You are on page 1of 3

‫البيان فيما تشابه من آايت القرآن‬

‫اْلمد ّلِل على أن بَّي للمست هدين معاِل مراده‪ ،‬ونصب ِلحافل المست فتحَّي أعَلم أمداده‬
‫فأن زل القرآن قانوًن عاما معصوما‪ ،‬وأعجز بعجائبه فظهرت ي وما ف ي وما‪ ،‬وجعله مصدقا لما بَّي يديه‬
‫ومهيمنا‪ ،‬وما ف رط فيه من شيء يعظ مسيئا ويعد ُمسنا‪ ،‬حَّت عرفه المنصفون من مؤمن وجاحد‪،‬‬
‫وشهد له الراغب والمحتار واْلاسد‪ ،‬فكان اْلال بتصديقه أنطق من اللسان‪ ،‬وب رهان العقل فيه أبصر‬
‫من شاهد العيان‪ ،‬وأب رز آَيته ِف اْلفاق ف ت بَّي للمؤمنَّي أنه اْلق‪ ،‬كما أن زله على أفضل رسول ف بشر‬
‫ِبن َلم قدم صدق‪ ،‬فبه أصبح الرسول اْلمي سيد اْلكماء المربَّي‪ ،‬وبه شرح صدره إذ قال إنك على‬
‫اْلق المبَّي [النمل‪ ، ]79 :‬ف لم ي زل كتابه مشعا نّيا‪ُ ،‬مفوظا من لدنه أن يْتك ف يكون مبدًل ومغّيا‪ُ.‬ث‬
‫ق يض لت بيينه أصحابه اْلشداء الرَحاء‪ ،‬وأَبن أسراره من ب عدهم ِف اْلمة من العلماء‪ ،‬فصَلة اّلِل وسَلمه‬
‫على رسوله وآله الطاهرين‪ ،‬وعلى أصحابه ُنوم اًلقتداء للسائرين والماخرين‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬ويقصد َبلبَلغة علم املعاين والبيان والبديع‪ْ ،‬لن اْلول يعرف به خواص تراكيب‬
‫الكَلم من جهة إفادهتا املعىن‪ ،‬وَبلثاين خواصها من حيث اختَلفها حبسب وضوح الدًللة وخفائها‪،‬‬
‫وَبلثالث وجوه حتسَّي الكَلم وملا كانت البَلغة هبذه اْلمهية اعتمد عليها العلماء ِف توجيه اْلَيت‬
‫املتشاهبة‪ ،‬وإبراز اْلكمة اإلَلية ِف اختَلف اْلَيت الواردة ِف املوضوع الواحد َبلتقدمي والتأخّي والزَيدة‬
‫والنقصان ِف التعبّي‪ ،‬وكثّيا ما ردوا ذلك إىل اإلجياز واإلطناب‪ ،‬أو اإلظهار واإلضمار أو التصريح‬
‫والتلميح‪ ،‬أو اْلقيقة واجملاز‪ ،‬أو غّي ذلك من وجوه البَلغة‪.‬‬

‫ومن أمثلة التقدمي والتأخري الذي هو من أبرز مباحث علم املعاين ما ذكره اخلطيب عند‬
‫توجيهه ْلية آل عمران‪ ،‬وهي قوله تعاىل‪( :‬وما جعله اّلِل إًل بشرى لكم ولتطمئن ق لوبكم به وما النصر‬
‫إًل من عند هللا العزيز اْلكيم) آية ‪ ،١٢٦‬مع ما يشاهبها ِف اْلنفال‪ ،‬وهي قوله‪( :‬وما جعله هللا إًل‬
‫بشرى ولتطمَّي به ق لوبكم وما النصر إًل من عند اّلِل إن اّلِل عزيز حكيم ) آية‪.١٠ :‬‬

‫حيث علل اخلطيب لتأخّي الضمّي اجملرور َبلباء على قوله‪( :‬لكم) ِف آية آل عمران على املناسبة‬
‫اللفظية‪ ،‬فذكر أنه ملا أتخر (لكم ) ِف اِلملة اليت قبلها‪ ،‬وهي قوله‪( :‬وما جعله اّلِل إًل بشرى لكم )‬

‫‪1‬‬
‫وجب التأخّي هنا ليكون الثاين كاْلول‪ ،‬بينما علل للتقدمي ِف سورة اْلنفال على اْلالة النفسية اليت‬
‫كانت تسيطر على فكر املخاطبَّي‪ ،‬فجاء اخلطاب القرآين مراعيا تلك اْلالة فقدم ما هو أهم عندهم‪.‬‬

‫قال اخلطيب ‪ :‬وأما أتخّي (به) بعد قوله‪( :‬ق لوبكم) فألنه ملا أتخر اِلار واجملرور ِف الكَلم‬
‫اْلول‪ ،‬وهو قوله‪( :‬وماجعله هللا إًل بشرى لكم وعطف الكَلم الثاين عليه‪ ،‬وقد وقع فيه جار وجمرور‪،‬‬
‫وجب أتخّيها ِف اختيار الكَلم ليكون الثاين كاْلول ِف تقدمي ما الكَلم ُمتاج إليه وأتخّي ما قد‬
‫يستغىن عنه‪.‬‬

‫وأما تقدمي (يه) ِف اْلية الثانية‪ ،‬فألن اْلصل ِف كل خرب يصدر بفعل أن يكون الفاعل بعده‪،‬‬
‫ُث املفعول و اِلار واجملرور‪ ،‬وقد يقدم املفعول على الفاعل إذا كان اللبس واقعا فيه وأريد إزالته‪ ،‬وكذلك‬
‫اِلار واجملرور مبنزلة املفعول به ِف التقدمي والتأخّي وشبههما‪ ،‬وِف هذا املوضع إذا ِل يعرض ِف اللفظ من‬
‫التوفقة ما يوجب إجراء الكَلم على اْلصل كما كان ِف سورة آل عمران‪ ،‬فإن املعتمد عند املخاطبَّي‬
‫إمنا هو اإلمداد َبملَلئكة‪ ،‬وهو الذي أخرب هللا تعاىل عنه أنه ِل جيعله إًل بشرى‪ ،‬فوجب أن يقدم ِف‬
‫الكَلم الثاين وهو املضمر بعد الباء ِف قوله‪( :‬به) على الفاعل‪ ،‬فقال‪( :‬ولتطمَّي به ق لوبكم)‪.‬‬

‫ومن أمثلة الوصل والفصل الذي يعترب من أهم فنون الكَلم ما ورد ِف سورة آل عمران ِف‬
‫قوله تعاىل‪( :‬أولبك جزاؤهم مغفرة من رهبم وجنت َتري من حتتها اْلْنر خلدين فيها ونعم أجر العاملَّي‬
‫﴾ آل عمران‪ :‬حيث جاء قوله‪( :‬ونعم أجر العملَّي) َبلوصل‪ ،‬بينما جاء ِف سورة العنكبوت َبلفصل‬
‫ِف قوله‪َ :‬تري من حتتها اْلْنر خلدين فيها نعمأجر العملَّي ) العنكبوت‪ .٥٨ :‬وقد علل العلماء ذلك‬
‫ِبن آية آل عمران ملا وقع فيها اِلزاء مفصَل معطوفا ًنسبه عطف اِلملة املمدوح هبا اِلزاء‪ ،‬فجاءت‬
‫َبلوصل‪ ،‬وأما آية العنكبوت فجاءت َبلفصل‪ْ ،‬لن اِلزاء ِل يفصل وْلن اًلتصال قوي بَّي اِلملتَّي‬
‫فناسبه الفصل‪.‬‬

‫قال اخلطيب ‪ :‬إن أية آل عمران مبنية على تداخل اْلخبار‪ْ ،‬لن أوَلا (أوليك ) وهو مبتدا‪،‬‬
‫و ( جزاؤهم ) مبتدأ اثن و ( مغفرة) خرب املبتدأ الثاين‪ ،‬وهو مع خربه خرب املبتدأ اْلول‪ ،‬واِلزاء هو‬
‫اْلجر‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬أولئك اجزيهم على أعماَلم ُمو ذنوهبم وإدامة نعيمهم‪ ،‬فنسقت اْلخبار بعضها‬

‫‪2‬‬
‫على بعض للتنبيه على النعم اليت هدفت لرجاء الراجَّي واخلرب إذا جاء ِف مثل هذا املكان فحقه أن‬
‫يعطف على ما قبله َبلواو‪.‬‬

‫أما آية العنكبوت فإن ما قبلها مبين على أن يدرج الكَلم فيه على مجلة واحدة‪ ،‬وهي‪( :‬والذين‬
‫ءامنوا وعملوا الصلحت لن بوث ن هم من اِلنة غرفا العنكبوت ‪ ، ))٥۸‬فلما جعلت هذه اْلشياء كلها ِف‬
‫درج كَلم واحد‪ ،‬وهو مجلة ابتداء وخرب ‪ ،‬احتمل قوله‪ ( :‬نعم أجر العاملَّي ) أن جييء بغّي الواو‪.‬‬

‫ومن أمثلة اإلجياز واإلطناب ما جاء ِف قوله تعاىل‪( :‬فسوف ي لقون غيا إًل من َتب وءامن‬
‫وعمل صلحا فأولئك يدخلون اِلنة وًل يظلمون شي ئا مرمي ‪ ٦٠ - ٥9‬مع ما يشاهبها من سورة‬
‫الفرقان‪ .‬فبعد أن ذكر ابن الزبّي اْليتَّي تساءل عن سر التعبّي بَّي قوله‪( :‬وعمل صاْلا ) ِف مرمي‪،‬‬
‫وبَّي قوله‪( :‬وعمل عمَل صلحا) ِف الفرقان‪ ،۷۰ :‬وأجاب ِبن اْلية اْلوىل ورد قبلها ذكر املن عم عليهم‪،‬‬
‫ومن اهتدى هبديهم ِف قوله‪( :‬فخلف من ب عدهم خلف أضاعوا الصلوة وات ب عوا الشهوات فسوف‬
‫ي لقون غيا) مرمي‪ ،٥9 :‬وهذا قول موجز جممل فناسبه اإلجياز ِف قوله‪( :‬إًل من َتب وءامن وعمل‬
‫صلحا ) فتناسبا ِف التقابل اإلجيازي‪ ،‬كما تناسبا أيضا ِف الفواصل‪ ،‬ومقاطع اْلي‪ .‬وأما قوله ِف آية‬
‫الفرقان‪( :‬إًل من َتب وءامن وعمل عمَل صلحا فأ ولبك ي بدل اّلِل سيئاهتم حسنات ) الفرقان‪،۷۰ :‬‬
‫فإطناب يناسب التفصيل الواقع قبله‪...‬‬

‫ُث قال‪ :‬فإجياز إبجياز‪ ،‬وإطنا ب إبطناب مناسبة بَّي اِلواب وما جؤوب به‪ ،‬وكل على ما جيب‪ ،‬وًل‬
‫يسوغ العكس على ما متهد‪ .‬و هللا أعلم‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like