لهيم مين دونيه ولي ول شفييع } ‪ ,‬وقال تعالى ‪ { :‬مين‬
‫ذا الذي يشفييع عنده إل بإذنييه } ‪ ,‬وقال تعالى ‪ { :‬وقالوا اتخييذ الرحميين ولدا سييبحانه بييل‬
‫عباد مكرمون } { ل يسييبقونه بالقول وهييم بأمره يعملون } { يعلم مييا بييين أيديهييم ومييا‬
‫خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } وقال تعالى ‪ { :‬وكم من‬
‫ملك فيي السيموات ل تغنيي شفاعتهيم شيئا إل مين بعيد أن يأذن ال لمين يشاء ويرضيى }‬

‫‪66‬‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬قيل ادعوا الذيين زعمتيم مين دون ال ل يملكون مثقال ذرة فيي السيموات‬
‫ول فيي الرض وميا لهيم فيهميا مين شرك وميا له منهيم مين ظهيير } { ول تنفيع الشفاعية‬
‫عنده إل لميين أذن له } ‪ ,‬وقال تعالى ‪ { :‬قييل ادعوا الذييين زعمتييم ميين دونييه فل يملكون‬
‫كشيف الضير عنكيم ول تحويل } { أولئك الذيين يدعون يبتغون إلى ربهيم الوسييلة أيهيم‬
‫أقرب ويرجون رحمتييه ويخافون عذابييه إن عذاب ربييك كان محذورا } قال طائفيية ميين‬
‫السيلف ‪ :‬كان قوم يدعون العزيير والمسييح والملئكية فأنزل ال هذه اليية ييبين فيهيا أن‬
‫الملئكة والنبياء يتقربون إلى ال ويرجون رحمته ويخافون عذابه ومن تحقيق التوحيد‬
‫‪ :‬أن يعلم أن ال تعالى أثبت له حقيا ل يشركه فيه مخلوق ; كالعبادة والتوكل والخوف‬
‫والخشيية والتقوى كميا قال تعالى ‪ { :‬ل تجعيل ميع ال إلهيا آخير فتقعيد مذموميا مخذول }‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد ال مخلصا له الدين } وقال تعالى ‪:‬‬
‫{ قل إني أمرت أن أعبد ال مخلصا له الدين } وقال تعالى ‪ { :‬قل أفغير ال تأمروني‬
‫أعبد أيهيا الجاهلون } إلى قوله ‪ { :‬الشاكرين } وكيل من الرسيل يقول لقومه ‪ { :‬اعبدوا‬
‫ال مييا لكييم ميين إله غيره } وقييد قال تعالى فييي التوكييل ‪ { :‬وعلى ال فتوكلوا إن كنتييم‬
‫مؤمنيييين } { وعلى ال فليتوكيييل المؤمنون } وقال ‪ { :‬قيييل حسيييبي ال علييييه يتوكيييل‬
‫المتوكلون } وقال تعالى ‪ { :‬ولو أنهييم رضوا مييا آتاهييم ال ورسييوله وقالوا حسييبنا ال‬
‫سييؤتينا ال مين فضله ورسيوله إنيا إلى ال راغبون } ‪ .‬فقال فيي التيان ‪ { :‬ميا آتاهيم ال‬
‫ورسوله } وقال في التوكل ‪ { :‬وقالوا حسبنا ال } ولم يقل ‪ :‬ورسوله ; لن التيان هو‬
‫العطاء الشرعييي وذلك يتضميين الباحيية والحلل الذي بلغييه الرسييول فإن الحلل مييا‬
‫أحله والحرام ميا حرميه والديين ميا شرعيه قال تعالى ‪ { :‬وميا آتاكيم الرسيول فخذوه وميا‬
‫نهاكييم عنييه فانتهوا } وأمييا الحسييب فهييو الكافييي وال وحده كاف عبده كمييا قال تعالى ‪:‬‬
‫{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا ال‬
‫ونعيم الوكييل } فهيو وحده حسيبهم كلهيم ‪ ,‬وقال تعالى ‪ { :‬ييا أيهيا النيبي حسيبك ال ومين‬
‫اتبعك من المؤمنين } أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو ال فهو كافيكم كلكم‬

‫‪67‬‬
‫ولييس المراد أن ال والمؤمنيين حسيبك كميا يظنيه بعيض الغالطيين إذ هيو وحده كاف نيبيه‬
‫وهيو حسيبه لييس معيه مين يكون هيو وإياه حسيبا للرسيول وهذا فيي اللغية كقول الشاعير ‪:‬‬
‫فحسييبك والضحاك سيييف مهنييد وتقول العرب ‪ :‬حسييبك وزيدا درهييم أي يكفيييك وزيدا‬
‫جميعيا درهيم وقال فيي الخوف والخشيية والتقوى ‪ { :‬ومين يطيع ال ورسيوله ويخيش ال‬
‫ويتقه فأولئك هم الفائزون } فأثبت الطاعة ل والرسول وأثبت الخشية والتقوى ل وحده‬
‫كميا قال نوح علييه السيلم ‪ { :‬إنيي لكيم نذيير ميبين } { أن اعبدوا ال واتقوه وأطيعون }‬
‫فجعل العبادة والتقوى ل وحده وجعل الطاعة للرسول ; فإنه من يطع الرسول فقد أطاع‬
‫ال ‪ .‬وقييييييد قال تعالى ‪ { :‬فل تخشوا الناس واخشون } وقال تعالى ‪ { :‬فل تخافوهييييييم‬
‫وخافون إن كنتيم مؤمنيين } وقال الخلييل علييه السيلم ‪ { :‬وكييف أخاف ميا أشركتيم ول‬
‫تخافون أنكم أشركتم بال ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالمن إن كنتم‬
‫تعلمون } { الذيين آمنوا ولم يلبسيوا إيمانهيم بظلم أولئك لهيم المين وهيم مهتدون } وفيي‬
‫الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية شق ذلك على أصحاب رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وقالوا ‪ :‬وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫" { إنميا هيو الشرك أولم تسيمعوا إلى قول العبيد الصيالح ‪ :‬إن الشرك لظلم عظييم } ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬فإياي فارهبون } { وإياي فاتقون } ومين هذا الباب أن النييبي صييلى ال‬
‫عليه وسلم كان يقول في خطبته ‪ { " :‬من يطع ال ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه‬
‫ل يضير إل نفسيه ولن يضير ال شيئا ‪ } .‬وقال ‪ { " :‬ول تقولوا ميا شاء ال وشاء محميد‬
‫ولكين قولوا ميا شاء ال ثيم شاء محميد } ففيي الطاعية ‪ :‬قرن اسيم الرسيول باسيمه بحرف‬
‫الواو ‪ ,‬وفيي المشيئة ‪ :‬أمير أن يجعل ذلك بحرف " ثيم " وذلك لن طاعة الرسول طاعة‬
‫ل فمين أطاع الرسيول فقيد أطاع ال ‪ ,‬وطاعية ال طاعية الرسيول بخلف المشيئة فليسيت‬
‫مشيئة أحد من العباد مشيئة ل ‪ ,‬ول مشيئة ال مستلزمة لمشيئة العباد بل ما شاء ال كان‬
‫وإن لم يشأ الناس ‪ ,‬وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ ال ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الصيل الثانيي ‪ :‬حيق الرسيول صيلى ال علييه وسيلم ‪ .‬فعلينيا أن نؤمين بيه ونطيعيه ونتبعيه‬
‫ونرضييه ونحبيه ونسيلم لحكميه وأمثال ذلك قال تعالى ‪ { :‬مين يطيع الرسيول فقيد أطاع‬
‫ال } وقال تعالى ‪ { :‬وال ورسييييوله أحييييق أن يرضوه } وقال تعالى ‪ { :‬قييييل إن كان‬
‫آباؤكييم وأبناؤكييم وإخوانكييم وأزواجكييم وعشيرتكييم وأموال اقترفتموهييا وتجارة تخشون‬
‫كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى‬
‫يأتي ال بأمره } وقال تعالى ‪ { :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم‬
‫ل يجدوا فيي أنفسيهم حرجيا مميا قضييت ويسيلموا تسيليما } وقال تعالى ‪ { :‬قيل إن كنتيم‬
‫تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال } وأمثال ذلك ‪.‬‬

‫( فصل )‬
‫وإذا ثبيت هذا ‪ :‬فمن المعلوم أنيه يجب اليمان بخلق ال وأمره ‪ :‬بقضائه وشرعه ‪ .‬وأهيل‬
‫الضلل الخائضون فييي القدر انقسييموا إلى ثلث فرق ‪ :‬مجوسييية ومشركييية وإبليسييية‬
‫فالمجوسية ‪ :‬الذين كذبوا بقدر ال وإن آمنوا بأمره ونهيه ; فغلتهم أنكروا العلم والكتاب‬
‫ومقتصييدوهم أنكروا عموم مشيئتييه وخلقييه وقدرتييه وهؤلء هييم المعتزلة وميين وافقهييم‬
‫والفرقيية الثانييية ‪ :‬المشركييية الذييين أقروا بالقضاء والقدر وأنكروا الميير والنهييي ; قال‬
‫تعالى ‪ { :‬سييقول الذيين أشركوا لو شاء ال ميا أشركنيا ول آباؤنيا ول حرمنيا مين شييء }‬
‫فمين احتيج على تعطييل المير والنهيي بالقدر فهيو مين هؤلء وهذا قيد كثير فيمين يدعيي‬
‫الحقيقية مين المتصيوفة والفرقية الثالثية ‪ :‬وهيم البليسيية الذيين أقروا بالمريين لكين جعلوا‬
‫هذا متناقضا من الرب ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وطعنوا في حكمته وعدله كما يذكر ذلك عن‬
‫إبلييس مقدمهيم ; كميا نقله أهيل المقالت ونقيل عين أهيل الكتاب والمقصيود أن هذا مميا‬
‫تقوله أهيييل الضلل ; وأميييا أهيييل الهدى والفلح ‪ :‬فيؤمنون بهذا وهذا ويؤمنون بأن ال‬
‫خالق كل شيء وربه ومليكه وما شاء كان وميا لم يشأ لم يكن وهو على كيل شييء قدير‬
‫وأحاط بكل شيء علما وكل شيء أحصاه في إمام مبين ويتضمن هذا الصل من إثبات‬

‫‪69‬‬
‫علم ال وقدرته ومشيئته ووحدانيته وربوبيته وأنه خالق كل شيء وربه ومليكه ‪ :‬ما هو‬
‫ميين أصييول اليمان ‪ .‬ومييع هذا فل ينكرون مييا خلقييه ال ميين السييباب التييي يخلق بهييا‬
‫المسيببات ; كميا قال تعالى ‪ { :‬حتيى إذا أقلت سيحابا ثقال سيقناه لبلد مييت فأنزلنيا بيه الماء‬
‫فأخرجنييا بييه ميين كييل الثمرات } وقال تعالى ‪ { :‬يهدي بييه ال ميين اتبييع رضوانييه سييبل‬
‫السيلم } وقال تعالى ‪ { :‬يضيل بيه كثيرا ويهدي بيه كثيرا } فأخيبر أنيه يفعيل بالسيباب‬
‫ومين قال ‪ :‬إنيه يفعيل عندهيا ل بهيا فقيد خالف ميا جاء بيه القرآن وأنكير ميا خلقيه ال مين‬
‫القوى والطبائع وهيو شيبيه بإنكار ميا خلقيه ال مين القوى التيي فيي الحيوان التيي يفعيل‬
‫الحيوان بها مثل قدرة العبد كما أن من جعلها هي المبدعة لذلك فقد أشرك بال وأضاف‬
‫فعله إلى غيره وذلك أنيه ميا مين سيبب مين السيباب إل وهيو مفتقير إلى سيبب آخير فيي‬
‫حصول مسببه ول بد من مانع يمنع مقتضاه إذا لم يدفعه ال عنه فليس في الوجود شيء‬
‫واحد يستقل بفعل شيء إذا شاء إل ال وحده قال تعالى ‪ { :‬ومن كل شيء خلقنا زوجين‬
‫لعلكييم تذكرون } أي فتعلمون أن خالق الزواج واحييد ولهذا ميين قال ‪ :‬إن ال ل يصييدر‬
‫عنيه إل واحيد ‪ -‬لن الواحيد ل يصيدر عنيه إل واحيد ‪ -‬كان جاهل فإنيه لييس فيي الوجود‬
‫واحيد صيدر عنيه وحده شييء ‪ -‬ل واحيد ول اثنان ‪ -‬إل ال الذي خلق الزواج كلهيا مميا‬
‫تنبيت الرض ومين أنفسيهم ومميا ل يعلمون فالنار التيي خلق ال فيهيا حرارة ل يحصيل‬
‫الحراق إل بها وبمحل يقبل الحتراق ; فإذا وقعت على السمندل والياقوت ونحوهما لم‬
‫تحرقهميا وقيد يطلى الجسيم بميا يمنيع إحراقيه والشميس التيي يكون عنهيا الشعاع ل بيد مين‬
‫جسييم يقبييل انعكاس الشعاع عليييه فإذا حصييل حاجييز ميين سييحاب أو سييقف ‪ :‬لم يحصييل‬
‫الشعاع تحته وقد بسط هذا في غير هذا الموضع والمقصود هنا ‪ :‬أنه ل بد من " اليمان‬
‫بالقدر " فإن اليمان بالقدر مين تمام التوحييد كميا قال ابين عباس ‪ :‬هيو نظام التوحييد فمين‬
‫وحيد ال وآمين بالقدر تيم توحيده ومين وحيد ال ‪ ,‬وكذب بالقدر نقيض توحيده ول بيد مين‬
‫اليمان بالشرع وهيو اليمان بالمير والنهيي والوعيد والوعييد كميا بعيث ال بذلك رسيله‬
‫وأنزل كتبيه والنسيان مضطير إلى شرع فيي حياتيه الدنييا فإنيه ل بيد له مين حركية يجلب‬

‫‪70‬‬
‫بهيا منفعتيه ‪ ,‬وحركية يدفيع بهيا مضرتيه ; والشرع هيو الذي يمييز بيين الفعال التيي تنفعيه‬
‫والفعال التيي تضره وهيو عدل ال فيي خلقيه ‪ ,‬ونوره بيين عباده ; فل يمكين للدمييين أن‬
‫يعيشوا بل شرع يميزون بييه بييين مييا يفعلونييه ويتركونييه ‪ .‬وليييس المراد بالشرع مجرد‬
‫العدل بين الناس في معاملتهم بل النسان المنفرد ل بد له من فعل وترك ; فإن النسان‬
‫همام حارث كميا قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم " { أصيدق السيماء حارث وهمام }‬
‫وهيو معنيى قولهيم متحرك بالرادات فإذا كان له إرادة فهيو متحرك بهيا ول بيد أن يعرف‬
‫ما يريده هل هو نافع له أو ضار ؟ وهل يصلحه أو يفسده ؟ وهذا قد يعرف بعضه الناس‬
‫بفطرتهييم كمييا يعرفون انتفاعهييم بالكييل والشرب وكمييا يعرفون مييا يعرفون ميين العلوم‬
‫الضرورية بفطرتهم وبعضهم يعرفونه بالستدلل كالذي يهتدون به بعقولهم وبعضه ل‬
‫يعرفونيه إل بتعرييف الرسيل وبيانهيم لهيم وهدايتهيم لهيم وفيي هذا المقام تكلم الناس فيي أن‬
‫الفعال هل يعرف حسنها وقبيحها بالعقل أم ليس لها حسن ول قبيح يعرف بالعقل ؟ كما‬
‫قيد بسيط فيي غيير هذا الموضيع وبينيا ميا وقيع فيي هذا الموضيع مين الشتباه ‪ .‬فإنهيم اتفقوا‬
‫على أن كون الفعيل يلئم الفاعيل أو ينافره يعلم بالعقيل وهيو أن يكون الفاعيل سيببا لميا‬
‫يحبيه الفاعيل ويلتيذ بيه وسيببا لميا يبغضيه ويؤذييه وهذا القدر يعلم بالعقيل تارة وبالشرع‬
‫أخرى وبهميا جميعيا أخرى ; لكين معرفية ذلك على وجيه التفصييل ومعرفية الغايية التيي‬
‫تكون عاقبيية الفعال ‪ :‬ميين السييعادة والشقاوة فييي الدار الخرة ل تعرف إل بالشرع فمييا‬
‫أخيبرت بيه الرسيل مين تفاصييل اليوم الخير وأمرت بيه مين تفاصييل الشرائع ل يعلميه‬
‫الناس بعقولهم كما أن ما أخبرت به الرسل من تفصيل أسماء ال وصفاته ل يعلمه الناس‬
‫بعقولهيم وإن كانوا قيد يعلمون بعقولهيم جميل ذلك وهذا التفصييل الذي يحصيل بيه اليمان‬
‫وجاء بيه الكتاب هيو ميا دل علييه قوله تعالى ‪ { :‬وكذلك أوحينيا إلييك روحيا مين أمرنيا ميا‬
‫كنييت تدري مييا الكتاب ول اليمان ولكيين جعلناه نورا نهدي بييه ميين نشاء ميين عبادنييا }‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬قيل إن ضللت فإنميا أضيل على نفسيي وإن اهتدييت فبميا يوحيي إلي ربيي‬
‫إنيه سيميع قرييب } وقوله تعالى ‪ { :‬قيل إنميا أنذركيم بالوحيي } ولكين توهميت طائفية أن‬

‫‪71‬‬
‫للحسن والقبح معنى غير هذا وأنه يعلم بالعقل وقابلتهم طائفة أخرى ظنت أن ما جاء به‬
‫الشرع مين الحسين والقبيح ‪ :‬يخرج عين هذا فكل الطائفتيين اللتيين أثبتتيا الحسين والقبيح‬
‫العقلييين أو الشرعييين وأخرجتاه عين هذا القسيم غلطيت ثيم إن كلتيا الطائفتيين لميا كانتيا‬
‫تنكيير أن يوصييف ال بالمحبيية والرضييا والسييخط والفرح ونحييو ذلك ممييا جاءت بييه‬
‫النصوص اللهية ودلت عليه الشواهد العقلية ‪ :‬تنازعوا بعد اتفاقهم على أن ال ل يفعيل‬
‫ما هو منه قبيح هل ذلك ممتنع لذاته وأنه ل يتصور قدرته على ما هو قبيح وأنه سبحانه‬
‫منزه عيييين ذلك ل يفعله لمجرد القبييييح العقلي الذي أثبتوه ؟ على قولييييين والقولن فييييي‬
‫النحراف ميين جنييس القولييين المتقدمييين أولئك لم يفرقوا فييي خلقييه وأمره بييين الهدى‬
‫والضلل والطاعيية والمعصييية والبرار والفجار وأهييل الجنيية وأهييل النار والرحميية‬
‫والعذاب ; فل جعلوه محمودا على ميا فعله مين العدل أو ميا تركيه مين الظلم ول ميا فعله‬
‫مين الحسيان والنعمية وميا تركيه مين التعذييب والنقمية والخرون نزهوه بناء على القبيح‬
‫العقلي الذي أثبتوه ول حقيقية له وسيووه بخلقيه فيميا يحسين ويقبيح ‪ ,‬وشبهوه بعباده فيميا‬
‫يأمر به وينهى عنه فمن نظر إلى القدر فقط وعظم الفناء في توحيد الربوبية ووقف عند‬
‫الحقيقيية الكونييية ‪ :‬لم يميييز بييين العلم والجهييل والصييدق والكذب والبر والفجور والعدل‬
‫والظلم والطاعية والمعصيية والهدى والضلل والرشاد والغيي وأولياء ال وأعدائه وأهيل‬
‫الجنية وأهيل النار وهؤلء ميع أنهيم مخالفون بالضرورة لكتيب ال ودينيه وشرائعيه فهيم‬
‫مخالفون أيضييا لضرورة الحييس والذوق وضرورة العقييل والقياس فإن أحدهييم ل بييد أن‬
‫يلتيذ بشييء ويتألم بشييء فيمييز بيين ميا يأكيل ويشرب وميا ل يأكيل ول يشرب وبيين ميا‬
‫يؤذييه مين الحير والبرد وميا لييس كذلك وهذا التميييز بيين ميا ينفعيه ويضره هيو الحقيقية‬
‫الشرعية الدينية ‪.‬‬
‫وميين ظيين أن البشيير ينتهييي إلى حييد يسييتوي عنده المران دائمييا ‪ :‬فقييد افترى وخالف‬
‫ضرورة الحيس ; ولكين قييد يعرض للنسييان بعييض الوقات عارض كالسيكر والغماء‬
‫ونحيو ذلك مميا يشغيل عين الحسياس ببعيض المور فأميا أن يسيقط إحسياسه بالكليية ميع‬

‫‪72‬‬
‫وجود الحياة فيه فهذا ممتنع فإن النائم لم يفقد إحساس نفسه بل يرى في منامه ما يسوءه‬
‫تارة وميا يسيره أخرى فالحوال التيي يعيبر عنهيا بالصيطلم والفناء والسيكر ونحيو ذلك‬
‫إنما تتضمن عدم الحساس ببعض الشياء دون بعض فهي مع نقص صاحبها ‪ -‬لضعف‬
‫تمييزه ‪ -‬ل تنتهي إلى حد يسقط فيه التمييز مطلقا ومن نفى التمييز في هذا المقام مطلقا‬
‫وعظم هذا المقام فقد غلط في الحقيقة الكونية والدينية ‪ :‬قدرا وشرعا وغلط في خلق ال‬
‫وفي أمره حيث ظن أن وجود هذا ; ل وجود له وحيث ظن أنه ممدوح ول مدح في عدم‬
‫التمييييز ‪ :‬العقييل والمعرفيية ‪ .‬وإذا سييمعت بعييض الشيوخ يقول ‪ :‬أريييد أن ل أريييد أو أن‬
‫العارف ل حيظ له وأنيه يصيير كالمييت بيين يدي الغاسيل ونحيو ذلك فهذا إنميا يمدح منيه‬
‫سقوط إرادته التي يؤمر بها وعدم حظه الذي ل يؤمر بطلبه وأنه كالميت في طلب ما لم‬
‫يؤمر بطلبه وترك دفع ما لم يؤمر بدفعه ومن أراد بذلك أنه تبطل إرادته بالكلية وأنه ل‬
‫يحييس باللذة واللم ; والنافييع والضار فهذا مخالف لضرورة الحييس والعقييل ‪ .‬وميين مدح‬
‫هذا فهو مخالف لضرورة الدين والعقل ‪.‬‬
‫والفناء يراد بيه ثلثية أمور ‪ :‬أحدهيا ‪ :‬هيو الفناء الدينيي الشرعيي الذي جاءت بيه الرسيل‬
‫وأنزلت به الكتب وهو أن يفنى عما لم يأمر ال به بفعل ما أمر ال به ‪ :‬فيفنى عن عبادة‬
‫غيره بعبادته وعن طاعة غيره بطاعته وطاعة رسوله وعن التوكل على غيره بالتوكل‬
‫عليه وعن محبة ما سواه بمحبته ومحبة رسوله ; وعن خوف غيره بخوفه بحيث ل يتبع‬
‫العبد هواه بغير هدى من ال ‪ ,‬وبحيث يكون ال ورسوله أحب إليه مما سواهما كما قال‬
‫تعالى ‪ { :‬قيييل إن كان آباؤكيييم وأبناؤكيييم وإخوانكيييم وأزواجكيييم وعشيرتكيييم وأموال‬
‫اقترفتموهييا وتجارة تخشون كسييادها ومسيياكن ترضونهييا أحييب إليكييم ميين ال ورسييوله‬
‫وجهاد فيي سيبيله فتربصيوا حتيى يأتيي ال بأمره } فهذا كله هيو مميا أمير ال بيه ورسيوله‬
‫وأما ( الفناء الثاني ‪ :‬وهو الذي يذكره بعض الصوفية وهو أن يفنى عن شهود ما سوى‬
‫ال تعالى فيفنى بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته بحييث‬
‫قد يغيب عن شهود نفسه لما سوى ال تعالى فهذا حال ناقص قد يعرض لبعض السالكين‬

‫‪73‬‬
‫وليييس هييو ميين لوازم طريييق ال ولهذا لم يعرف مثييل هذا للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم‬
‫وللسابقين الولين ومن جعل هذا نهاية السالكين فهو ضال ضلل مبينا وكذلك من جعله‬
‫مين لوازم طرييق ال فهيو مخطيئ بيل هيو مين عوارض طرييق ال التيي تعرض لبعيض‬
‫الناس دون بعيض لييس هيو مين اللوازم التيي تحصيل لكيل سيالك وأميا الثالث ‪ :‬فهيو الفناء‬
‫عيين وجود السييوي بحيييث يرى أن وجود المخلوق هييو عييين وجود الخالق وأن الوجود‬
‫واحيد بالعيين فهيو قول أهيل اللحاد والتحاد الذيين هيم مين أضيل العباد وأميا مخالفتهيم‬
‫لضرورة العقييل والقياس ‪ :‬فإن الواحييد ميين هؤلء ل يمكنييه أن يطرد قوله فإنييه إذا كان‬
‫مشاهدا للقدر ميين غييير تمييييز بييين المأمور والمحظور فعومييل بموجييب ذلك مثييل أن‬
‫يضرب ويجاع حتيى يبتلى بعظييم الوصياب والوجاع فإن لم مين فعيل ذلك بيه وعابيه‬
‫فقد نقض قوله وخرج عن أصل مذهبه وقيل له ‪ :‬هذا الذي فعله مقضي مقدور فخلق ال‬
‫وقدره ومشيئته ‪ :‬متناول لك وله وهو يعمكما فإن كان القدر حجة لك فهو حجة لهذا وإل‬
‫فليييس بحجيية ل لك ول له فقييد تييبين بضرورة العقييل فسيياد قول ميين ينظيير إلى القدر‬
‫ويعرض عييين المييير والنهيييي والمؤمييين مأمور بأن يفعيييل المأمور ويترك المحظور‬
‫ويصيبر على المقدور كميا قال تعالى ‪ { :‬وإن تصيبروا وتتقوا ل يضركيم كيدهيم شيئا } ‪.‬‬
‫وقال فييي قصيية يوسييف ‪ { :‬إنييه ميين يتييق ويصييبر فإن ال ل يضيييع أجيير المحسيينين }‬
‫فالتقوى فعيل ميا أمير ال بيه وترك ميا نهيى ال عنيه ولهذا قال ال تعالى ‪ { :‬فاصيبر إن‬
‫وعيد ال حيق واسيتغفر لذنبيك وسيبح بحميد ربيك بالعشيي والبكار } فأمره ميع السيتغفار‬
‫بالصيبر ; فإن العباد ل بيد لهيم مين السيتغفار أولهيم وآخرهيم قال النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم فيي الحدييث الصيحيح ‪ { " :‬ييا أيهيا الناس ! توبوا إلى ربكيم فوالذي نفسيي بيده إنيي‬
‫لستغفر ال وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة } وقال ‪ { " :‬إنه ليغان على قلبي‬
‫وإنييي لسييتغفر ال وأتوب إليييه فييي اليوم مائة مرة } ‪ .‬وكان يقول " { اللهييم اغفيير لي‬
‫خطيئتييي وجهلي وإسييرافي فييي أمري ومييا أنييت أعلم بييه منييي ; اللهييم اغفيير لي خطئي‬
‫وعمدي وهزلي وجدي وكييل ذلك عندي ; اللهييم اغفيير لي مييا قدمييت ومييا أخرت ومييا‬

‫‪74‬‬
‫أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر } وقد ذكر عن آدم‬
‫أبيي البشير أنيه اسيتغفر ربيه وتاب إلييه فاجتباه ربيه فتاب علييه وهداه ; وعين إبلييس أبيي‬
‫الجين ‪ -‬لعنيه ال ‪ -‬أنيه أصير متعلقيا بالقدر فلعنيه وأقصياه فمين أذنيب وتاب وندم فقيد أشبيه‬
‫أباه ومين أشبيه أباه فميا ظلم قال ال تعالى ‪ { :‬وحملهيا النسيان إنيه كان ظلوميا جهول }‬
‫{ ليعذب ال المنافقيين والمنافقات والمشركيين والمشركات ويتوب ال على المؤمنيين‬
‫والمؤمنات وكان ال غفورا رحيما } ولهذا قرن ال سبحانه بين التوحيد والستغفار في‬
‫غيييير آيييية كميييا قال تعالى ‪ { :‬فاعلم أنيييه ل إله إل ال واسيييتغفر لذنبيييك وللمؤمنيييين‬
‫والمؤمنات } وقال تعالى ‪ { :‬فاسيييتقيموا إلييييه واسيييتغفروه } وقال تعالى ‪ { :‬الر كتاب‬
‫أحكميت آياتيه ثيم فصيلت مين لدن حكييم خيبير } { أل تعبدوا إل ال إننيي لكيم منيه نذيير‬
‫وبشير } { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى } وفي‬
‫الحديييث الذي رواه ابيين أبييي عاصييم وغيره ‪ { " :‬يقول الشيطان أهلكييت الناس بالذنوب‬
‫وأهلكوني بل إله إل ال والستغفار ; فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الهواء فهم يذنبون ول‬
‫يتوبون لنهيم يحسيبون أنهيم يحسينون صينعا } وقيد ذكير سيبحانه عين ذي النون أنيه نادى‬
‫في الظلمات أن ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال تعالى ‪ { :‬فاستجبنا له‬
‫ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين } قال النبي صلى ال عليه وسلم " { دعوة أخي‬
‫ذي النون ما دعا بها مكروب إل فرج ال كربه } وجماع ذلك أنه ل بد له في المر من‬
‫أصلين ول بد له في القدر من أصلين ‪ .‬ففي " المر " عليه الجتهاد في المتثال علما‬
‫وعمل فل تزال تجتهد في العلم بما أمر ال به والعمل بذلك ‪ .‬ثم عليه أن يستغفر ويتوب‬
‫مين تفريطيه فيي المأمور وتعدييه الحدود ولهذا كان مين المشروع أن يختيم جمييع العمال‬
‫بالستغفار فكان النبي صلى ال عليه وسلم إذا انصرف من صلته استغفر ثلثا وقد قال‬
‫ال تعالى ‪ { :‬والمسيتغفرين بالسيحار } فقاموا باللييل وختموه بالسيتغفار ‪ ,‬وآخير سيورة‬
‫نزلت قول ال تعالى { إذا جاء نصير ال والفتيح } { ورأييت الناس يدخلون فيي ديين ال‬
‫أفواجا } { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } وفي الصحيح أنه كان صلى ال‬

‫‪75‬‬
‫علييه وسيلم يكثير أن يقول فيي ركوعيه وسيجوده ‪ { " :‬سيبحانك اللهيم ربنيا وبحمدك اللهيم‬
‫اغفير لي } يتأول القرآن وأميا فيي " القدر " فعلييه أن يسيتعين بال فيي فعيل ميا أمير بيه‬
‫ويتوكييل عليييه ويدعوه ; ويرغييب إليييه ويسييتعيذ بييه ويكون مفتقرا إليييه فييي طلب الخييير‬
‫وترك الشر وعليه أن يصبر على المقدور ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه‬
‫لم يكييين ليصييييبه ; وإذا آذاه الناس علم أن ذلك مقدر علييييه ومييين هذا الباب احتجاج آدم‬
‫وموسيى لميا قال ‪ :‬ييا آدم أنيت أبيو البشير خلقيك ال بيده ونفيخ فييك مين روحيه وأسيجد لك‬
‫ملئكته ; لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال له آدم ‪ :‬أنت موسى الذي اصطفاك ال‬
‫بكلميه فبكيم وجدت مكتوبيا علي مين قبيل أن أخلق ‪ { :‬وعصيى آدم ربيه فغوى } قال ‪:‬‬
‫بكذا وكذا فحج آدم موسى وذلك أن موسى لم يكن عتبه لدم لجل الذنب فإن آدم قد كان‬
‫تاب منه والتائب من الذنب كمن ل ذنب له ; ولكن لجل المصيبة التي لحقتهم من ذلك ‪.‬‬
‫وهيم مأمورون أن ينظروا إلى القدر فيي المصيائب وأن يسيتغفروا مين المعائب كميا قال‬
‫تعالى ‪ { :‬فاصبر إن وعد ال حق واستغفر لذنبك } فمن راعى المر والقدر كما ذكر ‪:‬‬
‫كان عابدا ل مطيعيا له مسيتعينا بيه متوكل علييه مين الذيين أنعيم ال عليهيم مين النيبيين‬
‫والصيديقين والشهداء والصيالحين ; وحسين أولئك رفيقيا وقيد جميع ال سيبحانه بيين هذيين‬
‫الصييلين فييي مواضييع كقوله ‪ { :‬إياك نعبييد وإياك نسييتعين } وقوله ‪ { :‬فاعبده وتوكييل‬
‫عليه } وقوله ‪ { :‬عليه توكلت وإليه أنيب } وقوله ‪ { :‬ومن يتق ال يجعل له مخرجا }‬
‫{ ويرزقه من حيث ل يحتسب ومن يتوكل على ال فهو حسبه إن ال بالغ أمره قد جعل‬
‫ال لكيل شييء قدرا } فالعبادة ل والسيتعانة بيه { وكان النيبي صيلى ال عليه وسيلم يقول‬
‫عنيد الضحيية اللهيم منيك ولك } فميا لم يكين بال ل يكون ; فإنيه ل حول ول قوة إل بال‬
‫وما لم يكن بال فل ينفع ول يدوم‬
‫‪ .‬ول بد في عبادته من أصلين ‪ ( .‬أحدهما إخلص الدين له ( والثاني موافقة أمره الذي‬
‫بعث به رسله ; ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي ال عنه يقول في دعائه ‪ :‬اللهم اجعل‬
‫عملي كله صيالحا واجعله لوجهيك خالصيا ول تجعيل لحيد فييه شيئا ; وقال الفضييل بين‬

‫‪76‬‬
‫عياض في قوله تعالى ‪ { :‬ليبلوكم أيكم أحسن عمل } قال ‪ :‬أخلصه وأصوبه قالوا يا أبا‬
‫علي ‪ :‬ميا أخلصيه وأصيوبه ؟ قال ‪ :‬إذا كان العميل خالصيا ولم يكين صيوابا لم يقبيل وإذا‬
‫كان صيوابا ولم يكين خالصيا لم يقبيل حتيى يكون خالصيا صيوابا ; والخالص أن يكون ل‬
‫والصواب أن يكون على السنة ولهذا ذم ال المشركين في القرآن على اتباع ما شرع لهم‬
‫شركاؤهم من الدين ما لم يأذن به ال من عبادة غيره وفعل ما لم يشرعه من الدين كما‬
‫قال تعالى ‪ { :‬أم لهيم شركاء شرعوا لهيم مين الديين ميا لم يأذن بيه ال } كميا ذمهيم على‬
‫أنهم حرموا ما لم يحرمه ال ‪ .‬والدين الحق أنه ل حرام إل ما حرمه ال ول دين إل ما‬
‫شرعه ‪.‬‬
‫ثيم إن الناس فيي عبادتيه واسيتعانته على أربعية أقسيام ‪ :‬فالمؤمنون المتقون هيم له وبيه‬
‫يعبدونيه ويسيتعينونه ‪ .‬وطائفية تعبده مين غيير اسيتعانة ول صيبر فتجيد عنيد أحدهيم تحرييا‬
‫للطاعية والورع ولزوم السينة ; لكين لييس لهيم توكيل واسيتعانة وصيبر ; بيل فيهيم عجيز‬
‫وجزع ‪ .‬وطائفية فيهيم اسيتعانة وتوكيل وصيبر مين غيير اسيتقامة على المير ول متابعية‬
‫للسينة فقيد يمكين أحدهيم ويكون له نوع مين الحال باطنيا وظاهرا ويعطيى مين المكاشفات‬
‫والتأثيرات ميا لم يعطيه الصينف الول ولكين ل عاقبية له فإنيه لييس مين المتقيين والعاقبية‬
‫للتقوى ; فالولون لهييم دييين ضعيييف ولكنييه مسييتمر باق ; إن لم يفسييده صيياحبه بالجزع‬
‫والعجيز ; وهؤلء لحدهيم حال وقوة ولكين ل يبقيى له إل ميا وافيق فييه المير واتبيع فييه‬
‫السيينة وشيير القسييام ميين ل يعبده ول يسييتعينه ; فهييو ل يشهييد أن علمييه ل ول أنييه بال‬
‫فالمعتزلة ونحوهم ‪ -‬من القدرية الذين أنكروا القدر ‪ -‬هم في تعظيم المر والنهي والوعد‬
‫والوعييد خيير مين هؤلء الجبريية القدريية الذيين يعرضون عين الشرع والمير والنهيي‬
‫والصوفية هم في القدر ومشاهدة توحيد الربوبية ‪ :‬خير من المعتزلة ولكن فيهم من فيه‬
‫نوع بدع ميع إعراض عين بعيض المير والنهيي ‪ .‬والوعيد والوعييد حتيى يجعلوا الغايية‬
‫هي مشاهدة توحيد الربوبية والفناء في ذلك ويصيرون أيضا معتزلين لجماعة المسلمين‬
‫وسينتهم فهيم معتزلة مين هذا الوجيه وقيد يكون ميا وقعوا فييه مين البدعية شرا مين بدعية‬

‫‪77‬‬
‫أولئك المعتزلة وكلتيا الطائفتيين نشأت مين البصيرة ‪ .‬وإنميا ديين ال ميا بعيث بيه رسيله‬
‫وأنزل بيه كتبيه وهيو الصيراط المسيتقيم وهيو طريقية أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم خير القرون وأفضل المة وأكرم الخلق على ال تعالى بعد النبيين ‪ ,‬قال تعالى ‪{ :‬‬
‫والسيابقون الولون مين المهاجريين والنصيار والذيين اتبعوهيم بإحسيان رضيي ال عنهيم‬
‫ورضوا عنيه } فرضيي عين السيابقين الوليين رضيا مطلقيا ورضيي عين التابعيين لهيم‬
‫بإحسيان وقيد قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي الحادييث الصيحيحة ‪ { " :‬خيير القرون‬
‫القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم } وكان عبد ال بن مسعود رضي‬
‫ال عنه يقول ‪ :‬من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة ;‬
‫أولئك أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم أبر هذه المة قلوبا وأعمقها علما وأقلها‬
‫تكلفا ; قوم اختارهم ال لصحبة نبيه صلى ال عليه وسلم وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم‬
‫وتمسييكوا بهديهييم فإنهييم كانوا على الهدى المسييتقيم وقال حذيفيية بيين اليمان رضييي ال‬
‫عنهما ‪ :‬يا معشر القراء ! استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم فوال لئن اتبعتموهم لقد‬
‫سيبقتم سيبقا بعيدا ولئن أخذتيم يمينيا وشمال لقيد ضللتيم ضلل بعيدا وقيد قال عبيد ال بين‬
‫مسيعود رضيي ال عنيه ‪ { :‬خيط لنيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم خطيا وخيط حوله‬
‫خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال ‪ :‬هذا سبيل ال وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان‬
‫يدعيو إلييه ثيم قرأ { وأن هذا صيراطي مسيتقيما فاتبعوه ول تتبعوا السيبل فتفرق بكيم عين‬
‫سبيله } } وقد أمرنا سبحانه أن نقول في صلتنا { اهدنا الصراط المستقيم } { صراط‬
‫الذيين أنعميت عليهيم غيير المغضوب عليهيم ول الضاليين } وقال النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم ‪ { " :‬اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون } ; وذلك أن اليهود عرفوا الحق‬
‫ولم يتبعوه والنصيارى عبدوا ال بغيير علم ‪ .‬ولهذا كان يقال ‪ :‬تعوذوا بال مين فتنية العالم‬
‫الفاجير والعابيد الجاهيل فإن فتنتهميا فتنية لكيل مفتون ; وقال تعالى ‪ { :‬فإميا يأتينكيم منيي‬
‫هدى فمين اتبيع هداي فل يضيل ول يشقيى } { ومين أعرض عين ذكري فإن له معيشية‬
‫ضنكا } قال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬تكفل ال لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن ل‬

‫‪78‬‬
‫يضل في الدنيا ول يشقى في الخرة وقرأ هذه الية وكذلك قوله تعالى ‪ { :‬الم } { ذلك‬
‫الكتاب ل ريييب فيييه هدى للمتقييين } { الذييين يؤمنون بالغيييب ويقيمون الصييلة وممييا‬
‫رزقناهييم ينفقون } { والذييين يؤمنون بمييا أنزل إليييك ومييا أنزل ميين قبلك وبالخرة هييم‬
‫يوقنون } { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هيم المفلحون } فأخبر أن هؤلء مهتدون‬
‫مفلحون وذلك خلف المغضوب عليهييم والضالييين فنسييأل ال العظيييم أن يهدينييا وسييائر‬
‫إخواننا صراطه المستقيم ; صراط الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين وحسن أولئك رفيقا وحسبنا ال ونعم الوكيل والحمد ل رب العالمين وصلى‬
‫ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‬

‫‪79‬‬

You might also like