Professional Documents
Culture Documents
تحقيق الثبات
للسماء والصفات
وحقيقة الجمع بين
القدر والشرع
تأليف
شيخ السلم ابن تيمية
1
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل وحده
والصلة والسلم على من ل نبي بعده
قال الشييخ المام العالم العلمية شييخ السيلم تقيي الديين أبيو العباس أحميد بين عبيد الحلييم
بن عبد السلم ابن تيمية الحراني رضي ال عنه وأرضاه :
الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من
يهده ال فل مضل له
ومن يضلل فل هادي له ; وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى ال عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس ;
مين الكلم فيي التوحييد والصيفات وفيي الشرع والقدر لمسييس الحاجية إلى تحقييق هذيين
الصلين وكثرة الضطراب فيهما .فإنهما مع حاجة كل أحد إليهما ومع أن أهل النظر
والعلم والرادة والعباد :ل بد أن يخطر لهم في ذلك من الخواطر والقوال ما يحتاجون
معييه إلى بيان الهدى ميين الضلل ل سيييما مييع كثرة ميين خاض فييي ذلك بالحييق تارة
وبالباطل تارات وما يعتري القلوب في ذلك :من الشبه التي توقعها في أنواع الضللت
.
فالكلم في باب التوحيد والصفات :هو من باب الخبر الدائر بين النفي والثبات والكلم
فييي الشرع والقدر :هييو ميين باب الطلب والرادة :الدائر بييين الرادة والمحبيية وبييين
الكراهيية والبغييض :نفيييا وإثباتييا والنسييان يجييد فييي نفسييه الفرق بييين النفييي والثبات ;
والتصيديق والتكذييب وبيين الحيب والبغيض والحيض والمنيع ; حتيى إن الفرق بيين هذا
2
النوع وبين النوع الخر معروف عند العامة والخاصة ومعروف عند أصناف المتكلمين
فيي العلم كميا ذكير ذلك الفقهاء فيي كتاب اليمان وكميا ذكره المقسيمون للكلم ; مين أهيل
النظير والنحيو والبيان فذكروا أن الكلم نوعان :خيبر وإنشاء ,والخيبر دائر بيين النفيي
والثبات ,والنشاء أمر أو نهي أو إباحة.
وإذا كان كذلك :فل بد للعبد أن يثبت ل ما يجب إثباته له من صفات الكمال وينفي عنه
ميا يجيب نفييه عنيه مميا يضاد هذه الحال ول بيد له فيي أحكاميه مين أن يثبيت خلقيه وأمره
فيؤمين بخلقيه المتضمين كمال قدرتيه وعموم مشيئتيه ويثبيت أمره المتضمين بيان ميا يحبيه
ويرضاه :مين القول والعميل ويؤمين بشرعيه وقدره إيمانيا خالييا مين الزلل وهذا يتضمين
التوحيد في عبادته وحده ل شريك له :وهو التوحيد في القصد والرادة والعمل والول
يتضمين التوحييد فيي العلم والقول كميا دل على ذلك سيورة { قيل هيو ال أحيد } ودل على
الخير سيورة { :قيل ييا أيهيا الكافرون } وهميا سيورتا الخلص وبهميا كان النيبي صيلى
ال عليه وسلم يقرأ بعد الفاتحة في ركعتي الفجر وركعتي الطواف وغير ذلك .
فأما الول وهو ( التوحيد في الصفات فالصل في هذا الباب أن يوصف ال بما وصف
به نفسه وبما وصفته به رسله :نفيا وإثباتا ; فيثبت ل ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه
عن نفسه .
وقد علم أن طريقة سلف المة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ول
تمثييل ومين غيير تحرييف ول تعطييل وكذلك ينفون عنيه ميا نفاه عين نفسيه ميع إثبات ميا
أثبتيه مين الصيفات مين غيير إلحاد :ل فيي أسيمائه ول فيي آياتيه فإن ال تعالى ذم الذيين
يلحدون فيي أسييمائه وآياتييه كمييا قال تعالى { :ول السيماء الحسيينى فادعوه بهييا وذروا
الذيين يلحدون فيي أسيمائه سييجزون ميا كانوا يعملون } وقال تعالى { :إن الذيين يلحدون
في آياتنا ل يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما
3
شئتم } ! الية .فطريقتهم تتضمن إثبات السماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات :
إثباتيا بل تشيبيه وتنزيهيا بل تعطييل كميا قال تعالى { :لييس كمثله شييء وهيو السيميع
البصير } .ففي قوله { ليس كمثله شيء } :رد للتشبيه والتمثيل وقوله { :وهو السميع
البصير } .رد لللحاد والتعطيل .
وال سيبحانه :بعيث رسيله ( بإثبات مفصيل ونفيي مجميل فأثبتوا ل الصيفات على وجيه
التفصيييل ونفوا عنييه مييا ل يصييلح له ميين التشييبيه والتمثيييل كمييا قال تعالى { فاعبده
واصيطبر لعبادتيه هيل تعلم له سيميا } قال أهيل اللغية { :هيل تعلم له سيميا } أي نظيرا
يسيتحق مثيل اسيمه .ويقال :مسياميا يسياميه وهذا معنيى ميا يروى عين ابين عباس ( هيل
تعلم له سييميا مثيل أو شبيهييا وقال تعالى { لم يلد ولم يولد } { ولم يكيين له كفوا أحييد }
وقال تعالى { :فل تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون } وقال تعالى { :ومن الناس من يتخذ
من دون ال أندادا يحبونهم كحب ال والذين آمنوا أشد حبا ل } وقال تعالى { :وجعلوا
ل شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون }
{ بدييع السيموات والرض أنيى يكون له ولد ولم تكين له صياحبة وخلق كيل شييء وهيو
بكيل شييء علييم } ؟ وقال تعالى { :تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالميين
نذيرا } { الذي له ملك السموات والرض ولم يتخيذ ولدا ولم يكين له شريك فيي الملك }
وقال تعالى { :فاسييتفتهم ألربييك البنات ولهييم البنون } { أم خلقنييا الملئكيية إناثييا وهييم
شاهدون } { أل إنهم من إفكهم ليقولون } { ولد ال وإنهم لكاذبون } { أصطفى البنات
على البنييين } { مييا لكييم كيييف تحكمون } { أفل تذكرون } { أم لكييم سييلطان مييبين }
{ فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين } { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم
لمحضرون } { سيييبحان ال عميييا يصيييفون } { إل عباد ال المخلصيييين } إلى قوله :
{ سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { وسلم على المرسلين } { والحمد ل رب
العالمين } .فسبح نفسه عما يصفه المفترون المشركون وسلم على المرسلين لسلمة ما
قالوه من الفك والشرك وحمد نفسه ; إذ هو سبحانه المستحق للحمد بما له من السماء
4
والصيفات وبدييع المخلوقات وأميا ( الثبات المفصيل :فإنيه ذكير مين أسيمائه وصيفاته ميا
أنزله فييي محكييم آياتييه كقوله { :ال ل إله إل هييو الحييي القيوم } الييية بكمالهييا وقوله :
{ قل هو ال أحد } { ال الصمد } السورة وقوله { :وهو العليم الحكيم } { وهو العليم
القديير } { وهيو السيميع البصيير } { وهيو العزييز الحكييم } { وهيو الغفور الرحييم }
{ وهو الغفور الودود } { ذو العرش المجيد } { فعال لما يريد } { هو الول والخر
والظاهير والباطين وهيو بكيل شييء علييم } { هيو الذي خلق السيموات والرض فيي سيتة
أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء
وميا يعرج فيهيا وهيو معكيم أيين ميا كنتيم وال بميا تعملون بصيير } وقوله { :ذلك بأنهيم
اتبعوا ما أسخط ال وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } وقوله { :فسوف يأتي ال بقوم
يحبهييم ويحبونييه أذلة على المؤمنييين أعزة على الكافرييين } الييية وقوله { :رضييي ال
عنهيم ورضوا عنيه ذلك لمين خشيي ربيه } وقوله { :ومين يقتيل مؤمنيا متعمدا فجزاؤه
جهنيم خالدا فيهيا وغضيب ال علييه ولعنيه } وقوله { :إن الذيين كفروا ينادون لمقيت ال
أكيبر مين مقتكيم أنفسيكم إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون } وقوله { :هيل ينظرون إل أن
يأتيهيم ال فيي ظلل مين الغمام والملئكية } وقوله { :ثيم اسيتوى إلى السيماء وهيي دخان
فقال لهيا وللرض ائتييا طوعيا أو كرهيا قالتيا أتينيا طائعيين } وقوله { :وكلم ال موسيى
تكليمييا } وقوله { :وناديناه ميين جانييب الطور اليميين وقربناه نجيييا } وقوله { :ويوم
يناديهييم فيقول أييين شركائي الذييين كنتييم تزعمون } وقوله { إنمييا أمره إذا أراد شيئا أن
يقول له كيين فيكون } وقوله { :هييو ال الذي ل إله إل هييو عالم الغيييب والشهادة هييو
الرحمين الرحييم } { هيو ال الذي ل إله إل هيو الملك القدوس السيلم المؤمين المهيمين
العزييز الجبار المتكيبر سيبحان ال عميا يشركون } { هيو ال الخالق البارئ المصيور له
السيماء الحسينى يسيبح له ميا فيي السيموات والرض وهيو العزييز الحكييم } .إلى أمثال
هذه اليات والحادييث الثابتية عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي أسيماء الرب تعالى
وصيفاته فإن فيي ذلك مين إثبات ذاتيه وصيفاته على وجيه التفصييل وإثبات وحدانيتيه بنفيي
5
التمثييل ميا هدى ال بيه عباده إلى سيواء السيبيل فهذه طريقية الرسيل صيلوات ال وسيلمه
عليهيم أجمعيين .وأميا مين زاغ وحاد عين سيبيلهم مين الكفار والمشركيين والذيين أوتوا
الكتاب ومين دخيل فيي هؤلء مين الصيابئة والمتفلسيفة والجهميية والقرامطية والباطنيية
ونحوهم :فإنهم على ضد ذلك يصفونه بالصفات السلبية على وجه التفصيل ول يثبتون
إل وجودا مطلقيا ل حقيقية له عنيد التحصييل وإنميا يرجيع إلى وجود فيي الذهان يمتنيع
تحققه في العيان فقولهم يستلزم غاية التعطيل وغاية التمثيل ; فإنهم يمثلونه بالممتنعات
والمعدومات والجمادات ; ويعطلون السيييماء والصيييفات تعطيل يسيييتلزم نفيييي الذات .
فغلتهييم يسييلبون عنييه النقيضييين فيقولون :ل موجود ول معدوم ول حييي ول ميييت ول
عالم ول جاهيييل لنهيييم يزعمون أنهيييم إذا وصيييفوه بالثبات شبهوه بالموجودات وإذا
وصييفوه بالنفييي شبهوه بالمعدومات فسييلبوا النقيضييين وهذا ممتنييع فييي بداهيية العقول ;
وحرفوا ما أنزل ال من الكتاب وما جاء به الرسول فوقعوا في شر مما فروا منه فإنهم
شبهوه بالممتنعات إذ سيلب النقيضيين كجميع النقيضيين كلهميا مين الممتنعات وقيد علم
بالضطرار .أن الوجود ل بد له من موجد واجب بذاته غني عما سواه ; قديم أزلي ; ل
يجوز علييه الحدوث ول العدم فوصيفوه بميا يمتنيع وجوده فضل عين الوجوب أو الوجود
أو القدم .وقاربهييم طائفيية ميين الفلسييفة وأتباعهييم فوصييفوه بالسييلوب والضافات دون
صيفات الثبات وجعلوه هيو الوجود المطلق بشرط الطلق وقيد علم بصيريح العقيل أن
هذا ل يكون إل فييي الذهيين ل فيمييا خرج عنييه ميين الموجودات وجعلوا الصيييفة هييي
الموصيوف ,فجعلوا العلم عيين العالم مكابرة للقضاييا البديهات وجعلوا هذه الصيفة هيي
الخرى فلم يميزوا بيين العلم والقدرة والمشيئة جحدا للعلوم الضروريات وقاربهيم طائفية
ثالثية مين أهيل الكلم مين المعتزلة ومين اتبعهيم ; فأثبتوا ل السيماء دون ميا تتضمنيه مين
الصيفات -فمنهيم مين جعيل العلييم والقديير ; والسيميع ; والبصيير ; كالعلم المحضية
المترادفات ومنهيم مين قال علييم بل علم قديير بل قدرة سيميع بصيير بل سيمع ول بصير
فأثبتوا السم دون ما تضمنه من الصفات والكلم على فساد مقالة هؤلء وبيان تناقضها
6
بصريح المعقول المطابق لصحيح المنقول مذكور في غير هذه الكلمات وهؤلء جميعهم
يفرون من شيء فيقعون في نظيره وفي شر منه مع ما يلزمهم من التحريف والتعطيل
ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلت وفرقوا بين المختلفات كما تقتضيه المعقولت ;
ولكانوا ميين الذييين أوتوا العلم الذييين يرون أنمييا أنزل إلى الرسييول هييو الحييق ميين ربييه
ويهدي إلى صيراط العزييز الحمييد .ولكنهيم مين أهيل المجهولت المشبهية بالمعقولت
يسفسطون في العقليات ويقرمطون في السمعيات .وذلك أنه قد علم بضرورة العقل أنه
ل بييد ميين موجود قديييم غنييي عمييا سييواه إذ نحيين نشاهييد حدوث المحدثات :كالحيوان
والمعدن والنبات والحادث ممكييين لييييس بواجيييب ول ممتنيييع وقيييد علم بالضطرار أن
المحدث ل بيد له مين محدث والممكين ل بيد له مين موجيد كميا قال تعالى { :أم خلقوا مين
غييير شيييء أم هييم الخالقون ؟ } فإذا لم يكونوا خلقوا ميين غييير خالق ول هييم الخالقون
لنفسهم تعين أن لهم خالقا خلقهم .
وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث
ممكيين يقبييل الوجود والعدم :فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ول يلزم ميين اتفاقهمييا
فيي مسيمى الوجود أن يكون وجود هذا مثيل وجود هذا بيل وجود هذا يخصيه ووجود هذا
يخصيه واتفاقهميا فيي اسيم عام :ل يقتضيي تماثلهميا فيي مسيمى ذلك السيم عنيد الضافية
والتخصيص والتقييد ول في غيره .فل يقول عاقل إذا قيل أن العرش شيء موجود وأن
البعوض شيء موجود :إن هذا مثل هذا ; لتفاقهما في مسمى الشيء والوجود لنه ليس
فيي الخارج شييء موجود غيرهميا يشتركان فييه بيل الذهين يأخيذ معنيى مشتركيا كلييا هيو
مسييمى السييم المطلق وإذا قيييل هذا موجود وهذا موجود :فوجود كييل منهمييا يخصييه ل
يشركه فيه غيره ; مع أن السم حقيقة في كل منهما ولهذا سمى ال نفسه بأسماء وسمى
صيفاته بأسيماء ; وكانيت تلك السيماء مختصية بيه إذا أضيفيت إلييه ل يشركيه فيهيا غيره
وسمى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك السماء إذا قطعت
عين الضافية والتخصييص ; ولم يلزم مين اتفاق السيمين وتماثيل مسيماهما واتحاده عنيد
7
الطلق والتجريد عن الضافة والتخصيص :اتفاقهما ول تماثل المسمى عند الضافة
والتخصييص فضل عين أن يتحيد مسيماهما عنيد الضافية والتخصييص .فقيد سيمى ال
نفسييه حيييا فقال { :ال ل إله إل هييو الحييي القيوم } وسييمى بعييض عباده حيييا ; فقال :
{ يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } وليس هذا الحي مثل هذا الحي لن
قوله الحيي اسيم ل مختيص بيه وقوله { :يخرج الحيي مين المييت } اسيم للحيي المخلوق
مختيص بيه وإنميا يتفقان إذا أطلقيا وجردا عين التخصييص ; ولكين لييس للمطلق مسيمى
موجود فييي الخارج ولكيين العقييل يفهييم ميين المطلق قدرا مشتركييا بييين المسييميين وعنييد
الختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق والمخلوق عن الخالق ول بد من
هذا في جميع أسماء ال وصفاته يفهم منها ما دل عليه السم بالمواطأة والتفاق وما دل
عليييه بالضافيية والختصيياص :المانعيية ميين مشاركيية المخلوق للخالق فييي شيييء ميين
خصائصه -سبحانه وتعالى وكذلك سمى ال نفسه عليما حليما وسمى بعض عباده عليما
فقال { :وبشروه بغلم علييم } يعنيي إسيحاق وسيمى آخير حليميا فقال { :فبشرناه بغلم
حلييم } يعنيي إسيماعيل ولييس العلييم كالعلييم ول الحلييم كالحلييم ,وسيمى نفسيه سيميعا
بصيييرا فقال { :إن ال يأمركييم أن تؤدوا المانات إلى أهلهييا وإذا حكمتييم بييين الناس أن
تحكموا بالعدل إن ال نعميا يعظكيم بيه إن ال كان سيميعا بصييرا } وسيمى بعيض عباده
سميعا بصيرا فقال { :إنا خلقنا النسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا }
وليس السميع كالسميع ول البصير كالبصير وسمى نفسه بالرءوف الرحيم .فقال { :إن
ال بالناس لرءوف رحييم } وسيمى بعيض عباده بالرءوف الرحييم فقال { :لقيد جاءكيم
رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } وليس
الرءوف كالرءوف ول الرحييم كالرحييم وسيمى نفسيه بالملك .فقال { :الملك القدوس }
وسيمى بعيض عباده بالملك فقال { وكان وراءهيم ملك يأخيذ كيل سيفينة غصيبا } { وقال
الملك ائتونيي بيه } ولييس الملك كالملك .وسيمى نفسيه بالمؤمين المهيمين وسيمى بعيض
عباده بالمؤمين فقال { :أفمين كان مؤمنيا كمين كان فاسيقا ل يسيتوون } ولييس المؤمين
8
كالمؤمين وسيمى نفسيه بالعزييز فقال { :العزييز الجبار المتكيبر } وسيمى بعيض عباده
بالعزيييز فقال { :قالت امرأة العزيييز } وليييس العزيييز كالعزيييز وسييمى نفسييه الجبار
المتكيبر وسيمى بعيض خلقيه بالجبار المتكيبر قال { :كذلك يطبيع ال على كيل قلب متكيبر
جبار } وليييس الجبار كالجبار ول المتكييبر كالمتكييبر ونظائر هذا متعددة وكذلك سييمى
صيفاته بأسيماء وسيمى صيفات عباده بنظيير ذلك فقال { :ول يحيطون بشييء مين علميه
إل بمييا شاء } { أنزله بعلمييه } وقال { :إن ال هييو الرزاق ذو القوة المتييين } وقال :
{ أولم يروا أن ال الذي خلقهيم هيو أشيد منهيم قوة } وسيمى صيفة المخلوق علميا وقوة
فقال { :ومييا أوتيتييم ميين العلم إل قليل } وقال { :وفوق كييل ذي علم عليييم } وقال :
{ فرحوا بما عندهم من العلم } وقال { :ال الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد
ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } وقال { :ويزدكم قوة إلى قوتكم } وقال
{ :والسماء بنيناها بأيد } أي بقوة وقال { :واذكر عبدنا داود ذا اليد } أي ذا القوة
وليس العلم كالعلم ول القوة كالقوة ووصف نفسه بالمشيئة ووصف عبده بالمشيئة فقال :
{ لمين شاء منكيم أن يسيتقيم } { وميا تشاءون إل أن يشاء ال رب العالميين } وقال :
{ إن هذه تذكرة } { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيل } { وما تشاءون إل أن يشاء ال إن
ال كان عليمييا حكيمييا } وكذلك وصييف نفسييه بالرادة وعبده بالرادة فقال { :تريدون
عرض الدنيا وال يريد الخرة وال عزيز حكيم } ووصف نفسه بالمحبة ووصف عبده
بالمحبة فقال { :فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه } وقال { :قل إن كنتم تحبون ال
فاتبعوني يحببكم ال } ووصف نفسه بالرضا ووصف عبده بالرضا فقال { :رضي ال
عنهييم ورضوا عنييه } ومعلوم أن مشيئة ال ليسييت مثييل مشيئة العبييد ,ول إرادتييه مثييل
إرادتيه ول محبتيه مثيل محبتيه ,ول رضاه مثيل رضاه وكذلك وصيف نفسيه بأنيه يمقيت
الكفار ووصفهم بالمقت فقال { :إن الذين كفروا ينادون لمقت ال أكبر من مقتكم أنفسكم
إذ تدعون إلى اليمان فتكفرون } ولييس المقيت مثيل المقيت وهكذا وصيف نفسيه بالمكير
والكيييد كمييا وصييف عبده بذلك فقال { :ويمكرون ويمكيير ال } وقال { إنهييم يكيدون
9
كيدا } { وأكيد كيدا } وليس المكر كالمكر ول الكيد كالكيد ووصف نفسه بالعمل فقال :
{ أولم يروا أنيا خلقنيا لهيم مميا عملت أيدينيا أنعاميا فهيم لهيا مالكون ؟ } ووصيف عبده
بالعميل فقال { جزاء بميا كانوا يعملون } ولييس العميل كالعميل ووصيف نفسيه بالمناداة
والمناجاة فقال { :وناديناه مييين جانيييب الطور اليمييين وقربناه نجييييا } وقال { :ويوم
يناديهييم } وقال { :وناداهمييا ربهمييا } ووصييف عباده بالمناداة والمناجاة فقال { :إن
الذيين ينادونيك مين وراء الحجرات أكثرهيم ل يعقلون } وقال { :إذا ناجيتيم الرسيول }
وقال { :إذا تناجيتيم فل تتناجوا بالثيم والعدوان } ولييس المناداة ول المناجاة كالمناجاة
والمناداة ووصيف نفسيه بالتكلييم فيي قوله { :وكلم ال موسيى تكليميا } وقوله { :ولميا
جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } وقوله { :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم
من كلم ال } ووصف عبده بالتكليم في قوله { :وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي
فلميا كلميه قال إنيك اليوم لدينيا مكيين أميين } ولييس التكلييم كالتكلييم ووصيف نفسيه بالتنبئة
ووصف بعض الخلق بالتنبئة فقال { :وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت
بيه وأظهره ال علييه عرف بعضيه وأعرض عين بعيض فلميا نبأهيا بيه قالت من أنبأك هذا
قال نبأنيي العلييم الخيبير } ولييس النباء كالنباء ووصيف نفسيه بالتعلييم ووصيف عبده
بالتعليم فقال { :الرحمن } { علم القرآن } { خلق النسان } { علمه البيان } وقال { :
تعلمونهين مميا علمكيم ال } وقال { :لقيد من ال على المؤمنيين إذ بعيث فيهيم رسول مين
أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وليس التعليم كالتعليم وهكذا
وصف نفسه بالغضب فقال { :وغضب ال عليهم ولعنهم } ووصف عبده بالغضب في
قوله { :ولميا رجيع موسيى إلى قوميه غضبان أسيفا } ولييس الغضيب كالغضيب ووصيف
نفسيه بأنيه اسيتوى على عرشيه فذكير ذلك فيي سيبع مواضيع مين كتابيه أنيه اسيتوى على
العرش ووصف بعض خلقه بالستواء على غيره في مثل قوله { :لتستووا على ظهوره
} وقوله { :فإذا اسيتويت أنيت ومين معيك على الفلك } وقوله { :واسيتوت على
الجودي } وليس الستواء كالستواء ووصف نفسه ببسط اليدين فقال { :وقالت اليهود
10
يد ال مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } ووصف
بعيض خلقيه ببسيط الييد فيي قوله { :ول تجعيل يدك مغلولة إلى عنقيك ول تبسيطها كيل
البسط } وليس اليد كاليد ول البسط كالبسط ; وإذا كان المراد بالبسط العطاء والجود :
فلييس إعطاء ال كإعطاء خلقيه ول جوده كجودهيم ونظائر هذا كثيرة .فل بيد مين إثبات
ما أثبته ال لنفسه ونفي مماثلته بخلقه فمن قال :ليس ل علم ول قوة ول رحمة ول كلم
ول يحيييب ول يرضيييى ول نادى ول ناجيييى ول اسيييتوى :كان معطل جاحدا ممثل ل
بالمعدومات والجمادات ومين قال له علم كعلميي أو قوة كقوتيي أو حيب كحيبي أو رضاء
كرضاي أو يدان كيداي أو اسيتواء كاسيتوائي كان مشبهيا ممثل ل بالحيوانات ; بيل ل بيد
مييين إثبات بل تمثييييل وتنزييييه بل تعطييييل ويتيييبين هذا ( بأصيييلين شريفيييين ) ومثليييين
مضروبين -ول المثل العلى . -و ( بخاتمة جامعة )
فصل
فأما الصلن :فأحدهما أن يقال ( :القول في بعض الصفات كالقول في بعض فإن كان
المخاطب ممن يقول :بأن ال حي بحياة عليم بعلم قدير بقدرة سميع بسمع بصير ببصر
متكلم بكلم مريييد بإرادة ويجعييل ذلك كله حقيقيية وينازع فييي محبتييه ورضاه وغضبييه
وكراهتييه فيجعييل ذلك مجازا ويفسييره إمييا بالرادة وإمييا ببعييض المخلوقات ميين النعييم
والعقوبات فيقال له :ل فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته بل القول في أحدهما كالقول في
الخير ; فإن قلت :إن إرادتيه مثيل إرادة المخلوقيين فكذلك محبتيه ورضاه وغضبيه وهذا
هيو التمثييل وإن قلت :إن له إرادة تلييق بيه ; كميا أن للمخلوق إرادة تلييق بيه قييل لك :
وكذلك له محبية تلييق بيه وللمخلوق محبية تلييق بيه وله رضيا وغضيب يلييق بيه وللمخلوق
رضييا وغضييب يليييق بييه وإن قلت :الغضييب غليان دم القلب لطلب النتقام فيقال له :
والرادة مييل النفيس إلى جلب منفعية أو دفيع مضرة فإن قلت :هذه إرادة المخلوق قييل
11
لك :وهذا غضب المخلوق وكذلك يلزم القول في كلمه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته
; إن نفيي عنه الغضيب والمحبية والرضيا ونحيو ذلك مميا هيو مين خصيائص المخلوقيين ;
فهذا منتيف عين السيمع والبصير والكلم وجمييع الصيفات وإن قال :أنيه ل حقيقية لهذا إل
ميا يختيص بالمخلوقيين ; فيجيب نفييه عنيه قييل له :وهكذا السيمع والبصير والكلم والعلم
والقدرة فهذا المفرق بييين بعييض الصييفات وبعييض يقال له :فيمييا نفاه كمييا يقوله هييو
لمنازعه فيما أثبته فإذا قال المعتزلي :ليس له إرادة ول كلم قائم به ; لن هذه الصفات
ل تقوم إل بالمخلوقات فإنيه ييبين للمعتزلي أن هذه الصيفات يتصيف بهيا القدييم ول تكون
كصفات المحدثات فهكذا يقول له المثبتون لسائر الصفات من المحبة والرضا ونحو ذلك
فإن قال :تلك الصيفات أثبتهيا بالعقيل لن الفعيل الحادث دل على القدرة والتخصييص دل
على الرادة والحكام دل على العلم وهذه الصيفات مسيتلزمة للحياة والحيي ل يخلو عين
السمع والبصر والكلم أو ضد ذلك قال له سائر أهل الثبات :لك جوابان :أحدهما أن
يقال :عدم الدلييل المعيين ل يسيتلزم عدم المدلول المعيين فهيب أن ميا سيلكت مين الدلييل
العقلي ل يثبت ذلك فإنه ل ينفيه وليس لك أن تنفيه بغير دليل لن النافي عليه الدليل كما
على المثبييت والسييمع قييد دل عليييه ولم يعارض ذلك معارض عقلي ول سييمعي فيجييب
إثبات مييا أثبتييه الدليييل السييالم عيين المعارض المقاوم الثانييي أن يقال :يمكيين إثبات هذه
الصيفات بنظيير ميا أثبيت بيه تلك مين العقليات فيقال نفيع العباد بالحسيان إليهيم دل على
الرحمييية كدللة التخصييييص على المشيئة وإكرام الطائعيييين يدل على محبتهيييم وعقاب
الكافرييين يدل على بغضهييم كمييا قييد ثبييت بالشهادة والخييبر :ميين إكرام أوليائه وعقاب
أعدائه والغايات المحمودة فييي مفعولتييه ومأموراتييه -وهييي مييا تنتهييي إليييه مفعولتييه
ومأموراتيه مين العواقيب الحميدة -تدل على حكمتيه البالغية ; كميا يدل التخصييص على
المشيئة وأولى لقوة العلة الغائيية ; ولهذا كان ميا فيي القرآن مين بيان ميا فيي مخلوقاتيه مين
النعيم والحكيم :أعظيم مميا فيي القرآن مين بيان ميا فيهيا مين الدللة على محيض المشيئة
وإن كان المخاطيب ممين ينكير الصيفات ويقير بالسيماء كالمعتزلي الذي يقول :إنيه حيي
12
علييم قديير وينكير أن يتصيف بالحياة والعلم والقدرة قييل له :ل فرق بيين إثبات السيماء
وإثبات الصييفات فإنييك إن قلت :إثبات الحياة والعلم والقدرة يقتضييي تشبيهييا أو تجسيييما
لنا ل نجد في الشاهد متصفا بالصفات إل ما هو جسم قيل لك :ول نجد في الشاهد ما
هو مسمى حي عليم قدير إل ما هو جسم فإن نفيت ما نفيت لكونك لم تجده في الشاهد إل
للجسم فانف السماء بل وكل شيء لنك ل تجده في الشاهد إل للجسم فكل ما يحتج به
من نفى الصفات يحتج به نافي السماء الحسنى ; فما كان جوابا لذلك كان جوابا لمثبتي
الصفات وإن كان المخاطب من الغلة نفاة السماء والصفات وقال ل أقول :هو موجود
ول حييي ول عليييم ول قدييير ; بييل هذه السييماء لمخلوقاتييه إذ هييي مجاز لن إثبات ذلك
يستلزم التشبيه بالموجود الحي العليم قيل له :كذلك إذا قلت :ليس بموجود ول حي ول
عليم ول قدير كان ذلك تشبيها بالمعدومات وذلك أقبح من التشبيه بالموجودات فإن قال :
أنيا أنفيي النفيي والثبات قييل له :فيلزميك التشبيه بميا اجتميع فييه النقيضان مين الممتنعات
فإنيه يمتنيع أن يكون الشييء موجودا معدوميا أو ل موجودا ول معدوميا ويمتنيع أن يكون
يوصيف ذلك باجتماع الوجود والعدم أو الحياة والموت أو العلم والجهيل أو يوصيف بنفيي
الوجود والعدم ونفيييي الحياة والموت ونفيييي العلم والجهيييل فإن قلت إنميييا يمتنيييع نفيييي
النقيضييين عمييا يكون قابل لهمييا وهذان يتقابلن تقابييل العدم والملكيية ; ل تقابييل السييلب
واليجاب فإن الجدار ل يقال له أعميى ول بصيير ول حيي ول مييت إذ لييس بقابيل لهميا
قيييل لك :أول هذا ل يصييح فييي الوجود والعدم فإنهمييا متقابلن تقابييل السييلب واليجاب
باتفاق العقلء ; فيلزم مين رفيع أحدهميا ثبوت الخير وأميا ميا ذكرتيه مين الحياة والموت
والعلم والجهييل :فهذا اصييطلح اصييطلحت عليييه المتفلسييفة المشاءون والصييطلحات
اللفظيية ليسيت دليل على نفيي الحقائق العقليية وقيد قال ال تعالى { :والذيين يدعون مين
دون ال ل يخلقون شيئا وهم يخلقون } { أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ؟
} فسمى الجماد ميتا وهذا مشهور في لغة العرب وغيرهم وقيل لك ثانيا :فما ل يقبل
التصياف بالحياة والموت والعميى والبصير ونحيو ذلك مين المتقابلت أنقيص مميا يقبيل
13
ذلك -فالعميى الذي يقبيل التصياف بالبصير أكميل مين الجماد الذي ل يقبيل واحدا منهميا
فأنيت فررت مين تشيبيهه بالحيوانات القابلة لصيفات الكمال ووصيفته بصيفات الجامدات
التيي ل تقبيل ذلك وأيضيا فميا ل يقبيل الوجود والعدم :أعظيم امتناعيا مين القابيل للوجود
والعدم ; بييل وميين اجتماع الوجود والعدم ونفيهمييا جميعييا فمييا نفيييت عنييه قبول الوجود
والعدم .كان أعظييم امتناعييا ممييا نفيييت عنييه الوجود والعدم وإذا كان هذا ممتنعييا فييي
صييرائح العقول فذاك أعظييم امتناعييا ; فجعلت الوجود الواجييب الذي ل يقبييل العدم هييو
أعظيم الممتنعات وهذا غايية التناقيض والفسياد وهؤلء الباطنيية منهيم مين يصيرح برفيع
النقيضييين :الوجود والعدم ; ورفعهمييا كجمعهمييا .وميين يقول ل أثبييت واحدا منهمييا
فامتناعيه عين إثبات أحدهميا فيي نفيس المير ل يمنيع تحقيق واحيد منهميا فيي نفيس المير
وإنما هو كجهل الجاهل وسكوت الساكت الذي ل يعبر عن الحقائق وإذا كان ما ل يقبل
الوجود ول العدم أعظم امتناعا مما يقدر قبوله لهما -مع نفيهميا عنه -فميا يقدر ل يقبيل
الحياة ول الموت ول العلم ول الجهييل ول القدرة ول العجييز ول الكلم ول الخرس ول
العمى ول البصر ول السمع ول الصمم :أقرب إلى المعدوم الممتنع مما يقدر قابل لهما
-ميع نفيهميا عنيه -وحينئذ فنفيهميا ميع كونيه قابل لهميا أقرب إلى الوجود والممكين وميا
جاز لواجب الوجود -قابل -وجب له ; لعدم توقف صفاته على غيره ; فإذا جاز القبول
وجب ; وإذا جاز وجود القبول وجب وقد بسط هذا في موضع آخر وبين وجوب اتصافه
بصيفات الكمال التي ل نقص فيها بوجيه من الوجوه وقيل له أيضيا :اتفاق المسميين في
بعييض السييماء والصييفات :ليييس هييو التشييبيه والتمثيييل الذي نفتييه الدلة السييمعيات
والعقليات وإنما نفت ما يستلزم اشتراكهما فيما يختص به الخالق مما يختص بوجوبه أو
جوازه أو امتناعيه ; فل يجوز أن يشركيه فييه مخلوق ول يشركيه مخلوق فيي شييء مين
خصائصه -سبحانه وتعالى وأما ما نفيته فهو ثابت بالشرع والعقل وتسميتك ذلك تشبيها
وتجسيما تمويه على الجهال الذين يظنون أن كل معنى سماه مسم بهذا السم يجب نفيه ;
ولو سياغ هذا لكان كيل مبطيل يسيمي الحيق بأسيماء ينفير عنهيا بعيض الناس ليكذب الناس
14
بالحييق المعلوم بالسييمع والعقييل وبهذه الطريقيية :أفسييدت الملحدة على طوائف الناس
عقلهيم ودينهيم حتيى أخرجوهيم إلى أعظيم الكفير والجهالة وأبلغ الغيي والضللة وإن قال
نفاة الصييفات :إثبات العلم والقدرة والرادة مسييتلزم تعدد الصييفات وهذا تركيييب ممتنييع
قيل :وإذا قلتم :هو موجود واجب وعقل وعاقل ومعقول وعاشق ومعشوق ولذيذ وملتذ
ولذة .أفلييس المفهوم مين هذا هيو المفهوم مين هذا ؟ فهذه معان متعددة متغايرة فيي العقيل
وهذا تركييب عندكيم وأنتيم تثبتونيه وتسيمونه توحيدا فإن قالوا :هذا توحيييد فيي الحقيقية
ولييس هذا تركيبيا ممتنعيا قييل لهيم :واتصياف الذات بالصيفات اللزمية لهيا توحييد فيي
الحقيقية ; ولييس هيو تركيبيا ممتنعيا وذلك أنيه مين المعلوم فيي صيريح العقول أنيه لييس
معنى كون الشيء عالما هو معنى كونه قادرا ول نفس ذاته هو نفس كونه عالما قادرا ;
فمين جوز أن تكون هذه الصيفة هيي الموصيوف فهيو مين أعظيم الناس سيفسطة ثيم إنيه
متناقيض فإنيه إن جوز ذلك جاز أن يكون وجود هذا هيو وجود هذا فيكون الوجود واحدا
بالعين ل بالنوع وحينئذ فإذا كان وجود الممكن هو وجود الواجب كان وجود كل مخلوق
يعدم بعدم وجوده ويوجيد بعيد عدميه :هيو نفيس وجود الحيق القدييم الدائم الباقيي الذي ل
يقبيل العدم وإذا قدر هذا كان الوجود الواجيب موصيوفا بكيل تشيبيه وتجسييم وكيل نقيص
وكييل عيييب ; كمييا يصييرح بذلك ( أهييل وحدة الوجود الذييين طردوا هذا الصييل الفاسييد
وحينئذ فتكون أقوال نفاة الصيفات باطلة على كيل تقديير وهذا باب مطرد فإن كيل واحيد
من النفاة لما أخبر به الرسول من الصفات :ل ينفي شيئا فرارا مما هو محذور إل وقد
أثبيت ميا يلزميه فييه نظيير ميا فير منيه فل بيد فيي آخير المير مين أن يثبيت موجودا واجبيا
قديميا متصيفا بصيفات تميزه عين غيره ول يكون فيهيا مماثل لخلقيه فيقال له :هكذا القول
في جمع الصفات وكل ما تثبته من السماء والصفات :فل بد أن يدل على قدر تتواطأ
فييه المسيميات ولول ذلك لميا فهيم الخطاب ; ولكين نعلم أن ميا اختيص ال بيه وامتاز عين
خلقه :أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال .
15
وهذا يتبين ( بالصيل الثانيي وهو أن يقال ( :القول فيي الصيفات كالقول في الذات ,فإن
ال ليس كمثله شيء ل في ذاته ول في صفاته ول في أفعاله .فإذا كان له ذات حقيقة ل
تماثيل الذوات .فالذات متصيفة بصيفات حقيقية ل تماثيل سيائر الصيفات فإذا قال السيائل :
كييف اسيتوى على العرش ؟ قييل له كميا قال ربيعية ومالك وغيرهميا رضيي ال عنهميا :
السييتواء معلوم والكيييف مجهول واليمان بيه واجييب والسيؤال عين الكيفييية بدعيية لنيه
سيؤال عميا ل يعلميه البشير ول يمكنهيم الجابية عنيه وكذلك إذا قال :كييف ينزل ربنيا إلى
السماء الدنيا ؟ قيل له :كيف هو ؟ فإذا قال :ل أعلم كيفيته قيل له :ونحن ل نعلم كيفية
نزوله إذ العلم بكيفييية الصييفة يسييتلزم العلم بكيفييية الموصييوف وهييو فرع له وتابييع له ;
فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله وأنت ل تعلم كيفية
ذاته وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس المر مستوجبة لصفات الكمال ل يماثلها
شييء فسيمعه وبصيره وكلميه ونزوله واسيتواؤه ثابيت فيي نفيس المير وهيو متصيف
بصييفات الكمال التييي ل يشابهييه فيهييا سييمع المخلوقييين وبصييرهم وكلمهييم ونزولهييم
واستواؤهم وهذا الكلم لزم لهم في العقليات وفي تأويل السمعيات :فإن من أثبت شيئا
ونفى شيئا بالعقل -إذا -ألزم فيما نفاه من الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة نظير ما
يلزمه فيما أثبته ولو طولب بالفرق بين المحذور في هذا وهذا :لم يجد بينهما فرقا ولهذا
ل يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض -الذين يوجبون فيما نفوه :إما التفويض ; وإما
التأوييل المخالف لمقتضيى اللفيظ -قانون مسيتقيم .فإذا قييل لهيم :لم تأولتيم هذا وأقررتيم
هذا والسييؤال فيهمييا واحييد ؟ لم يكيين لهييم جواب صييحيح فهذا تناقضهييم فييي النفييي وكذا
تناقضهم في الثبات ; فإن من تأول النصوص على معنى من المعاني التي يثبتها فإنهم
إذا صيرفوا النيص عين المعنيى الذي هيو مقتضاه إلى معنيى آخير :لزمهيم فيي المعنيى
المصروف إليه ما كان يلزمهم في المعنى المصروف عنه فإذا قال قائل :تأويل محبته
ورضاه وغضبه وسخطه :هو إرادته للثواب والعقاب ; كان ما يلزمه في الرادة نظير
ما يلزمه في الحب والمقت والرضا والسخط ولو فسر ذلك بمفعولته وهو ما يخلقه من
16
الثواب والعقاب فإنه يلزمه في ذلك نظير ما فر منه فإن الفعل ل بد أن يقوم أول بالفاعل
والثواب والعقاب المفعول إنمييا يكون على فعييل مييا يحبييه ويرضاه ويسييخطه ويبغضييه
المثيب المعاقب فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد مثلوا وإن
أثبتوه على خلف ذلك فكذلك الصفات .
فصل
وأمييا المثلن المضروبان :فإن ال -سييبحانه وتعالى -أخبرنييا عمييا فييي الجنيية ميين
المخلوقات :مين أصيناف المطاعيم والملبيس والمناكيح والمسياكن ; فأخبرنيا أن فيهيا لبنيا
وعسل وخمرا وماء ولحما وحريرا وذهبا وفضة وفاكهة وحورا وقصورا وقد قال ابن
عباس رضي ال عنهما :ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إل السماء وإذا كانت تلك
الحقائق التي أخبر ال عنها هي موافقة في السماء للحقائق الموجودة في الدنيا وليست
مماثلة لها ; بل بينهما من التباين ما ل يعلمه إل ال تعالى :فالخالق -سبحانه وتعالى -
أعظيم مباينية للمخلوقات منيه مباينية المخلوق للمخلوق ومباينتيه لمخلوقاتيه :أعظيم مين
مباينة موجود الخرة لموجود الدنيا إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق الموافق له في السم
مين الخالق إلى المخلوق وهذا بيين واضيح ولهذا افترق الناس فيي هذا المقام ثلث فرق :
فالسلف والئمة وأتباعهم :آمنوا بما أخبر ال به عن نفسه وعن اليوم الخر مع علمهم
بالمباينية التيي بيين ميا فيي الدنييا وبيين ميا فيي الخرة وأن مباينية ال لخلقيه أعظيم والفرييق
الثاني :الذين أثبتوا ما أخبر ال به في الخرة من الثواب والعقاب ونفوا كثيرا مما أخبر
به من الصفات ; مثل طوائف من أهل الكلم والفريق الثالث :نفوا هذا وهذا كالقرامطة
والباطنيية والفلسيفة أتباع المشائيين ونحوهيم مين الملحدة الذيين ينكرون حقائق ميا أخيبر
ال بيه عين نفسيه وعين اليوم الخير ,ثيم إن كثيرا منهيم يجعلون المير والنهيي مين هذا
الباب ; فيجعلون الشرائع المأمور بهيا والمحظورات المنهيي عنهيا :لهيا تأويلت باطنية
17
تخالف ما يعرفه المسلمون منها كما يتأولون من الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان
وحج البيت فيقولون :إن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم ,وإن صيام رمضان كتمان
أسييرارهم ,وإن حييج البيييت السييفر إلى شيوخهييم ونحييو ذلك ميين التأويلت التييي يعلم
بالضطرار أنهييا كذب وافتراء على الرسييل -صييلوات ال عليهييم -وتحريييف لكلم ال
ورسوله عن مواضعه وإلحاد في آيات ال وقد يقولون الشرائع تلزم العامة دون الخاصة
فإذا صيار الرجيل مين عارفيهيم ومحققيهيم وموحديهيم :رفعوا عنيه الواجبات وأباحوا له
المحظورات وقيد يدخيل فيي المنتسيبين إلى التصيوف والسيلوك مين يدخيل فيي بعيض هذه
المذاهب وهؤلء الباطنية :هم الملحدة الذين أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود
والنصارى وما يحتج به على الملحدة أهل اليمان والثبات :يحتج به كل من كان من
أهييل اليمان والثبات على ميين يشرك هؤلء فييي بعييض إلحادهييم فإذا أثبييت ل تعالى
الصيفات ونفيى عنيه مماثلة المخلوقات -كميا دل على ذلك اليات البينات -كان ذلك هيو
الحييق الذي يوافييق المعقول والمنقول ويهدم أسيياس اللحاد والضللت وال سييبحانه ل
تضرب له المثال التيي فيهيا مماثلة لخلقيه فإن ال ل مثييل له ; بيل له " المثيل العلى "
فل يجوز أن يشرك هيو والمخلوقات فيي قياس تمثييل ول فيي قياس شمول تسيتوي أفراده
ولكيين يسييتعمل فييي حقييه المثييل العلى وهييو أن كييل مييا اتصييف بييه المخلوق ميين كمال
فالخالق أولى به ,وكل ما ينزه عنه المخلوق من نقص فالخالق أولى بالتنزيه عنه ,فإذا
كان المخلوق منزهيا عين مماثلة المخلوق ميع الموافقية فيي السيم :فالخالق أولى أن ينزه
عن مماثلة المخلوق ,وإن حصلت موافقة في السم وهكذا القول في المثل الثاني .وهو
أن الروح التي فينا -فإنها قد وصفت بصفات ثبوتية وسلبية وقد أخبرت النصوص أنها
تعرج وتصعد من سماء إلى سماء وأنها تقبض من البدن وتسل منه كما تسل الشعرة من
العجينيية والناس مضطربون فيهييا ; فمنهييم طوائف ميين أهييل الكلم يجعلونهييا جزءا ميين
البدن أو صفة من صفاته كقول بعضهم :أنها النفس أو الريح التي تردد في البدن وقول
بعضهيم :إنهيا الحياة أو المزاج أو نفيس البدن ومنهيم طوائف مين أهيل الفلسيفة يصيفونها
18
بما يصفون به واجب الوجود عندهم وهي أمور ل يتصف بها إل ممتنع الوجود فيقولون
:ل هي داخلة في البدن ول خارجة ول مباينة له ول مداخلة له ول متحركة ول ساكنة
ول تصعد ول تهبط ول هي جسم ول عرض وقد يقولون :أنها ل تدرك المور المعينة
والحقائق الموجودة فيي الخارج وإنميا تدرك المور الكليية المطلقية وقيد يقولون :أنهيا ل
داخييل العالم ول خارجييه ول مباينيية له ول مداخلة وربمييا قالوا ليسييت داخلة فييي أجسييام
العالم ول خارجة عنها مع تفسيرهم للجسم بما ل يقبل الشارة الحسية فيصفونها بأنها ل
يمكين الشارة إليهيا ونحيو ذلك مين الصيفات السيلبية التيي تلحقهيا بالمعدوم والممتنيع وإذا
قيل لهم :إثبات مثل هذا ممتنع في ضرورة العقل قالوا :بل هذا ممكن بدليل أن الكليات
ممكنية موجودة وهيي غيير مشار إليهيا وقيد غفلوا عين كون الكليات ل توجيد كليية إل فيي
الذهان ل فييي العيان ; فيعتمدون فيمييا يقولونييه فييي المبدأ والمعاد على مثييل هذا الخيال
الذي ل يخفيييى فسييياده على غالب الجهال واضطراب النفاة والمثبتييية فيييي الروح كثيييير
وسبب ذلك أن الروح -التي تسمى بالنفس الناطقة عند الفلسفة -ليست هي من جنس
هذا البدن ول مين جنيس العناصير والمولدات منهيا ; بيل هيي مين جنيس آخير مخالف لهذه
الجناس فصار هؤلء ل يعرفونها إل بالسلوب التي توجب مخالفتها للجسام المشهودة
وأولئك يجعلونهيا مين جنيس الجسيام المشهودة وكل القوليين خطيأ وإطلق القول عليهيا
بأنهيا جسيم أو ليسيت بجسيم يحتاج إلى تفصييل فإن لفيظ الجسيم للناس فييه أقوال متعددة
اصيطلحية غيير معناه اللغوي فإن أهيل اللغية يقولون :الجسيم هيو الجسيد والبدن وبهذا
العتبار فالروح ليسيت جسيما ; ولهذا يقولون :الروح والجسيم ; كميا قال تعالى { :وإذا
رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم } وقال تعالى { :وزاده بسطة في العلم
والجسم } وأما أهل الكلم :فمنهم من يقول الجسم هو الموجود ; ومنهم من يقول :هو
القائم بنفسيه ومنهيم مين يقول :هيو المركيب مين الجواهير المفردة ومنهيم مين يقول :هيو
المركب من المادة والصورة وكل هؤلء يقولون :إنه مشار إليه إشارة حسية ومنهم من
يقول :لييس مركبيا مين هذا ول مين هذا بيل هيو مميا يشار إلييه ويقال :إنيه هنيا أو هناك ;
19
فعلى هذا إن كانيت الروح مما يشار إليها ويتبعها بصر الميت -كما قال صلى ال عليه
وسيلم { :أن الروح إذا خرجيت تبعهيا البصير وأنهيا تقبيض ويعرج بهيا إلى السيماء } -
كانت الروح جسما بهذا الصطلح والمقصود :أن الروح إذا كانت موجودة حية عالمة
قادرة سيميعة بصييرة :تصيعد وتنزل وتذهيب وتجييء ونحيو ذلك مين الصيفات ,والعقول
قاصرة عن تكييفها وتحديدهيا ; لنهم لم يشاهدوا لها نظيرا .والشييء إنما تدرك حقيقته
بمشاهدتيه أو مشاهدة نظيره .فإذا كانيت الروح متصيفة بهذه الصيفات ميع عدم مماثلتهيا
لميا يشاهيد مين المخلوقات :فالخالق أولى بمباينته لمخلوقاتيه ميع اتصيافه بميا يسيتحقه من
أسيمائه وصيفاته ; وأهيل العقول هيم أعجيز عين أن يحدوه أو يكيفوه منهيم عين أن يحدوا
الروح أو يكيفوهيا .فإذا كان مين نفيى صيفات الروح جاحدا معطل لهيا ومين مثلهيا بميا
يشاهده مين المخلوقات جاهل ممثل لهيا بغيير شكلهيا وهيي ميع ذلك ثابتية بحقيقية الثبات
مستحقة لما لها من الصفات :الخالق -سبحانه وتعالى -أولى أن يكون من نفى صفاته
جاحدا معطل ومين قاسيه بخلقيه جاهل بيه ممثل " وهيو -سيبحانه وتعالى -ثابيت بحقيقية
الثبات مستحق لما له من السماء والصفات .
فصل
20
ول كمال .فلهذا كان عامة ما وصف ال به نفسه من النفي متضمنا لثبات مدح كقوله
{ :ال ل إله إل هييييو الحييييي القيوم ل تأخذه سيييينة ول نوم } إلى قوله { :ول يؤوده
حفظهميا } فنفيي السينة والنوم :يتضمين كمال الحياة والقيام ; فهيو ميبين لكمال أنيه الحيي
القيوم وكذلك قوله { :ول يؤوده حفظهميا } أي ل يكرثيه ول يثقله وذلك مسيتلزم لكمال
قدرتيه وتمامهيا بخلف المخلوق القادر إذا كان يقدر على الشييء بنوع كلفية ومشقية فإن
هذا نقييص فييي قدرتييه وعيييب فييي قوتييه وكذلك قوله { :ل يعزب عنييه مثقال ذرة فييي
السييموات ول فييي الرض } فإن نفييي العزوب مسييتلزم لعلمييه بكييل ذرة فييي السييموات
والرض وكذلك قوله { :ولقيد خلقنيا السيموات والرض وميا بينهميا فيي سيتة أيام وميا
مسينا مين لغوب } فإن نفيي ميس اللغوب الذي هيو التعيب والعياء دل على كمال القدرة
ونهاية القوة بخلف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلل ما يلحقه وكذلك قوله { :ل
تدركيه البصيار } إنميا نفيى الدراك الذي هيو الحاطية كميا قاله أكثير العلماء ولم ينيف
مجرد الرؤية ; لن المعدوم ل يرى ولييس في كونه ل يرى مدح ; إذ لو كان كذلك لكان
المعدوم ممدوحيا وإنميا المدح فيي كونيه ل يحاط بيه وإن رئي ; كميا أنيه ل يحاط بيه وإن
علم فكميا أنيه إذا علم ل يحاط بيه علميا :فكذلك إذا رئي ل يحاط بيه رؤيية فكان فيي نفيي
الدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحا وصفة كمال وكان ذلك دليل على إثبات الرؤية
ل على نفيهيا لكنيه دلييل على إثبات الرؤيية ميع عدم الحاطية وهذا هيو الحيق الذي اتفيق
علييه سيلف المية وأئمتهيا وإذا تأملت ذلك :وجدت كيل نفيي ل يسيتلزم ثبوتيا هيو مميا لم
يصف ال به نفسه فالذين ل يصفونه إل بالسلوب :لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا بل
ول موجودا وكذلك مين شاركهيم فيي بعيض ذلك كالذيين قالوا ل يتكلم أو ل يرى أو لييس
فوق العالم أو لم يسيتو على العرش ويقولون :لييس بداخيل العالم ول خارجيه ول مباينيا
للعالم ول محايثيا له ; إذ هذه الصيفات يمكين أن يوصيف بهيا المعدوم ; وليسيت هيي صيفة
مستلزمة صفة ثبوت ولهذا " قال محمود بن سبكتكين " لمن ادعى ذلك في الخالق :ميز
لنيا بيين هذا الرب الذي تثبتيه وبيين المعدوم .وكذلك كونيه ل يتكلم أو ل ينزل لييس فيي
21
ذلك صيفة مدح ول كمال ; بيل هذه الصيفات فيهيا تشيبيه له بالمنقوصيات أو المعدومات
فهذه الصيفات :منهيا ميا ل يتصيف بيه إل المعدوم ومنهيا ميا ل يتصيف بيه إل الجمادات
والناقص فمن قال :ل هو مباين للعالم ول مداخل للعالم فهو بمنزلة من قال :ل هو قائم
بنفسيه ول بغيره ول قدييم ول محدث ول متقدم على العالم ول مقارن له ومين قال :إنيه
ليس بحي ول ميت ول سميع ول بصير ول متكلم لزمه أن يكون ميتا أصم أعمى أبكم .
فإن قال :العميى عدم البصير عميا مين شأنيه أن يقبيل البصير وميا لم يقبيل البصير كالحائط
ل يقال له أعميى ول بصيير قييل له :هذا اصيطلح اصيطلحتموه وإل فميا يوصيف بعدم
الحياة والسمع والبصر والكلم :يمكن وصفه بالموت والعمى والخرس والعجمة وأيضا
فكيل موجود يقبيل التصياف بهذه المور ونقائضهيا فإن ال قادر على جعيل الجماد حييا
كميا جعيل عصيى موسيى حيية ابتلعيت الحبال والعصيي وأيضيا فالذي ل يقبيل التصياف
بهذه الصيفات أعظيم نقصيا ممين ل يقبيل التصياف بهيا ميع اتصيافه بنقائضهيا .فالجماد
الذي ل يوصييف بالبصيير ول العمييى ول الكلم ول الخرس :أعظييم نقصييا ميين الحييي
العميى الخرس فإذا قييل :إن الباري ل يمكين اتصيافه بذلك :كان فيي ذلك مين وصيفه
بالنقيص أعظيم مميا إذا وصيف بالخرس والعميى والصيمم ونحيو ذلك ; ميع أنيه إذا جعيل
غيير قابيل لهيا كان تشبيهيا له بالجماد الذي ل يقبيل التصياف بواحيد منهيا .وهذا تشيبيه
بالجمادات ; ل بالحيوانات ,فكيف من قال ذلك غيره مما يزعم أنه تشبيه بالحي وأيضا
فنفيس نفيي هذه الصيفات نقيص كميا أن إثباتهيا كمال فالحياة مين حييث هيي هيي ميع قطيع
النظيير عيين تعيييين الموصييوف بهييا صييفة كمال ,وكذلك العلم والقدرة والسييمع والبصيير
والكلم والفعيل ونحيو ذلك ; وميا كان صيفة كمال :فهيو سيبحانه أحيق أن يتصيف بيه مين
المخلوقات فلو لم يتصف به مع اتصاف المخلوق به :لكان المخلوق أكمل منه .
واعلم أن الجهمييية المحضيية كالقرامطيية وميين ضاهاهييم :ينفون عنييه تعالى اتصييافه
بالنقيضيين حتيى يقولون لييس بموجود ول لييس بموجود ول حيي ول لييس بحيي ومعلوم
أن الخلو عن النقيضين ممتنع في بدائه العقول كالجمع بين النقيضين .وآخرون وصفوه
22
بالنفيي فقيط فقالوا لييس بحيي ول سيميع ول بصيير ; وهؤلء أعظيم كفرا مين أولئك مين
وجه وأولئك أعظم كفرا من هؤلء من وجه فإذا قيل لهؤلء هذا مستلزم وصفه بنقيض
ذلك كالموت والصييمم والبكييم قالوا إنمييا يلزم ذلك لو كان قابل لذلك وهذا العتذار يزيييد
قولهييم فسييادا وكذلك ميين ضاهييى هؤلء -وهييم الذييين يقولون :ليييس بداخييل العالم ول
خارجيه إذا قييل هذا ممتنيع فيي ضرورة العقيل كميا إذا قييل :لييس بقدييم ول محدث -ول
واجييب ول ممكيين ول قائم بنفسييه ول قائم بغيره قالوا هذا إنمييا يكون إذا كان قابل لذلك
والقبول إنميا يكون مين المتحييز فإذا انتفيى التحييز انتفيى قبول هذيين المتناقضيين .فيقال
لهم علم الخلق بامتناع الخلو منه هذين النقيضين :هو علم مطلق ل يستثنى منه موجود
والتحيز المذكور :إن أريد به كون الحياز الموجودة تحيط به فهذا هو الداخل في العالم
; وإن أرييد بيه أنيه منحاز عين المخلوقات ; أي مبايين لهيا متمييز عنهيا فهذا هيو الخروج
فالمتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم وتارة ما هو خارج العالم فإذا قيل ليس بمتحيز
كان معناه لييس بداخيل العالم ول خارجيه ,فهيم غيروا العبارة ليوهموا مين ل يفهيم حقيقية
قولهيم أن هذا معنيى آخير وهيو المعنيى الذي علم فسياده بضرورة العقيل ; كميا فعيل أولئك
بقولهم ليس بحي ول ميت ول موجود ول معدوم ول عالم ول جاهل .
القاعدة الثانية أن ما أخبر به الرسول عن ربه فإنه يجب اليمان به -سواء عرفنا معناه
أو لم نعرف -لنييه الصييادق المصييدوق ; فمييا جاء فييي الكتاب والسيينة وجييب على كييل
مؤمن اليمان به وإن لم يفهم معناه وكذلك ما ثبت باتفاق سلف المة وأئمتها مع أن هذا
الباب يوجيد عامتيه منصيوصا فيي الكتاب والسينة متفيق علييه بيين سيلف المية وميا تنازع
فيه المتأخرون نفيا وإثباتا فليس على أحد بل ول له :أن يوافق أحدا على إثبات لفظه أو
نفيه حتى يعرف مراده فإن أراد حقا قبل وإن أراد باطل رد وإن اشتمل كلمه على حق
وباطيل لم يقبيل مطلقيا ولم يرد جمييع معناه بيل يوقيف اللفيظ ويفسير المعنيى كميا تنازع
الناس فيي الجهية والتحييز وغيير ذلك ,فلفيظ الجهية قيد يراد بيه شييء موجود غيير ال
فيكون مخلوقيا كميا إذا أرييد بالجهية نفيس العرش أو نفيس السيموات وقيد يراد بيه ميا لييس
23
بموجود غيير ال تعالى كميا إذا أرييد بالجهية ميا فوق العالم ومعلوم أنيه لييس فيي النيص
إثبات لفيظ الجهية ول نفييه كميا فييه إثبات العلو والسيتواء والفوقيية والعروج إلييه ونحيو
ذلك وقيد علم أن ميا ثيم موجود إل الخالق والمخلوق والخالق مبايين للمخلوق -سيبحانه
وتعالى -ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ; ول في ذاته شيء من مخلوقاته .فيقال لمن
نفيى الجهية :أتريد بالجهية أنها شييء موجود مخلوق ؟ فال ليس داخل في المخلوقات أم
ترييد بالجهية ميا وراء العالم ؟ فل رييب أن ال فوق العالم مبايين للمخلوقات وكذلك يقال
لمن قال ال في جهة :أتريد بذلك أن ال فوق العالم ؟ أو تريد به أن ال داخل في شيء
ميين المخلوقات ؟ فإن أردت الول فهييو حييق وإن أردت الثانييي فهييو باطييل وكذلك لفييظ
التحييز :إن أراد بيه أن ال تحوزه المخلوقات فال أعظيم وأكيبر ; بيل قيد وسيع كرسييه
السييموات والرض وقييد قال ال تعالى { :ومييا قدروا ال حييق قدره والرض جميعييا
قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه } .وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى
ال عليييه وسييلم أنييه قال { :يقبييض ال الرض ويطوي السييموات بيمينييه ثييم يقول :أنييا
الملك أيين ملوك الرض ؟ } وفيي حدييث آخير { :وإنيه ليدحوهيا كميا يدحيو الصيبيان
بالكرة } وفي حديث ابن عباس { :ما السموات السبع والرضون السبع وما فيهن في
يد الرحمن إل كخردلة في يد أحدكم } وإن أراد به أنه منحاز عن المخلوقات ; أي مباين
لهيا منفصيل عنهيا لييس حال فيهيا :فهيو سيبحانه كميا قال أئمية السينة :فوق سيمواته على
عرشه بائن من خلقه .
القاعدة الثالثة إذا قال القائل :ظاهر النصوص مراد أو ظاهرها ليس بمراد فإنه يقال :
لفييظ الظاهيير فيييه إجمال واشتراك فإن كان القائل يعتقييد أن ظاهرهييا التمثيييل بصييفات
المخلوقين أو ما هو من خصائصهم فل ريب أن هذا غير مراد ; ولكن السلف والئمة لم
يكونوا يسيمون هذا ظاهرهيا ول يرتضون أن يكون ظاهير القرآن والحدييث كفرا وباطل
وال سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلمه الذي وصف به نفسه ل يظهر منه
إل مييا هييو كفيير أو ضلل والذييين يجعلون ظاهرهييا ذلك يغلطون ميين وجهييين :تارة
24
يجعلون المعنيى الفاسيد ظاهير اللفيظ حتيى يجعلوه محتاجيا إلى تأوييل يخالف الظاهير ول
يكون كذلك ,وتارة يردون المعنييى الحييق الذي هييو ظاهيير اللفييظ لعتقادهييم أنييه باطييل
( فالول كما قالوا في قوله { :عبدي جعت فلم تطعمني } الحديث وفي الثر الخر { :
الحجر السود يمين ال في الرض فمن صافحه أو قبله فكأنما صافح ال وقبل يمينه }
وقوله { :قلوب العباد بيين أصيبعين مين أصيابع الرحمين } فقالوا :قيد علم أن لييس فيي
قلوبنا أصابع الحق فيقال لهم :لو أعطيتم النصوص حقها من الدللة لعلمتم أنها لم تدل
إل على حيق أميا ( الواحيد فقوله { :الحجير السيود يميين ال فيي الرض فمين صيافحه
وقبله فكأنما صافح ال وقبل يمينه } صريح في أن الحجر السود ليس هو صفة ل ول
هو نفس يمينه ; لنه قال { :يمين ال في الرض } وقال { :فمن قبله وصافحه فكأنما
صافح ال وقبل يمينه } ومعلوم أن المشبه ليس هو المشبه به ففي نفس الحديث بيان أن
مستلمه ليس مصافحا ل ; وأنه ليس هو نفس يمينه فكيف يجعل ظاهره كفرا لنه محتاج
إلى التأويل .مع أن هذا الحديث إنما يعرف عن ابن عباس ؟ وأما الحديث الخر :فهو
في الصحيح مفسرا { :يقول ال عبدي ! جعت فلم تطعمني فيقول :رب ! كيف أطعمك
وأنيت رب العالميين ؟ فيقول :أميا علميت أن عبدي فلنيا جاع فلو أطعمتيه لوجدت ذلك
عندي عبدي ! مرضييت فلم تعدنييي فيقول :رب ! كيييف أعودك وأنييت رب العالمييين ؟
فيقول :أما علمت أن عبدي فلنا مرض فلو عدته لوجدتني عنده } وهذا صريح في أن
ال سييبحانه لم يمرض ول يجييع ولكيين مرض عبده وجاع عبده فجعييل جوعييه جوعييه
ومرضه مرضه مفسرا ذلك بأنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ولو عدته لوجدتني عنده
; فلم يبيق فيي الحدييث لفيظ يحتاج إلى تأوييل وأميا قوله { قلوب العباد بيين أصيبعين مين
أصيابع الرحمين } ,فإنيه لييس فيي ظاهره أن القلب متصيل بالصيابع ول مماس لهيا ول
أنهييا فييي جوفييه ول فييي قول القائل هذا بييين يدي مييا يقتضييي مباشرتيه ليديييه وإذا قيييل :
السييحاب المسييخر بييين السييماء والرض لم يقتييض أن يكون مماسييا للسييماء والرض
ونظائر هذا كثيرة ومما يشبه هذا القول أن يجعل اللفظ نظيرا لما ليس مثله كما قيل في
25
قوله { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } ؟ فقيل هو مثل قوله { :أولم يروا أنا خلقنا
لهم مما عملت أيدينا أنعاما } ؟ فهذا ليس مثل هذا ; لنه هنا أضاف الفعل إلى اليدي ;
فصار شبيها بقوله { :فبما كسبت أيديكم } وهنا أضاف الفعل إليه فقال { :لما خلقت }
ثم قال { :بيدي } وأيضا :فإنه هنا ذكر نفسه المقدسة بصيغة المفرد وفي اليدين ذكر
لفييظ التثنييية كمييا فييي قوله { :بييل يداه مبسييوطتان } وهناك أضاف اليدي إلى صيييغة
الجمع فصار كقوله { :تجري بأعيننا } .وهذا في ( الجمع نظير قوله { :بيده الملك }
وبيده الخيير فيي ( المفرد فال سيبحانه وتعالى يذكير نفسيه تارة بصييغة المفرد مظهرا أو
مضمرا وتارة بصيغة الجمع كقوله { :إنا فتحنا لك فتحا مبينا } وأمثال ذلك .ول يذكر
نفسيه بصييغة التثنيية قيط ; لن صييغة الجميع تقتضيي التعظييم الذي يسيتحقه ; وربميا تدل
على معانيي أسيمائه وأميا صييغة التثنيية فتدل على العدد المحصيور وهيو مقدس عين ذلك
فلو قال { :ميا منعيك أن تسيجد لميا خلقيت بيدي } لميا كان كقوله { :مميا عملت أيدينيا }
وهو نظير قوله { :بيده الملك } وبيده الخير ولو قال خلقت بصيغة الفراد لكان مفارقا
له ; فكيف إذا قال خلقت بيدي ؟ بصيغة التثنية هذا مع دللت الحاديث المستفيضة بل
المتواترة وإجماع السلف على مثل ما دل عليه القرآن كما هو مبسوط في موضعه مثل
قوله { :المقسيطون عنيد ال على منابر مين نور عين يميين الرحمين وكلتيا يدييه يميين :
الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا } وأمثال ذلك وإن كان القائل يعتقد أن ظاهر
النصييوص المتنازع فييي معناهييا ميين جنييس ظاهيير النصييوص المتفييق على معناهييا -
والظاهر هو المراد في الجميع -فإن ال لما أخبر أنه بكل شيء عليم وأنه على كل شيء
قديير واتفيق أهيل السينة وأئمية المسيلمين على أن هذا على ظاهره وأن ظاهير ذلك مراد :
كان ميين المعلوم أنهييم لم يريدوا بهذا الظاهيير أن يكون علمييه كعلمنييا وقدرتييه كقدرتنييا
وكذلك لميا اتفقوا على أنيه حيي حقيقية عالم حقيقية قادر حقيقية ; لم يكين مرادهيم أنيه مثيل
المخلوق الذي هو حي عليم قدير ; فكذلك إذا قالوا في قوله تعالى { :يحبهم ويحبونه }
{ رضيي ال عنهيم ورضوا عنيه } وقوله { :ثيم اسيتوى على العرش } أنيه على ظاهره
26
لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواء كاستواء المخلوق ول حبا كحبه ول رضا كرضاه
فإن كان المسيتمع يظين أن ظاهير الصيفات تماثيل صيفات المخلوقيين لزميه أن ل يكون
شييء مين ظاهير ذلك مرادا وإن كان يعتقيد أن ظاهرهيا ميا يلييق بالخالق ويختيص بيه لم
يكن له نفي هذا الظاهر ونفي أن يكون مرادا إل بدليل يدل على النفي ; وليس في العقل
ول السمع ما ينفي هذا إل من جنس ما ينفي به سائر الصفات فيكون الكلم في الجميع
واحدا وبيان هذا أن صيفاتنا منهيا ميا هيي أعيان وأجسيام وهيي أبعاض لنيا كالوجيه والييد :
ومنها ما هو معان وأعراض وهي قائمة بنا :كالسمع والبصر والكلم والعلم والقدرة .
ثيم إن مين المعلوم أن الرب لميا وصيف نفسيه بأنيه حيي علييم قديير :لم يقيل المسيلمون إن
ظاهير هذا غيير مراد لن مفهوم ذلك فيي حقيه مثيل مفهوميه فيي حقنيا ; فكذلك لميا وصيف
نفسيه بأنيه خلق آدم بيدييه لم يوجيب ذلك أن يكون ظاهره غيير مراد لن مفهوم ذلك فيي
حقه كمفهومه في حقنا بل صفة الموصوف تناسبه .فإذا كانت نفسه المقدسة ليست مثل
ذوات المخلوقيين فصيفاته كذاتيه ليسيت كصيفات المخلوقيين ونسيبة صيفة المخلوق إلييه
كنسيبة صيفة الخالق إلييه ولييس المنسوب كالمنسوب ول المنسيوب إليه كالمنسيوب إلييه ;
كميا قال صيلى ال علييه وسيلم { ترون ربكيم كميا ترون الشميس والقمير } فشبيه الرؤيية
بالرؤية ولم يشبه المرئي بالمرئي .
وهذا يتبين بالقاعدة الرابعة وهو أن كثيرا من الناس يتوهم في بعض الصفات أو كثير
منهيا ; أو أكثرهيا أو كلهيا أنهيا تماثيل صيفات المخلوقيين ثيم يرييد أن ينفيي ذلك الذي فهميه
فيقيع فيي ( أربعية أنواع مين المحاذيير ( - :أحدهيا كونيه مثيل ميا فهميه مين النصيوص
بصيفات المخلوقيين وظين أن مدلول النصيوص هيو التمثييل ( الثانيي أنيه إذا جعيل ذلك هيو
مفهومها وعطله بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللئقة بال .
فيبقيى ميع جنايتيه على النصيوص ; وظنيه السييئ الذي ظنيه بال ورسيوله -حييث ظين أن
الذي يفهيم مين كلمهميا هيو التمثييل الباطيل -قيد عطيل ميا أودع ال ورسيوله فيي كلمهميا
مين إثبات الصيفات ل والمعانيي اللهيية اللئقية بجلل ال تعالى ( الثالث أنيه ينفيي تلك
27
الصفات عن ال -عز وجل -بغير علم ; فيكون معطل لما يستحقه الرب ( الرابع :أنه
يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الموات والجمادات أو صفات المعدومات
فيكون قيد عطيل بيه صيفات الكمال التيي يسيتحقها الرب ومثله بالمنقوصيات والمعدومات
وعطيل النصيوص عميا دلت علييه مين الصيفات وجعيل مدلولهيا هيو التمثييل بالمخلوقات .
فيجمييع فييي كلم ال وفييي ال بييين التعطيييل والتمثيييل يكون ملحدا فييي أسييماء ال وآياتييه
( مثال ذلك أن النصييوص كلهييا دلت على وصييف الله بالعلو والفوقييية على المخلوقات
واسييتوائه على العرش -فأمييا علوه ومباينتييه للمخلوقات فيعلم بالعقييل الموافييق للسييمع ;
وأما الستواء على العرش فطريق العلم به هو السمع .وليس في الكتاب والسنة وصف
له بأنيه ل داخيل العالم ول خارجيه ول مباينيه ول مداخله فيظين المتوهيم أنيه إذا وصيف
بالسييتواء على العرش :كان اسييتواؤه كاسييتواء النسييان على ظهور الفلك والنعام ;
كقوله { :وجعل لكم من الفلك والنعام ما تركبون } { لتستووا على ظهوره } ,فيتخيل
له أنه إذا كان مستويا على العرش كان محتاجا إليه كحاجة المستوي على الفلك والنعام
فلو غرقت السفينة لسقط المستوي عليها ولو عثرت الدابة لخر المستوي عليها .فقياس
هذا أنيه لو عدم العرش لسيقط الرب سيبحانه وتعالى ثيم يرييد بزعميه أن ينفيي هذا فيقول :
ليس استواؤه بقعود ول استقرار ول يعلم أن مسمى القعود والستقرار يقال فيه ما يقال
فيي مسيمى السيتواء ; فإن كانيت الحاجية داخلة فيي ذلك :فل فرق بيين السيتواء والقعود
والستقرار وليس هو بهذا المعنى مستويا ول مستقرا ول قاعدا وإن لم يدخل في مسمى
ذلك إل ميا يدخيل فيي مسمى السيتواء فإثبات أحدهميا ونفيي الخير تحكيم وقيد علم أن بيين
مسيمى السيتواء والسيتقرار والقعود فروقيا معروفية .ولكين المقصيود هنيا أن يعلم خطيأ
مين ينفيي الشييء ميع إثبات نظيره وكأن هذا الخطيأ مين خطئه فيي مفهوم اسيتوائه على
العرش حيث ظن أنه مثل استواء النسان على ظهور النعام والفلك وليس في هذا اللفظ
ميا يدل على ذلك ; لنيه أضاف السيتواء إلى نفسيه الكريمية كميا أضاف إلييه سيائر أفعاله
وصيفاته .فذكير أنيه خلق ثيم اسيتوى كميا ذكير أنيه قدر فهدى وأنيه بنيى السيماء بأييد وكميا
28
ذكير أنيه ميع موسيى وهارون يسيمع ويرى وأمثال ذلك .فلم يذكير اسيتواء مطلقيا يصيلح
للمخلوق ول عاميا يتناول المخلوق كميا لم يذكير مثيل ذلك فيي سيائر صيفاته وإنميا ذكير
استواء أضافه إلى نفسه الكريمة فلو قدر -على وجه الفرض الممتنع -أنه هو مثل خلقه
-تعالى عن ذلك -لكان استواؤه مثل استواء خلقه أما إذا كان هو ليس مماثل لخلقه بل
قد علم أنه الغني عن الخلق وأنه الخالق للعرش ولغيره وأن كل ما سواه مفتقر إليه وهو
الغني عن كل ما سواه وهو لم يذكر إل استواء يخصه لم يذكر استواء يتناول غيره ول
يصيلح له -كميا لم يذكير فيي علميه وقدرتيه ورؤيتيه وسيمعه وخلقيه إل ميا يختيص بيه -
فكييف يجوز أن يتوهيم أنيه إذا كان مسيتويا على العرش كان محتاجيا إلييه وأنيه لو سيقط
العرش لخير مين علييه ؟ سيبحانه وتعالى عميا يقول الظالمون والجاحدون علوا كيبيرا هيل
هذا إل جهل محض وضلل ممن فهم ذلك وتوهمه أو ظنه ظاهر اللفظ ومدلوله أو جوز
ذلك على رب العالميين الغنيي عين الخلق ؟ بيل لو قدر أن جاهل فهيم مثيل هذا وتوهميه
لبيين له أن هذا ل يجوز وأنيه لم يدل اللفيظ علييه أصيل كميا لم يدل على نظائره فيي سيائر
ما وصف به الرب نفسه .فلما قال سبحانه وتعالى { :والسماء بنيناها بأيد } فهل يتوهم
متوهيم أن بناءه مثيل بناء الدميي المحتاج الذي يحتاج إلى زنبييل ومجارف وضرب لبين
وجبيل طيين وأعوان ؟ ثيم قيد علم أن ال تعالى خلق العالم بعضيه فوق بعيض ولم يجعيل
عالييييييه مفتقرا إلى سيييييافله فالهواء فوق الرض ولييييييس مفتقرا إلى أن تحمله الرض
والسيييحاب أيضيييا فوق الرض ولييييس مفتقرا إلى أن تحمله والسيييموات فوق الرض
وليست مفتقرة إلى حمل الرض لها ; فالعلي العلى رب كل شيء ومليكه إذا كان فوق
جمييع خلقيه :كييف يجيب أن يكون محتاجيا إلى خلقيه أو عرشيه ؟ أو كييف يسيتلزم علوه
على خلقيه هذا الفتقار وهيو لييس بمسيتلزم فيي المخلوقات ؟ وقيد علم أن ميا ثبيت لمخلوق
مين الغنيى عين غيره فالخالق سيبحانه وتعالى أحيق بيه وأولى وكذلك قوله { :أأمنتيم مين
فيي السيماء أن يخسيف بكيم الرض فإذا هيي تمور } مين توهيم أن مقتضيى هذه اليية أن
يكون ال فيي داخيل السيموات فهيو جاهيل ضال بالتفاق ,وإن كنيا إذا قلنيا :إن الشميس
29
والقمير فيي السيماء يقتضيي ذلك فإن حرف ( فيي متعلق بميا قبله وبميا بعده -فهيو بحسيب
المضاف إليييه ولهذا يفرق بييين كون الشيييء فييي المكان وكون الجسييم فييي الحيييز وكون
العرض في الجسم وكون الوجه في المرآة وكون الكلم في الورق فإن لكل نوع من هذه
النواع خاصية يتمييز بهيا عن غيره وإن كان حرف ( فيي مسيتعمل فيي ذلك فلو قال قائل
:العرش في السماء أو في الرض ؟ لقيل في السماء ولو قيل :الجنة في السماء أم في
الرض ؟ لقيل الجنة في السماء ; ول يلزم من ذلك أن يكون العرش داخل السموات بل
ول الجنة فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال { :إذا سألتم ال
الجنية فاسيألوه الفردوس فإنيه أعلى الجنية وأوسيط الجنية وسيقفها عرش الرحمين } فهذه
الجنة سقفها الذي هو العرش فوق الفلك .مع أن الجنة في السماء يراد به العلو سواء
كانييت فوق الفلك أو تحتهييا قال تعالى { :فليمدد بسييبب إلى السييماء } وقال تعالى :
{ وأنزلنيا مين السيماء ماء طهورا } ولميا كان قيد اسيتقر فيي نفوس المخاطيبين أن ال هيو
العلي العلى ; وأنيه فوق كيل شييء كان المفهوم مين قوله :إنيه فيي السيماء أنيه فيي العلو
وأنيه فوق كيل شييء .وكذلك الجاريية لميا قال لهيا أيين ال ؟ قالت فيي السيماء إنميا أرادت
العلو مع عدم تخصيصه بالجسام المخلوقة وحلوله فيها وإذا قيل :العلو فإنه يتناول ما
فوق المخلوقات كلها فما فوقها كلها هو في السماء ول يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف
وجودي يحيط به إذ ليس فوق العالم شيء موجود إل ال كما لو قيل :العرش في السماء
فإنه ل يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق وإن قدر أن السماء المراد
بها الفلك :كان المراد إنه عليها كما قال { :ولصلبنكم في جذوع النخل } وكما قال
{ :فسييروا فيي الرض } وكميا قال { :فسييحوا فيي الرض } ويقال :فلن فيي الجبيل
وفي السطح وإن كان على أعلى شيء فيه .
القاعدة الخامسسسة أنييا نعلم لمييا أخبرنييا بييه ميين وجييه دون وجييه .فإن ال قال { :أفل
يتدبرون القرآن ولو كان ميين عنييد غييير ال لوجدوا فيييه اختلفييا كثيرا } وقال { :أفلم
يدبروا القول } ,وقال { :كتاب أنزلناه إلييييييك مبارك ليدبروا آياتيييييه وليتذكييييير أولوا
30
اللباب } وقال { :أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالهيا } .فأمير بتدبر الكتاب كله
وقيد قال تعالى { :هيو الذي أنزل علييك الكتاب منيه آيات محكمات هين أم الكتاب وأخير
متشابهات فأميا الذيين فيي قلوبهيم زييغ فيتبعون ميا تشابيه منيه ابتغاء الفتنية وابتغاء تأويله
وما يعلم تأويله إل ال والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إل
أولوا اللباب } وجمهور سييلف الميية وخلفهييا على أن الوقييف على قوله { :ومييا يعلم
تأويله إل ال } وهذا هيو المأثور عين أبيي بين كعيب وابين مسيعود وابين عباس وغيرهيم
وروي عيين ابيين عباس أنييه قال :التفسييير على أربعيية أوجييه تفسييير تعرفييه العرب ميين
كلمهيا وتفسيير ل يعذر أحيد بجهالتيه وتفسيير تعلميه العلماء وتفسيير ل يعلميه إل ال مين
ادعيى علميه فهيو كاذب وقيد روي عين مجاهيد وطائفية :أن الراسيخين فيي العلم يعلمون
تأويله وقد قال مجاهد :عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أوقفه
عند كل آية وأسأله عن تفسيرها ول منافاة بين القولين عند التحقيق فإن لفظ ( التأويل قد
صيار بتعدد الصيطلحات مسيتعمل فيي ثلثية معان ( - :أحدهيا -وهيو اصيطلح كثيير
مين المتأخريين مين المتكلميين فيي الفقيه وأصيوله -أن ( التأوييل هيو صيرف اللفيظ عين
الحتمال الراجيح إلى الحتمال المرجوح ; لدلييل يقترن بيه وهذا هيو الذي عناه أكثير مين
تكلم مين المتأخريين فيي تأوييل نصيوص الصيفات وترك تأويلهيا ; وهيل ذلك محمود أو
مذموم أو حيق أو باطيل ؟ ( . .الثانيي :أن التأوييل بمعنيى التفسيير وهذا هيو الغالب على
اصيطلح المفسيرين للقرآن كميا يقول ابين جريير وأمثاله -مين المصينفين فيي التفسيير -
واختلف علماء التأوييل ومجاهيد إمام المفسيرين ; قال الثوري " :إذا جاءك التفسيير عين
مجاهيد فحسيبك بيه " وعلى تفسييره يعتميد الشافعيي وأحميد والبخاري وغيرهميا فإذا ذكير
أنيه يعلم تأوييل المتشابيه فالمراد بيه معرفية تفسييره ( الثالث مين معانيي التأوييل :هيو
الحقيقيية التيي يؤول إليهييا الكلم كمييا قال ال تعالى { :هيل ينظرون إل تأويله يوم يأتيي
تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق } .فتأويل ما في القرآن من
أخبار المعاد هيو ميا أخيبر ال بيه فييه مميا يكون :مين القيامية والحسياب والجزاء والجنية
31
والنار ونحيو ذلك كميا قال ال تعالى فيي قصية يوسيف لميا سيجد أبواه وإخوتيه قال { :ييا
أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا الثاني
:هيو تفسيير الكلم وهيو الكلم الذي يفسير بيه اللفيظ حتيى يفهيم معناه أو تعرف علتيه أو
دليله وهذا ( التأويل الثالث هو عين ما هو موجود في الخارج ومنه قول عائشة { .كان
النبي صلى ال عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده :سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم
اغفير لي } يتأول القرآن يعنيي قوله { :فسيبح بحميد ربيك واسيتغفره } وقول سيفيان بين
عيينة :السنة هي تأويل المر والنهيي فإن نفس الفعل المأمور به :هو تأوييل المر به
ونفيس الموجود المخيبر عنيه هيو تأوييل الخيبر والكلم خيبر وأمير ولهذا يقول أبيو عبييد
وغيره :الفقهاء أعلم بالتأويل من أهل اللغة كما ذكروا ذلك في تفسير اشتمال الصماء ;
لن الفقهاء يعلمون تفسير ما أمر به ونهى عنه ; لعلمهم بمقاصد الرسول صلى ال عليه
وسيلم كميا يعلم أتباع بقراط وسييبويه ونحوهميا مين مقاصيدهما ميا ل يعلم بمجرد اللغية ;
ولكيين تأويييل الميير والنهييي ل بييد ميين معرفتييه بخلف تأويييل الخييبر .إذا عرف ذلك :
فتأوييل ميا أخيبر ال تعالى بيه عين نفسيه المقدسية المتصيفة بميا لهيا مين حقائق السيماء
والصفات هو حقيقة لنفسه المقدسة المتصفة بما لها من حقائق الصفات وتأويل ما أخبر
ال به تعالى من الوعد والوعيد هو نفس ما يكون من الوعد والوعيد ولهذا ما يجيء في
الحديث نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه لن ما أخبر ال به عن نفسه وعن اليوم الخر
فييه ألفاظ متشابهية يشبيه معانيهيا ميا نعلميه فيي الدنييا كميا أخيبر أن فيي الجنية لحميا ولبنيا
وعسل وخمرا ونحو ذلك وهذا يشبه ما في الدنيا لفظا ومعنى ; ولكن ليس هو مثله ول
حقيقتييه فأسييماء ال تعالى وصييفاته أولى وإن كان بينهمييا وبييين أسييماء العباد وصييفاتهم
تشابه أن ل يكون لجلها الخالق مثل المخلوق ,ول حقيقته كحقيقته والخبار عن الغائب
ل يفهيم إن لم يعيبر عنيه بالسيماء المعلومية معانيهيا فيي الشاهيد ويعلم بهيا ميا فيي الغائب
بواسيطة العلم بميا فيي الشاهيد ; ميع العلم بالفارق الممييز وأن ميا أخيبر ال بيه مين الغييب
أعظيم مميا يعلم فيي الشاهيد وفيي الغائب ميا ل عيين رأت ول أذن سيمعت ول خطير على
32
قلب بشر فنحن إذا أخبرنا ال بالغيب الذي اختص به :من الجنة والنار علمنا معنى ذلك
وفهمنا ما أريد منا فهمه بذلك الخطاب وفسرنا ذلك وأما نفس الحقيقة المخبر عنها مثل
التي لم تكن بعد ; وإنما تكون يوم القيامة فذلك من التأويل الذي ل يعلمه إل ال ولهذا لما
سيئل مالك وغيره مين السيلف عين قوله تعالى { :الرحمين على العرش اسيتوى } قالوا :
السيتواء معلوم والكييف مجهول واليمان بيه واجيب والسيؤال عنيه بدعية ,وكذلك قال
ربيعية شييخ مالك قبله :السيتواء معلوم والكييف مجهول ومين ال البيان وعلى الرسيول
البلغ وعلينيا اليمان فيبين أن السيتواء معلوم وأن كيفيية ذلك مجهول ,ومثيل هذا يوجيد
كثيرا في كلم السلف ,والئمة ينفون علم العباد بكيفية صفات ال وأنه ل يعلم كيف ال
إل ال فل يعلم ميا هيو إل هيو ,وقيد قال النيبي { :ل أحصيي ثناء علييك أنيت كميا أثنييت
على نفسك } وهذا في صحيح مسلم وغيره وقال في الحديث الخر { :اللهم إني أسألك
بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت
به في علم الغيب عندك } وهذا الحديث في المسند ,وصحيح أبي حاتم وقد أخبر فيه أن
ل مين السيماء ميا اسيتأثر بيه فيي علم الغييب عنده فمعانيي هذه السيماء التيي اسيتأثر بهيا
فيي علم الغييب عنده ل يعلمهيا غيره .وال سيبحانه أخبرنيا أنيه علييم قديير سيميع بصيير
غفور رحيم ; إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته .فنحن نفهم معنى ذلك ونميز بين العلم
والقدرة وبيين الرحمية والسيمع والبصير ,ونعلم أن السيماء كلهيا اتفقيت فيي دللتهيا على
ذات ال ميع تنوع معانيهيا فهيي متفقية متواطئة مين حييث الذات متباينية مين جهية الصيفات
وكذلك أسماء النبي صلى ال عليه وسلم مثل محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب .
وكذلك أسيماء القرآن مثيل القرآن والفرقان والهدى والنور والتنزييل والشفاء وغيير ذلك
ومثل هذه السماء تنازع الناس فيها هل هي من قبيل المترادفة -لتحاد الذات -أو من
قبييل المتباينية لتعدد الصيفات ؟ كميا إذا قييل :السييف والصيارم والمهنيد وقصيد بالصيارم
معنى الصرم وفي المهند النسبة إلى الهند ; والتحقيق أنها مترادفة في الذات متباينة في
الصفات ومما يوضح هذا أن ال وصف القرآن كله بأنه محكم وبأنه متشابه وفي موضع
33
آخر جعل منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه فينبغي أن يعرف الحكام والتشابه الذي
يعميه ; والحكام والتشابيه الذي يخيص بعضيه قال ال تعالى { :الر كتاب أحكميت آياتيه
ثيم فصيلت } فأخيبر أنيه أحكيم آياتيه كلهيا ,وقال تعالى { :ال نزل أحسين الحدييث كتابيا
متشابهيا مثانيي } فأخيبر أنيه كله متشابيه والحكيم هيو الفصيل بيين الشيئيين فالحاكيم يفصيل
بيين الخصيمين ,والحكيم فصيل بيين المتشابهات علميا وعمل إذا مييز بيين الحيق والباطيل
والصدق والكذب والنافع والضار وذلك يتضمن فعل النافع وترك الضار فيقال :حكمت
السيفيه وأحكمتيه إذا أخذت على يدييه وحكميت الدابية وأحكمتهيا إذا جعلت لهيا حكمية وهيو
ميا أحاط بالحنيك مين اللجام وإحكام الشييء إتقانيه فإحكام الكلم إتقانيه بتميييز الصيدق مين
الكذب في أخباره وتمييز الرشد من الغي في أوامره ,والقرآن كله محكم بمعنى التقان
فقد سماه ال حكيما بقوله { :الر تلك آيات الكتاب الحكيم } فالحكيم بمعنى الحاكم ; كما
جعله يقيييص بقوله { :إن هذا القرآن يقيييص على بنيييي إسيييرائيل أكثييير الذي هيييم فييييه
يختلفون } ,وجعله مفتييا فيي قوله { :قيل ال يفتيكيم فيهين وميا يتلى عليكيم فيي الكتاب }
أي مييا يتلى عليكييم يفتيكييم فيهيين وجعله هاديييا ومبشرا فييي قوله { :إن هذا القرآن يهدي
للتيي هيي أقوم ويبشير المؤمنيين الذيين يعملون الصيالحات } وأميا التشابيه الذي يعميه فهيو
ضيد الختلف المنفيي عنيه فيي قوله { :ولو كان مين عنيد غيير ال لوجدوا فييه اختلفيا
كثيرا } وهيو الختلف المذكور فيي قوله { :إنكيم لفيي قول مختلف } { يؤفيك عنيه مين
أفك } .فالتشابه هنا :هو تماثل الكلم وتناسبه :بحيث يصدق بعضه بعضا ; فإذا أمر
بأمير لم يأمير بنقيضه فيي موضيع آخير ; بيل يأمر به أو بنظيره أو بملزوماتيه ; وإذا نهيى
عن شيء لم يأمر به في موضع آخر بل ينهى عنه أو عن نظيره أو عن ملزوماته إذا لم
يكين هناك نسيخ وكذلك إذا أخيبر بثبوت شييء لم يخيبر بنقييض ذلك بيل يخيبر بثبوتيه أو
بثبوت ملزوماتيه وإذا أخيبر بنفيي شييء لم يثبتيه بيل ينفييه أو ينفيي لوازميه بخلف القول
المختلف الذي ينقيض بعضيه بعضيا فيثبيت الشييء تارة وينفييه أخرى أو يأمير بيه وينهيى
عنيه فيي وقيت واحيد ويفرق بيين المتماثليين فيمدح أحدهميا ويذم الخير فالقوال المختلفية
34
هنيا :هيي المتضادة .والمتشابهية :هيي المتوافقية وهذا التشابيه يكون فيي المعانيي وإن
اختلفيت اللفاظ فإذا كانيت المعانيي يوافيق بعضهيا بعضيا ويعضيد بعضهيا بعضيا ويناسيب
بعضهيا بعضيا ويشهيد بعضهيا لبعيض ويقتضيي بعضهيا بعضيا :كان الكلم متشابهيا ;
بخلف الكلم المتناقيض الذي يضاد بعضيه بعضيا فهذا التشابيه العام :ل ينافيي الحكام
العام بل هو مصدق له فإن الكلم المحكم المتقن يصدق بعضه بعضا ل يناقض بعضه
بعضيا بخلف الحكام الخاص ; فإنيه ضيد التشابيه الخاص والتشابيه الخاص هيو مشابهية
الشييء لغيره مين وجيه ميع مخالفتيه له مين وجيه آخير بحييث يشتبيه على بعيض الناس إنيه
هيو أو هيو مثله ولييس كذلك والحكام هيو الفصيل بينهميا بحييث ل يشتبيه أحدهميا بالخير
وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما ثم من الناس
مين ل يهتدي للفصيل بينهميا فيكون مشتبهيا علييه ومنهيم مين يهتدي إلى ذلك ; فالتشابيه
الذي ل يتميز معه قد يكون من المور النسبية الضافية بحيث يشتبه على بعض الناس
دون بعض ومثل هذا يعرف منه أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الشتباه كما إذا اشتبه على
بعيض الناس ميا وعدوا بيه فيي الخرة بميا يشهدونيه فيي الدنييا فظين أنيه مثله فعلم العلماء
أنيه لييس مثله وإن كان مشبهيا له مين بعيض الوجوه ومين هذا الباب الشبيه التيي يضيل بهيا
بعيض الناس وهيي ميا يشتبيه فيهيا الحيق والباطيل حتيى تشتبيه على بعيض الناس ; ومين
أوتي العلم بالفصل بين هذا وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل والقياس الفاسد إنما هو من
باب الشبهات لنيه تشيبيه للشييء فيي بعيض المور بميا ل يشبهيه فييه فمين عرف الفصيل
بيين الشيئيين :اهتدى للفرق الذي يزول بيه الشتباه والقياس الفاسيد ; وميا مين شيئيين إل
ويجتمعان فيي شييء ويفترقان فيي شييء فبينهميا اشتباه مين وجيه وافتراق مين وجيه فلهذا
كان ضلل بني آدم من قبل التشابه والقياس الفاسد ل ينضبط كما قال المام أحمد :أكثر
ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس ; فالتأويل :في الدلة السمعية ,والقياس :في
الدلة العقليية وهيو كميا قال والتأوييل الخطيأ إنميا يكون فيي اللفاظ المتشابهية ,والقياس
الخطيأ إنميا يكون فيي المعانيي المتشابهية وقيد وقيع بنيو آدم فيي عامية ميا يتناوله هذا الكلم
35
من أنواع الضللت حتى آل المر إلى من يدعي التحقيق والتوحيد والعرفان منهم إلى
أن اشتبيه عليهيم وجود الرب بوجود كيل موجود فظنوا أنيه هيو فجعلوا وجود المخلوقات
عين وجود الخالق مع أنه ل شيء أبعد عن مماثلة شيء وأن يكون إياه أو متحدا به ; أو
حال فييه مين الخالق ميع المخلوق فمين اشتبيه علييه وجود الخالق بوجود المخلوقات كلهيا
حتييى ظنوا وجودهييا وجوده ; فهييم أعظييم الناس ضلل ميين جهيية الشتباه .وذلك أن
الموجودات تشترك في مسمى الوجود فرأوا الوجود واحدا ولم يفرقوا بين الواحد بالعين
والواحد بالنوع وآخرون توهموا أنه إذا قيل :الموجودات تشترك في مسمى الوجود لزم
التشييبيه والتركيييب فقالوا :لفييظ الوجود مقول بالشتراك اللفظييي فخالفوا مييا اتفييق عليييه
العقلء مع اختلف أصنافهم من أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث ونحو ذلك من أقسام
الموجودات وطائفيية ظنييت أنييه إذا كانيت الموجودات تشترك فييي مسيمى الوجود لزم أن
يكون فيي الخارج عين الذهان موجود مشترك فييه وزعموا أن فيي الخارج عين الذهان
كليات مطلقيية مثييل وجود مطلق وحيوان مطلق وجسييم مطلق ونحييو ذلك فخالفوا الحييس
والعقل والشرع وجعلوا ما في الذهان ثابتا في العيان وهذا كله من نوع الشتباه ومن
هداه ال فرق بيين المور وإن اشتركييت مين بعيض الوجوه وعلم ميا بينهمييا مين الجمييع
والفرق والتشابييه والختلف ; وهؤلء ل يضلون بالمتشابييه ميين الكلم لنهييم يجمعون
بينيه وبيين المحكيم الفارق الذي ييبين ميا بينهميا مين الفصيل والفتراق وهذا كميا أن لفيظ
( إنا ) و ( نحن ) وغيرهما من صيغ الجمع يتكلم بها الواحد له شركاء في الفعل ويتكلم
بهيا الواحيد العظييم الذي له صيفات تقوم كيل صيفة مقام واحيد وله أعوان تابعون له ; ل
شركاء له فإذا تمسك النصراني بقوله تعالى { :إنا نحن نزلنا الذكر } ونحوه على تعدد
اللهة كان المحكم كقوله تعالى { :وإلهكم إله واحد } ونحو ذلك مما ل يحتمل إل معنى
واحدا يزيل ما هناك من الشتباه ; وكان ما ذكره من صيغة الجمع مبينا لما يستحقه من
العظمة والسماء والصفات وطاعة المخلوقات من الملئكة وغيرهم وأما حقيقة ما دل
عليه ذلك من حقائق السماء والصفات وما له من الجنود الذين يستعملهم في أفعاله فل
36
يعلمهم إل هو { وما يعلم جنود ربك إل هو } وهذا من تأويل المتشابه الذي ل يعلمه إل
ال بخلف الملك مين البشير إذا قال :قيد أمرنيا لك بعطاء فقيد علم أنيه هيو وأعوانيه مثيل
كاتبييه وحاجبييه وخادمييه ونحييو ذلك أمروا بييه وقييد يعلم مييا صييدر عنييه ذلك الفعييل ميين
اعتقاداتيه وإراداتيه ونحيو ذلك وال -سيبحانه وتعالى -ل يعلم عباده الحقائق التيي أخيبر
عنهييا ميين صييفاته وصييفات اليوم الخيير ول يعلمون حقائق مييا أراد بخلقييه وأمره ميين
الحكمة ول حقائق ما صدرت عنه من المشيئة والقدرة وبهذا يتبين أن التشابه يكون في
اللفاظ المتواطئة كما يكون في اللفاظ المشتركة التي ليست بمتواطئة وإن زال الشتباه
بما يميز أحد النوعين :من إضافة أو تعريف كما إذا قيل :فيها أنهار من ماء فهناك قد
خيص هذا الماء بالجنية فظهير الفرق بينيه ,وبيين ماء الدنييا لكين حقيقية ميا امتاز بيه ذلك
الماء غيير معلوم لنيا وهيو ميع ميا أعده ال لعباده الصيالحين -مميا ل عيين رأت ول أذن
سييمعت ول خطيير على قلب بشيير -ميين التأويييل الذي ل يعلمييه إل ال وكذلك مدلول
أسيمائه وصيفاته الذي يختيص بهيا التيي هيي حقيقية ل يعلمهيا إل هيو ; ولهذا كان الئمية
كالمام أحمييد وغيره ينكرون على الجهمييية وأمثالهييم -ميين الذييين يحرفون الكلم عيين
مواضعيه -تأوييل ميا تشابيه عليهيم مين القرآن على غيير تأويله كميا قال أحميد :فيي كتابيه
الذي صينفه فيي الرد على الزنادقية والجهميية فيميا شكيت فييه مين متشابيه القرآن وتأولتيه
على غييير تأويله وإنمييا ذمهييم لكونهييم تأولوه على غييير تأويله وذكيير فييي ذلك مييا يشتبييه
عليهم معناه وإن كان ل يشتبه على غيرهم وذمهم على أنهم تأولوه على غير تأويله ولم
ينف مطلق لفظ التأويل كما تقدم :من أن لفظ التأويل يراد به التفسير المبين لمراد ال به
فذلك ل يعاب بيل يحميد ويراد بالتأوييل الحقيقية التيي اسيتأثر ال بعلمهيا فذاك ل يعلميه إل
هيو وقيد بسيطنا هذا فيي غيير هذا الموضيع ومين لم يعرف هذا :اضطربيت أقواله مثيل
طائفيية يقولون إن التأويييل باطييل وإنييه يجييب إجراء اللفييظ على ظاهره ويحتجون بقوله
تعالى { :وما يعلم تأويله إل ال } ويحتجون بهذه الية على إبطال التأويل وهذا تناقض
منهيم ; لن هذه اليية تقتضيي أن هناك تأويل ل يعلميه إل ال وهيم ينفون التأوييل مطلقيا
37
وجهة الغلط أن التأويل الذي استأثر ال بعلمه هو الحقيقة التي ل يعلمها إل هو .
وأما التأويل المذموم والباطل :فهو تأويل أهل التحريف والبدع الذين يتأولونه على غير
تأويله ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك ويدعون
أن فيي ظاهره مين المحذور ميا هيو نظيير المحذور اللزم فيميا أثبتوه بالعقيل ويصيرفونه
إلى معان هي نظير المعاني التي نفوها عنه فيكون ما نفوه من جنس ما أثبتوه فإن كان
الثابت حقا ممكنا كان المنفي مثله وإن كان المنفي باطل ممتنعا كان الثابت مثله وهؤلء
الذين ينفون التأويل مطلقا ويحتجون بقوله تعالى { :وما يعلم تأويله إل ال } قد يظنون
أنا خوطبنا في القرآن بما ل يفهمه أحد ; أو بما ل معنى له أو بما ل يفهم منه شيء وهذا
مع أنه باطل فهو متناقض لنا إذا لم نفهم منه شيئا لم يجز لنا أن نقول له تأويل يخالف
الظاهيير ول يوافقييه ; ل مكان أن يكون له معنييى صييحيح وذلك المعنييى الصييحيح :ل
يخالف الظاهر المعلوم لنا فإنه ل ظاهر له على قولهم فل تكون دللته على ذلك المعنى
دللة على خلف الظاهيير فل يكون تأويل ول يجوز نفييي دللتييه على معان ل نعرفهييا
على هذا التقديير .فإن تلك المعانيي التيي دل عليهيا قيد ل نكون عارفيين بهيا ولنيا إذا لم
نفهيم اللفيظ ومدلوله فلن ل نعرف المعانيي التيي لم يدل عليهيا اللفيظ أولى ; لن إشعار
اللفيظ بميا يراد بيه أقوى مين إشعاره بميا ل يراد بيه ; فإذا كان اللفيظ ل إشعار له بمعنيى
مين المعانيي ول يفهيم منيه معنيى أصيل لم يكين مشعرا بميا أرييد بيه فلن ل يكون مشعرا
بمييا لم يرد بييه أولى فل يجوز أن يقال :إن هذا اللفييظ متأول بمعنييى أنييه مصييروف عيين
الحتمال الراجييح إلى الحتمال المرجوح فضل عيين أن يقال :إن هذا التأويييل ل يعلمييه
إل ال .اللهيم إل أن يراد بالتأوييل ميا يخالف ظاهره المختيص بالخلق فل رييب أن مين
أراد بالظاهر هذا ل بد وأن يكون له تأويل يخالف ظاهره .لكن إذا قال هؤلء :أنه ليس
لها تأويل يخالف الظاهر أو أنها تجري على المعاني الظاهرة منها كانوا متناقضين وإن
أرادوا بالظاهير هنيا معنيى وهناك معنيى :فيي سيياق واحيد مين غيير بيان كان تلبيسيا وإن
أرادوا بالظاهر مجرد اللفظ أي تجري على مجرد اللفظ الذي يظهر من غير فهم لمعناه
38
كان إبطالهيم للتأوييل أو إثباتيه تناقضيا ; لن مين أثبيت تأويل أو نفاه فقيد فهيم معنيى مين
المعانيي .وبهذا التقسييم يتيبين تناقيض كثيير مين الناس مين نفاة الصيفات ومثبتيهيا فيي هذا
الباب .
القاعدة السسادسة أنيه لقائل أن يقول :ل بيد فيي هذا الباب مين ضابيط يعرف بيه ميا يجوز
على ال ممييا ل يجوز فييي النفييي والثبات إذ العتماد فييي هذا الباب على مجرد نفييي
التشبيه أو مطلق الثبات من غير تشبيه ليس بسديد وذلك أنه ما من شيئين إل بينهما قدر
مشترك وقدر مميز فالنافي إن اعتمد فيما ينفيه على أن هذا تشبيه قيل له :إن أردت أنه
مماثييل له ميين كييل وجييه فهذا باطييل ; وإن أردت أنييه مشابييه له ميين وجييه دون وجييه أو
مشارك له فيي السيم لزميك هذا فيي سيائر ميا تثبتيه وأنتيم إنميا أقمتيم الدلييل على إبطال
التشيبيه والتماثيل الذي فسيرتموه بأنيه يجوز على أحدهميا ميا يجوز على الخير ويمتنيع
علييه ميا يمتنيع علييه ويجيب له ميا يجيب له ومعلوم أن إثبات التشيبيه بهذا التفسيير مميا ل
يقوله عاقيل يتصيور ميا يقول ; فإنيه يعلم بضرورة العقيل امتناعيه ول يلزم مين نفيي هذا
نفي التشابه من بعض الوجوه كما في السماء والصفات المتواطئة ولكن من الناس من
يجعل التشبيه مفسرا بمعنى من المعاني ثم أن كل من أثبت ذلك المعنى قالوا :إنه مشبه
ومنازعهم يقول :ذلك المعنى ليس من التشبيه وقد يفرق بين لفظ التشبيه والتمثيل وذلك
أن المعتزلة ونحوهيم مين نفاة الصيفات يقولون :كيل مين أثبيت ل صيفة قديمية فهيو مشبيه
ممثيل فمين قال إن ل علميا قديميا أو قدرة قديمية كان عندهيم مشبهيا ممثل لن القدييم عنيد
جمهورهيم هيو أخيص وصيف الله فمين أثبيت له صيفة قديمية فقيد أثبيت ل مثل قديميا
ويسيمونه ممثل بهذا العتبار ومثبتية الصيفات ل يوافقونهيم على هذا بيل يقولون :أخيص
وصفه ما ل يتصف به غيره مثل كونه رب العالمين وأنه بكل شيء عليم وأنه على كل
شييء قديير وأنيه إله واحيد ونحيو ذلك ; والصيفة ل توصيف بشييء مين ذلك ثيم مين هؤلء
الصيفاتية مين ل يقول فيي الصيفات إنهيا قديمية بيل يقول :الرب بصيفاته قدييم ومنهيم مين
يقول :هيو قدييم وصيفته قديمية ول يقول :هيو وصيفاته قديمان .ومنهيم مين يقول :هيو
39
وصييفاته قديمان ; ولكيين يقول :ذلك ل يقتضييي مشاركيية الصييفة له فييي شيييء ميين
خصيييائصه فإن القدم لييييس مييين خصيييائص الذات المجردة بيييل مييين خصيييائص الذات
الموصوفة بصفات وإل فالذات المجردة ل وجود لها عندهم فضل عن أن تختص بالقدم
وقد يقولون :الذات متصفة بالقدم والصفات متصفة بالقدم وليست الصفات إلها ول ربا
كما أن النبي محدث وصفاته محدثة وليست صفاته نبيا فهؤلء إذا أطلقوا على الصفاتية
اسيم التشيبيه والتمثييل :كان هذا بحسيب اعتقادهيم الذي ينازعهيم فييه أولئك ثيم تقول لهيم
أولئك :هيب أن هذا المعنيى قيد يسيمى فيي اصيطلح بعيض الناس تشبيهيا فهذا المعنيى لم
ينفيه عقيل ول سيمع وإنميا الواجيب نفيي ميا نفتيه الدلة الشرعيية والعقليية والقرآن قيد نفيى
مسيمى المثيل والكفيء والنيد ونحيو ذلك ولكين يقولون الصيفة فيي لغية العرب ليسيت مثيل
الموصوف ول كفؤه ول نده فل يدخل في النص وأما العقل :فلم ينف مسمى التشبيه في
اصطلح المعتزلة وكذلك أيضا يقولون :إن الصفات ل تقوم إل بجسم متحيز والجسام
متماثلة فلو قامييت بييه الصييفات للزم أن يكون مماثل لسييائر الجسييام وهذا هييو التشييبيه
وكذلك يقول :هذا كثيير مين الصيفاتية الذيين يثبتون الصيفات وينفون علوه على العرش
وقيام الفعال الختياريية بيه ونحيو ذلك ويقولون :الصيفات قيد تقوم بميا لييس بجسيم وأميا
العلو على العالم فل يصيح إل إذا كان جسيما فلو أثبتنيا علوه للزم أن يكون جسيما وحينئذ
فالجسام متماثلة فيلزم التشبيه فلهذا تجد هؤلء يسمون من أثبت العلو ونحوه مشبها ول
يسمون من أثبت السمع والبصر والكلم ونحوه مشبها كما يقول صاحب الرشاد وأمثاله
وكذلك يوافقهيم على القول بتماثيل الجسيام القاضيي أبيو يعلى وأمثاله مين مثبتية الصيفات
والعلو ; لكيين هؤلء يجعلون العلو صييفة خبرييية كمييا هييو أول قولي القاضييي أبييي يعلى
فيكون الكلم فيييه كالكلم فييي الوجييه وقييد يقولون :أن مييا يثبتونييه ل ينافييي الجسييم كمييا
يقولونيه فيي سيائر الصيفات والعاقيل إذا تأميل وجيد المير فيميا نفوه كالمير فيميا أثبتوه ل
فرق وأصل كلم هؤلء كلهم على أن إثبات الصفات مستلزم للتجسيم والجسام متماثلة
.والمثبتون يجيبون عين هذا تارة بمنيع المقدمية الولى وتارة بمنيع المقدمية الثانيية وتارة
40
بمنع كل من المقدمتين وتارة بالستفصال ول ريب أن قولهم بتماثل الجسام قول باطل
سواء فسيروا الجسم بميا يشار إليه أو بالقائم بنفسه أو بالموجود أو بالمركب من الهيولى
والصيورة ونحيو ذلك فأميا إذا فسيروه بالمركيب مين الجواهير المفردة وعلى أنهيا متماثلة
فهذا يبنييى على صييحة ذلك ; وعلى إثبات الجوهيير الفرد وعلى أنييه متماثييل وجمهور
العقلء يخالفونهم في ذلك ( والمقصود هنا أنهم يطلقون التشبيه على ما يعتقدونه تجسيما
بناء على تماثيل الجسيام والمثبتون ينازعونهيم فيي اعتقادهيم ; كإطلق الرافضية النصيب
على مين تولى أبيا بكير وعمير رضيي ال عنهميا ; بناء على أن مين أحبهميا فقيد أبغيض
علييا رضيي ال عنيه ; ومين أبغضيه فهيو ناصيبي وأهيل السينة ينازعونهيم فيي المقدمية
الولى ; ولهذا يقول هؤلء :إن الشيئيين ل يشتبهان مين وجيه ويختلفان مين وجيه وأكثير
العقلء على خلف ذلك وقد بسطنا الكلم على هذا في غير هذا الموضع وبينا فيه حجج
من يقول بتماثل الجسام وحجج من نفى ذلك ,وبينا فساد قول من يقول بتماثلها وأيضا
فالعتماد بهذا الطرييق على نفيي التشيبيه اعتماد باطيل وذلك أنيه إذا أثبيت تماثيل الجسيام
فهم ل ينفون ذلك إل بالحجة التي ينفون بها الجسم وإذا ثبت أن هذا يستلزم الجسم وثبت
امتناع الجسييم :كان هذا وحده كافيييا فييي نفييي ذلك ل يحتاج نفييي ذلك إلى نفييي مسييمى
التشبيه لكن نفي التجسيم يكون مبنيا على نفي هذا التشبيه بأن يقال :لو ثبت له كذا وكذا
لكان جسما ; ثم يقال :والجسام متماثلة فيجب اشتراكها فيما يجب ويجوز ويمتنع وهذا
ممتنيع علييه .لكين حينئذ يكون مين سيلك هذا المسيلك معتمدا فيي نفيي التشيبيه على نفيي
التجسييم ; فيكون أصيل نفييه نفيي الجسيم وهذا مسيلك آخير سينتكلم علييه إن شاء ال وإنميا
المقصيود هنيا :أن مجرد العتماد فيي نفيي ميا ينفيى على مجرد نفيي التشيبيه ل يفييد إذ ميا
مين شيئيين إل يشتبهان مين وجيه ويفترقان مين وجيه بخلف العتماد على نفيي النقيص
والعيب ونحو ذلك مما هو سبحانه مقدس عنه فإن هذه طريقة صحيحة وكذلك إذا أثبت
له صييفات الكمال ونفييى مماثلة غيره له فيهييا فإن هذا نفييي المماثلة فيمييا هييو مسييتحق له
وهذا حقيقية التوحييد :وهيو أن ل يشركيه شييء مين الشياء فيميا هيو مين خصيائصه وكيل
41
صفة من صفات الكمال فهو متصف بها على وجه ل يماثله فيه أحد ; ولهذا كان مذهب
سيلف المية وأئمتهيا إثبات ميا وصيف بيه نفسيه مين الصيفات ونفيي مماثلتيه بشييء مين
المخلوقات ( فإن قيل إن الشيء إذا شابه غيره من وجه جاز عليه ما يجوز عليه من ذلك
الوجه ووجب له ما وجب له وامتنع عليه ما امتنع عليه ( قيل هب أن المر كذلك ولكن
إذا كان ذلك القدر المشترك ل يسييتلزم إثبات مييا يمتنييع على الرب سييبحانه ول نفييي مييا
يستحقه لم يكن ممتنعا كما إذا قيل :إنه موجود حي عليم سميع بصير وقد سمي بعض
المخلوقات حييا سيمعيا عليميا بصييرا فإذا قييل :يلزم أنيه يجوز علييه ميا يجوز على ذلك
مين جهية كونيه موجودا حييا عليميا سيميعا بصييرا قييل :لزم هذا القدر المشترك لييس
ممتنعييا على الرب تعالى فإن ذلك ل يقتضييي حدوثييا ول إمكانييا ول نقصييا ول شيئا ممييا
ينافي صفات الربوبية وذلك أن القدر المشترك هو مسمى الوجود أو الموجود أو الحياة
أو الحيي أو العلم أو العلييم أو السيمع أو البصير أو السيميع أو البصيير أو القدرة أو القديير
والقدر المشترك مطلق كلي ل يختيص بأحدهميا دون الخير ; فلم يقيع بينهميا اشتراك ل
فيما يختص بالممكن المحدث ول فيما يختص بالواجب القديم فإن ما يختص به أحدهما
يمتنييع اشتراكهمييا فيييه فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركييا فيييه صييفة كمال كالوجود
والحياة والعلم والقدرة ولم يكين فيي ذلك شييء مميا يدل على خصيائص المخلوقيين كميا ل
يدل على شيء من خصائص الخالق لم يكن في إثبات هذا محذور أصل ; بل إثبات هذا
مين لوازم الوجود ,فكيل موجوديين ل بيد بينهميا مين مثيل هذا ومين نفيي هذا لزميه تعطييل
وجود كيل موجود ولهذا لميا اطلع الئمية على أن هذا حقيقية قول الجهميية سيموهم معطلة
وكان جهيم ينكير أن يسيمى ال شيئا وربميا قالت الجهميية هيو شييء ل كالشياء فإذا نفيى
القدر المشترك مطلقا لزم التعطيل العام .
والمعانيييي التيييي يوصيييف بهيييا الرب تعالى كالحياة والعلم والقدرة بيييل الوجود والثبوت
والحقيقيييية ونحييييو ذلك :تجييييب لوازمهييييا فإن ثبوت الملزوم يقتضييييي ثبوت اللزم ,
وخصائص المخلوق التي يجب تنزيه الرب عنها ليست من لوازم ذلك أصل بل تلك من
42
لوازم مييا يختييص بالمخلوق ميين وجود وحياة وعلم ونحييو ذلك وال سييبحانه منزه عيين
خصائص المخلوقين وملزومات خصائصهم وهذا الموضع من فهمه فهما جيدا وتدبره :
زالت عنه عامة الشبهات وانكشف له غلط كثير من الذكياء في هذا المقام وقد بسط هذا
في مواضع كثيرة وبين فيها أن القدر المشترك الكلي ل يوجد في الخارج إل معينا مقيدا
وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من المور هو تشابهها من ذلك الوجه وأن ذلك
المعنى العام يطلق على هذا وهذا ; لن الموجودات في الخارج ل يشارك أحدهما الخر
فيي شييء موجود فييه بيل كيل موجود متمييز عين غيره بذاتيه وصيفاته وأفعاله ولميا كان
الميير كذلك كان كثييير ميين الناس متناقضييا فييي هذا المقام ; فتارة يظيين أن إثبات القدر
المشترك يوجب التشبيه الباطل فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حذرا من
ملزومات التشيبيه وتارة يتفطين أنيه ل بيد مين إثبات هذا على تقديير فيجييب بيه فيميا يثبتيه
من الصفات لمن احتج به من النفاة ولكثرة الشتباه في هذا المقام :وقعت الشبهة في أن
وجود الرب هيييل هيييو عيييين ماهيتيييه أو زائد على ماهيتيييه ؟ وهيييل لفيييظ الوجود مقول
بالشتراك اللفظيي أو التواطيؤ أو التشكييك ؟ كميا وقيع الشتباه فيي إثبات الحوال ونفيهيا
وفي أن المعدوم هل هو شيء أم ل ؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها
أم ل ؟ وقيد كثير مين أئمية النظار الضطراب والتناقيض فيي هذه المقامات ; فتارة يقول
أحدهيم القوليين المتناقضيين ويحكيي عين الناس مقالت ميا قالوهيا ; وتارة يبقيى فيي الشيك
والتحيير وقيد بسيطنا مين الكلم فيي هذه المقامات وميا وقيع مين الشتباه والغلط والحيرة
فيها لئمة الكلم والفلسفة ما ل تتسع له هذه الجمل المختصرة وبينا أن الصواب هو أن
وجود كيل شييء فيي الخارج هيو ماهيتيه الموجودة فيي الخارج ; بخلف الماهيية التيي فيي
الذهين فإنهيا مغايرة للموجود فيي الخارج ; وأن لفيظ الذات والشييء والماهيية والحقيقية
ونحيو ذلك فهذه اللفاظ كلهيا متواطئة فإذا قييل :إنهيا مشككية لتفاضيل معانيهيا فالمشكيك
نوع ميين المتواطييئ العام الذي يراعييى فيييه دللة اللفييظ على القدر المشترك سييواء كان
المعنى متفاضل في موارده أو متماثل .وبينا أن المعدوم شيء أيضا في العلم والذهن ل
43
فيي الخارج فل فرق بيين الثبوت والوجود لكين الفرق ثابيت بيين الوجود العلميي والعينيي
مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به وكذلك
الحوال التييي تتماثييل فيهييا الموجودات وتختلف :لهييا وجود فييي الذهان وليييس فييي
العيان إل العيان الموجودة وصفاتها القائمة بها المعينة فتتشابه بذلك وتختلف به وأما
هذه الجملة المختصيرة فإن المقصيود بهيا التنيبيه على جميل مختصيرة جامعية مين فهمهيا
علم قدر نفعها وانفتح له باب الهدى وإمكان إغلق باب الضلل ; ثم بسطها وشرحها له
مقام آخر ; إذ لكل مقام مقال " والمقصود " :هنا أن العتماد على مثل هذه الحجة فيما
ينفى عن الرب وينزه عنه -كما يفعله كثير من المصنفين -خطأ لمن تدبر ذلك وهذا من
طرق النفي الباطلة .
( فصل )
وأفسييد ميين ذلك :مييا يسييلكه نفاة الصييفات أو بعضهييا إذا أرادوا أن ينزهوه عمييا يجييب
تنزيهه عنه مما هو من أعظم الكفر مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك
ويريدون الرد على اليهود :الذييين يقولون إنييه بكييى على الطوفان حتييى رمييد وعادتييه
الملئكيية والذييين يقولون بإلهييية بعييض البشيير وأنييه ال فإن كثيرا ميين الناس يحتييج على
هؤلء بنفيي التجسييم والتحييز ونحيو ذلك ويقولون لو اتصيف بهذه النقائص والفات لكان
جسييما أو متحيزا وذلك ممتنييع وبسييلوكهم مثييل هذه الطريييق اسييتظهر عليهييم هؤلء
الملحدة نفاة السييماء والصييفات فإن هذه الطريقيية ل يحصييل بهييا المقصييود لوجوه - :
( أحدهيا أن وصيف ال تعالى بهذه النقائص والفات أظهير فسيادا فيي العقيل والديين مين
نفيي التحييز والتجسييم ; فإن هذا فييه مين الشتباه والنزاع والخفاء ميا لييس فيي ذلك وكفير
صياحب ذلك معلوم بالضرورة مين ديين السيلم والدلييل معرف للمدلول وميبين له ; فل
يجوز أن يستدل على الظهر البين بالخفى كما ل يفعل مثل ذلك في الحدود ( الوجه
الثانيي أن هؤلء الذيين يصيفونه بهذه الصيفات :يمكنهيم أن يقولوا نحين ل نقول بالتجسييم
44
والتحييز كميا يقوله مين يثبيت الصيفات وينفيي التجسييم فيصيير نزاعهيم مثيل نزاع مثبتية
الكلم وصييفات الكمال فيصييير كلم ميين وصييف ال بصييفات الكمال وصييفات النقييص
واحدا ويبقيى رد النفاة على الطائفتيين بطرييق واحيد وهذا فيي غايية الفسياد ( الثالث ) أن
هؤلء ينفون صييفات الكمال بمثييل هذه الطريقيية واتصييافه بصييفات الكمال واجييب ثابييت
بالعقييل والسييمع فيكون ذلك دليل على فسيياد هذه الطريقيية ( الرابييع ) :أن سييالكي هذه
الطريقة متناقضون فكل من أثبت شيئا منهم ألزمه الخر بما يوافقه فيه من الثبات كما
أن كيل مين نفيى شيئا منهيم ألزميه الخير بميا يوافقيه فييه مين النفيي .فمثبتية الصيفات -
كالحياة والعلم والقدرة والكلم والسيييمع والبصييير -إذا قالت لهيييم النفاة كالمعتزلة :هذا
تجسييييم ; لن هذه الصيييفات أعراض والعرض ل يقوم إل بالجسيييم أو لنيييا ل نعرف
موصيوفا بالصيفات إل جسيما .قالت لهيم المثبتية :وأنتيم قيد قلتيم :إنيه حيي علييم قديير .
وقلتم :ليس بجسم ; وأنتم ل تعلمون موجودا حيا عالما قادرا إل جسما فقد أثبتموه على
خلف ما علمتم فكذلك نحن وقالوا لهم :أنتم أثبتم حيا عالما قادرا ; بل حياة ول علم ول
قدرة وهذا تناقض يعلم بضرورة العقل ثم هؤلء المثبتون إذا قالوا لمن أثبت أنه يرضى
ويغضب ويحب ويبغض أو من وصفه بالستواء والنزول والتيان والمجيء أو بالوجه
واليد ونحو ذلك إذا قالوا :هذا يقتضي التجسيم لنا ل نعرف ما يوصف بذلك إل ما هو
جسييم قالت لهييم المثبتيية :فأنتييم قييد وصييفتموه بالحياة والعلم والقدرة والسييمع والبصيير
والكلم وهذا هكذا ; فإذا كان هذا ل يوصيف بيه إل الجسيم فالخير كذلك ,وإن أمكين أن
يوصيف بأحدهميا ميا لييس بجسيم فالخير كذلك ; فالتفرييق بينهميا تفرييق بيين المتماثليين
ولهذا لميا كان الرد على مين وصيف ال تعالى بالنقائص بهذه الطرييق طريقيا فاسيدا :لم
يسيلكه أحيد مين السيلف والئمية فلم ينطيق أحيد منهيم فيي حيق ال بالجسيم ل نفييا ول إثباتيا
ول بالجوهر والتحيز ونحو ذلك لنها عبارات مجملة ل تحق حقا ول تبطل باطل ولهذا
لم يذكر ال في كتابه فيما أنكره على اليهود وغيرهم من الكفار :ما هو من هذا النوع ;
بل هذا هو من الكلم المبتدع الذي أنكره السلف والئمة .
45
( فصل )
وأما في طرق الثبات :فمعلوم أيضا أن المثبت ل يكفي في إثباته مجرد نفي التشبيه إذ
لو كفى في إثباته مجرد نفي التشبيه لجاز أن يوصف سبحانه من العضاء والفعال بما
ل يكاد يحصيى مميا هيو ممتنيع علييه -ميع نفيي التشيبيه وأن يوصيف بالنقائص التيي ل
تجوز علييه ميع نفيي التشيبيه كميا لو وصيفه مفتير علييه بالبكاء والحزن والجوع والعطيش
مع نفي التشبيه .وكما لو قال المفتري :يأكل ل كأكل العباد ويشرب ل كشربهم ويبكي
ويحزن ل كبكائهم ول حزنهم ; كما يقال يضحك ل كضحكهم ويفرح ل كفرحهم ويتكلم
ل ككلمهيييم .ولجاز أن يقال :له أعضاء كثيرة ل كأعضائهيييم كميييا قييييل :له وجييه ل
كوجوههيم ويدان ل كأيديهيم .حتيى يذكير المعدة والمعاء والذكير وغيير ذلك مميا يتعالى
ال عيز وجيل عنيه سيبحانه وتعالى عميا يقول الظالمون علوا كيبيرا .فإنيه يقال لمين نفيى
ذلك ميع إثبات الصيفات الخبريية وغيرهيا مين الصيفات :ميا الفرق بيين هذا وميا أثبتيه إذا
نفيت التشبيه وجعلت مجرد نفي التشبيه كافيا في الثبات فل بد من إثبات فرق في نفس
المر فإن قال :العمدة في الفرق هو السمع فما جاء به السمع أثبته دون ما لم يجئ به
السيمع قيل له أول :السيمع هو خبر الصيادق عميا هو المير عليه في نفسه فما أخبر به
الصادق فهو حق من نفي أو إثبات ; والخبر دليل على المخبر عنه والدليل ل ينعكس ;
فل يلزم من عدميه عدم المدلول علييه فميا لم يرد بيه السيمع يجوز أن يكون ثابتيا فيي نفيس
الميير وإن لم يرد بييه السييمع ; إذا لم يكيين نفاه ومعلوم أن السييمع لم ينييف هذه المور
بأسيمائها الخاصية فل بيد مين ذكير ميا ينفيهيا مين السيمع وإل فل يجوز حينئذ نفيهيا كميا ل
يجوز إثباتها وأيضا :فل بد في نفس المر من فرق بين ما يثبت له وينفى فإن المور
المتماثلة فييي الجواز والوجوب والمتناع :يمتنييع اختصيياص بعضهييا دون بعييض فييي
الجواز والوجوب والمتناع فل بيد مين اختصياص المنفيي عين المثبيت بميا يخصيه بالنفيي
46
ول بد من اختصاص الثابت عن المنفي بما يخصه بالثبوت وقد يعبر عن ذلك بأن يقال :
ل بد من أمر يوجب نفي ما يجب نفيه عن ال كما أنه ل بد من أمر يثبت له ما هو ثابت
وإن كان السمع كافيا كان مخبرا عما هو المر عليه في نفسه فما الفرق في نفس المر
بيين هذا وهذا ؟ فيقال :كلميا نفيي صيفات الكمال الثابتية ل فهيو منزه عنيه فإن ثبوت أحيد
الضديين يسيتلزم نفيي الخير فإذا علم أنيه موجود واجيب الوجود بنفسيه وأنيه قدييم واجيب
القدم :علم امتناع العدم والحدوث علييه وعلم أنيه غنيي عميا سيواه فالمفتقير إلى ميا سيواه
فيي بعيض ميا يحتاج إلييه لنفسيه :لييس هيو موجودا بنفسيه بيل بنفسيه وبذلك الخير الذي
أعطاه ما تحتاج إليه نفسه فل يوجد إل به .وهو سبحانه غني عن كل ما سواه فكل ما
نافيى غناه فهيو منزه عنيه ; وهيو سيبحانه قديير قوي فكيل ميا نافيى قدرتيه وقوتيه فهيو منزه
عنه وهو سبحانه حي قيوم فكل ما نافى حياته وقيوميته فهو منزه عنه وبالجملة فالسمع
قيد أثبيت له مين السيماء الحسينى وصيفات الكمال ميا قيد ورد فكيل ميا ضاد ذلك فالسيمع
ينفيه كما ينفي عنه المثل والكفؤ فإن إثبات الشيء نفي لضده ولما يستلزم ضده والعقل
يعرف نفيي ذلك كميا يعرف إثبات ضده فإثبات أحيد الضديين نفيي للخير ولميا يسيتلزمه .
فطرق العلم بنفي ما ينزه عنه الرب متسعة ل يحتاج فيها إلى القتصار على مجرد نفي
التشبيه والتجسيم كما فعله أهل القصور والتقصير :الذين تناقضوا في ذلك وفرقوا بين
المتماثلين حتى أن كل من أثبت شيئا احتج عليه من نفاه بأنه يستلزم التشبيه وكذلك احتج
القرامطيية على نفييي جميييع المور حتييى نفوا النفييي فقالوا :ل يقال ل موجود ول ليييس
بموجود ول حيييي ول لييييس بحيييي ; لن ذلك تشيييبيه بالموجود أو المعدوم فلزم نفيييي
النقيضييين :وهييو أظهيير الشياء امتناعييا ثييم إن هؤلء يلزمهييم ميين تشييبيهه بالمعدومات
والممتنعات والجمادات :أعظييم ممييا فروا منييه ميين التشييبيه بالحياء الكاملييين فطرق
تنزيهيه وتقديسيه عميا هيو منزه عنيه متسيعة ل تحتاج إلى هذا وقيد تقدم أن ميا ينفيى عنيه -
سييبحانه -النفييي المتضميين للثبات إذ مجرد النفييي ل مدح فيييه ول كمال فإن المعدوم
يوصف بالنفي والمعدوم ل يشبه الموجودات وليس هذا مدحا له لن مشابهة الناقص في
47
صفات النقص نقص مطلقا كما أن مماثلة المخلوق في شيء من الصفات تمثيل وتشبيه
ينزه عنييه الرب تبارك وتعالى والنقييص ضييد الكمال ; وذلك مثييل أنييه قييد علم أنييه حييي
والموت ضيد ذلك فهيو منزه عنيه ; وكذلك النوم والسينة ضيد كمال الحياة فإن النوم أخيو
الموت وكذلك اللغوب نقص في القدرة والقوة والكل والشرب ونحو ذلك من المور فيه
افتقار إلى موجود غيره كمييا أن السييتعانة بالغييير والعتضاد بييه ونحييو ذلك تتضميين
الفتقار إليييه والحتياج إليييه .وكييل ميين يحتاج إلى ميين يحمله أو يعينييه على قيام ذاتييه
وأفعاله فهييو مفتقيير إليييه ليييس مسييتغنيا عنييه بنفسييه فكيييف ميين يأكييل ويشرب والكييل
والشارب أجوف والمصييمت الصييمد أكمييل ميين الكييل والشارب ولهذا كانييت الملئكيية
صييمدا ل تأكييل ول تشرب وقييد تقدم أن كييل كمال ثبييت لمخلوق فالخالق أولى بييه وكييل
نقيص تنزه عنيه المخلوق فالخالق أولى بتنزيهيه عين ذلك والسيمع قيد نفيى ذلك فيي غيير
موضييع كقوله تعالى { :ال الصييمد } والصييمد الذي ل جوف له ول يأكييل ول يشرب
وهذه السورة هي نسب الرحمن أو هي الصل في هذا الباب وقال في حق المسيح وأمه
{ :ميا المسييح ابين مرييم إل رسيول قيد خلت مين قبله الرسيل وأميه صيديقة كانيا يأكلن
الطعام } فجعييل ذلك دليل على نفييي اللوهييية فدل ذلك على تنزيهييه عيين ذلك بطريييق
الولى والحرى والكبد والطحال ونحو ذلك :هي أعضاء الكل والشرب فالغني المنزه
عين ذلك :منزه عين آلت ذلك بخلف الييد فإنهيا للعميل والفعيل وهيو سيبحانه موصيوف
بالعميل والفعيل ; إذ ذاك مين صيفات الكمال ; فمين يقدر أن يفعيل أكميل ممين ل يقدر على
الفعيل .وهيو سيبحانه منزه عين الصياحبة والولد وعين آلت ذلك وأسيبابه وكذلك البكاء
والحزن :هو مستلزم الضعف والعجز الذي ينزه عنه سبحانه ; بخلف الفرح والغضب
:فإنه من صفات الكمال فكما يوصف بالقدرة دون العجز وبالعلم دون الجهل وبالحياة
دون الموت وبالسييمع دون الصييمم وبالبصيير دون العمييى وبالكلم دون البكييم :فكذلك
يوصيف بالفرح دون الحزن وبالضحيك دون البكاء ونحيو ذلك وأيضيا فقيد ثبيت بالعقيل ميا
أثبته السمع من أنه سبحانه ل كفؤ له ول سمي له وليس كمثله شيء فل يجوز أن تكون
48
حقيقته كحقيقة شيء من المخلوقات ول حقيقة شيء من صفاته كحقيقة شيء من صفات
المخلوقات فيعلم قطعييا أنييه ليييس ميين جنييس المخلوقات ل الملئكيية ول السييموات ول
الكواكيب ول الهواء ول الماء ول الرض ول الدمييين ول أبدانهيم ول أنفسيهم ول غيير
ذلك بيل يعلم أن حقيقتيه عين مماثلت شييء مين الموجودات أبعيد مين سيائر الحقائق وأن
مماثلتيه لشييء منهيا أبعيد مين مماثلة حقيقية شييء مين المخلوقات لحقيقية مخلوق آخير فإن
الحقيقتيين إذا تماثلتيا :جاز على كيل واحدة ميا يجوز على الخرى ووجيب لهيا ميا وجيب
لهيا .فيلزم أن يجوز على الخالق القدييم الواجيب بنفسيه ميا يجوز على المحدث المخلوق
من العدم والحاجة وأن يثبت لهذا ما يثبت لذلك من الوجوب والفناء فيكون الشيء الواحد
واجبا بنفسه غير واجب بنفسه موجودا معدوما وذلك جمع بين النقيضين وهذا مما يعلم
بيه بطلن قول المشبهية الذيين يقولون :بصير كبصيري أو ييد كيدي ونحيو ذلك تعالى ال
عن قولهم علوا كبيرا وليس المقصود هنا استيفاء ما يثبت له ول ما ينزه عنه واستيفاء
طرق ذلك ; لن هذا مبسيوط فيي غيير هذا الموضيع .وإنميا المقصيود هنيا التنيبيه على
جوامع ذلك وطرقه وما سكت عنه السمع نفيا وإثباتا ولم يكن في العقل ما يثبته ول ينفيه
سكتنا عنه فل نثبته ول ننفيه .فنثبت ما علمنا ثبوته وننفي ما علمنا نفيه ونسكت عما ل
نعلم نفيه ول إثباته وال أعلم .
( ا ) القاعدة السسابعة أن يقال :إن كثيرا مميا دل علييه " السيمع " يعلم " بالعقيل " أيضيا
والقرآن ييبين ميا يسيتدل بيه العقيل ويرشيد إلييه وينبيه علييه ; كميا ذكير ال ذلك فيي غيير
موضع .فإنه سبحانه وتعالى :بين من اليات الدالة عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه
وغير ذلك :ما أرشد العباد إليه ودلهم عليه ; كما بين أيضا ما دل على نبوة أنبيائه ; وما
دل على المعاد وإمكانيه فهذه المطالب هيي شرعيية مين جهتيين - :مين جهية أن الشارع
أخبر بها .ومن جهة أنه بين الدلة العقلية التي يستدل بها عليها والمثال المضروبة في
القرآن هي " أقيسة عقلية " وقد بسط في غيير هذا الموضع وهيي أيضيا عقلية من جهة
أنها تعلم بالعقل أيضا وكثير من أهل الكلم يسمي هذه " الصول العقلية " لعتقاده أنها
49
( بي ) ل تعلم إل بالعقل فقط فإن السمع هو مجرد إخبار الصادق وخبر الصادق الذي هو
النبي ل يعلم صدقه إل بعد العلم بهذه الصول بالعقل ثم إنهم قد يتنازعون في الصول
التي تتوقف إثبات النبوة عليها " .فطائفة " تزعم :أن تحسين العقل وتقبيحه داخل في
هذه الصييول وأنييه ل يمكيين إثبات النبوة بدون ذلك ويجعلون التكذيييب بالقدر ممييا ينفيييه
العقيل و " طائفية " تزعيم أن حدوث العالم مين هذه الصيول وأن العلم بالصيانع ل يمكين
إل بإثبات حدوثه وإثبات حدوثه ل يمكن إل بحدوث الجسام ,وحدوثها يعلم إما بحدوث
الصيفات ,وإميا بحدوث الفعال القائمية بهيا فيجعلون نفيي أفعال الرب ونفيي صيفاته مين
الصول التي ل يمكن إثبات النبوة إل بها ثم هؤلء ل يقبلون الستدلل بالكتاب والسنة
على نقييض قولهيم لظنهيم أن العقيل عارض السيمع -وهيو أصيله -فيجيب تقديميه علييه
والسييمع :إمييا أن يؤول وإمييا أن يفوض وهييم أيضييا عنييد التحقيييق ل يقبلون السييتدلل
بالكتاب والسنة على وفق قولهم لما تقدم وهؤلء يضلون من وجوه ( - :ج ) ( منها ) :
ظنهم أن السمع بطريق الخبر تارة وليس المر كذلك بل القرآن بين من الدلئل العقلية -
التي تعلم بها المطالب الدينية -ما ل يوجد مثله في كلم أئمة النظر فتكون هذه المطالب
:شرعيية عقليية و ( منهيا :ظنهيم أن الرسيول ل يعلم صيدقه إل بالطرييق المعينية التيي
سيلكوها وهيم مخطئون قطعيا فيي انحصيار طرييق تصيديقه فيميا ذكروه فإن طرق العلم
بصييدق الرسييول كثيرة كمييا قييد بسييط فييي غييير هذا الموضييع و ( منهييا :ظنهييم أن تلك
الطريق التي سلكوها صحيحة وقد تكون باطلة ( ومنها :ظنهم أن ما عارضوا به السمع
معلوم بالعقييل ويكونون غالطييين فييي ذلك ; فإنييه إذا وزن بالميزان الصييحيح وجييد مييا
يعارض الكتاب والسنة من المجهولت ; ل من المعقولت وقد بسط الكلم على هذا في
غيير هذا الموضيع والمقصيود هنيا :أن مين " صيفات ال تعالى " ميا قيد يعلم بالعقيل كميا
يعلم أنه عالم وأنه قادر وأنه حي ; كما أرشد إلى ذلك قوله { :أل يعلم من خلق ؟ } وقد
اتفيق النظار مين مثبتية الصيفات :على أنيه يعلم بالعقيل ( عنيد المحققيين أنيه حيي ; علييم ;
قديير ; مرييد ; وكذلك السيمع ; والبصير والكلم .يثبيت ( د ) بالعقيل عنيد المحققيين بيل
50
وكذلك الحييب والرضييا والغضييب .يمكيين إثباتييه بالعقييل وكذلك علوه على المخلوقات
ومباينته لها مما يعلم بالعقل كما أثبتته بذلك الئمة :مثل أحمد بن حنبل وغيره .ومثل :
عبد العالي المكي وعبد ال بن سعيد بن كلب ; بل وكذلك إمكان الرؤية :يثبت بالعقل ,
لكين منهيم مين أثبتهيا بأن كيل موجود تصيح رؤيتيه ومنهيم مين أثبتهيا بأن كيل قائم بنفسيه
يمكن رؤيته .وهذه الطريق أصح من تلك وقد يمكن إثبات الرؤية بغير هذين الطريقين
بتقسييم دائر بيين النفيي والثبات كميا يقال :إن الرؤيية ل تتوقيف إل على أمور وجوديية
فإن مييا ل يتوقييف إل على أمور وجودييية يكون الموجود الواجييب القديييم :أحييق بييه ميين
الممكن المحدث والكلم على هذه المور مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود هنا :
أن مين الطرق التيي يسيلكها الئمية ومين اتبعهيم مين نظار السينة فيي هذا الباب :أنيه لو لم
يكيين موصييوفا بإحدى الصييفتين المتقابلتييين :للزم اتصييافه بالخرى ; فلو لم يوصييف
بالحياة لوصف بالموت ; ولو لم يوصف ( هي ) بالقدرة لوصف بالعجز ; ولو لم يوصف
بالسيمع والبصير والكلم لوصيف بالصيمم والخرس والبكيم وطرد ذلك أنيه لو لم يوصيف
بأنيه مبايين للعالم لكان داخل فييه .فسيلب إحدى الصيفتين المتقابلتيين عنيه يسيتلزم ثبوت
الخرى وتلك صيفة نقيص ينزه عنهيا الكاميل مين المخلوقات فتنزييه الخالق عنهيا أولى .
وهذه الطرييق غيير قولنيا إن هذه صيفات كمال يتصيف بهيا المخلوق ; فالخالق أولى فإن
طريق إثبات صفات الكمال بأنفسها مغاير لطريق إثباتها بنفي ما يناقضها وقد اعترض
طائفية مين النفاة على هذه الطريقية باعتراض مشهور لبسيوا بيه على الناس ; حتيى صيار
كثيير مين أهيل الثبات يظين صيحته ويضعيف الثبات بيه مثيل ميا فعيل مين فعيل ذلك مين
النظار حتى المادي أمسى مع أنه أصل قول القرامطة الباطنية وأمثالهم من الجهمية .
فقالوا :القول بأنيه لو لم يكين متصيفا بهذه الصيفات ; كالسيمع والبصير والكلم ميع كونيه
حييا :لكان متصيفا بميا يقابلهيا فالتحقييق فييه متوقيف على بيان حقيقية ( المتقابليين .وبيان
أقسيامهما ) .فنقول ( :و ) أميا المتقابلن فل يجتمعان فيي شييء واحيد مين جهية واحدة
وهو إما أل يصح اجتماعهما في الصدق ول في الكذب :أو يصح ذلك في أحد الطرفين
51
; ولنهمييا متقابلن بالسييلب واليجاب وهييو تقابييل التناقييض ; والتناقييض هييو اختلف
القضيتيين بالسيلب واليجاب على وجيه ل يجتمعان فيي الصيدق ول فيي الكذب لذاتيهميا ;
كقولنا :زيد حيوان زيد ليس بحيوان .ومن خاصة استحالة اجتماع طرفيه في الصدق
والكذب :أنيه ل واسيطة بيين الطرفيين ول اسيتحالة لحيد الطرفيين مين جهية واحدة ول
يصح اجتماعهما في الصدق ول في الكذب ; إذ كون الموجود واجبا بنفسه وممكنا بنفسه
.ل يجتمعان ول يرتفعان فإذا جعلتيم هذا التقسييم :وهميا " النقيضان ميا ل يجتمعان ول
يرتفعان " فهذان ل يجتمعان ول يرتفعان ولييس هميا السيلب واليجاب فل يصيح حصير
النقيضييين -اللذييين ل يجتمعان ول يرتفعان -فييي السييلب واليجاب وحينئذ فقييد ثبييت
وصيفان -شيئان -ل يجتمعان ول يرتفعان ; وهيو خارج عين القسيام الربعية على هذا
فمين جعيل الموت معنيى وجودييا :فقيد يقول إن كون الشييء ل يخلو مين الحياة والموت
هييو ميين هذا الباب ; وكذلك العلم والجهييل والصييمم والبكييم ونحييو ذلك ( ز ) ( الوجييه
الثانيي ) :أن يقال :هذا القسييم يتداخيل ; فإن العدم والملكية :يدخيل فيي السيلب واليجاب
وغايتيه أنيه نوع منيه والمتضايفان يدخلن فيي المتضاديين إنميا هميا نوع منيه فإن قال :
أعنيي بالسيلب واليجاب :فل يدخيل فيي العدم والملكية -وهيو أن يسيلب عين الشييء ميا
ليس بقابل له -ولهذا جعل من خواصه أنه ل استحالة لحد طرفيه .إلى آخره قيل له :
عن هذا جوابان - :أحدهميا :أن غاية هذا أن السيلب ينقسم إلى نوعين :أحدهميا :سلب
ما يمكن اتصاف الشيء به والثاني :سلب ما ل يمكن اتصافه به .فيقال :الول إثبات
ميا يمكين اتصيافه ول يجيب والثانيي :إثبات ميا يجيب اتصيافه بيه ; فيكون المراد بيه سيلب
ممتنع .وإثبات الواجب .كقولنا زيد حيوان فإن هذا إثبات واجب ,وزيد ليس بحجر فإن
هذا سيلب ممتنيع وعلى هذا التقديير فالممكنات التيي تقبيل الوجود والعدم -كقولنيا المثلث
إما موجود وإما معدوم -يكون من قسم العدم والملكة وليس كذلك .فإن ( ح ) ذلك القسم
يخلو فييه الموصييوف الواحييد على المتقابلييين جميعييا ول يخلو شيييء ميين الممكنات عين
الوجود والعدم .وأيضيا فإنيه على هذا التقديير -فصيفات الرب كلهيا واجبية له -فإذا قييل
52
إما أن يكون حيا أو عليما أو سميعا أو بصيرا أو متكلما ; أو ل يكون :كان مثل قولنا :
إمييا أن يكون موجودا ; وإمييا أن ل يكون .وهذا متقابييل تقابييل السييلب واليجاب فيكون
الخير مثله وبهذا يحصيل المقصيود .فإن قييل :هذا ل يصيح حتيى يعلم إمكان قبوله لهذه
الصيفات :قييل له هذا إنميا اشتركيا فيميا أمكين أن يثبيت له ويزول كالحيوان ; فأميا الرب
تعالى :فإنيه بتقديير ثبوتهيا له فهيي واجبية ضرورة ; فإنيه ل يمكين اتصيافه بهيا وبعدمهيا
باتفاق العقلء .فإن ذلك يوجيب أن يكون تارة حييا وتارة ميتيا وتارة أصيم وتارة سيميعا
وهذا يوجيب اتصيافه بالنقائص ; وذلك منتيف قطعيا ; بخلف مين نفاهيا وقال :إن نفيهيا
لييس بنقيص لظنيه أنيه ل يقبيل التصياف بهيا فإن مين قال هذا ل يمكنيه أن يقول :إنيه ميع
إمكان التصاف بها ل يكون نفيها نقصا فإن فساد هذا معلوم بالضرورة .وقيل له أيضا
:أنت في تقابل السلب واليجاب إن اشترطت العلم بإمكان الطرفين :لم يصح أن تقول
واجييب الوجود ; إمييا موجود وإمييا معدوم ; ( ط ) والممتنييع الوجود إمييا موجود وإمييا
معدوم ; لن أحييد الطرفييين هنييا معلوم الوجود .والخيير معلوم المتناع وإن اشترطييت
العلم بإمكان أحدهما صح أن تقول إما أن يكون حيا وإما أل يكون ; وإما أن يكون سميعا
بصييرا وإميا أن ل يكون ; لن النفيي إن كان ممكنيا صيح التقسييم وإن كان ممتنعيا :كان
الثبات واجبييا وحصييل المقصييود فإن قيييل :هذا يفيييد أن هذا التأويييل يقابييل السييلب
واليجاب ونحن نسلم ذلك كما ذكر في العتراض ; لكن غايته :أنه إما سميع وإما ليس
بسميع وإما بصير وإما ليس ببصير ; والمنازع يختار النفي فيقال له :على هذا التقدير
:فالمثبييت واجييب ; والمسييلوب ممتنييع .فإمييا أن تكون هذه الصييفات واجبيية له وإمييا أن
تكون ممتنعية علييه والقول بالمتناع ل وجيه له ; إذ ل دلييل علييه بوجيه .بيل قيد يقال :
نحين نعلم بالضطرار بطلن المتناع ; فإنيه ل يمكين أن يسيتدل على امتناع ذلك إل بميا
يسيتدل بيه على إبطال أصيل الصيفات ; وقيد علم فسياد ذلك وحينئذ فيجيب القول بوجوب
هذه الصيفات له .واعلم أن هذا يمكين أن يجعيل طريقية مسيتقلة فيي إثبات صيفات الكمال
له فإنهيا إميا واجبية له وإميا ممتنعية علييه والثانيي باطيل فتعيين الول ; لن كونيه قابل
53
( ى ) لها خاليا عنها يقتضي أن يكون ممكنا وذلك ممتنع في حقه وهذه طريقة معروفة
لمين سيلكها مين النظار ( الجواب الثانيي أن يقال :فعلى هذا إذا قلنيا زييد إميا عاقيل وإميا
غيير عاقيل ; وإميا عالم وإميا لييس بعالم وإميا حيي وإميا غيير حيي وإميا ناطيق وإميا غيير
ناطيق .وأمثال ذلك مميا فييه سيلب الصيفة عين محيل قابيل لهيا لم يكين هذا داخل فيي قسيم
تقابييل السييلب واليجاب ومعلوم أن هذا خلف المعلوم بالضرورة وخلف اتفاق العقلء
وخلف مييا ذكروه فييي المنطييق وغيره .ومعلوم أن مثييل هذه القضايييا تتناقييض بالسييلب
واليجاب على وجييه يلزم منييه صييدق إحداهمييا كذب الخرى فل يجتمعان فييي الصييدق
والكذب فهذه شروط التناقييض موجود فيهييا .وغاييية فرقهييم أن يقولوا إذا قلنييا :هييو إمييا
بصيير وإميا لييس ببصيير :كان إيجابيا وسيلبا وإذا قلنيا :إميا بصيير ; وإميا أعميى :كان
ملكية وعدميا وهذه منازعية لفظيية وإل فالمعنيى فيي الموضعيين سيواء .فعلم أن ذلك نوع
مين تقابيل السيلب واليجاب وهذا يبطيل قولهيم فيي حيد ذلك التقابيل :أنيه ل اسيتحالة لحيد
الطرفيين إلى الخير فإن السيتحالة هنيا ممكنية كإمكانهيا إذا عيبر بلفيظ العميى ( الوجيه
الثالث أن يقال :التقسييييم الحاصييير أن يقال :المتقابلن إميييا أن ( ك ) يختلفيييا بالسيييلب
واليجاب وإميا أن ل يختلفيا بذلك بيل يكونان إيجابيين أو سلبيين .فالول هو النقيضان .
والثانيي إميا أن يمكين خلو المحيل عنهميا وإميا أن ل يمكين والول :هميا الضدان كالسيواد
والبياض .والثانييي :همييا فييي معنييى النقيضييين وإن كانييا ثبوتيييين كالوجوب والمكان
والحدوث والقدم والقيام بالنفيس والقيام بالغيير والمباينية والمجانبية ونحيو ذلك ومعلوم أن
الحياة والموت والصيمم والبكيم والسيمع :لييس مميا إذا خل الموصيوف عنهميا وصيف
بوصييف ثالث بينهمييا كالحمرة بييين السييواد والبياض فعلم أن الموصييوف ل يخلو عيين
أحدهميا فإذا انتفيى تعيين الخير ( الوجيه الرابيع :المحيل الذي ل يقبيل التصياف بالحياة
والعلم والقدرة والكلم ونحوها :أنقص من المحل الذي يقبل ذلك ويخلو عنها ولهذا كان
الحجيير ونحوه أنقييص ميين الحييي العمييى وحينئذ فإذا كان البارئ منزهييا عيين نفييي هذه
الصيفات ; ميع قبوله لهيا فتنزيهيه عين امتناع قبوله لهيا أولى وأحرى إذ بتقديير قبوله لهيا
54
يمتنيع منيع المتقابليين واتصيافه بالنقائص ممتنيع فيجيب اتصيافه بصيفات الكمال وبتقديير
عدم قبوله ( ل ) ل يمكيين اتصييافه ل بصييفات الكمال ول بصييفات النقييص وهذا أشييد
امتناعييا فثبييت أن اتصييافه بذلك ممكيين وأنييه واجييب له وهييو المطلوب .وهذا فييي غاييية
الحسين ( الوجيه الخاميس .أن يقال :أنتيم جعلتيم تقابيل العدم والملكية فيميا يمكين اتصيافه
بثبوت فإذا عنيتيم بالمكان المكان الخارجيي -هيو أن يعلم ثبوت ذلك فيي الخارج -كان
هذا باطل لوجهيين - :أحدهميا :أنيه يلزمكيم أن تكون الجامدات ل توصيف بأنهيا ل حيية
ول ميتية ول ناطقية ول صيامتة وهيو قولكيم -لكين هذا اصيطلح محيض -وأل تصيفوا
هذه الجمادات بالموت والصييمت وقييد جاء القرآن بذلك .قال تعالى { :والذييين يدعون
مييين دون ال ل يخلقون شيئا وهيييم يخلقون } { أموات غيييير أحياء وميييا يشعرون أيان
يبعثون } فهذا فيي " الصينام " وهيي مين الجمادات وقيد وصيفت بالموت والعرب تقسيم
الرض إلى الحيوان والموتان قال أهيل اللغية :الموتان بالتحرييك خلف الحيوان يقال :
اشتير الموتان ول تشتير الحيوان أي اشتير الرض والدور ; ول تشتير الرقييق والدواب ;
وقالوا أيضييا :الموات مييا ل روح فييه فإن قيييل :فهذا إنمييا يسييمى مواتييا باعتبار قوله "
للحياة " التي هي إحياء الرض :قيل وهذا يقتضي أن الحياة أعم من حياة الحيوان وأن
الجماد يوصيييف بالحياة إذا كان قابل للزرع والعمارة ; والخرس ضيييد النطيييق والعرب
تقول ( م ) " لبين أخرس " أي خاثير ل صيوت له فيي الناء " وسيحابة خرسياء " لييس
فيها رعد ول برق " وعلم أخرس " إذا لم يسمع له في الجبل صوت صدى " ويقال " :
كتيبية خرسياء " قال أبيو عيبيدة :هيي التيي صيمتت مين كثرة الدروع لييس له فقاقيع وأبلغ
ميين ذلك الصييمت والسييكوت ; فإنييه يوصييف بييه القادر على النطييق إذا تركييه ; بخلف
الخرس فإنيه عجيز عين النطيق .وميع هذا فالعرب تقول " :ميا له صيامت ول ناطيق "
فالصامت الذهب والفضة والناطق البل والغنم فالصامت من اللبن :الخاثر والصموت
:الدرع التييي صييمت إذا لم يسييمع له صييوت .ويقولون :دابيية عجماء وخرسيياء لمييا ل
تنطق ول يمكن منها النطق في العادة ومنه قول النبي صلى ال عليه وسلم { :العجماء
55
جبار } وكذلك فييي " العمياء " تقول العرب :عمييى الموج يعمييي عمييا إذا رمييى بالقذى
والزبد ; و " العميان " السيل والجمل الهائج .وعمى عليه المر إذا التبس ومنه قوله
تعالى { :فعميت عليهم النباء يومئذ } وهذه المثلة قد يقال في بعضها إنه عدم ما يقبل
المحييل التصيياف بييه كالصييوت ; ولكيين فيهييا مييا ل يقبييل كموت الصيينام .الثانييي :أن
الجامدات يمكن اتصافها بذلك فإن ال سبحانه قادر أن يخلق في الجمادات حياة كما جعل
عصيى موسيى حيية تبتلع الحبال والعصيي -وإذا [ كان ] ( ن ) فيي إمكان العادات :كان
ذلك مميا قيد علم بالتواتير -وأنتيم أيضيا قائلون بيه فيي مواضيع كثيرة وإذا كان الجمادات
يمكيين اتصييافها بالحياة وتوابييع الحياة ثبييت أن جميييع الموجودات يمكيين اتصييافها بذلك
فيكون الخالق أولى بهذا المكان وإن عنيتيم المكان الذهنيي -وهيو عدم العلم بالمتناع -
فهذا حاصيل فيي حيق ال فإنيه ل يعلم امتناع اتصيافه بالسيمع والبصير والكلم ( الوجيه
السادس أن يقال :هب أنه ل بد من العلم بالمكان الخارجي فإمكان الوصف للشيء يعلم
تارة بوجوه له أو بوجوده لنظيره أو بوجوده لمييا هييو الشيييء أولى بذلك منييه ومعلوم أن
الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلم :ثابت للموجودات المخلوقة وممكن لها .
فإمكانها للخالق تعالى أولى وأحرى ; فإنها صفات كمال .وهو قابل للتصاف بالصفات
; وإذا كانت ممكنة في حقه فلو لم يتصف بها لتصف بأضدادها ( الوجه السابع أن يقال
:مجرد سيلب هذه الصيفات نقيص لذاتيه سيواء سيميت عميى وصيمما وبكميا أو لم تسيم .
والعلم بذلك ضروري فأما إذا قدرنا موجودين أحدهما يسمع ويبصر ويتكلم والخر ليس
كذلك :كان الول أكميل مين الثانيي ولهذا عاب ال سيبحانه مين عبيد ميا تنتفيي فييه هذه
الصفات ; فقال تعالى عن ( ) 88إبراهيم الخليل { :لم تعبد ما ل يسمع ول يبصر ول
يغنيي عنيك شيئا ؟ } وقال أيضيا فيي قصيته { :فاسيألوهم إن كانوا ينطقون } وقال تعالى
عنه { :هل يسمعونكم إذ تدعون } { أو ينفعونكم أو يضرون } { قالوا بل وجدنا آباءنا
كذلك يفعلون } { قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون } { أنتم وآباؤكم القدمون } { فإنهم عدو
لي إل رب العالمين } وكذلك في قصة موسى في العجل { :ألم يروا أنه ل يكلمهم ول
56
يهديهيم سيبيل اتخذوه وكانوا ظالميين } وقال تعالى { :وضرب ال مثل رجليين أحدهميا
أبكيم ل يقدر على شييء وهيو كيل على موله أينميا يوجهيه ل يأت بخيير هيل يسيتوي هيو
ومين يأمير بالعدل وهيو على صيراط مسيتقيم } ؟ ! فقابيل بيين البكيم العاجيز وبيين المير
بالعدل :الذي هو على صراط مستقيم .
فصل
وأمييا الصييل الثانييي ( وهييو التوحيييد فييي العبادات ) المتضميين لليمان بالشرع والقدر
جميعا .فنقول :ل بد من اليمان بخلق ال وأمره فيجيب اليمان بأن ال خالق كل شيء
وربه ومليكه وأنه على كل شيء قدير وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ول حول ول
قوة إل بال وقيد علم ميا سييكون قبيل أن يكون وقدر المقاديير وكتبهيا حييث شاء كميا قال
تعالى { :ألم تعلم أن ال يعلم ميا فيي السيماء والرض إن ذلك فيي كتاب إن ذلك على ال
يسيير } وفيي الصيحيح عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال { " :إن ال قدر مقاديير
الخلئق قبل أن يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء } .
ويجيب اليمان بأن ال أمير بعبادتيه وحده ل شرييك له كميا خلق الجين والنيس لعبادتيه
وبذلك أرسيل رسيله وأنزل كتبيه وعبادتيه تتضمين كمال الذل والحيب له وذلك يتضمين
كمال طاعتييه { ميين يطييع الرسييول فقييد أطاع ال } وقييد قال تعالى { :ومييا أرسييلنا ميين
رسييول إل ليطاع بإذن ال } وقال تعالى { :إن كنتييم تحبون ال فاتبعونييي يحببكييم ال
ويغفير لكيم ذنوبكيم } وقال تعالى { :واسيأل مين أرسيلنا مين قبلك مين رسيلنا أجعلنيا مين
دون الرحمن آلهة يعبدون ؟ } { وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله
إل أنيا فاعبدون } وقال تعالى { :شرع لكيم مين الديين ميا وصيى بيه نوحيا والذي أوحينيا
إلييك وميا وصيينا بيه إبراهييم وموسيى وعيسيى أن أقيموا الديين ول تتفرقوا فييه كيبر على
المشركيين ميا تدعوهيم إلييه } وقال تعالى { :ييا أيهيا الرسيل كلوا مين الطيبات واعملوا
صيالحا إنيي بميا تعملون علييم } { وإن هذه أمتكيم أمية واحدة وأنيا ربكيم فاتقون } فأمير
57
الرسل بإقامة الدين وأن ل يتفرقوا فيه ولهذا قال النبي صلى ال عليه وسلم في الحديث
الصحيح { " :إنا معاشر النبياء ديننا واحد والنبياء إخوة لعلت وإن أولى الناس بابن
مريم لنا ; إنه ليس بيني وبينه نبي } وهذا الدين هو دين السلم الذي ل يقبل ال دينا
غيره ل من الولين ول من الخرين فإن جميع النبياء على دين السلم قال ال تعالى
عن نوح { واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري
بآيات ال فعلى ال توكلت فأجمعوا أمركييم وشركاءكييم } إلى قوله { :وأمرت أن أكون
ميين المسييلمين } .وقال عيين إبراهيييم { :وميين يرغييب عيين ملة إبراهيييم إل ميين سييفه
نفسيه ؟ } إلى قوله ; { إذ قال له ربيه أسيلم قال أسيلمت لرب العالميين } إلى قوله { :فل
تموتين إل وأنتيم مسيلمون } وقال عين موسيى { :ييا قوم إن كنتيم آمنتيم بال فعلييه توكلوا
إن كنتيم مسيلمين } وقال فيي خيبر المسييح { :وإذ أوحييت إلى الحوارييين أن آمنوا بيي
وبرسيولي قالوا آمنيا واشهيد بأننيا مسيلمون } وقال فيمين تقدم مين النيبياء { :يحكيم بهيا
النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } وقال عن بلقيس أنها قالت { :رب إني ظلمت نفسي
وأسييلمت مييع سييليمان ل رب العالمييين } فالسييلم يتضميين السييتسلم ل وحده ; فميين
اسيتسلم له ولغيره كان مشركيا ومين لم يسيتسلم له كان مسيتكبرا عين عبادتيه والمشرك بيه
والمسيتكبر عين عبادتيه كافير والسيتسلم له وحده يتضمين عبادتيه وحده وطاعتيه وحده .
فهذا ديين السيلم الذي ل يقبيل ال غيره ; وذلك إنميا يكون بأن يطاع فيي كيل وقيت بفعيل
ميا أمير بيه فيي ذلك الوقيت ; فإذا أمير فيي أول المير باسيتقبال الصيخرة ثيم أمرنيا ثانييا
باستقبال الكعبة :كان كل من الفعلين حين أمر به داخل في السلم فالدين هو الطاعة
والعبادة له في الفعلين ; وإنما تنوع بعض صور الفعل وهو وجه المصلى فكذلك الرسل
دينهم واحد وإن تنوعت الشرعة والمنهاج والوجه والمنسك ; فإن ذلك ل يمنع أن يكون
الدين واحدا كما لم يمنع ذلك في شريعة الرسول الواحد وال تعالى جعل من دين الرسل
:أن أولهيم يبشير بآخرهيم ويؤمين بيه وآخرهيم يصيدق بأولهيم ويؤمين بيه قال ال تعالى :
{ وإذ أخيذ ال ميثاق النيبيين لميا آتيتكيم مين كتاب وحكمية ثيم جاءكيم رسيول مصيدق لميا
58
معكييم لتؤمنيين بييه ولتنصييرنه قال أأقررتييم وأخذتييم على ذلكييم إصييري قالوا أقررنييا قال
فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } قال ابن عباس :لم يبعث ال نبيا إل أخذ عليه الميثاق
لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث
محمييد وهييم أحياء ليؤمنيين بييه ولينصييرنه وقال تعالى { :وأنزلنييا إليييك الكتاب بالحييق
مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل ال ول تتبع أهواءهم
عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } وجعل اليمان متلزما وكفر من
قال :إنييه آميين ببعييض وكفيير ببعييض قال ال تعالى { :إن الذييين يكفرون بال ورسييله
ويريدون أن يفرقوا بيين ال ورسيله ويقولون نؤمين ببعيض ونكفير ببعيض ويريدون أن
يتخذوا بيين ذلك سيبيل } { أولئك هيم الكافرون حقيا } وقال تعالى { :أفتؤمنون ببعيض
الكتاب وتكفرون ببعيض فميا جزاء مين يفعيل ذلك منكيم إل خزي فيي الحياة الدنييا ويوم
القيامية يردون إلى أشيد العذاب } إلى قوله { :تعملون } وقيد قال لنيا { :قولوا آمنيا بال
وميا أنزل إلينيا وميا أنزل إلى إبراهييم وإسيماعيل وإسيحاق ويعقوب والسيباط وميا أوتيي
موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم ل نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } {
فإن آمنوا بمثيل ميا آمنتيم بيه فقيد اهتدوا وإن تولوا فإنميا هيم فيي شقاق فسييكفيكهم ال وهيو
السميع العليم } فأمرنا أن نقول :آمنا بهذا كله ونحن له مسلمون فمن بلغته رسالة محمد
صيلى ال علييه وسيلم فلم يقير بميا جاء بيه لم يكين مسيلما ول مؤمنيا ; بيل يكون كافرا وإن
زعم أنه مسلم أو مؤمن .كما ذكروا أنه لما أنزل ال تعالى { :ومن يبتغ غير السلم
دينييا فلن يقبييل منييه وهييو فييي الخرة ميين الخاسييرين } قالت اليهود والنصييارى :فنحيين
مسيلمون :فأنزل ال { :ول على الناس حيج البييت مين اسيتطاع إلييه سيبيل } فقالوا :ل
نحيج فقال تعالى { :ومين كفير فإن ال غنيي عين العالميين } فإن السيتسلم ل ل يتيم إل
بالقرار بميا له على عباده مين حيج البييت ; كميا قال صيلى ال علييه وسيلم { " :بنيي
السييلم على خمييس :شهادة أن ل إله إل ال ,وأن محمدا رسييول ال ,وإقام الصييلة ,
وإيتاء الزكاة ,وصيوم رمضان ,وحيج البييت } ولهذا لميا وقيف النيبي صيلى ال علييه
59
وسيلم بعرفية أنزل ال تعالى { :اليوم أكملت لكيم دينكيم وأتمميت عليكيم نعمتيي ورضييت
لكم السلم دينا } وقد تنازع الناس فيمن تقدم من أمة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم
ل ؟ " وهيو نزاع لفظيي " فإن السيلم الخاص الذي بعيث ال بيه محمدا صيلى ال علييه
وسلم المتضمن لشريعة القرآن :ليس عليه إل أمة محمد صلى ال عليه وسلم والسلم
اليوم عنيد الطلق يتناول هذا وأميا السيلم العام المتناول لكيل شريعية بعيث ال بهيا نبييا
فإنه يتناول إسلم كل أمة متبعة لنبي من النبياء .
ورأس السييلم مطلقييا شهادة أن ل إله إل ال وبهييا بعييث جميييع الرسييل كمييا قال تعالى
{ ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى { :وما
أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون } وقال عن الخليل :
{ وإذ قال إبراهييم لبييه وقوميه إننيي براء مميا تعبدون } { إل الذي فطرنيي فإنيه
سييهدين } { وجعلهيا كلمية باقيية فيي عقبيه لعلهيم يرجعون } وقال تعالى عنيه { :أفرأيتيم
ميا كنتيم تعبدون } { أنتيم وآباؤكيم القدمون } { فإنهيم عدو لي إل رب العالميين } وقال
تعالى { :قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم
ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا
بال } وقال { واسييأل ميين أرسييلنا ميين قبلك ميين رسييلنا أجعلنييا ميين دون الرحميين آلهيية
يعبدون } ؟ وذكيير عيين رسييله :كنوح وهود وصييالح وغيرهييم أنهييم قالوا لقومهييم :
{ اعبدوا ال ميا لكيم مين إله غيره } وقال عين أهيل الكهيف { :إنهيم فتيية آمنوا بربهيم
وزدناهيم هدى } { وربطنيا على قلوبهيم إذ قاموا فقالوا ربنيا رب السيموات والرض لن
ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا } إلى قوله { :فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا
} وقد قال سبحانه { :إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ذكر
ذلك فيي موضعيين مين كتابيه وقيد بيين فيي كتابيه الشرك بالملئكية ,والشرك بالنيبياء ,
والشرك بالكواكييب ,والشرك بالصيينام -وأصييل الشرك الشرك بالشيطان -فقال عيين
النصييارى { :اتخذوا أحبارهييم ورهبانهييم أربابييا ميين دون ال والمسييح ابيين مريييم ومييا
60
أمروا إل ليعبدوا إلهييا واحدا ل إله إل هييو سييبحانه عمييا يشركون } وقال تعالى { :وإذ
قال ال ييا عيسيى ابين مرييم أأنيت قلت للناس اتخذونيي وأميي إلهيين مين دون ال قال :
سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي
ول أعلم ما في نفسك إنك أنت علم الغيوب } { ما قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا
ال ربيي وربكيم } وقال تعالى { :ميا كان لبشير أن يؤتييه ال الكتاب والحكيم والنبوة ثيم
يقول للناس كونوا عبادا لي مين دون ال } إلى قوله { :ول يأمركيم أن تتخذوا الملئكية
والنيبيين أربابيا أيأمركيم بالكفير بعيد إذ أنتيم مسيلمون } ؟ فيبين أن اتخاذ الملئكية والنيبيين
أربابيا كفير ومعلوم أن أحدا مين الخلق لم يزعيم أن النيبياء والحبار والرهبان والمسييح
ابن مريم شاركوا ال في خلق السموات والرض .بل ول زعم أحد من الناس أن العالم
له صانعان متكافئان في الصفات والفعال .بل ول أثبت أحد من بني آدم إلها مساويا ل
فيي جمييع صيفاته بيل عامية المشركيين بال :مقرون بأنيه لييس شريكيه مثله بيل عامتهيم
يقرون أن الشريك مملوك له سواء كان ملكا أو نبيا أو كوكبا أو صنما ; كما كان مشركو
العرب يقولون في تلبيتهم " :لبيك ل شريك لك إل شريكا هو لك تملكه وما ملك " فأهل
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بالتوحييد وقال { " :لبييك اللهيم لبييك لبييك ل شرييك لك
لبييك إن الحميد والنعمية لك والملك ل شرييك لك } وقيد ذكير أرباب المقالت :ميا جمعوا
مين مقالت الوليين والخريين فيي الملل والنحيل والراء والديانات فلم ينقلوا عين أحيد
إثبات شريك مشارك له في خلق جميع المخلوقات ول مماثل له في جميع الصفات ; بل
من أعظم ما نقلوا في ذلك قول الثنوية الذين يقولون بالصلين " النور " و " الظلمة "
وأن النور خلق الخير ,والظلمة خلقت الشر ثم ذكروا لهم في الظلمة قولين :أحدهما :
أنهيا محدثية فتكون مين جملة المخلوقات له والثانيي :أنهيا قديمية لكنهيا لم تفعيل إل الشير
فكانت ناقصة في ذاتها وصفاتها ومفعولتها عن النور وقد أخبر سبحانه عن المشركين
مين إقرارهيم بأن ال خالق المخلوقات ميا بينيه فيي كتابيه فقال { :ولئن سيألتهم مين خلق
السموات والرض ليقولن ال قل أفرأيتم ما تدعون من دون ال إن أرادني ال بضر هل
61
هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي ال عليه يتوكل
المتوكلون } وقال تعالى { :قل لمن الرض ومن فيها إن كنتم تعلمون } { سيقولون ل
قل أفل تذكرون } { قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم } { سيقولون ل
قل أفل تتقون } إلى قوله { فأنى تسحرون ؟ } إلى قوله { ما اتخذ ال من ولد وما كان
معييه ميين إله إذا لذهييب كييل إله بمييا خلق ولعل بعضهييم على بعييض سييبحان ال عمييا
يصفون } وقال { :وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون } وبهذا وغيره :يعرف ما
وقيع مين الغلط فيي مسيمى التوحييد فإن عامية المتكلميين الذيين يقررون التوحييد فيي كتيب
الكلم والنظر :غايتهم أن يجعلوا التوحيد ( ثلثة أنواع ) .فيقولون :هو واحد في ذاته
ل قسيم له ,وواحد في صفاته ل شبيه له ,وواحد في أفعاله ل شريك له وأشهر النواع
الثلثة عندهم هو الثالث وهو " توحيد الفعال " وهو أن خالق العالم واحد وهم يحتجون
على ذلك بما يذكرونه من دللة التمانع وغيرها ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب ,
وأن هذا هو معنى قولنا ل إله إل ال حتى قد يجعلوا معنى اللهية القدرة على الختراع
ومعلوم أن المشركيين مين العرب الذيين بعيث إليهيم محميد صيلى ال علييه وسيلم أول :لم
يكونوا يخالفونيه فيي هذا بيل كانوا يقرون بأن ال خالق كيل شييء حتيى إنهيم كانوا يقرون
بالقدر أيضيا وهيم ميع هذا مشركون فقيد تيبين أن لييس فيي العالم مين ينازع فيي أصيل هذا
الشرك ; ولكين غايية ميا يقال :إن مين الناس مين جعيل بعيض الموجودات خلقيا لغيير ال
كالقدرية وغيرهم ; لكن هؤلء يقرون بأن ال خالق العباد وخالق قدرتهم وإن قالوا إنهم
خلقوا أفعالهيم وكذلك أهيل الفلسيفة والطبيع والنجوم الذيين يجعلون أن بعيض المخلوقات
مبدعة لبعض المور هم مع القرار بالصانع يجعلون هذه الفاعلت مصنوعة مخلوقة
ل يقولون إنها غنية عن الخالق مشاركة له في الخلق فأميا من أنكير الصيانع فذاك جاحيد
معطييل للصييانع كالقول الذي أظهيير فرعون والكلم الن مييع المشركييين بال المقرييين
بوجوده فإن هذا التوحيد الذي قرروه ل ينازعهم فيه هؤلء المشركون بل يقرون به مع
أنهم مشركون كما ثبت بالكتاب والسنة والجماع وكما علم بالضطرار من دين السلم
62
وكذلك " النوع الثانيي " -وهيو قولهيم :ل شيبيه له فيي صيفاته -فإنيه لييس فيي الميم مين
أثبت قديما مماثل له في ذاته سواء قال إنه يشاركه .أو قال :إنه ل فعل له ; بل من شبه
به شيئا من مخلوقاته فإنما يشبهه به في بعض المور وقد علم بالعقل امتناع أن يكون له
مثيل فيي المخلوقات يشاركيه فيميا يجيب أو يجوز أو يمتنيع علييه ; فإن ذلك يسيتلزم الجميع
بين النقيضين كما تقدم وعلم أيضا بالعقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما فل بد بينهما
مين قدر مشترك كاتفاقهميا فيي مسيمى الوجود والقيام بالنفيس والذات ونحيو ذلك فإن نفيي
ذلك يقتضيي التعطييل المحيض وإنيه ل بيد مين إثبات خصيائص الربوبيية وقيد تقدم الكلم
على ذلك ثيم إن الجهميية مين المعتزلة وغيرهيم أدرجوا نفيي الصيفات فيي مسيمى التوحييد
فصيار مين قال :إن ل علميا أو قدرة أو إنيه يرى فيي الخرة أو إن القرآن كلم ال منزل
غير مخلوق يقولون :إنه مشبه ليس بموحد وزاد عليهم غلة الفلسفة والقرامطة فنفوا
أسيماءه الحسينى وقالوا :مين قال إن ال علييم قديير عزييز حكييم :فهيو مشبيه لييس بموحيد
وزاد عليهم غلة الغلة وقالوا :ل يوصف بالنفي ول الثبات ; لن في كل منهما تشبيها
له وهؤلء كلهييم وقعوا ميين جنييس التشييبيه فيمييا هييو شيير ممييا فروا منييه فإنهييم شبهوه
بالممتنعات والمعدومات والجمادات فرارا مين تشيبيههم -بزعمهيم -له بالحياء ومعلوم
أن هذه الصييفات الثابتيية ل ل تثبييت له على حييد مييا يثبييت لمخلوق أصييل وهييو سييبحانه
وتعالى لييس كمثله شييء ل فيي ذاتيه ول فيي صيفاته ول فيي أفعاله فل فرق بيين إثبات
الذات وإثبات الصيفات ; فإذا لم يكين فيي إثبات الذات إثبات مماثلة للذوات :لم يكين فيي
إثبات الصيييفات إثبات مماثلة له فيييي ذلك فصيييار هؤلء الجهميييية المعطلة يجعلون هذا
توحيدا ; ويجعلون مقابل ذلك التشبيه ,ويسمون أنفسهم الموحدين وكذلك " النوع الثالث
" وهو قولهم :هو واحد ل قسيم له في ذاته أو ل جزء له أو ل بعض له ; لفظ مجمل
فإن ال سبحانه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ; فيمتنع عليه أن يتفرق أو
يتجزأ أو يكون قد ركب من أجزاء ; لكنهم يدرجون في هذا اللفظ نفي علوه على عرشه
ومباينته لخلقه وامتيازه عنهم ونحو ذلك من المعاني المستلزمة لنفيه وتعطيله ويجعلون
63
ذلك من التوحيد فقد تبين أن ما يسمونه توحيدا :فيه ما هو حق ,وفيه ما هو باطل ولو
كان جميعه حقا ; فإن المشركين إذا أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم
به في القرآن وقاتلهم عليه الرسول صلى ال عليه وسلم ; بل ل بد أن يعترفوا أنه ل إله
إل ال وليييس المراد ( بالله هييو القادر على الختراع كمييا ظنييه ميين ظنييه ميين أئميية
المتكلميين حييث ظنوا أن اللهيية هيي القدرة على الختراع دون غيره وأن مين أقير بأن
ال هيو القادر على الختراع دون غيره فقيد شهيد أن ل إله إل هيو .فإن المشركيين كانوا
يقرون بهذا وهم مشركون كما تقدم بيانه بل الله الحق هو الذي يستحق بأن يعبد فهو إله
بمعنيى مألوه ; ل إله بمعنيى آله ; والتوحييد أن يعبيد ال وحده ل شرييك له والشراك أن
يجعيل ميع ال إلهيا آخير وإذا تيبين أن غايية ميا يقرره هؤلء النظار ; أهيل الثبات للقدر
المنتسبون إلى السنة إنما هو توحيد الربوبية وأن ال رب كل شيء ومع هذا فالمشركون
كانوا مقريين بذلك ميع أنهيم مشركون وكذلك طوائف مين أهيل التصيوف والمنتسيبين إلى
المعرفية والتحقييق والتوحييد :غايية ميا عندهيم مين التوحييد هيو شهود هذا التوحييد وأن
يشهييد أن ال رب كييل شيييء ومليكييه وخالقييه ل سيييما إذا غاب العارف بموجوده عيين
وجوده وبمشهوده عين شهوده وبمعروفيه عين معرفتيه ودخيل فيي فناء توحييد الربوبيية
بحييث يفنيى مين لم يكين ويبقيى مين لم يزل فهذا عندهيم هيو الغايية التيي ل غايية وراءهيا
ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد ول يصير الرجل بمجرد هذا
التوحيييد مسييلما فضل عيين أن يكون وليييا ل أو ميين سييادات الولياء وطائفيية ميين أهييل
التصوف والمعرفة :يقررون هذا التوحيد مع إثبات الصفات فيفنون في توحيد الربوبية
مييع إثبات الخالق للعالم المباييين لمخلوقاتييه ,وآخرون يضمون هذا إلى نفييي الصييفات
فيدخلون فيي التعطييل ميع هذا ,وهذا شير مين حال كثيير مين المشركيين وكان جهيم ينفيي
الصييفات ويقول بالجييبر فهذا تحقيييق قول جهييم لكنييه إذا أثبييت الميير والنهييي والثواب
والعقاب :فارق المشركييين ميين هذا الوجييه لكيين جهمييا وميين اتبعييه يقول بالرجاء ;
فيضعف المر والنهي والثواب والعقاب عنده والنجارية والضرارية وغيرهم :يقربون
64
من جهم في مسائل القدر واليمان مع مقاربتهم له أيضا في نفي الصفات .
والكلبية والشعرية :خير من هؤلء في باب الصفات فإنهم يثبتون ل الصفات العقلية
,وأئمتهم يثبتون الصفات الخبرية في الجملة كما فصلت أقوالهم في غير هذا الموضع
وأما في باب القدر ومسائل السماء والحكام فأقوالهم متقاربة .والكلبية هم أتباع أبي
محمييد عبييد ال بيين سييعيد بيين كلب الذي سييلك الشعري خطتييه وأصييحاب ابيين كلب
كالحارث المحاسبي ,وأبي العباس القلنسي ونحوهما .خير من الشعرية في هذا وهذا
فكلما كان الرجل إلى السلف والئمة أقرب كان قوله أعلى وأفضل والكرامية قولهم في
اليمان قول منكير لم يسيبقهم إلييه أحيد حييث جعلوا اليمان قول اللسيان وإن كان ميع عدم
تصيديق القلب فيجعلون المنافيق مؤمنيا ; لكنيه يخلد فيي النار فخالفوا الجماعية فيي السيم
دون الحكم ,وأما في الصفات والقدر والوعيد فهم أشبه من أكثر طوائف الكلم التي في
أقوالها مخالفة للسنة وأما المعتزلة فهم ينفون الصفات ويقاربون قول جهم لكنهم ينفون
القدر ; فهيم وإن عظموا المير والنهيي والوعيد والوعيد ; وغلوا فييه ; فهيم يكذبون بالقدر
ففيهم نوع من الشرك من هذا الباب ,والقرار بالمر والنهي والوعد والوعيد مع إنكار
القدر خيير مين القرار بالقدر ميع إنكار المير والنهيي والوعيد والوعييد ولهذا لم يكين فيي
زمين الصيحابة والتابعيين مين ينفيي المير والنهيي والوعيد والوعييد وكان قيد نبيغ فيهيم
القدريية كميا نبيغ فيهيم الخوارج :الحروريية وإنميا يظهير مين البدع أول ميا كان أخفيى
وكلمييا ضعييف ميين يقوم بنور النبوة قويييت البدعيية فهؤلء المتصييوفون الذييين يشهدون
الحقيقية الكونيية ميع إعراضهيم عين المير والنهيي :شير مين القدريية المعتزلة ونحوهيم :
أولئك يشبهون المجوس وهؤلء يشبهون المشركين الذين قالوا { :لو شاء ال ما أشركنا
ول آباؤنيا ول حرمنيا مين شييء } والمشركون شير مين المجوس فهذا أصيل عظييم على
المسيلم أن يعرفيه ; فإنيه أصيل السيلم الذي يتمييز بيه أصيل اليمان مين أهيل الكفير وهيو
اليمان بالوحدانيية والرسيالة :شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسيول ال .وقيد وقيع
65
كثيير مين الناس فيي الخلل بحقيقية هذيين الصيلين أو أحدهميا ميع ظنيه أنيه فيي غايية
التحقيق والتوحيد والعلم والمعرفة .
فإقرار المشرك بأن ال رب كييل شيييء ومليكييه وخالقييه :ل ينجيييه ميين عذاب ال إن لم
يقترن به إقراره بأنه ل إله إل ال فل يستحق العبادة أحد إل هو ; وأن محمدا رسول ال
فيجيب تصيديقه فيميا أخيبر وطاعتيه فيميا أمير فل بيد مين الكلم فيي هذيين الصيلين - :
الصيل الول " توحييد اللهيية " فإنيه سيبحانه أخيبر عين المشركيين كميا تقدم بأنهيم أثبتوا
وسيائط بينهيم وبيين ال يدعونهيم ويتخذونهيم شفعاء بدون إذن ال قال تعالى { :ويعبدون
من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال قل أتنبئون ال بما
ل يعلم فيي السيموات ول فيي الرض سيبحانه وتعالى عميا يشركون } فأخيبر أن هؤلء
الذيين اتخذوا هؤلء شفعاء مشركون وقال تعالى عين مؤمين ييس { وميا لي ل أعبيد الذي
فطرنيي وإلييه ترجعون } { أأتخيذ مين دونيه آلهية إن يردن الرحمين بضير ل تغين عنيي
شفاعتهم شيئا ول ينقذون } { إني إذا لفي ضلل مبين } { إني آمنت بربكم فاسمعون }
وقال تعالى { :ولقييد جئتمونييا فرادى كمييا خلقناكييم أول مرة وتركتييم مييا خولناكييم وراء
ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل
عنكيم ميا كنتيم تزعمون } فأخيبر سيبحانه عين شفعائهيم أنهيم زعموا أنهيم فيهيم شركاء ,
وقال تعالى { :أم اتخذوا مييييييين دون ال شفعاء قيييييييل أو لو كانوا ل يملكون شيئا ول
يعقلون } { قيل ل الشفاعية جميعيا له ملك السيموات والرض ثيم إلييه ترجعون } ,وقال
تعالى { :مييا لكييم ميين دونييه ميين ولي ول شفيييع } ,وقال تعالى { :وأنذر بييه الذييين
يخافون أن يحشروا إلى ربهيم لييس لهيم مين دونيه ولي ول شفييع } ,وقال تعالى { :مين
ذا الذي يشفييع عنده إل بإذنييه } ,وقال تعالى { :وقالوا اتخييذ الرحميين ولدا سييبحانه بييل
عباد مكرمون } { ل يسييبقونه بالقول وهييم بأمره يعملون } { يعلم مييا بييين أيديهييم ومييا
خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون } وقال تعالى { :وكم من
ملك فيي السيموات ل تغنيي شفاعتهيم شيئا إل مين بعيد أن يأذن ال لمين يشاء ويرضيى }
66
وقال تعالى { :قيل ادعوا الذيين زعمتيم مين دون ال ل يملكون مثقال ذرة فيي السيموات
ول فيي الرض وميا لهيم فيهميا مين شرك وميا له منهيم مين ظهيير } { ول تنفيع الشفاعية
عنده إل لميين أذن له } ,وقال تعالى { :قييل ادعوا الذييين زعمتييم ميين دونييه فل يملكون
كشيف الضير عنكيم ول تحويل } { أولئك الذيين يدعون يبتغون إلى ربهيم الوسييلة أيهيم
أقرب ويرجون رحمتييه ويخافون عذابييه إن عذاب ربييك كان محذورا } قال طائفيية ميين
السيلف :كان قوم يدعون العزيير والمسييح والملئكية فأنزل ال هذه اليية ييبين فيهيا أن
الملئكة والنبياء يتقربون إلى ال ويرجون رحمته ويخافون عذابه ومن تحقيق التوحيد
:أن يعلم أن ال تعالى أثبت له حقيا ل يشركه فيه مخلوق ; كالعبادة والتوكل والخوف
والخشيية والتقوى كميا قال تعالى { :ل تجعيل ميع ال إلهيا آخير فتقعيد مذموميا مخذول }
وقال تعالى { :إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد ال مخلصا له الدين } وقال تعالى :
{ قل إني أمرت أن أعبد ال مخلصا له الدين } وقال تعالى { :قل أفغير ال تأمروني
أعبد أيهيا الجاهلون } إلى قوله { :الشاكرين } وكيل من الرسيل يقول لقومه { :اعبدوا
ال مييا لكييم ميين إله غيره } وقييد قال تعالى فييي التوكييل { :وعلى ال فتوكلوا إن كنتييم
مؤمنيييين } { وعلى ال فليتوكيييل المؤمنون } وقال { :قيييل حسيييبي ال علييييه يتوكيييل
المتوكلون } وقال تعالى { :ولو أنهييم رضوا مييا آتاهييم ال ورسييوله وقالوا حسييبنا ال
سييؤتينا ال مين فضله ورسيوله إنيا إلى ال راغبون } .فقال فيي التيان { :ميا آتاهيم ال
ورسوله } وقال في التوكل { :وقالوا حسبنا ال } ولم يقل :ورسوله ; لن التيان هو
العطاء الشرعييي وذلك يتضميين الباحيية والحلل الذي بلغييه الرسييول فإن الحلل مييا
أحله والحرام ميا حرميه والديين ميا شرعيه قال تعالى { :وميا آتاكيم الرسيول فخذوه وميا
نهاكييم عنييه فانتهوا } وأمييا الحسييب فهييو الكافييي وال وحده كاف عبده كمييا قال تعالى :
{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا ال
ونعيم الوكييل } فهيو وحده حسيبهم كلهيم ,وقال تعالى { :ييا أيهيا النيبي حسيبك ال ومين
اتبعك من المؤمنين } أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو ال فهو كافيكم كلكم
67
ولييس المراد أن ال والمؤمنيين حسيبك كميا يظنيه بعيض الغالطيين إذ هيو وحده كاف نيبيه
وهيو حسيبه لييس معيه مين يكون هيو وإياه حسيبا للرسيول وهذا فيي اللغية كقول الشاعير :
فحسييبك والضحاك سيييف مهنييد وتقول العرب :حسييبك وزيدا درهييم أي يكفيييك وزيدا
جميعيا درهيم وقال فيي الخوف والخشيية والتقوى { :ومين يطيع ال ورسيوله ويخيش ال
ويتقه فأولئك هم الفائزون } فأثبت الطاعة ل والرسول وأثبت الخشية والتقوى ل وحده
كميا قال نوح علييه السيلم { :إنيي لكيم نذيير ميبين } { أن اعبدوا ال واتقوه وأطيعون }
فجعل العبادة والتقوى ل وحده وجعل الطاعة للرسول ; فإنه من يطع الرسول فقد أطاع
ال .وقييييييد قال تعالى { :فل تخشوا الناس واخشون } وقال تعالى { :فل تخافوهييييييم
وخافون إن كنتيم مؤمنيين } وقال الخلييل علييه السيلم { :وكييف أخاف ميا أشركتيم ول
تخافون أنكم أشركتم بال ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالمن إن كنتم
تعلمون } { الذيين آمنوا ولم يلبسيوا إيمانهيم بظلم أولئك لهيم المين وهيم مهتدون } وفيي
الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال :لما نزلت هذه الية شق ذلك على أصحاب رسول
ال صلى ال عليه وسلم وقالوا :وأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم :
" { إنميا هيو الشرك أولم تسيمعوا إلى قول العبيد الصيالح :إن الشرك لظلم عظييم } .
وقال تعالى { :فإياي فارهبون } { وإياي فاتقون } ومين هذا الباب أن النييبي صييلى ال
عليه وسلم كان يقول في خطبته { " :من يطع ال ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه
ل يضير إل نفسيه ولن يضير ال شيئا } .وقال { " :ول تقولوا ميا شاء ال وشاء محميد
ولكين قولوا ميا شاء ال ثيم شاء محميد } ففيي الطاعية :قرن اسيم الرسيول باسيمه بحرف
الواو ,وفيي المشيئة :أمير أن يجعل ذلك بحرف " ثيم " وذلك لن طاعة الرسول طاعة
ل فمين أطاع الرسيول فقيد أطاع ال ,وطاعية ال طاعية الرسيول بخلف المشيئة فليسيت
مشيئة أحد من العباد مشيئة ل ,ول مشيئة ال مستلزمة لمشيئة العباد بل ما شاء ال كان
وإن لم يشأ الناس ,وما شاء الناس لم يكن إن لم يشأ ال .
68
الصيل الثانيي :حيق الرسيول صيلى ال علييه وسيلم .فعلينيا أن نؤمين بيه ونطيعيه ونتبعيه
ونرضييه ونحبيه ونسيلم لحكميه وأمثال ذلك قال تعالى { :مين يطيع الرسيول فقيد أطاع
ال } وقال تعالى { :وال ورسييييوله أحييييق أن يرضوه } وقال تعالى { :قييييل إن كان
آباؤكييم وأبناؤكييم وإخوانكييم وأزواجكييم وعشيرتكييم وأموال اقترفتموهييا وتجارة تخشون
كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى
يأتي ال بأمره } وقال تعالى { :فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم
ل يجدوا فيي أنفسيهم حرجيا مميا قضييت ويسيلموا تسيليما } وقال تعالى { :قيل إن كنتيم
تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال } وأمثال ذلك .
( فصل )
وإذا ثبيت هذا :فمن المعلوم أنيه يجب اليمان بخلق ال وأمره :بقضائه وشرعه .وأهيل
الضلل الخائضون فييي القدر انقسييموا إلى ثلث فرق :مجوسييية ومشركييية وإبليسييية
فالمجوسية :الذين كذبوا بقدر ال وإن آمنوا بأمره ونهيه ; فغلتهم أنكروا العلم والكتاب
ومقتصييدوهم أنكروا عموم مشيئتييه وخلقييه وقدرتييه وهؤلء هييم المعتزلة وميين وافقهييم
والفرقيية الثانييية :المشركييية الذييين أقروا بالقضاء والقدر وأنكروا الميير والنهييي ; قال
تعالى { :سييقول الذيين أشركوا لو شاء ال ميا أشركنيا ول آباؤنيا ول حرمنيا مين شييء }
فمين احتيج على تعطييل المير والنهيي بالقدر فهيو مين هؤلء وهذا قيد كثير فيمين يدعيي
الحقيقية مين المتصيوفة والفرقية الثالثية :وهيم البليسيية الذيين أقروا بالمريين لكين جعلوا
هذا متناقضا من الرب -سبحانه وتعالى -وطعنوا في حكمته وعدله كما يذكر ذلك عن
إبلييس مقدمهيم ; كميا نقله أهيل المقالت ونقيل عين أهيل الكتاب والمقصيود أن هذا مميا
تقوله أهيييل الضلل ; وأميييا أهيييل الهدى والفلح :فيؤمنون بهذا وهذا ويؤمنون بأن ال
خالق كل شيء وربه ومليكه وما شاء كان وميا لم يشأ لم يكن وهو على كيل شييء قدير
وأحاط بكل شيء علما وكل شيء أحصاه في إمام مبين ويتضمن هذا الصل من إثبات
69
علم ال وقدرته ومشيئته ووحدانيته وربوبيته وأنه خالق كل شيء وربه ومليكه :ما هو
ميين أصييول اليمان .ومييع هذا فل ينكرون مييا خلقييه ال ميين السييباب التييي يخلق بهييا
المسيببات ; كميا قال تعالى { :حتيى إذا أقلت سيحابا ثقال سيقناه لبلد مييت فأنزلنيا بيه الماء
فأخرجنييا بييه ميين كييل الثمرات } وقال تعالى { :يهدي بييه ال ميين اتبييع رضوانييه سييبل
السيلم } وقال تعالى { :يضيل بيه كثيرا ويهدي بيه كثيرا } فأخيبر أنيه يفعيل بالسيباب
ومين قال :إنيه يفعيل عندهيا ل بهيا فقيد خالف ميا جاء بيه القرآن وأنكير ميا خلقيه ال مين
القوى والطبائع وهيو شيبيه بإنكار ميا خلقيه ال مين القوى التيي فيي الحيوان التيي يفعيل
الحيوان بها مثل قدرة العبد كما أن من جعلها هي المبدعة لذلك فقد أشرك بال وأضاف
فعله إلى غيره وذلك أنيه ميا مين سيبب مين السيباب إل وهيو مفتقير إلى سيبب آخير فيي
حصول مسببه ول بد من مانع يمنع مقتضاه إذا لم يدفعه ال عنه فليس في الوجود شيء
واحد يستقل بفعل شيء إذا شاء إل ال وحده قال تعالى { :ومن كل شيء خلقنا زوجين
لعلكييم تذكرون } أي فتعلمون أن خالق الزواج واحييد ولهذا ميين قال :إن ال ل يصييدر
عنيه إل واحيد -لن الواحيد ل يصيدر عنيه إل واحيد -كان جاهل فإنيه لييس فيي الوجود
واحيد صيدر عنيه وحده شييء -ل واحيد ول اثنان -إل ال الذي خلق الزواج كلهيا مميا
تنبيت الرض ومين أنفسيهم ومميا ل يعلمون فالنار التيي خلق ال فيهيا حرارة ل يحصيل
الحراق إل بها وبمحل يقبل الحتراق ; فإذا وقعت على السمندل والياقوت ونحوهما لم
تحرقهميا وقيد يطلى الجسيم بميا يمنيع إحراقيه والشميس التيي يكون عنهيا الشعاع ل بيد مين
جسييم يقبييل انعكاس الشعاع عليييه فإذا حصييل حاجييز ميين سييحاب أو سييقف :لم يحصييل
الشعاع تحته وقد بسط هذا في غير هذا الموضع والمقصود هنا :أنه ل بد من " اليمان
بالقدر " فإن اليمان بالقدر مين تمام التوحييد كميا قال ابين عباس :هيو نظام التوحييد فمين
وحيد ال وآمين بالقدر تيم توحيده ومين وحيد ال ,وكذب بالقدر نقيض توحيده ول بيد مين
اليمان بالشرع وهيو اليمان بالمير والنهيي والوعيد والوعييد كميا بعيث ال بذلك رسيله
وأنزل كتبيه والنسيان مضطير إلى شرع فيي حياتيه الدنييا فإنيه ل بيد له مين حركية يجلب
70
بهيا منفعتيه ,وحركية يدفيع بهيا مضرتيه ; والشرع هيو الذي يمييز بيين الفعال التيي تنفعيه
والفعال التيي تضره وهيو عدل ال فيي خلقيه ,ونوره بيين عباده ; فل يمكين للدمييين أن
يعيشوا بل شرع يميزون بييه بييين مييا يفعلونييه ويتركونييه .وليييس المراد بالشرع مجرد
العدل بين الناس في معاملتهم بل النسان المنفرد ل بد له من فعل وترك ; فإن النسان
همام حارث كميا قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم " { أصيدق السيماء حارث وهمام }
وهيو معنيى قولهيم متحرك بالرادات فإذا كان له إرادة فهيو متحرك بهيا ول بيد أن يعرف
ما يريده هل هو نافع له أو ضار ؟ وهل يصلحه أو يفسده ؟ وهذا قد يعرف بعضه الناس
بفطرتهييم كمييا يعرفون انتفاعهييم بالكييل والشرب وكمييا يعرفون مييا يعرفون ميين العلوم
الضرورية بفطرتهم وبعضهم يعرفونه بالستدلل كالذي يهتدون به بعقولهم وبعضه ل
يعرفونيه إل بتعرييف الرسيل وبيانهيم لهيم وهدايتهيم لهيم وفيي هذا المقام تكلم الناس فيي أن
الفعال هل يعرف حسنها وقبيحها بالعقل أم ليس لها حسن ول قبيح يعرف بالعقل ؟ كما
قيد بسيط فيي غيير هذا الموضيع وبينيا ميا وقيع فيي هذا الموضيع مين الشتباه .فإنهيم اتفقوا
على أن كون الفعيل يلئم الفاعيل أو ينافره يعلم بالعقيل وهيو أن يكون الفاعيل سيببا لميا
يحبيه الفاعيل ويلتيذ بيه وسيببا لميا يبغضيه ويؤذييه وهذا القدر يعلم بالعقيل تارة وبالشرع
أخرى وبهميا جميعيا أخرى ; لكين معرفية ذلك على وجيه التفصييل ومعرفية الغايية التيي
تكون عاقبيية الفعال :ميين السييعادة والشقاوة فييي الدار الخرة ل تعرف إل بالشرع فمييا
أخيبرت بيه الرسيل مين تفاصييل اليوم الخير وأمرت بيه مين تفاصييل الشرائع ل يعلميه
الناس بعقولهم كما أن ما أخبرت به الرسل من تفصيل أسماء ال وصفاته ل يعلمه الناس
بعقولهيم وإن كانوا قيد يعلمون بعقولهيم جميل ذلك وهذا التفصييل الذي يحصيل بيه اليمان
وجاء بيه الكتاب هيو ميا دل علييه قوله تعالى { :وكذلك أوحينيا إلييك روحيا مين أمرنيا ميا
كنييت تدري مييا الكتاب ول اليمان ولكيين جعلناه نورا نهدي بييه ميين نشاء ميين عبادنييا }
وقوله تعالى { :قيل إن ضللت فإنميا أضيل على نفسيي وإن اهتدييت فبميا يوحيي إلي ربيي
إنيه سيميع قرييب } وقوله تعالى { :قيل إنميا أنذركيم بالوحيي } ولكين توهميت طائفية أن
71
للحسن والقبح معنى غير هذا وأنه يعلم بالعقل وقابلتهم طائفة أخرى ظنت أن ما جاء به
الشرع مين الحسين والقبيح :يخرج عين هذا فكل الطائفتيين اللتيين أثبتتيا الحسين والقبيح
العقلييين أو الشرعييين وأخرجتاه عين هذا القسيم غلطيت ثيم إن كلتيا الطائفتيين لميا كانتيا
تنكيير أن يوصييف ال بالمحبيية والرضييا والسييخط والفرح ونحييو ذلك ممييا جاءت بييه
النصوص اللهية ودلت عليه الشواهد العقلية :تنازعوا بعد اتفاقهم على أن ال ل يفعيل
ما هو منه قبيح هل ذلك ممتنع لذاته وأنه ل يتصور قدرته على ما هو قبيح وأنه سبحانه
منزه عيييين ذلك ل يفعله لمجرد القبييييح العقلي الذي أثبتوه ؟ على قولييييين والقولن فييييي
النحراف ميين جنييس القولييين المتقدمييين أولئك لم يفرقوا فييي خلقييه وأمره بييين الهدى
والضلل والطاعيية والمعصييية والبرار والفجار وأهييل الجنيية وأهييل النار والرحميية
والعذاب ; فل جعلوه محمودا على ميا فعله مين العدل أو ميا تركيه مين الظلم ول ميا فعله
مين الحسيان والنعمية وميا تركيه مين التعذييب والنقمية والخرون نزهوه بناء على القبيح
العقلي الذي أثبتوه ول حقيقية له وسيووه بخلقيه فيميا يحسين ويقبيح ,وشبهوه بعباده فيميا
يأمر به وينهى عنه فمن نظر إلى القدر فقط وعظم الفناء في توحيد الربوبية ووقف عند
الحقيقيية الكونييية :لم يميييز بييين العلم والجهييل والصييدق والكذب والبر والفجور والعدل
والظلم والطاعية والمعصيية والهدى والضلل والرشاد والغيي وأولياء ال وأعدائه وأهيل
الجنية وأهيل النار وهؤلء ميع أنهيم مخالفون بالضرورة لكتيب ال ودينيه وشرائعيه فهيم
مخالفون أيضييا لضرورة الحييس والذوق وضرورة العقييل والقياس فإن أحدهييم ل بييد أن
يلتيذ بشييء ويتألم بشييء فيمييز بيين ميا يأكيل ويشرب وميا ل يأكيل ول يشرب وبيين ميا
يؤذييه مين الحير والبرد وميا لييس كذلك وهذا التميييز بيين ميا ينفعيه ويضره هيو الحقيقية
الشرعية الدينية .
وميين ظيين أن البشيير ينتهييي إلى حييد يسييتوي عنده المران دائمييا :فقييد افترى وخالف
ضرورة الحيس ; ولكين قييد يعرض للنسييان بعييض الوقات عارض كالسيكر والغماء
ونحيو ذلك مميا يشغيل عين الحسياس ببعيض المور فأميا أن يسيقط إحسياسه بالكليية ميع
72
وجود الحياة فيه فهذا ممتنع فإن النائم لم يفقد إحساس نفسه بل يرى في منامه ما يسوءه
تارة وميا يسيره أخرى فالحوال التيي يعيبر عنهيا بالصيطلم والفناء والسيكر ونحيو ذلك
إنما تتضمن عدم الحساس ببعض الشياء دون بعض فهي مع نقص صاحبها -لضعف
تمييزه -ل تنتهي إلى حد يسقط فيه التمييز مطلقا ومن نفى التمييز في هذا المقام مطلقا
وعظم هذا المقام فقد غلط في الحقيقة الكونية والدينية :قدرا وشرعا وغلط في خلق ال
وفي أمره حيث ظن أن وجود هذا ; ل وجود له وحيث ظن أنه ممدوح ول مدح في عدم
التمييييز :العقييل والمعرفيية .وإذا سييمعت بعييض الشيوخ يقول :أريييد أن ل أريييد أو أن
العارف ل حيظ له وأنيه يصيير كالمييت بيين يدي الغاسيل ونحيو ذلك فهذا إنميا يمدح منيه
سقوط إرادته التي يؤمر بها وعدم حظه الذي ل يؤمر بطلبه وأنه كالميت في طلب ما لم
يؤمر بطلبه وترك دفع ما لم يؤمر بدفعه ومن أراد بذلك أنه تبطل إرادته بالكلية وأنه ل
يحييس باللذة واللم ; والنافييع والضار فهذا مخالف لضرورة الحييس والعقييل .وميين مدح
هذا فهو مخالف لضرورة الدين والعقل .
والفناء يراد بيه ثلثية أمور :أحدهيا :هيو الفناء الدينيي الشرعيي الذي جاءت بيه الرسيل
وأنزلت به الكتب وهو أن يفنى عما لم يأمر ال به بفعل ما أمر ال به :فيفنى عن عبادة
غيره بعبادته وعن طاعة غيره بطاعته وطاعة رسوله وعن التوكل على غيره بالتوكل
عليه وعن محبة ما سواه بمحبته ومحبة رسوله ; وعن خوف غيره بخوفه بحيث ل يتبع
العبد هواه بغير هدى من ال ,وبحيث يكون ال ورسوله أحب إليه مما سواهما كما قال
تعالى { :قيييل إن كان آباؤكيييم وأبناؤكيييم وإخوانكيييم وأزواجكيييم وعشيرتكيييم وأموال
اقترفتموهييا وتجارة تخشون كسييادها ومسيياكن ترضونهييا أحييب إليكييم ميين ال ورسييوله
وجهاد فيي سيبيله فتربصيوا حتيى يأتيي ال بأمره } فهذا كله هيو مميا أمير ال بيه ورسيوله
وأما ( الفناء الثاني :وهو الذي يذكره بعض الصوفية وهو أن يفنى عن شهود ما سوى
ال تعالى فيفنى بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته بحييث
قد يغيب عن شهود نفسه لما سوى ال تعالى فهذا حال ناقص قد يعرض لبعض السالكين
73
وليييس هييو ميين لوازم طريييق ال ولهذا لم يعرف مثييل هذا للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم
وللسابقين الولين ومن جعل هذا نهاية السالكين فهو ضال ضلل مبينا وكذلك من جعله
مين لوازم طرييق ال فهيو مخطيئ بيل هيو مين عوارض طرييق ال التيي تعرض لبعيض
الناس دون بعيض لييس هيو مين اللوازم التيي تحصيل لكيل سيالك وأميا الثالث :فهيو الفناء
عيين وجود السييوي بحيييث يرى أن وجود المخلوق هييو عييين وجود الخالق وأن الوجود
واحيد بالعيين فهيو قول أهيل اللحاد والتحاد الذيين هيم مين أضيل العباد وأميا مخالفتهيم
لضرورة العقييل والقياس :فإن الواحييد ميين هؤلء ل يمكنييه أن يطرد قوله فإنييه إذا كان
مشاهدا للقدر ميين غييير تمييييز بييين المأمور والمحظور فعومييل بموجييب ذلك مثييل أن
يضرب ويجاع حتيى يبتلى بعظييم الوصياب والوجاع فإن لم مين فعيل ذلك بيه وعابيه
فقد نقض قوله وخرج عن أصل مذهبه وقيل له :هذا الذي فعله مقضي مقدور فخلق ال
وقدره ومشيئته :متناول لك وله وهو يعمكما فإن كان القدر حجة لك فهو حجة لهذا وإل
فليييس بحجيية ل لك ول له فقييد تييبين بضرورة العقييل فسيياد قول ميين ينظيير إلى القدر
ويعرض عييين المييير والنهيييي والمؤمييين مأمور بأن يفعيييل المأمور ويترك المحظور
ويصيبر على المقدور كميا قال تعالى { :وإن تصيبروا وتتقوا ل يضركيم كيدهيم شيئا } .
وقال فييي قصيية يوسييف { :إنييه ميين يتييق ويصييبر فإن ال ل يضيييع أجيير المحسيينين }
فالتقوى فعيل ميا أمير ال بيه وترك ميا نهيى ال عنيه ولهذا قال ال تعالى { :فاصيبر إن
وعيد ال حيق واسيتغفر لذنبيك وسيبح بحميد ربيك بالعشيي والبكار } فأمره ميع السيتغفار
بالصيبر ; فإن العباد ل بيد لهيم مين السيتغفار أولهيم وآخرهيم قال النيبي صيلى ال علييه
وسيلم فيي الحدييث الصيحيح { " :ييا أيهيا الناس ! توبوا إلى ربكيم فوالذي نفسيي بيده إنيي
لستغفر ال وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة } وقال { " :إنه ليغان على قلبي
وإنييي لسييتغفر ال وأتوب إليييه فييي اليوم مائة مرة } .وكان يقول " { اللهييم اغفيير لي
خطيئتييي وجهلي وإسييرافي فييي أمري ومييا أنييت أعلم بييه منييي ; اللهييم اغفيير لي خطئي
وعمدي وهزلي وجدي وكييل ذلك عندي ; اللهييم اغفيير لي مييا قدمييت ومييا أخرت ومييا
74
أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر } وقد ذكر عن آدم
أبيي البشير أنيه اسيتغفر ربيه وتاب إلييه فاجتباه ربيه فتاب علييه وهداه ; وعين إبلييس أبيي
الجين -لعنيه ال -أنيه أصير متعلقيا بالقدر فلعنيه وأقصياه فمين أذنيب وتاب وندم فقيد أشبيه
أباه ومين أشبيه أباه فميا ظلم قال ال تعالى { :وحملهيا النسيان إنيه كان ظلوميا جهول }
{ ليعذب ال المنافقيين والمنافقات والمشركيين والمشركات ويتوب ال على المؤمنيين
والمؤمنات وكان ال غفورا رحيما } ولهذا قرن ال سبحانه بين التوحيد والستغفار في
غيييير آيييية كميييا قال تعالى { :فاعلم أنيييه ل إله إل ال واسيييتغفر لذنبيييك وللمؤمنيييين
والمؤمنات } وقال تعالى { :فاسيييتقيموا إلييييه واسيييتغفروه } وقال تعالى { :الر كتاب
أحكميت آياتيه ثيم فصيلت مين لدن حكييم خيبير } { أل تعبدوا إل ال إننيي لكيم منيه نذيير
وبشير } { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى } وفي
الحديييث الذي رواه ابيين أبييي عاصييم وغيره { " :يقول الشيطان أهلكييت الناس بالذنوب
وأهلكوني بل إله إل ال والستغفار ; فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الهواء فهم يذنبون ول
يتوبون لنهيم يحسيبون أنهيم يحسينون صينعا } وقيد ذكير سيبحانه عين ذي النون أنيه نادى
في الظلمات أن ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال تعالى { :فاستجبنا له
ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين } قال النبي صلى ال عليه وسلم " { دعوة أخي
ذي النون ما دعا بها مكروب إل فرج ال كربه } وجماع ذلك أنه ل بد له في المر من
أصلين ول بد له في القدر من أصلين .ففي " المر " عليه الجتهاد في المتثال علما
وعمل فل تزال تجتهد في العلم بما أمر ال به والعمل بذلك .ثم عليه أن يستغفر ويتوب
مين تفريطيه فيي المأمور وتعدييه الحدود ولهذا كان مين المشروع أن يختيم جمييع العمال
بالستغفار فكان النبي صلى ال عليه وسلم إذا انصرف من صلته استغفر ثلثا وقد قال
ال تعالى { :والمسيتغفرين بالسيحار } فقاموا باللييل وختموه بالسيتغفار ,وآخير سيورة
نزلت قول ال تعالى { إذا جاء نصير ال والفتيح } { ورأييت الناس يدخلون فيي ديين ال
أفواجا } { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } وفي الصحيح أنه كان صلى ال
75
علييه وسيلم يكثير أن يقول فيي ركوعيه وسيجوده { " :سيبحانك اللهيم ربنيا وبحمدك اللهيم
اغفير لي } يتأول القرآن وأميا فيي " القدر " فعلييه أن يسيتعين بال فيي فعيل ميا أمير بيه
ويتوكييل عليييه ويدعوه ; ويرغييب إليييه ويسييتعيذ بييه ويكون مفتقرا إليييه فييي طلب الخييير
وترك الشر وعليه أن يصبر على المقدور ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه
لم يكييين ليصييييبه ; وإذا آذاه الناس علم أن ذلك مقدر علييييه ومييين هذا الباب احتجاج آدم
وموسيى لميا قال :ييا آدم أنيت أبيو البشير خلقيك ال بيده ونفيخ فييك مين روحيه وأسيجد لك
ملئكته ; لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ فقال له آدم :أنت موسى الذي اصطفاك ال
بكلميه فبكيم وجدت مكتوبيا علي مين قبيل أن أخلق { :وعصيى آدم ربيه فغوى } قال :
بكذا وكذا فحج آدم موسى وذلك أن موسى لم يكن عتبه لدم لجل الذنب فإن آدم قد كان
تاب منه والتائب من الذنب كمن ل ذنب له ; ولكن لجل المصيبة التي لحقتهم من ذلك .
وهيم مأمورون أن ينظروا إلى القدر فيي المصيائب وأن يسيتغفروا مين المعائب كميا قال
تعالى { :فاصبر إن وعد ال حق واستغفر لذنبك } فمن راعى المر والقدر كما ذكر :
كان عابدا ل مطيعيا له مسيتعينا بيه متوكل علييه مين الذيين أنعيم ال عليهيم مين النيبيين
والصيديقين والشهداء والصيالحين ; وحسين أولئك رفيقيا وقيد جميع ال سيبحانه بيين هذيين
الصييلين فييي مواضييع كقوله { :إياك نعبييد وإياك نسييتعين } وقوله { :فاعبده وتوكييل
عليه } وقوله { :عليه توكلت وإليه أنيب } وقوله { :ومن يتق ال يجعل له مخرجا }
{ ويرزقه من حيث ل يحتسب ومن يتوكل على ال فهو حسبه إن ال بالغ أمره قد جعل
ال لكيل شييء قدرا } فالعبادة ل والسيتعانة بيه { وكان النيبي صيلى ال عليه وسيلم يقول
عنيد الضحيية اللهيم منيك ولك } فميا لم يكين بال ل يكون ; فإنيه ل حول ول قوة إل بال
وما لم يكن بال فل ينفع ول يدوم
.ول بد في عبادته من أصلين ( .أحدهما إخلص الدين له ( والثاني موافقة أمره الذي
بعث به رسله ; ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي ال عنه يقول في دعائه :اللهم اجعل
عملي كله صيالحا واجعله لوجهيك خالصيا ول تجعيل لحيد فييه شيئا ; وقال الفضييل بين
76
عياض في قوله تعالى { :ليبلوكم أيكم أحسن عمل } قال :أخلصه وأصوبه قالوا يا أبا
علي :ميا أخلصيه وأصيوبه ؟ قال :إذا كان العميل خالصيا ولم يكين صيوابا لم يقبيل وإذا
كان صيوابا ولم يكين خالصيا لم يقبيل حتيى يكون خالصيا صيوابا ; والخالص أن يكون ل
والصواب أن يكون على السنة ولهذا ذم ال المشركين في القرآن على اتباع ما شرع لهم
شركاؤهم من الدين ما لم يأذن به ال من عبادة غيره وفعل ما لم يشرعه من الدين كما
قال تعالى { :أم لهيم شركاء شرعوا لهيم مين الديين ميا لم يأذن بيه ال } كميا ذمهيم على
أنهم حرموا ما لم يحرمه ال .والدين الحق أنه ل حرام إل ما حرمه ال ول دين إل ما
شرعه .
ثيم إن الناس فيي عبادتيه واسيتعانته على أربعية أقسيام :فالمؤمنون المتقون هيم له وبيه
يعبدونيه ويسيتعينونه .وطائفية تعبده مين غيير اسيتعانة ول صيبر فتجيد عنيد أحدهيم تحرييا
للطاعية والورع ولزوم السينة ; لكين لييس لهيم توكيل واسيتعانة وصيبر ; بيل فيهيم عجيز
وجزع .وطائفية فيهيم اسيتعانة وتوكيل وصيبر مين غيير اسيتقامة على المير ول متابعية
للسينة فقيد يمكين أحدهيم ويكون له نوع مين الحال باطنيا وظاهرا ويعطيى مين المكاشفات
والتأثيرات ميا لم يعطيه الصينف الول ولكين ل عاقبية له فإنيه لييس مين المتقيين والعاقبية
للتقوى ; فالولون لهييم دييين ضعيييف ولكنييه مسييتمر باق ; إن لم يفسييده صيياحبه بالجزع
والعجيز ; وهؤلء لحدهيم حال وقوة ولكين ل يبقيى له إل ميا وافيق فييه المير واتبيع فييه
السيينة وشيير القسييام ميين ل يعبده ول يسييتعينه ; فهييو ل يشهييد أن علمييه ل ول أنييه بال
فالمعتزلة ونحوهم -من القدرية الذين أنكروا القدر -هم في تعظيم المر والنهي والوعد
والوعييد خيير مين هؤلء الجبريية القدريية الذيين يعرضون عين الشرع والمير والنهيي
والصوفية هم في القدر ومشاهدة توحيد الربوبية :خير من المعتزلة ولكن فيهم من فيه
نوع بدع ميع إعراض عين بعيض المير والنهيي .والوعيد والوعييد حتيى يجعلوا الغايية
هي مشاهدة توحيد الربوبية والفناء في ذلك ويصيرون أيضا معتزلين لجماعة المسلمين
وسينتهم فهيم معتزلة مين هذا الوجيه وقيد يكون ميا وقعوا فييه مين البدعية شرا مين بدعية
77
أولئك المعتزلة وكلتيا الطائفتيين نشأت مين البصيرة .وإنميا ديين ال ميا بعيث بيه رسيله
وأنزل بيه كتبيه وهيو الصيراط المسيتقيم وهيو طريقية أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم خير القرون وأفضل المة وأكرم الخلق على ال تعالى بعد النبيين ,قال تعالى { :
والسيابقون الولون مين المهاجريين والنصيار والذيين اتبعوهيم بإحسيان رضيي ال عنهيم
ورضوا عنيه } فرضيي عين السيابقين الوليين رضيا مطلقيا ورضيي عين التابعيين لهيم
بإحسيان وقيد قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي الحادييث الصيحيحة { " :خيير القرون
القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم } وكان عبد ال بن مسعود رضي
ال عنه يقول :من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي ل تؤمن عليه الفتنة ;
أولئك أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم أبر هذه المة قلوبا وأعمقها علما وأقلها
تكلفا ; قوم اختارهم ال لصحبة نبيه صلى ال عليه وسلم وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم
وتمسييكوا بهديهييم فإنهييم كانوا على الهدى المسييتقيم وقال حذيفيية بيين اليمان رضييي ال
عنهما :يا معشر القراء ! استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم فوال لئن اتبعتموهم لقد
سيبقتم سيبقا بعيدا ولئن أخذتيم يمينيا وشمال لقيد ضللتيم ضلل بعيدا وقيد قال عبيد ال بين
مسيعود رضيي ال عنيه { :خيط لنيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم خطيا وخيط حوله
خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال :هذا سبيل ال وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان
يدعيو إلييه ثيم قرأ { وأن هذا صيراطي مسيتقيما فاتبعوه ول تتبعوا السيبل فتفرق بكيم عين
سبيله } } وقد أمرنا سبحانه أن نقول في صلتنا { اهدنا الصراط المستقيم } { صراط
الذيين أنعميت عليهيم غيير المغضوب عليهيم ول الضاليين } وقال النيبي صيلى ال علييه
وسلم { " :اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون } ; وذلك أن اليهود عرفوا الحق
ولم يتبعوه والنصيارى عبدوا ال بغيير علم .ولهذا كان يقال :تعوذوا بال مين فتنية العالم
الفاجير والعابيد الجاهيل فإن فتنتهميا فتنية لكيل مفتون ; وقال تعالى { :فإميا يأتينكيم منيي
هدى فمين اتبيع هداي فل يضيل ول يشقيى } { ومين أعرض عين ذكري فإن له معيشية
ضنكا } قال ابن عباس رضي ال عنهما :تكفل ال لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن ل
78
يضل في الدنيا ول يشقى في الخرة وقرأ هذه الية وكذلك قوله تعالى { :الم } { ذلك
الكتاب ل ريييب فيييه هدى للمتقييين } { الذييين يؤمنون بالغيييب ويقيمون الصييلة وممييا
رزقناهييم ينفقون } { والذييين يؤمنون بمييا أنزل إليييك ومييا أنزل ميين قبلك وبالخرة هييم
يوقنون } { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هيم المفلحون } فأخبر أن هؤلء مهتدون
مفلحون وذلك خلف المغضوب عليهييم والضالييين فنسييأل ال العظيييم أن يهدينييا وسييائر
إخواننا صراطه المستقيم ; صراط الذين أنعم ال عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا وحسبنا ال ونعم الوكيل والحمد ل رب العالمين وصلى
ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
79