Professional Documents
Culture Documents
1الحكمة من الحروف المق ّطعة على أرجح األقوال وهو الذي اختاره ابن تيمية وابن القيم ،والذهبي ،هو اإلشارة إلى بيان
يأت بكلمات ،أو بحروف خارجة عن نطاق البشر؛ وإنما هو من الحروف التي ال إعجاز القرآن العظيم ،وأن هذا القرآن لم ِ
فهذا أبين يف اإلعجاز؛ ألنه لو كان يف القرآن حروف أخرى ال يتكلم الناس هبا لم يكن اإلعجاز يف ذلك واقعًا؛ لكنه بنفس
ال حروف التي يتكلم هبا الناس .ومع هذا فقد أعجزهم.؛ فالحكمة منها ظهور إعجاز القرآن الكريم يف أبلغ ما يكون من العبارة؛
قالوا :ويدل على ذلك أنه ما من سورة افتتحت هبذه الحروف إال وللقرآن فيها ذكر؛ إال بعض السور القليلة لم يذكر فيها
القرآن؛ لكن ُذكر ما كان من خصائص القرآن...
فهذا القول الذي اختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية ،واختاره جمع من أهل العلم هو الراجح :أن الحكمة من هذا ظهور إعجاز
القرآن يف أبلغ صوره ،حيث إن القرآن لم ِ
يأت بجديد من الحروف؛ ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم
البلغاء الفصحاء .تفسير العثيمين :الفاتحة والبقرة ()32-32 /1
علو مرتبته؛ وإذا كان القرآن عالي المكانة والمنزلة ،فال بد أن
علو القرآن؛ لقوله تعالى{ :ذلك} ؛ فاإلشارة بالبعد تفيد ّ
3بيان ّ
بالعلو والرفعة؛ ألن اهلل سبحانه وتعالى يقول{ :ليظهره على الدين كله} [التوبة ]22 :؛ وكذلك ما
ّ يعود ذلك على المتمسك به
ُو ِصف به القرآن من الكرم ،والمدح ،والعظمة فهو وصف أيضًا لمن تمسك به..
معتنى به؛ لقوله تعالى{ :ذلك الكتاب} ؛ وقد ب ّينّا أنه مكتوب يف ثالثة مواضع:
ً وفيه :رفعة القرآن من جهة أنه قرآن مكتوب
اللوح المحفوظ ،والصحف التي بأيدي المالئكة ،والمصاحف التي بأيدي الناس .تفسير العثيمين :الفاتحة والبقرة ()32 /1
2قوله تعالى( :ال ريب فيه) يفيد أنه كالم اهلل ،منزل من عند اهلل ،وهو نفي يتضمن النهي ،أي :ال ترتابوا فيه.
2المهتدي هبذا القرآن هم المتقون؛ فكل من كان أتقى هلل كان أقوى اهتدا ًء بالقرآن الكريم؛ ألنه ُع ِّلق الهدى بوصف؛ والحكم
إذا ُعلق بوصف كانت قوة الحكم بحسب ذلك الوصف المع َّلق عليه؛ ألن الوصف عبارة عن علة؛ وكلما قويت العلة قوي
1
المعلول ..وفيه فضيلة التقوى ،وأهنا من أسباب االهتداء بالقرآن ،واالهتداء بالقرآن يشمل الهداية العلمية ،والهداية العملية؛
أي هداية اإلرشاد ،والتوفيق .تفسير العثيمين :الفاتحة والبقرة ()32 /1
5ذكر خمس صفات للمتقين (يؤمنون بالغيب ويقيمون الصالة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما ُأنزل إليك وما
ُأنزل من قبلك وباآلخرة هم يوقنون) ،فإذا أردت تحقيق التقوى فعليك بتحقيق هذه الخمس
ونص على اإليقان باآلخرة مع دخوله يف اإليمان بالغيب؛ ....ألن اإليمان هبا هو الذي يبعث على العمل؛ ولهذا يقرن اهلل
عز ّ
وجل ،وباليوم اآلخر؛ أما من لم يؤمن باآلخرة فليس لديه باعث على العمل؛ إنما يعمل لدنياه فقط: تعالى دائمًا اإليمان به ّ
يعتدي ما دام يرى أن ذلك مصلحة يف دنياه :يسرق مثالً؛ يتمتع بشهوته؛ يكذب؛ يغش ...؛ ألنه ال يؤمن باآلخرة؛ فاإليمان
باآلخرة حقيقة هو الباعث على العمل .تفسير العثيمين :الفاتحة والبقرة ()22 ،21 /1
6والفالح مرتب على االتصاف بما ُذكر؛ فإن اخت َّلت صفة منها نقص من الفالح بقدر ما اختل من تلك الصفات؛ ألن
الصحيح من قول أهل السنة والجماعة ،والذي ّ
دل عليه العقل والنقل ،أن اإليمان يزيد ،وينقص ،ويتجزأ؛ ولوال ذلك ما كان
يف الجنات درجات :هناك رتب كما جاء يف الحديث" :إن أهل الجنة ليرتاءون أصحاب الغرف كما ترتاءون الكوكب الدري
الغابر يف األفق؛ قالوا :يا رسول اهلل ،تلك منازل األنبياء ال يبلغها غيرهم؟ قال صلى اهلل عليه وسلم ال؛ والذي نفسي بيده،
رجال آمنوا باهلل ،وصدقوا المرسلين" .أخرجه البخاري ومسلم ،أي ليست خاصة باألنبياء .تفسير العثيمين :الفاتحة والبقرة
(.)25 /1
7اإلنفاق ال يتقدر بشيء معين؛ إلطالق اآلية ،سواء قلنا :إن "مِن" للتبعيض؛ أو للبيان ..ويتفرع على هذا جواز إنفاق جميع
المال يف طرق الخير ،كما فعل أبو بكر رضي اهلل عنه حين تصدق بجميع ماله ؛ لكن هذا مشروط بما إذا لم يرتتب عليه ترك
واجب من اإلنفاق على األهل ،ونحوهم؛ فإن ترتب عليه ذلك فالواجب مقدم على التطوع.
2صدقة الغاصب (والسارق والمرتشي وآكل الربا) باطلة؛ لقوله تعالى{ :ومما رزقناهم} ؛ ألن الغاصب ال يملك المال
الذي تصدق به ،فال تقبل صدقته ..تفسير العثيمين :الفاتحة والبقرة ()22 /1
2
ِ
المنذر والداعي؛ ألنه ال يستفيد .قد ختم اهلل على قلبه ،.كما قال تعالى: 2من حقت عليه كلمة العذاب فإنه ال يؤمن مهما كان
{إن الذين حقت عليهم كلمة ربك ال يؤمنون * ولو جاءهتم كل آية حتى يروا العذاب األليم} [يونس ، ]27 ،26 :وقال
تعالى{ :أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من يف النار} [الزمر ]12 :يعني هؤالء لهم النار؛ انتهى أمرهم ،وال يمكن أن
تنقذهم ..تفسير العثيمين :الفاتحة والبقرة ()22-27 /1
10أن اإلنسان إذا كان ال يشعر بالخوف عند الموعظة ،وال باإلقبال على اهلل تعالى فإن فيه شبهًا من الكفار الذين ال يتعظون
بالمواعظ ،وال يؤمنون عند الدعوة إلى اهلل ...
11أن محل الوعي القلوب؛ لقوله تعالى{ :ختم اهلل على قلوهبم} يعني ال يصل إليها الخير ..وطرق الهدى إما بالسمع؛ وإما
عز ّ
وجل بالبصر :ألن الهدى قد يكون بالسمع ،وقد يكون بالبصر؛ بالسمع فيما يقال؛ وبالبصر فيما يشاهد؛ وهكذا آيات اهلل ّ
تكون مقروءة مسموعة؛ وتكون ب ّينة مشهودة .تفسير العثيمين :الفاتحة والبقرة ()22 /1
13قال ابن تيمية{ :سواء عليهم أأنذرهتم أم لم تنذرهم ال يؤمنون} كقوله {فإنك ال تسمع الموتى وال تسمع الصم الدعاء إذا
ولوا مدبرين} {وما أنت هبادي العمي عن ضاللتهم} وقوله {أفأنت تسمع الصم ولو كانوا ال يعقلون} {ومنهم من ينظر إليك
أفأنت هتدي العمي ولو كانوا ال يبصرون} .وكل هذا فيه بيان أن مجرد دعائك وتبليغك وحرصك على هداهم ليس موجب
ذلك وإنما يحصل ذلك إذا شاء اهلل هداهم فشرح صدورهم لإلسالم كما قال تعالى {إن تحرص على هداهم فإن اهلل ال يهدي
من يضل} ففيه تعزية لرسوله صلى اهلل عليه وسلم وبينت اآلية له أن تبليغك وإن لم يهتدوا به ففيه مصالح عظيمة غير ذلك.
مجموع الفتاوى ()521 /16
3