You are on page 1of 112

‫شرح كتاب‬

‫كشف الشبهات‬
‫في التوحيد‬
‫الشيخ‬
‫عبدالعزيز بن عبداهلل الراجحي‬
‫التوحيد إفراد اهلل بالعبادة‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫اعلم ‪ -‬رحمك اهلل ‪ -‬أن التوحيد هو إفراد اهلل بالعبادة‪...........،‬‬
‫افتتح اإلمام الشيخ ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬هذه الرسالة بقوله‪ " :‬اعلم ‪ -‬رحمك اهلل ‪ -‬أن التوحيد هو إفراد اهلل بالعبادة " هذا‬
‫من نصح هذا اإلمام ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬حيث دعا لطالب العلم في أول الرسالة قال‪ " :‬اعلم رحمك اهلل " فقوله‪ :‬رحمك‬
‫اهلل‪ ،‬خبر‪ ،‬والمعنى‪ :‬اعلم يا طالب العلم ! اهلل يرحمك‪ ،‬فهو يدعو لك ويعلمك‪ ،‬وهكذا شأن المؤمن والعالم بالخصوص‬
‫ناصح ِإل خوانه المسلمين في الحياة وبعد الممات‪)1( .‬‬
‫ومن ذلك ما ورد في قصة صاحب ياسين الذي قتله قومه‪ ،‬ثم قال‪َ { :‬يا َلْيَت َقْو ِم ي َيْع َلُم وَن (‪ِ )26‬بَم ا َغَف َر ِلي َر ِّبي‬
‫َو َجَعَلِني ِم َن اْلُم ْك َر ِم يَن (‪ )2( } )27‬قتلوه ما يعلمون حاله !‪ .‬فقال‪ :‬يا ليتهم يعلمون أني على الحق حتى يستقيموا‪.‬‬
‫__________‬
‫ِن ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِب‬ ‫ِم‬ ‫ِق‬
‫(‪ - )1‬إشارة لقوله ‪-‬تعالى‪ -‬في سورة يس‪ ( :‬يَل اْدُخ ِل اْلَج َّنَة َقاَل َيا َلْيَت َقْو ي َيْع َلُم وَن َم ا َغَف َر ي َر ِّبي َو َجَعَل ي َن‬
‫اْلُم ْك َر ِم يَن ) [اآليتان‪.]27 ، 26 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة يس آية ‪.27-26 :‬‬

‫(‪)1/1‬‬

‫قال ‪-‬تعالى‪ -‬عنه‪َ { :‬و َج اَء ِم ْن َأْقَص ى اْلَم ِد يَنِة َرُج ٌل َيْس َعى َقاَل َيا َقْو ِم اَّتِبُعوا اْلُمْر َس ِليَن (‪ )1( } )20‬يأمرهم باتباع‬
‫المرسلين‪ ..‬فبلغ اهلل عنه وهذا مثل القراء الذين أرسلهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في بعض الغزوات (‪ )2‬إلى‬
‫قوم ليعلموهم فقتلوهم‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬إَّن إخوانكم لما ُقِتُلوا قالوا‪ :‬يا ربنا لو بلغت عنا يا ليت‬
‫قومنا يعلمون بما حصل لنا‪ ،‬اللهم أخبر عنا نبيك" فقال اهلل‪ :‬أنا أبلغهم عنكم‪ ،‬فأنزل اهلل في ذلك القرآن بلغوا عنا أنا‬
‫لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا‪ .‬فالمقصود أن الشيخ ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يدعو لطالب العلم بالرحمة‪ ،‬ويعلمه فيقول‪ " :‬اعلم ‪-‬‬
‫رحمك اهلل ‪ -‬أن التوحيد هو إفراد اهلل بالعبادة "‪ ،‬يعني‪ :‬أن التوحيد الذي بعث اهلل به رسله وأنزل به كتبه‪ ،‬هو إفراد اهلل‬
‫بالعبادة‪ .‬إفراد اهلل‪ ،‬أي‪ :‬تخصيص اهلل بالعبادة‪ ،‬والعبادة كما عرفها‪.‬‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪( :-‬اسم جامع لكل ما يحبه اهلل ويرضاه من األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة)‪.‬‬
‫تحديد مفهوم العبادة‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يس آية ‪.20 :‬‬
‫(‪ - )2‬وذلك في غزوتي الرجيع وبئر معونة ‪ ،‬كما ذكر ذلك اإلمام البخاري ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في صحيحه في كتاب‬
‫المغازي ‪ ،‬باب ‪ :‬غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة ‪ ،‬وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه‬
‫قال ‪ :‬حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف ‪ ،‬وقال ‪ :‬حدثنا أبو معمر ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث ‪ ،‬وفي حديث‬
‫آخر قال ‪ :‬حدثني عبد األعلى ‪ .‬برقم ‪ 4090‬من حديث أنس ‪-‬رضي اهلل عنه‪.-‬‬

‫(‪)1/2‬‬

‫اسم جامع لكل ما يحبه اهلل ويرضاه من األقوال واألعمال سواًء كانت باطنة كأعمال القلوب ومعتقداتها من التَّو كل‪،‬‬
‫والصدق‪ ،‬والرغبة‪ ،‬والرهبة‪ ،‬والخوف‪ ،‬والرجاء‪ ،‬والمحبة‪ ..‬أو الجوارح؛ من الصالة والصيام والزكاة والحج‪ ،‬وكذلك‬
‫أقوال اللسان من الذكر وتالوة القرآن والدعوة إلى اهلل واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ...‬كل هذه شملها اسم‬
‫العبادة‪ ،‬اسم جامع لكل ما يحبه اهلل ويرضاه‪ ،‬واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ال يرضى وال يحب العمل إال إذا كان موافًق ا‬
‫لشرعه‪ ،‬فكل قول وعمل يوافق شرع اهلل ويكون خالًص ا له فاهلل يحبه سواء كان باطًنا أو ظاهًر ا‪.‬‬
‫فالعبادة هي األوامر والنواهي‪ ،‬فكل ما أمر اهلل به ورسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وجب العمل بما يستطاع منها‪،‬‬
‫وكل ما نهى اهلل عنه أو نهى عنه رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وجب ‪ ++‬إخالًص ا هلل وابتغاء مرضاته‪.‬‬
‫هذه هي العبادة التي يجب أن تخص اهلل بها دونما سواه فيخص اهلل بالدعاء‪ .‬فال يدعو اهلل ويدعو معه غيره‪ ،‬فإذا دعا‬
‫اإلنسان ربه‪ ،‬ودعا غيره‪ ،‬صار مشرًك ا ويخّص اهلل بالصالة فال يصلي هلل ويصلي لغيره‪ .‬ويخص اهلل بالصالة‪ ،‬ويخص اهلل‬
‫بالزكاة‪ ،‬يخص اهلل بالحج‪ ،‬ويخص اهلل بالذبح‪ ،‬ويخص اهلل بالنذر‪.‬‬
‫هذا هو التوحيد الذي خلق اهلل الخلق من أجله‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ { :‬و َم ا َخ َلْق ُت اْلِج َّن َو اِإْل ْنَس ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وِن (‪َ )56‬م ا ُأِر يُد‬
‫ِم ْنُه ْم ِم ْن ِر ْز ٍق َو َما ُأِر يُد َأْن ُيْطِعُم وِن (‪.)1( } )57‬‬
‫توحيد األلوهية يستلزم توحيد الربوبية‪:‬‬
‫وإذا وَّح د العبد اهلل في عبادته‪ ،‬ففي ضمن ذلك توحيد في ربوبيته وأسمائه وصفاته؛ ألَّن من َعَبَد اهلل‪ ،‬ففي ذلك اعترافه‬
‫بأنه هو الرب النافع الضار الذي يقدر على إيصال النفع إليه‪ ،‬وهذا هو معنى قول العلماء‪ :‬توحيد األلوهية متضمٌن‬
‫توحيد الربوبية‪ ،‬معنى متضمن‪ :‬أي أنه داخل في ضمنه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الذاريات آية ‪.57-56 :‬‬

‫(‪)1/3‬‬

‫فلوال أن العبد يعتقد أن اهلل هو الرب‪ ،‬وأنه النافع‪ ،‬وأنه الضار‪ ،‬وأنه الذي يوصل إليه النفع ويدفع عنه الضر‪ ،‬لما عبده‪،‬‬
‫فلما عبده دَّل على اعترافه بربوبيته وأسمائه وصفاته بخالف توحيد الربوبية فإنه يستلزم توحيد األلوهية‪ ،‬ومعنى يستلزم‬
‫يعني‪ :‬يستدعيه ويقتضيه ويوجبه‪.‬‬
‫فمن اعترف أن اهلل هو الخالق الرازق المدبر المحيي‪ ،‬لزمه أن يعبد اهلل لكن ما كل أحد يلتزم بما لزمه‪ ،‬ولهذا فقد‬
‫اعترف المشركون بتوحيد الربوبية‪ ،‬لكن ما التزموا بتوحيد العبادة‪.‬‬
‫وإن كان الزًم ا لهم‪ ،‬فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد األلوهية‪ ،‬وتوحيد األلوهية يتضمن توحيد الربوبية‪ ،‬ومعه‪++‬‬
‫ويستلزمه‪ ،‬يعني‪ :‬يدل عليه ويوجبه ويقتضيه مثل التوبة تستلزم التائب لكن التوبة غير التائب‪ ،‬ومثل الوالدة تستلزم والد‬
‫وولد‪ ،‬والوالد يستلزم ولد‪ ،‬لكن الولد غير الوالد وهكذا‪.‬‬
‫فالشيخ ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪ " :‬اعلم أن التوحيد هو إفراد اهلل بالعبادة " يعني‪ :‬التوحيد الذي أرسل اهلل به الرسل وأنزل‬
‫به الكتب‪ .‬هو إفراد وتخصيص اهلل بالعبادة‪ .‬وهي العبادة التي جاء بها الشرع‪ ،‬بأن جاءت في كتاب اهلل وسنة رسوله ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫ومعنى تخصيص اهلل بالعبادة‪ :‬تخصيص اهلل بالصالة مثال‪ ،‬فال يصلي هلل ويصلي لغيره‪ .‬تخصيص اهلل بالزكاة‪ ،‬تخصيص‬
‫اهلل بالحج‪ ،‬تخصيص اهلل بتالوة القرآن‪ ،‬تخصيص اهلل بالذكر‪ ،‬تخصيص اهلل بالتوكل والرغبة والرهبة‪ ،‬فجميع أنواع‬
‫العبادة يخص اهلل بها وهي التي جاء بها الشرع‪.‬‬
‫التوحيد رسالة الرسل جميًعا‬
‫وهو دين الرسل‪ ،‬الذي أرسلهم اهلل به إلى عباده‪.........‬‬
‫التوحيد هو " دين الرسل الذي أرسلهم اهلل به إلى عباده "‪ :‬الرسل كلهم جاءوا بالتوحيد‪ ،‬ودينهم اإلسالم‪.‬‬

‫(‪)1/4‬‬

‫كل الرسل أولهم نوح وقبله آدم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وآخرهم نبينا محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬دينهم اإلسالم‪ .‬قال‬
‫اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عن نوح‪ * { :‬اْت َعَل ِه َأ ُنوٍح ِإْذ َقاَل ِلَق ِمِه ا ِم ِإْن َك اَن َك َعَل ُك َق اِم ي َتْذ ِكيِر ي ِبَآ اِت الَّلِه‬
‫َي‬ ‫َو‬ ‫ُبَر ْي ْم َم‬ ‫ْو َي َقْو‬ ‫َو ُل ْي ْم َنَب‬
‫ِظ‬
‫َفَعَلى الَّلِه َتَو َّك ْلُت َفَأْج ِم ُعوا َأْم َر ُك ْم َو ُش َر َك اَءُك ْم ُثَّم اَل َيُك ْن َأْم ُر ُك ْم َعَلْيُك ْم ُغَّمًة ُثَّم اْقُضوا ِإَلَّي َو اَل ُتْن ُر وِن (‪َ )71‬فِإ ْن‬
‫َتَو َّلْيُتْم َفَم ا َس َأْلُتُك ْم ِم ْن َأْج ٍر ِإْن َأْج ِر َي ِإاَّل َعَلى الَّلِه َو ُأِم ْر ُت َأْن َأُك وَن ِم َن اْلُمْس ِلِم يَن (‪.)1( } )72‬‬
‫وقال عن إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ِ { :-‬إْذ َقاَل َلُه َر ُّبُه َأْس ِلْم َقاَل َأْس َلْم ُت ِلَر ِّب اْلَعاَلِم يَن (‪ )2( } )131‬وقال عن يعقوب‬
‫‪ -‬عليه السالم ‪َ { :-‬و َو َّص ى ِبَه ا ِإْبَر اِه يُم َبِنيِه َو َيْع ُقوُب َيا َبِنَّي ِإَّن الَّلَه اْص َطَف ى َلُك ُم الِّديَن َفاَل َتُم وُتَّن ِإاَّل َو َأْنُتْم ُمْس ِلُم وَن (‬
‫‪ )3( } )132‬وقال عن أنبياء بني إسرائيل الذين يحكمون بالتوراة‪َ { :‬يْح ُك ُم ِبَه ا الَّنِبُّيوَن اَّلِذ يَن َأْس َلُم وا } (‪ )4‬وقال عن‬
‫بلقيس لما أسلمت‪َ { :‬و َأْس َلْم ُت َمَع ُس َلْيَم اَن ِلَّلِه َر ِّب اْلَعاَلِم يَن (‪.)5( } )44‬‬
‫فاإلسالم دين األنبياء جميًعا‪ ،‬قال تعالى‪ُ { :‬قْل ِإَّن َص اَل ِتي َو ُنُس ِكي َو َمْحَياَي َو َمَم اِتي ِلَّلِه َر ِّب اْلَعاَلِم يَن (‪ )162‬اَل َش ِر يَك‬
‫َلُه َو ِبَذ ِلَك ُأِم ْر ُت َو َأَنا َأَّو ُل اْلُمْس ِلِم يَن (‪.)6( } )163‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.72-71 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة البقرة آية ‪.131 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة البقرة آية ‪.132 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة المائدة آية ‪.44 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة النمل آية ‪.44 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة األنعام آية ‪.163-162 :‬‬
‫(‪)1/5‬‬

‫فهو ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬أول المسلمين من هذه األمة‪ ،‬فاإلسالم دين الرسل جميًعا بمعناه العام الدين هلل‪ .‬قال‬
‫تعالى‪َ { :‬و َلَق ْد َأْرَس ْلَنا ُنوًح ا ِإَلى َقْو ِمِه َفَق اَل َيا َقْو ِم اْع ُبُد وا الَّلَه َم ا َلُك ْم ِم ْن ِإَلٍه َغْيُر ُه َأَفاَل َتَّتُقوَن (‪ )1( } )23‬وقال تعالى‪:‬‬
‫{ * َو ِإَلى َعاٍد َأَخ اُه ْم ُه وًدا َقاَل َيا َقْو ِم اْع ُبُد وا الَّلَه َما َلُك ْم ِم ْن ِإَلٍه َغْيُر ُه } (‪.)2‬‬
‫ِم ٍه‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬و ِإَلى َثُم وَد َأَخ اُه ْم َص ا ًح ا َقاَل َيا َقْو اْع ُبُد وا الَّلَه َما َلُك ْم ْن ِإَل َغْيُر ُه } (‪ )3‬وقال تعالى‪َ { :‬و ِإَلى َمْد َيَن‬
‫َأَخ اُه ْم ُش َعْيًبا َقاَل َيا َقْو ِم اْع ُبُد وا الَّلَه َم ا َلُك ْم ِم ْن ِإَلٍه َغْيُر ُه } (‪.)4‬‬
‫كل الرسل ُأِم ُر وا بتوحيد اهلل وإخالص العبادة له‪ ،‬كل الرسل ُنهوا عن الشرك‪ ،‬كل الرسل أمروا أقوامهم بأن يصدقوا‬
‫الرسل‪ ،‬وبأن يعظموا األوامر والنواهي‪.‬‬
‫فاإلسالم دين الرسل جميًع ا‪ ،‬وهو‪ :‬توحيد اهلل واإلخالص له‪ ،‬واإليمان بكل رسول‪ ،‬وتعظيم األوامر والنواهي في كل‬
‫شريعة‪.‬‬
‫أما الشرائع‪ ،‬فإنها تختلف من شريعة ألخرى كما قال اهلل تعالى‪ِ { :‬لُك ٍّل َجَعْلَنا ِم ْنُك ْم ِش ْر َعًة َو ِم ْنَه اًج ا } (‪.)5‬‬
‫اختالف الشرائع وأصل الدين واحد‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة المؤمنون آية ‪.23 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.65 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األعراف آية ‪.73 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة األعراف آية ‪.85 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة المائدة آية ‪.48 :‬‬

‫(‪)1/6‬‬

‫فالشرائع تختلف !‪ .‬ففي شريعة التوراة مثال‪ :‬يجب القصاص وهو قتل القاتل فقط وليس هناك دية وال عفو‪ ،‬وفي شريعة‬
‫اإلنجيل شريعة عيسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬يجب العفو‪ .‬ولهذا جاء في اإلنجيل‪ " :‬من ضربك على خدك األيمن فأدر له‬
‫األيسر "‪ ،‬أما في شريعتنا فهي أكمل الشرائع؛ إذ صار ولي القتيل مخَّيٌر بين القصاص وبين العفو إلى الدية‪ ،‬وبين العفو‬
‫مجاًنا‪ ،‬فالشرائع تختلف‪ :‬ففي شريعة يعقوب ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬مثال ‪ -‬جواز الجمع بين األختين‪ ،‬وفي شريعتنا المنع من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فالشرائع تختلف من أمة إلى أمة‪ ،‬واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يشرع لكل نبي ما يناسب أحواله وأحوال أمته‪ ،‬لكن دين‬
‫األنبياء واحد‪ ،‬وهو التوحيد‪ ،‬وهو اإلسالم‪ ،‬وهو توحيد اهلل‪ ،‬وإخالص الدين له والتحذير من الشرك‪ ،‬وتعظيم األوامر‬
‫والنواهي‪ ،‬واإليمان بكل نبي‪ ،‬فدين اإلسالم في زمن نوح ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬هو توحيد اهلل والبعد عن الشرك وتعظيم‬
‫األوامر والنواهي‪ ،‬وطاعة نوح فيما جاء به من الشريعة‪ ،‬واإلسالم في زمن هود ‪-‬عليه السالم ‪ -‬هو توحيد اهلل وترك‬
‫الشرك وتعظيم األوامر والنواهي وتصديق هود والعمل بالشريعة التي جاء بها‪ ،‬واإلسالم في زمن صالح ‪-‬عليه السالم‪-‬‬
‫هو توحيد اهلل وترك اإلشراك به وتعظيم األوامر والنواهي والعمل بالشريعة التي جاء بها صالح‪ ،‬واإلسالم في زمن موسى‬
‫‪-‬عليه السالم‪ -‬هو توحيد اهلل وترك اإلشراك به وتعظيم األوامر والنواهي والعمل بالشريعة التي جاء بها موسى‪.‬‬
‫واإلسالم في زمن عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬هو توحيد اهلل وترك اإلشراك وتعظيم األوامر والنواهي وتصديق األنبياء‬
‫والعمل بما جاء به عيسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬من الشريعة‪ ،‬ثم لما بعث اهلل نبينا محمًد ا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬صارت‬
‫شريعته خاتمة الشرائع ونسخت جميع الشرائع السابقة لها‪.‬‬

‫(‪)1/7‬‬

‫فاِإل سالم بمعناه الخاص هو‪ :‬توحيد اهلل‪ ،‬وترك اإلشراك به‪ ،‬والتصديق برسالة محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬العمل‬
‫بشريعته‪ ،‬وتعظيم أوامر اهلل ونواهيه‪ ،‬واعتقاد أن شريعة نبينا محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬شريعة عامة للثقلين الجن‬
‫واِإل نس باقية إلى يوم القيامة‪ ،‬وأنه خاتم األنبياء ‪ -‬عليهم الصالة والسالم ‪ ،-‬وأنه ال نبي بعده‪.‬‬
‫فالتوحيد هو دين األنبياء جميًعا‪.‬‬
‫إزالة الطواغيت عمل جميع الرسل‬
‫فأولهم نوح ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬أرسله اهلل إلى قومه لما غلوا في الصالحين‪َ :‬و ّد‪ ،‬وُس واع‪ ،‬ويغوَث ‪ ،‬ويعوَق ‪ ،‬ونسر‪ ،‬وآخر‬
‫الرسل محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وهو الذي كَّس ر صور هؤالء الصالحين‪......،‬‬
‫يبين ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أن التوحيد هو دين نوح ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬ودين محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ودين األنبياء‬
‫الذين بينهما‪.‬‬

‫(‪)1/8‬‬

‫فنوٌح ‪-‬عليه السالم‪ -‬أرسله اهلل يكسر األصنام وًدا وسواًعا ويغوث ويعوَق ونسًر ا‪ ،‬هذه أسماء أصنام في زمن نوح ‪-‬‬
‫عليه السالم‪ -‬وأصلها كانت أسماء رجال صالحين‪ ،‬في زمن نوح ‪-‬عليه السالم‪ -‬ثم ماتوا‪ ،‬فحزنوا عليهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو‬
‫صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة‪ .‬فصَّو ُر وهم وغلوا في قبورهم لصالحهم‪ ،‬ثم طال عليهم األمد فعبدوهم من دون‬
‫اهلل فدَّب الشيطان (‪ )1‬إلى أحفادهم وقال‪ :‬إَّنَم ا صور آباؤكم هذه الصور؛ ألَّنهم يدعونهم ويستسقون بهم المطر‪،‬‬
‫فعبدوهم كما ثبت هذا في صحيح البخاري (‪ )2‬عن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪ " :‬كانت هذه األسماء ود‬
‫وسواع ويغوث ويعوق ونسر أسماء رجال صالحين من قوم نوح (‪ )3‬فلما ماتوا عكفوا على قبورهم‪ ،‬ثم صوروا‬
‫تماثيلهم ثم طال عليهم األمد فعبدوهم "‪.‬‬
‫وقد ثبت عن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬في قول اهلل تعالى‪َ { :‬و َم ا َك اَن الَّناُس ِإاَّل ُأَّمًة َو اِح َد ًة َفاْخ َتَلُف وا } (‪ )4‬قال‪:‬‬
‫كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على التوحيد واإلسالم‪ ،‬ثم حدث الشرك في قوم نوح " (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬أي ‪. . . . :‬‬
‫(‪ - )2‬هذا االسم هو ما اشتهر عند الفقهاء والمفسرين والمحدثين ‪ ،‬وهو ليس من تسمية المؤلف نفسه ‪ ،‬وإَّنما‬
‫اختصار ممن أتى بعده‪ .‬أما تسمية البخاري لصحيحه فقد ذكر ابن حجر في (هدي الساري) أنه سماه ‪ " :‬الجامع‬
‫الصحيح المسند من حديث رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وسنته وأيامه " ‪ .‬وصاحب الصحيح هو‪ :‬أبو عبد اهلل‬
‫محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري‪ ،‬قَّدس اهلل روحه‪.‬‬
‫(‪ - )3‬أخرجه البخاري في كتاب التفسير برقم ( ‪ ) 4920‬عن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪ " :‬صارت األوثان‬
‫التي كانت في قوم نوح ‪ " . . .‬الحديث‪.‬‬
‫(‪ - )4‬سورة يونس آية ‪.19 :‬‬
‫(‪ - )5‬انظر ‪ :‬تفسير ابن كثير لآلية رقم ‪ 19‬من سورة يونس ‪ ،‬وكذا اآلية رقم ‪ 213‬من سورة البقرة‪.‬‬

‫(‪)1/9‬‬

‫فإًذ ا أول ما وقع الشرك في قوم نوح‪ .‬ولهذا كان نوح ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬أول رسول بعثه اهلل إلى األرض ‪ -‬يعني بعد‬
‫وقوع الشرك ‪ -‬وإال فقد سبقه أنبياء شيث وآدم‪ .‬آدٌم نبي‪ ،‬مكلم كما ثبت في الحديث (‪ )1‬نبي إلى نبيه‪ .‬وشيث‬
‫كذلك‪ ،‬ولكن ما وقع الشرك في زمن آدم وال في زمن شيث‪ .‬ونوح أول رسول بعثه اهلل إلى أهل األرض بعد وقع‬
‫الشرك وأول رسول ُبِعَث إلى نبيه وغير بنيه بخالف آدم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬ما بعث إال إلى بنيه‪.‬‬
‫فأول األنبياء كسر هذه األصنام وًد ا‪ ،‬وسواًع ا‪ ،‬ويغوث‪ ،‬ويعوق‪ ،‬بعث للنهي عنها‪ ،‬ثم انتقلت هذه األصنام نفسها إلى‬
‫العرب قبيل بعثة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ .-‬ود‪ ،‬وسواع‪ ،‬ويغوث‪ ،‬ويعوق‪ ،‬انتقلت إلى الغرب‪ ،‬كما ذكر ابن‬
‫عباس كل قبيلة أخذت صنًم ا‪ .‬قال‪ " :‬فكان ود لكلب بدومة الجندل‪ ،‬وكان سواع نبي غطيف بن مراد‪ ،‬وكان يعوق‬
‫لهمدان‪ ،‬وكان نسر لذي الكالع من حمير " (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬الحديث عن أبي ذٍر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قلت يا رسول اهلل ِلَّلِه أي األنبياء كان األول ؟‪ .‬قال ‪ " :‬آدم " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ :‬ونبي كان ؟ قال ‪ :‬نعم نبٌي مكلم " ‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول اهلل ِلَّلِه كم المرسلون ؟ قال ‪ " :‬ثالثمائة‬
‫وبضعة عشر جًم ا غفيًر ا " ‪ .‬انظر ‪ :‬مشكاة المصابيح ‪ ،‬باب بدء الخلق وذكر األنبياء ‪ ،‬الحديث رقم ( ‪. ) 5737‬‬
‫وأخرجه اِإل مام في مسنده برقم ( ‪ ) 21036‬عن أبي ذٍر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪. -‬‬
‫(‪ - )2‬حديث ابن عباس رواه البخاري ( ) كتاب ‪ ، . . . .‬رقم الحديث ( )‪.‬‬

‫(‪)1/10‬‬

‫واختلف في كيفية انتقالها‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه لما جاء الطوفان الذي أهلك اهلل به قوم نوح‪ ،‬سفت الريح على هذه األصنام‬
‫فنقلتها حتى أوصلها إلى جدة وسفت عليها الريح‪ ،‬ثم بعد ذلك لما كثر الكهان قبيل بعثة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬استخرجوها قال بعض الكهان‪ :‬لما جاءه َر ِئُّيه من الجن وقال له كذا وكذا‪ ،‬وأتاه بسجع كسجع الكهان‪ ،‬وقال في‬
‫آخره‪ :‬اْئِت جدة تجد أصناًما ُمَعَّدة‪ ،‬فاستخرجها وال تهب‪ ،‬وادع العرب إلى عبادتها تجب " (‪.)1‬‬
‫فجاء واستخرجها وقيل‪ :‬إن هذه األصنام ليست هي تلك األصنام‪ ،‬ولكنها أصنام صورت وجعلت على اسمها‪،‬‬
‫فالمقصود أن نوًح ا ‪ -‬عليه السالم ‪ُ -‬بِعَث لتكسير هذه األصنام والنهي عنها‪ ،‬ومحمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬آخر‬
‫األنبياء وآخر الرسل هو الذي كَّس ر هذه األصنام وًدا وسواًعا ويغوث ويعوق‪.‬‬
‫الشرك في العبادة يحبطها‬
‫أرسله اهلل إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون اهلل كثيًر ا‪ ،‬ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم‬
‫وبين اهلل‪ ،‬يقولون‪ :‬نريد منهم التقرب إلى اهلل‪ ،‬ونريد شفاعتهم عنده مثل المالئكة‪ ،‬وعيسى‪ ،‬ومريم‪ ،‬وأناس غيرهم من‬
‫الصالحين‪ ،‬فبعث اهلل محمًد ا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ -‬يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ ،-‬ويخبرهم أن‬
‫هذا التقرب واالعتقاد محض حق اهلل‪...........‬‬
‫هكذا نبينا ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬أرسله اهلل إلى قوٍم يتعبدون‪ ،‬يصلون‪ ،‬ويصومون‪ ،‬ويحجون‪ ،‬ويتصدقون‪،‬‬
‫ويذكرون اهلل كثيًر ا‪ ،‬لكنهم لم يفردوا اهلل بالعبادة‪ ،‬ولم يخلصوا له العبادة‪ .‬فهم يعبدون اهلل ويعبدون معه غيره‪ ،‬أشركوا‬
‫مع اهلل‪.‬‬
‫كان المشركون يحُّج ون في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حَّج قبل البعثة معهم‬
‫(‪.)2‬‬
‫االبتداع في العبادة أول طريق الشرك‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬انظر ‪ :‬فتح الباري ‪ ،‬شرح حديث ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ ، -‬رقم الحديث ( ‪.) 4920‬‬
‫(‪ُ - )2‬يراجع ‪ :‬زاد المعاد ‪. . . . . .‬‬

‫(‪)1/11‬‬

‫ولكن قريًش ا غَّيرت دين إبراهيم ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ .-‬ومن األشياء التي غَّيروها إن العرب كانت تحج وهم‬
‫مشركون‪ ،‬وكان الواحد منهم إذا حَّج يقول‪ :‬أنا ال أطوف بثيابي هذه؛ ألنها نجسة عصيت اهلل بها‪ .‬فإذا جاء إلى مكة‬
‫كيف يعمل ِلَّلِه وعليه الثياب يقول‪ :‬الثياب النجسة ال يمكن أن أطوف بها‪ ،‬يطلب من رجل من قريش ثوًبا يطوف به؛‬
‫ألنهم أهل البيت وأهل الحرم‪ ،‬وُيسمون الحمس (‪ )1‬فإذا وجد أحًد ا يعطيه ثوًبا طاف به‪ ،‬وإن لم يجد خلع ثوبه وطاف‬
‫عرياًنا‪.‬‬
‫انظر كيف استحوذ عليهم الشيطان‪ ،‬حتى المرأة منهم ِلَّلِه ِلَّلِه ِلَّلِه إذا جاءت لتحج طلبت ثوًبا‪ ،‬فإن لم تجد طافت عريانة‬
‫وجعلت يدها على فرجها وجعلت تقول‪:‬‬
‫اليوم يبدو بعضه أو كله‬
‫‪ ...‬وما بدا منه فال ُأِح ّله‬
‫وهذا من جهلهم‪ ،‬واستحواذ الشيطان عليهم‪ .‬تخلع المرأة ثيابها وتطوف عريانة‪ ،‬تقول‪ :‬ما أطوف بالثياب النجسة‪،‬‬
‫التعري عندهم أحسن من كونها تطوف بالثياب النجسة‪ ،‬وهذا من جهلهم المطبق وقلة بصيرتهم‪.‬‬
‫ومن األشياء التي غيروا فيها دين إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬أن قريًش ا كانوا إذا حُّج وا ال يتجاوزون مزدلفة؛ ألَّن نهاية‬
‫الحرم مزدلفة‪ ،‬فال يقفون بعرفة‪ .‬فكانت العرب يقفون بعرفة إال قريًش ا يقولون‪ :‬ال نتجاوز الحرم‪ ،‬نحن أهل الحرم‪ ،‬فال‬
‫نتعدى الحرم (‪.)2‬‬
‫فلَّم ا حَّج النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حجة الوداع ظنت قريش أنه ال يتجاوز الحرم‪ ،‬كما كانوا يفعلون في‬
‫الجاهلية‪ ،‬فتجاوز ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬فأجاز ووقف بعرفة‪ .‬وجاء بعض الناس يطلب بعيًر ا له بعرفة‪ ،‬فوجد النبي‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬هناك فقال‪ :‬ما له أحمس ومع ذلك تجاز الحرم (‪.)3‬‬
‫فعل المشركون صالح العبادات مع شركهم باهلل‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬انظر ‪ :‬سيرة ابن هشام ( ‪.) 202 / 1‬‬
‫(‪ - )2‬المصدر السابق ( ‪.) 199 / 1‬‬
‫(‪ - )3‬انظر ‪ :‬الروض األنف ( )‪.‬‬

‫(‪)1/12‬‬

‫فالمقصود أن المشركين كانوا يحجون‪ ،‬لكنهم غَّيُر وا وبَّدُلوا ذلك وهم على شركهم‪ ،‬وكانوا يصومون‪ ،‬كما ثبت في‬
‫الصحيحين أن يوم عاشوراء كان يوًم ا تصومه قريش في الجاهلية‪ ،‬وكان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يصومه معهم (‬
‫‪ )1‬وكانوا يصلون‪ ،‬وكانوا يتعبدون‪ ،‬ويتصدقون‪ ،‬وكانوا يجتمعون في مؤتمرات يعقدونها لهم لرفع الظلم عن المظلوم‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬حلف المطيبين‪ ،‬والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أدرك هذا قبل البعثة‪ ،‬وقال‪ " :‬أدركت حلف المطيبين ما‬
‫أحب أن أنكثه وأن لي كذا وكذا " وذلك أن قوًم ا اجتمعوا وجاءوا بجفنة فيها طيب‪ ،‬وغمسوا أيديهم في هذه الجفنة‪،‬‬
‫وتعاقدوا على نصر المظلوم حتى يرّد إليه حقه‪ ،‬وتعاقدوا أيًض ا على اإلحسان‪ ،‬والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أثنى‬
‫على هذا العهد وهذا التعاقد‪ ،‬قال‪ " :‬ما أحب أن أنكثه وأن لي كذا وكذا " (‪)2‬؛ ألنه تعاقد وتعاهد على نصر المظلوم‪،‬‬
‫وإزالة الظلم‪ .‬فالمقصود أن الكفار كانوا يتعبدون‪ ،‬كما يصومون‪ ،‬ويصلون‪ ،‬ويحجون‪ ،‬ويتصدقون‪ ،‬ويذكرون اهلل‬
‫كثيًر ا‪ ،‬لكن سبب شركهم وضاللهم أنهم لم يفردوا اهلل بالعبادة‪ ،‬بل عبدوا معه غيره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصوم ‪ ،‬باب صوم يوم عاشوراء ‪ ،‬برقم ( ‪ . ) 2002‬ومسلم في صحيحه ‪،‬‬
‫كتاب الصيام ‪ ،‬باب صوم يوم عاشوراء‪ ،‬عن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ . -‬وقال اإلمام ابن القيم في زاد المعاد ‪ ( :‬كانت‬
‫‪ -‬أي قريش ‪ -‬تصوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يصومه ) ‪.‬‬
‫(‪ - )2‬أخرجه اإلمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف برقم ( ‪ . ) 1658‬والبيهقي في دالئل النبوة ‪ .‬وابن‬
‫كثير في البداية والنهاية ‪ .‬وقال ابن كثير في البداية والنهاية ‪ ( :‬المراد بهذا الحلف الفضول وكان في دار عبد اهلل بن‬
‫جدعان كما رواه الحميدي ‪.‬‬

‫(‪)1/13‬‬

‫فمنهم من يعبد الالت والعزى‪ ،‬ومنهم من يعبد المسيح عليه السالم‪ ،‬ومنهم من يعبد أمه‪ ،‬ومنهم من يعبد عزيًر ا‪ ،‬ومنهم‬
‫من يعبد الشمس‪ ،‬ومنهم من يعبد القمر‪ ،‬لماذا يعبدونها ؟ يريدون منهم القربة والجاه والشفاعة‪ ،‬يقولون‪ :‬المسيح نبي‪،‬‬
‫وله مكانة عند اهلل‪ ،‬وينقل حوائجنا إلى اهلل‪ ،‬ويقربنا إلى اهلل‪ ،‬كما قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬عنهم‪َ { :‬ما َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل ِلُيَق ِّر ُبوَنا‬
‫ِإَلى الَّلِه ُز ْلَف ى } (‪ )1‬هذه مقالتهم‪.‬‬
‫وفي اآلية األخرى يقول اهلل تعالى‪َ { :‬و َيْع ُبُد وَن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َم ا اَل َيُضُّر ُه ْم َو اَل َيْنَف ُعُه ْم َو َيُقوُلوَن َه ُؤ اَل ِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد‬
‫الَّلِه } (‪.)2‬‬
‫إخالص العبادة هلل شرط لقبولها‬
‫فالبالء الذي ُأصيبوا به والشرك الذي حصل لهم سببه أنهم لم يخصوا اهلل بالعبادة‪ .‬ولهذا قال الشيخ ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫حينما افتتح هذه الرسالة‪ " :‬اعلم ‪ -‬رحمك اهلل ‪ -‬أن التوحيد هو إفراد اهلل بالعبادة‪ ،‬أي‪ :‬تخصيص اهلل بالعبادة "‪.‬‬
‫فالمشركون لم يخُّص وا اهلل بالعبادة قالوا‪ :‬نعبد اهلل ونعبد غيره ِلَّلِه ِلَّلِه !‪ .‬ففي وقت يعبدون اهلل‪ ،‬وفي وقت آخر يعبدون‬
‫غير اهلل‪.‬‬
‫فال بَّد للمسلم أن يعلم أن المشركين الذين بعث فيهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يعبدون اهلل‪ ،‬ولكنهم لم يخُّصوه‬
‫بالعبادة‪ ،‬بل يعبدون معه غيره‪ .‬وامتنعوا لما قال لهم الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬قولوا ال إله إال اهلل تفلحوا " (‬
‫‪)3‬؛ ألنهم يعرفون معنى ال إله إال اهلل‪ ،‬فإن معناها‪ :‬ال معبود حق إال اهلل‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬كيف نخص اهلل بالعبادة ونترك األصنام واألوثان؛ ألننا متلبسون بالجرائم والمعاصي‪ .‬وهذه الوسائط تنقل‬
‫حوائجنا إلى اهلل وتقربنا إلى اهلل‪ ...‬هكذا يقولون‪.‬‬
‫قاسوا اهلل على خلقه !‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزمر آية ‪.3 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة يونس آية ‪.18 :‬‬
‫(‪ - )3‬أخرجه ابن خزيمة برقم ( ‪ ) 82 / 1‬برقم ( ‪ ، ) 129‬والحاكم وغيرهما ‪ .‬وقال الحاكم ‪ :‬صحيح اِإل سناد‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬

‫(‪)1/14‬‬

‫ولما قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬قولوا ال إله إال اهلل تفلحوا " (‪ )1‬امتنعوا‪ ،‬ولما قال ألبي جهل‪ :‬كلمة إذا‬
‫قلتموها ملكتم بها العرب ودانت لكم بها العجم "‪ .‬فقال أبو جهل‪ :‬ما هي هذه الكلمة لنعطينكها وعشرة أمثالها‪ .‬فقال‬
‫هي‪ " :‬ال إله إال اهلل " (‪ )2‬فأبى‪ ،‬وامتنع‪ ،‬واستكبر‪ ،‬ونكص على عقبيه وهو ينفض يديه ويقول‪َ { :‬أَجَعَل اَآْلِلَه َة ِإَلًه ا‬
‫َو اِح ًد ا } (‪)3‬؛ ذلك ألنه يعرف معنى ال إله إال اهلل وأن معناها ترك األصنام واألوثان‪ .‬قال اهلل تعالى‪َ { :‬و اْنَطَلَق اْلَم ُأَل‬
‫ِم ْنُه ْم َأِن اْم ُش وا َو اْص ِبُر وا َعَلى َآِلَه ِتُك ْم ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُيَر اُد (‪َ )6‬م ا َس ِم ْعَنا ِبَه َذ ا ِفي اْلِم َّلِة اَآْلِخ َر ِة ِإْن َه َذ ا ِإاَّل اْخ ِتاَل ٌق (‪} )7‬‬
‫(‪.)4‬‬
‫اتباع اآلباء واألجداد‪:‬‬
‫هذه الحجة القرشية‪ ،‬اتباع اآلباء واألجداد في الباطل‪ ،‬قال اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عنهم { َم ا َس ِم ْعَنا ِبَه َذ ا ِفي اْلِم َّلِة اَآْلِخ َر ِة ِإْن َه َذ ا‬
‫ِإاَّل اْخ ِتاَل ٌق (‪.)5( } )7‬‬
‫وهذه الحجة الفرعونية ‪ -‬حجة فرعون حين قابل موسى ‪ -‬فقال‪َ { :‬فَم ا َباُل اْلُقُر وِن اُأْلوَلى (‪ )6( } )51‬احتَّج بما كان‬
‫عليه السابقون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سبق تخريجه ص ‪. 15‬‬
‫(‪ - )2‬أخرجه النسائي في السنن الكبرى برقم ( ‪ 235 / 5 ) 1 / 8769‬كتاب التفسير‪ ،‬باب ‪ . 113‬واِإل مام أحمد‬
‫بن حنبل في مسنده برقم (‪ . 597 / 1 )3409‬والترمذي في سننه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬باب تفسير سورة ص برقم (‬
‫‪ ، 341 / 5 ) 3232‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن ‪ .‬وانظر ‪ :‬تفسير قوله تعالى‪َ ( :‬أَجَعَل اآْل ِلَه َة ِإَلًه ا َو اِح ًد ا ) [ سورة ص ‪،‬‬
‫اآلية ‪.] 5 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة ص آية ‪.5 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة ص آية ‪.7-6 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة ص آية ‪.7 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة طه آية ‪.51 :‬‬

‫(‪)1/15‬‬

‫ٍة ِم‬ ‫ِم ِل ِف‬ ‫ِل‬


‫وهي حجة المشركين جميًعا‪ ،‬اتباع اآلباء واألجداد في الباطل‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬و َكَذ َك َم ا َأْرَس ْلَنا ْن َقْب َك ي َقْر َي ْن‬
‫َنِذ يٍر ِإاَّل َقاَل ُمْتَر ُفوَه ا ِإَّنا َو َج ْدَنا َآَباَءَنا َعَلى ُأَّمٍة َو ِإَّنا َعَلى َآَثاِرِه ْم ُمْق َتُد وَن (‪ِ { )1( } )23‬إَّنا َو َج ْدَنا َآَباَءَنا َعَلى ُأَّمٍة } (‪)2‬‬
‫يعني‪ :‬على دين وإنا على آثارهم مقتدون‪.‬‬
‫وفي اآلية التي قبلها‪َ { :‬بْل َقاُلوا ِإَّنا َو َج ْدَنا َآَباَءَنا َعَلى ُأَّمٍة َو ِإَّنا َعَلى َآَثاِر ِه ْم ُمْهَتُد وَن (‪َ )22‬و َكَذ ِلَك َم ا َأْرَس ْلَنا ِم ْن َقْبِلَك‬
‫ِفي َقْر َيٍة ِم ْن َنِذ يٍر ِإاَّل َقاَل ُمْتَر ُفوَه ا ِإَّنا َو َج ْدَنا َآَباَءَنا َعَلى ُأَّمٍة َو ِإَّنا َعَلى َآَثاِر ِه ْم ُمْق َتُد وَن (‪َ * )23‬قاَل َأَو َلْو ِج ْئُتُك ْم ِبَأْهَد ى‬
‫ِم َّم ا َو َج ْدُتْم َعَلْيِه َآَباَءُك ْم َقاُلوا ِإَّنا ِبَم ا ُأْر ِس ْلُتْم ِبِه َك اِفُر وَن (‪.)3( } )24‬‬
‫أبو طالب عم الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فإنه كان يحميه ويدافع عنه‪ ،‬وحرص النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫على هدايته كل الحرص‪ ،‬ولكن عجز‪ .‬فاألمر هلل‪ ،‬واألمر بيد اهلل‪ ،‬وهلل الحكمة البالغة‪.‬‬
‫وكان أبو طالب معترًفا بصدق الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأن الدين الذي جاء به النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬هو الحق‪ .‬فهو ‪ +++‬ولهذا يقول في قصيدته المشهورة‪:‬‬
‫ولقد علمت بأن دين محمد…… من خير أديان البرية دينا‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزخرف آية ‪.23 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزخرف آية ‪.22 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الزخرف آية ‪.24-22 :‬‬

‫(‪)1/16‬‬
‫لوال المالمُة أو حذار مسبٍة……لوجدتني سمًح ا بذاك مبيًنا (‪)1‬‬
‫(ولقد علمت)‪ ،‬أي‪ :‬علم يقين ما عنده شك في ذلك‪.‬‬
‫إًذا ما الذي منعه ؟ إال اتباع اآلباء واألجداد‪.‬‬
‫(لوال المالمة أو حذارى سبٍة )‪ ،‬أي‪ :‬لوال أن الناس يلومونني‪ ،‬أو سبب آبائي وأجدادي؛ ألني إذا وَّح دت اهلل سببت آبائي‬
‫وأجدادي‪ ،‬وتنقصت دينهم واحتقرتهم‪.‬‬
‫كما قال في قصيدته األخرى الالمية‪++:‬‬
‫فواهلل لوال أن أجيء بُس بٍة ……تجُّر على أشياخنا في المحافل (‪)2‬‬
‫البيتان‪.‬‬
‫(وهم آباؤه وأجداده‪ ،‬ألقررت بها عينيك)‪ .‬ولما حضرته الوفاة جاء النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأسرع إليه ولقنه‬
‫الشهادة‪ .‬قال‪ " :‬يا عم ِلَّلِه قل ال إله إال اهلل كلمة أحاج لك بها عند اهلل " لكن ‪ -‬مع األسف ‪ -‬كان عنده رجالن‪،‬‬
‫وهما‪ :‬أبو جهل‪ ،‬وعبد اهلل بن أبي أمية بن المغيرة (‪ )3‬من قرناء السوء من الكفار فقلناه الحجة الملعونة‪ .‬وهي اتباع‬
‫اآلباء واألجداد في الباطل‪ .‬قاال‪ :‬أترغب عن ملة عبد المطلب؛ أي‪ :‬ترغب عن ملة أبيك ؟‪ .‬وملة أبيه هي الكفر‪ ،‬وهي‬
‫عبادة األصنام واألوثان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬أوردها ابن كثير في البداية والنهاية ( ‪ ) 41 / 3‬باختالف يسير ‪ ،‬وهذا نص البيتين عند ابن كثير ‪ :‬وعرضت‬
‫ديًنا قد عرفت بأنه من خير أديان البرية دينا لوال المالمة أو حذار سبة لوجدتني سمًح ا بذاك مبيًنا وكذلك أوردها اإلمام‬
‫محمد بن عبد الوهاب في مختصر السيرة بنفس هذا النص ‪ .‬وعند الشامي في سبل الهدى والرشاد ( ‪) 327 / 2‬‬
‫ساقط البيت األول حيث أورد ما قبله بعده‪.‬‬
‫(‪ - )2‬هذه قصيدة مشهورة ومعروفة بـ " المية أبي طالب " ‪ .‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية البن هشام ( ‪ . ) 280 / 1‬وانظر ‪:‬‬
‫مختصر السيرة للشيخ عبد اهلل بن شيخ اإلسالم المجدد محمد بن عبد الوهاب ( ص ‪.) 142‬‬
‫(‪ - )3‬ويجدر بالمسلم أن يتنبه بهذا ‪ +++‬األليم أو أن توردك المهالك ‪ ..‬قال تعالى‪" :‬األخالء يومئذ بعضهم لبعض‬
‫عدو إال المتقين" وقوله تعالى ‪ " :‬ويوم ‪.++‬‬

‫(‪)1/17‬‬

‫فأعاد عليه النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فقال‪ " :‬يا عم ِلَّلِه قل ال إله إال اهلل كلمة أحاج لك بها عند اهلل " فأعادا عليه‬
‫الحجة الملعونة‪ ،‬وقاال‪ :‬أترغب عن ملة عبد المطلب‪.‬‬
‫فأعاد عليه النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فأعادا فكان آخر ما قال‪ :‬هو على ملة عبد المطلب (‪ )1‬وأبى أن يقول ال‬
‫إله إال اهلل‪.‬‬
‫فأبو طالب مات على الكفر والشرك‪ ،‬نسأل اهلل السالمة والعافية‪ ،‬وهلل في خلقه شئون‪ ،‬ولم يقدر النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬على هدايته ألن الهداية بيد اهلل‪.‬‬
‫الهداية من اهلل‪:‬‬
‫وإبراهيم لم يقدر على هداية أبيه؛ ألن هداية القلوب بيد اهلل‪.‬‬
‫وأما الهداية التي هي بمعنى الداللة واإلرشاد والوعظ والبيان‪ .‬فهذه بيد الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫قال تعالى‪َ { :‬و ِإَّنَك َلَتْه ِد ي ِإَلى ِص َر اٍط ُمْس َتِق يٍم (‪ )2( } )52‬وكذلك يملك العلماء والدعاة هذه الهداية‪ ،‬أما هداية‬
‫القلوب به أو يختاره‪ ،‬فهذا إلى اهلل‪ ،‬وهذا من ِح َك م اهلل وأسراره في خلقه‪ ،‬ومن الدالئل على أن الرسول ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬بشر‪ ،‬وليس في يده شيء من هداية القلوب وتفريج الكروب‪ ،‬وأن األمر بيد اهلل‪.‬‬
‫فهداية القلوب بيد اهلل ال يملكها أحد‪ ،‬حتى أفضل الناس وهو نبينا محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ليس بيده شيء‪،‬‬
‫فلله األمر من قبل ومن بعد وله الحكمة البالغة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬أخرجه البخاري عن ابن المسَّيب عن أبيه في كتاب مناقب األنصار ‪ ،‬باب قصة أبي طالب برقم ( ‪، ) 3884‬‬
‫وفي كتاب التفسير في سورة القصص ‪ ،‬باب قوله تعالى ‪ِ ( :‬إَّنَك اَل َتْه ِد ي َمْن َأْح َبْبَت َو َلِكَّن الَّلَه َيْه ِد ي َمْن َيَش اُء ) برقم‬
‫( ‪ ، ) 4772‬ومسلم في كتاب اإليمان ‪ ،‬باب الدليل على صحة إسالم من حضره الموت ما لم يشرع في النزع برقم (‬
‫‪ . ) 24‬وانظر ‪ :‬السيرة النبوية البن هشام في ذكر طمع الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬في إسالم أبي طالب‪.‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الشورى آية ‪.52 :‬‬

‫(‪)1/18‬‬

‫ومن فوائد هذه القصة ومن الحكم في ذلك أن يعلم الناس أن هداية القلوب بيد اهلل‪ ،‬وأن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بشر ال يصلح للعبادة‪ ،‬فهو بشر ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬ال يملك من هداية القلوب شيًئا فال يصلح للعبادة‪.‬‬
‫فمحمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬نبي كريم ُيطاع وُيَّتبع‪ ،‬ويعظم ويحب أعظم من محبتنا ألنفسنا وألهلينا‪ ،‬لكن ال‬
‫نعبده؛ فالعبادة حق اهلل‪ ،‬ولو كان يعلم الغيب لما مَّس ه السوء كما قال اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪َ { :-‬و َلْو ُك ْنُت َأْع َلُم اْلَغْيَب‬
‫ِج ِبِه ِض‬ ‫َّن ِع ِد‬ ‫ِن‬ ‫ِر‬ ‫ِم‬
‫اَل ْسَتْك َثْر ُت َن اْلَخ ْي َو َما َمَّس َي الُّس وُء } (‪ )1‬وقال ‪-‬تعالى‪ -‬في آية أخرى‪ُ { :‬قْل َلْو َأ ْن ي َم ا َتْس َتْع ُلوَن َلُق َي‬
‫اَأْلْم ُر َبْيِني َو َبْيَنُك ْم } (‪ )2‬أي‪ :‬ولكن ليس بيدي شيء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.188 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األنعام آية ‪.58 :‬‬

‫(‪)1/19‬‬

‫ولما آذاه صناديد قريش‪ :‬شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وغيرهم‪ ،‬فكان يدعو عليهم في صالة الفجر‪،‬‬
‫فيقنت ويدعو بعدما يقول سمع اهلل لمن حمده في الركعة األخيرة يقول‪ " :‬اللهم العن شيبة بن ربيعة‪ ،‬وعتبة بن ربيعة‪،‬‬
‫والوليد بن عتبة " (‪)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬ورد هذا الحديث بروايات مختلفة ‪ .‬فعند اِإل مام أحمد في مسنده ( ‪ ، ) 5641‬وفي مسند عبد اهلل بن عمر ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬عن سالم عن أبيه قال ‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يقول ‪ " :‬اللهم العن فالًنا ‪ ،‬اللهم‬
‫العن الحارث بن هشام ‪ ،‬اللهم العن سهيل بن عمرو ‪ ،‬اللهم العن صفوان بن أمية " ‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت هذه اآلية ‪َ ( :‬لْيَس‬
‫َلَك ِم َن اَأْلْم ِر َش ْي ٌء َأْو َيُتوَب َعَلْيِه ْم َأْو ُيَعِّذ َبُه ْم َفِإ َّنُه ْم َظاِلُم وَن ) [ سورة آل عمران ‪ ،‬اآلية ‪ ، ] 128 :‬قال ‪ :‬فتيب‬
‫عليهم كلهم ‪ .‬وعند البخاري في صحيحه ( ‪ ) 4559‬في كتاب التفسير ‪ ،‬باب ‪َ ( :‬لْيَس َلَك ِم َن اَأْلْم ِر َش ْي ٌء ) عن سالم‬
‫‪ ،‬عن أبيه أنه سمع رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة األخيرة من الفجر يقول ‪" :‬‬
‫ِم‬
‫اللهم العن فالًنا وفالًنا وفالًنا " ‪ .‬بعدما يقول ‪ " :‬سمع اهلل لمن حمده ‪ ،‬ربنا ولك الحمد " ‪ .‬فأنزل اهلل ‪َ ( :‬لْيَس َلَك َن‬
‫اَأْلْم ِر َش ْي ٌء ) إلى قوله ‪َ ( :‬فِإ َّنُه ْم َظاِلُم وَن ) ‪ .‬وفي حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬برقم ( ‪ ) 4560‬ذكر رواية‬
‫أخرى وفي آخره ‪ " :‬وكان يقول في بعض صالته في صالة الفجر ‪ :‬اللهم العن فالًنا وفالًنا " ألحياء من العرب حتى‬
‫أنزل اهلل ( َلْيَس َلَك ِم َن اَأْلْم ِر َش ْي ٌء ‪ ) . . .‬اآلية ‪ .‬وأخرج مسلم في باب استحباب القنوت في جميع الصلوات إذا‬
‫نزلت بالمسلمين نازلة برقم ( ‪ ) 675‬مثل حديث أبي هريرة عند البخاري فيه ‪ " :‬ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل ( َلْيَس‬
‫َلَك ِم َن اَأْلْم ِر َش ْي ٌء َأْو َيُتوَب َعَلْيِه ْم َأْو ُيَعِّذ َبُه ْم َفِإ َّنُه ْم َظاِلُم وَن ) وذكر مسلم وغيره أحاديث أخر بنفس المعنى‪.‬‬

‫(‪)1/20‬‬

‫‪.‬‬
‫ِم‬
‫والصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪ -‬أفضل الناس يؤمنون على دعائه‪ ،‬فنزل قول اهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪َ { :-‬لْيَس َلَك َن‬
‫اَأْلْم ِر َش ْي ٌء َأْو َيُتوَب َعَلْيِه ْم َأْو ُيَعِّذ َبُه ْم َفِإ َّنُه ْم َظاِلُم وَن (‪ )1( } )128‬وقد مَّن اهلل عليهم باإلسالم ودخلوا فيه‪.‬‬
‫التقرب لغير اهلل بالعبادة شرك‬
‫فبعث اهلل محمًد ا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ -‬يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬ويخبرهم أن هذا التقرب‬
‫واالعتقاد محض حق اهلل‪...............‬‬
‫التقرب إلى الصالحين أو األنبياء أو األصنام أو الشمس والقمر أو غيرها بالدعاء أو بالذبح أو بالنذر أو بالطواف‬
‫بهم‪ ....‬إلخ‪.‬‬
‫كل هذا محض حق اهلل‪ ،‬ال يصلح أن يصرف منها شيء لغير اهلل‪ .‬ومن صرف منها شيًئا لغير اهلل‪ ،‬فقد أشرك‪ .‬ولو عبد‬
‫اهلل كثيًر ا‪ ،‬ال تنفعه عبادته هلل إذا كان يعبد اهلل ويعبد معه غيره‪ ،‬فإَّنها تفسد عبادته هلل؛ ألنه أشرك‪ ،‬فإذا كان مثال يتصدق‬
‫ويصوم ويصلي ويحج‪ ،‬لكن يدعو غير اهلل‪ ،‬فدعاؤه لغير اهلل يفسد عبادته‪ ،‬ويبطلها‪ ،‬كما أن اِإل نسان إذا تطهر وأحسن‬
‫الطهارة‪ ،‬وتوضأ وأحسن الوضوء ثم خرج منه ريح أو بول أو غائط‪َ ،‬بُطَلت الطهارة‪ ،‬فكذلك إذا كان يعبد اهلل ويصلي‬
‫ويصوم ويتصدق ثم أشرك باهلل بأن دعا غير اهلل وذبح لغير اهلل بطلت العبادة وانتقضت‪ ،‬وصار وثنًّيا بعد أن كان موِّح ًد ا‪.‬‬
‫صار وثنًيا من أهل األوثان ولو كان يعبد اهلل‪ ،‬ولو كان يصلي‪ ،‬ولو كان يصوم‪ ،‬ال بد له من إخالص الدين هلل‪ ،‬ال بد أن‬
‫يخلص العبادة هلل‪.‬‬
‫فالتقرب لغير اهلل بالدعاء أو بالذبح أو بالنذر مثل قوله‪ :‬المدد يا فالن ِلَّلِه‪ .‬أغثني يا فالن !‪ .‬أو يذبح له وينذر له هذا‬
‫محض حق اهلل‪ ،‬إذا صرف منه شيًئا لغير اهلل حبط جميع عمله مهما كان‪ ،‬وال ينفعه عبادته هلل حتى يتوب من هذا الشرك‬
‫وهذا التقرب لغير اهلل‪.‬‬
‫المخلوق مهما عظم قدره ال تصرف إليه العبادة‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية ‪.128 :‬‬

‫(‪)1/21‬‬

‫ال يصلح منه شيء لغير اهلل ال لملك مقرب‪ ،‬وال لنبي مرسل‪ ،‬فضال عن غيرهما‪ ،‬وإال فهؤالء المشركون مقرون‬
‫يشهدون أن اهلل هو الخالق وحده ال شريك له‪ ،‬وأنه ال يرزق إال هو‪ ،‬وال يحيي إال هو‪ ،‬وال ُيميت إال هو‪ ،‬وال ُيدبر‬
‫األمر إال هو‪.‬‬
‫وأن جميع السماوات السبع ومن فيهن‪ ،‬واألرضين السبع ومن فيهن‪ ،‬كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره‪.‬‬
‫التقرب بالدعاء والذبح والنذر وغيرها من العبادات‪ ،‬ال يصلح منه شيء لغير اهلل ال لملك مقرب وال لنبي مرسل‪ ،‬فال‬
‫يصلح أن يصرف هذا التقرب لجبريل الذي هو أفضل المالئكة‪ ،‬وال يصلح أن يصرف لمحمد الذي هو أفضل األنبياء‬
‫والمرسلين ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪ .‬وإذا كان ال يصلح لملك مقرب وال لنبي مرسل فال يصلح لغيرهما من باب أولى‪.‬‬
‫ال يصلح إال هلل‪ ،‬هذا محض حق هلل‪.‬‬
‫ال بد للمسلم أن يعرف حق اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬وحق الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ،-‬وحق إخوانه المؤمنين‪،‬‬
‫فاهلل له الحق؛ وهو العبادة والتوحيد والطاعة وامتثال األمر‪.‬‬
‫والرسول له حق؛ وهو الطاعة واالتباع‪ ،‬واجتناب ‪ ++‬والمحبة أعظم من محبة النفس والمال والولد‪.‬‬
‫والمؤمنون لهم حق الوالء والمحبة واالقتداء بأفعالهم الحسنة وغير ذلك من حقوقهم‪.‬‬
‫هذا هو توحيد الربوبية الذي يقُّر به المشركون‪ ،‬فإنهم يقرون بأن اهلل هو الخالق الرازق المدِّبُر ‪ ،‬وأنه ال يخلق إال اهلل‪،‬‬
‫وال يرزق إال اهلل‪ ،‬وال يدِّبر إال اهلل‪ ،‬وال يحيي وال يميت اهلل‪ ،‬وأن السماوات واألرض ومن فيهن كلهم عبيد اهلل تحت‬
‫تصرفه وتحت قهره‪ ،‬كلهم مدينون هلل‪ ،‬مدبرون مصرفون منقادون‪ ،‬مسَّخرون ال يخرجون عن قدرته ومشيئته‪.‬‬
‫هذا اعترف به كفار قريش‪ ،‬لكن ال ينفعهم هذا االعتراف وال يكفي وحده‪ .‬وهو أحد أمرين ال بد منهما لكن ال بد أن‬
‫يضم إليه المسلم توحيد العبادة واأللوهية‪.‬‬

‫(‪)1/22‬‬

‫فالتوحيد المنجي من النار هو توحيد اهلل في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته‪ ،‬وال بد في توحيد الربوبية من إثبات وجود‬
‫اهلل‪ ،‬فتعتقد أن اهلل موجود‪ ،‬وأنه فوق العرش بذاته ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪.-‬‬
‫وال بد أن تعترف بأن اهلل هو الرب وغيره مربوب‪ ،‬وأن اهلل هو الخالق وغيره مخلوق‪ ،‬وأنه هو المالك وغيره مملوك‪،‬‬
‫وأنه المدِّبر وغيره مدَّبر‪.‬‬
‫وسائر أفعال الرب ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬وكذلك ال بَّد من االعتراف بأسمائه وصفاته وإقرارها واإليمان بها كما جاءت‬
‫في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫هذان النوعان من التوحيد وهما توحيد اهلل في ربوبيته ‪ ،+++‬فإذا عرفت اهلل بأسمائه وصفاته وربوبيته‪ ،‬لزمك وسيلة أن‬
‫تؤدي حقه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وهو أن تخصه بالعبادة بأفعالك أنت أيها العبد‪.‬‬
‫أما توحيد الربوبية‪ :‬هو توحيد اهلل بأفعاله هو ‪-‬سبحانه‪-‬؛ كالخلق‪ ،‬والرزق‪ ،‬واإلماتة‪ ،‬واإلحياء‪ ،‬والتكبير‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من أفعال الرب‪.‬‬
‫توحيد العبادة‪:‬‬
‫وأما توحيد العبادة‪ :‬فُتوِّح د اهلل بأفعالك أنت أيها العبد؛ صالتك‪ ،‬وصيامك‪ ،‬وزكاتك‪ ،‬وحجك‪ ،‬ودعاؤك‪ ،‬وخوفك‪،‬‬
‫ونذرك‪ .‬هذه أعمالك تخص اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بها‪ ،‬وتصرفها له‪ ،‬ال تشرك فيها مع اهلل أحًد ا‪ ،‬تدعو اهلل وال تدع‬
‫غيره‪ ،‬تذبح هلل وال تذبح لغيره‪ ،‬تنذر هلل وال تنذر لغيره‪ ،‬تصلي هلل وال تصلي لغيره‪ ،‬تحج هلل وال تحج لغيره‪ ،‬تأمر‬
‫بالمعروف هلل وتنهى عن المنكر هلل‪ ،‬وتدعو إلى اهلل‪ ،‬تبر َو اِلَد ْيَك هلل‪ ،‬تصل رحمك هلل‪ ،‬تجاهد في سبيل اهلل هلل‪ ،‬تحسن‬
‫إلى الفقراء والمساكين واألرامل هلل‪ ،‬وتكف آذاك عن الناس خشيًة هلل وتقرًبا إليه‪ ،‬وتعظيًم ا له وإجالال له‪ ...‬وهكذا بقية‬
‫العبادات‪.‬‬
‫فال بد للمؤمن أن يأتي بأنواع التوحيد الثالثة كلها‪ :‬يوحد اهلل في ربوبيته‪ ،‬ويوحد اهلل في أسمائه وصفاته‪ ،‬ويوِّح د اهلل في‬
‫أفعاله هو‪ ،‬في العبادة التي يتقرب بها إليه؛ فمن لم يوِّح د اهلل في واحد من هذه األنواع الثالثة‪ ،‬فليس بموِّح د‪ ،‬وليس‬
‫بمؤمٍن ‪.‬‬

‫(‪)1/23‬‬

‫فالمؤمن هو الذي وَّح د اهلل في ربوبيته‪ ،‬ووَّح د اهلل في أسمائه وصفاته‪ ،‬ووَّح د اهلل في ألوهيته‪ ،‬وعبادته‪ ،‬وآمن باهلل‪،‬‬
‫ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خيره وشره‪ ،‬وآمن بمحمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأنه رسول اهلل‬
‫حًق ا‪ ،‬وأنه خاتم النبيين‪ ،‬وأنه ال نبي بعده‪ ،‬ولم يفعل شرًك ا في العبادِة‪ ،‬وال ناقًض ا من نواقض اإلسالم‪.‬‬
‫هذا هو المسلم والمؤمن حًق ا‪.‬‬
‫إيمان المشركين بالربوبية‬
‫فإذا أردت الدليل على أن هؤالء المشركين الذين قاتلهم رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يشهدون بهذا‪ ،‬فاقرأ‬
‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬
‫قوله تعالى‪ُ { :‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم َن الَّس َم ا َو اَأْلْر ِض َأْم َمْن َيْم ُك الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر َو َمْن ُيْخ ِر ُج اْلَح َّي َن اْلَم ِّي َو ُيْخ ِر ُج‬
‫اْلَم ِّيَت ِم َن اْلَح ِّي َو َمْن ُيَد ِّبُر اَأْلْم َر َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه َفُقْل َأَفاَل َتَّتُقوَن (‪] )1( } )31‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.]31 :‬‬
‫ُّب الَّس ا اِت‬ ‫ِل ِه‬ ‫ِف‬ ‫ِل‬
‫َم َو‬ ‫وقوله‪ُ { :‬قْل َم ِن اَأْلْرُض َو َمْن يَه ا ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪َ )84‬س َيُقوُلوَن َّل ُقْل َأَفاَل َتَذ َّك ُر وَن (‪ُ )85‬قْل َمْن َر‬
‫ِج‬ ‫ٍء‬ ‫ِب ِدِه‬ ‫ِل ِه‬ ‫ِظ‬
‫الَّس ْبِع َو َر ُّب اْلَعْر ِش اْلَع يِم (‪َ )86‬س َيُقوُلوَن َّل ُقْل َأَفاَل َتَّتُقوَن (‪ُ )87‬قْل َمْن َي َم َلُك وُت ُك ِّل َش ْي َو ُه َو ُي يُر َو اَل ُيَج اُر‬
‫َعَلْيِه ِإن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪َ )88‬س َيُقوُلوَن ِلَّلِه ُقْل َفَأَّنى ُتْسَح ُر وَن (‪] )2( } )89‬سورة المؤمنون‪ ،‬اآليات‪...[ 89 - 84 :‬‬
‫وغير ذلك من اآليات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.31 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة المؤمنون آية ‪.89-84 :‬‬

‫(‪)1/24‬‬
‫هذه أدلة على أن المشركين يقُّر ون بتوحيد الربوبية‪ ،‬وكل شيء ليس عليه دليل ال يقبل فقد يقول قائل للشيخ‪ :‬هات‬
‫ِم‬
‫الدليل على أن الكفار يقرون بتوحيد الربوبية‪ .‬قال‪ :‬خذ الدليل الواضح من كتاب اهلل‪ .‬قال تعالى‪ُ { :‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم َن‬
‫ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِء‬
‫الَّس َم ا َو اَأْلْر ِض َأْم َمْن َيْم ُك الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر َو َمْن ُيْخ ِرُج اْلَح َّي َن اْلَم ِّي َو ُيْخ ِر ُج اْلَم ِّيَت َن اْلَح ِّي َو َمْن ُيَد ِّبُر اَأْلْم َر‬
‫َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه َفُقْل َأَفاَل َتَّتُقوَن (‪ )1( } )31‬أي‪ :‬أفال تتقون فتعبدون اهلل ما دمتم معترفين بهذا !‪ .‬فما الذي منعكم ؟‪.‬‬
‫ولماذا ال تتقون اهلل وتعبدونه‪.‬‬
‫فاحتج اهلل عليهم بإقرارهم بتوحيد الربوبية على توحيد العبادة على أنه يجب عليكم أن تعبدوا اهلل وتتقوه‪ .‬فهم مقرون‬
‫بأن اهلل هو الذي يرزق‪ ،‬وأنه يملك السمع واألبصار ويخرج الحي من الميت‪ ،‬ويخرج الميت من الحي‪ ،‬وأنه يدبر‬
‫األمر‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬إذا كنتم معترفين بهذا‪ ،‬أفال تتقون اهلل وتعبدونه‪.‬‬
‫َّلِذ‬ ‫َّل‬ ‫َّلِذ ِم ِل‬ ‫َّلِذ‬
‫وكما قال اهلل تعالى‪َ { :‬يا َأُّيَه ا الَّناُس اْع ُبُد وا َر َّبُك ُم ا ي َخ َلَقُك ْم َو ا يَن ْن َقْب ُك ْم َلَع ُك ْم َتَّتُقوَن (‪ )21‬ا ي َجَعَل َلُك ُم‬
‫اَأْلْرَض ِفَر اًش ا َو الَّس َم اَء ِبَناًء َو َأْنَز َل ِم َن الَّس َم اِء َماًء َفَأْخ َرَج ِبِه ِم َن الَّثَمَر اِت ِر ْز ًقا َلُك ْم َفاَل َتْجَعُلوا ِلَّلِه َأْنَد اًدا َو َأْنُتْم َتْع َلُم وَن‬
‫(‪.)2( } )22‬‬
‫والمعنى‪ :‬اعبدوا اهلل الذي تقُّر وَن بأنه خلقكم وخلق الذين من قبلكم‪ ،‬وجعل لكم األرض فراًش ا والسماء بناًء وأنزل من‬
‫السماء ماء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.31 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة البقرة آية ‪.22-21 :‬‬

‫(‪)1/25‬‬

‫وقال اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬في آيات أخرى‪ُ { :‬قْل ِلَم ِن اَأْلْرُض َو َمْن ِفيَه ا ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪َ )84‬س َيُقوُلوَن ِلَّلِه ُقْل َأَفاَل َتَذ َّك ُر وَن‬
‫(‪ُ )85‬قْل َمْن َر ُّب الَّس َم اَو اِت الَّس ْبِع َو َر ُّب اْلَعْر ِش اْلَعِظ يِم (‪َ )86‬س َيُقوُلوَن ِلَّلِه ُقْل َأَفاَل َتَّتُقوَن (‪ُ )87‬قْل َمْن ِبَيِدِه َم َلُك وُت‬
‫ُك ِّل َش ْي ٍء َو ُه َو ُيِج يُر َو اَل ُيَج اُر َعَلْيِه ِإن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪َ )88‬س َيُقوُلوَن ِلَّلِه ُقْل َفَأَّنى ُتْسَح ُر وَن (‪.)1( } )89‬‬
‫احتَّج عليهم بإقرارهم بتوحيد الربوبية على أنهم يجب عليهم أن يَو ِّح ُد وا اهلل في العبادة‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬كما وَّح دتم اهلل في الربوبية‪ ،‬فوِّح ُد وه في األلوهية‪ .‬وكما احتج عليهم في سورة النمل بإقرارهم بتوحيد‬
‫الربوبية على أنه يجب عليهم أن يوِّح ُد وا اهلل في العبادة‪.‬‬
‫قال اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪َ { :-‬أْم َمْن َخ َلَق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْرَض َو َأْنَز َل َلُك ْم ِم َن الَّس َم اِء َماًء َفَأْنَبْتَنا ِبِه ‪,t‬ح!‪y‰tn#‬‬
‫َذاَت َبْه َج ٍة َما َك اَن َلُك ْم َأْن ُتْنِبُتوا َش َج َر َه ا َأِئَلٌه َمَع الَّلِه َبْل ُه ْم ×‪َ %Pqs‬يْع ِد ُلوَن (‪ )2( } )60‬ثم احتج عليهم فقال‪:‬‬
‫{ َأْم َمْن َجَعَل اَأْلْرَض َقَر اًر ا َو َجَعَل ِخ اَل َلَه ا َأْنَه اًر ا َو َجَعَل َلَه ا َرَو اِس َي َو َجَعَل َبْيَن اْلَبْح َر ْيِن َح اِج ًز ا َأِئَلٌه َمَع الَّلِه َبْل َأْك َثُر ُه ْم اَل‬
‫َيْع َلُم وَن (‪ )3( } )61‬ما دمتم معترفين بهذا فكيف تعبدون مع اهلل غيره ؟ !‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة المؤمنون آية ‪.89-84 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النمل آية ‪.60 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة النمل آية ‪.61 :‬‬

‫(‪)1/26‬‬

‫ثم قال‪َ { :‬أْم َمْن ُيِج يُب اْلُم ْض َطَّر ِإَذا َدَعاُه َو َيْك ِش ُف الُّس وَء َو َيْجَعُلُك ْم ُخ َلَف اَء اَأْلْر ِض َأِئَلٌه َمَع الَّلِه َقِلياًل َم ا َتَذ َّك ُر وَن (‬
‫‪ )1( } )62‬فأنتم مقرون بأنه ال يجيب المضطر إال هو‪ ،‬وهو الذي يكشف السوء‪ ،‬وهو الذي يجعلكم خلفاء األرض‪.‬‬
‫ِتِه ِئ‬ ‫ِس‬ ‫ِت‬ ‫ِد ِف‬
‫ثم قال ‪-‬سبحانه وتعالى‪َ { :-‬أْم َمْن َيْه يُك ْم ي ُظُلَم ا اْلَبِّر َو اْلَبْح ِر َو َمْن ُيْر ُل الِّر َياَح ُبْش ًر ا َبْيَن َيَد ْي َر ْح َم َأ َلٌه َمَع‬
‫ُقُك ِم الَّس اِء‬ ‫ِع‬ ‫ِه‬
‫الَّل َتَعاَلى الَّلُه َعَّم ا ُيْش ِر ُك وَن (‪ )2( } )63‬ثم احتج عليهم فقال‪َ { :‬أْم َمْن َيْبَد ُأ اْلَخ ْلَق ُثَّم ُي يُدُه َو َمْن َيْر ُز ْم َن َم‬
‫َو اَأْلْر ِض َأِئَلٌه َمَع الَّلِه ُقْل َه اُتوا ُبْر َه اَنُك ْم ِإْن ُك ْنُتْم َص اِدِقيَن (‪ )3( } )64‬يحتج عليهم ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بالشيء الذي يقرون‬
‫به ويعترفون به على إلزامهم بالشيء الذي ال يعترفون به وال يقرون به‪ ،‬وهو إفراد اهلل بالعبادة‪ ،‬فهم ال يقرون به‪ ،‬لكن‬
‫يقرون بإفراد اهلل بالخلق والرزق واِإل ماتة واِإل حياء‪ ،‬وهذا في القرآن كثير‪.‬‬
‫يحتج اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬عليهم بإقرارهم بتوحيد الربوبية على إلزامهم بتوحيد األلوهية‪.‬‬
‫إيمان المشركين بالربوبيه لم ينفعهم‬
‫فإذا تحققَت أنهم مقرون بهذا‪ ،‬وأنه لم ُيدخلهم في التوحيد‪...‬‬
‫يعني‪ :‬تحققت أن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية ولم يدخلهم في دين اإلسالم وحده‪.‬‬
‫المشركون جحدوا توحيد العبادة‬
‫الذي دعاُه م إليه رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وعرفَت أن التوحيَد الذي جحدوه هو توحيد العبادة‪...‬‬
‫قد سبق بيان أن‪ :‬التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة‪ .‬أما توحيد الربوبية فلم يجحدوه؛ بل أقروا به‪.‬‬
‫االعتقاد في األولياء شرك‬
‫الذي يسِّم يه المشركون في زماننا (االعتقاد)‪...‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النمل آية ‪.62 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النمل آية ‪.63 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة النمل آية ‪.64 :‬‬

‫(‪)1/27‬‬

‫كان الناس في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعتقدون في السيد‪ ،‬يسمون المعبود السيد‪ ،‬والعبرة بالمعاني‬
‫والحقائق‪.‬‬
‫اإلشراك مع اهلل في الدعاء‬
‫كما كانوا يدعون اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬ليال ونهاًر ا‪ ،‬ثم منهم من يدعو المالئكة ألجل صالحهم وقربهم من اهلل ليشفعوا له‪...‬‬
‫هذا حالهم ِلَّلِه يدعون اهلل ليال ونهاًر ا‪ ،‬ولكن البالء جاءهم من كونهم يدعون غيره؛ منهم من يدعو المالئكة لصالحهم‪،‬‬
‫ومنهم من يدعو المسيح وعزير‪ ،‬ومنهم من يدعو الشمس والقمر واألحجار واألشجار‪.‬‬
‫عبادة الالت‬
‫أو يدعو رجال صالًح ا مثل الالت‪...‬‬
‫الالت هذا كان رجال صالًح ا كان يلت السويق للحاج‪ ،‬والسويق هو دقيق الحنطة والشعير يبل بالسمن أو بالماء‪ ،‬كان‬
‫هذا الرجل يبل السويق للحاج‪ ،‬فلما عكفوا على قبره وغلوا في قبره؛ لصالحه فعبدوه‪ ،‬فصار وثًنا ألهل الطائف وهو‬
‫الالّت ‪ -‬بتشديد التاء ‪ -‬اسم للرجل؛ ألنه كان يلت السويق‪ ،‬وُقِر َئت بالالت بالتخفيف‪ :‬اسم للصخرة التي يلت عليها‬
‫السويق‪.‬‬
‫صرف العبادة لألنبياء شرك‬
‫أو نبًيا مثل عيسى‪ ،‬وعرفت أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخالص‬
‫العبادة‪...‬‬
‫ال بد أن تعرف هذا‪ ،‬فالرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قاتلهم على هذا الشرك‪ ،‬وسَّم اهم مشركين وهم يدعون اهلل‬
‫ليال ونهاًر ا ويتصدقون ويصومون ويحُّج ون‪ ،‬لكن دعوا غير اهلل‪ ،‬دعوا المالئكة لصالحهم‪ ،‬أو المسيح وعزير‪ ،‬أو أصنام‬
‫وأحجار جمادات ال تعصي اهلل‪ ،‬ومع ذلك قاتلهم الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬واستحل دماءهم وأموالهم‪،‬‬
‫وسَّم اهم مشركين وكَّف رهم وهم يدعون اهلل ليال ونهاًر ا‪ ،‬ويحجون‪ ،‬ويتصدقون؛ ألنهم أشركوا مع اهلل غيره‪ ،‬ولم يخصوا‬
‫اهلل بالعبادة‪.‬‬
‫نفي الشريك مع اهلل عام في القرآن‬
‫هلل وحده كما قال تعالى‪َ { :‬فاَل َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح ًد ا (‪] )1( } )18‬سورة الجن‪ ،‬اآلية‪.]18 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الجن آية ‪.18 :‬‬

‫(‪)1/28‬‬

‫{ َفاَل َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح ًد ا (‪ )1( } )18‬أحد عند العلماء نكرة في سياق النهي‪ ،‬والقاعدة األصولية‪ :‬أن النكرة إذا‬
‫جاءت في سياق النفي أو النهي أو الشرط فإنها تعم‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬ال تدعو مع اهلل أحدا‪ :‬أي‪ :‬أّي أحد كان مطلًق ا من البشر أو الحجر أو الشجر أو غيرها‪ ،‬كقوله‪َ { :‬و اَل ُيْش ِر ْك‬
‫ِبِعَباَدِة َر ِّبِه َأَح ًد ا (‪.)2( } )110‬‬
‫نفي الضر والنفع عن جميع األنداد‬
‫وقال‪َ { :‬لُه َدْع َو ُة اْلَح ِّق َو اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن ِم ْن ُدوِنِه اَل َيْس َتِج يُبوَن َلُه ْم ِبَش ْي ٍء } (‪] )3‬سورة الرعد‪ ،‬اآلية‪.]14 :‬‬
‫{ َلُه َدْع َو ُة اْلَح ِّق َو اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن ِم ْن ُدوِنِه اَل َيْس َتِج يُبوَن َلُه ْم ِبَش ْي ٍء } (‪ )4‬كل أحد دعا غير اهلل‪ ،‬فال يستجيب له هذا‬
‫الذي دعاه‪َ { .‬و اَّلِذ يَن َتْد ُعوَن ِم ْن ُدوِنِه َما َيْم ِلُك وَن ِم ْن ِقْطِم يٍر (‪ِ )13‬إْن َتْد ُعوُه ْم اَل َيْسَم ُعوا ُدَعاَءُك ْم َو َلْو َس ِم ُعوا َما‬
‫اْسَتَج اُبوا َلُك ْم } (‪.)5‬‬
‫ِء‬ ‫ٍء‬ ‫ِم‬
‫فقول اهلل تعالى‪َ { :‬لُه َدْع َو ُة اْلَح ِّق َو اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن ْن ُدوِنِه اَل َيْس َتِج يُبوَن َلُه ْم ِبَش ْي ِإاَّل َك َباِس ِط َك َّف ْيِه ِإَلى اْلَم ا ِلَيْبُلَغ َفاُه‬
‫َو َما ُه َو ِبَباِلِغِه } (‪ )6‬إذا بسط كفيه وفَّر ج أصابعه ووضعها في الماء ثم رفعها‪ ،‬هل تأخذ ماًء‪ ،‬وهو يريد أن يغرف ماًء‪،‬‬
‫ثم يوصلها إلى فمه ليشرب‪ ،‬هل يصل إلى فمه شيء ؟‪ .‬ال يصل‪.‬‬
‫فكذلك هؤالء الذين يدعون من دون اهلل ال ينفعوهم إال كما ينفع الذي بسط كفيه وفرج بين أصابعه وأخذ ماًء ليصل‬
‫إلى فيه‪.‬‬
‫قتال المشركين على دعاء غير اهلل‬
‫وتحققَت أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قاتلهم ليكون الدعاء كله هلل‪ ،‬والنذر كله هلل‪ ،‬والذبح كله هلل‪...‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الجن آية ‪.18 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الكهف آية ‪.110 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الرعد آية ‪.14 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الرعد آية ‪.14 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة فاطر آية ‪.14-13 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة الرعد آية ‪.14 :‬‬

‫(‪)1/29‬‬

‫ال بد أن تتحقق وتتبين وتعرف هذا األمر الذي قاتلهم الرسول ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬عليه؛ فإنه قاتلهم لتكون العبادة‬
‫كلها هلل‪ ،‬ليكون الدعاء هلل‪ ،‬والذبح هلل‪ ،‬والنذر هلل‪ ،‬وسائر أنواع العبادة كلها هلل‪.‬‬
‫جميع أنواع العبادة هلل‬
‫واالستغاثة كلها باهلل‪ ،‬وجميع أنواع العبادة كلها هلل‪...‬‬
‫هذا هو األمر الذي قاتلهم الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من أجله‪ ،‬وهو أن يخُّص وا اهلل بالعبادة‪ ،‬بأن ال يعبدوا إال‬
‫اهلل‪ ،‬وأال يدعوا إال اهلل‪ ،‬وأال يذبحوا إال هلل‪ ،‬وأال ينذروا إال هلل‪.‬‬
‫اإلقرار بتوحيد الربوبية ال ُيدخل اإلسالم‬
‫عرفَت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في اإلسالم‪...‬‬
‫كذلك ال بد أن تعرف أن إقرارهم بتوحيد الربوبية ما نفعهم‪ ،‬وما جعلهم مسلمين‪ ،‬بل كانوا كفاًر ا‪ ،‬ولو كانوا يقرون‬
‫بوجود اهلل‪ ،‬ولو كانوا يقرون بأن اهلل هو الخالق الرازق‪ ،‬ولو كانوا يقرون بأسماء اهلل وصفاته‪ ،‬ما يخرجهم هذا اِإل قرار‬
‫من الكفر وال ُيخرجهم من الشرك‪ ،‬حتى يوِّح ُد وا اهلل في العبادة‪.‬‬
‫حل دم المشركين‬
‫وأَّن قصدهم المالئكة أو األنبياء‪ ،‬أو األولياء‪ ،‬يريدون شفاعتهم‪ ،‬والتقرب إلى اهلل بذلك هو الذي أحل دماءهم‬
‫وأموالهم‪...‬‬
‫ال بد أن تعرف أن قصدهم األنبياء والمالئكة والصالحين يريدون أن يقربوهم إلى اهلل‪ ،‬وينقلوا حوائجهم ويشفعوا لهم‬
‫عند اهلل‪ ،‬هذا هو الشرك‪ ،‬وهذا هو السبب الذي قاتلهم رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من أجله‪.‬‬
‫"عرفت" بمعنى تحققت‬
‫عرفت‪...‬‬
‫قول المؤلف‪ " :‬عرفت " هذا هو جواب‪ ،‬إذا تحققت األولى‪ ،‬أي‪ :‬إذا تحققت هذه األمور‪ ،‬عرفت التوحيد الذي‬
‫جاءت به الرسل‪ ،‬وعرفت الذي من أجله قاتل النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬المشركين‪.‬‬
‫التوحيد هو معنى "ال إله إال اهلل"‬
‫حينئٍذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن اإلقرار به المشركون‪.‬‬
‫وهذا التوحيد هو معنى قولك‪ :‬ال إله إال اهلل‪...‬‬

‫(‪)1/30‬‬

‫هذا التوحيد يعني‪ :‬توحيد العبادة‪ .‬هو معنى قولنا‪ " :‬ال إله إال اهلل "‪ ،‬وبيان ذلك‪ :‬أن كلمة " ال إله إال اهلل " مشتملة على‬
‫نفي وإثبات؛ فهي مشتملة على ركنين عظيمين‪ ،‬أحدهما نفي‪ ،‬واآلخر إثبات‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪ " - 1‬ال إله "‪ :‬نفي‪.‬‬
‫‪ " - 2‬إال اهلل "‪ :‬إثبات‪.‬‬
‫واإلله‪ ،‬معناه‪ :‬المعبود‪ .‬وال‪ :‬نافية للجنس من أخوات " إن " تنصب االسم وترفع الخبر‪ .‬واسمها‪ :‬إله‪ .‬والخبر محذوف‬
‫تقديره حق‪ .‬واإلله‪ ،‬معناه المعبود‪ .‬و " ال إله إال اهلل "‪ ،‬معناها‪ :‬ال معبود حق إال اهلل‪.‬‬
‫فالتوحيد ال بَّد فيه من النفي واإلثبات؛ ألَّنك إذا لم تأِت بالنفي‪ ،‬وقلت‪ :‬المعبود اهلل‪ ،‬فال يكفي في أن ‪ +++‬اهلل ‪-‬‬
‫تعالى‪ -‬معبود وغيره معبود‪ ،‬فلم يحصل التوحيد‪ ،‬لكن إذا قلت‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬فالمعنى ال معبود حق إال اهلل‪ ،‬فقد حصل‬
‫نفي وإثبات‪.‬‬
‫أما النفي‪ :‬فقد نفيت جميع أنواع العبادة عن غير اهلل‪.‬‬
‫وأما اإلثبات‪ :‬فقد أثبّت جميع أنواع العبادة هلل‪ ،‬وبعض الناس يفِّس ر اإلله بأنه الخالق؛ إذ أن بعض أهل الكالم وبعض‬
‫األشاعرة يقولون‪ :‬معنى " ال إله إال اهلل "‪ :‬ال خالق إال اهلل‪ ،‬وهذا غلط؛ إذ لو كان المعنى ال خالق إال اهلل لم يكن هناك‬
‫خالف وال عداوة وال قتال بين الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وبين المشركين‪ ،‬فإنهم يقولون ال خالق إال اهلل ِلَّلِه‬
‫ِلَّلِه !‪.‬‬
‫فهم معترفون بهذا كما قال تعالى‪َ { :‬و َلِئْن َس َأْلَتُه ْم َمْن َخ َلَق ُه ْم َلَيُقوُلَّن الَّلُه َفَأَّنى ُيْؤ َفُك وَن (‪ )1( } )87‬وبعضهم يقول‪:‬‬
‫معناها‪ :‬ال إله موجود إال اهلل‪ ،‬وهذا غلط يكذبه الواقع‪ ،‬فإن اآللهة موجودة متعددة‪ ،‬فالشمس ُعِبَدْت من دون اهلل‪،‬‬
‫والقمر ُعِبَد من دون اهلل‪ ،‬والنجوم ُعِبَدْت من دون اهلل‪ ،‬والمالئكة ُعِبَدْت من دون اهلل‪ ،‬واألنبياء ُعِبُد وا من دون اهلل‪،‬‬
‫والبشر ُعِبُد وا من دون اهلل‪ ،‬واألشجار ُعِبَدْت من دون اهلل‪ ،‬لكن أكانت عبادتهم بالحق أم بالباطل ؟‪ .‬بل بالباطل ِلَّلِه‬
‫ِلَّلِه !‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزخرف آية ‪.87 :‬‬

‫(‪)1/31‬‬
‫ِم ِنِه‬ ‫ِل ِب‬
‫والعبادة بالحق هي عبادة اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬وحده كما قال اهلل تعالى‪َ { :‬ذ َك َأَّن الَّلَه ُه َو اْلَح ُّق َو َأن َما َيْد ُعوَن ْن ُدو ُه َو‬
‫اْلَباِط ُل َو َأن الَّلَه ُه َو اْلَعِلُّي اْلَك ِبيُر (‪.)1( } )62‬‬
‫وال يتبين عظمة هذه الكلمة وأنها كلمة التوحيد التي تنفي الشرك عن اهلل‪ ،‬وتثبت العبادة بجميع أنواعها هلل إال إذا ُفِّس َر‬
‫ٍء‬ ‫ِن َّلِه ِم‬ ‫ِم‬ ‫َّلِت‬ ‫ِل‬
‫اإلله بالمعبود‪ ،‬وُقِّد َر الخبر (حق)‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ { :‬فَم ا َأْغَنْت َعْنُه ْم َآ َه ُتُه ُم ا ي َيْد ُعوَن ْن ُدو ال ْن َش ْي َلَّم ا َج اَء‬
‫َأْم ُر َر ِّبَك } (‪.)2‬‬
‫اتخاذ المخلوقين آلهة من دون اهلل‬
‫فإن اإلله عندهم هو الذي يقصد ألجل هذه األمور سواء كان ملًك ا‪ ،‬أو نبًيا‪ ،‬أو ولًّيا‪ ،‬أو شجرة‪ ،‬أو قبًر ا‪ ،‬أو جنًّيا‪...‬‬
‫اإلله هو الذي ُيقصد لهذه األمور‪ ،‬يعني‪ُ :‬يقصد بالتقرب‪ ،‬بالدعاء‪ ،‬وبالذبح‪ ،‬والنذر‪ ،‬ويقصد لطلب الحوائج‪.‬‬
‫تفسير اإلله بالخالق الرازق‬
‫لم يريدوا أن اإلله هو الخالق الرَّزاق المدِّبر‪...‬‬
‫كما يعتقده بعض أهل الكالم‪ ،‬وبعض أهل الفلسفة‪ ،‬وبعض أهل النظر‪ .‬يفسرون اِإل له بالخالق‪.‬‬
‫بل اإلله هو المعبود‪ ،‬واْلُم طاع الذي ُيقصد بطلب الحوائج‪ ،‬والذي ُيرجى منه الشفاعة‪ُ .‬يقصد بالدعاء وتفريج الكربات‪،‬‬
‫وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫هذا هو اِإل له‪ ،‬ويسميه بعض الناس السيد‪ .‬كما ذكر المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أنه في زمنه يسمونه "السيد"‪ ،‬لم ُيريدوا أن‬
‫اِإل له هو الخالق الرازق المدبر‪ ،‬هذا ال يخطر ببالهم ِلَّلِه ِلَّلِه !‪.‬‬
‫السِّيد الذي ُيقصد بالحوائج‬
‫فإنهم يعلمون أن ذلك هلل وحده كما قدمت لك‪ ،‬وإَّنما يعنون باإلله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد‪...‬‬
‫يسمونه بـ " السِّيد "‪ ،‬السِّيد الذي ُيقصد بالحوائج‪ .‬يدعونه ويطلبون منه الشفاعة‪ ،‬ويتقربون إليه‪.‬‬
‫كلمة التوحيد بمعناها ال بلفظها‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الحج آية ‪.62 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة هود آية ‪.101 :‬‬

‫(‪)1/32‬‬

‫فأتاهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي‪ :‬ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫والمراد من هذه الكلمة‪ :‬معناها ال مجرد لفظها‪...‬‬
‫المراد من هذه الكلمة معناها ال مجرد اللفظ‪ .‬وذلك بإخالص العبادة هلل وإفراده بالعبادة و‪ ++‬ما يثبت أن النبي ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪.++ -‬‬
‫فهم الكفار لمعنى كلمة التوحيد‬
‫والكفار الجَّهال يعلمون أن مراد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بهذه الكلمة هو إفراد اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬بالتعلق‪ ،‬والكفر‬
‫بما ُيعبد من دون اهلل والبراءة منه‪...‬‬
‫الكفار يعرفون هذا؛ ولهذا إذا قالها أحٌد منهم وَّح د اهلل وأخلص العبادة هلل وترك األصنام واألوثان‪ ،‬وإذا كان ال يريد‬
‫ترك األصنام واألوثان يمتنع من قولها‪ .‬لذا امتنع المشركون؛ واستمروا على شركهم‪.‬‬
‫وكثير من المنتسبين إلى اإلسالم اليوم يقول‪ " :‬ال إله إال اهلل " بلسانه وينقضها بأفعاله‪ .‬ولما قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫ِح‬ ‫ِل‬
‫وسلم ‪ -‬لصناديد قريش " قولوا ال إله إال اهلل تفلحوا " امتنعوا وقالوا‪َ { :‬أَجَعَل اَآْل َه َة ِإَلًه ا َو ا ًد ا ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب‬
‫(‪.)1( } )5‬‬
‫استنكروا قول النبي‪ :‬ال إله إال اهلل وقالوا‪َ { :‬أَجَعَل اَآْلِلَه َة ِإَلًه ا َو اِح ًد ا ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب (‪ )2( } )5‬وانطلق النبالء‬
‫منهم‪َ { :‬أِن اْم ُش وا َو اْص ِبُر وا َعَلى َآِلَه ِتُك ْم ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُيَر اُد (‪َ )6‬م ا َس ِم ْعَنا ِبَه َذ ا ِفي اْلِم َّلِة اَآْلِخ َر ِة } (‪ )3‬هذه الحجة‬
‫الملعونة؛ وهي اتباع اآلباء واألجداد واألسالف في الباطل‪.‬‬
‫وهو دين أبي جهل‪ ،‬وهو دين فرعون‪ ،‬وهو دين كفار قريش‪ .‬اتباع اآلباء واألجداد واألسالف على الكفر والشرك‬
‫والضالل‪.‬‬
‫والواجب على اإلنسان أن ينظر ما كان عليه آباؤه وأجداده وأسالفه‪ ،‬إن كانوا على الباطل ال يتبعهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة ص آية ‪.5 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة ص آية ‪.5 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة ص آية ‪.7-6 :‬‬

‫(‪)1/33‬‬

‫أعطاك اهلل العقل وكلفك وميزك عن الحيوانات‪ .‬إن كان آباؤك وأجدادك على الحق فنعم‪ .‬فتتبع الحق وإن كانوا على‬
‫الباطل‪ ،‬فتترك ما كان عليه اآلباء واألجداد‪ ،‬واقبل الحق‪.‬‬
‫قال الشيخ ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬والجهال يعلمون أن مراد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بهذه الكلمة هو إفراد اهلل ‪-‬‬
‫تعالى‪ -‬بالتعلق‪ ،‬والكفر بما ُيعبد من دون اهلل والبراءة منه‪ " ...‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬
‫الكفار يعلمون أن مراد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إفراد اِإل له بالتعلق‪ ،‬والكفر بما يعبدون من دون اهلل‪ ....‬كل هذا‬
‫يعلمونه جيًد ا‪ ،‬ولهذا رفضوا قولها‪ ،‬وال يقولها إال من أسلم‪ ++ ،‬انتصر اإلسالم وَقِو َي المسلمون‪ ،‬نجم النفاق وأظهر‬
‫المنافقون اإلسالم وأبطنوا الكفر‪ ،‬لكن في مكة كان الكفار أكثرية‪ ،‬ال يبالون‪ .‬هم يرفضون‪ .‬ال يقولون‪ " :‬ال إله إال اهلل‬
‫"‪ .‬والكفرة أكثر وال يقولوها إال من قذف اهلل النور في قلبه‪ ،‬والهداية‪ ،‬والتخلص من عبادة األصنام واألوثان والدخول‬
‫في اإلسالم قال‪ " :‬ال إله إال اهلل "‪ ،‬فإذا قال‪ " :‬ال إله إال اهلل " مشرك انتهى من عبادة األصنام واألوثان وتركها وأخلص‬
‫العبادة هلل‪.‬‬
‫لكن في هذا الزمن عبادة القبور واألصنام يقولونها آالف المرات وينقضوها بأفعالهم !‪ .‬يقول‪ " :‬ال إله إال اهلل " ثم يذبح‬
‫للقبر‪ ،‬لصاحب القبر‪ .‬يقول‪ " :‬ال إله إال اهلل " ثم يدعوهم من دون اهلل‪ ،‬ويطوف بقبره؛ ألنه ال يعرف معناها‪.‬‬
‫فكفار قريش يعرفون المعنى‪ ،‬وهؤالء ال يعرفون المعنى‪.‬‬
‫ولهذا قال المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬ال خير في رجل ُج َّهال الكفار أعلم منه بمعنى ال إله إال اهلل " ِلَّلِه ِلَّلِه !‪.‬‬
‫عجب الكفار من الوحدانية‬
‫فإنه لما قال لهم‪ " :‬قولوا ال إله إال اهلل " قالوا‪َ { :‬أَجَعَل اَآْلِلَه َة ِإَلًه ا َو اِح ًد ا ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب (‪] )1( } )5‬سورة ص‪،‬‬
‫اآلية‪.[ 5 :‬‬
‫فهم استنكروا وتعجبوا؛ ألنهم يعرفون أن هذه الكلمة تنفي األلوهية عن غير اهلل وتثبتها هلل وحده‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة ص آية ‪.5 :‬‬

‫(‪)1/34‬‬

‫قالوا‪َ { :‬أَجَعَل اَآْلِلَه َة ِإَلًه ا َو اِح ًد ا } (‪ )1‬ولسان حالهم يقول‪ :‬أين بقية اآللهة األخرى ؟ أين الالت ؟ ما نعبدها ؟‪ .‬والعزى‬
‫نتركها ؟ والشمس نتركها ؟ والقمر نتركه ؟ والمسيح نتركه ؟ وعزير نتركه ؟‪ .‬هذه آلهة كثيرة ال يمكن أن نتركها‪.‬‬
‫كيف يقول محمد اِإل له واحد فقط ؟ هذا شيء عجيب‪ .‬هذا شيء غريب‪( .‬أجعل اآللهة إلًه ا واحًد ا ؟ إن هذا الشيء‬
‫عجيب)‪.‬‬
‫ثم تواصوا على المضي على معبودات من دون اهلل‪ .‬وانطلق المأل منهم‪َ { :‬أِن اْم ُش وا َو اْص ِبُر وا َعَلى َآِلَه ِتُك ْم ِإَّن َه َذ ا‬
‫َلَش ْي ٌء ُيَر اُد (‪ )2( } )6‬أي‪ :‬اصبروا على آلهتكم‪ ،‬اصبروا على عبادتها وتعظيمها من دون اهلل‪.‬‬
‫بعض مدعي اإلسالم ال يفهم كلمة التوحيد‬
‫فإذا عرفَت أن ُج َّهال الكفار يعرفون ذلك‪ ،‬فالعجب ممن يَّدعي اإلسالم وهو ال يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه‬
‫جهال الكفار‪.‬‬
‫هذا واهلل العجب‪ ،‬كفار قريش عرفوا معنى ال إله إال اهلل‪ ،‬ويوجد من ينتسب إلى اإلسالم وال يعرف معناها ؟ !‪ .‬إذا قلت‬
‫له ما معنى " ال إله إال اهلل " ؟ ال يدري ِلَّلِه فهي حروف يقولها بلسانه وال يدري ما معناها‪.‬‬
‫والذكي منهم كما يسميه المؤلف " الفطن " يفسرها بتوحيد الربوبية‪ ،‬فيفسر اِإل له بالخالق‪ ،‬فيكون معناها‪ :‬ال خالق إال‬
‫اهلل‪.‬‬
‫لو كان معناها ال خالق إال اهلل لحصل وفاٌق بين الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وبين الكفار فصاحبوه‪ .‬قال اهلل‬
‫تعالى‪َ { :‬و ُّدوا َلْو ُتْد ِه ُن َفُيْد ِه ُنوَن (‪.)3( } )9‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة ص آية ‪.5 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة ص آية ‪.6 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة القلم آية ‪.9 :‬‬

‫(‪)1/35‬‬
‫‪ ++‬األصنام واألوثان‪ ،‬فيوافقونك ويصاحبونك؛ ولهذا جاءوا إلى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وقالوا‪ :‬نريد أمًر ا‬
‫وسًطا بيننا وبينك‪ :‬اعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة‪ ،‬فنزل قول اهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪ُ { :-‬قْل َيا َأُّيَه ا اْلَك اِفُر وَن (‪ )1‬اَل‬
‫ِد‬ ‫ِب‬ ‫ِب‬ ‫ِب‬
‫َأْع ُبُد َما َتْع ُبُد وَن (‪َ )2‬و اَل َأْنُتْم َعا ُد وَن َما َأْع ُبُد (‪َ )3‬و اَل َأَنا َعا ٌد َم ا َعَبْدُتْم (‪َ )4‬و اَل َأْنُتْم َعا ُد وَن َما َأْع ُبُد (‪َ )5‬لُك ْم يُنُك ْم‬
‫َو ِلَي ِد يِن (‪ )1( } )6‬ينظر سبب النزول‪.‬‬
‫وكثير من الجهال يظن أن المراد مجرد التلفظ بها‪ ،‬وبعضهم يفسرها بتوحيد الربوبية‪ ،‬كما يفسرها كثير من أهل الكالم‬
‫والفالسفة وأهل النظر‪ .‬يظنون أن معنى هذه الكلمة توحيد الربوبية‪ ،‬وإثبات الربوبية‪.‬‬
‫ولهذا بعضهم تعبوا في إثبات توحيد الربوبية‪ ،‬وأنه ال خالق إال اهلل‪ ،‬حتى قال بعضهم‪ :‬إنه ال يمكن لِإل نسان أن يثبت‬
‫توحيد الربوبية عن طريق العقل‪ ،‬بل إن بعضهم تعبوا في إثبات الخالق‪ ،‬وأن هناك خالق ومخلوق‪ ،‬فبعد هذا التعب‬
‫الطويل وبعد النظر والتأمل وتقرير النظريات وصلوا إلى القول بأن هناك خالق ومخلوق في النهاية‪.‬‬
‫بعد التعب الطويل وصلوا إلى أمر برز عليهم عباد األصنام واألوثان‪ ،‬فصاروا أحسن منهم في إثباتها‪ ،‬عباد األصنام‬
‫واألوثان ما عندهم إشكال في إثبات توحيد الربوبية؛ لكن الفالسفة تعبوا تعًبا شديًد ا حتى يصلوا إلى إثبات أن هناك‬
‫خالًق ا ومخلوًقا في النهاية‪ .‬أثبتوا بأن قالوا‪ :‬الموجودات قسمان‪ :‬واجب وممكن‪ .‬فالواجب‪ :‬هو وجود اهلل‪ ،‬والممكن‪:‬‬
‫هو موجود المخلوق‪.‬‬
‫دعاء المالئكة من أجل صالحهم‬
‫بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني‪.‬‬
‫فبعض الناس يظن أن المطلوب منه والواجب عليه هو‪ :‬التلفظ بحروف " ال إله إال اهلل " دون معرفة المعنى‪ ،‬وهذا غلط‬
‫كبير؛ فإنه ال بد ‪.++‬‬
‫فهم كلمة التوحيد بمعنى الربوبية فقط‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الكافرون آية ‪.6-1 :‬‬

‫(‪)1/36‬‬

‫والحاذق منهم من يظن أن معناها ال يخلق وال يرزق إال اهلل‪ ،‬وال يدبر األمر إال اهلل‪...‬‬
‫هذا الحاذق الذكي الذي يقول‪ :‬إنه متعلم‪ ،‬يفِّس ر اإلله بأنه الخالق الرازق‪ ،‬ويقول‪ :‬إن معنى " ال إله إال اهلل "‪ :‬ال خالق‬
‫وال رازق إال اهلل‪ .‬ومعنى ذلك‪ :‬أن هذه الكلمة تفسر بتوحيد الربوبية فقط‪ ،‬وهذا خطأ كبير؛ فإن هذه الكلمة كلمة‬
‫عظيمة‪ ،‬من أجلها خلق اهلل السماوات واألرض‪ ،‬ومن أجلها خلق اهلل الَّثقلين الجن اِإل نس‪ ،‬ومن أجلها ينقسم الناس إلى‬
‫شقي وسعيد من المؤمنين والكفار‪ ،‬ومن أجلها ُخ لقت الجنة والنار‪ ،‬ومن أجلها حققت الحاقة ووقعت الواقعة‪ .‬كيف‬
‫يكون معناها ال خالق إال اهلل! ِلَّلِه ِلَّلِه‬
‫وجوب العلم بمعنى كلمة التوحيد‬
‫فال خير في َرُج ٍل ُج هال الكفار أعلم منه بمعنى ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫ال خير في رجل جَّهال الكفار أعرف منه بمعنى هذه الكلمة‪ .‬فواجب على المسلم أن يعرف معنى هذه الكلمة‪ ،‬وأن‬
‫اِإل له معناه‪ :‬المعبود‪ .‬فاالسم الشريف " اهلل "‪ :‬اسم (ال)‪ :‬النافية للجنس‪ ،‬والخبر محذوف تقديره حق‪ ،‬ومعناها اِإل جمالي‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬يعني‪ :‬ال معبود حق إال اهلل‪.‬‬
‫وبهذا يتبين عظمة هذه الكلمة‪ ،‬وأن كلمة التوحيد التي تنفي األلوهية عن غير اهلل وتثبتها هلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ال بَّد أن‬
‫يعرف معناها ‪ ++‬معنى اِإل له المعبود‪ .‬قال اهلل تعالى‪َ { :‬و اَل َيْم ِلُك اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن ِم ْن ُدوِنِه الَّش َف اَعَة ِإاَّل َمْن َش ِه َد ِباْلَح ِّق‬
‫َو ُه ْم َيْع َلُم وَن (‪.)1( } )86‬‬
‫ال بد من العلم النافي للجهالة‪ ،‬وال بد من اليقين المنافي للشك والريب‪ ،‬فمن قالها عن يقيٍن ال شك فيه وال ريب يعتقد‬
‫بأن اهلل هو المعبود بالحق وأن غيره معبود بالباطل‪ ،‬وال بد من اِإل خالص في هذه الكلمة‪ ،‬المنافي للشرك‪ ،‬فال يقع في‬
‫عمله شرك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزخرف آية ‪.86 :‬‬

‫(‪)1/37‬‬

‫فإذا قال‪ " :‬ال إله إال اهلل " ثم ذبح لغير اهلل أو نذر لغير اهلل أو دعا لغير اهلل‪ ،‬ما نفعته هذه الكلمة؛ ألَّنه قالها عن غير‬
‫إخالص‪ .‬وال بد من الصدق المانع من النفاق‪ ،‬فإن المنافقين يقولون‪ " :‬ال إله إال اهلل " بألسنتهم‪ ،‬وقلوبهم تكذبها‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬و ِم َن الَّناِس َمْن َيُقوُل َآَم َّنا ِبالَّلِه َو ِباْلَيْو ِم اَآْلِخ ِر َو َم ا ُه ْم ِبُم ْؤ ِم ِنيَن (‪ )1( } )8‬يقولون‪ :‬آمنا باهلل واليوم‬
‫اآلخر بألسنتهم‪ ،‬وما هم بمؤمنين بقلوبهم‪.‬‬
‫وكذلك يشهدون لرسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بالرسالة بألسنتهم وقلوُبهم مكذبة‪ ،‬قال ‪-‬تعالى‪ -‬عنها‪ِ { :‬إَذا‬
‫َج اَءَك اْلُم َناِفُقوَن َقاُلوا َنْش َه ُد ِإَّنَك َلَر ُس وُل الَّلِه َو الَّلُه َيْع َلُم ِإَّنَك َلَر ُس وُلُه َو الَّلُه َيْش َه ُد ِإَّن اْلُم َناِفِق يَن َلَك اِذ ُبوَن (‪.)2( } )1‬‬
‫أي كاذبون بقلوبهم؛ ألن ألسنتهم تنطق‪ ،‬لكن قلوبهم مكذبة‪ .‬وال بد من االنقياد بحقوق هذه الكلمة‪ ،‬بأن يقول العبد‪" :‬‬
‫ال إله إال اهلل "‪ ،‬ثم ينقاد لحقوقها‪ :‬من صالة‪ ،‬وصيام‪ ،‬وزكاة‪ ،‬وحج‪ ،‬وإال صار إيمانك كإيمان فرعون؛ فإنه عالم في‬
‫الباطن لكنه استكبر عبادة اهلل واتباع رسوله‪ ،‬فهو غير منقاد‪ ،‬فال بد من عمل يتحقق به اِإل يمان‪ ،‬وال بد من القبول لهذه‬
‫الكلمة المنافي للرد‪.‬‬
‫فإن بعض الناس يقولها‪ ،‬لكن ال يقبلها ممن دعاه إليها تكبًر ا‪ ،‬ال يقابلها بالقبول المنافي للرِّد‪ ،‬وال بد من المحبة لهذه‬
‫الكلمة " ال إال اهلل "‪ ،‬وألهلها والسرور بذلك‪.‬‬
‫شروط كلمة التوحيد‬
‫كما أن لها شروًطا سبعة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬علم‪.‬‬
‫‪ - 2‬يقين‪.‬‬
‫‪ - 3‬وصدق‪.‬‬
‫‪ - 4‬إخالص‪.‬‬
‫‪ - 5‬محبة‪.‬‬
‫‪ - 6‬وانقياد‪.‬‬
‫‪ - 7‬والقبول‪.‬‬
‫وزاد بعضهم‪ :‬الكفر بما يعبد من دون اهلل والبراءة منه‪ ،‬ويكون شرطا ثامنا وهو البراءة من الشرك وأهله‪.‬‬
‫فوائد معرفة التوحيد‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية ‪.8 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة المنافقون آية ‪.1 :‬‬

‫(‪)1/38‬‬

‫فإذا عرفَت ما ذكرت لك معرفة قلب‪ ،‬وعرفَت الشرك باهلل الذي قال اهلل فيه‪ِ { :‬إَّن الَّلَه اَل َيْغِف ُر َأْن ُيْش َر َك ِبِه َو َيْغِف ُر َما‬
‫ُدوَن َذِلَك ِلَمْن َيَش اُء } (‪] )1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪ [ 48 :‬وعرفَت دين اهلل الذي أرسَل به الرسل من أولهم إلى آخرهم‬
‫الذي ال يقبل اهلل من أحد سواه‪ ،‬وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا‪ ،‬أفادك فائدتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬الفرح بفضل اهلل وبرحمته‪ ،‬كما قال تعالى‪ُ { :‬قْل ِبَف ْض ِل الَّلِه َو ِبَر ْح َم ِتِه َفِبَذ ِلَك َفْلَيْف َر ُح وا ُه َو َخ ْيٌر ِم َّم ا َيْج َم ُعوَن (‬
‫‪] )2( } )58‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.]58 :‬‬
‫أي‪ :‬إذا عرفت معنى ما قلته لك معرفًة بالقلب‪ ،‬وعرفت الشرك الذي وقع فيه الناس‪ ،‬وعرفت التوحيد الذي أوجبه اهلل‬
‫على العباد‪ ،‬وعرفت أن غالب الناس لم يعرفوا هذا األمر‪ ،‬أفادك فائدتين‪:‬‬
‫الفرح بفضل اهلل‪:‬‬
‫الفائدة األولى‪ :‬الفرح بفضل اهلل وبرحمته‪ ،‬كما قال تعالى‪ُ { :‬قْل ِبَف ْض ِل الَّلِه َو ِبَر ْح َم ِتِه َفِبَذ ِلَك َفْلَيْف َر ُح وا ُه َو َخ ْيٌر ِم َّم ا‬
‫َيْج َم ُعوَن (‪ )3( } )58‬أي‪ :‬تفرح بفضل اهلل ورحمته‪ ،‬ونسأل اهلل الثبات على دينه واالستقامة عليه‪.‬‬
‫فالفائدة األولى‪ :‬هي أن تفرح بفضل اهلل ورحمته‪ ،‬حيث وفقك اهلل إلى اإلسالم‪ ،‬ووفقك اهلل للتوحيد‪ ،‬وليس هذا بحول‬
‫منك وال بقوة‪.‬‬
‫ولو شاء لكنت مثل هؤالء المشركين‪ ،‬لكن اهلل مَّن عليك وهداك ووفقك لِإل سالم والتوحيد واِإل يمان‪ .‬فاشكر اهلل‪،‬‬
‫واحمد اهلل‪ ،‬وافرح بفضل اهلل ورحمته‪.‬‬
‫قل بفضل اهلل وبرحمته فبذلك فليفرح أهل التوحيد باإلسالم واإليمان وتعلم القرآن‪ .‬هذا هو الفرح بفضل اهلل ورحمته‪،‬‬
‫بخالف فرح األشر والبطر‪.‬‬
‫فهذا فرح المشركين‪ ،‬فرح أهل الكبر والعدوان‪ ،‬فهو فرح مذموم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النساء آية ‪.48 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة يونس آية ‪.58 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة يونس آية ‪.58 :‬‬

‫(‪)1/39‬‬
‫ِلِد‬ ‫ِب‬ ‫ِب‬ ‫ِف‬ ‫ِل ِب‬
‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬ذ ُك ْم َم ا ُك ْنُتْم َتْف َر ُح وَن ي اَأْلْر ِض َغْيِر اْلَح ِّق َو َم ا ُك ْنُتْم َتْم َر ُح وَن (‪ )75‬اْدُخ ُلوا َأْبَو اَب َجَه َّنَم َخ ا يَن‬
‫ِفيَه ا َفِبْئَس َم ْثَو ى اْلُم َتَكِّبِر يَن (‪ )1( } )76‬ففرح األشر والبطر فرح باطل مذموم‪.‬‬
‫فإذا عرفت معنى كلمة التوحيد‪ ،‬وعرفت معنى دين اإلسالم‪ ،‬وعرفت أن الكفار لم يعرفوا معنى هذه الكلمة‪ ،‬وأن‬
‫كفرهم إنما كان لعدم إخالص الدين هلل‪ ،‬أفادك فائدتين‪ :‬األولى‪ :‬الفرح بفضل اهلل ورحمته‪ ،‬وسؤال اهلل الثبات على دين‬
‫اهلل واالستقامة عليه كما سبق ذكرها‪.‬‬
‫الخوف على النفس من الوقوع في المعصية‬
‫وأفادك أيًض ا الخوف العظيم‪ ،‬فإنك إذا عرفت أن اإلنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه‪ ،‬وقد يقولها وهو جاهل‪ ،‬فال‬
‫يعذر بالجهل‪ ،‬وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى اهلل ‪-‬تعالى‪ ،-‬كما ظَّن المشركون‪.‬‬
‫والفائدة الثانية‪ :‬الخوف العظيم‪.‬‬
‫بأن تخاف على نفسك أن تقع فيما وقع فيه غالب الناس‪ ،‬وأنت ال تشعر وهو الشرك‪ .‬فقد يقول اإلنسان كلمة يخرجها‬
‫من لسانه وهو ال يظن أن تبلغ به ما بلغته‪ ،‬فيكون بها مرتدا‪ ،‬كما لو سخر واستهزأ باهلل أو بكتابه أو برسوله أو بدينه‬
‫كما في قصة الجماعة الذين خرجوا في غزوة تبوك قالوا للنبي وأصحابه‪ " :‬ما رأينا مثل قرائنا هؤالء أرغب بطوًنا وال‬
‫أكذب ألسًنا وال أجبن عند اللقاء " يعنون الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه‪ ،‬فنزلت اآلية فيهم‪ُ { :‬ق َأِبالَّلِه‬
‫ْل‬
‫َو َآَياِتِه َو َرُس وِلِه ُك ْنُتْم َتْس َتْه ِز ُئوَن (‪ )65‬اَل َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم } (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة غافر آية ‪.76-75 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة التوبة آية ‪.66-65 :‬‬

‫(‪)1/40‬‬

‫فأولئك كفروا بكلمة أخرجوها بألسنتهم؛ فإن اإلنسان قد يقول الكلمة ال يظن أن تبلغ به ما بلغت‪ ،‬وإذا كان إبراهيم‬
‫الخليل ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬إمام الحنفاء الذي وقف وقوف الجبال الراسيات أمام عَّباد األصنام من أبيه وقومه‬
‫وصمد وصموًد ا‪ ،‬وصبر وصبًر ا عظيًم ا حتى ألقوه في النار‪ .‬وكَّس ر األصنام بيده ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬فرزقه اهلل‬
‫ثواب ذلك أنبياء‪ ،‬إسماعيل وإسحاق‪ ،‬ومن ساللة إسماعيل نبينا محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ومن ساللة يعقوب‬
‫يوسف‪.‬‬
‫فجعل من بنيه ساللة أنبياء‪ ،‬ومع ذلك يدعو ربه ويقول‪َ { :‬و اْج ُنْبِني َو َبِنَّي َأْن َنْع ُبَد اَأْلْصَناَم (‪ )1( } )35‬أي‪ :‬اجنبني‬
‫واجنب بني أن نعبد األصنام‪.‬‬
‫إذا كان هذا إبراهيم الخليل ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬هذه حاله! وهذا خوفه‪ ،‬فكيف ال نخاف نحن ؟‪ .‬ولهذا قال إبراهيم‪ :‬ومن‬
‫يأمن البالء بعد إبراهيم ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬؟‪.‬‬
‫إذا كان هذا حال إبراهيم الخليل ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬تنقل ‪ ++‬إلى قبل وهذا خوفه الذي قال اهلل عنه { ِإَّن ِإْبَر اِه يَم َك اَن‬
‫ُأَّمًة َقاِنًتا ِلَّلِه َح ِنيًف ا َو َلْم َيُك ِم َن اْلُم ْش ِر ِكيَن (‪.)2( } )120‬‬
‫وقوع بعض الموحدين في الشرك‬
‫خصوًص ا إْن ألهمك اهلل ما قَّص عن قوم موسى مع صالحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين‪ { :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة }‬
‫(‪] )3‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪]138 :‬؛ فحينئٍذ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلصك من هذا وأمثاله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة إبراهيم آية ‪.35 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النحل آية ‪.120 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬

‫(‪)1/41‬‬

‫إًذا‪ ،‬قوم موسى هؤالء هم الخالصة الذين قالوا لموسى هذا ؟ الذين نجاهم اهلل مع موسى ‪ -‬عليه أفضل الصالة والسالم‬
‫‪ -‬من الغرق وأهلك فرعون وقومه وهم ينظرون بأعينهم‪ ،‬ينظرون إهالك اهلل لفرعون وقومه‪ ،‬وهم مع موسى ‪ -‬عليه‬
‫السالم ‪ -‬خرجوا ودخلوا البحر لما ضرب موسى البحَر بعصاه بأمِر اهلل‪ ،‬وصار البحر يبًس ا سلكوا الطريق ودخلوا في‬
‫البحر‪ ،‬ثم سلكه فرعون وقومه تبًع ا لهم‪ ،‬ثم خرج موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وقومه من الجهة الثانية‪ ،‬فلما خرج موسى ‪-‬‬
‫عليه السالم ‪ -‬وقومه من الجهة الثانية وتكاملوا خارجين من البحر ودخل فرعون وقومه وتكاملوا في البحر داخلين‬
‫عاد البحر لحالته بأمر اهلل‪ ،‬فانطبق على فرعون وجنوده فأهلكه اهلل بالغرق‪ ،‬وموسى وقومه ينظرون !‪ .‬فهؤالء هم‬
‫الخالصة من مع موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ِ -‬لَّلِه فلما مشى قوم موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وهم بنو إسرائيل ‪ -‬مع موسى‬
‫مروا على قوم يعبدون صنما لهم فقالوا لموسى ‪ -‬عليه السالم ‪ { :-‬اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة } (‪ )1‬فأنكر عليهم‬
‫موسى ‪ -‬عليه السالم ‪َ { :-‬قاَل ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن (‪ )2( } )138‬إنكم تنظرون ِلَّلِه أن اهلل أهلك عدوكم وأنتم‬
‫تنظرون !‪ .‬فتقولون‪ { :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة َقاَل ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن (‪ِ )138‬إَّن َه ُؤ اَل ِء ُمَتَّبٌر َم ا ُه ْم ِفيِه َو َباِط ٌل َما‬
‫َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪ )3( } )139‬؟ فإذا كان هؤالء هم الخالصة مع علمهم وصالحهم يطلبون أن ‪ ،+++‬ولكن لما‬
‫زجرهم موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬لم يقعوا في الشرك‪.‬‬
‫وكذلك كما في قصة أبي واقد الليثي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقول‪ :‬أنه خرج من النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في غزوة‬
‫حنين‪ ،‬وكنا حديثي عهد في الشرك‪ ،‬أي‪ :‬أسلمنا قريًبا‪ .‬أي‪ :‬لم تمض علينا مدة‪ ،‬ما تمكن اإلسالم منا ومن قلوبنا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األعراف آية ‪.139-138 :‬‬

‫(‪)1/42‬‬

‫قال‪ :‬فمررنا بمشركين ولهم سدرة ‪ -‬أي شجرة ‪ -‬يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم‪ ،‬ويتبركون بها‪ ،‬ويعلقون‬
‫أسلحتهم بها‪ .‬وقالوا ذات مرة‪ :‬يا رسول اهلل ِلَّلِه اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط‪ .‬أي‪ :‬اجعل لنا شجرة‬
‫نتمسح بها ونتبرك بها ونعلق عليها أسلحتنا !‪.‬‬
‫فالنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنكر عليهم طلبهم‪ .‬وقال‪ " :‬اهلل أكبر‪ ،‬الذي قلتم ‪ -‬والذي نفسي بيده كما قال موسى‬
‫{ اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة َقاَل ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن (‪." )1( } )138‬‬
‫فالنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬جعل مقالتهم كمقالة قوم موسى ‪-‬عليه السالم‪-‬؛ ألن العبرة بالمعنى‪ ،‬لكنهم لم يقعوا‬
‫في الشرك ‪ -‬رضي اهلل عنهم أجمعين ‪ ،-‬إَّنما قالوا هذا عن جهٍل ‪ ،‬فلما زجرهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وبَّين‬
‫لهم‪ ،‬لم يفعلوه‪ ،‬ولم يقعوا فيه‪.‬‬
‫دوام العداء ألهل التوحيد‬
‫واعلم أن اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬من حكمته لم يبعث نبًّيا بهذا التوحيد إال جعل له أعداًء‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َكَذ ِلَك َجَعْلَنا‬
‫ِلُك ِّل َنِبٍّي َعُد ًّو ا َش َياِط يَن اِإْل ْنِس َو اْلِج ِّن ُيوِح ي َبْع ُضُه ْم ِإَلى َبْع ٍض ُز ْخ ُر َف اْلَق ْو ِل ُغُر وًر ا } (‪] )2‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪.]112‬‬
‫هذا من االبتالء واالمتحان‪ ،‬فاهلل له حكمٌة بالغٌة حتى يتميز الصادق في إيمانه من غير الصادق‪.‬‬
‫ِل‬ ‫ِل‬
‫جعل اهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬من حكمته أن لكل نبي أعداء شياطين اِإل نس والجن كما قال تعالى‪َ { :‬و َكَذ َك َجَعْلَنا ُك ِّل َنِبٍّي‬
‫َعُد ًّو ا َش َياِط يَن اِإْل ْنِس َو اْلِج ِّن ُيوِح ي َبْع ُضُه ْم ِإَلى َبْع ٍض ُز ْخ ُر َف اْلَق ْو ِل ُغُر وًر ا } (‪ )3‬فهؤالء الشياطين أعداء لألنبياء‪،‬‬
‫ويصدون الناس عن طريق الحق‪ ،‬ويؤذون األنبياء ويمتحنون أتباعه‪.‬‬
‫فكذلك أتباع األنبياء‪ :‬لهم أعداء‪ ،‬ولهم شياطين يتصدون للدعاة والمصلحين في كل زمان وفي كل مكان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األنعام آية ‪.112 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األنعام آية ‪.112 :‬‬

‫(‪)1/43‬‬

‫الدعاة والمصلحون لهم أعداء كما أن لألنبياء أعداء‪ ،‬هذا امتحان وابتالء من اهلل حتى يتميز الصادق من الكاذب‪،‬‬
‫ِس‬
‫وحتى يتبَّين صبر الصابر‪ ،‬وحتى يرفع اهلل المؤمن درجات بسبب صبره على األذى وثباته على الدين‪ { .‬الم (‪َ )1‬أَح َب‬
‫الَّناُس َأْن ُيْتَر ُك وا َأْن َيُقوُلوا َآَم َّنا َو ُه ْم اَل ُيْف َتُنوَن (‪َ )2‬و َلَق ْد َفَتَّنا اَّلِذ يَن ِم ْن َقْبِلِه ْم َفَلَيْع َلَم َّن الَّلُه اَّلِذ يَن َص َد ُقوا َو َلَيْع َلَم َّن‬
‫اْلَك اِذ ِبيَن (‪.)1( } )3‬‬
‫فطريق الدعوة وطريق الجنة ليس مفروًش ا بالورود‪ ،‬لو كان مفروًش ا بالورود ما تخلف أحد كان‪ ،‬كل الناس يسلكوه‪،‬‬
‫لكن هذا الطريق أمامه عقبات ال بد فيه من الصبر‪ ،‬وال بد فيها من التحمل‪ُ ،‬يمتحن اإلنسان أيًض ا حتى يزول خبثه‬
‫ويخرج نقًيا صافًيا كما ُيمتحن الذهب على النار ليصفو ويزول عنه الخبث‪.‬‬
‫أعداء الموحدين لديهم علم وحجج‬
‫وقد يكون ألعداء التوحيد علوم كثيرة‪ ،‬وكتب وحجج كما قال تعالى‪َ { :‬فَلَّم ا َج اَءْتُه ْم ُرُس ُلُه ْم ِباْلَبِّيَناِت َفِر ُح وا ِبَم ا‬
‫ِع ْنَد ُه ْم ِم َن اْلِعْلِم } (‪] )2‬سورة غافر‪ ،‬اآلية‪.[ 83 :‬‬
‫قد يكون عند األعداء علوم وحجج وُش َبٍه كثيرة‪ُ ،‬عَّباد القبور اآلن بعضهم عندهم علم‪ ،‬وعندهم شبهات‪ ،‬ويستدُّلون‬
‫ِه‬ ‫ِل‬
‫بآيات من القرآن‪ ،‬فيقول بعضهم‪ :‬هذا ولي !‪ .‬اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يقول‪َ { :‬أاَل ِإن َأْو َياَء الَّل اَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم‬
‫َيْحَز ُنوَن (‪.)3( } )62‬‬
‫فاهلل ‪-‬تعالى‪ -‬يخبر أنه ال خوف عليهم وال هم يحزنون‪ ،‬فال مانع أن أطلب منه الشفاعة‪ .‬هذه من الُّش َبه‪ .‬نعم هذا ولي‪،‬‬
‫إذا كان ولًيا فحلمه لنفسه‪ ،‬وواليته لنفسه‪ .‬ال تستفيد أنت من حلمه وال من واليته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة العنكبوت آية ‪.3-1 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة غافر آية ‪.83 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة يونس آية ‪.62 :‬‬

‫(‪)1/44‬‬

‫أنت تستفيد من ملكك أنت ال من الولي‪ ،‬فادع اهلل ِلَّلِه اعمل مثل عمله الصالح‪ ،‬فكونه ولي ال يدعوك هذا أن تدعوه‬
‫من دون اهلل؛ إنما يحثك على أن تعمل مثل عمله الصالح مخلًص ا في ذلك هلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ++++ -‬كما قال اهلل ‪-‬‬
‫عز وجل ‪َ { -‬فَلَّم ا َج اَءْتُه ْم ُرُس ُلُه ْم ِباْلَبِّيَناِت َفِرُح وا ِبَم ا ِع ْنَد ُه ْم ِم َن اْلِعْلِم } (‪ )1‬فرحوا بما عندهم من العلم في مقابلة‬
‫الرسل لها‪ ،‬لما جاءتهم تدعوهم إلى اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫وجوب التسلح بالعلم لرد شبه المعاندين‬
‫إذا عرفَت ذلك‪ ،‬وعرفَت أن الطريق إلى اهلل ال بد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج‪.‬‬
‫هكذا ينبغي لطالب العلم أن يكون معه سالح‪ ،‬والسالح هو العلم؛ حتى تقابل الُّش َبه التي يوردها عليك هؤالء‬
‫المشركون والوثنيون‪.‬‬
‫الوثنيون عندهم ُش بٌه‪ ،‬ومن شبههم ما ذكرنا من اآليات أن األولياء صالحون ولهم جاه عند اهلل‪ ،‬وأنا أطلب الشفاعة‬
‫منهم‪ ،‬أنا أعلم أنهم ال يخلقون‪ ،‬وال يرزقون‪ ،‬وال ُيميتون‪ ،‬وال يحيون‪ ،‬وال ينفعون‪ ،‬وال يضرون‪ ،‬لكن أطلب من اهلل‬
‫بهم‪ ،‬أي‪ :‬أتوسل بهم‪.‬‬
‫وهذه شبهة ذكرها المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ،-‬فال بَّد أن يتسلح طالب العلم بسالح العلم حتى ال تنطلي عليه شبه هؤالء‬
‫المشركين‪.‬‬
‫فالواجب عليك أن تتعلم من دين اهلل ما يصير سالًح ا لك تقاتل به هؤالء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك ‪-‬‬
‫عز وجل ‪َ { -‬أَلْقُعَد َّن َلُه ْم ِص َر اَطَك اْلُمْس َتِق يَم (‪ُ )16‬ثَّم َآَلِتَيَّنُه ْم ِم ْن َبْيِن َأْيِد يِه ْم َو ِم ْن َخ ْلِف ِه ْم َو َعْن َأْيَم اِنِه ْم َو َعْن ِ ‪N‬خ‬
‫‪g‬خ=ح!‪o$‬ے‪َ w‬و اَل َتِج ُد َأْك َثَر ُه ْم َش اِكِر يَن (‪] )2( } )17‬سورة األعراف‪ ،‬اآليتان‪.]17 - 16 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة غافر آية ‪.83 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.17-16 :‬‬

‫(‪)1/45‬‬
‫فمقدم هؤالء إبليس‪ ،‬فإبليس هو مقدم هؤالء الكفار وهؤالء المشركين‪ ،‬كفر وأشرك‪ ،‬وامتنع ورفض أمر اهلل ‪ -‬عز‬
‫وجل ‪ -‬واستكبر عنه‪ ،‬وقابل أمر اهلل باِإل باء واالستكبار‪ ،‬فكان كافًر ا‪ ،‬فلما تحقق كفره وخلوده في النار سأل اهلل‬
‫النظرة واإلمهال إلى يوم يبعثون‪ ،‬فأجابه اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬مسألته؛ لما في ذلك من اْلِح َك م واألسرار‪.‬‬
‫ِم‬ ‫ِد‬ ‫ِت ِم‬ ‫ِق‬ ‫ِص‬
‫فأخذ على نفسه عهًد ا { َأَلْقُعَد َّن َلُه ْم َر اَطَك اْلُمْس َت يَم (‪ )1( } )16‬لبني آدم‪ُ { .‬ثَّم َآَل َيَّنُه ْم ْن َبْيِن َأْي يِه ْم َو ْن‬
‫َخ ْلِف ِه ْم َو َعْن َأْيَم اِنِه ْم َو َعْن ِ ‪N‬خ‪g‬خ=ح!‪o$‬ے‪ )2( } w‬أي‪ :‬أحيدهم عن دين اهلل‪َ { ،‬و اَل َتِج ُد َأْك َثَر ُه ْم َش اِكِر يَن (‪)17‬‬
‫} (‪ )3‬قال‪ :‬وال تجد أكثرهم‪ ،‬األكثر ليس شاكًر ا هلل لكن األقل يقوى على اإليمان والتوحيد وكانوا شاكرين‪.‬‬
‫ضعف الباطل أمام قوة الحق‬
‫ولكن إذا أقبلت على اهلل‪ ،‬وأصغيت إلى حججه وبيناته‪ ،‬فال تخف وال تحزن‪ِ { :‬إَّن َك ْيَد الَّش ْيَطاِن َك اَن َض ِعيًف ا (‪( } )76‬‬
‫‪] )4‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.]76 :‬‬
‫هذه بشرى‪ ،‬وبشارة إذا أقبلت على اهلل وحججه وبيناته‪ ،‬ال تخف من هؤالء المشركين‪ ،‬وال تخف من أعداء اهلل؛ فإن‬
‫هؤالء الشياطين وكيدهم كان ضعيًف ا‪ِ { ،‬إَّن َك ْيَد الَّش ْيَطاِن َك اَن َض ِعيًف ا (‪ )5( } )76‬أي‪ :‬إذا أقبلت على حجج اهلل‬
‫وبيناته‪ ،‬واستنرت بنور العلم‪ ،‬وتسلحت بسالح العلم‪ ،‬فال تخف‪.‬‬
‫لكن الخوف يكون على الذي يدخل المعركة وليس معه سالح‪ ،‬هذا ُيقتل وُيهزم؛ ألنه سقط في المعركة مع األعداء‪،‬‬
‫ولكن ليس معه سالح‪ ،‬أما إذا كان معه سالح فال يخاف‪.‬‬
‫موحد قليل العلم خير من عالم جاحد‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.16 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.17 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األعراف آية ‪.17 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة النساء آية ‪.76 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة النساء آية ‪.76 :‬‬

‫(‪)1/46‬‬

‫والعامي من الموحدين يغلب األلف من علماء هؤالء المشركين‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و ِإَّن ُج ْنَدَنا َلُه ُم اْلَغاِلُبوَن (‪( } )173‬‬
‫‪] )1‬سورة الصافات‪ ،‬اآلية‪.]173 :‬‬
‫الحمد هلل ِلَّلِه هذه بشارة الموحد‪ ،‬ولو كان عامًيا يغلب ألًف ا من المشركين؛ ألنه من جند اهلل‪ ،‬وجند اهلل هم الغالبون‪.‬‬
‫بركة توحيده وإيمانه؛ واستقامته على دين اهلل‪ُ ،‬يوَفق ويغلب هؤالء المشركين ولو كانوا علماء؛ ألَّن علمهم فاسد‬
‫منحرف‪.‬‬
‫هؤالء المشركين ‪-‬وإن كانوا علماء‪ -‬انحرفوا وفسد علمهم؛ ألنهم ليسوا على نور وال على هداية‪ ،‬فيغلبهم الموحدون‬
‫ولو كانوا عوام ِلَّلِه ِلَّلِه !‪.‬‬
‫جند اهلل هم الغالبون‬
‫فجند اهلل هم الغالبون بالحجة واللسان‪...‬‬
‫الحمد هلل! هذه أيًض ا بشارة جند اهلل‪ ،‬فهم الغالبون بالسيف والسنان والحجة والبيان‪ ،‬بغلبون أعداءهم بالحجج‪،‬‬
‫ويغلبون أعداءهم في القتال والمعركة‪.‬‬
‫النصر لمن تسلح بالمعرفة‬
‫كما أنهم هم الغالبون بالسيف والسنان‪ ،‬وِإَّنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سالح‪.‬‬
‫والسالح هو العلم‪ ،‬إذا دخل المعركة وليس معه سالح‪ ،‬هذا الذي ُيخاف عليه‪.‬‬
‫القرآن فيه تبيان لكل شيء‬
‫وقد َمَّن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬علينا بكتابه الذي جعله‪ِ { :‬تْبَياًنا ِلُك ِّل َش ْي ٍء َو ُه ًد ى َو َر ْح َم ًة َو ُبْش َر ى ِلْلُمْس ِلِم يَن (‪( } )89‬‬
‫‪] )2‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.]89 :‬‬
‫ِم ِن‬
‫وهذه أعظم منه‪ ،‬أنزل علينا هذا الكتاب‪ ،‬وبعث لنا هذا الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪َ { -‬لَق ْد َمَّن الَّلُه َعَلى اْلُم ْؤ يَن‬
‫ِإْذ َبَعَث ِفيِه ْم َرُس واًل ِم ْن َأْنُفِس ِه ْم َيْتُلو َعَلْيِه ْم َآَياِتِه َو ُيَز ِّك يِه ْم َو ُيَعِّلُم ُه ُم اْلِكَتاَب َو اْلِح ْك َم َة } (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الصافات آية ‪.173 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النحل آية ‪.89 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة آل عمران آية ‪.164 :‬‬

‫(‪)1/47‬‬

‫فالذي يتسلح بنصوص اآليات وباألحاديث الصحاح التي قد َمَّن اهلل علينا بها‪ ،‬ومَّن اهلل علينا بهذا الرسول الذي بعثه اهلل‬
‫رحمة للناس‪ ،‬وليخرج اهلل به الناس من الظلمات إلى النور ‪.++++‬‬
‫رد القرآن على جميع شبه الضالين‬
‫فال يأتي صاحب باطل بحجة إال وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطالنها‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و اَل َيْأُتوَنَك ِبَم َثٍل ِإاَّل ِج ْئَناَك‬
‫ِباْلَح ِّق َو َأْح َسَن َتْف ِس يًر ا (‪] )1( } )33‬سورة الفرقان‪ ،‬اآلية‪.]33 :‬‬
‫هذه بشارة ‪ -‬أيًض ا ‪ -‬ال يأتي مبطل بشبهة إال وفي القرآن ما ينقضها ويبطلها‪.‬‬
‫السنة مكملة للقرآن‬
‫قال بعض المفسرين‪ :‬هذه اآلية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫الحمد هلل‪ ،‬هذه بشارة أيًض ا‪ ،‬فكل حجة باطلة يأتي بها أهل الباطل ففي القرآن ما ينقضها‪ ،‬وفي السنة ما ينقضها؛ ألن‬
‫السنة وحٌي ثاٍن ‪ ،‬وألن القرآن أرشدنا إلى ِع َظِم السنة { َو َم ا َآَتاُك ُم الَّر ُس وُل َفُخ ُذ وُه َو َم ا َنَه اُك ْم َعْنُه َفاْنَتُه وا } (‪.)2‬‬
‫فالحَّج ة التي في السنة هي حجة في القرآن؛ ألن اهلل أمر باألخذ بها‪ ،‬وكل مبطل يأتي بحججه‪ ،‬ففي القرآن وفي السنة‬
‫ما ينقضها إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫بعض ردود القرآن على شبه المشركين‬
‫وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر اهلل في كتابه جواًبا لكالم احتج به المشركون في زماننا علينا فنقول‪....:‬‬
‫يريد الشيخ أن يذكر الحجج التي احتج بها المشركون عليه في زمانه‪ ،‬ال على أنه ‪.+++‬‬
‫جواب أهل الباطل من طريقتين‬
‫جواب أهل الباطل من طريقتين‪ :‬مجمل ومفصل‪.‬‬
‫أما المجمل‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الفرقان آية ‪.33 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الحشر آية ‪.7 :‬‬

‫(‪)1/48‬‬

‫فهو األمر العظيم‪ ،‬والفائدة الكبيرة لمن عقلها‪ ،‬وذلك قوله تعالى‪ُ { :‬ه َو اَّلِذ ي َأْنَز َل َعَلْيَك اْلِكَتاَب ِم ْنُه َآَياٌت ُمْح َك َم اٌت‬
‫ُه َّن ُأُّم اْلِكَتاِب َو ُأَخ ُر ُمَتَش اِبَه اٌت َفَأَّما اَّلِذ يَن ِفي ُقُلوِبِه ْم َز ْيٌغ َفَيَّتِبُعوَن َما َتَش اَبَه ِم ْنُه اْبِتَغاَء اْلِف ْتَنِة َو اْبِتَغاَء َتْأِو يِلِه } (‬
‫‪] )1‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.]7 :‬‬
‫وقد صَّح عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪ِ " :‬إَذا رأْيُتم اَّلِذ يَن َيَّتِبُعوَن َم ا َتَش اَبَه ِم ْنُه َفُأوَلِئَك اَّلِذ يَن َس َّم ى‬
‫اهلل َفاْح َذ ُر وُه ْم "‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬إذا قال بعض المشركين‪َ { :‬أاَل ِإن َأْو ِلَياَء الَّلِه اَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (‪] )2( } )62‬سورة يونس‪،‬‬
‫اآلية‪ .]62 :‬وأن الشفاعة حق‪ ،‬وأن األنبياء لهم جاه عند اهلل‪ ،‬أو ذكر كالًم ا للنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يستدّل به‬
‫على شيٍء من باطله‪ ،‬وأنت ال تفهم معنى الكالم الذي ذكره‪ ،‬فجاوبه بقولك‪ :‬إن اهلل ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم‬
‫زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه‪ ،‬وما ذكرته لك من أن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية‪ ،‬وأن‬
‫كفرهم بتعلقهم بالمالئكة واألنبياء واألولياء‪ ،‬مع قولهم‪َ { :‬ه ُؤ اَل ِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد الَّلِه } (‪] )3‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.]18 :‬‬
‫هذا أمٌر محكٌم َبِّيٌن ال يقدر أحد أن يغير معناه‪ ،‬وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو من كالم النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬ال أعرف معناه‪ ،‬ولكن أقطع أن كالم اهلل ال يتناقض‪ ،‬وأن كالم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يخالف‬
‫كالم اهلل ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية ‪.7 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة يونس آية ‪.62 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة يونس آية ‪.18 :‬‬

‫(‪)1/49‬‬

‫وهذا جواب جيد سديد‪ ،‬ولكن ال يفهمه إال َمْن وفقه اهلل ‪-‬تعالى‪ ،-‬فال تستهن به؛ فإنه كما قال تعالى‪َ { :‬و َم ا ُيَلَّق اَه ا ِإاَّل‬
‫اَّلِذ يَن َص َبُر وا َو َم ا ُيَلَّق اَه ا ِإاَّل ُذو َح ٍّظ َعِظ يٍم (‪] )1( } )35‬سورة فصلت‪ ،‬اآلية‪.]35 :‬‬
‫أمثلة لردود القرآن المجملة على المعاندين‪:‬‬
‫هذا جواٌب عظيم‪ ،‬مجمل‪ ،‬يستطيع كل إنسان أن يرد به على أي مشرك ‪ -‬لو كان عنده علم‪ ،‬جواب مجمٌل‪ ،‬والجواب‬
‫يعتمد على اآلية ‪ -‬آية آل عمران ‪ -‬وهو قول اهلل تعالى‪ُ { :‬ه َو اَّلِذ ي َأْنَز َل َعَلْيَك اْلِكَتاَب ِم ْنُه َآَياٌت ُمْح َك َم اٌت ُه َّن ُأُّم‬
‫اْلِكَتاِب َو ُأَخ ُر ُمَتَش اِبَه اٌت َفَأَّما اَّلِذ يَن ِفي ُقُلوِبِه ْم َز ْيٌغ َفَيَّتِبُعوَن َم ا َتَش اَبَه ِم ْنُه اْبِتَغاَء اْلِف ْتَنِة َو اْبِتَغاَء َتْأِو يِلِه َو َما َيْع َلُم َتْأِو يَلُه ِإاَّل‬
‫الَّلُه َو الَّر اِس ُخ وَن ِفي اْلِعْلِم َيُقوُلوَن َآَم َّنا ِبِه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْنِد َر ِّبَنا َو َم ا َيَّذ َّك ُر ِإاَّل ُأوُلو اَأْلْلَباِب (‪.)2( } )7‬‬
‫فاهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أخبر في كتابه العظيم أنه أنزل الكتاب‪ ،‬وإن الكتاب منه آيات محكمات ومنه آيات متشابهات‪،‬‬
‫وإن طريقة أهل الزيغ يأخذون المتشابه ويتعلقون به‪ ،‬ويتركون المحكم الواضح البِّين المعنى في آيات واضٌح معناها‪،‬‬
‫فهذا فيه محكم وفيه متشابه‪ ،‬وهذا يعني أن هناك مشكلة‪ ،‬وهي أن أهل الحق يأخذون بالمحكم والنصوص المتشابه‬
‫يردونها إلى محكم ويقيسونها ويفسرونها بالمحكم فيتضح المعنى‪ ،‬ويفسرون المتشابه المشكل فيردونه إلى محكم‬
‫واضح المعنى فيتبَّين بذلك ويزول اِإل شكال‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬إذا قال النصراني‪ :‬اِإل له ثالثة اهلل ومريم وعيسى‪ ،‬وأنتم في كتابكم دليل على أن اِإل له ثالثة‪ ،‬وهو قول‪ِ { :‬إَّنا‬
‫َنْح ُن َنَّز ْلَنا الِّذ ْك َر َو ِإَّنا َلُه َلَح اِفُظوَن (‪.)3( } )9‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة فصلت آية ‪.35 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة آل عمران آية ‪.7 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الحجر آية ‪.9 :‬‬

‫(‪)1/50‬‬

‫نحن هذا جمع‪ ،‬هذا دليٌل على أن اآللهة متعددة‪ .‬نحن اهلل ومريم وعيسى ِلَّلِه فنقول‪ :‬أنت في قلبك زيغ تتعلق بالمتشابه‬
‫ِح‬
‫وتترك المحكم‪ ،‬وأنا عندي آيات محكمات‪ ،‬فقول اهلل ‪-‬تبارك وتعالى‪َ { :-‬و ِإَلُه ُك ْم ِإَلٌه َو ا ٌد اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو الَّر ْح َمُن‬
‫الَّر ِح يُم (‪ )1( } )163‬وقال أيًض ا‪ِ { :‬إَّنِني َأَنا الَّلُه اَل ِإَلَه ِإاَّل َأَنا َفاْع ُبْد ِني َو َأِقِم الَّصاَل َة ِلِذ ْك ِر ي (‪ )2( } )14‬فهذه آيات‬
‫محكمة‪ ،‬فأنا أرد المتشابه إليها‪.‬‬
‫يقول تعالى‪ِ { :‬إَّنا َنْح ُن َنَّز ْلَنا الِّذ ْك َر َو ِإَّنا َلُه َلَح اِفُظوَن (‪ )3( } )9‬نحن للواحد المعظم نفسه هذه معروفة في لغة العرب‪،‬‬
‫فأنا أرد اآلية التي فيها متشابه‪ ،‬أي أردها إلى المحكم الواضح المعنى‪ ،‬وأفسرها؛ فيزول االشتباه‪ ،‬ويزول اإلشكال‪،‬‬
‫لكن من في قلبه زيغ‪ ،‬يتعلق بالمتشابه ويترك المحكم الواضح‪ ،‬فكذلك هؤالء‪.‬‬
‫ِل‬
‫فنقول لهؤالء المشركين‪ :‬إذا جاء أحدهم وقال‪ :‬األولياء لهم جاه عند اهلل ولهم منزلة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ { :‬أاَل ِإن َأْو َياَء‬
‫الَّلِه اَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (‪ )4( } )62‬فأخبر أنه ال خوف عليهم وال هم يحزنون‪.‬‬
‫وقال‪َ { :‬لُه ْم َم ا َيَش اُءوَن ِع ْنَد َر ِّبِه ْم } (‪ )5‬أي‪ :‬لهم ما يشاءون‪ ،‬أنا أطلب منهم أن يشفعون لي عند اهلل‪ ،‬وينقلون‬
‫حوائجنا إلى اهلل‪ ،‬وأنا أعرف أنهم ال ينفعون وال يضرون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية ‪.163 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة طه آية ‪.14 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الحجر آية ‪.9 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة يونس آية ‪.62 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الزمر آية ‪.34 :‬‬

‫(‪)1/51‬‬

‫هذه آيات القرآن أمامك‪ ،‬لهم ما يشاءون‪ ،‬وال خوف عليهم وال هم يحزنون‪ ،‬ماذا تقول وأنت ‪ -‬مثال ‪ -‬إذا كنت عامًيا‬
‫ِئ‬
‫؟ تقول له‪ :‬أنا عندي نصوص محكمة واضحة‪ ،‬وهو أن اهلل أخبر أن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية‪ ،‬وقال‪َ { :‬و َل ْن‬
‫َس َأْلَتُه ْم َمْن َخ َلَق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْرَض َو َس َّخ َر الَّش ْم َس َو اْلَق َمَر َلَيُقوُلَّن الَّلُه } (‪َ { )1‬و َلِئْن َس َأْلَتُه ْم َمْن َخ َلَق ُه ْم َلَيُقوُلَّن الَّلُه }‬
‫ِء‬ ‫ِم‬ ‫ِل ِه‬ ‫ِف‬ ‫ِل‬
‫(‪ُ { )2‬قْل َم ِن اَأْلْرُض َو َمْن يَه ا ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪َ )84‬س َيُقوُلوَن َّل } (‪ُ { )3‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم َن الَّس َم ا َو اَأْلْر ِض َأْم‬
‫َمْن َيْم ِلُك الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر َو َمْن ُيْخ ِر ُج اْلَح َّي ِم َن اْلَم ِّيِت َو ُيْخ ِرُج اْلَم ِّيَت ِم َن اْلَح ِّي َو َمْن ُيَد ِّبُر اَأْلْم َر َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه } (‬
‫‪.)4‬‬
‫ثم بَّين اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أن كفرهم إَّنما هو بالتعلق بالصالحين { َو اَّلِذ يَن اَّتَخ ُذ وا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َم ا َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل‬
‫ِلُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّلِه ُز ْلَف ى ِإَّن الَّلَه َيْح ُك ُم َبْيَنُه ْم ِفي َما ُه ْم ِفيِه َيْخ َتِلُفوَن ِإَّن الَّلَه اَل َيْه ِد ي َمْن ُه َو َك اِذ ٌب َك َّف اٌر (‪ )5( } )3‬فقد‬
‫سماهم اهلل كفرة وكذبه في هذا القول‪.‬‬
‫وقال‪َ { :‬و َيْع ُبُد وَن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َم ا اَل َيُضُّر ُه ْم َو اَل َيْنَف ُعُه ْم َو َيُقوُلوَن َه ُؤ اَل ِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد الَّلِه } (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة العنكبوت آية ‪.61 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزخرف آية ‪.87 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة المؤمنون آية ‪.85-84 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة يونس آية ‪.31 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الزمر آية ‪.3 :‬‬
‫(‪ - )6‬سورة يونس آية ‪.18 :‬‬

‫(‪)1/52‬‬

‫فهذه نصوص محكمة بَّين اهلل أن المشركين يقُّر ون بتوحيد الربوبية‪ ،‬وأن شركهم وكفرهم بسبب التعلق بالصالحين‬
‫{ ُأوَلِئَك اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن َيْبَتُغوَن ِإَلى َر ِّبِه ُم اْلَو ِس يَلَة َأُّيُه ْم َأْقَر ُب } (‪.)1‬‬
‫منهم من يعبد المسيح‪ ،‬ومنهم من يعبد الشمس والقمر‪ ،‬ومنهم من يتعلق بالمالئكة ويقول‪ :‬إن هؤالء كانوا يعبدون‬
‫اهلل !‪.‬‬
‫هذه نصوص واضحة دَّلت على أن الكفار يقُّر ون بتوحيد الربوبية‪ ،‬وشركهم بتعلقهم بالصالحين‪ ،‬ودعائهم من دون اهلل‪،‬‬
‫وطلبهم الشفاعة‪ ،‬وطلبهم الزلفى والقربى منهم‪.‬‬
‫أما النصوص التي ذكرتها أنت ما أدري ما معناها‪ ،‬ال أعرف معناها‪ ،‬لكن أجزم بأن كالم اهلل ال يتناقض‪.‬‬
‫كالم اهلل ال يتناقض‪ ،‬وهذه نصوص واضحة أن كفر المشركين بسبب تعلقهم بالصالحين‪ ،‬واآليات التي أتيَت بها ال‬
‫أعرف معناها‪ ،‬لكن أجزم بأن كالم اهلل ال يتناقض‪ ،‬وأن كالم الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال ينافي كالم اهلل‪ ،‬وأن‬
‫الذين في قلوبهم زيغ يتعلقون بالمتشابه‪ ،‬فلماذا تتعلق أنت بالمتشابه وتترك المحكم؟‬
‫النصوص التي جئت بها والتي استدللت بها‪ ،‬هذا دليل على أن في قلبك زيغ عن النصوص المحكمة التي معي‪ ،‬وفِّس ر‬
‫بها النصوص التي اشتبهت عليك حتى تكون من أهل العلم‪.‬‬
‫أما أن تأخذ نصوًص ا متشابهة يشكل معناها‪ ،‬وتترك النصوص الواضحة المعنى‪ ،‬فهذا دليل على أن في قلبك زيغ؛ ألننا‬
‫عندنا نصوص محكمة تدل على شرك من تعلق بغير اهلل‪ ،‬وأن الكفار ‪ -‬كفار قريش ‪ -‬ما كفروا إال بهذا‪ ،‬وإن كانوا‬
‫يقرون بتوحيد الربوبية‪.‬‬
‫أما النصوص التي أتيت بها تبين فيها أن الصالحين لهم جاه ؟ أنا ال أنكر هذه اآليات‪ ،‬ولكن أنا أقول على الرأس‬
‫والعين‪ ،‬لكن ال أعرف معناها‪ ،‬لكني أجزم جزًم ا قاطًع ا بأن النصوص ال تتناقض وال ينافي بعضها بعًض ا‪ ،‬بل يوافق بعضها‬
‫بعًض ا‪.‬‬
‫وكالم اهلل ال يتناقض‪ ،‬وكالم الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يتنافى كالم اهلل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة اإلسراء آية ‪.57 :‬‬

‫(‪)1/53‬‬

‫هذا جواٌب ُمسكٌت ‪ ،‬هذا جواب إجمالي‪ ،‬وسيأتي جواب تفصيلي واضح‪.‬‬
‫هذا كما قال المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬هذا جواب سديد نافذ ال تتهاون به‪ ،‬وال تتستهن به‪ ،‬لكن ليس كل أحد يوفق له‪،‬‬
‫ال يوفق له إال أهل البصر وأهل البصيرة‪ ،‬وأهل الحظ العظيم { َو َم ا ُيَلَّق اَه ا ِإاَّل اَّلِذ يَن َص َبُر وا َو َم ا ُيَلَّق اَه ا ِإاَّل ُذو َح ٍّظ َعِظ يٍم‬
‫(‪.)1( } )35‬‬
‫أمثلة لردود القرآن المفصلة على شبه المعاندين‬
‫وأما الجواب المفصل‪:‬‬
‫فإَّن أعداء اهلل لهم إعراضات كثيرة على دين الرسل‪ ،‬يصدون بها الناس عنه‪ ،‬منها قولهم‪ :‬نحن ال نشرك باهلل‪ ،‬بل نشهد‬
‫أنه ال يخلق وال يرزق وال ينفع وال يضر إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأن محمًد ا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يملك‬
‫لنفسه نفًعا وضًر ا‪ ،‬فضال عن عبد القادر أو غيره‪ ،‬ولكن أنا مذنب‪ ،‬والصالحون لهم جاه عند اهلل‪ ،‬وأطلب من اهلل بهم‬
‫فجاوبهم بما تقَّد م‪ ،‬وهو أن الذين قاتلهم رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مقرون بما ذكرت‪ ،‬ومقرون أن أوثانهم‬
‫ال تدبر شيًئا؛ وإنما أرادوا الجاه والشفاعة‪ .‬واقرأ عليه ما ذكر اهلل في كتابه ووضحه‪......‬‬
‫فبعد أن نقف على الجواب المفصل‪ ،‬نريد أن نسأل عن المباحث التي مَّر ت بنا‪.‬‬
‫وبشكل آخر‪ :‬ما معنى كلمة " ال إله إال اهلل " ؟‪.‬‬
‫معنى هذه الكلمة‪ :‬أن ال إله إال اهلل ومعبود حًق ا إال اهلل‪ ،‬فاإلله معناه المعبود‪.‬‬
‫إًذا اإلله هو الذي يقصد التعلق بالدعاء‪ ،‬والذبح‪ ،‬والنذر‪ ،‬والرهبة‪ ،‬والرغبة‪ .‬ويسميه بعض الناس السيد بقصد طيب‪.‬‬
‫كثيٌر من الناس ال يعرفون معنى هذه الكلمة إال مجرد حروف فقط‪ ،‬هل يفيد هذا ؟ ال؛ ألن المقصود معناها وهو‬
‫إخالص العبادة هلل ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫وهناك بعض الناس يفِّس رها بغير توحيد العبادة‪ ،‬بماذا يفسرها ؟‪ .‬يفسرونها بقول معنى ال إله إال اهلل‪ ،‬ال خالق إال اهلل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة فصلت آية ‪.35 :‬‬

‫(‪)1/54‬‬

‫ولكن أين وجه الخطأ في هذا التفسير ؟ فلو كان معناها ال خالق إال اهلل؛ لحصل وفاق بين النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬وبين المشركين‪ ،‬ولم يحصل خصومة وال نزاع بين الرسل وأممهم‪.‬‬
‫لو كان معناها‪ :‬ال خالق إال اهلل؛ لحصلت مصافة وموافقة للمشركين مع الرسل‪ ،‬لكن الرسل واألنبياء خاصموا‬
‫المشركين والكفار؛ إذ أن بعض الناس في هذا الزمن ال يعرفون كلمة التوحيد‪ ،‬وال يعرفون منها إال مجرد التلفظ‬
‫بالحروف‪ ،‬وبعضهم يفسرها بتوحيد الربوبية‪.‬‬
‫وهؤالء يكون المشركون أعرف منهم بهذه الكلمة‪ ،‬وهذا من المصائب أن يكون كفار قريش أعرف بكلمة التوحيد من‬
‫بعض الناس الذين ينتسبون إلى اإلسالم‪ .‬كيف ؟‬
‫الوثنيون يعرفون معنى هذه الكلمة‪ ،‬وهذا مسلم ينتسب إلى اإلسالم وال يعرف إال مجرد الحروف‪ ،‬أو يفسرها بتوحيد‬
‫الربوبية فقط‪.‬‬
‫وهناك بعض الناس يقولون هذه الكلمة ولكنهم يقعون في الشرك‪ ،‬قد يكونوا جهلة‪ ،‬قد يكون جاهال وال يعذر بجهله‪،‬‬
‫وقد يفعل الشرك ويظن أنه يقربه إلى اهلل‪ ،‬وقد يتكلم بكلمة جاهال أو ساخًر ا مثل قصة الذين تكَّلُم وا في غزوة تبوك‬
‫بكلمات يريدون أن يقطعوا بها عنهم الطريق‪ ،‬فأنزل اهلل كفرهم من سبع سماوات‪ ،‬فقال ‪-‬سبحانه‪ُ { :-‬ق َأِبالَّلِه َآ اِتِه‬
‫َو َي‬ ‫ْل‬
‫َو َرُس وِلِه ُك ْنُتْم َتْس َتْه ِز ُئوَن (‪ )65‬اَل َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم } (‪.)1‬‬
‫وبعض الناس يفعل الشرك ويظُّن أنه يقربه إلى اهلل‪ ،‬وبعض الناس في هذا الزمان يسأل الموتى قضاء الحوائَج والمدد‬
‫وتفريج الكربات‪ ،‬يذبح لهم‪ ،‬وينذر لهم‪ ،‬ويظن أن هذا يقربه إلى اهلل‪ ،‬يظن أن هذا محبًة للصالحين‪ ،‬ومحبة الصالحين‬
‫والتوسل بهم والشفاعة شرك يفعل الشرك األكبر الذي هو أعظم الذنوب وال ُيْغَف ر‪ ،‬وصاحبه ُمخلٌد في النار لو مات‬
‫عليه‪ ،‬يفعله وهو يظن أنه يقربه إلى اهلل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة التوبة آية ‪.66-65 :‬‬

‫(‪)1/55‬‬

‫ولهذا يقول المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬يفيد الموحد الذي رزقه اهلل توحيده‪ ،‬ومَّن اهلل عليه بتوحيده‪ ،‬ووفقه لتوحيده‬
‫وإخالص الدين له‪ ،‬يفيده فائدتين‪ ،‬منهما الفائدة األولى‪ :‬الفرح بفضل اهلل ورحمته‪ ،‬الفرح بتوفيقه حيث وفقك اهلل ومَّن‬
‫عليك بتوحيده واإليمان به وإخالص العبادة له‪ ،‬ولو شاء لكنت مثلهم "‪.‬‬
‫فعليك أن تفرح وتغتبط بفضل اهلل وبرحمته‪ ،‬ومع ذلك نسأل اهلل الثبات واالستقامة على دينه‪.‬‬
‫وهذا الفرح فرٌح محمود‪ ،‬وهو الفرح بفضل اهلل وبرحمته { ُقْل ِبَف ْض ِل الَّلِه َو ِبَر ْح َم ِتِه َفِبَذ ِلَك َفْلَيْف َر ُح وا ُه َو َخ ْيٌر ِم َّم ا‬
‫َيْج َم ُعوَن (‪.)1( } )58‬‬
‫فالفرح على التوفيق لِإل يمان واِإل سالم‪ ،‬الفرح بتعلم القرآن‪ ،‬وتعلم العلم‪ ،‬وهذا مطلوب‪ ،‬وهو الفرح بفضل اهلل‬
‫ورحمته‪.‬‬
‫ِل ِب‬
‫هناك فرٌح آخر مذموٌم‪ ،‬وهو فرح األشر والبطر‪ ،‬وفرح أهل الكبر وأهل الشرك‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ { :‬ذ ُك ْم َم ا ُك ْنُتْم‬
‫َتْف َر ُح وَن ِفي اَأْلْر ِض ِبَغْيِر اْلَح ِّق َو ِبَم ا ُك ْنُتْم َتْم َر ُح وَن (‪ )75‬اْدُخ ُلوا َأْبَو اَب َجَه َّنَم َخ اِلِد يَن ِفيَه ا َفِبْئَس َم ْثَو ى اْلُم َتَكِّبِر يَن (‬
‫‪.)2( } )76‬‬
‫ففرح المتكبرين‪ ،‬وفرح األشر‪ ،‬والبطر‪ ،‬ومن ذلك الفرح‪ ،‬فرح قارون الذي نصحه قومه { ِإْذ َقاَل َلُه َقْو ُمُه اَل َتْف َر ْح ِإَّن‬
‫الَّلَه اَل ُيِح ُّب اْلَف ِر ِح يَن (‪ )3( } )76‬هذا فرح األشر والبطر‪.‬‬
‫ما هي الفائدة الثانية ؟‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.58 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة غافر آية ‪.76-75 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة القصص آية ‪.76 :‬‬

‫(‪)1/56‬‬

‫الخوف العظيم‪ ،‬أي‪ :‬أن يخاف اِإل نسان على أن يقع في الشرك وهو ال يشعر‪ ،‬لكن هؤالء الذين وقعوا في الشرك لهم‬
‫عقول ولهم أفهام‪ ،‬ومع ذلك وقعوا في الشرك !‪ .‬فعلى العبد أن يخاف على نفسه؛ إذ أن هذا الخوف يدعوك إلى لزوم‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬وسؤال اهلل الثبات على دينه‪ ،‬واالستقامة عليه‪ ،‬والبحث والحذر من الشرك‪ ،‬قال ابن كثير‪:‬‬
‫(والبحث والتفتيش والتنقيب عن الشرك وذرائعه ووسائله حتى تحذره‪ ،‬وحتى ال تقع فيه)‪.‬‬
‫لهذا قال حذيفة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كما في الصحيحين‪ " :‬كان الناس يسألون الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن‬
‫الخير‪ ،‬وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني "‪.‬‬
‫وقال اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬عن إبراهيم الخليل ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬الذي جعله اهلل أمة واحدة‪َ { :‬و اْج ُنْبِني َو َبِنَّي َأْن َنْع ُبَد اَأْلْصَناَم (‬
‫‪َ )35‬ر ِّب ِإَّنُه َّن َأْض َلْلَن َك ِثيًر ا ِم َن الَّناِس } (‪.)1‬‬
‫فإذا كان إبراهيم ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬مقامه العظيم وهو سيد األنبياء‪ ،‬وسيد الحنفاء‪ ،‬ووالد األنبياء ‪ -‬عليه أفضل‬
‫الصالة وأتم التسليم ‪ -‬يسأل ربه أن يجنبه وبنيه عبادة األصنام ِلَّلِه { َر ِّب ِإَّنُه َّن َأْض َلْلَن َك ِثيًر ا ِم َن الَّناِس } (‪ )2‬فكيف‬
‫بغيره ِلَّلِه ِلَّلِه !‪.‬‬
‫إًذا‪ ،‬فاِإل نسان يسأل ربه الثبات واالستقامة ولزوم الحق‪ ،‬ولزوم الصراط المستقيم‪ ،‬ويعض عليه بنواجذه‪ ،‬ويحذر من‬
‫الشرك وذرائعه ووسائله‪ ،‬ويسأل عنها ويبحث عنها؛ حتى ال يقع في الشرك وهو ال يشعر‪.‬‬
‫فالمؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪ :‬أن من حكمة اهلل أنه ما بعث نبي إال وجعل له أعداء من شياطين اِإل نس والجن‪ ،‬ما‬
‫الدليل؟‪ .‬والدليل على أن األنبياء لهم أعداء من شياطين اِإل نس والجن قوله تعالى‪َ { :‬و َكَذ ِلَك َجَعْلَنا ِلُك ِّل َنِبٍّي َعُد ًّو ا‬
‫َش َياِط يَن اِإْل ْنِس َو اْلِج ِّن } (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة إبراهيم آية ‪.36-35 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة إبراهيم آية ‪.36 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األنعام آية ‪.112 :‬‬

‫(‪)1/57‬‬

‫أي أن كل نبي أو رسول له أعداء يقفون لدعوته بالمرصاد من شياطين الجن وشياطين اِإل نس يتعاونون‪ ،‬يعاون بعضهم‬
‫بعًض ا ليوحي بعضهم بعًض ا زخرف القول غروًر ا‪ ،‬وكذلك الدعاة وهو أتباع الرسل‪ ،‬لهم أعداء يقفون في طريق دعوتهم‬
‫ويصدون الناس عنها‪.‬‬
‫والعلماء‪ ،‬والدعاة‪ ،‬والمصلحون هم ورثة األنبياء‪ ،‬فلهم أعداء كما أن لألنبياء أعداء يقفون حجر عثرة في طريق‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫إًذا‪ ،‬ال بد من الصبر والتحّم ل‪ ،‬وال بد من أخذ السالح والعَّدة‪ ،‬والسالح هو العلم‪ ،‬ومع التسلح بسالح العلم ال بد من‬
‫صبر الداعية المصلح العالم‪.‬‬
‫وكذلك األنبياء أمرهم اهلل بالصبر‪ ،‬فقال اهلل لنبيه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ { -‬فاْص ِبْر َك َم ا َص َبَر ُأوُلو اْلَعْز ِم ِم َن الُّر ُس ِل‬
‫َو اَل َتْس َتْع ِج ْل َلُه ْم َك َأَّنُه ْم َيْو َم َيَر ْو َن َم ا ُيوَعُد وَن َلْم َيْلَبُثوا ِإاَّل َس اَعًة ِم ْن َنَه اٍر َباَل ٌغ َفَه ْل ُيْه َلُك ِإاَّل اْلَق ْو ُم اْلَف اِس ُقوَن (‪} )35‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫وقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عندما تكلم الرجل لما قّس م النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قسمة في حنين‪ ،‬قال‬
‫رجل‪ :‬اعدل‪ ،‬فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه اهلل ِلَّلِه تغير وجه النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وقال‪ " :‬رحم اهلل موسى‬
‫لقد أوذي كثيرا فصبر "‪.‬‬
‫وقال اهلل في كتابه العظيم‪َ { :‬و اْلَعْص ِر (‪ِ )1‬إَّن اِإْل ْنَس اَن َلِف ي ُخ ْس ٍر (‪ِ )2‬إاَّل اَّلِذ يَن َآَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّصاِلَح اِت َو َتَو اَصْو ا‬
‫ِباْلَح ِّق َو َتَو اَصْو ا ِبالَّص ْبِر (‪.)2( } )3‬‬
‫فال بَّد من الصبر‪ ،‬فال يستطيع إنسان أن يقوم بالدعوة حتى يصبر‪ ،‬كما أنه ال يستطيع أن يؤدي الواجبات ويبتعد عن‬
‫المحرمات إال بالصبر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األحقاف آية ‪.35 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة العصر آية ‪.3-1 :‬‬

‫(‪)1/58‬‬
‫وكذلك أيًض ا الدعوة ال بد لها من صبر‪ ،‬فطريق الدعوة وطريق الجنة طريق السعادة ليس مفروًش ا بالورود‪ ،‬لكن أمامه‬
‫عقبات وشدائد‪ ،‬ال بد من التحمل والصبر‪ ،‬والعاقبة بعد ذلك للمتقين‪ ،‬تكون لألنبياء وأتباعهم‪ ،‬وإن أصابهم في أول‬
‫أمرهم شدة‪.‬‬
‫ولهذا قال هرقل ملك الروم لما سأل أبا سفيان عن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وذكر له أن الحرب سجال بينهم‬
‫وبينه‪ ،‬ينالوا منه وينال منهم‪ ،‬قال‪" :‬وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة" ألنه قرأ في الكتب السماوية السابقة‪،‬‬
‫ألنه كان نصرانًيا يقرأ في اِإل نجيل‪ ،‬وفي التوراة‪ .‬قال‪ " :‬كذلك الرسل ُتبتلى " يعني في أول األمر‪ ،‬ثم تكون لهم العاقبة‬
‫واهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬يقول‪َ { :‬فاْص ِبْر ِإَّن اْلَعاِقَبَة ِلْلُم َّتِق يَن (‪.)1( } )49‬‬
‫فال بد من الصبر والتحمل في أول األمر على الشدائد‪ ،‬وكذلك طلب العلم يحتاج إلى صبر وتحمل‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫يذوق اإلنسان حالوة العلم‪ ،‬لكن في وقت الطلب ال بد من الصبر والتحمل وسهر الليالي والصبر على مزاحمة والجثو‬
‫على الركب أمام العلماء‪ ،‬وقراءة كتب العلماء‪ ،‬والتواضع ألهل العلم حتى يستفيد منهم‪ ،‬والتخلق بخلق العلم والتأدب‬
‫بآدابه‪.‬‬
‫وال بد الصبر على الشدة في أول األمر‪ ،‬لهذا قال العلماء‪ :‬ال بد لطلب العلم من صبر كصبر الحمار‪ ،‬وبكور كبكور‬
‫الغراب‪ .‬يتشبه بهذه الدواب‪ ،‬فمن ال يصبر ال يحصل على العلم‪ ،‬ال بد من الصبر‪.‬‬
‫فكثير من الشباب يحبون الخير‪ ،‬وعندهم استقامة‪ ،‬لكن ال يوجد عندهم صبر لطلب العلم‪ ،‬وال على حضور الحلقات‪،‬‬
‫وإن كانت الحلقات ليست كحلقات العلماء السابقين‪ ،‬كانت الدروس مستمرة ليل نهار‪ ،‬بعد الفجر درس‪ ،‬بعد الظهر‬
‫درس‪ ،‬وبعد العصر درس‪ ،‬وبعد المغرب درس‪ ،‬وبعد العشاء درس‪ .‬فالدروس مستمرة‪.‬‬
‫أما عندنا دروس أسبوعية ‪-‬تذوق‪ -‬ومع ذلك تجد الطلبة هذا يحضر أسبوًعا‪ ،‬واألسبوع الثاني ال يحضر‪ ،‬يحضر‬
‫أسبوًع ا‪ ،‬وأسبوعان ال يحضر‪ ،‬ويحضر شهًر ا‪ ،‬وشهران ال يحضر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة هود آية ‪.49 :‬‬

‫(‪)1/59‬‬

‫ال يحصل طلب العلم بهذا‪ ،‬ال بد من الصبر واالستمرار والثبات؛ فقد ذكر المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أن أهل الشرك قد‬
‫يكون لهم علوم‪ ،‬عندهم علوم !‪.‬‬
‫فال بد لطالب العلم أن يتسلح بسالح العلم حتى يقابل شبههم بسالح العلم‪ ،‬ويقابل شبههم بدفع هذه الُّش َبه التي‬
‫يروجونها‪ ،‬ويدحرها حتى تزول وال تقف في طريق الدعوة‪ ،‬وال في طريق العلم الصحيح‪.‬‬
‫وذكر المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في الشبه أن المشركين قد يوردون على المسلم شبًه ا‪ ،‬وعلى الموِّح د شبًه ا‪ ،‬وقد ال‬
‫يكون هذا المسلم الموحد‪ ،‬وقد ال يكون طالَب علم‪ ،‬ولكن موِّح ٌد ليس عنده من العلم ما يرد على هؤالء‪ ،‬لكن هناك‬
‫جواب سديد ذكره المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬نريد إيراد الشبهة التي يوردها بعض الناس على بعض طلبة العلم‪ ،‬يقول‬
‫الوثني أو المشرك أن الصالحين لهم جاه عند اهلل‪ ،‬وأخبر اهلل أنه ال خوف عليهم وال هم يحزنون‪ ،‬فقال تعالى‪َ { :‬أاَل ِإن‬
‫َأْو ِلَياَء الَّلِه اَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (‪ )1( } )62‬وقال تعالى‪َ { :‬لُه ْم َم ا َيَش اُءوَن ِع ْنَد َر ِّبِه ْم } (‪.)2‬‬
‫فأنا أطلب من الصالحين مما أعطاهم اهلل‪َ { ،‬لُه ْم َم ا َيَش اُءوَن ِع ْنَد َر ِّبِه ْم } (‪ { )3‬اَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (‬
‫‪ )4( } )62‬أنا أطلب منهم أن يقربوني إلى اهلل‪ ،‬وأن يشفعوا لي عنده‪ ،‬وأنا أعرف أنهم ال يخلقون وال يرزقون‪ .‬ويأتي‬
‫بهذه اآليات‪ ،‬ويقول‪ :‬هذه اآليات تدل على أنه ال بأس بتوسله بهم‪ ،‬ودعائهم‪ ،‬وقد ال يكون اِإل نسان عنده استطاعة على‬
‫الرد‪.‬‬
‫وذكر المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬جواًبا إجمالًيا‪ ،‬ما هو الجواب اِإل جمالي الذي قاله ؟ قال‪ :‬إنه جواب سديد‪ ،‬إنه ال يوفق‬
‫له إال ذو حظ عظيم وقد ُأوِتي الصبر‪ .‬فما هو هذا الجواب ؟‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.62 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزمر آية ‪.34 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الزمر آية ‪.34 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة يونس آية ‪.62 :‬‬

‫(‪)1/60‬‬

‫نقول‪ :‬إن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬أخبر في كتابه أنه أنزل الكتاب منه آيات محكمات‪ ،‬ومنه آيات متشابهات كما قال تعالى‪:‬‬
‫{ ِم ْنُه َآَياٌت ُمْح َك َم اٌت ُه َّن ُأُّم اْلِكَتاِب َو ُأَخ ُر ُمَتَش اِبَه اٌت } (‪ )1‬فأم الكتاب أصل المحكم‪ ،‬واآليات المحكمات‪:‬‬
‫الواضحات المعنى التي ال إشكال فيها‪ ،‬وُأخُر متشابهات هي التي يشكل معناها‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪ُ { :‬ه َو اَّلِذ ي َأْنَز َل‬
‫ِم‬ ‫ِم‬
‫َعَلْيَك اْلِكَتاَب ْنُه َآَياٌت ُمْح َك َم اٌت ُه َّن ُأُّم اْلِكَتاِب َو ُأَخ ُر ُمَتَش اِبَه اٌت َفَأَّما اَّلِذ يَن ِفي ُقُلوِبِه ْم َز ْيٌغ َفَيَّتِبُعوَن َم ا َتَش اَبَه ْنُه‬
‫اْبِتَغاَء اْلِف ْتَنِة َو اْبِتَغاَء َتْأِو يِلِه َو َم ا َيْع َلُم َتْأِو يَلُه ِإاَّل الَّلُه َو الَّر اِس ُخ وَن ِفي اْلِعْلِم َيُقوُلوَن َآَم َّنا ِبِه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْنِد َر ِّبَنا َو َما َيَّذ َّك ُر ِإاَّل‬
‫ُأوُلو اَأْلْلَباِب (‪.)2( } )7‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية ‪.7 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة آل عمران آية ‪.7 :‬‬

‫(‪)1/61‬‬

‫فأخبر اهلل أن أهل الزيغ يتعلقون بالنصوص المتشابهة‪ ،‬ويتركون النصوص المحكمة الواضحة؛ فأنت ذكرت لي آيات‬
‫نصوص على العين والرأس‪ ،‬لكن أنا ال أدري ما معناها‪ ،‬لكن اهلل أخبر في الكتاب العظيم أن المشركين ُيقُّر ون بتوحيد‬
‫ِئ‬ ‫ِت‬ ‫ِئ‬
‫الربوبية‪َ { .‬و َل ْن َس َأْلَتُه ْم َمْن َخ َلَق الَّس َم اَو ا َو اَأْلْرَض َو َس َّخ َر الَّش ْم َس َو اْلَق َمَر َلَيُقوُلَّن الَّلُه } (‪َ { )1‬و َل ْن َس َأْلَتُه ْم َمْن‬
‫ِل ِه‬ ‫ِف‬ ‫ِل‬
‫َخ َلَق ُه ْم َلَيُقوُلَّن الَّلُه } (‪ُ { )2‬قْل َم ِن اَأْلْرُض َو َمْن يَه ا ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪َ )84‬س َيُقوُلوَن َّل } (‪ُ { )3‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم‬
‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬
‫َن الَّس َم ا َو اَأْلْر ِض َأْم َمْن َيْم ُك الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر َو َمْن ُيْخ ِر ُج اْلَح َّي َن د‪M‬ح‪َ h‹Jّ9$#‬و ُيْخ ِر ُج اْلَم ِّيَت َن اْلَح ِّي َو َمْن‬
‫ُيَد ِّبُر اَأْلْم َر َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه } (‪.)4‬‬
‫وهذا واضح‪ ،‬ونصوص واضحة بأن الكفار يقرون بتوحيد الربوبية‪.‬‬
‫كذلك ذكر اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬في كتابه أن شركهم كان بطلب الشفاعة‪ ،‬وبطلب القربى والجاه‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫{ َو اَّلِذ يَن اَّتَخ ُذ وا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َما َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل ِلُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّلِه ُز ْلَف ى ِإَّن الَّلَه َيْح ُك ُم َبْيَنُه ْم ِفي َما ُه ْم ِفيِه َيْخ َتِلُفوَن ِإَّن‬
‫الَّلَه اَل َيْه ِد ي َمْن ُه َو َك اِذ ٌب َك َّف اٌر (‪.)5( } )3‬‬
‫فهذه آيات محكمات واضحة بِّينة‪ ،‬ال لبس فيها وال إشكال‪ ،‬أن الكفار يقرون بتوحيد الربوبية‪ ،‬وأنهم يدعون‬
‫الصالحين‪ ،‬يطلبون منهم الزلفى والقربى والشفاعة‪.‬‬
‫هذه آيات ال إشكال فيها وال في معناها‪ ،‬أما ما ذكرت من اآليات فإني ال أعرف معناها‪ ،‬لكن أنا أجزم أن كالم اهلل ال‬
‫يتناقض‪ ،‬وأن كالم الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يناقض كالم اهلل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة العنكبوت آية ‪.61 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزخرف آية ‪.87 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة المؤمنون آية ‪.85-84 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة يونس آية ‪.31 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الزمر آية ‪.3 :‬‬

‫(‪)1/62‬‬

‫هذا جواٌب سديٌد ؛ فاآليات التي أوردتها تستدل بها على أنه يجوز التعلق بصالحين‪ ،‬هذا ليس بصحيح؛ ألَّن عندنا آيات‬
‫نصوص محكمة واضحة تدُّل على أن المشركين يشركون بها‪ ،‬وأنهم أقُّر وا بتوحيد الربوبية‪ ،‬فأجزم بها‪ ،‬وهذه آيات‬
‫محكمات‪ ،‬نصوص محكمة‪ ،‬ال إشكال فيها‪.‬‬
‫أما اآليات التي ذكرتها ال أعرف معناها‪ ،‬ولكن أجزم أنها ال تناقض اآليات المحكمة التي ذكرتها لك‪ ،‬بل توافقها‪ ،‬وإال‬
‫لزم التناقض في كالم اهلل‪ ،‬واهلل كالمه منزٌه عن التناقض‪ ،‬كما أنها ال تنافي أحاديث رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪.-‬‬
‫هذا جواٌب سديد‪ ،‬فضع كل ما أتيت من نصوص يريد بها أن يثبت أنه يجوز التعلق بصالحين وسؤال قضاء الحاجيات‬
‫وتفريج الكربات‪.‬‬
‫نقول‪ :‬ال‪ .‬قف عند حِّد ك؛ عندي نصوص محكمة تبين أن شرك المشركين بهذا‪ ،‬وأنهم يقرون بتوحيد الربوبية‪ ،‬فال‬
‫يمكن أن تكون النصوص التي أتيت بها تناقض هذه النصوص‪ ،‬بل ال بد وأن توافقها؛ ألن كالم اهلل يوافق بعضه بعًض ا‪.‬‬
‫هذا جواٌب سديٌد نافع لكل أحد من العوام‪ ،‬لكن ال بد أن يكون معه شيء من العلم‪ ،‬يعرف آية (آل عمران) بأن اهلل‬
‫أنزل الكتاب منه اآليات المحكمات واآليات المتشابهات‪ ،‬ويعرف اآليات التي أقَّر بها المشركين توحيد الربوبية‪،‬‬
‫واآليات التي ينافيها المشركون أنهم عندما دعوا الصالحين قصدوا القربى والزلفى والشفاعة‪.‬‬
‫هذه تكون عنده يفهمها‪ ،‬وتكون له أصل‪ ،‬فإذا اشتبه على الموحد شيء من كالم المشرك يقول له‪ :‬قف عند حدك‪ ،‬أنا‬
‫عندي شيء ثابت واضح المعنى‪ ،‬وال يمكن أن ينقض كالم اهلل بعضه بعًض ا‪.‬‬
‫شبهة المعاندين في التلفظ بكلمة التوحيد‬
‫فإن قال‪ :‬هؤالء اآليات نزلت فيمن يعبد األصنام‪ ،‬كيف تجعلون الصالحين من األصنام؟ أم كيف تجعلون األنبياء أصناًما‬
‫؟‪.‬‬

‫(‪)1/63‬‬

‫فجاوبه بما تقَّدم‪ ،‬فإنه إذا أقَّر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها هلل‪ ،‬وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إال الشفاعة‪ ،‬ولكن‬
‫أراد أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكر‪ ،‬فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو األصنام‪ ،‬ومنهم من يدعو األولياء الذين قال‬
‫اهلل فيهم‪ُ { :‬أوَلِئَك اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن َيْبَتُغوَن ِإَلى َر ِّبِه ُم اْلَو ِس يَلَة َأُّيُه ْم َأْقَر ُب } (‪] )1‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية‪.]57 :‬‬
‫ِم‬
‫ويدعون عيسى ابن مريم وأمه‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪َ { :‬ما اْلَم ِس يُح اْبُن َمْر َيَم ِإاَّل َرُس وٌل َقْد َخ َلْت ْن َقْبِلِه الُّر ُس ُل َو ُأُّمُه‬
‫ِص ِّديَقٌة َك اَنا َيْأُكاَل ِن الَّطَعاَم اْنُظْر َك ْيَف ُنَبِّيُن َلُه ُم اَآْلَياِت ُثَّم اْنُظْر َأَّنى ُيْؤ َفُك وَن (‪ُ )75‬قْل َأَتْع ُبُد وَن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َم ا اَل‬
‫َيْم ِلُك َلُك ْم َض ًّر ا َو اَل َنْف ًعا َو الَّلُه ُه َو الَّس ِم يُع اْلَعِليُم (‪] )2( } )76‬سورة المائدة‪ ،‬اآليتان‪.]76 ،75 :‬‬
‫ِء‬
‫واذكر قوله تعالى‪َ { :‬و َيْو َم َيْح ُش ُر ُه ْم َج ِم يًعا ُثَّم َيُقوُل ِلْلَم اَل ِئَك ِة َأَه ُؤ اَل ِإَّياُك ْم َك اُنوا َيْع ُبُد وَن (‪َ )40‬قاُلوا ُسْبَح اَنَك َأْنَت‬
‫َو ِلُّيَنا ِم ْن ُدوِنِه ْم َبْل َك اُنوا َيْع ُبُد وَن اْلِج َّن َأْك َثُر ُه ْم ِبِه ْم ُمْؤ ِم ُنوَن (‪] )3( } )41‬سورة سبأ‪ ،‬اآليتان‪.]41 ،40 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة اإلسراء آية ‪.57 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة المائدة آية ‪.76-75 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة سبأ آية ‪.41-40 :‬‬

‫(‪)1/64‬‬

‫وقوله تعالى‪َ { :‬و ِإْذ َقاَل الَّلُه َيا ِع يَس ى اْبَن َمْر َيَم َأَأْنَت ُقْلَت ِللَّناِس اَّتِخ ُذ وِني َو ُأِّمَي ِإَلَهْيِن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َقاَل ُسْبَح اَنَك َما‬
‫ِف ِس‬ ‫ِف ِس‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬
‫َيُك وُن ي َأْن َأُقوَل َما َلْيَس ي ِبَح ٍّق ِإْن ُك ْنُت ُقْلُتُه َفَق ْد َع ْم َتُه َتْع َلُم َم ا ي َنْف ي َو اَل َأْع َلُم َم ا ي َنْف َك ِإَّنَك َأْنَت َعاَّل ُم‬
‫اْلُغُيوِب (‪] )1( } )116‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية‪ .]116 :‬فقل له‪ :‬عرفت أن اهلل كَّف ر َمْن َقَص د األصنام‪ ،‬وكَّف ر أيًض ا َمْن‬
‫َقَص د الصالحين‪ ،‬وقاتلهم رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫هذه الشبهة األولى‪ ،‬قالوا الجواب المفصل إذا قال‪ :‬أعترف وأقُّر بأنه ال يخلق إال اهلل‪ ،‬وال يرزق إال اهلل‪ ،‬وال ينفع إال‬
‫اهلل‪ ،‬وال يضر إال اهلل‪ ،‬ويقُّر بأن محمًد ا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يملك لنفسه نفًعا وال ضًر ا‪ ،‬فضال عن علمك لغيره‪،‬‬
‫فضال عن عبد القادر الجيالني أو غيره ممن كانوا يعبدون‪.‬‬
‫عبد القادر الجيالني أو فالن أو عالن‪ ،‬هذا اعتراف أن الرسول ال يملك ألحٍد نفًعا وال ضًر ا‪ ،‬وغيرهم من باب أولى‪،‬‬
‫فمن ال يملك لنفسه نفًعا وال ضًر ا لكنه قال أنا مذنب‪ ،‬والصالحون لهم جاٌه‪ ،‬وأنا أطلب من اهلل بهم‪ ،‬أطلب من اهلل‪:‬‬
‫يتوسل بهم يقربوني إلى اهلل‪ ،‬وينقلون حوائجي إلى اهلل‪ ،‬ويشفعون لي‪.‬‬
‫لكن هذا ما أعتقد أن غير اهلل خالق‪ ،‬ال أعتقد أن يخلق إال اهلل‪ ،‬وال يرزق إال اهلل‪ ،‬وال ينفع إال اهلل‪ ،‬وال يضر إال اهلل‪،‬‬
‫وأعتقد أن محمًد ا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يملك لنفسه نفًعا وال ضًر ا‪ ،‬وغيرهم من باب أولى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة المائدة آية ‪.116 :‬‬

‫(‪)1/65‬‬

‫فعبد القادر الجيالني من باب أولى ‪ -‬عبد القادر الجيالني أو سيد البدوي‪ ،‬أو السيد الدسوقي‪ ،‬أو نفيسة‪ ،‬أو زينب ‪-‬‬
‫وال هؤالء وال غيرهم يملكون ألنفسهم نفًعا وال ضًر ا؛ لكن الصالحون لهم جاه عند اهلل‪ ،‬وأنا مذنب‪ ،‬فهم أقرب مني‬
‫إلى اهلل‪ ،‬فأنا اآلن أتوسل بهم أطلب منهم أن يقربوني إلى اهلل ويشفعوَن لي عنده‪ .‬فقل له‪ :‬حالك وحال المشركين‬
‫واحد‪ .‬فالمشركين الذين قاتلهم رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وكَّف رهم واستحَّل دماءهم وأموالهم يعتقدون أنه‬
‫ال يخلق إال اهلل‪ ،‬وال يرزق إال اهلل‪ ،‬وال ينفع إال اهلل‪ ،‬وال يضر إال اهلل‪ ،‬ويعتقدون أن أوثانهم ال تملك لنفسها نفًعا وال‬
‫ضًر ا؛ وإَّنما يطلبون منها القربى والشفاعة فقط‪.‬‬
‫هذه حال المشركين‪ ،‬واقرأ عليهم قول اهلل‪َ { :‬و َيْع ُبُد وَن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َم ا اَل َيُضُّر ُه ْم َو اَل َيْنَف ُعُه ْم َو َيُقوُلوَن َه ُؤ اَل ِء ُش َف َعاُؤَنا‬
‫ِع ْنَد الَّلِه } (‪.)1‬‬
‫واقرأ اآليات‪ ،‬اقرأ عليهم قول اهلل تعالى‪َ { :‬و اَّلِذ يَن اَّتَخ ُذ وا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َم ا َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل ِلُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّلِه ُز ْلَف ى } (‪.)2‬‬
‫إذن ماذا يطلبون ؟ يطلبون منهم القربى إلى اهلل‪ ،‬ويطلبون الشفيع‪ .‬ماذا قالوا ؟ هل قالوا إنهم يخلقون ؟ وماذا قالوا ؟‬
‫هل قالوا إنهم يرزقون‪ ،‬وال قالوا إنهم يضرون‪ ،‬وال قالوا إنهم ينفعون‪ ...‬فهذه هي حالك حال المشركين‪ .‬فبطلت هذه‬
‫الشبهة‪.‬‬
‫الشبهة الثانية وجوابها‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.18 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزمر آية ‪.3 :‬‬

‫(‪)1/66‬‬

‫وإن قال إن هذه اآليات التي في قوله تعالى‪َ { :‬و اَّلِذ يَن اَّتَخ ُذ وا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َم ا َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل ِلُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّلِه ُز ْلَف ى } (‬
‫‪ )1‬وقوله‪َ { :‬و َيْع ُبُد وَن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َم ا اَل َيُضُّر ُه ْم َو اَل َيْنَف ُعُه ْم َو َيُقوُلوَن َه ُؤ اَل ِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد الَّلِه } (‪ )2‬إَّنما هي في عبادة‬
‫األصنام واألوثان‪ .‬وأنا ما أعبد األصنام واألوثان حتى تجعلني مثلهم‪.‬‬
‫هذه اآليات وهذه النصوص نزلت في ُعَّباد األصنام واألوثان الذين يعبدون الالت والعزى‪ ،‬وأنا أتوسل بالصالحين‪،‬‬
‫أطلب من الصالحين‪ ،‬ما أتوسل باألصنام واألوثان !‪ .‬كيف تجعل الصالحين مثل األصنام واألوثان ؟ وكيف تجعلني مثل‬
‫عَّباد األصنام واألوثان ؟!‬
‫أنا أشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬وال أعبد األصنام‪ ،‬وال أدعو األصنام واألوثان‪ ،‬وإَّنما أطلب من‬
‫الصالحين فقط الزلفى؛ ألنني مذنب‪ ،‬وأنا أطلب من الصالحين‪ ،‬بل أطلب من اهلل بهم‪ ،‬أتوسل بهم فقط‪ ،‬ينقلوا حوائجي‬
‫إلى اهلل‪ ،‬ويقربوني إلى اهلل‪.‬‬
‫فهذه اآليات التي قلُت نزلت في عباد األصنام واألوثان‪ ،‬فكيف تجعلني كعباد األصنام واألوثان وأنا مسلم أشهد أن ال‬
‫إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن محمًد ا رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬؟ وكيف تجعل الصالح مثل األصنام واألوثان ؟ ما‬
‫الجواب ؟‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬أن الكفار في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عبادتهم متنوعة‪ ،‬وليس كلهم يعبدون األصنام واألوثان‬
‫فقط‪ ،‬بل منهم من يعبد األصنام واألوثان‪ ،‬ومنهم من يعبد األنبياء‪ ،‬ومنهم من يعبد الصالحين‪ ،‬ومنهم من يعبد المالئكة‪،‬‬
‫وكلهم قصدهم مثل قصدك‪ ،‬يقصدون التقرب منهم والتوسل بهم والُّز لَف ى والشفاعة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزمر آية ‪.3 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة يونس آية ‪.18 :‬‬

‫(‪)1/67‬‬

‫واقرأ عليه اآليات‪ ،‬واقرأ عليه قول اهلل تعالى‪ُ { :‬أوَلِئَك اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن َيْبَتُغوَن ِإَلى َر ِّبِه ُم اْلَو ِس يَلَة َأُّيُه ْم َأْقَر ُب } (‪.)1‬‬
‫لقد بَّين اهلل أن الذين يدعونهم أو يعبدونهم من دون اهلل هو يبتغون الوسيلة إلى اهلل‪ ،‬يطلبون الُقْر َبى إليه‪ ،‬فهم إًذا عباد‬
‫صالحون يعبدون اهلل‪ ،‬ويطلبون القربى إليه من المالئكة واألنبياء وغيرهم‪.‬‬
‫واقرأ قول اهلل تعالى‪َ { :‬و ِإْذ َقاَل الَّلُه َيا ِع يَس ى اْبَن َمْر َيَم َأَأْنَت ُقْلَت ِللَّناِس اَّتِخ ُذ وِني َو ُأِّمَي ِإَلَهْيِن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َقاَل‬
‫ُسْبَح اَنَك َما َيُك وُن ِلي َأْن َأُقوَل َما َلْيَس ِلي ِبَح ٍّق ِإْن ُك ْنُت ُقْلُتُه َفَق ْد َعِلْم َتُه َتْع َلُم َم ا ِفي َنْف ِس ي َو اَل َأْع َلُم َما ِفي َنْف ِس َك ِإَّنَك‬
‫َأْنَت َعاَّل ُم اْلُغُيوِب (‪.)2( } )116‬‬
‫ِس‬ ‫ِب‬ ‫ِص‬
‫هذا عيسى نبٌّي ‪ ،‬وهذه أمه ِّديقٌة‪ ،‬وقد ُع دا من دون اهلل‪ ،‬وليسوا أصناًم ا؛ ولهذا قال اهلل تعالى‪َ { :‬ما اْلَم يُح اْبُن َمْر َيَم‬
‫ِإاَّل َرُس وٌل َقْد َخ َلْت ِم ْن َقْبِلِه الُّر ُس ُل َو ُأُّمُه ِص ِّديَقٌة َك اَنا َيْأُكاَل ِن الَّطَعاَم اْنُظْر َك ْيَف ُنَبِّيُن َلُه ُم اَآْلَياِت ُثَّم اْنُظْر َأَّنى ُيْؤ َفُك وَن (‬
‫‪.)3( } )75‬‬
‫وكذلك المالئكة ُعِبُد وا‪ ،‬وهم ليسوا أصناًم ا وأوثاًنا { َو َيْو َم َيْح ُش ُر ُه ْم َج ِم يًعا ُثَّم َيُقوُل ِلْلَم اَل ِئَك ِة َأَه ُؤ اَل ِء ِإَّياُك ْم َك اُنوا‬
‫َيْع ُبُد وَن (‪َ )40‬قاُلوا ُسْبَح اَنَك َأْنَت َو ِلُّيَنا ِم ْن ُدوِنِه ْم َبْل َك اُنوا َيْع ُبُد وَن اْلِج َّن َأْك َثُر ُه ْم ِبِه ْم ُمْؤ ِم ُنوَن (‪.)4( } )41‬‬
‫فتقول له‪ :‬أعرفت أن اهلل كَّف ر عَّباد األصنام وعَّباد الصالحين‪ ،‬وعرفت أن اآليات نزلت في عَّباد األصنام وفي ُعَّباد‬
‫الصالحين ؟ !‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة اإلسراء آية ‪.57 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة المائدة آية ‪.116 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة المائدة آية ‪.75 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة سبأ آية ‪.41-40 :‬‬

‫(‪)1/68‬‬
‫فالمشركون في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عبادتهم متنوعة‪ :‬منهم من يعبد الالت‪ ،‬ومنهم من يعبد العزى‪،‬‬
‫ومنهم من يعبد المالئكة‪ ،‬ومنهم من يعبد المسيح ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وأمه‪ ،‬ومنهم من يعبد الصالحين واألولياء‪ ،‬ومنهم‬
‫من يعبد الشمس‪ ،‬ومنهم من يعبد القمر‪ ،‬ومنهم من يعبد الشجر‪ ،‬ومنهم من يعبد الحجر‪ ...‬عبادات متنوعة‪ ،‬لكن‬
‫الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حكم عليهم جميعهم بحكٍم واحٍد ‪ ،‬وهو أنهم كَّف ار جميًعا‪ ،‬وأحَّل دماءهم وأموالهم‪،‬‬
‫واعتبرهم مشركين‪ ،‬وبهذه تبطل هذه الشبهة وتزول‪.‬‬
‫إًذا‪ ،‬ما الفرق بين الشبهتين ؟‬
‫أنا أعترف بأن اهلل هو الخالق الرازق النافع الضار المدبر‪ ،‬وأن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يملك لغيره ‪-‬‬
‫فضال عن نفسه ‪ -‬نفًعا وال ضًر ا‪ .‬أنا أطلب اهلل بهم‪ ،‬أدعو اهلل‪ ،‬وال أدعو الصالحين‪ ،‬لكن أن أطلب من اهلل بهم‪ ،‬أيتوسل‬
‫بهم‪ ،‬بل يدعو الصالح يدعوهم‪ ،‬يريد منهم الزلفى والقربى والشفاعة‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬هو أن يقال‪ :‬إَّن مقالتك مقالة الذين قاتلهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬سواًء بسواٍء ‪ ،‬فالمشركون‬
‫يطلبون القربى والشفاعة‪.‬‬
‫فالشبهة الثانية كأنها اعتراض على جواب الشبهة األولى‪ ،‬وأنا ما أعبد األصنام واألوثان‪ ،‬وأنا أطلب من الصالحين‪،‬‬
‫فالصالحين لهم جاه‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إن منهم من يعبد األصنام‪ ،‬ومنهم من يعبد الالت والعزى‪ ،‬ومنهم من يعبد المالئكة‪ ،‬ومنهم من يعبد األنبياء‪.‬‬
‫واقرأ عليه النصوص التي فيها بيان أن منهم من عبد األنبياء‪ ،‬ومنهم من عبد الصالحين‪ ،‬ومنهم من عبد األشجار‬
‫واألحجار‪.‬‬
‫شبهة عدم رجاء النفع والضر من الصالحين‬
‫فإن قال‪ :‬الكفار يريدون منهم‪ ،‬وأنا أشهد أن اهلل هو النافع الضاّر ال أريد إال منه‪ ،‬والصالحون ليس لهم من األمر شيء؛‬
‫ولكن أقصدهم أرجو من اهلل شفاعتهم‪.‬‬

‫(‪)1/69‬‬

‫فالجواب‪ :‬أن هذا قول الكافر سواء بسواء‪ ،‬فاقرأ عليه قوله تعالى‪َ { :‬و اَّلِذ يَن اَّتَخ ُذ وا ِم ْن ُدوِنِه َأْو ِلَياَء َما َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل‬
‫ِلُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّلِه ُز ْلَف ى } (‪] )1‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية‪ .[ 3 :‬وقوله تعالى‪َ { :‬و َيُقوُلوَن َه ُؤ اَل ِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد الَّلِه } (‪] )2‬سورة‬
‫يونس‪ ،‬اآلية‪.[ 18 :‬‬
‫وعلم أن هذه الُّش َبه الثالث‪ :‬هي أكبر ما عندهم‪ ،‬فإذا عرفت أن اهلل وضحها في كتابه‪ ،‬وفهمتها فهًم ا جيًد ا‪ ،‬فما بعدها‬
‫أيسر منها‪ ،‬فإن قال‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل وهذا االلتجاء إلى الصالحين‪ ،‬ودعاؤهم ليس بعبادة‪ ،‬فقل له‪ :‬أنت ُتقّر أن اهلل‬
‫افترض عليك إخالص العبادة‪ ،‬وهو حقه عليك ؟‪ .‬فإذا قال‪ :‬نعم !‪ .‬فقل له‪َ :‬بِّيْن لي هذا الذي فرضه اهلل عليك‪ ،‬وهو‬
‫إخالص العبادة هلل وحده‪ ،‬وهو حقه عليك؛ فإنه ال يعرف العبادة وال أنواعها‪.‬‬
‫فبينها له بقولك‪ :‬قال اهلل تعالى‪ { :‬اْد ُعوا َر َّبُك ْم َتَض ُّر ًعا َو ُخ ْف َيًة } (‪] )3‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪ .]55 :‬فإذا أعلمته بهذا‬
‫فقل له‪ :‬هل علمت هذا عبادة هلل ؟‪ .‬فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪ .‬والدعاء مخ العبادة‪ ،‬فقل له‪ :‬إذا أقررت أنها عبادة هلل‬
‫ودعوت اهلل ليال ونهاًر ا‪ ،‬خوًفا وطمًعا‪ ،‬ثم دعوت في تلك الحاجة نبًّيا أو غيره‪ ،‬هل أشركت في عبادة اهلل غيره ؟‪ .‬فال‬
‫بد أن يقول‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فقل له‪ :‬إذا علمت بقول اهلل تعالى‪َ { :‬فَص ِّل ِلَر ِّبَك َو اْنَحْر (‪] )4( } )2‬سورة الكوثر‪ ،‬اآلية‪ .[ 2 :‬وأطعت اهلل ونحرت‬
‫له‪ ،‬هل هذا عبادة‪ ،‬فال بد أن يقول‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فقل له‪ :‬فإن نحرت لمخلوق‪ ،‬نبي‪ ،‬أو جني‪ ،‬أو غيرهما‪ ،‬هل أشركت في هذه العبادة غير اهلل ؟ فال بد أن ُيقَّر ‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫نعم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزمر آية ‪.3 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة يونس آية ‪.18 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األعراف آية ‪.55 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الكوثر آية ‪.2 :‬‬

‫(‪)1/70‬‬

‫وقل له أيًض ا‪ :‬المشركون الذين نزل فيهم القرآن‪ ،‬هل كانوا يعبدون المالئكة والصالحين والالت وغير ذلك ؟‪ .‬فال بد‬
‫أن يقول‪ :‬نعم‪ .‬فقل له‪ :‬وهل كانت عبادتهم إياهم إال في الدعاء‪ ،‬والذبح‪ ،‬وااللتجاء‪ ،‬ونحو ذلك ؟‪ .‬وإال فهم مقُّر وَن‬
‫أنهم عبيده وتحت قهره‪ ،‬وأن اهلل هو الذي يدِّبر األمر‪ ،‬ولكن دعوهم والتجئوا إليهم للجاه والشفاعة‪ ،‬وهذا ظاهر جًد ا‪.‬‬
‫(فإن قال)‪ :‬أتنكر شفاعة رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وتبرأ منها ؟ فقل‪ :‬ال أنكرها وال أتبرأ منها‪ ،‬بل هو ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الشافع والُم َش َّف ع‪ ،‬وأرجو شفاعته‪ ،‬لكن الشفاعة كلها هلل‪ ،‬كما قال تعالى‪ُ { :‬قْل ِلَّلِه الَّش َف اَعُة‬
‫َج ِم يًعا } (‪] )1‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية‪.[ 44 :‬‬
‫وال تكون إال من بعد إذن اهلل‪ ،‬كما قال ‪ -‬عز وجل ‪َ { -‬مْن َذا اَّلِذ ي َيْشَف ُع ِع ْنَدُه ِإاَّل ِبِإ ْذِنِه } (‪] )2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪ .[ 255‬وال يشفع في أحد إال من بعد أن يأذن اهلل فيه‪ ،‬كما قال ‪ -‬عز وجل ‪َ { -‬و اَل َيْشَف ُعوَن ِإاَّل ِلَم ِن اْر َتَض ى } (‬
‫‪] )3‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪ .[ 28 :‬وهو ‪-‬سبحانه‪ -‬ال يرضى إال التوحيد‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬و َمْن َيْبَتِغ َغْيَر اِإْل ْس اَل ِم ِد يًنا‬
‫َفَلْن ُيْق َبَل ِم ْنُه } (‪] )4‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.[ 85 :‬‬
‫فإذا كانت الشفاعة كلها هلل‪ ،‬وال تكون إال من بعد إذنه وال يشفع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وال غيره في أحٍد‬
‫حتى يأذن اهلل فيه‪ ،‬وال يأذن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬إال ألهل التوحيد‪ .‬تبَّين لك أَّن الشفاعة كلها هلل‪ ،‬وأطلبها منه فأقول‪ :‬اللهم ال‬
‫تحرمني شفاعته‪ ،‬اللهم شِّف ْعُه فّي ‪ ،‬وأمثال هذا‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزمر آية ‪.44 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة البقرة آية ‪.255 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األنبياء آية ‪.28 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة آل عمران آية ‪.85 :‬‬
‫(‪)1/71‬‬

‫يقول‪ :‬أنا أعترف بقول الكفار السابقين‪ ،‬يريدون في معبودهم النفع والضر‪ ،‬ويريدون منهم أن ينفعوهم أو يضروهم‪،‬‬
‫وأنا ال أريد من الصالحين أن ينفعوني أو يضروني‪ ،‬إَّنما أعتقد أن النافع والضار هو اهلل‪ ،‬لكن أريد من الصالحين الشفاعة‬
‫فقط‪ ،‬الشفاعة والقربى فقط؛ ألنهم هم أقرب مني إلى اهلل‪ ،‬لهم جاه ومنزلة عند اهلل‪ ،‬فهم ينقلون حوائجي إلى اهلل‪،‬‬
‫يقربوني إلى اهلل‪ ،‬فأنا ال أعتقد أنهم ينفعوني أو يضروني‪ ،‬لكن الكفار السابقين يريدون منهم النفع والضر‪ ،‬أما أنا ما أريد‬
‫منهم النفع والضر‪ ،‬أعرف بأنهم ال ينفعون وال يضرون‪ ،‬لكن أريد منهم الشفاعة والقربى فقط‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬نقول إن مقالتك هي مقالة المشركين السابقين سواء بسواء‪ ،‬فالسابقون الكفار ال يريدون منهم النفع والضر‪،‬‬
‫وال يعتقدون أنهم يخلقون أو يرزقون أو يدبرون‪ ،‬فاقرأ عليهم اآليات { َو َلِئْن َس َأْلَتُه ْم َمْن َخ َلَق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْرَض‬
‫َو َس َّخ َر الَّش ْم َس َو اْلَق َمَر َلَيُقوُلَّن الَّلُه } (‪َ { )1‬و َلِئْن َس َأْلَتُه ْم َمْن َخ َلَق ُه ْم َلَيُقوُلَّن الَّلُه } (‪ُ { )2‬قْل ِلَم ِن اَأْلْرُض َو َمْن ِفيَه ا ِإْن‬
‫ِل‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬ ‫ِل ِه‬
‫ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪َ )84‬س َيُقوُلوَن َّل } (‪ُ { )3‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم َن الَّس َم ا َو اَأْلْر ِض َأْم َمْن َيْم ُك الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر َو َمْن‬
‫ُيْخ ِرُج اْلَح َّي ِم َن اْلَم ِّيِت َو ُيْخ ِر ُج اْلَم ِّيَت ِم َن اْلَح ِّي َو َمْن ُيَد ِّبُر اَأْلْم َر َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه } (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة العنكبوت آية ‪.61 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزخرف آية ‪.87 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة المؤمنون آية ‪.85-84 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة يونس آية ‪.31 :‬‬

‫(‪)1/72‬‬

‫إًذا‪ ،‬هو يعتقدون أن اهلل يدِّبر األمر‪ ،‬وهو الذي يرزق‪ ،‬وهو الذي يحيي ويميت‪ ،‬ولكن يطلبون منهم الشفاعة والقربى‪،‬‬
‫واقرأ عليهم اآليات‪َ { :‬و َيْع ُبُد وَن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َما اَل َيُضُّر ُه ْم َو اَل َيْنَف ُعُه ْم َو َيُقوُلوَن َه ُؤ اَل ِء ُش َف َعاُؤَنا ِع ْنَد الَّلِه } (‪ )1‬إًذا‪،‬‬
‫يطلبون الشفاعة‪.‬‬
‫ِف‬ ‫ِه‬ ‫ِل‬ ‫ِنِه ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫واآليات األخرى { َو اَّل يَن اَّتَخ ُذ وا ْن ُدو َأْو َياَء َم ا َنْع ُبُد ُه ْم ِإاَّل ُيَق ِّر ُبوَنا ِإَلى الَّل ُز ْلَف ى ِإَّن الَّلَه َيْح ُك ُم َبْيَنُه ْم ي َم ا ُه ْم‬
‫ِفيِه َيْخ َتِلُف وَن ِإَّن الَّلَه اَل َيْه ِد ي َمْن ُه َو َك اِذ ٌب َك َّف اٌر (‪ )2( } )3‬قائلين ما نعبدهم إال ليقربونا إلى اهلل زلفى‪.‬‬
‫ملخص للشبه الثالث‪:‬‬
‫هذه الُّش َبه الثالث يقول المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬هذه من أعظم الُّش َبه‪ ،‬فإذا فهمتها جيًد ا فما بعدها أيسر منها‪ .‬إذا نريد‬
‫اختصار الشبه الثالث ألنه فيه بعض التشابه بينها‪.‬‬
‫والشبهة األولى يقّر أن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يملك لنفسه نفًعا وال ضًر ا فضال عن غيره من باب أولى‪،‬‬
‫لكن أنا مذنب‪.‬‬
‫والجواب على هذه الشبهة‪ :‬أن ما كان المشركين ال يريدون إال القربى والشفاعة بنص القرآن‪ ،‬وال يعتقدون أنهم‬
‫يخلقون أو يرزقون أو ينفعون أو يضرون‪.‬‬
‫الشبهة الثانية كيف تجعلنا مثل الكفار؟ وهم ال يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ونحن نشهد أن ال إله‬
‫إال اهلل‪ ،‬فكيف تجعلنا مثل الكفار ونحن ندعو الصالحين ؟ وهم يدعون األصنام فكيف تجعل الصالحين مثل األصنام ؟‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬الكفار عبادتهم متنوعة‪ ،‬منهم من يعبد األصنام ‪ -‬كما ذكرت ‪ ،-‬ومنهم من يعبد الصالحين‪ ،‬ومنهم من يعبد‬
‫األشجار‪ ،‬ومنهم من يعبد األحجار‪ ،‬ومنهم من يعبد المالئكة‪ ،‬فاقرأ عليه اآليات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.18 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزمر آية ‪.3 :‬‬

‫(‪)1/73‬‬

‫الشبهة الثالثة‪ :‬تقول مقالتك مقالة المشركين سواًء بسواٍء ‪ ،‬أنت تقول نريد منهم القربى والجاه‪ ،‬هم المشركون يريدون‬
‫القربى والجاه والشفاعة فقط ؟ وتقرأ عليه اآليات‪.‬‬
‫أن المشركين السابقين كانوا يعتقدون أنهم ال يطلبون منهم النفع والضر كما زعمت‪ ،‬بل يطلبون القربى والشفاعة كما‬
‫طلبت‪ ،‬فقولك مثل مقالتهم سواًء بسواٍء ‪ ،‬واقرأ عليه اآليات‪.‬‬
‫هذه الشبه الثالث‪ :‬الشبهة األولى‪ :‬أعتقد أن اهلل هو الخالق النافع الضار‪ ،‬وأنا مذنب‪ ،‬والصالحون لهم جاه‪ ،‬أنا أريد‬
‫الجاه فقط‪ ،‬أريد الشفاعة‪ ،‬أريد القربى‪ ،‬هذه الشبهة أوضح؛ حيث صَّر ح بأن الكفار السابقين يريدون منهم النفع‬
‫والضر‪ ،‬وفيه تقع كل الُّش َبه الثالث متقاربة‪.‬‬
‫فالشبهة األولى ال نعرف هل السابقين يريدون النفع والضر‪ ،‬ولكن تحَّدث عن نفسه وقال‪ :‬أنا ال أعتقد أنهم يخلقون‬
‫وال يرزقون وال ينفعون وال يضرون‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة قال‪ :‬إن الكفار يدعونهم؛ ألنهم يطلبون منهم النفع والضر‪.‬‬
‫أما الشبهة األولى‪ :‬ما قال أن يطلبون منهم فقط‪ ،‬بل قال‪ :‬أنا أعتقد أنهم ال ينفعون أو يضرون؛ إنما أطلب الشفاعة‬
‫والجاه‪.‬‬
‫وأما الشبهة الثانية‪ :‬قال‪ :‬إن هذه اآليات في عبادة األصنام‪ ،‬كيف تجعل الصالحين مثل األصنام ؟ وأنا أدعو الصالحين‪.‬‬
‫وأما الشبهة الثالثة‪ :‬قال‪ :‬إن السابقين يطلبون منهم النفع والضر‪ ،‬وأنا ال أطلب النفع وال الضّر ‪.‬‬

‫(‪)1/74‬‬

‫وقال المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬واعلم أن الُّش َبه الثالث هي أكبر ما عندهم " هذه الُّش َبه واضحة‪ ،‬وهو أن يقول‪ :‬أنا ال‬
‫أعبد إال اهلل وهذه الشبهة الرابعة‪ .‬فيقول المشرك‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل‪ ،‬وهذا االلتجاء إلى الصالحين ودعائهم وطلب‬
‫الشفاعة منهم ليس عبادة‪ ،‬أنا أعبد اهلل‪ ،‬أنا لست بمشرك‪ ،‬ال أعبد إال اهلل‪ ،‬لكن دعاء الصالحين والتوجه إليهم ليس‬
‫عبادة‪ ،‬هنا ليس بعبادة‪ ،‬لكن محبة للصالحين وتوسل وتشفع وليس بعبادة‪ ،‬أما أنا فأعبد اهلل وأشهد أن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬وأصلي وأصوم وأحج‪ ،‬وأنا أتبرأ من الشرك‪ ،‬ما أعبد إال اهلل‪ ،‬هذا االلتجاء للصالحين ليس‬
‫بشرك‪.‬‬
‫والجواب عن هذه الشبهة‪ :‬أن تقول أن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬فرض عليك العبادة‪ ،‬بل فرضها على الَّثقلين ‪-‬الجن واِإل نس‪ -‬قال‬
‫تعالى‪َ { :‬و َم ا َخ َلْق ُت اْلِج َّن َو اِإْل ْنَس ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وِن (‪ )1( } )56‬وهو حقه عليك‪ .‬أتعرف بهذا ؟‪ .‬نعم !‪ .‬اهلل فرض علَّي أن‬
‫أعبده‪ ،‬أنا ما أعبد إال اهلل‪ ،‬فرض علَّي عبادته‪ ،‬وفرضها على اإلنسان والجن كذلك‪ ،‬يقولون‪ :‬ما هذه العبادة التي فرضها‬
‫عليك ؟ أتظن أن اهلل يوجبها‪ ،‬وال يبينها ؟ يوجب على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيًئا‪ ،‬وال يبين هذه العبادة ما هي‬
‫؟ ال يمكن ؟‪.‬‬
‫بل هذا ال بد أن يبين هذا األمر الذي أوجبه اهلل على العباد أعظم من بيان الصالة والزكاة والصيام والحج وإخالص‬
‫العباد هلل‪ .‬فقل‪ :‬بِّين لي هذا األمر الذي أوجبه اهلل على العباد ؟‬
‫فال يعرف !‪ .‬فتقرأ عليه قول اهلل تعالى‪ { :‬اْد ُعوا َر َّبُك ْم َتَض ُّر ًعا َو ُخ ْف َيًة ِإَّنُه اَل ُيِح ُّب اْلُم ْعَتِد يَن (‪ )2( } )55‬وكذلك‪:‬‬
‫{ َو َقاَل َر ُّبُك ُم اْد ُعوِني َأْسَتِج ْب َلُك ْم ِإَّن اَّلِذ يَن َيْس َتْك ِبُر وَن َعْن ِع َباَدِتي َسَيْد ُخ ُلوَن َجَه َّنَم َداِخ ِر يَن (‪ )3( } )60‬فسَّم ى اهلل‬
‫الدعاء عبادة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الذاريات آية ‪.56 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.55 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة غافر آية ‪.60 :‬‬

‫(‪)1/75‬‬

‫وكذلك‪َ { :‬و ِإَذا َس َأَلَك ِع َباِد ي َعِّني َفِإ ِّني َقِر يٌب ُأِج يُب َدْع َو َة الَّداِع } (‪ )1‬و { اْد ُعوا َر َّبُك ْم َتَض ُّر ًعا َو ُخ ْف َيًة ِإَّنُه اَل ُيِح ُّب‬
‫ِذ‬ ‫ِج‬ ‫ِن‬ ‫ِد‬
‫اْلُم ْعَت يَن (‪ )2( } )55‬ادعوا‪ :‬أمر بالدعاء‪ ،‬و‪ ،‬وكذلك‪َ { :‬و َقاَل َر ُّبُك ُم اْد ُعو ي َأْسَت ْب َلُك ْم ِإَّن اَّل يَن َيْس َتْك ِبُر وَن َعْن‬
‫ِع َباَدِتي َسَيْد ُخ ُلوَن َجَه َّنَم َداِخ ِر يَن (‪ )3( } )60‬فقلت له‪ :‬عرفت أن اهلل سَّم ى الدعاء عبادة‪ ،‬بل مخ العبادة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫نعم !‪ .‬ال بد ان يعترف ويلتزم بالنصوص القرآنية‪ ،‬فقل له‪ :‬إذا دعوت اهلل ليال ونهاًر ا‪ ،‬خوًفا وطمًعا‪ ،‬ثم بعد ذلك دعوت‬
‫أحياًنا عبد القادر الجيالني‪ ،‬وقلت‪ :‬يا عبد القادر الجيالني اضني‪ ،‬أو يا سيدي مدد‪ ،‬أو يا سيدي الدسوقي‪ ،‬أو يا سيدة‬
‫نفيسة‪ ،‬أو يا إبراهيم‪ ،‬أو يا عبد القادر الجيالني‪ ...‬أو غيرهم‪ ،‬أو يا رسول اهلل‪ ،‬أو يا سيدي رسول اهلل أغثني‪ ،‬فِّر ْج عني‬
‫كربتي‪ ،‬صرفت الدعاء لغير اهلل‪ ،‬لم ال ؟‪ .‬فيقول‪ :‬نعم‪ .‬فتقول‪ :‬إنك وقعت بما تقول في الشرك‪ ،‬لو كنت تدعو اهلل ليال‬
‫ونهاًر ا‪ ،‬خوًفا وطمًعا؛ ألنه وقع في أعمال الشرك‪ ،‬وقل له‪ :‬يقول اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪َ { :-‬فَص ِّل ِلَر ِّبَك َو اْنَحْر (‪( } )2‬‬
‫‪.)4‬‬
‫هذا أمر بأن تصلي هلل وتنحر‪ ،‬أي‪ :‬تذبح هلل‪ ،‬فإذا ذبحت لعبد القادر الجيالني تقربي إليه ذبحت خروًفا أو عجال أو‬
‫دجاجًة أو بعيًر ا سواء ذبحت لرسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أو ذبحت لعبد القادر الجيالني وللبدوي‪،‬‬
‫وللحسين‪ ،‬أو لنجم‪ ،‬أو للقمر‪ ،‬أو للشمس‪ ،‬وقعت في الشرك‪ ،‬أي أشركت باهلل؛ ألن اهلل يقول‪َ { :‬فَص ِّل ِلَر ِّبَك َو اْنَحْر (‬
‫‪.)5( } )2‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية ‪.186 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.55 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة غافر آية ‪.60 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الكوثر آية ‪.2 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الكوثر آية ‪.2 :‬‬

‫(‪)1/76‬‬

‫وقل له‪ :‬وهل شرك المشركين إال بااللتجاء إلى الصالحين ودعائهم‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعالى‪ -‬أخبر بأنهم يدعون الصالحين‪،‬‬
‫{ ُأوَلِئَك اَّلِذ يَن َيْد ُعوَن َيْبَتُغوَن ِإَلى َر ِّبِه ُم اْلَو ِس يَلَة } (‪ )1‬يعني‪ :‬هؤالء الذين تدعونهم من دون اهلل وتعبدونهم‪ ،‬هم‬
‫يطلبون القربى إلى اهلل بطاعته؛ ألنهم أنبياء وصالحين أولئك الذين يدعونهم من دون اهلل‪.‬‬
‫يبتغون ‪ -‬يعني ‪ :-‬هو يبتغون الوسيلة لربهم‪ ،‬يبتغون القربى إليه بطاعته أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه‪،‬‬
‫فأنتم تدعون‪ ،‬فهم يدعون قوًم ا يطلبون القربى إلى اهلل ويدعون اهلل ويخافونه ويرجونه‪ ،‬وقالت المالئكة { َو َيْو َم‬
‫َيْح ُش ُر ُه ْم َج ِم يًعا ُثَّم َيُقوُل ِلْلَم اَل ِئَك ِة َأَه ُؤ اَل ِء ِإَّياُك ْم َك اُنوا َيْع ُبُد وَن (‪َ )40‬قاُلوا ُسْبَح اَنَك َأْنَت َو ِلُّيَنا ِم ْن ُدوِنِه ْم } (‪ )2‬أنت‬
‫ولُّينا من دونهم أنهم كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون‪.‬‬
‫وقال ‪-‬سبحانه‪َ { :-‬و ِإْذ َقاَل الَّلُه َيا ِع يَس ى اْبَن َمْر َيَم َأَأْنَت ُقْلَت ِللَّناِس اَّتِخ ُذ وِني َو ُأِّمَي ِإَلَهْيِن ِم ْن ُدوِن الَّلِه َقاَل ُسْبَح اَنَك‬
‫ِف ِس‬ ‫ِف ِس‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬
‫َم ا َيُك وُن ي َأْن َأُقوَل َم ا َلْيَس ي ِبَح ٍّق ِإْن ُك ْنُت ُقْلُتُه َفَق ْد َع ْم َتُه َتْع َلُم َم ا ي َنْف ي َو اَل َأْع َلُم َم ا ي َنْف َك ِإَّنَك َأْنَت َعاَّل ُم‬
‫اْلُغُيوِب (‪.)3( } )116‬‬
‫وقال ‪-‬سبحانه‪َ { :-‬ما اْلَم ِس يُح اْبُن َمْر َيَم ِإاَّل َرُس وٌل َقْد َخ َلْت ِم ْن َقْبِلِه الُّر ُس ُل َو ُأُّمُه ِص ِّديَقٌة َك اَنا َيْأُكاَل ِن الَّطَعاَم } (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة اإلسراء آية ‪.57 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة سبأ آية ‪.41-40 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة المائدة آية ‪.116 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة المائدة آية ‪.75 :‬‬

‫(‪)1/77‬‬

‫يعني‪ :‬كيف يعبدون المسيح ومريم وهم بشران يحتاجان إلى الطعام‪ ،‬فالمعبود ال بد أن يكون كامال ال يحتاج إلى أحد‪،‬‬
‫وال يحتاج إلى شيء‪ ،‬فهو كامل يوصل النفع إلى عباده‪ ،‬والمسيح وأمه يحتاجون إلى الطعام‪ ،‬فالذي يحتاج إلى الطعام‬
‫بشر‪ ،‬والذي يحتاج إلى الطعام إذا ترك الطعام مات‪ ،‬هذا ما يصلح لأللوهية وال للعبادة‪ ،‬فَك ْو ن عيسى وأمه يأكالن‬
‫الطعام دليٌل على بشريتهما ونقصهما وعدم استحقاقهما للعبادة‪.‬‬
‫الذي يحتاج إلى الطعام ما يصلح للعبادة‪ ،‬بل هو بشر ضعيف ناقص‪ ،‬إنما اإلله المعبود ال يحتاج إلى شيء؛ ألنه القائم‬
‫بنفسه‪ ،‬المديم لغيره { ُقْل ُه َو الَّلُه َأَح ٌد (‪ )1‬الَّلُه الَّصَم ُد (‪.)1( } )2‬‬
‫فهو صمٌد في نفسه‪ ،‬وتصمد إليه الخالئق بحوائجها‪ ،‬فال يحتاج إلى أحد { الَّلُه اَل ِإَلَه ِإاَّل ُه َو اْلَح ُّي اْلَقُّيوُم } (‪.)2‬‬
‫فهو القائم بنفسه المقيم لغيره‪ ،‬قامت المسوات واألرض ‪-‬بل قام هذا الكون كله وهذا الخلق كله‪ ،‬قام باهلل‪ ،‬ليس له‬
‫قيام إال باهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬فهو المستحق للعبادة وغيره ال يستحق شيء‪.‬‬
‫فعيسى وأمه بشران يحتاجان إلى الطعام‪ ،‬وإذا ُفقد الطعام ماتا‪ ،‬فكيف يصلحان إلى العبادة ؟ !‪.‬‬
‫هذا واضح أن هذه الشبهة فيها بيان أن المشرك يقول‪ :‬أنا ما أعبد إال اهلل‪ ،‬وينكر أن يكون دعاؤه لصالحين عبادة‬
‫يقول‪ :‬بِّين لي العبادة‪.‬‬
‫العبادة‪ :‬اسم جامع لكل ما يحبه اهلل ويرضاه من أقوال‪ ،‬واألعمال الظاهرة والباطنة‪ ،‬كل ما أمر به الشرع‪ ،‬أو نهى عنه‬
‫الشرع‪ ،‬تفعل األوامر‪ ،‬وتترك النواهي‪ ،‬تعبًد ا هلل‪.‬‬
‫فالدعاء عبادة‪ ،‬والرغبة عبادة‪ ،‬والرهبة عبادة‪ ،‬والخوف عبادة‪ ،‬والرجاء عبادة‪ ،‬وأعمال القلوب والصدق والمحبة‪،‬‬
‫وكذلك أعمال الجوارح‪ :‬الصالة عبادة‪ ،‬والزكاة عبادة‪ ،‬والصوم عبادة‪ ،‬والحج عبادة‪ ،‬وبر الوالدين عبادة‪ ،‬صلة الرحم‬
‫عبادة‪ ،‬اإلحسان إلى الناس عبادة‪.‬‬
‫ترك المحرمات ابتغاء وجه اهلل‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة اإلخالص آية ‪.2-1 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة البقرة آية ‪.255 :‬‬

‫(‪)1/78‬‬

‫كذلك المحرمات ِلَّلِه تتركها تعبًد ا هلل‪ ،‬تترك الزنا والسرقة وشرب الخمر والتعامل بالربا‪ ،‬تكّف نفسك من التعدي على‬
‫الناس بدمائهم وأموالهم وأعراضهم تعبًد ا هلل‪ ،‬هذه العبادة متنوعة‪ ،‬ومن أعظمها الدعاء‪ ،‬فهذا صرف شيء منها لغير اهلل‪،‬‬
‫وقعت في الشرك؛ ألن العبادة التي خلقك اهلل ألجلها ما تعرفها أنت أيها المشرك حيث زعمت أن االلتجاء إلى‬
‫الصالحين ليس في العبادة‪ ،‬بل هو مخ العبادة‪.‬‬
‫ولهذا جاء في الحديث أن " الدعاء مخ العبادة " وإن كان فيه ضعف‪ ،‬لكن األصح منه‪ " :‬الدعاء هو العبادة " ولذلك‬
‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬فاَل َتْد ُع َمَع الَّلِه ِإَلًه ا َآَخ َر َفَتُك وَن ِم َن اْلُم َعَّذ ِبيَن (‪ )1( } )213‬و { َو اَل َتْد ُع ِم ْن ُدوِن الَّلِه َما اَل َيْنَف ُعَك‬
‫َو اَل َيُضُّر َك َفِإ ْن َفَعْلَت َفِإ َّنَك ِإًذا ِم َن الَّظاِلِم يَن (‪ )2( } )106‬و { َو َأَّن اْلَمَس اِج َد ِلَّلِه َفاَل َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح ًد ا (‪( } )18‬‬
‫‪.)3‬‬
‫ِم‬ ‫ِم ِق ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِنِه‬ ‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫و { َو اَّل يَن َتْد ُعوَن ْن ُدو َم ا َيْم ُك وَن ْن ْط يٍر (‪ِ )13‬إْن َتْد ُعوُه ْم اَل َيْسَم ُعوا ُدَعاَءُك ْم َو َلْو َس ُعوا َما اْسَتَج اُبوا َلُك ْم‬
‫َو َيْو َم اْلِق َياَمِة َيْك ُف ُر وَن ِبِش ْر ِكُك ْم َو اَل ُيَنِّبُئَك ِم ْثُل َخ ِبيٍر (‪ )4( } )14‬و { َو َمْن َيْد ُع َمَع الَّلِه ِإَلًه ا َآَخ َر اَل ُبْر َه اَن َلُه ِبِه َفِإ َّنَم ا‬
‫ِح َس اُبُه ِع ْنَد َر ِّبِه ِإَّنُه اَل ُيْف ِلُح اْلَك اِفُر وَن (‪.)5( } )117‬‬
‫فالنصوص كثيرة ال َح ْص َر لها؛ ألن الدعاء عبادة عظيمة من أعظم العبادات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الشعراء آية ‪.213 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة يونس آية ‪.106 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الجن آية ‪.18 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة فاطر آية ‪.14-13 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة المؤمنون آية ‪.117 :‬‬

‫(‪)1/79‬‬

‫ما الشبهة‪ :‬إنه يثبت لنفسه أنه يعبد اهلل وال يشرك به شيًئا‪ ،‬وينكر أن يكون التجاؤه إلى الصالحين أن دعاءهم عبادة‪،‬‬
‫كما هو موحد‪ ،‬إال أن ُعَّباد القبور الذين يعبدون القبور‪ ،‬لو جئت إليهم وقلت لهم‪ :‬ال يجوز أن تدعوا غير اهلل‪ ،‬وال‬
‫يجوز لكم أن تذبحوا القبور‪ .‬يقول لك‪ :‬ال‪ ،‬هذه ما هي بعبادة‪ ،‬أما أنا ال أعبد إال اهلل‪ ،‬وأصلي هلل‪ ،‬وأصوم هلل‪ ،‬يظن أن‬
‫الدعاء ما هو بعبادة‪ .‬العبادة‪ :‬الصوم والصالة فقط‪ ،‬أنا أقول‪ :‬ال‪ ،‬أنا أقول‪ :‬أنا أعبد اهلل‪ ،‬وهذا ما هو بعبادة كوني‬
‫أدعوهم وأطلب منهم المدد‪ ،‬وأذبح لهم النذر‪ ،‬هذا توسل ومحبة للصالحين وتشُّف ع‪ ،‬أنت ما تحب الصالحين‪ ،‬أنت‬
‫تبغض الصالحين‪ ...‬هكذا ينفرون‪.‬‬
‫التوحيد يأمر بحب الصالحين وليس عبادتهم‪:‬‬
‫فالذي ينهاه عن الشرك يقول‪ :‬هذا يبغض الصالحين‪ ،‬وال يحب الصالحين‪ ،‬وال يعرف للصالحين حرمتهم وال قدرهم‪.‬‬
‫نحن نحب الصالحين ونعرف قدرهم‪ ،‬لكن ال ترفعهم فوق منزلتهم‪ ،‬ال نعبدهم مع اهلل‪.‬‬
‫الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أعظم الخلق نعرف له حقه‪ ،‬نطيعه ونَّتِبعه ونحبه أعظم من محبتنا ألنفسنا وأهلينا‪،‬‬
‫لكن ال نعبده؛ فالعبادة حق هلل‪ ،‬فاهلل له حق العبادة والطاعة‪ ،‬والرسول حقه الطاعة واالتباع والتعظيم والمحبة‪،‬‬
‫والصالحين حقهم المواالة والدعاء لهم واالقتداء بأعمالهم الطيبة‪ ،‬لكن ال يعبدون من دون اهلل‪ ،‬لكن له حق‪ .‬فكٌّل له‬
‫حق‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬له حق‪ ،‬والصالحين لهم حق‪.‬‬
‫فاهلل حقه العبادة‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حقه الطاعة والمحبة واالتباع والتعظيم‪ ،‬والصالحون حقهم‬
‫المواالة والمحبة واالقتداء بأعمالهم الصالحة‪ .‬أما العبادة‪ ،‬فهي حق اهلل فقط‪ ،‬وال يستحقها أحد غيره ‪-‬سبحانه‪.-‬‬

‫(‪)1/80‬‬

‫فاهلل المعبود هو المعبود بحق ومعنى‪ " :‬ال إله إال اهلل "‪ :‬ال معبود حًق ا إال اهلل‪ .‬كل ما ُعِبَد من دون اهلل فهو بالباطل‪ ،‬كل‬
‫ما ُعِبَد من دون اهلل تكون العبادة بالباطل‪ ،‬فأي معبود من دون اهلل ُيعبد فهو باطل‪ .‬فالشمس ُعِبَدْت بالباطل‪ ،‬والقمر ُعِبَد‬
‫بالباطل‪ ،‬والشجر ُعِبَد بالباطل‪ ،‬والحجر ُعِبَد بالباطل‪ ،‬والمالئكة ُعِبَدْت بالباطل‪ .‬ال يستحقون العبادة‪ ،‬والصالح المعبود‬
‫فالذي عبَد ه عبده بالباطل‪ ،‬صرفوا لهم حق اهلل‪.‬‬
‫ِنِه ِط‬ ‫ِم‬ ‫ِل ِب‬
‫كذلك األنبياء‪ ،‬وكذلك غيرهم‪ .‬قال اهلل تعالى‪َ { :‬ذ َك َأَّن الَّلَه ُه َو اْلَح ُّق َو َأَّن َم ا َيْد ُعوَن ْن ُدو اْلَبا ُل َو َأَّن الَّلَه ُه َو‬
‫اْلَعِلُّي اْلَك ِبيُر (‪.)1( } )30‬‬
‫ثبوت شفاعة النبي‪:‬‬
‫وقال اإلمام ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬فإن قال‪ :‬أتنكر شفاعة رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ." ...-‬فهذه الشبهة واضحة‪،‬‬
‫وهو أَّن المشرك يقول‪ :‬أنت أنكرت طلب الشفاعة من األنبياء واألولياء الصالحين‪ ،‬أليس النبي محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬هو الشافع الُم َش َّف ع ؟ أتنكر هذا ؟ هل تنكر أنه يشفع ألناس يوم القيامة ؟‬
‫فكيف تمنعني أن أطلب الشفاعة من الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فأقول‪ :‬يا رسول اهلل ِلَّلِه اشفع لي‪ ،‬معناها‪ :‬أنك‬
‫تنكر أن يكون الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬هو الشافع‪ ،‬وقد جاءت النصوص الصريحة الواضحة بأن الرسول ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬هو الشافع الُم َش َّف ع‪ ،‬في الَم ْح َش ر‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪َ { :‬عَس ى َأْن َيْبَعَثَك َر ُّبَك َمَق اًم ا َمْح ُم وًدا (‪)79‬‬
‫} (‪.)2‬‬
‫فقل‪ :‬ال أنكر تلك النصوص الصريحة‪ ،‬أنا ال أنكر شفاعة الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وهو الشافع المشفع في‬
‫المحشر ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬وأرجو من اهلل شفاعته‪ ،‬لكن الشفاعة ملك هلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬كما قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫{ ُقْل ِلَّلِه الَّش َف اَعُة َج ِم يًعا } (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة لقمان آية ‪.30 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة اإلسراء آية ‪.79 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الزمر آية ‪.44 :‬‬

‫(‪)1/81‬‬

‫والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يشفع يوم القيامة حتى يأذن اهلل له‪ ،‬ال يشفع ألحد حتى يأذن اهلل له كما قال تعالى‪:‬‬
‫{ َمْن َذا اَّلِذ ي َيْشَف ُع ِع ْنَدُه ِإاَّل ِبِإ ْذِنِه } (‪.)1‬‬
‫فالشفاعة العظمى التي هي المقام المحمود يوم القيامة‪ ،‬التي يغبطه عليه األولون واآلخرون‪ ،‬ال تكون إال من بعد أن يأذن‬
‫اهلل له‪ ،‬فإن الناس يعتريهم كرب وشدة عظيمة في موقف القيامة‪ ،‬وتدنو الشمس من الرءوس وُيزاد في حرارتها‪ ،‬ويموج‬
‫الناس بعضهم في بعض كما ثبت في الحديث الصحيح‪ " :‬فإذا اشتد الكرب في الناس ذهبوا إلى آدم فيقولون‪ :‬يا آدم‬
‫ِلَّلِه أنت أبو البشر‪ ،‬خلقك اهلل بيده‪ ،‬ونفخ فيك من روحه‪ ،‬وأسجد لك المالئكة‪ ،‬وعَّلمك كل شيء‪ ،‬اْشَف ْع لنا عند ربك‬
‫حتى نستريح مما نحن فيه‪.‬‬
‫فيعتذر آدم ‪ -‬عليه السالم ‪ :-‬إن ربي اليوم غضب غضًبا لم يغضب مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‪ ،‬وإني أكلُت من‬
‫الشجرة‪ ،‬وإني ُنِه يُت عنها‪ ،‬نفسي نفسي‪ .‬اذهبوا إلى غيري ِلَّلِه اذهبوا إلى غيري ! فاذهبوا إلى نوح ‪ -‬عليه السالم ‪-‬؛‬
‫فإنه أول رسول بعثه اهلل إلى أهل األرض‪.‬‬
‫فيأتون نوًح ا ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬فيقولون‪ :‬يا نوح ِلَّلِه أنت أول رسول بعثك اهلل إلى أهل األرض وسَّم اك اهلل عبًد ا شكوًر ا‪،‬‬
‫اشفع لنا عند ربك حتى نستريح من هذا الموقف‪ ،‬أال ترى إلى ما نحن فيه‪ ،‬أال ترى ما بلغنا ؟‬
‫فيعتذر نوح ‪ -‬عليه السالم ‪ ،-‬فيقول‪ :‬ال أستطيع‪ ،‬لسُت لها‪ ،‬إني دعوت على أهل األرض دعوة أغرقتهم‪ ،‬إن ربي‬
‫غضب اليوم غضًبا لم يغضب مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‪ ،‬وإني لست أهال لذلك‪ ،‬اذهبوا إلى غيري‪ ،‬اذهبوا إلى إبراهيم‬
‫‪ -‬عليه السالم ‪-‬؛ إنه خليل اهلل‪.‬‬
‫فيذهبون إلى إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬فيقولون‪ :‬يا إبراهيم ِلَّلِه إنك خليل الرحمن‪ ،‬اتخذك اهلل خليال ِلَّلِه اشفع لنا إلى‬
‫ربك‪ ،‬أال ترى إلى ما نحن فيه‪ ،‬أال ما بلغنا ؟‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية ‪.255 :‬‬

‫(‪)1/82‬‬

‫يقول إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ :-‬إني ربي غضب اليوم غضًبا لم يغضب قبله مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‪ ،‬وإني كذبت‬
‫في اِإل سالم ثالث كذبات‪ ،‬اذهبوا إلى غيري ‪ -‬اذهبوا إلى غيري ‪ -‬اذهبوا إلى موسى ‪ -‬عليه السالم ‪-‬؛ فإنه كليم‬
‫الرحمن‪.‬‬
‫‪ -‬وهذه الكذبات إَّنما في الحقيقة تورية يجادل بهن عن دين اهلل‪ - ،‬ما هن بكذبات صريحة‪ .‬انظر ِلَّلِه يعتذر يوم القيامة‬
‫لما كَّس ر األصنام ووضع الفأس على الصنم األكبر‪ ،‬قالوا له‪ :‬من عمل هذا ؟ قال‪ :‬كبيرهم هذا يريهم أنها ال تنفع وال‬
‫تضر‪ ،‬ونظر إلى ضيوفه فقال‪ :‬إني سقيم‪ ،‬يريهم ما هم عليه من تعبدهم للنجوم‪ ،‬وقال عن زوجته‪ ،‬لما مَّر بمصر ملك‬
‫ظالم الذي خشي أن يأخذوا زوجته‪ ،‬وقال‪ :‬إنها أختي‪ ،‬وأراد أنها أخته في اِإل سالم‪ ،‬وقال لها‪ :‬أي سأقول إنِك أختي فال‬
‫تكذبين؛ فأنتي أختي في اإلسالم‪ ،‬وال يوجد على وجه األرض مؤمًنا غيري وغيرِك في ذلك الوقت‪ ،‬ما فيه مسلم غيور‬
‫هذه الغيرة يعتذر يوم القيامة‪-.‬‬
‫فيأتون موسى فيقولون‪ :‬يا موسى ِلَّلِه أنت كليم الرحمن‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك‪ ،‬أال ترى إلى ما نحن فيه‪ ،‬أال ترى إلى ما‬
‫بلغنا؟‬
‫فيعتذر موسى ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ :-‬إن ربي غضب اليوم غضًبا لم يغضب قبله مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‪ ،‬وإني‬
‫قتلُت نفًس ا لم ُأؤمر بقتلها‪ ،‬اذهبوا إلى غيري‪ ،‬اذهبوا إلى عيسى ‪ -‬عليه السالم ‪-‬؛ فإنه روح اهلل وكلمته‪.‬‬
‫‪ -‬وهذه النفس التي قتلها القبطي الذي قتلته قبل النبّو ة لما خرج ووجد رجلين يقتتالن‪ ،‬هذا من شيعته وهذا من عدوه‪،‬‬
‫فاستغاثه الذي من شيعته ‪-‬الذي هو من بني إسرائيل‪ -‬على الذي هو من عدوه‪ ،‬على القبطي‪ ،‬فوكزه موسى ‪ -‬عليه‬
‫السالم ‪ -‬فقضى عليه‪ ،‬وضربه القاضية قبل النبوة‪ ،‬ثم خرج إلى مدين‪ .‬هذا يعتذر يوم القيامة ِلَّلِه ِلَّلِه ِلَّلِه ‪-‬‬
‫فيأتون عيسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬فيقولون‪ :‬يا عيسى ِلَّلِه أنت روح اهلل وكلمته‪ ،‬اشفع لنا إلى ربك‪ ،‬أال ترى ما نحن فيه‪،‬‬
‫أال ترى ما بلغنا ؟‬

‫(‪)1/83‬‬

‫فيعتذر عيسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وال يذكر ذنًبا إال أنه يقول‪ :‬اُّتِخ ْذ ُت أنا وأمَي إلهين من دون اهلل‪ ،‬فال أصلح إلى‬
‫الشفاعة‪ ،‬لست أهال لها‪ ،‬إن ربي غضب اليوم غضًبا لم يغضب قبله مثله‪ ،‬ولن يغضب بعده مثله‪ ،‬اذهبوا إلى غيري‪،‬‬
‫اذهبوا إلى محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬؛ فإنه خاتم النبيين ‪-‬هو نبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم‪.-‬‬
‫فيقولون‪ :‬يا محمد ِلَّلِه أنت خاتم النبيين‪ ،‬اشفع لنا عند ربك‪ ،‬فيقول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬أنا لها أنا لها "‪،‬‬
‫فيذهب فيصير تحت العرش فيفتح اهلل عليه المحامد‪ ،‬فيحمده في ذلك الموقف‪ ،‬فيفتح عليه من محامد اهلل والثناء عليه‬
‫ما ال يحسنه وهو في دار الدنيا‪ ،‬ثم يأتي اِإل ذن من الرب ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فيقول اهلل‪ :‬يا محمد‪ ،‬ارفع رأسك‪ ،‬وَس ْل ُتْع َط ‪،‬‬
‫واشفْع ُتَش َّف ْع ‪ ،‬فيشفع اهلل‪ ،‬يسأل اهلل أن يقضي بين العباد فيشفعه اهلل في الخالئق "‪.‬‬
‫هذا هو المقام المحمود الذي يغبطه فيه األولون واآلخرون‪.‬‬
‫والشاهد أنه شفع أوال حتى جاء اِإل ذن‪ ،‬وذلك لما قيل له‪ :‬ارفع رأسك‪ ،‬وَس ْل ُتعط‪ ،‬واشفْع ُتَش َّف ْع ‪ ،‬وكذلك إذا شفع في‬
‫أحد من أهل النار ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬ال بد من اِإل ذن‪ ،‬فيأذن اهلل له‪ ،‬وال بد من الرضا على المشفوع له‪ ،‬ولهذا‬
‫يحّد اهلل له حًّدا من هذا إلى هذا يشفع لهم ويخرجهم من النار‪ ،‬وال يأذن اهلل ألحٍد أن يخرج من النار إال أهل التوحيد‬
‫واِإل خالص‪ ،‬أما من مات من أهل الشرك‪ ،‬فهذا ال أَم َل له في الشفاعة‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬فَم ا َتْنَف ُعُه ْم َش َف اَعُة الَّش اِفِعيَن (‬
‫‪.)1( } )48‬‬
‫شروط الشفاعة‪:‬‬
‫إًذا الشفاعة ال تكون إال بشرطين‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬اِإل ذن من اهلل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة المدثر آية ‪.48 :‬‬

‫(‪)1/84‬‬

‫والشرط الثاني‪ :‬الرضا عن المشفوع له‪ ،‬واهلل ال يرضى إال عن أهل التوحيد واِإل خالص‪ ،‬فالكافر ال يرضى اهلل عنه‪ ،‬وال‬
‫يمكن أن يقدر أحد أن يشفع في الكافر‪َ { ،‬و َمْن َيْبَتِغ َغْيَر اِإْل ْس اَل ِم ِد يًنا َفَلْن ُيْق َبَل ِم ْنُه َو ُه َو ِفي اَآْلِخ َر ِة ِم َن اْلَخ اِس ِر يَن (‬
‫‪.)1( } )85‬‬
‫فإذا كانت الشفاعة ال تكون إال بهذين الشرطين‪ :‬اِإل ذن من اهلل‪ ،‬والرضا عن المشفوع له‪ ،‬دَّل على أن اهلل هو الذي‬
‫يملكها‪ ،‬فهي منه وإليه‪ ،‬اطلبها من اهلل‪ ،‬ال تطلبها من الرسول‪ ،‬يا ربي شِّف ْع فَّي نبَّيك‪ ،‬اللهم ال تحرمني شفاعة نبِّيك فهو‬
‫الذي يملكها ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫أما إذا كان حًّيا‪ ،‬وهو حي يطلب منه الشفاعة‪ ،‬فهذا ال بأس؛ فالحي إذا كان قادًر ا تقول‪ :‬اشفع لي عن واحد يتوسط‬
‫لي‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان في حياته يشفع‪ ،‬وقد شفع في بريرة ترجع إلى زوجها مغيث ‪-‬وكان عبًد ا‬
‫أسود‪ -‬ولكنها ما قبلت شفاعته‪ ،‬وال على أن اِإل نسان يشفع وال تقبل شفاعته‪ ،‬ولو كان كبيًر ا‪ ،‬لكن حصل له األجر‬
‫والثواب‪.‬‬
‫تتوسط أو تعرف أو تشفع لشخص أنه فقير‪ ،‬فتشفع له عند غني تعرفه يعطيه شيء من الزكاة أو المال‪ ،‬تشفع له عند‬
‫مسئولين ُيعطى شيًئا من بيت المال‪ " ،‬اشفعوا ُتْؤ َج ُر وا " يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ويقول اهلل على لسان نبيه‬
‫ما شاء‪.‬‬
‫فبريرة كانت َأَم ة عند األنصار‪ ،‬فاشترتها عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ ،-‬كانت كاتبت نفسها من سِّيدها على نفسي أو‬
‫اقِض علَّي أواٍق من الفضة في كل سنة تدفع قسًطا‪ ،‬وجاءت عائشة لتستعين في قضاء دينها‪ ،‬فقالت عائشة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنها ‪ :-‬لتستعين بها إن شاء أهلك حببت لهم النقود حبة حبة‪ ،‬ويكون الوالء لي‪ ،‬فقالت ألهلها ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال‪ .‬ال بد‬
‫أن يكون لنا الوالء‪ ،‬إن شاءت تشتريك‪ ،‬ويكون لنا الوالء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية ‪.85 :‬‬

‫(‪)1/85‬‬

‫فقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬اشتريها واشرطي لهم الوالء؛ فإَّنما الوالء لمن أعتق‪ ،‬وكل شرط فهو باطل‪ ،‬كل‬
‫شرط ليس في كتاب اهلل فهو باطل‪ ،‬وإن كان مائة شرط "‪.‬‬
‫ثم إنه كان لها زوج اسمه مغيث‪ ،‬فتحررت‪ ،‬أي‪ :‬صارت حرة وزوجها عبد‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" -‬‬
‫اختاري نفسك " صارت أعلى منه‪ ،‬والحرة إذا أعتقت تحت العبد صارت حرة‪ ،‬إن شاءت بقيت معه‪ ،‬وإن شاءت‬
‫فسخت النكاح‪ ،‬راحت وتركته؛ ألنها صارت أعلى منه‪ ،‬هي حرة وهو عبد‪ ،‬فكانت ال تريده‪ ،‬فخرجت وتركته‪.‬‬
‫وكان زوجها اسمه مغيث عبًد ا أسود يحبها حًّبا كثيًر ا‪ ،‬فكان يمشي في سكك المدينة ودموعه تجري على عينه‪ ،‬يريدها‬
‫وهي ال تريده‪ ،‬فالنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬شفع للمغيث عند بريرة‪ ،‬قال‪ " :‬يا بريرة ِلَّلِه لو رجعتي " متعلق بها‪،‬‬
‫وكانت فقيهة‪ ،‬فقالت ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ :-‬يا رسول اهلل ِلَّلِه تأمروني أو تشفع؟ إن كان أمًر ا سمًعا ألمر اهلل ورسوله‪ .‬إن‬
‫كان أمًر ا ال أستطيع أن أتخلف‪.‬‬
‫قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬ال‪ ،‬ليس أمًر ا‪ ،‬وإَّنما شفاعة‪ ،‬قالت‪ :‬ليس لي حاجة فيه " ما قبلت شفاعة النبي ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫هذا يدل على أن اإلنسان ولو كان عظيًم ا وُر َّدْت شفاعته ما يضر‪ " ،‬اشفعوا تؤجروا ويقضي اهلل على لسان نبيه ما شاء‬
‫"‪.‬‬
‫فالشاهد أن الشفاعة من الحي الحاضر ال بأس بها‪ ،‬فإن اِإل نسان حٌّي حاضر يشفع‪ ،‬وكذلك الناس يطلبون من النبي ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يشفع في حياته‪ ،‬وفي يوم القيامة هو حي حاضر يطلبون منه أن يشفع لهم‪ ،‬ال بأس‪.‬‬
‫أما بعد الممات فال تقول‪ :‬اشفع لي يا رسول اهلل‪ ،‬لقد مات الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال اهلل فيه‪ِ { :‬إَّنَك َم ِّيٌت‬
‫َو ِإَّنُه ْم َم ِّيُتوَن (‪ )1( } )30‬ما تطلب منه الشفاعة بعد موته‪.‬‬
‫إعادة الشبه والرد عليها‪:‬‬
‫نريد إعادة الُّش َبه الثالث من الجواب التفصيلي‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزمر آية ‪.30 :‬‬

‫(‪)1/86‬‬

‫الشبهة األولى‪ :‬الخالق الرازق‪ ...‬هذا فعل المشركون‪ ،‬المشركون إَّنما يطلبون منهم القربى والشفاعة والزلفى‪ ،‬هذه‬
‫مقالتهم سواًء بسواٍء ‪.‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬هذه اآليات التي ذكرتم نزلت في عباد األصنام‪ ،‬فكيف تجعلون من يحب الصالحين مثل عباد األصنام‪،‬‬
‫وكيف تجعلونهم مثل الكفار‪ .‬هذه هي الشبهة‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬أن الكفار عبادتهم متنوعة‪ ،‬منهم من يعبد الصالحين كما تفعلون‪ ،‬ومنهم من يعبد األصنام واألوثان‪ ،‬ويدعون‬
‫الالت والعزى‪ ،‬ومنهم من يدعو المسيح‪ ،‬ومنهم من يدعو المالئكة‪ ،‬فتقرأ عليه اآليات التي ذكرت‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬يعني يريدون منهم النفع والضر‪ .‬والجواب‪ :‬جواب الشبهة‪ ،‬يعني تقول‪ :‬إنهم يريدون منهم النفع والضر‬
‫هذا ليس بصحيح؛ فالنصوص دَّلْت على أنهم يعترفون هلل بالنفع والضر والخلق والرزق واِإل ماتة واإلحياء‪ ،‬وإنما يريدون‬
‫منهم الشفاعة‪ .‬فاقرأ عليهم اآليات‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬أن يقول‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل‪ ،‬وهذا االلتجاء إلى الصالحين ليس بشرك‪ ،‬هذا محبة للصالحين‪ ،‬محبة‬
‫تشفع بهم وتوجه إلى اهلل بهم‪ ،‬ليس هذا بشرك‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن يقال له‪ :‬بِّين لي العبادة من الشرك؟ ما هي العبادة ؟ العبادة التي أوجبها اهلل على الخلق‪ ،‬خلق الخالئق من‬
‫أجلها‪َ { .‬و َم ا َخ َلْق ُت اْلِج َّن َو اِإْل ْنَس ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وِن (‪.)1( } )56‬‬
‫بِّينها لي‪ ،‬فإنه ال يستطيع‪ ،‬فتقول له‪ :‬كيف ال تعرف العبادة التي خلق اهلل الخلق من أجلها‪ ،‬ثم بِّين له أن الدعاء عبادة‪{ ،‬‬
‫اْد ُعوا َر َّبُك ْم َتَض ُّر ًعا َو ُخ ْف َيًة ِإَّنُه اَل ُيِح ُّب اْلُم ْعَتِد يَن (‪.)2( } )55‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الذاريات آية ‪.56 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.55 :‬‬

‫(‪)1/87‬‬

‫{ اَل َتْد ُع ِم ُدوِن الَّلِه ا اَل َف َك اَل ُضُّر َك َفِإ ْن ْلَت َفِإ َّنَك ِإًذا ِم الَّظاِلِم ي (‪َ { )1( } )106‬فاَل َتْد ُع الَّلِه‬
‫َمَع‬ ‫َن‬ ‫َن‬ ‫َفَع‬ ‫َم َيْن ُع َو َي‬ ‫ْن‬ ‫َو‬
‫ِإَلًه ا َآَخ َر َفَتُك وَن ِم َن اْلُم َعَّذ ِبيَن (‪.)2( } )213‬‬
‫ثم تقول له‪ :‬إذا دعوت اهلل ليال ونهاًر ا وصليت وصمت وحججت البيت‪ ،‬ثم دعوت ولًيا من األولياء‪ ،‬أال تكون قد‬
‫أشركت‪ ،‬إًذا ال تنفعه هذه العبادة؛ ألن العبادة ال تسمى عبادة إال مع التوحيد‪ ،‬كما أن الصالة ال تسمى صالة إال مع‬
‫الطهارة‪ .‬إذا ُو ِج َد الحدث بطلت الصالة‪ ،‬وإذا ُو ِج َد الشرك بطل التوحيد‪ ،‬وبطلت العبادة‪.‬‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬وهو أن أقول‪ :‬إن الرسول هو الشافع المشفع في المحشر‪ ،‬وأن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫هو صاحب الشفاعة‪ ،‬هل تنكر شفاعة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬؟‪ ،‬فأنا أطلب الشفاعة منه‪ ،‬أقول‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫ِلَّلِه اشفع لي‪ ،‬فهو صاحب الشفاعة‪ ،‬الشافع المشفع في المحشر‪.‬‬
‫تقول‪ :‬ال‪ ،‬أنا ال أنكر أنه هو الشافع المشفع في المحشر ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬أردت اهلل أن يشفعه فَّي ‪ ،‬لكن ليس‬
‫لك أن تطلبها من النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وال أن تدعوه‪ ،‬ولكن أن تطلبها من اهلل‪.‬‬
‫اهلل هو المالك لها { ُقْل ِلَّلِه الَّش َف اَعُة َج ِم يًعا } (‪ )3‬والشفاعة ال تكون إال من بعد إذنه كما قال تعالى‪َ { :‬مْن َذا اَّلِذ ي‬
‫َيْشَف ُع ِع ْنَدُه ِإاَّل ِبِإ ْذِنِه } (‪ )4‬وال بد أن يرضى اهلل عن المشفوع له‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬و اَل َيْشَف ُعوَن ِإاَّل ِلَم ِن اْر َتَض ى } (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.106 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الشعراء آية ‪.213 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الزمر آية ‪.44 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة البقرة آية ‪.255 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة األنبياء آية ‪.28 :‬‬

‫(‪)1/88‬‬

‫فإذا كانت الشفاعة ال تكون إال بإذن اهلل‪ ،‬وال تكون إال لمن يرضى اهلل قوله وعمله‪ - ،‬واهلل ال يرضى إال التوحيد ‪،-‬‬
‫صارت الشفاعة ملكا هلل { ُقْل ِلَّلِه الَّش َف اَعُة َج ِم يًعا } (‪ )1‬يكون الشفاعة فيها إكرام المشفوع‪ ،‬الشفاعة فيها إكرام‬
‫المشفوع‪ ،‬وحيث قبل اهلل شفاعته وشفعه‪ ،‬وإال فاهلل هو مالك الشفاعة { ُقْل ِلَّلِه الَّش َف اَعُة َج ِم يًعا } (‪.)2‬‬
‫شفاعة األنبياء ال تعني عبادتهم‬
‫فإن قال‪ :‬النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أعطَي الشفاعة‪ ،‬وأنا أطلبه مما أعطاه اهلل‪ ،‬فالجواب‪ :‬أن اهلل أعطاه الشفاعة‬
‫ونهاك عن هذا‪ .‬فقال تعالى‪َ { :‬فاَل َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح ًد ا (‪] )3( } )18‬سورة الجن‪ ،‬اآلية‪.[ 18 :‬‬
‫أيًض ا هذه الشبهة السادسة‪ ،‬وهي متفرعة من الشبهة الخامسة‪ ،‬إذا قال‪ :‬النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أعطي الشفاعة‬
‫وأنا أطلبه مما أعطاه اهلل الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيقال له‪ :‬نعم‪ ،‬الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أعطي‬
‫الشفاعة‪ ،‬لكن اهلل نهاك عن هذا‪ ،‬نهاك أن تطلبها من النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بل أمرك أن تطلبها من اهلل‪.‬‬
‫فإذا قال‪ :‬أين الدليل على أن اهلل نهاني عن أني أطلبها من الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬؟ تقول له قول اهلل تعالى‪:‬‬
‫{ َو َأَّن اْلَمَس اِج َد ِلَّلِه َفاَل َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح ًد ا (‪ )4( } )18‬فيقول‪ :‬هذا نهٌي عن الدعاء‪ ،‬فنقول‪ :‬طلب الشفاعة دعاء‪ ،‬فال‬
‫حاجة أن ندعو غير اهلل‪ ،‬وطلُب الشفاعِة من الدعاء لغير اهلل !‪.‬‬
‫َّلِه ِإ‬
‫إًذا‪ ،‬الجواب‪ :‬اآلية عامة تشمل الشفاعة وغيرها‪ ،‬فال تدعو مع اهلل أحًد ا‪ ،‬ومثل قوله تعالى‪َ { :‬فاَل َتْد ُع َمَع ال َلًه ا َآَخ َر‬
‫َفَتُك وَن ِم َن اْلُم َعَّذ ِبيَن (‪.)5( } )213‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزمر آية ‪.44 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزمر آية ‪.44 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الجن آية ‪.18 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الجن آية ‪.18 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الشعراء آية ‪.213 :‬‬

‫(‪)1/89‬‬

‫وقوله ‪-‬سبحانه‪َ { :-‬و اَل َتْد ُع ِم ْن ُدوِن الَّلِه َم ا اَل َيْنَف ُعَك َو اَل َيُضُّر َك َفِإ ْن َفَعْلَت َفِإ َّنَك ِإًذا ِم َن الَّظاِلِم يَن (‪)1( } )106‬‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬و َمْن َيْد ُع َمَع الَّلِه ِإَلًه ا َآَخ َر اَل ُبْر َه اَن َلُه ِبِه َفِإ َّنَم ا ِح َس اُبُه ِع ْنَد َر ِّبِه ِإَّنُه اَل ُيْف ِلُح اْلَك اِفُر وَن (‪.)2( } )117‬‬
‫وقال تعالى‪َ { :‬و اَّلِذ يَن َتْد ُعوَن ِم ْن ُدوِنِه َم ا َيْم ِلُك وَن ِم ْن ِقْطِم يٍر (‪ِ )13‬إْن َتْد ُعوُه ْم اَل َيْسَم ُعوا ُدَعاَءُك ْم َو َلْو َس ِم ُعوا َما‬
‫اْسَتَج اُبوا َلُك ْم َو َيْو َم اْلِق َياَمِة َيْك ُف ُر وَن ِبِش ْر ِكُك ْم َو اَل ُيَنِّبُئَك ِم ْثُل َخ ِبيٍر (‪.)3( } )14‬‬
‫سَّم اه اهلل شرًك ا في دعاء غير اهلل‪ ،‬واضٌح إًذا‪ ،‬الجواب يعني النهي عن طلب الشفاعة دخل في كل عموم النهي عن‬
‫دعاء غير اهلل { َفاَل َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح ًد ا (‪ )4( } )18‬مطلًق ا‪ ،‬ال تدعو مع اهلل أحًد ا سواء كان من الشفاعة أو غيرها‪،‬‬
‫ومن طلب الشفاعة من غير اهلل فقد دعا غير اهلل‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ما يؤمر إذا طلب الشفاعة من‬
‫الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫فدعاء غير اهلل وهو دخل في قول اهلل تعالى‪َ { :‬فاَل َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح ًد ا (‪)5( } )18‬؛ ألنه شبهة‪ .‬يقول‪ :‬طلب الشفاعة‬
‫ما هو بدعاء‪ ،‬إذا قال‪ :‬يا رسول اهلل اشفع لي‪ ،‬دعاء غير اهلل‪ ،‬فيكون مشرًك ا‪ ،‬لكن الناس حينما يسألون الرسول ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬يوم القيامة‪ ،‬هذا ال بأس‪ .‬الرسول حي حاضر قادر‪ ،‬إذا دعوت حًيا حاضًر ا قادًر ا‪ ،‬إن دعوت حًيا‬
‫حاضًر ا قادًر ا وقد ال يكون‪ ،‬فهذا شرك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.106 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة المؤمنون آية ‪.117 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة فاطر آية ‪.14-13 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الجن آية ‪.18 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة الجن آية ‪.18 :‬‬

‫(‪)1/90‬‬

‫لكن إذا دعوت ميًتا أو غائًبا ال يسمعان‪ ،‬يكون هذا شرك‪ ،‬والناس في حياة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يطلبون منه‬
‫الشفاعة‪ ،‬فهذا جابر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬طلب من النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن يشفع له من حرمانهما من‬
‫اليهود ألن يخفي دينه‪ ،‬وهذا مغيث زوج بريرة طلب من النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن يشفع له عند بريرة حتى‬
‫تأتي معه لما ُأعتقت‪ ،‬وفي يوم القيامة يسأل الناس النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الشفاعة‪ ،‬لكن بعد موته ال ُيسأل إًذا‪،‬‬
‫فإذا أحياه اهلل يوم القيامة وسأله الناس فهو حٌي حاضٌر ‪ ،‬فال يكون هذا شرًك ا‪.‬‬
‫اهلل أعطى الشفاعة وأمر بتوحيده‬
‫فإذا كنت تدعو اهلل أن يشِّف ع نبيه فيك فأطعه في قوله‪َ { :‬فاَل َتْد ُعوا َمَع الَّلِه َأَح ًد ا (‪] )1( } )18‬سورة الجن‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪.]18‬‬
‫فإذا كنت ترجو أن يشِّف َع اهلل فيك نبَّيه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أطع ربك في أوامره ونواهيه‪ ،‬ومن نواهيه أن نهاك‬
‫عن أن دعاء ‪ ،+++‬فأطع ربك وال تدُع مع اهلل إلًه ا آخر‪ ،‬ليشِّف ع اهلل فيك نبيه؛ ألن الشفاعة ال تكون إال ألهل التوحيد‪،‬‬
‫فإذا دعوت مع اهلل غيره فال يكون لك نصيب من الشفاعة‪.‬‬
‫الشفاعة خاصة بأهل التوحيد‪ ،‬الشفاعة في إخراج العصاة من النار‪ ،‬ومن الموحدين‪ ،‬أما الشفاعة العظمى تكون في‬
‫موقف الحساب‪ ،‬فهي عامة للمؤمنين والكفار‪ ،‬إلراحة الناس في الموقف‪ ،‬عامة ألهل الموقف جميًعا‪ ،‬والشفاعة العظمى‬
‫يوم القيامة عامة ألهل الموقف‪ ،‬الشفاعة في إخراج العصاة من النار‪ ،‬وفي قوم استحقوا دخول النار‪ ،‬أن ال يدخلوها‪،‬‬
‫هذه خاصة بالموحدين‪.‬‬
‫الشفاعة ثابتة أيًض ا لغير األنبياء‬
‫وأيًض ا فإَّن الشفاعة أعطيها غير النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فصَّح أن المالئكة يشفعون‪ ،‬واألفراط يشفعون‪،‬‬
‫واألولياء يشفعون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الجن آية ‪.18 :‬‬

‫(‪)1/91‬‬

‫الشفاعة ليست خاصة بالنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بل يشاركه فيه غيره ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬فقد ثبت أن‬
‫األنبياء يشفعون‪ ،‬وكذلك الشهداء يشفعون‪ ،‬والصالحون يشفعون‪ ++ ،‬واألفراط (األطفال الذين ماتوا) يشفعون‪،‬‬
‫والمالئكة يشفعون‪ ،‬ما تقول أن هؤالء ُأعطوا الشفاعة‪.‬‬
‫أريد أن أدعو المالئكة‪ ،‬وأدعو األفراط‪ ،‬وأدعو الصالحين حتى يشفعوا لي‪ ،‬وهذه الشفاعة التي هي عامة هي الشفاعة‬
‫في إخراج العصاة من الموحدين‪ ،‬وكذلك في إخراج قوم استحقوا دخول النار أن ال يدخلوا‪.‬‬
‫أنواع الشفاعة‪:‬‬
‫أما الشفاعة العظمى في موقف القيامة‪ ،‬وهي خاصة في الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يشاركه فيه غيره‪ ،‬هذه‬
‫خاصة‪.‬‬
‫وكذلك أيًض ا الشفاعة لِإل ذن ألهل الجنة في دخولها‪ ،‬هذه خاصة بنبي اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وكذلك الشفاعة‬
‫عند تعذيب عمه أبي طالب خاصة به وبأبي طالب‪ ،‬هذه ثالث شفاعات خاصة بالرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال‬
‫يشركه فيها أحد‪+++ :‬‬
‫‪ - 1‬الشفاعة العظمى يوم القيامة‪ ،‬وِإل راحة الناس في الموقف في فصل القضاء‪ ،‬وهي المقام المحمود الذي يغبطه فيه‬
‫األولون واآلخرون ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫وهي مذكورة في قوله تعالى‪َ { :‬و ِم َن الَّلْيِل َفَتَه َّج ْد ِبِه َناِفَلًة َلَك َعَس ى َأْن َيْبَعَثَك َر ُّبَك َمَق اًم ا َمْح ُم وًدا (‪َ )79‬و ُقْل َر ِّب‬
‫َأْد ِخ ْلِني ُمْد َخ َل ِص ْد ٍق َو َأْخ ِر ْج ِني ُمْخ َرَج ِص ْد ٍق َو اْجَعْل ِلي ِم ْن َلُد ْنَك ُس ْلَطاًنا َنِص يًر ا (‪ )1( } )80‬فهذا المقام المحمود‬
‫والشفاعة العظمى‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬الشفاعة باِإل ذن ألهل الجنة بدخولها‪ ،‬ال يدخل الجنة أحد إال بالشفاعة من رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫بعد أن يأذن اهلل‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬شفاعته بتخفيف العذاب عن عمه أبي طالب خاصة به وبعمه أبي طالب خاصة‪ ،‬وهي شفاعة تخفيف‪ ،‬تخفيف‬
‫العذاب‪ ،‬ال إخراجه من النار‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة اإلسراء آية ‪.80-79 :‬‬

‫(‪)1/92‬‬
‫قد ثبت في الصحيحين عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قيل‪ " :‬يا رسول اهلل ِلَّلِه إن أبا طالب كان يحميك ويذود‬
‫عنك‪ ،‬فهل نفعته ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وجدته في غمرات من في نار فأخرجته إلى ضحضح منه يغلي دماغه‪ ،‬ولوال أنا لكان في‬
‫الدرك األسفل من النار "‪.‬‬
‫وفي لفظ‪ " :‬إَّن أخف الناس عذاًبا يوم القيامة أبو طالب وأنه لفي أخمصيه جمرتان يغلي منها دماغه وإني ألظن من شدة‬
‫"‪.‬‬
‫فمعنى الحديث‪ :‬ال أظن أنه أشد أهل النار عذاًبا‪ ،‬وأنه من شدة ما يجد‪ .‬نسأل اهلل السالمة والعافية‪.‬‬
‫هذه شفاعة تخفيف‪ ،‬لما خَّف شركه بحماية النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والدفاع عنه صارت له هذه الشفاعة خاصة‬
‫به شفاعة تخفيف‪ ،‬وال تنفعه في إخراجه من النار‪ ،‬وأما غيره ليس له نصيب في الشفاعة‪ .‬قال اهلل تعالى‪َ { :‬فَم ا َتْنَف ُعُه ْم‬
‫َش َف اَعُة الَّش اِفِعيَن (‪.)1( } )48‬‬
‫طلب الشفاعة األخروية من غير اهلل شرك‬
‫أتقول‪ :‬إَّن اهلل أعطاهم الشفاعة فاطلبها منهم‪ ،‬فإن قلت هذا‪ ،‬رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر اهلل في كتابه‪.‬‬
‫خالصة هذا الكالم أن يقول‪ :‬أن الشفاعة ليست خاصة بالرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬؛ بل الشفاعة تشمل الشهداء‬
‫والصالحين واألفراط والمالئكة‪ .‬فهل تقول‪ :‬أنا أريد طلبهم الشفاعة ألن اهلل طلب الشفاعة ؟‪ .‬إن قلت ذلك‪ ،‬رجعت‬
‫إلى عبادة الصالحين‪ ،‬وهو الشرك‪ .‬وإن قلت‪ :‬ال‪ .‬نقول‪ :‬كذلك الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال تطلبها منه‪،‬‬
‫اطلبها من اهلل‪.‬‬
‫قول‪ :‬االلتجاء لألنبياء ليس بشرك‬
‫وإن قلت ال‪ ،‬بطل قولك أعطاه اهلل الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه اهلل‬
‫هذه الشبهة يقول‪ :‬أنا ال أشرك باهلل شيًئا‪ ،‬حاشا وكال‪ ++ ،‬االلتجاء إليهم ليس بشرك‪.‬‬
‫بيان معنى الشرك‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة المدثر آية ‪.48 :‬‬

‫(‪)1/93‬‬

‫فإن قال‪ :‬أنا ال أشرك باهلل شيًئا‪ ،‬حاشا وكال‪ ،‬ولكن االلتجاء إلى الصالحين ليس بشرك‪ .‬فقل له‪ :‬إذا كنت تقَّر أن اهلل‬
‫حَّر م الشرك أعظم من تحريم الزنا‪ ،‬وتقَّر أن اهلل ال يغفره ؟ فما هذا األمر الذي حَّر مه اهلل‪ ،‬وذكر أنه ال يغفره‪ ،‬فإنه ال‬
‫يدري‪.‬‬
‫فقل له‪ :‬كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت ال تعرفه ؟ أم كيف يحرم اهلل عليك هذا‪ ،‬ويذكر أنه ال يغفره‪ ،‬وال تسأل‬
‫عنه وال تعرفه ؟‪ .‬أتظن أن اهلل يحرمه وال يبينه لنا ؟ ِلَّلِه‬
‫هذا جواٌب عظيم‪ ،‬وهو أنه إذا قال‪ :‬أنا ال أشرك باهلل شيًئا‪ ،‬حاشا وكال‪ ،‬لكن االلتجاء إلى الصالحين ليس بشرك‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫ما هو الشرك ؟ هل أنت تعرف الشرك ؟ عِّر ْف لي الشرك؟‪ .‬أتقَّر أن اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬حَّر م الشرك؟‬
‫ال بد أن يقول‪ :‬ماذا ؟‪ .‬فتقول له‪ :‬أتقَّر أن اهلل حرم الشرك أعظم من تحريمه الزنا‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬وقتل‬
‫النفس‪ ،‬أليس كذلك ؟‪.‬‬
‫وصاحب الشرك ال ُيغفر له‪ ،‬بل هو مخلد في النار إذا مات على ذلك‪ ،‬وهو يحبط األعمال‪ ،‬ويخرج من ملة اإلسالم‪ .‬ما‬
‫هو هذا الشيء العظيم الذي ال شيء أعظم منه‪ ،‬وال أكبر منه من الذنوب ؟‬
‫هل تظن أن اهلل يحِّر م علينا هذا األمر العظيم‪ ،‬وال يوضحه لنا في كتابه؟ ال يمكن‪ ،‬بل ال بد أن يكون بيانه أكبر وأعظم‬
‫من بيان كل شيء؛ ألَّن هذا أمٌر عظيٌم خطيٌر ‪ ،‬أخطر شيء وأعظم مصيبة تنزل باِإل نسان هو الشرك‪.‬‬
‫هل يمكن أن يحرم اهلل شيء ويعظم شأنه ويجعله أعظم الذنوب‪ ،‬وصاحبه خارج من ملة اِإل سالم‪ ،‬وإذا فعله حبطت‬
‫أعماله وبطلت‪ ،‬وال يبين ذلك !‪.‬‬
‫الشرك صرف العبادة لغير اهلل‬
‫فإن قال‪ :‬الشرك عبادة األصنام‪ ،‬ونحن ال نعبد األصنام‪.‬‬
‫هذا الجواب‪ .‬قال‪ :‬ال أعبد إال اهلل‪ ،‬وااللتجاء إلى الصالحين ليس بشرك‪ ،‬أنا ال أشرك باهلل‪ .‬قلت‪ :‬االلتجاء إلى‬
‫الصالحين ليس بشرك‪ .‬فإذا قلت‪ :‬ما هو الشرك ؟ فيقول‪ :‬الشرك عبادة األصنام‪ ،‬فنقول له‪ :‬ما هي عبادة األصنام ؟ هل‬
‫عبادة األصنام معناها أنك اعتقدت أنها تخلق وترزق وتنفع وتضر ؟‬

‫(‪)1/94‬‬

‫ليس هذا؛ ألن المشركين يعبدون األصنام‪ ،‬وال يعتقدون أنها تخلق وال تنفع وال تضر‪ ،‬فعبادة األصنام دعاء من دون اهلل‪،‬‬
‫أو الذبح لها‪ ،‬أو النذر لها أو صرف أي نوع من أنواع العبادة لها‪.‬‬
‫فإذا صرفت أي نوع من أنواع العبادة وقعت في الشرك‪ ،‬إذا صرفت الدعاء أو الذبح أو النذر أو الركوع أو السجود‬
‫أو أي نوع من أنواع العبادة لغير اهلل وقعت في الشرك‪.‬‬
‫إيضاح معنى عبادة األصنام‬
‫فقل له‪ :‬ما معنى عبادة األصنام ؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك األخشاب واألحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها ؟‬

‫(‪)1/95‬‬

‫يكذبه القرآن والواقع‪ ،‬هذا يقول‪ :‬هل تظن أنهم ‪ -‬أي‪ :‬عبادة األصنام ‪ -‬أنهم يعتقدون أنها تنفع أو ترزق أو تضر‪ ،‬هذا‬
‫يكذبه الواقع‪ ،‬فهم أنهم ال يعتقدون أنها تنفع وتضر‪ ،‬وتخلق وترزق‪ ،‬والقرآن يكذبه‪ ،‬فاقرأ عليه اآليات‪ُ { :‬قْل َمْن‬
‫ِم‬ ‫ِت‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِء‬ ‫ِم‬
‫َيْر ُز ُقُك ْم َن الَّس َم ا َو اَأْلْر ِض َأْم َمْن َيْم ُك الَّس ْمَع َو اَأْلْبَص اَر َو َمْن ُيْخ ِر ُج اْلَح َّي َن اْلَم ِّي َو ُيْخ ِر ُج اْلَم ِّيَت َن اْلَح ِّي َو َمْن‬
‫ُيَد ِّبُر اَأْلْم َر َفَس َيُقوُلوَن الَّلُه َفُقْل َأَفاَل َتَّتُقوَن (‪ )1( } )31‬وقال تعالى‪َ { :‬و َلِئْن َس َأْلَتُه ْم َمْن َخ َلَق ُه ْم َلَيُقوُلَّن الَّلُه َفَأَّنى‬
‫ُيْؤ َفُك وَن (‪ )2( } )87‬وقال تعالى‪َ { :‬و َلِئْن َس َأْلَتُه ْم َمْن َخ َلَق الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْرَض َو َس َّخ َر الَّش ْم َس َو اْلَق َمَر َلَيُقوُلَّن الَّلُه‬
‫َفَأَّنى ُيْؤ َفُك وَن (‪ )3( } )61‬وقال تعالى‪ُ { :‬قْل ِلَم ِن اَأْلْرُض َو َمْن ِفيَه ا ِإْن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪َ )84‬س َيُقوُلوَن ِلَّلِه ُقْل َأَفاَل‬
‫ِب ِدِه‬ ‫ِل ِه‬ ‫ِظ‬ ‫ِت‬
‫َتَذ َّك ُر وَن (‪ُ )85‬قْل َمْن َر ُّب الَّس َم اَو ا الَّس ْبِع َو َر ُّب اْلَعْر ِش اْلَع يِم (‪َ )86‬س َيُقوُلوَن َّل ُقْل َأَفاَل َتَّتُقوَن (‪ُ )87‬قْل َمْن َي‬
‫َم َلُك وُت ُك ِّل َش ْي ٍء َو ُه َو ُيِج يُر َو اَل ُيَج اُر َعَلْيِه ِإن ُك ْنُتْم َتْع َلُم وَن (‪َ )88‬س َيُقوُلوَن ِلَّلِه ُقْل َفَأَّنى ُتْسَح ُر وَن (‪.)4( } )89‬‬
‫فهم معترفون بأن اهلل هو الخالق الرازق المدبر مالك السماوات واألرض‪ ،‬رب السماوات واألرض ورب العرش‬
‫العظيم‪ ،‬بيده ملكوت كل شيء‪ ،‬خالق الناس‪ ،‬وخالق الخلق جميًع ا‪ ،‬اعترفوا بها وهم مع ذلك مشركون‪ ،‬وهو ال‬
‫يعتقدون أن األصنام تخلق وترزق وتنفع وتضر‪ ،‬إَّنما أشركوها بدعائهم من دون اهلل‪ ،‬والذبح لها‪ ،‬والنذر لها‪ ،‬وصرف‬
‫أنواع العبادة !‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.31 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزخرف آية ‪.87 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة العنكبوت آية ‪.61 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة المؤمنون آية ‪.89-84 :‬‬

‫(‪)1/96‬‬

‫شرك األولين مع إيمانهم بربوبية اهلل‬


‫فهذا يكذبه القرآن‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ُ { :‬قْل َمْن َيْر ُز ُقُك ْم ِم َن الَّس َم اِء َو اَأْلْر ِض } (‪] )1‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪ .]31 :‬وإن‬
‫قال‪ :‬هو من قصد خشبة أو حجًر ا أو ُبنَيًة على قبر‪ ،‬أو غيره يدعون ذلك‪ ،‬ويذبحون له ويقولون‪ :‬إنه يقربنا إلى اهلل‬
‫زلفى‪ ،‬ويدفع اهلل عنا ببركته‪ ،‬أو يعطينا ببركته‪ .‬فقل‪ :‬صدقت‪ ،‬وهذا هو فعلكم عند األحجار واألبنية التي على القبور‬
‫وغيرها‪ ،‬فإن أقَّر أَّن فعلهم هذا هو عبادة لألصنام‪ ،‬فهو المطلوب‪.‬‬
‫هذا اعتراف‪ ،‬وقال تلك ما قصد صخًر ا‪ ،‬أو شجًر ا‪ ،‬أو خشًبا‪ ،‬أو بنية يدعوها‪ ،‬أو يذبح لها‪ ،‬أو ينذر لها‪ ،‬أو يطلب‬
‫البركة بها أو منها‪ ،‬فقل‪ :‬صدقت هذا فعلكم عند القبور‪ ،‬أنتم تفعلون هكذا عند قبور الصالحين واألولياء‪ ،‬تنذرون لهم‪،‬‬
‫وتدعون لهم وتدعونهم‪ ،‬وترجون منهم البركة وأن يدفع اهلل بهم عنكم‪.‬‬
‫وقال المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬فهذا يكذبه القرآن‪ ." ...‬وهو هو المطلوب‪ ،‬قبل هذا قررت أن عبادة األصنام هي‬
‫ِل‬ ‫ِد‬
‫عبادتها‪ ،‬والذبح لها من دون اهلل‪ ،‬وهذا هو المطلوب‪ ،‬والمطلوب إخالص النية هلل تعالى‪َ { :‬فاْع ُب الَّلَه ُمْخ ًص ا َلُه الِّديَن‬
‫(‪َ )2‬أاَل ِلَّلِه الِّديُن اْلَخ اِلُص } (‪ )2‬قال تعالى‪َ { :‬و َما ُأِم ُر وا ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن } (‪.)3‬‬
‫فالدين هو العبادة‪ ،‬طبًعا العبادة‪ ،‬ويطلق على الجزاء والحساب‪ ،‬فمالك يوم الدين‪ :‬يوم الجزاء والحساب‪ ،‬مخلصين له‬
‫الدين يعني‪ :‬العبادة‪.‬‬
‫الشرك أنواع كثيرة‬
‫ويقال له أيًض ا‪ :‬قولك‪ :‬الشرك عبادة األصنام‪ ،‬هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا‪ ،‬وأَّن االعتماد على الصالحين‬
‫ودعائهم ال يدخل في ذلك ؟‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.31 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزمر آية ‪.3-2 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة البينة آية ‪.5 :‬‬

‫(‪)1/97‬‬
‫هذا يقال في الشرك عبادة األصنام هل مقصودك بأن الشرك خاٌص بعبادة األصنام‪ ،‬وأن عبادة غير األصنام ما يكون‬
‫شرًك ا‪ ،‬إن كان مرادك هذا‪ ،‬فهذا يكذبه الواقع‪ ،‬ويكذبه القرآن‪ ،‬فالواقع أن الكفار في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬عبادتهم متنوعة‪ ،‬منهم من يعبد األصنام كالالت والعزى‪ ،‬ومنهم من يعبد األشجار واألحجار‪ ،‬ومنهم من يعبد‬
‫الشمس‪ ،‬ومنهم من يعبد القمر‪ ،‬ومنهم من يعبد المالئكة‪ ،‬ومنهم من يعبد المسيح‪ ،‬ومنهم من يعبد ُعَز يًر ا‪ ،‬لكن اهلل‬
‫سَّم اهم كفاًر ا‪ ،‬وكَّف رهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬واستحَّل دماءهم وأموالهم‪.‬‬
‫فليس الشرك خاص بعبادة األصنام‪ ،‬وكل من دعا غير اهلل‪ ،‬وذبح لغير اهلل‪ ،‬سواء كان صنًم ا أو غيَر صنٍم ‪ ،‬إذا دعا جنًّيا‬
‫أو قمًر ا أو ملًك ا أو نبًّيا أو شجًر ا أو حجًر ا‪ ،‬أو ُبنيًة‪ ،‬أو أي شيء‪ ...‬إذا دعاه أو نذر له‪ ،‬وذبح له‪ ،‬وقع في الشرك‪.‬‬
‫مطالبة المشركين بمعنى عبادة األصنام‬
‫فهذا يرد ما ذكره اهلل في كتابه من كفر من تعلق على المالئكة‪ ،‬أو عيسى أو الصالحين‪ ،‬فال بد أن يقَّر لك أن من أشرك‬
‫في عبادة اهلل أحًد ا من الصالحين فهذا هو الشرك المذكور في القرآن‪ ،‬وهذا هو المطلوب‪.‬‬
‫وسُّر المسألة أنه إذا قال‪ :‬أنا ال أشرك باهلل‪ .‬فقل له‪ :‬والمشرك باهلل؟ فِّس ْر ُه لي ؟‬
‫هنا القتال عنده‪ ،‬إذا قال‪ :‬ال أشرك باهلل‪ .‬قل له‪ :‬فِّس ر الشرك‪ .‬إذا قال‪ :‬الشرك عبادة األصنام‪ ،‬فقل له‪ :‬ما عبادة‬
‫األصنام ؟ فإذا قال‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل‪ .‬فقل له‪ :‬ما هي عبادة اهلل وحده ؟ فِّس رها لي ؟ فهو يحيد عن هذا الجواب؛ ألنه‬
‫يريد أن يجعل دعاء األولياء والصالحين ليس بشرك‪ ،‬ويخص ذلك بدعاء األصنام واألحجار واألوثان‪.‬‬
‫صرف األمر والنهي لغير اهلل شرك‬
‫فإن قال‪ :‬هو عبادة األصنام‪ ،‬فقل‪ :‬وما معنى عبادة األصنام؟ فِّس رها لي ؟‪.‬‬
‫فإن قال‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل وحده‪ .‬فقل‪ :‬ما معنى عبادة اهلل وحده ؟ فِّس رها لي؟‬

‫(‪)1/98‬‬

‫فإذا قال‪ :‬ال أشرك باهلل‪ ،‬ثم قال‪ :‬الشرك عبادة األصنام‪ ،‬إذا قال‪ :‬أنا ال أعبد إال اهلل‪ .‬قل فِّس ر لي العبادة ؟‪ .‬فإذا فَّس رها‬
‫بما ذكر اهلل فهو المطلوب‪ ،‬وأما إذا لم يفسرها‪ ،‬فنقول‪ :‬كيف تبرئ نفسك من شيء‪ ،‬وأنت ال تعرفه ؟!‬
‫تبين له أن الدعاء وأن العبادة وهي كل ما أمر اهلل به أو أمر رسوله به‪ ،‬أو نهى اهلل عنه‪ ،‬أو نهانا عنه رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬تفعل األوامر وتترك النواهي؛ طاعًة هلل وإجالال وخشية‪ ،‬إذا صرف شيء لغير اهلل وقع صاحبه في‬
‫الشرك‪.‬‬
‫الحجة تثبت جهل المشركين‬
‫فإن فَّس رها بما بَّينه القرآن فهو المطلوب‪ ،‬وإن لم يعرفه فكيف يَّد ِع ي شيًئا وهو ال يعرفه ؟!‬
‫العبادة اسٌم جامٌع لكل ما يحبه اهلل ويرضاه من األقوال واألفعال الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫بيان اآليات التي تحدد معنى الشرك‬
‫وإن فَّس ر ذلك بغير معناه‪ ،‬بَّينت له اآليات الواضحات في معنى الشرك باهلل وعبادة األوثان‪ ،‬أنه الذي يفعلونه في هذا‬
‫الزمان بعينه‪.‬‬
‫إخالص الدين هلل هي التي أنكرها أهل الشرك على اِإل مام محمد بن عبد الوهاب ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ،-‬ويريدون أن يتبركوا‬
‫بالصالحين‪ ،‬ويدعوهم من دون اهلل‪ ،‬ويذبحوا لهم‪ ،‬وينذروا لهم‪ ،‬فلما أمرهم الشيخ ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬بإخالص العبادة هلل‪،‬‬
‫ونهاهم عن دعاء غير اهلل والذبح له‪ ،‬صاحوا عليه وأنكروا عليه‪.‬‬
‫اتباع المشركين الالحقين للسابقين‬
‫وأن عبادة اهلل وحده ال شريك له هي التي ينكرون علينا ويصيحون فيه كما صاح إخوانهم حيث قالوا { َأَجَعَل اَآْلِلَه َة‬
‫ِإَلًه ا َو اِح ًد ا ِإَّن َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب (‪] )1( } )5‬سورة ص‪ ،‬اآلية‪.]5 :‬‬
‫وهم كفار ومشركو مكة‪ ،‬صاح المشركون في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬كما صاح مشركو‬
‫قريش على النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأنكروا عليه أن تكون العبادة هلل وحده‪ .‬وقال { َأَجَعَل اَآْلِلَه َة ِإَلًه ا َو اِح ًد ا ِإَّن‬
‫َه َذ ا َلَش ْي ٌء ُعَج اٌب (‪.)2( } )5‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة ص آية ‪.5 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة ص آية ‪.5 :‬‬

‫(‪)1/99‬‬

‫العبرة بالمعاني‬
‫فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا هذا االعتقاد‪...‬‬
‫العبرة بالمعاني‪ ،‬وسمي االعتقاد وسمي المعبود بالسيد؛ ألن المقصود بالدعاء هذا الشرك االعتقاد‪ ،‬يعتقدون فيه كما‬
‫أنهم ال يشفعون لهم ويقربونهم إلى اهلل‪ ،‬يسمونه االعتقاد في هذا الولي‪ ،‬أن صاحب القبر ينقل حوائجه إلى اهلل‪ ،‬ويقربه‬
‫إلى اهلل‪ ،‬أو أنه يجعل له اهلل من بركته‪.‬‬
‫شرك األولين أخف من شرك المتأخرين‬
‫هو الشرك الذي نزل فيه القرآن‪ ،‬وقاتل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الناس عليه فاعلم أن شرك األولين‪.....‬‬
‫هذا في بيان أن شرك األولين أخف من شرك المتأخرين؛ بأمرين‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن األولين إَّنَم ا يشركون في وقت الرخاء والسعة‪ .‬وهم في البرية إذا كان ليس عندهم شدة أشركوا‬
‫ودعوا آلهتهم‪ ،‬فإذا أصابتهم شدة أو كربة كما إذا ركب أحدهم البحر وتالطمت به األمواج‪ ،‬أخلص العبادة هلل‪ ،‬ونسي‬
‫معبوداته‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى { َفِإ َذا َر ِكُبوا ِفي اْلُف ْلِك َدَعُو ا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن َفَلَّم ا َنَّج اُه ْم ِإَلى اْلَبِّر ِإَذا ُه ْم ُيْش ِر ُك وَن (‪)1( } )65‬‬
‫أي‪ :‬مخلصين له الدين والعبادة‪ ،‬وقال تعالى‪َ { :‬و ِإَذا َمَّس ُك ُم الُّضُّر ِفي اْلَبْح ِر َض َّل َمْن َتْد ُعوَن ِإاَّل ِإَّياُه َفَلَّم ا َنَّج اُك ْم ِإَلى‬
‫اْلَبِّر َأْع َر ْض ُتْم َو َك اَن اِإْل ْنَس اُن َكُفوًر ا (‪.)2( } )67‬‬
‫إذا مسكم الضر في البحر ضَّل من تدعون إال إياه‪ ،‬فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان اِإل نسان كفوًر ا‪ .‬أما المشركون‬
‫المتأخرون‪ ،‬فإنهم يشركون في الرخاء والشدة وال يبالون‪ ،‬بل إنهم يزدادون لهًج ا ولجوًءا إلى معبوداتهم‪ ،‬إذا تالطمت‬
‫بهم األمواج قال‪ :‬يا علي يا علي‪ ،‬يا حسين يا حسين‪ ،‬يا عبد القادر يا عبد القادر مدد مدد‪ ،‬يا بدوي‪ ،‬يا نفيسة‪..‬‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة العنكبوت آية ‪.65 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة اإلسراء آية ‪.67 :‬‬

‫(‪)1/100‬‬

‫فصار المشركون المتأخرون يشركون في الرخاء وفي الشدة‪ ،‬بل إن بعضهم يزداد لهًج ا في المعبود وتعلًق ا به إذا نزلت‬
‫به الشدة‪ ،‬أما األوائل فال‪ ،‬إذا نزلت بهم الكربة والشدة ال يعبدون إال اهلل‪ ،‬ينسون معبوداتهم من دون اهلل‪ ،‬فإذا كان في‬
‫البر ما عنده شدة وال كربة دعاه من دون اهلل‪ .‬هذا يدل على صحة عقله فيميز به بين اإلله الذي يضر وينفع وبين اآللهة‬
‫‪.++‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬الذي ساقه المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أن المشركين السابقين إَّنما يدعون األنبياء أو المالئكة أو األولياء‬
‫الصالحين‪ ،‬يدعون صنًم ا أو يدعون جمادات ال تشرك باهلل شيًئا‪ ،‬يدعون صخًر ا أو شجًر ا أو حجًر ا أو بنية‪.‬‬
‫وأما المشركون المتأخرون فزادوا عليهم‪ ،‬وصاروا يعبدون كفاًر ا وفَّس اًقا‪ ،‬وإن كان كل منهم مشرك‪ ،‬ولكن من يدعو‬
‫نبًّيا أو ولًّيا أو حجًر ا أخف شرًك ا ممن يدعوا كافًر ا وفاسًق ا‪.‬‬
‫يتبين بهذا أن شرك المتأخرين أغلظ من شرك المتقدمين‪ ،‬وأن شرك المتقدمين أخف من شرك المتأخرين‪ .‬وصار بذلك‬
‫أصل الشرك األوائل أصح عقوال وأخف شرًك ا من المتأخرين ِلَّلِه ِلَّلِه !‪.‬‬
‫وهذا واضح أنهم إَّنما كفروا العتقادهم أن المالئكة بنات اهلل‪ ،‬فتقول له‪ :‬هذا كفر مستقل‪ ،‬فنسبة البنوة إلى اهلل‪ ،‬فقد‬
‫كفر كفًر ا مستقال‪ ،‬وهو غير دعاء الصالحين‪ ،‬فدعاء الصالحين وعبادتهم من دون اهلل هذا كفر‪ ،‬ومن نسب الولد إلى‬
‫ِل‬
‫اهلل فقد أتى كفًر ا مستقال‪ ،‬هذا كفر وهذا كفر { ُقْل ُه َو الَّلُه َأَح ٌد (‪ )1‬الَّلُه الَّصَم ُد (‪َ )2‬لْم َي ْد َو َلْم ُيوَلْد (‪َ )3‬و َلْم َيُك ْن‬
‫َلُه ُكُفًو ا َأَح د (‪.)1( } )4‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة اإلخالص آية ‪.4-1 :‬‬

‫(‪)1/101‬‬

‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِئ‬ ‫ِت ِل‬


‫وقال تعالى‪َ { :‬فاْسَتْف ِه ْم َأ َر ِّبَك اْلَبَناُت َو َلُه ُم اْلَبُنوَن (‪َ )149‬أْم َخ َلْق َنا اْلَم اَل َك َة ِإَناًثا َو ُه ْم َش ا ُد وَن (‪َ )150‬أاَل ِإَّنُه ْم ْن‬
‫ِإْفِكِه ْم َلَيُقوُلوَن (‪َ )151‬و َلَد الَّلُه َو ِإَّنُه ْم َلَك اِذ ُبوَن (‪َ )152‬أْص َطَف ى اْلَبَناِت َعَلى اْلَبِنيَن (‪.)1( } )153‬‬
‫وقال سبحانه‪َ { :‬و َجَعُلوا ِلَّلِه ُش َر َك اَء اْلِج َّن َو َخ َلَق ُه ْم َو َخ َر ُقوا َلُه َبِنيَن َو َبَناٍت ِبَغْيِر ِع ْلٍم ُسْبَح اَنُه َو َتَعاَلى َعَّم ا َيِص ُف وَن (‪)100‬‬
‫} (‪.)2‬‬
‫ِم‬
‫وقال سبحانه‪َ { :‬و َقاُلوا اَّتَخ َذ الَّر ْح َمُن َو َلًد ا (‪َ )88‬لَق ْد ِج ْئُتْم َش ْيًئا ِإًّدا (‪َ )89‬تَك اُد الَّس َمَو اُت َيَتَف َّطْر َن ْنُه َو َتْنَش ُّق اَأْلْرُض‬
‫َتِخ ُّر اْلِج اُل َه ًّدا (‪َ )90‬أْن َدَع ا ِللَّر ْح ِن َلًد ا (‪ )91‬ا ْن ِغي ِللَّر ْح ِن َأْن َّتِخ َذ َلًد ا (‪ِ )92‬إْن ُك ُّل ِفي الَّس ا اِت‬
‫َم َو‬ ‫َمْن‬ ‫َي َو‬ ‫َم‬ ‫َو َم َي َب‬ ‫َم َو‬ ‫ْو‬ ‫َب‬ ‫َو‬
‫ِة‬ ‫ِق‬ ‫ِه‬
‫َو اَأْلْر ِض ِإاَّل َآِتي الَّر ْح َم ِن َعْبًد ا (‪َ )93‬لَق ْد َأْحَص اُه ْم َو َعَّد ُه ْم َعًّدا (‪َ )94‬و ُك ُّلُه ْم َآِتي َيْو َم اْل َياَم َفْر ًدا (‪.)3( } )95‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الصافات آية ‪.153-149 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األنعام آية ‪.100 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة مريم آية ‪.95-88 :‬‬

‫(‪)1/102‬‬

‫سيأتي يوم القيامة عبد معبد مذلل مقهور مدين مشمر ال يملك لنفسه نفًعا وال ضًر ا‪ ،‬كل من في السماوات واألرض يأتي‬
‫عبًد ا ما يأتي ولًد ا‪ ،‬ليس هلل ولٌد ‪ ،‬فمن نسب الولد إلى اهلل فقد أتى أمًر ا عظيًم ا تكاد تنهّد له الجبال وتنشق السماوات‬
‫واألرض { َلَق ْد ِج ْئُتْم َش ْيًئا ِإًّدا (‪َ { )1( } )89‬تَك اُد الَّس َمَو اُت َيَتَف َّطْر َن ِم ْنُه َو َتْنَش ُّق اَأْلْرُض َو َتِخ ُّر اْلِج َباُل َه ًّدا (‪َ )90‬أْن‬
‫َدَعْو ا ِللَّر ْح َم ِن َو َلًد ا (‪َ )91‬و َم ا َيْنَبِغي ِللَّر ْح َم ِن َأْن َيَّتِخ َذ َو َلًد ا (‪ِ )92‬إْن ُك ُّل َمْن ِفي الَّس َم اَو اِت َو اَأْلْر ِض ِإاَّل َآِتي الَّر ْح َم ِن‬
‫َعْبًد ا (‪ )2( } )93‬معبد مقهور‪.‬‬
‫كل المخلوقات‪ ،‬وكل المخلوقين معبدون مستمرون مذللون‪ ،‬ليس هلل ولد ‪ -‬تعالى اهلل عما يقولون علًّو ا كبيًر ا ‪.-‬‬
‫فهذا كفٌر مستقٌل‪ ،‬هذا كفر‪ ،‬وهؤالء كفار‪ ،‬من نسب الولد إلى اهلل‪ ،‬وقال المالئكة بنات اهلل‪ ،‬فقد كفر‪ .‬ومن دعا‬
‫الصالحين وذبح لهم أو نذر لهم كفر؛ ألن هذا كفر‪ ،‬وهذا الكفر أنواع‪.‬‬
‫ثبوت كرامات األولياء‬
‫أخَّف من شرك أهل زماننا بأمرين‪...:‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة مريم آية ‪.89 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة مريم آية ‪.93-90 :‬‬

‫(‪)1/103‬‬

‫وكذلك قول اهلل { َأاَل ِإن َأْو ِلَياَء الَّلِه اَل َخ ْو ٌف َعَلْيِه ْم َو اَل ُه ْم َيْحَز ُنوَن (‪ )1( } )62‬قل‪ :‬هذا حق‪ ،‬إن أولياء اهلل لهم‬
‫حقهم‪ ،‬ولهم مكانتهم‪ ،‬ولهم كرامتهم‪ ،‬ولهم منزلتهم عند اهلل‪ ،‬ويجب على المؤمن أن يحبهم ويواليهم‪ ،‬ويقتدي‬
‫بأفعالهم الصالحة‪ ،‬ويؤمن بكرامتهم‪ ،‬وال يعبدهم؛ فالعبادة حق هلل‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعالى‪ -‬له حق‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬له حق‪ ،‬والصالحين واألولياء لهم حق‪ ،‬أما حق العبادة فهي حق اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬خاص به ال ُيعبد إال هو‬
‫‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬وحق الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الطاعة واالتباع والمحبة‪ ،‬ومحبته أعظم من محبة الولد‬
‫والمال والنفس‪ ،‬وحق الصالحين المحبة والمواالة واالقتداء بهم في أعمالهم الطيبة‪ ،‬واِإل يمان بكرامتهم وإنزالهم‬
‫منزلتهم‪ ،‬لكن ال نعبدهم؛ فالعبادة حق هلل‪ ،‬فلِإل له حقه‪ ،‬فأعِط كَّل ذي حٍق حقه‪.‬‬
‫ولما أوتي بأسير إلى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كما في مسند اإلمام أحمد بن حنبل قال األسير‪ :‬اللهم إني أتوب‬
‫إليك وال أتوب إلى محمد فقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬عرف الحق ألهله "‪.‬‬
‫فحق اهلل التوبة والعبادة‪ ،‬أي‪ :‬أقر على أن يقول اللهم إني أتوب إليك وال أتوب إلى محمٍد ‪ ،‬فاهلل ‪-‬تعالى‪ -‬له حقه‪ ،‬حق‬
‫العبادة وال تصرف هذا الحق لرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ما يعبد الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بل حق‬
‫الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الطاعة واالتباع والمحبة‪ ،‬وحق الصالحين كذلك المحبة واالقتداء بأعمالهم الطيبة‪،‬‬
‫وإنزالهم منزلتهم‪ ،‬واإليمان بكرامتهم وموالتهم‪ .‬أما العبادة فهي حق اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫شرك األولين في الرخاء‬
‫(أحدهما)‪:‬‬
‫أن األولين ال يشركون‪ ،‬وال يدعون المالئكة واألولياء واألوثان مع اهلل إال في الرخاء‪ ،‬وأما في الِّش َّدة فيخلصون هلل‬
‫الدعاء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة يونس آية ‪.62 :‬‬

‫(‪)1/104‬‬

‫هذا في حال الشَّدة‪ ،‬إذا أتاكم عذاب اهلل أو أتتكم الساعة ال توِّح دون إال اهلل‪ ،‬وال تدعون إال إياه‪ ،‬إَّنما يكون عبادتهم‬
‫لغير اهلل يكون في حالة الرخاء‪ ،‬أما في حال الشدة فيخلعون العبادة هلل ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫األدلة على أن شرك األولين في الرخاء‬
‫كما قال تعالى‪َ { :‬و ِإَذا َمَّس ُك ُم الُّضُّر ِفي اْلَبْح ِر َض َّل َمْن َتْد ُعوَن ِإاَّل ِإَّياُه َفَلَّم ا َنَّج اُك ْم ِإَلى اْلَبِّر َأْع َر ْض ُتْم َو َك اَن اِإْل ْنَس اُن‬
‫َكُف وًر ا (‪] )1( } )67‬سورة اإلسرء‪ ،‬اآلية‪.]67 :‬‬
‫وقوله‪ُ { :‬قْل َأَر َأْيَتُك ْم ِإْن َأَتاُك ْم َعَذ اُب الَّلِه َأْو َأَتْتُك ُم الَّس اَعُة َأَغْيَر الَّلِه َتْد ُعوَن ِإْن ُك ْنُتْم َص اِدِقيَن (‪َ )40‬بْل ِإَّياُه َتْد ُعوَن‬
‫َفَيْك ِش ُف َما َتْد ُعوَن ِإَلْيِه ِإْن َش اَء َو َتْنَس ْو َن َما ُتْش ِر ُك وَن (‪] )2( } )41‬سورة األنعام‪ ،‬اآليتان‪.]41 ،40 :‬‬
‫ِإ ِه ِم‬ ‫ِن ِم ِس‬ ‫ِن ِإ ِه ِإ‬ ‫ِإْل‬ ‫ِإ‬
‫وقال تعالى‪َ * { :‬و َذا َمَّس ا ْنَس اَن ُضٌّر َدَعا َر َّبُه ُم يًبا َلْي ُثَّم َذا َخ َّو َلُه ْع َم ًة ْنُه َن َي َما َك اَن َيْد ُعو َلْي ْن َقْبُل َو َجَعَل‬
‫ِلَّلِه َأْنَد اًدا ِلُيِض َّل َعْن َس ِبيِلِه ُقْل َتَم َّتْع ِبُكْف ِر َك َقِلياًل ِإَّنَك ِم ْن َأْص َح اِب الَّناِر (‪] )3( } )8‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية‪.]8 :‬‬
‫ِلَّلِه‬ ‫ِإ ِه ِم‬ ‫ِن ِم ِس‬ ‫ِن ِإ ِه ِإ‬ ‫ِإْل‬ ‫ِإ‬
‫قال تعالى‪َ * { :‬و َذا َم َّس ا ْنَس اَن ُضٌّر َدَعا َر َّبُه ُم يًبا َلْي ُثَّم َذا َخ َّو َلُه ْع َم ًة ْنُه َن َي َم ا َك اَن َيْد ُعو َلْي ْن َقْبُل َو َجَعَل‬
‫َأْنَد اًدا ِلُيِض َّل َعْن َس ِبيِلِه ُقْل َتَم َّتْع ِبُكْف ِر َك َقِلياًل ِإَّنَك ِم ْن َأْص َح اِب الَّناِر (‪.)4( } )8‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة اإلسراء آية ‪.67 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األنعام آية ‪.41-40 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة الزمر آية ‪.8 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الزمر آية ‪.8 :‬‬

‫(‪)1/105‬‬
‫إَّن اِإل نسان إذا َمَّس ُه الضر أخلص العبادة هلل‪ ،‬فإذا كان في حال السعة أشرك باهلل‪ ،‬وجعل هلل أنداًدا ليضل عن سبيله‪ ،‬إذا‬
‫خَّو َله اهلل نعمة في حال النعمة‪ ،‬في حال السعة والرخاء‪ ،‬جعل هلل أنداًد ا‪ ،‬وفي حال مّس الضر والشدة دعا اهلل وحده‬
‫فقط‪ ،‬فقال اهلل‪َ { :‬تَم َّتْع ِبُكْف ِر َك َقِلياًل ِإَّنَك ِم ْن َأْص َح اِب الَّناِر (‪.)1( } )8‬‬
‫جعله من أصحاب النار‪ ،‬لماذا ؟؛ ألنه يدعو غير اهلل‪ .‬متى ؟ في حال الشدة‪ ،‬فكان مشرًك ا‪ ،‬فإذا كان هذا الذي يدعو اهلل‬
‫في حال الشدة يكون مشرًك ا‪ ،‬بل ويقال له‪ِ { :‬إَّنَك ِم ْن َأْص َح اِب الَّناِر (‪ )2( } )8‬وإن كان يخلص هلل العبادة في الِّش َّدة‪،‬‬
‫فكيف بالذي يشرك باهلل في حال الرخاء والشدة ؟ يكون أعظم وأعظم وأشّد شرًك ا‪.‬‬
‫وقوله‪َ { :‬و ِإَذا َغِش َيُه ْم َمْو ٌج َك الُّظَلِل َدَعُو ا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن } (‪] )3‬سورة لقمان‪ ،‬اآلية‪.]32 :‬‬
‫وكذلك اآلية‪َ { :‬و ِإَذا َغِش َيُه ْم َمْو ٌج َك الُّظَلِل َدَعُو ا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن } (‪ )4‬أي‪ :‬إذا غشيهم موج في البحر‪ ،‬إذا‬
‫ركبوا وغشيهم موج‪ ،‬وكان كالظالل‪ ،‬دعوا اهلل مخلصين له الدين‪ ،‬مخلصين له العبادة‪ ،‬فلما نجاهم إلى البر إذا منهم‬
‫مقتصد‪.‬‬
‫واآليات في هذا كثيرة تبين أن المشركين السابقين يخلصون العبادة والدعاء هلل في حال الشدائد والمصائب والنكبات‬
‫والمؤلمات‪ ،‬أما في حال الرخاء يشركون باهلل‪.‬‬
‫األدلة كشفت الفرق بين األولين واآلخرين‬
‫فمن َفِه َم هذه المسألة التي وَّضحها اهلل في كتابه‪ ،‬وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬يدعون اهلل ‪-‬تعالى‪ ،-‬ويدعون غيره في الرخاء‪ ،‬وأما في الضِّر والِّش َّدة فال يدعون إال اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬
‫وينسون ساداتهم‪ ،‬تبَّيَن له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك األولين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزمر آية ‪.8 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الزمر آية ‪.8 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة لقمان آية ‪.32 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة لقمان آية ‪.32 :‬‬

‫(‪)1/106‬‬

‫فبين لهم الفرق بين الشدة والغفلة‪ ،‬وأن شرك األولين أخف‪ ،‬وشرك المتأخرين أغلظ وأشد‪ ،‬وإن كان كٌل منهم مشرك‪،‬‬
‫كٌل منهم مشرك‪ ،‬ولكن الشرك يتفاوت‪ ،‬بعضه أغلظ من بعض‪ ،‬فشرك المتأخرين أغلظ‪ ،‬أما شرك المتقدمين أخف‪.‬‬
‫األولين عبدوا مخلوقات طائعة هلل‬
‫ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهًم ا جيًد ا راسًخ ا‪ ،‬واهلل المستعان‪.‬‬
‫واألمر الثاني‪:‬‬
‫أن األولين يدعون مع اهلل أناًس ا مقربين عند اهلل‪ ،‬إما أنبياء‪ ،‬وإما مالئكة‪ ،‬أو يدعون أشجاًر ا وأحجاًر ا مطيعة هلل ليست‬
‫عاصية‪ ،‬وأهل زماننا يدعون مع اهلل أناًس ا من أفسق الناس‪ ،‬والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور‪ ،‬من الزنا‪،‬‬
‫والسرقة‪ ،‬وترك الصالة‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫فرق بين من يدعو األنبياء والصالحين أو األشجار أو األحجار المطيعة هلل التي ال تعصي اهلل‪ ،‬ومن يدعو فَّس اًقا‪ ،‬أو‬
‫كفاًر ا‪ ،‬أو فَّج اًر ا‪ ،‬معروف عنهم الجرأة على المعاصي‪ ،‬يدعون مجرمين معروف عنهم في حياتهم اِإل جرام والزنا وشرب‬
‫الخمر‪ ،‬أو الكفر والفسوق‪ ،‬ثم يدعونهم من دون اهلل‪ .‬هذا أشد ممن يدعو الصالحين واألولياء أو األشجار أو األحجار‪،‬‬
‫وإن كان كٌّل منهم مشركا‪ ،‬ولكن شرك هؤالء أغلظ من شرك أولئك‪.‬‬
‫أقوى شبه المشركين اآلخرين‬
‫والذي يعتقد فيمن يشاهد والذي ال يعصي مثل الخشب والحجر‪ ،‬أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه ويشهد به‪.‬‬
‫إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أصّح عقوال وأخّف شرًك ا من هؤالء‪ ،‬فاعلم أن لهؤالء‬
‫شبهة يوردونها على ما ذكرنا‪ ،‬وهي من أعظم شبههم‪ ،‬فاصغ سمعك لجوابها‪ ،‬وهي أنهم يقولون‪ :‬إن الذين نزل فيهم‬
‫القرآن ال يشهدون أن ال إله إال اهلل ويكذبون الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وينكرون البعث‪ ،‬ويكذبون القرآن‪،‬‬
‫ويجعلونه سحًر ا‪ ،‬ونحن نشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ونصدق القرآن‪ ،‬ونؤمن بالبعث‪ ،‬ونصلي‪،‬‬
‫ونصوم‪ ،‬فكيف تجعلوننا مثل أولئك ؟ ِلَّلِه‬

‫(‪)1/107‬‬

‫هذه الشبهة ‪ -‬كما ذكرها المؤلف ‪ -‬إنها أقوى شبههم‪ ،‬فاصغ لها سمعك‪ ،‬أي انتبه لها‪ ،‬وهو أن المشركين يقولون‬
‫ويرددون هذه الشبهة ويقولون إن المشركين في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يشهدون أن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫وينكرون أن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ويكذبون بالبعث‪ ،‬ويكذبون بالقرآن‪ ،‬ويقولون إنه سحر وكهانة‪.‬‬
‫أما نحن‪ ،‬فنشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ونشهد أن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ونشهد أن القرآن حق‪ ،‬ونؤمن بالبعث‪ ،‬ونصلي ونصوم‬
‫ونحج‪ ،‬فكيف تجعلوننا مثلهم ؟ وضح هذه الشبهة ؟‪.‬‬
‫يقول المشركون في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ينكرون الوحدانية ‪-‬مثال‪ -‬ويشهدون أن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫وينكرون أن محمًد ا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وينكرون البعث‪ ،‬ويكذبون بالقرآن‪ ،‬ويقولون سحر‪ ،‬وال‬
‫يصُّلون وال يصومون‪ ،‬وال يتصدقون‪ ،‬ونحن نخالفهم في هذه الشبهات كلها‪ ،‬فنحن نشهد أنه ال إله إال اهلل‪ ،‬ونشهد أن‬
‫محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ونصلي‪ ،‬ونصوم‪ ،‬ونحج‪ ،‬ونؤمن بالبعث‪ ،‬ونصدق بالقرآن‪ ،‬لكن نتوسل بالصالحين‪ ،‬نطلب من اهلل‬
‫بهم فقط‪.‬‬
‫الجواب على هذا‪ :‬أنه أجمع العلماء على أن اإلنسان إذا فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم‪ ،‬فإنه يكفر ويبطل توحيده‬
‫وإيمانه‪ ،‬ولو كان يصلي‪ ،‬ولو كان يصوم‪ ،‬ولو كان يشهد أنه ال إله إال اهلل‪ ،‬ولو كان يشهد أن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ولو‬
‫كان يؤمن بالبعث‪ ،‬فإذا فعل ناقًض ا واحًد ا من نواقض اإلسالم كفر‪ ،‬وخرج من المَّلة‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬ما ذكره المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ،-‬لو كان مسلم يشهد أنه ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ويصلي‪،‬‬
‫ويصوم‪ ،‬ويحج‪ ،‬ويؤمن بالبعث‪ ،‬ثم أنكر وجوب الصالة‪ ،‬كفر‪.‬‬
‫قال الصالة ما هي بواجبة‪ ،‬ولو صلى كفر؛ ألنه أنكر أمًر ا معلوًم ا من الدين بالضرورة‪ ،‬أو قال‪ :‬الزكاة ليست واجبة‪ ،‬أنا‬
‫أعتقد أنها ليست بواجبة‪ ،‬كلنا يزكي‪ ،‬وقال‪ :‬الصالة ما هي بواجبة‪ ،‬لكن أعتقد أنها ما هي بواجبة‪.‬‬
‫اِإل نسان إذا شاء صلى‪ ،‬وإن شاء لم يصِّل بالخيار‪ ،‬هذا كافر بإجماع المسلمين‪.‬‬

‫(‪)1/108‬‬
‫أو قال‪ :‬الزكاة ما هي بواجبة‪ ،‬أو الصوم ما هو بواجب‪ ،‬أو الحج ما هو بواجب‪ ،‬أو أنكر أمًر ا معلوًم ا من الدين‬
‫بالضرورة‪ ،‬قال‪ :‬الزنا ما هو بحرام‪ ،‬لكن أنا ما أزني‪ ،‬ولكن الزنا مباح يجوز لِإل نسان أن يزني‪ ،‬ويجوز أن يترك الزنا‪ ،‬أو‬
‫قال‪ :‬الربا ما هو بحرام‪ ،‬ويجوز لِإل نسان أن يفعل الربا‪ ،‬ويجوز أن أتركه‪ ،‬أو قال‪ :‬عقوق الوالدين حالل‪ ،‬وقال قطيعة‬
‫الرحم حالل‪ ...‬أو غير ذلك‪ ،‬بشرط أن يكون هذا الشيء الذي أنكره معلوًم ا من الدين بالضرورة‪ ،‬وجوبه أو تحريمه‪.‬‬
‫ما فيه خالف‪.‬‬
‫لكن إذا كان مما فيه خالف‪ ،‬هذا طبًعا لو أنكر وجوب الوضوء من لحم اِإل بل‪ ،‬بعضهم قال‪ :‬يجب‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ال‬
‫يجب‪ .‬أو أنكر الصوم أنه ما يجب ما يكفر‪ .‬أو قال‪ :‬الدخان ليس بحرام‪ ،‬هذا فيه شبهة‪ ،‬بعض الناس يشتبه فيه‪.‬‬
‫وإن قال‪ :‬إن العرب قالوا إن الدخان حرام‪ ،‬لكن لو قال إن الدخان حالل ما يكفر‪ ،‬ال بد بعض الناس أقله له شبهة‪،‬‬
‫بخالف الزنا ال يوجد أحد قال إن الزنا حالل‪ ،‬أجمع العلماء على تحريمه‪ ،‬ولم يقل أحد من العلماء إنه حالل‪ ،‬بل‬
‫أجمعوا على تحريمه‪.‬‬
‫والزكاة‪ ،‬وكذلك الصالة واجبة‪ ،‬ال يوجد أحد من العلماء قال بوجوبها والبعض اآلخر قال إنها ليست بواجبة‪ .‬إًذا من‬
‫يقل ذلك فقد أنكر معلوًم ا من الدين بالضرورة‪ ،‬وبذلك يكون قد كفر‪ ،‬ومن ينكر معلوًم ا من الدين بالضرورة فنقول له‪:‬‬
‫أنت فعلت ناقًض ا من نواقض اإلسالم‪ ،‬وهو دعاء غير اهلل‪ ،‬فهذا ينقض توحيدك وإيمانك‪ ،‬وال يغير كون أن تشهد أن ال‬
‫إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬أو كونك تصلي وتصوم وتؤمن بالبعث‪.‬‬
‫إًذا إنك دعوت غير اهلل‪ ،‬أو ذبحت لغير اهلل‪ ،‬أو فعلت أي ناقض من نواقض اإلسالم‪ ،‬فالجواب واضح‪.‬‬
‫هذا هو الجواب‪ ،‬وسيأتي المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يبسط في هذا الجواب ويقول ‪-‬مثال‪ :-‬ماذا تقول في بني حنيفة؟‬
‫بني حنيفة قوم كانوا يصومون ويصلون ويؤذنون‪ ،‬ثم قاتلهم الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪ -‬فقالوا‪ :‬إن مسيلمة نبي‪،‬‬
‫هذا هو المطلوب‪.‬‬

‫(‪)1/109‬‬

‫فإذا كان الذي يرفع رجل إلى مكان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يكون كافًر ا‪ ،‬فكيف بالذي يرفعه إلى مقام األلوهية‬
‫ويجعله مستحًق ا للعبادة‪ ،‬ويذبح له‪ ،‬وينذر له من دون اهلل‪.‬‬
‫فبنو حنيفة كفروا؛ ألنهم يقولون إن مسيلمة نبي‪ ،‬فكيف الذي يدعو الصالحين ويرفعهم إلى مقام جَّبار السماوات‬
‫واألرض بجعلهم يستحقون العبادة التي ال يستحقها إال اهلل‪.‬‬
‫كفر المنكر لبعض ما جاء به الرسول‬
‫فالجواب‪ :‬أنه ال خالف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صَّدق رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في شيء وكَّذ به في‬
‫شيء أنه كافر لم يدخل في اإلسالم‪.‬‬
‫هذا باِإل جماع‪ ،‬إذا صَّدق شيًئا وكَّذ ب شيًئا‪ ،‬صَّدق بأن الصالة واجبة‪ ،‬وكذب بأن الزكاة واجبة‪ ،‬أو صَّدق بأن الصالة‬
‫والزكاة واجبتين‪ ،‬وكَّذ ب بأن الصوم واجب‪ ،‬وصَّدق بأن الزنا حرام‪ ،‬وكَّذ ب بأن الربا حرام‪ ،‬كفر بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫إذا صَّدق بأن عقوق الوالدين حرام‪ ،‬وكَّذ ب بأن قطيعة الرحم حرام‪ ،‬فهذا كافر بإجماع المسلمين؛ ألنه فعل ناقًض ا من‬
‫نواقض اإلسالم‪.‬‬
‫كفر من آمن ببعض القرآن وكفر ببعض‬
‫وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه‪ ،‬كمن أقَّر بالتوحيد‪ ،‬وجحد وجوب الصالة‪ ،‬أو أقَّر بالتوحيد والصالة‪،‬‬
‫وجحد وجوب الزكاة‪ ،‬أو أقَّر بهذا كله وجحد الصوم‪ ،‬أو أقَّر بهذا كله وجحد الحج‪ ،‬ولما لم ينقد أناس في زمن النبي‬
‫ِإ ِه ِب‬ ‫ِت‬ ‫ِح‬ ‫ِلَّلِه‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬للحج‪ ،‬أنزل اهلل في حقهم‪َ { :‬و َعَلى الَّناِس ُّج اْلَبْي َمِن اْسَتَطاَع َلْي َس ياًل َو َمْن َكَف َر‬
‫َفِإ َّن الَّلَه َغِنٌّي َعِن اْلَعاَلِم يَن (‪] )1( } )97‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.]97 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية ‪.97 :‬‬

‫(‪)1/110‬‬

‫هذا لما لم َيْنَق د أناس للحج أنزل اهلل في حقهم هذه اآليات { َو ِلَّلِه َعَلى الَّناِس ِح ُّج اْلَبْيِت َمِن اْسَتَطاَع ِإَلْيِه َس ِبياًل } (‪)1‬‬
‫{ َو َمْن َكَف َر } (‪ )2‬بترك الحج { َفِإ َّن الَّلَه َغِنٌّي َعِن اْلَعاَلِم يَن (‪.)3( } )97‬‬
‫كفر من أنكر معلوًم ا من الدين بالضرورة‬
‫ومن أقَّر بهذا كله وجحد البعث‪ ،‬كفر باإلجماع‪ ،‬وحَّل دمه وماله‪.‬‬
‫يعني لو أقر بكل شيء وأنكر البعث‪ ،‬كفر بإجماع الناس وحَّل دمه؛ ألَّنه فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم‪ ،‬فإذا كان يكفر‬
‫بهذا‪ ،‬فكيف إذا صرف العبادة لغير اهلل ودعا الصالحين واألولياء‪ ،‬ما يكفر؛ ألنه يشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا‬
‫رسول اهلل ويصلي ويصوم ؟ !‪ .‬كال بل من باب أولى يكفر؛ ألنه أشرك باهلل‪.‬‬
‫األدلة على كفر من آمن ببعض القرآن وكفر ببعض‬
‫ِم ِب‬ ‫َّلِه ِلِه‬ ‫ِب َّلِه ِلِه‬ ‫ِإ َّلِذ‬
‫كما قال جل جالله‪َّ { :‬ن ا يَن َيْك ُف ُر وَن ال َو ُرُس َو ُيِر يُد وَن َأْن ُيَفِّر ُقوا َبْيَن ال َو ُرُس َو َيُقوُلوَن ُنْؤ ُن َبْع ٍض َو َنْك ُف ُر‬
‫ِبَبْع ٍض َو ُيِر يُد وَن َأْن َيَّتِخ ُذ وا َبْيَن َذِلَك َس ِبياًل (‪ُ )150‬أوَلِئَك ُه ُم اْلَك اِفُر وَن َح ًّق ا َو َأْع َتْدَنا ِلْلَك اِفِر يَن َعَذ اًبا ُمِه يًنا (‪( } )151‬‬
‫‪] )4‬سورة النساء‪ ،‬اآليتان‪.]151 ،150 :‬‬
‫فإذا كان اهلل قد صَّر ح في كتابه أن من آمن ببعض‪ ،‬وكفر ببعض‪ ،‬فهو الكافر حًق ا‪.‬‬
‫نص اهلل تعالى في كتابه‪ِ { :‬إَّن اَّلِذ يَن َيْك ُفُر وَن ِبالَّلِه َو ُرُس ِلِه َو ُيِر يُد وَن َأْن ُيَفِّر ُقوا َبْيَن الَّلِه َو ُرُس ِلِه َو َيُقوُلوَن ُنْؤ ِم ُن ِبَبْع ٍض‬
‫َو َنْك ُف ُر ِبَبْع ٍض َو ُيِر يُد وَن َأْن َيَّتِخ ُذ وا َبْيَن َذِلَك َس ِبياًل (‪ُ )150‬أوَلِئَك ُه ُم اْلَك اِفُر وَن َح ًّق ا } (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية ‪.97 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة آل عمران آية ‪.97 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة آل عمران آية ‪.97 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة النساء آية ‪.151-150 :‬‬
‫(‪ - )5‬سورة النساء آية ‪.151-150 :‬‬

‫(‪)1/111‬‬
‫فمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض‪ ،‬وآمن ببعض الرسل وكفر ببعضهم‪ ،‬أو آمن ببعض الكتب وكفر ببعض‪ ،‬أو آمن‬
‫ببعض القرآن وكفر ببعض‪ ،‬أو آمن ببعض ما جاء به الرسول وكفر ببعض‪ ،‬فهو كافر باإلجماع‪ .‬وال يفيده كونه آمن‬
‫ببعض‪.‬‬
‫دحض شبهات المشركين‬
‫زالت هذه الشبهة‪.‬‬
‫هذه الشبهة التي أوردها هذا القائل الذي يقول‪ :‬نشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ونؤمن بالبعث‪ ،‬ونصدق‬
‫الرسول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ،-‬ونحج‪ ،‬ونصوم‪ ،‬ونتصدق‪.‬‬
‫نقول‪ :‬ال ينفعك هذا إذا دعوت غير اهلل‪ ،‬ما ينفعك‪ ،‬فقد انتقض توحيدك وإيمانك إذا دعوت الصالحين‪ ،‬وقلت‪ :‬يا‬
‫سيدي البدوي أغثني‪ ،‬يا سيدي رسول اهلل‪ ،‬أو يا عبد القادر مدد مدد‪ ،‬أو ذبحت له‪ ،‬أو نذرت له‪ ،‬كفرت وأشركت‬
‫باهلل‪ ،‬وخرجت من ملة اإلسالم‪ ،‬وأصبحت وثنًّيا‪ ،‬وبطل توحيدك وإيمانك‪.‬‬
‫انتقض مثل إنسان تطهر وأحسن الطهارة‪ ،‬وتوضأ وأحسن الوضوء‪ ،‬ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح‪ ،‬فأين الطهارة ؟‬
‫ِلَّلِه بقيت أو ذهبت؟ بطلت‪ .‬ما الذي أبطلها ؟ الحدث‪.‬‬
‫وكذلك إذا قال اإلنسان‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬وصلى وصام‪ ،‬ثم ذبح لغير اهلل‪ ،‬أو نذر أو دعا‬
‫غير اهلل‪ ،‬بطل التوحيد واِإل يمان انتهى‪.‬‬
‫ما زال يشرك‪ ،‬فشركه يبطل التوحيد واإليمان‪ ،‬كما أن الحدث والبول والغائط يبطل الطهارة ويفسدها‪ ،‬وكذلك الشرك‬
‫يفسد التوحيد واإليمان‪ .‬نسأل اهلل السالمة‪.‬‬

‫(‪)1/112‬‬

‫جواب السؤال هذا شيء آخر في الكالم‪ ،‬فمن جحد هذا فهو الكافر‪ ،‬أَّما من لم يجحد ففيه خالف‪ ،‬أما الصالة فهي‬
‫خالف بين العلماء‪ ،‬قال كثير من العلماء المتأخرين‪ ،‬كثير من الفقهاء المتأخرين يقولون إنه إذا أقر بوجوب الصالة لكنه‬
‫تركها ال يكفر‪ ،‬وقول آخر ‪ -‬وهو الصواب ‪ -‬الذي يتركها إنه يكفر ولو لم يجحد وجوبها‪ ،‬وهو الذي أجمع عليه‬
‫الصحابة والذي تدل عليه النصوص " بين الرجل والكفر ترك الصالة " وكذلك إذا ترك الزكاة وجحد وجوبها هذا كفر‬
‫باِإل جماع‪ ،‬أما إذا تساهل بالزكاة وتركها بخال ولم يجحد وجوبها‪ ،‬فقال بعض أهل العلم‪ :‬يكفر‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ال‬
‫يكفر‪ ،‬وإنما يفسق‪ ،‬أي يكون فاسًق ا ويعزر فيما يراه الحاكم الشرعي‪ ،‬فيجلد أو يضرب أو يسجن‪ ،‬وتؤخذ منه قهًر ا‪.‬‬
‫وكذلك الصيام قال بعض العلماء‪ :‬إذا تركه كسال وأقر بوجوبه تهاوًنا َكَف ر‪ ،‬وقال آخرون ال يكفر بل يعزر‪ ،‬وهذا هو‬
‫الصواب أنه ال يكفر إال بترك الصالة‪ ،‬هذا إذا تركها كسال وتهاوًنا‪ ،‬أما إذا جحد فهذا يكفر باإلجماع‪ ،‬إذا جحد‬
‫وجوب الزكاة أو وجوب الصوم‪ ،‬أو وجوب الحج فهو كافر باِإل جماع‪ ،‬هذا ليس فيه خالف بين العلماء‪ ،‬أما الخالف‬
‫في من لم يجحد‪ ،‬أي آمن بوجوب الصالة‪ ،‬وآمن بوجوب الزكاة‪ ،‬وآمن بوجوب الحج‪ ،‬لكن لم يزِّك كسال بالمال‪ ،‬أو‬
‫لم يصم كذلك كسال‪ ،‬أو لم يحج‪ ،‬الصواب في ذلك أنه لم يكفر ويكون فاسًق ا مرتكًبا للكبيرة‪ ،‬ويعزر بما يراه الحاكم‬
‫الشرعي بالجلد والسجن‪ ،‬أي ُيردع‪ ،‬وقد يعذر بأخذ مال الزكاة‪ ،‬أما الصالة‪ ،‬فالصواب أنه يكفر لو تركها كسال هذا‬
‫هو الصحيح الذي تدُّل عليه النصوص‪.‬‬
‫ومن األدلة في ذلك‪ :‬قول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬من ترك صالة العصر حبط عمله " والذي يحبط عمله هو‬
‫الكافر‪.‬‬

‫(‪)1/113‬‬

‫إذا ترك صالة واحدة متعمًد ا وليس له عذر حتى خرج وقتها كفر في أصح قولي العلماء‪ ،‬فإذا جحد وجوبها‪ ،‬فهذا‬
‫باإلجماع (جواب السؤال) محتمل لما لم ينقد أناس للحج فقال المؤلف‪" :‬لما لم ينقد أناس في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬للحج أنزل اهلل في حقهم هذه اآلية" إذا جحد‪ ،‬فهذا باِإل جماع‪ ،‬وإذا لم يجحد ففي هذا خالف‪.‬‬
‫إن العلماء كَّف رو منهم من لم يكفر‪ ،‬وقالوا‪ :‬من كفر بجحده هذا ما فيه إشكال‪ ،‬هذا كافر ألنه قد يحتمل أنه لم ينقد‬
‫جحوًد ا أو كسال أو تهاوًنا‪.‬‬
‫كل من ترك واجًبا ‪-‬يعني جحوًد ا‪ ،-‬من ترك واجًبا معلوًم ا من الدين بضرورة وجوبه ما هو بواجب فقط‪ ،‬بل معلوم من‬
‫الدين بالضرورة‪ ،‬مثل الزكاة والصوم والحج‪ ،‬هذا واجب باِإل جماع‪ ،‬لكن بعض الواجبات مختلف فيها‪ ،‬بعض العلماء‬
‫خالف فيها‪ ،‬هذه ما يكفر؛ ألن فيها خالف‪ ،‬إَّنما يكفر إذا أنكر أمًر ا معلوًم ا من الدين بضرورة وجوبه‪ ،‬هذا ما فيه‬
‫خالف‪ ،‬ومثلنا من أنكر وجوب الوضوء من لحم اِإل بل‪ ،‬الصواب أنه يجب الوضوء من لحم اإلبل‪.‬‬
‫قال اإلمام أحمد بن حنبل ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في حديث جابر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫وحديث سمرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " -‬نتوضأ من لحوم اِإل بل وال نتوضأ من لحوم الغنم‪ .‬سئل النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪ :‬نتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال‪ :‬إن شئت نتوضأ من لحوم اإلبل ؟ قال‪ :‬نعم "‪.‬‬
‫لكن بعض العلماء خالف وقال‪ :‬ال يجب‪ ،‬وأن هذا منسوب إلى حديث جابر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ ،-‬قال‪ :‬كان أقر األمر‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مما مست النار‪ ،‬والصواب أن لحم اِإل بل استثناء‪ ،‬لكن المسألة فيها خالف‪ ،‬المسألة‬
‫التي فيها خالف ما يكفر من أنكرها‪ ،‬لكن المسألة التي ليس فيها خالف ثم أنكره‪ ،‬أي األمر المجمع عليه وجوًبا‬
‫وتحريًم ا فهذا يكفر من أكره‪.‬‬
‫كفر تارك الصالة‬
‫وهذه التي ذكرها بعد أهل األحساء في كتابه الذي أرسله إلينا‪.‬‬

‫(‪)1/114‬‬

‫ويقال أيًض ا‪ :‬إذا كنت تقّر أَّن من صَّدق الرسول في كل شيء‪ ،‬وجحد وجوب الصالة فهو كافر حالل الدم والمال‬
‫باِإل جماع‪.‬‬
‫هذا باِإل جماع‪ ،‬إذا أقَّر في كل شيء أال يقر بوجوب الصالة‪ ،‬هذا باِإل جماع ليس فيه خالف‪ ،‬الخالف فيما إذا تركها‬
‫كسال وتهاوًنا ولم يجحدها‪ ،‬أو يجحد وجوبها‪ ،‬أما إذا جحد وجوبها وقال‪ :‬إنها ليست واجبة أنا أعتقد أنها ما هي‬
‫بواجبة‪ ،‬واإلنسان إن شاء يصلي وإن شاء ما يصلي‪ ،‬فهذا كافر باإلجماع‪ ،‬ولو صلى ال تفيده الصالة لكونه اعتقد أنها‬
‫ليس بواجبة‪ ،‬لكن لو اعتقد أنها واجبة ثم ترك الصالة‪ ،‬فهذا محل الخالف‪ ،‬والصواب أنه يكفر‪.‬‬
‫كفر منكر البعث‬
‫وكذلك إذا أقَّر بكل شيء إال بالبعث‪.‬‬
‫أي أنه يقّر بكل شيء إال البعث‪ ،‬فإذا أنكره يكفر باِإل جماع‪.‬‬
‫كفر منكر الصوم‬
‫وكذلك إذا جحد وجوب صوم رمضان وصَّدق بذلك كله‪.‬‬
‫وكذا إذا قال‪ :‬إن صوم رمضان ليس بواجب‪ ،‬إن شاء صام وإن شاء لم يصم‪ ،‬هذا كافر باِإل جماع ‪ -‬أيًض ا ‪ -‬لكن إذا‬
‫قال الصوم واجب‪ ،‬لكنه ترك الصوم‪ .‬فإذا قيل‪ :‬لماذا لم تصم ؟ فقال‪ :‬أعتقد أنه واجب‪ ،‬لكن غلبت نفسي وهواي‬
‫والشيطان‪ ،‬فهذا محل الخالف‪ :‬هل يكفر أو ال يكفر ؟‪.‬‬
‫لكن إذا قال إن الصوم ليس بواجب‪ ،‬واِإل نسان ُمَخ َّير إن شاء صام وإن شاء لم يصم‪ ،‬فهذا كافر باِإل جماع‪ ،‬أما إذا قال‪:‬‬
‫ال‪ ،‬أنا أعتقد أن الصوم واجب وأنا مخطئ‪ ،‬وأنا مرتكب للذنب‪ ،‬أنا أرجو اهلل أن يتوب علَّي ‪ ،‬أنا غلبت نفسي وهواي‬
‫والشيطان‪ ،‬فهذا هو محل الخالف‪.‬‬
‫جواب السؤال‪ :‬يكفره فقط‪ ،‬أم هم يعتبرونه كبيرة وجريمة ‪ -‬ترك الصوم كسال ‪ -‬أو ترك الزكاة ؟ هذا يطلق عليه أنه‬
‫جريمة ومعصية كبيرة وفسق‪ ،‬لكن هل تصل إلى درجة كفره أم ال ؟ من العلماء من قال أنها تصل إلى درجة كفره‪،‬‬
‫ومنهم من قال إنها لم تصل‪ .‬هذا هو الكالم‪ ،‬هذا هو الخالف‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬تصل إلى الكفر‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إنها ال تصل‪ .‬هذا إذا تركها كسال وتهاوًنا‪ ،‬أما إذا جحد وجوبها فهذا كفر‬
‫كفًر ا مخرًج ا من الملة باِإل جماع‪ ،‬وليس فيه خالف‪.‬‬

‫(‪)1/115‬‬

‫إجماع المذاهب على كفر من أنكر معلوًم ا من الدين بالضرورة‬


‫وال تختلف المذاهب فيه‪.‬‬
‫ال تختلف المذاهب في الكفر‪ ،‬فقد أجمعوا على كفره‪.‬‬
‫تكفير القرآن من أنكر معلوًم ا من الدين بالضرورة‬
‫وقد نطق به القرآن كما قَّد ْمَنا‪.‬‬
‫يعني‪ :‬إذا كان الذي يجحد وجوب الصالة يكفر‪ ،‬والذي يجحد وجوب الزكاة يكفر‪ ،‬والذي يجحد وجوب الصوم‬
‫يكفر‪ ،‬والذي يجحد وجوب الحج يكفر‪ .‬والتوحيد واجب على كل من دخل اإلسالم‪ ،‬فإذا جحد وجوب إفراد اهلل‬
‫بالتوحيد‪ ،‬كفر اِإل جماع من باب أولى‪ ،‬لكن الذي يجحد وجوب الحج والصوم يكفر‪ ،‬والذي يجحد وجوب إفراد اهلل‬
‫بالعبادة أو يختص بالعبادة‪ ،‬يكفر من باب أولى ‪ -‬أيًض ا ‪ ،-‬أو أن يصرف شيًئا من أنواع العبادة لغير اهلل‪.‬‬
‫التوحيد أعظم فريضة جاء بها النبي‬
‫فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وهو أعظم من الصالة والزكاة والصوم‬
‫والحج‪ ،‬فكيف إذا جحد اإلنسان شيًئا من هذه األمور كفر؟ ولو عمل بكل ما جاء به الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم ال يكفر ؟ ِلَّلِه سبحان اهلل ِلَّلِه ما أعجب هذا الجهل ِلَّلِه ِلَّلِه ِلَّلِه‬
‫سبحان اهلل ِلَّلِه في هذه كيف اآلن ؟ الذي يترك الزكاة‪ ،‬أو الصوم‪ ،‬أو الحج يجحد وجوابه يكفر‪ ،‬والذي يجحد وجوب‬
‫إخالص التوحيد هلل ال يكفر‪ ،‬سبحان اهلل ِلَّلِه هذا عجيب‪ .‬أيهم أعظم‪ ،‬الصالة والزكاة والصوم والحج أو التوحيد أعظم‪.‬‬
‫إذا كان الذي يجحد وجوب الصالة يكفر باِإل جماع‪ ،‬والذي يجحد وجوب الزكاة يكفر باِإل جماع‪ ،‬والذي يجحد‬
‫وجوب الحج يكفر باِإل جماع‪ ،‬والذي يجحد وجوب الصوم يكفر باِإل جماع‪ ،‬والذي يجحد وجوب التوحيد هلل ال يكفر‬
‫ِلَّلِه ِلَّلِه ِلَّلِه من يقول هذا ؟ ال يقول هذا أي إنسان يعلم دين اإلسالم‪.‬‬
‫قتال مانعي الزكاة‬

‫(‪)1/116‬‬

‫ويقال أيًض ا‪ :‬هؤالء أصحاب رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قاتلوا بني حنيفة‪ ،‬وقد أسلموا مع النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وهم يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ويصلون ويؤذنون‪ ،‬فإن قال‪ :‬إنهم يقولون‪ :‬إن‬
‫مسيلمة نبي‪ ،‬قلنا‪ :‬هذا هو المطلوب‪.......،‬‬
‫أعني‪ :‬نقف عند بني حنيفة‪ ،‬ألن المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬سيأتي بعدة أمثلة تدُّل على كفر من جحدوا التوحيد‪ ،‬على من‬
‫فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم والمناط بهذا الجواب والشبهة على أن من فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم كفر‪ ،‬وال‬
‫يفيده ما يفعله من شرائع اإلسالم‪.‬‬
‫إذا فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم أو فسد وبطل‪ ،‬ال يصلحه من التوحيد واإليمان إال من تاب‪ ،‬ومن تاب تاب اهلل عليه‬
‫قبل الموت‪ ،‬وَّفَق اهلل الجميع‪.‬‬
‫* نسأل عن درس أساسي‪ ،‬عن الشبهة األولى التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في "رسالة في‬
‫كشف الشبهات"‪.‬‬
‫إذا قال صاحب الشبهة‪ :‬النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أعطي الشفاعة فأنا أطلب مما أعطاه اهلل‪ ،‬هل تنكر الشفاعة‪،‬‬
‫فما الجواب ؟‬
‫الجواب‪ :‬إن اهلل أعطاه الشفاعة‪ ،‬أنا ال أنكر هذا‪ ،‬بل أعترف أن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬هو شافع شفيع‬
‫المحشر‪ ،‬لكن اهلل نهاك أن تطلبها منه‪ ،‬هذه اآلية عامة تشمل طلب الشفاعة وغيرها‪ .‬ثم إن الشفاعة ال تكون إال‬
‫بشرطين‪ ،‬إًذا‪ ،‬للشافع أن يشفع‪ ،‬ورضاه عن المشفوع له‪.‬‬
‫فإًذا‪ ،‬الشفاعة يملكها اهلل { ُقْل ِلَّلِه الَّش َف اَعُة َج ِم يًعا } (‪ )1‬فتكون الشفاعة إكرام من اهلل للشافع حيث يأذن اهلل له‪،‬‬
‫والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا شفع في العصاة يحد اهلل له حًد ا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الزمر آية ‪.44 :‬‬

‫(‪)1/117‬‬
‫وذكر المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬أن المشركين اُألَّو ل أخف شرًك ا من المشركين المتأخرين بأمرين‪ ،‬فما هما هذان األمران‬
‫؟ يعني أن المشركين السابقين يشركون في الرخاء والسعة‪ ،‬أما في حال الِّش َّدة والكرب والضيق فيجعلون الدعاء هلل‪،‬‬
‫وال يشركون‪ .‬الدليل على هذا قول اهلل تعالى‪َ { :‬فِإ َذا َر ِكُبوا ِفي اْلُف ْلِك َدَعُو ا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن َفَلَّم ا َنَّج اُه ْم ِإَلى اْلَبِّر‬
‫ِإَذا ُه ْم ُيْش ِر ُك وَن (‪ )1( } )65‬والفلك‪ :‬السفينة‪ .‬أي‪ :‬إذا ركبوا السفينة في البحر خافوا ودعوا اهلل مخلصين له الدين‬
‫والعبادة والدعاء‪ ،‬والدعاء الذي هو مخ العبادة‪ .‬إذا ركبوا في الفلك دعوا اهلل مخلصين له الدين والعبادة‪ ،‬فلما نجاهم‬
‫إلى البر إذا هم مشركون‪.‬‬
‫ودليل آخر‪ :‬قال تعالى‪َ { :‬و ِإَذا َغِش َيُه ْم َمْو ٌج َك الُّظَلِل َدَعُو ا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن } (‪ )2‬ودليل آخر‪ :‬قال تعالى‪َ { :‬و ِإَذا‬
‫َمَّس ُك ُم الُّض ُّر ِفي اْلَبْح ِر َض َّل َمْن َتْد ُعوَن ِإاَّل ِإَّياُه َفَلَّم ا َنَّج اُك ْم ِإَلى اْلَبِّر َأْع َر ْض ُتْم َو َك اَن اِإْل ْنَس اُن َكُف وًر ا (‪ )3( } )67‬وقد‬
‫ِإ ِه ِم‬ ‫ِن ِم ِس‬ ‫ِن ِإ ِه ِإ‬ ‫ِإْل‬ ‫ِإ‬
‫يستدل أيًض ا { * َو َذا َم َّس ا ْنَس اَن ُضٌّر َدَعا َر َّبُه ُم يًبا َلْي ُثَّم َذا َخ َّو َلُه ْع َم ًة ْنُه َن َي َم ا َك اَن َيْد ُعو َلْي ْن َقْبُل َو َجَعَل‬
‫ِلَّلِه َأْنَد اًدا ِلُيِض َّل َعْن َس ِبيِلِه ُقْل َتَم َّتْع ِبُكْف ِر َك َقِلياًل ِإَّنَك ِم ْن َأْص َح اِب الَّناِر (‪.)4( } )8‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة العنكبوت آية ‪.65 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة لقمان آية ‪.32 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة اإلسراء آية ‪.67 :‬‬
‫(‪ - )4‬سورة الزمر آية ‪.8 :‬‬

‫(‪)1/118‬‬

‫ثم الشبهة التي أخذ بها وهي التي يقول المؤلف من أقوى شبههم‪ ،‬وهي‪ :‬يقول القائل‪ :‬إن الكفار السابقين الذين نزل‬
‫فيهم القرآن‪ ،‬كَّف رهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وشهد القرآن وأخبر القرآن بشركهم‪ ،‬كانوا ال يعبدون اهلل‪ ،‬وال‬
‫يصدقون برسالة محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وال يصدقون بالقرآن‪ ،‬بل يقولون‪ :‬سحر وشعر وكهانة‪ ،‬وال يؤمنون‬
‫بالبعث‪ ،‬وال يصلون‪ ،‬وال يصومون‪ ،‬وال يصدقون‪ ،‬فكيف تجعلونا مثلهم ؟ نحن نشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ونشهد أن‬
‫محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ونقيم الصالة‪ ،‬ونؤتي الزكاة‪ ،‬ونصدق بالقرآن‪ ،‬ونصوم‪ ،‬ونصلي‪ ،‬ونحج‪ ،‬ونؤمن بالبعث‪ ،‬فكيف‬
‫تجعلونا مثلهم ؟!‬
‫هذه الشبهة أجاب المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬عنها بسبعة أجوبة‪ ،‬نوردها كاآلتي‪:‬‬
‫الجواب األول‪ :‬ال خالف بين المسلمين أن من آمن ببعض ما جاء به الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وكفر ببعٍض‬
‫أقر أنه كافر باِإل جماع‪ ،‬وال ينفعه اإليمان بالباطل‪.‬‬
‫ِة‬ ‫ِخ ِف‬ ‫ِل ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِم‬
‫قال تعالى‪َ { :‬أَفُتْؤ ُنوَن ِبَبْع ِض اْل َتاِب َو َتْك ُف ُر وَن ِبَبْع ٍض َفَم ا َجَز اُء َمْن َيْف َعُل َذ َك ْنُك ْم ِإاَّل ْز ٌي ي اْلَحَيا الُّد ْنَيا َو َيْو َم‬
‫اْلِق َياَم ِة ُيَر ُّدوَن ِإَلى َأَش ِّد اْلَعَذ اِب } (‪.)1‬‬
‫وكذلك من صَّدق الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ببعض ما جاء به وكَّذ ب في بعٍض آخر كفر بإجماع المسلمين‪،‬‬
‫فإذا صَّدق بوجوب التوحيد ولكنه كَّذ ب بوجوب الصالة‪ ،‬كفر‪.‬‬
‫وإذا صَّدق بوجوب التوحيد ووجوب الصالة وكَّذ ب بوجوب الزكاة‪ ،‬إذا صَّدق بوجوب التوحيد ووجوب الصالة‬
‫ووجوب الزكاة وكَّذ ب بوجوب الصوم‪ ،‬كفر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية ‪.85 :‬‬

‫(‪)1/119‬‬

‫وإذا صَّدق في هذه األشياء ثم كَّذ ب بالبعث‪ ،‬كفر‪ .‬فكذلك إذا أشرك بتوحيد العبادة يكفر‪ ،‬سيأتي أيًض ا ستة أجوبة مع‬
‫هذا الجواب تكون سبعة ربطها المؤلف كما سبق‪ ،‬أن المسلَم إذا فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم بطل توحيده وإيمانه‪،‬‬
‫وال ينفعه ما كان يصدق به ويفعله إذا كان اإلنسان يشهد أن ال إله إال اهلل ويشهد أن محمًد ا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬ويصوم ويزكي ويحج‪ ،‬ثم فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم‪.‬‬
‫مثال‪ :‬الصالة ليست واجبة‪ ،‬أو قال الزنا حالل‪ ،‬أو الخمر حالل‪ ،‬أو الربا حالل‪ ،‬أو عقوق الوالدين حالل‪ ،‬كفر بإجماع‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وكذلك إذا كَّذ ب بالبعث‪ ،‬كفر بإجماع المسلمين‪ ،‬وكذلك لو قال‪ :‬أداء الصالة والزكاة والصوم وآمن بكل شيء‪،‬‬
‫لكن قال‪ :‬محمد مرسل إلى العرب خاصة وليس للناس‪ ،‬بل للعرب فقط‪ ،‬كفر بإجماع المسلمين‪ ،‬أو قال‪ :‬محمد ليس‬
‫بخاتم النبيين يمكن يأتي بعده نبي‪ ،‬يكفر بإجماع المسلمين؛ ألنه يكِّذ ب اهلل‪ .‬يقول اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪َ { :-‬و َما‬
‫ِل‬ ‫ٍد ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِذ‬ ‫ِش‬ ‫ِل‬
‫َأْرَس ْلَناَك ِإاَّل َك اَّفًة لَّناِس َب يًر ا َو َن يًر ا َو َل َّن َأْك َثَر الَّناِس اَل َيْع َلُم وَن (‪َ { )1( } )28‬م ا َك اَن ُمَح َّم ٌد َأَبا َأَح ْن ِر َج ا ُك ْم‬
‫َو َلِكْن َرُس وَل الَّلِه َو َخ اَتَم الَّنِبِّييَن َو َك اَن الَّلُه ِبُك ِّل َش ْي ٍء َعِليًم ا (‪.)2( } )40‬‬
‫سيأتي المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬بسبعة أجوبة لكنها تدور حول هذا‪ ،‬إن اإلنسان إذا فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم بطل‬
‫إسالمه‪ ،‬وال ينفعه‪ ،‬وأنتم إذا كنتم تقولون‪ :‬نحن نشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬ونقيم الصالة‪ ،‬ونزكي ونصوم ونحج‪ ،‬إذا لم ُتْخ ِلُص وا التوحيد واإليمان باهلل ودعوتم غير اهلل‪ ،‬فعلتم ناقًض ا من نواقض‬
‫اإلسالم‪ .‬فبعضه شرك في العبادة‪ ،‬وال ينفعكم ما تقُّر ون به وما تفعلونه‪.‬‬
‫تكفير منكر التوحيد أولى من تكفير غيره‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة سبأ آية ‪.28 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األحزاب آية ‪.40 :‬‬

‫(‪)1/120‬‬

‫إذا كان من رفع رجال إلى رتبة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كفر وحَّل ماله ودمه‪ ،‬ولم تنفعه الشهادتان وال الصالة‪،‬‬
‫فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف‪ ،‬أو صحابًيا‪ ،‬أو نبًّيا في مرتبة جبار السماوات واألرض ؟ سبحان اهلل ما أعظم شأنه {‬
‫َكَذ ِلَك َيْطَبُع الَّلُه َعَلى ُقُلوِب اَّلِذ يَن اَل َيْع َلُم وَن (‪] )1( } )59‬سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.]59 :‬‬
‫الجواب‪ ،‬وهو أن يقال‪ :‬إذا كنت تقّر أَّن اِإل نسان إذا أنكر أمًر ا معلوًم ا من الدين بالضرورة وجوبه‪ ،‬أو إذا أنكر أمًر ا من‬
‫الدين معلوًم ا بضرورة تحريمه‪ ،‬كفر‪ .‬وال يكفر إذا أنكر التوحيد‪ ،‬هذا ال يمكن إذا أنكر فرًعا من فروع اإلسالم ُمجمٌع‬
‫على تحريمه أو على وجوبه‪ .‬يكفر‪.‬‬
‫وال يكفر إذا أنكر التوحيد الذي أنزله اهلل بالكتاب وأرسل به الرسل وال يمكنه هذا‪ ،‬أنتم إذا أنكرتم التوحيد ‪ -‬التوحيد‬
‫إخالص الدين هلل ‪ -‬وأنتم ما تعلمون الدين هلل وإنما تدعون غيره‪ ،‬فكيف تقرون أن اإلنسان إذا أنكر وجوب الصالة‬
‫كفر‪ ،‬وإذا أنكر وجوب الزكاة كفر‪ ،‬أو أنكر وجوب الصوم كفر‪ ،‬أو إذا أنكر وجوب الحج كفر‪ ،‬وإذا أنكر وجوب‬
‫التوحيد ال يكفر ِلَّلِه سبحان اهلل ِلَّلِه أيهما أعظم وجوًبا‪ :‬وجوب التوحيد ووجوب الزكاة‪ ،‬ووجوب الصوم‪ ،‬ووجوب‬
‫الحج‪.‬‬
‫إذا كان الذي ينكر فرًعا من فروع الدين يكفر‪ ،‬فالذي ينكر أصل الدين وأساس المَّلة من باب أولى أن يكون كافًر ا‪ ،‬ثم‬
‫أنكرتم التوحيد الذي هو إخالص الدين هلل‪ ،‬إخالص العبادة هلل‪ ،‬وأنتم ما أخلصتم بل أشركتم وعبتم اهلل‪ ،‬وعبتم غيره‪،‬‬
‫دعوتم اهلل ودعوتم غيره‪ ،‬إذا كنتم تقرون أن اإلنسان إذا أنكر فرًعا من فروع الدين بشرط أن يكون مجمًعا على‬
‫تحريمه أو على وجوبه‪ ،‬يكفر‪ .‬وإذا أنكر وجوب التوحيد ال يكفر‪ ،‬التوحيد الذي هو أصل الدين وأساس المَّلة هذا من‬
‫باب أولى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الروم آية ‪.59 :‬‬

‫(‪)1/121‬‬

‫إذا كان اإلنسان أنكر وجوب الزكاة يكفر‪ ،‬فمن باب أولى إذا أنكر وجوب التوحيد وإخالص لدين اهلل من باب أولى‬
‫أن يكون كافًر ا‪ .‬هذا الجواب الثاني‪.‬‬
‫أما الجواب الثالث‪ :‬وهو أن يقال‪ :‬إن أصحاب النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والصحابة قاتلوا بني حنيفة وهم مع‬
‫ذلك يشهدون أن ال إله إال اهلل ويشهدون أن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ويؤذنون‪ ،‬ويصلون‪ ،‬ويصومون‪ ،‬فما السبب ؟ !‪.‬‬
‫السبب‪ :‬أنهم يقولون‪ :‬إن مسيلمة نبي فقط‪ ،‬كفروا بهذا االعتقاد؛ ألنهم رفعوا مسيلمة إلى مقام النبوة‪ ،‬أي إلى رتبة‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫فإذا كان الذي يرفع رجال إلى رتبة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يكفر وال ينفعه كونه يشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وال‬
‫ينفعه كذلك كونه يشهد أن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬وال ينفعه كونه يؤذن‪ ،‬أو يصلي‪ ،‬أو يصوم‪ .‬فالذي يرفع صاحب القبر‬
‫إلى رتبة اهلل يكون كافًر ا من باب أولى‪ ،‬مثل‪ :‬شمسان‪ ،‬ويوسف‪ ،‬وغيرهم من المقبورين في زمن الشيخ محمد بن عبد‬
‫الوهاب ‪ -‬رحمه اهلل ‪ .-‬كيف رفعوهم إلى مقام األلوهية ورتبة اهلل‪ ،‬يعني صرفوا لهم العبادة وما يستحق العبادة إال اهلل‪،‬‬
‫لكنهم عبدوا شمسان مع اهلل ودعوه وذبحوا له‪ ،‬رفعوه إلى رتبة اهلل‪ ،‬وجعلوه مثل اهلل؛ ألن اهلل هو المعبود بحق‪ ،‬وهم‬
‫عبدوا شمسان ويوسف وغيرهم‪.‬‬
‫فإذا كان الذي يرفع شخًص ا إلى رتبة النبي يكفر‪ ،‬فمن باب أولى أن الذي يرفع شخًص ا إلى رتبة اهلل وإلى مقام األلوهية‬
‫من باب أولى أن يكون كافًر ا‪ ،‬وال ينفعه كونه يصوم ويصلي ويتصدق؛ ألنه انتقض إسالمه ودينه بهذا االعتقاد‪ ،‬وبهذا‬
‫العمل الشركي‪.‬‬
‫تحريق اإلمام علي لغالة الخوارج‬
‫(‪)1/122‬‬

‫ويقال أيًض ا‪ :‬الذين حَّر قهم علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بالنار‪ ،‬كلهم يَّدعون اإلسالم‪ ،‬وهم من أصحاب علي‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وتعَّلموا العلم من الصحابة‪ ،‬ولكن اعتقدوا في علي مثل االعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما‪،‬‬
‫فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم ؟ ِلَّلِه أتظنون أن الصحابة ُيَك ِّف ُر وَن المسلمين؟ أتظنون أن االعتقاد في تاج‬
‫وأمثاله ال يضر‪ ،‬واالعتقاد في علي بن أبي طالب ُكْف ٌر ؟‬
‫هذا هو الجواب الرابع‪ :‬وهو أن يقال‪ :‬إن الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪ -‬أجمعوا على قتال الغالة من الخوارج الذين‬
‫اعتقدوا في علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه اإلله‪ ،‬حرقهم علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وخَّد لهم األخدود‪ ،‬وشق لهم ُح َف ًر ا في‬
‫األرض وأضرمها ناًر ا وألقاهم فيها‪ ،‬نعم حرقهم؛ ألنهم اعتقدوا فيه األلوهية وهم يصلون ويتعلمون العلم من الصحابة‪،‬‬
‫لكن غلوا في علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ورفعوه إلى رتبة اهلل‪ ،‬فأجمع الصحابة على قتالهم وكفرهم وتحريقهم‪ ،‬وقد‬
‫حرقهم علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في النار‪.‬‬
‫فإذا كان الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪ -‬يحرقون هؤالء بالنار‪ ،‬ولم يمنعهم ذلك من كونهم يصلون ويصومون‪،‬‬
‫وكونهم تعلموا العلم من الصحابة بسبب كونهم رفعوا علًّيا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إلى مرتبة اهلل‪ ،‬فكذلك من رفع تاج أو‬
‫يوسف أو شمسان إلى رتبة اهلل بأن دعاه من دون اهلل‪ ،‬أو دعاه مع اهلل‪ ،‬أو ذبح له‪ ،‬أو نذر له‪ ،‬أي رفعه إلى رتبة اهلل وإلى‬
‫مرتبة األلوهية‪ ،‬إًذا ال يستحق العبادة إال اهلل‪ ،‬وهذا صرف العبادة هلل‪.‬‬
‫هل تظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين ؟ أو تظنون أن االعتقاد في علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يكّف ر واالعتقاد في تاج‬
‫وشمسان ال يكفر ؟‪ .‬هذا وهذا سواء‪ ،‬هذا كفر وهذا كفر‪.‬‬
‫تكفير غالة الشيعة مع نطقهم بالتوحيد‬

‫(‪)1/123‬‬

‫ويقال أيًض ا‪ :‬بنو عبيٍد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمن بني العباس كلهم يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن‬
‫محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ويَّدعون اإلسالم‪ ،‬ويصُّلون الجمعة والجماعة‪ ،‬فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن‬
‫فيه‪ ،‬أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم‪ ،‬وأن بالدهم بالد حرب‪ ،‬وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من‬
‫بلدان المسلمين‪.‬‬
‫هذا هو الجواب الخامس‪ :‬بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمن الدولة العباسية يشهدون أن ال إله إال‬
‫اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬وتوَّلوا الحكم في المغرب ومصر‪ ،‬وهم يصُّلون الجمعة والجماعة‪ ،‬ويَّدعون اِإل سالم‬
‫ويدعون على المنابر‪ ،‬لما أظهروا شيًئا يدُّل على كفرهم أجمع المسلمين والعلماء على قتالهم‪ ،‬وأن بلدهم بالد حرب‪،‬‬
‫غزوهم حتى استنقذوا بالد المسلمين‪.‬‬
‫بني عبيد القداح المعروف عنهم أنهم رافضة‪ ،‬وأنهم باطنية‪ ،‬لهم اعتقاد خبيث‪ ،‬واعتقاد فاسد‪ ،‬وهم يظهرون اِإل سالم‬
‫ويبطنون الكفر‪ ،‬ويظهرون الرفق ويبطنون الحقد والكفر‪.‬‬
‫فلما أجمع العلماء على قتالهم وغزوهم وجعل بالدهم بالد حرب‪ ،‬وهم يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول‬
‫اهلل ويصلون الجمعة والجماعة ؟ ألَّنهم لما فعلوا ناقًض ا من نواقض اِإل سالم فانتقض إسالمهم ودينهم‪ ،‬ما ينفعهم كونهم‬
‫يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬فكذلك من شهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬وصلى‬
‫وصام وزَّك ى وحج‪ ،‬ثم دعا غير اهلل أو ذبح لغير اهلل‪ ،‬أشرك وانتقض إسالمه‪ ،‬وال ينفعه ما كان يفعله في اإلسالم‪.‬‬
‫أحكام المرتد في الفقه اإلسالمي للخارجين على الدين‬

‫(‪)1/124‬‬

‫ويقال أيًض ا‪ :‬إذا كان األولون لم يكُف روا إال ألنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫القرآن‪ ،‬وإنكار البعث‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب؟ "باب حكم المرتد"‪ ،‬وهو‬
‫المسلم الذي يكفر بعد إسالمه‪ ،‬ثم ذكروا أنواًعا كثيرة‪ ،‬كل نوع منها ُيكِّف ر ويحل دم الرجل وماله‪ ،‬حتى أنهم ذكروا‬
‫أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه‪ ،‬أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب ِلَّلِه ِلَّلِه ِلَّلِه‬
‫هذا هو الجواب السادس‪ ،‬وهو أن يقال‪ :‬أنتم تقولون في الشبهة نحن نشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ونصلي ونصوم‪ ،‬ونصدق الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ونصدق القرآن بخالف الكفار‬
‫السابقين‪ ،‬إنهم يكذبون الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ويكذبون القرآن‪ ،‬ويكذبون بالبعث‪ ،‬فكأنكم تقولون‪ :‬إنه ال‬
‫يكفر اِإل نسان حتى يجمع األمرين‪ ،‬حتى يضم إلى دعاء الصالحين التكذيب بالقرآن والتكذيب بالرسول ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪.-‬‬
‫لو كان ال يكفر اإلنسان حتى يجمع بين األمرين بأنه يدعو غير اهلل ويكذب الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ويكذب‬
‫القرآن‪ ،‬لما كان هناك فائدة من الباب الذي يذكره العلماء في كل مذهب بأن حكم المرتد ‪ -‬وهو الذي يكفر بعد‬
‫إسالمه ‪ -‬هذا موجود‪ ،‬باب في كتب الفقه عند الحنابلة‪ ،‬وعند الشافعية‪ ،‬وعند المالكية‪ ،‬وعند األحناف‪ ،‬وكلهم يقول‬
‫في باب حكم المرتد ‪ -‬وهو الذي يكفر بعد إسالمه ‪ -‬كما ذكرنا ‪.-‬‬
‫ثم يذكر الشيخ‪َ :‬من فعَل كذا كفر‪ ،‬وحَّل دمه وماله‪ ،‬حتى ذكروا شيًئا يسيًر ا عند بعض الناس حتى قال بعض األحناف‬
‫من أشّد الناس في هذا حتى ذكروا ما يقارب المئات ثالثمائة أو أربعمائة ناقض‪.‬‬

‫(‪)1/125‬‬

‫قال بعضهم‪ :‬أنهم لو حضر المسجد أو مس المصحف على وجه التحقير كفر ألنه يحاد المصحف‪ ،‬كذلك ذكروا أنه‬
‫لو تكلم بكلمة تضاد الُّس َّنة كفر‪ ،‬فكيف كفر بهذا وال يكفر إًذا بدعاء غير اهلل أو نذر لغير اهلل ِلَّلِه ِلَّلِه !‪.‬‬
‫التغليظ على من زل لسانه بشرك‬
‫ويقال أيًض ا‪ :‬الذين قال اهلل فيهم‪َ { :‬يْح ِلُف وَن ِبالَّلِه َم ا َقاُلوا َو َلَق ْد َقاُلوا َك ِلَم َة اْلُكْف ِر َو َكَف ُر وا َبْع َد ِإْس اَل ِم ِه ْم } (‪] )1‬سورة‬
‫التوبة‪ ،‬اآلية‪ .]74 :‬أما سمعت أن اهلل كَّف رهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يجاهدون‬
‫ِلِه‬ ‫ِب ِه ِتِه‬
‫معه‪ ،‬ويصلون معه‪ ،‬ويزكون ويحجون ويوحدون ؟‪ .‬وكذلك الذين قال اهلل فيهم‪ُ { :‬قْل َأ الَّل َو َآَيا َو َرُس و ُك ْنُتْم‬
‫َتْس َتْه ِز ُئوَن (‪ )65‬اَل َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم } (‪] )2‬سورة التوبة‪ ،‬اآليتان‪ .]66 ،65 :‬فهؤالء الذين صَّر ح اهلل‬
‫أنهم كفروا بعد إيمانهم‪ ،‬وهم مع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في غزوة تبوك‪ ،‬قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها‬
‫على وجه المزاح‪ ،‬فتأَّمْل هذه الشبهة‪ ،‬وهي قولهم‪ُ :‬تكّف رون من المسلمين أناًس ا يشهدون أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ويصلون‬
‫ويصومون‪( ،‬ثم تأَّمل) جوابها؛ فإنها من أنفع ما في هذه األوراق‪.‬‬
‫هذا هو الجواب السابع‪ ،‬وهو أن يقال‪ :‬نص القرآن على كفر أناس يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬؛ ألنهم فعلوا ناقضا من نواقض اإلسالم وهم الذين قال اهلل فيهم‪َ { :‬يْح ِلُف وَن ِبالَّلِه َم ا َقاُلوا َو َلَق ْد‬
‫َقاُلوا َك ِلَم َة اْلُكْف ِر َو َكَف ُر وا َبْع َد ِإْس اَل ِم ِه ْم } (‪ )3‬ماذا قالوا ؟‪ .‬وقد قالوا كلمة الكفر‪ ،‬وكفروا بعد إسالمهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة التوبة آية ‪.74 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة التوبة آية ‪.66-65 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة التوبة آية ‪.74 :‬‬

‫(‪)1/126‬‬

‫أخبر اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أنهم كفروا بعد اإلسالم‪ ،‬أي هناك إسالم سابق‪ ،‬وكفروا بعد كلمة قالوها يحلفون باهلل ما‬
‫قالوها‪ ،‬وقد قالوا كلمة الكفر‪ ،‬وكفروا بعد إسالمهم‪ ،‬كفروا بهذه الكلمة بعد إسالمهم‪ ،‬وهم يشهدون أن ال إله إال اهلل‬
‫وأن محمًد ا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ويقيمون الصالة ويؤتون الزكاة‪.‬‬
‫إًذا كان هؤالء يكفرون بكلمة وهم يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فكيف‬
‫ال يكفر من دعا غير اهلل‪ ،‬وذبح لغير اهلل‪ ،‬ونذر لغير اهلل‪ ،‬وتقولون ال يكفر وهو يشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا‬
‫رسول اهلل ِلَّلِه ِلَّلِه ِلَّلِه‬
‫وكذلك الذين قالوا في غزوة تبوك‪ ،‬لقد قالوا كلمة على وجه المزح واللعب كَّف رهم اهلل بها‪ ،‬وهو أن جماعة قالوا في‬
‫غزوة تبوك‪ :‬ما رأينا مثل هؤالء ‪ -‬يصفون الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والصحابة ‪ ،-‬أرغَب بطوًنا ‪-‬يعنون من‬
‫كثرة األكل ‪ ،-‬وال أكذب ألسًنا ‪ -‬يعني كذب الحديث ‪ ،-‬وال أجبن عند اللقاء ‪ -‬أي عند مالقاة العدو ‪ ،-‬فنزل‬
‫القرآن يكفرهم‪.‬‬
‫لذلك قال اهلل تعالى‪ُ { :‬قْل َأِبالَّلِه َو َآَياِتِه َو َرُس وِلِه ُك ْنُتْم َتْس َتْه ِز ُئوَن (‪ )65‬اَل َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم } (‪ )1‬أثبت‬
‫اهلل لهم الكفر بعد اإليمان بهذا الكالم‪ ،‬فنجى اهلل هؤالء‪ ،‬وال يعتذرون إلى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وقالوا‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل ِلَّلِه ما قصدنا حقيقة الكالم‪ ،‬إَّنما تكلمنا بكلمات على وجه المزح واللعب‪ ،‬نمزح فنتحدث حديث الركب‬
‫نقطع به عنا الطريق‪ ،‬والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ما يزيد سوى أن يتلو عليهم هذه اآلية‪ُ { :‬ق َأِبالَّلِه َآ اِتِه‬
‫َو َي‬ ‫ْل‬
‫َو َرُس وِلِه ُك ْنُتْم َتْس َتْه ِز ُئوَن (‪ )65‬اَل َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم } (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة التوبة آية ‪.66-65 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة التوبة آية ‪.66-65 :‬‬

‫(‪)1/127‬‬
‫وهم يعتذرون ويحاولون أن يسمع لهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقولون‪ :‬يا رسول اهلل ِلَّلِه ما كنا قصدنا الحقيقة‪،‬‬
‫إَّنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق‪ ،‬نقطع حتى ينتهي عنا الطريق‪ ،‬فنزل القرآن بتكفيرهم‪.‬‬
‫إذا كان هؤالء يجاهدون مع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ويصلون ويصومون‪ ،‬ومع ذلك لما تكَّلُم وا بهذه الكلمة‪،‬‬
‫أخبر اهلل بأنهم كفروا بعد إيمانهم‪ ،‬فكيف ُيقال بعد هذا‪ ،‬كيف يقول هؤالء نحن نشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ونصدق الرسول والقرآن وأنتم تكفروننا بدعاء الصالحين‪ ،‬تكفرون المسلمين ِلَّلِه‬
‫أيهما أشد ؟ كلمة تكلم بها أو عبادة تصرف لغير اهلل ؟ ِلَّلِه ِلَّلِه !‪.‬‬
‫الهم بالشرك ثم الرجوع عنه ليس بشرك‬
‫ومن الدليل على ذلك أيًض ا‪ :‬ما حكى اهلل عن بني إسرائيل مع إسالمهم وعلمهم وصالحهم‪ ،‬أنهم قالوا لموسى‪ { :‬اْجَعْل‬
‫َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة } (‪] )1‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪ ،]138 :‬وقول أناس من الصحابة‪ :‬اجعل لنا ذات أنواط‪ ،‬فحلف‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن هذا مثل قول بني إسرائيل لموسى عليه السالم‪ { :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا } (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬

‫(‪)1/128‬‬

‫هذا الدليل اختصره المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ،-‬هذا يكون جواًبا ثامًنا‪ ،‬ليكون ثمانية أجوبة‪ ،‬لكن المؤلف فَّص ل عنه‪ ،‬لكنه‬
‫جواب ثابت يكون جواًبا ثامًنا‪ ،‬وهو أن بني إسرائيل الذين كانوا مع موسى ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬كانوا معه مؤمنين‬
‫مع إخالصهم وعلمهم‪ ،‬وهم الخالصة من بني إسرائيل الذين شهدوا فرعون وقد أغرقه اهلل وقومه‪ ،‬ونَّج اهم اهلل وهم‬
‫ينظرون‪ ،‬وأهلك عدوهم وهم ينظرون كانوا مع موسى قائدهم ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬ومعه المؤمنون‪ ،‬وفرعون معه‬
‫الكفار‪ ،‬فتبع فرعون ومن معه موسى ومن معه يطلبهم لقتالهم‪ ،‬فلما أقبل جيش فرعون وترائى الجمعان‪ ،‬ورأى جيش‬
‫موسى فرعون ومألهم فقالوا‪ :‬يا موسى ِلَّلِه إنا لمدركون‪ ،‬لقد جاءنا فرعون ومن معه خلفنا والبحر أمامنا ماذا نفعل ؟‬
‫لقد أدركنا فرعون يطلبنا‪.‬‬
‫قال موسى ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ :-‬كال لستم بمدركين‪ِ { ،‬إَّن َمِعَي َر ِّبي َس َيْه ِد يِن (‪ )1( } )62‬فلما وصل البحر أمر‬
‫اهلل موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬أن يضرب البحر بعصاه‪ ،‬فضربه فانفلق البحر‪ ،‬فكان اثني عشر طريًق ا يبًس ا في الحال‪ ،‬صار‬
‫كالطود العظيم‪ ،‬وصارت أمواج البحر كأنها جبال عن يمين الداخل وعن شماله‪ ،‬وفي الوسط يابس كأنه طريق معَّبد‬
‫اثني عشر طريًق ا‪ ،‬سلكت القبائل على الطرق‪ ،‬كل قبيلة سلكت طريق في راحة وأمن يمشون على أرض يابسة في البحر‬
‫وسط البحر‪.‬‬
‫هذا من الدالالت العظيمة على أن اهلل قادر على كل شيء‪ ،‬فدخلوا‪ ،‬فلما جاء فرعون وقومه يتبعونهم يريدونهم رأوهم‬
‫داخل البحر ورأوا البحر يابًس ا حاًر ا صاروا في جبهة يتبعونهم‪ ،‬ثم خرج موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وقومه من الجهة‬
‫األخرى خارجين وتكامل فرعون وقومه داخلين‪ ،‬أمر اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬البحر أن يعود إلى حالته‪ ،‬فانطبق على فرعون‬
‫وجنوده‪ ،‬فغرقوا كلهم‪ ،‬فصارت أجسامهم للغرق وأرواحهم للنار والحرق ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ -‬وهم ينظرون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الشعراء آية ‪.62 :‬‬

‫(‪)1/129‬‬

‫قوم موسى ‪ -‬بني إسرائيل ‪ -‬نَّج اهم اهلل‪ ،‬وهم خالصة من بني إسرائيل‪ ،‬فلما خرج بهم موسى وجعلوا يمشون‪ ،‬مروا‬
‫على أناس يعبدون صنًم ا‪ ،‬قالوا‪ { :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة َقاَل ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن (‪ )1( } )138‬أي‪ :‬هات لنا‬
‫آلهة‪ ،‬فاستعظم موسى عليه السالم هذا‪ ،‬وأنكر عليهم وغَّلظ عليهم‪ ،‬وقال‪ِ { :‬إَّن َه ُؤ اَل ِء ُمَتَّبٌر َم ا ُه ْم ِفيِه َو َباِط ٌل َم ا َك اُنوا‬
‫ِم ِل ِف‬ ‫ِم‬ ‫ِه ِغ‬
‫َيْع َم ُلوَن (‪َ )139‬قاَل َأَغْيَر الَّل َأْب يُك ْم ِإَلًه ا َو ُه َو َفَّضَلُك ْم َعَلى اْلَعاَل يَن (‪َ )140‬و ِإْذ َأْنَج ْيَناُك ْم ْن َآ ْر َعْو َن َيُس وُموَنُك ْم‬
‫ُس وَء اْلَعَذ اِب ُيَق ِّتُلوَن َأْبَناَءُك ْم َو َيْس َتْحُيوَن ِنَس اَءُك ْم َو ِفي َذِلُك ْم َباَل ٌء ِم ْن َر ِّبُك ْم َعِظ يٌم (‪.)2( } )141‬‬
‫فهؤالء ‪ -‬وهم بنو إسرائيل ‪ -‬مع صالحهم وعلمهم شاهدون إلغراق اهلل لفرعون ومن معه‪ ،‬عندما قالوا هذه المقالة‪{ :‬‬
‫اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة } (‪.)3‬‬
‫ما أنكر عليهم موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وقال‪ :‬إن هذا أمٌر عظيٌم‪ ،‬وأَّن هذا من الشرك األعظم‪ ،‬فهم مع صالحهم‬
‫وعلمهم وكونهم مع نبيهم لو فعلوا كما فعل أولئك الذين لهم آلهة لكفروا ومثلهم مثل ما وقع من الصحابة في غزوة‬
‫حنين كما روى أبو واقد الليثي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ " :‬كنا مع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وكنا حديثي عهد‬
‫بشرك‪." ...‬‬
‫اعتذر هؤالء يقولوا‪ :‬أسلمنا قريًبا فما تمَّك ن اإلسالم من قلوبنا‪ ،‬حديثوا عهد بشرك أسلمنا قريًبا‪ ،‬أي أسلموا في مكة‬
‫وساروا مع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في غزوة حنين‪ ،‬فمُّر وا بمشركين ولهم سدرة شجرة عظيمة كبيرة يتبركون‬
‫بها ويعلقون عليها أسلحتهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل ِلَّلِه اجعل لنا شجرة نتبَّر ك بها مثل هؤالء‪ ،‬اجعل لنا ذات أنواط‪،‬‬
‫شجرة نتبرك بها ونلق بها أسلحتنا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.141-139 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬

‫(‪)1/130‬‬

‫فقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬اهلل أكبر‪ ،‬قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى ‪ -‬عليه السالم‬
‫‪ { -‬اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة َقاَل ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن (‪." )1( } )138‬‬
‫لقد أنكر عليهم‪ ،‬وغَّلظ عليهم ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ،-‬وبَّين أن هذه المقالة مثل مقالة بني إسرائيل؛ ألن العبرة‬
‫بالمعاني والحقائق وإن كانت مختلفة في لفٍظ لكن المعنى واحٌد ‪ ،‬أولئك طلبوا آلهة وأنتم طلبتم شجرة تتبركون بها‬
‫كما يتبرك المشركون‪ ،‬وبَّين النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يجاهدون أنهم لو فعلوا لكانوا مثل أولئك‪ ،‬لكن‬
‫المشركين شبهة‪ ،‬ما هي ؟ هذه الشبهة وهم يقولون‪ :‬إن بني إسرائيل كفروا‪ ،‬والصحابة ما كفروا وهم طلبوا أن يفعلوا‬
‫الشرك؟‬
‫الجواب عن هذا أن بني إسرائيل ما فعلوا ؟ ما اتخذوا آلهة‪ ،‬زجرهم موسى‪ ،‬فانزجروا ولم يفعلوا‪ ،‬ولو فعلوا لكانوا‬
‫مشركين‪ ،‬وكذلك الصحابة الذين طلبوا شجرة‪ ،‬ما فعلوا‪ ،‬ولو تركوا قول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وتبَّر كوا‬
‫بشجرة مثل المشركين لكانوا مشركين‪ ،‬لكنهم ما فعلوه‪.‬‬
‫هذا دليل على أن اِإل نسان إذا لم يفعل الشرك ما يكون مشرًك ا‪ ،‬وإذا تكلم بكالٍم عن جهل وهو جاهل‪ ،‬أنه يعذر لهذا‬
‫الجهل‪ ،‬إذا تكلم كالًم ا كفر جاهل واستغفر اهلل وتاب فال يضره ِلَّلِه هذه شبههم‪.‬‬
‫ولكن للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القصة‪ ،‬وهي أنهم يقولون‪ :‬إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك‪ ،‬وكذلك الذين‬
‫قالوا للنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬اجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا‪ ،‬فالجواب أن تقول‪ :‬إن بني إسرائيل لم يفعلوا‪،‬‬
‫وكذلك الذين سألوا النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لم يفعلوا‪ ،‬وال خالف في أَّن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك‪ ،‬ولو‬
‫فعلوا ذلك لكفروا‪....،‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬

‫(‪)1/131‬‬

‫لو فعلوا وأتوا بصنٍم يتعبدونه مثل ما للمشركين؛ لكفروا‪ ،‬وكذلك الصحابة لو لم يمتثلوا ألمر النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ولم يقبلوا نصحه قالوا‪ :‬ال‪ ،‬ال بد أن نتبرك بشجرة ولو تبركوا بالشجرة لكانوا مشركين‪ ،‬لكنهم انزجروا‬
‫وقالوا هذا الكالم عن جهٍل ‪ ،‬فلما زجرهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬انزجروا‪.‬‬
‫نهي النبي أصحابه عن ذات أنواط‬
‫وكذلك ال خالف أن الذين نهاهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا‪،‬‬
‫وهذا هو المطلوب‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬وهذه تفيد الحذر‪ ،‬وهو أن المسلم قد يقع في الشرك‪ ،‬وقد يقول الشرك وهو ال يشعر‪ ،‬فقد يفعل هذا المسلم‪ ،‬بل‬
‫قد يفعل هذا العاِلم الذي يكون عنده بعض العلم‪ ،‬ثم يقع في نوع من الشرك‪ ،‬هذا يفيد الحذر‪.‬‬

‫(‪)1/132‬‬

‫فاإلنسان يحذر‪ ،‬ويتعرف على أنواع الشرك وأسبابها‪ ،‬وذرائعها الموصلة لها؛ حتى ال يقع في شيء منها وهو ال يشعر‪،‬‬
‫ولهذا يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " -‬إَّنما تنقض عرى اإلسالم عروة عروة إذا نشأ في‬
‫اإلسالم من ال يعرف الجاهلية "‪ ،‬يقع في الشرك وهو ال يشعر ما يدري‪ ،‬إن نشأ في اإلسالم‪ ،‬وولد في اِإل سالم ولد بين‬
‫مسلمين‪ ،‬ورأى الناس يصلون ويصومون ويحجون‪ ،‬وال عرف الشرك‪ ،‬قد يقع في نوع منها وهو ال يشعر‪ ،‬بخالف‬
‫الصحابة الذين كانوا مشركين قبل اِإل سالم ال يقعون في الشرك؛ ألنهم خبروا الشرك‪ ،‬وذاقوا مرارته‪ ،‬وعرفوا أنواعه‪،‬‬
‫ثم هداهم اهلل إلى اإلسالم‪ ،‬ثَّم مَّن اهلل عليهم باِإل يمان‪ ،‬فال يقعون فيه‪ ،‬ولذلك فإن الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪-‬‬
‫أكمل إيماًنا وعلًم ا وتقوى من أبنائهم؛ ألن الصحابة عرفوا أنواع الشرك‪ ،‬وعرفوا الشرك وذاقوا مرارته وخبروه‪ ،‬فال‬
‫يقعون فيه‪ ،‬بخالف من بعدهم‪ ،‬فإنهم ولدوا في اِإل سالم‪ ،‬وبعضهم قد ال يعرف أنواع الشرك‪ ،‬وقد يقع في شيء منه‬
‫وهو ال يظّن أنه شرك‪ ،‬كما وقع اآلن من عَّباد القبور الذين يطوفون حول قبر البدوي في مصر‪ ،‬والحسين أو السيدة‬
‫زينب أو نفيسة أو عبد الجيالني‪ ،‬أو ابن علوان‪ ،‬أو عَّباد القبور في الشام‪ ،‬أو في مصر‪ ،‬أو في ليبيا‪ ،‬أو في غيرها من‬
‫البلدان‪ ،‬أو في الباكستان‪ ،‬أو أفريقيا‪ ،‬أو في إيران‪ ،‬أو في غيرها من البلدان‪ ،‬تجدهم يطوفون حول القبور‪ ،‬يذبحون‬
‫لها‪ .‬وإذا قلت لهم‪ :‬هذا شرك‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا ما هو بشرٍك ‪ ،‬هذا ما هو بشرك‪ ،‬هذا محبة للصالحين‪ ،‬ونشفع ونلتجأ‬
‫للصالحين‪ ،‬هذا ليس بشرك‪ ،‬ما عرفوا الشرك‪ ،‬فمن عرف الشرك وخبره وذاق مرارته‪ ،‬ثم هداه اهلل ال يقع فيه‬
‫كالصحابة‪ ،‬بخالف من لم يعرفه قد يقع فيه‪.‬‬

‫(‪)1/133‬‬

‫ولهذا فإن الصحابة أكمل إيماًنا وعلًم ا ومعًنى ممن بعدهم‪ ،‬ولهذا قال عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " -‬إنما تنقض‬
‫ُعَر ى اإلسالم عروة عروة إذا نشأ في اإلسالم من ال يعرف الجاهلية "‪ ،‬ومن لم يعرف الشرك قد يقع فيه وال يشعر‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ما وقعوا‪ ،‬لكن تكَّلُم وا بهذه الكلمة‪ ،‬ما وقعوا‪ ،‬قالوا‪ " :‬اجعل لنا ذات أنواط كما لهم أنواط "‪ ،‬لكن ما فعلوا‪ ،‬وال‬
‫تبركوا بشجرة‪ ،‬لكن زجرهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لقد طلبوا أن يفعلوا الشرك عن جهل‪ ،‬فزجرهم النبي ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وستأتي الفائدة الثانية التي يذكرها المؤلف‪ ،‬قد يتكلم بكلمة الكفر وهو جاهل وهو ال يدري‪،‬‬
‫وقد يكون معذوًر ا في هذه الحالة؛ ألنها عن جهٍل منه‪.‬‬
‫وجوب التحرز من الشرك‬
‫ولكن هذه القصة تفيد أن المسلم بل العالم قد يقع في أنواع من الشرك ال يدري عنها‪ ،‬فتفيد التعلم والتحرز‪ ،‬ومعرفة‬
‫أن قول الجاهل (التوحيد فهمناه) إن هذا من أكبر الجهل ومكايد الشيطان‪.‬‬
‫ينبغي لِإل نسان التحرز والحذر‪ ،‬فاِإل نسان يتحرز ويحذر من الشرك وأنواعه‪ ،‬ولو كان مسلًم ا‪ ،‬ولو كان موِّح ًد ا‪ ،‬ولو كان‬
‫عنده بعض العلم‪ ،‬ال بَّد من الحذر والتعرف على أسباب الشرك وأنواعه؛ حتى ال يقع في شيء منه‪ ،‬ويصدق االلتجاء‬
‫إلى اهلل ويتضرع أن ينجيه من الشرك وأسبابه‪.‬‬

‫(‪)1/134‬‬

‫قال الخليل ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬وهو والد األنبياء وإمام الحنفاء ‪ -‬عليهم الصالة والسالم ‪ -‬يسأل ربه ويدعوه‪،‬‬
‫يقول‪َ { :‬و اْج ُنْبِني َو َبِنَّي َأْن َنْع ُبَد اَأْلْصَناَم (‪َ )35‬ر ِّب ِإَّنُه َّن َأْض َلْلَن َك ِثيًر ا ِم َن الَّناِس } (‪ )1‬فالذي كَّس ر األصنام‪ ،‬إبراهيم‪،‬‬
‫وهو الذي صمد صمود الجبال الراسيات أمام المشركين وأمام الوثنيين من أبيه وقومه وكَّس ر األصنام بيده ‪ -‬عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ ،-‬ثم بعد ذلك يخاف على نفسه ويخاف على بنيه‪ ،‬وبنيه هم أنبياء إسماعيل وإسحاق‪ ،‬نبيين كريمين‪،‬‬
‫ونبينا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من ذرية إسماعيل وإسحاق الذي أنجب يعقوب‪ ،‬ويعقوب أنجب سيدنا يوسف ‪-‬‬
‫عليهم السالم ‪ ،-‬فهم أربعة أنبياء من نسق كما في الحديث‪ " :‬الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن‬
‫ِن ِن‬
‫إسحاق بن إبراهيم " ساللة أنبياء‪ ،‬ومع ذلك يسأل ربه ويقول‪َ { :‬و اْج ُنْب ي َو َب َّي َأْن َنْع ُبَد اَأْلْصَناَم (‪َ )35‬ر ِّب ِإَّنُه َّن َأْض َلْلَن‬
‫َك ِثيًر ا ِم َن الَّناِس } (‪.)2‬‬
‫ِك‬ ‫ِم‬ ‫ِه ِن‬ ‫ِن ِب ِم‬
‫هذه حاله يقول اهلل لنبيه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ { -‬ثَّم َأْو َح ْيَنا ِإَلْيَك َأ اَّت ْع َّلَة ِإْبَر ا يَم َح يًف ا َو َم ا َك اَن َن اْلُم ْش ِر يَن‬
‫(‪ )3( } )123‬ويخاف ِلَّلِه ِلَّلِه ِلَّلِه فكيف نحن ال نخاف ؟ ولهذا قال إبراهيم النبي ذلك‪ ،‬ومن يأمن البالء بعد إبراهيم‬
‫عليه السالم‪.‬‬
‫وجوب تنبيه الواقع في عمل شركي‬
‫(وتفيد) أيًض ا أن المسلم المجتهد إذا تكَّلم بكالم كفر وهو ال يدري فُيَنَّبه على ذلك‪ ،‬وتاب من ساعته‪ ،‬أَّنه ال يكفر‪،‬‬
‫كما فعل بنو إسرائيل‪ ،‬والذين سألوا النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫المؤمن المسلم المجتهد إذا تكلم بكلمة الكفر جاهال ال يدري‪ ،‬ثم تاب في ساعته‪ ،‬فال يضر هذا‪ ،‬ال يضره كونه‬
‫يتكلم؛ ألنه تكلم عن جهل‪ ،‬ثَّم لَّم ا تَّنَبه تاب من ساعته‪ ،‬فهذا ال يضر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة إبراهيم آية ‪.36-35 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة إبراهيم آية ‪.36-35 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة النحل آية ‪.123 :‬‬

‫(‪)1/135‬‬

‫فالصحابة تابوا‪ ،‬وبني إسرائيل مع صالحهم وعلمهم طلبوا عن جهٍل أن يجعل لهم إلًه ا كما لهم آلهة‪ ،‬ثم نَّبَهُه م وتابوا‬
‫في ساعتهم ولم يفعلوا‪ ،‬وكذلك الصحابة طلبوا من النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن يجعل لهم سدرة كما‬
‫للمشركين سدرة يتبَّر كون بها‪ ،‬فنَّبههم ونصحهم ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬فتابوا من ساعتهم‪ ،‬فإن كان هذا الكالم عن‬
‫جهل‪ ،‬فال يضره‪.‬‬
‫التغليظ على الواقع في الشرك جهال‬
‫(وتفيد) أيًض ا أنه لو لم يكفر فإنه ُيغَّلظ عليه الكالم تغلًيظا شديًد ا‪.‬‬
‫ولذلك غَّلظ النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على الصحابة الذين قالوا‪ ،‬قال‪ :‬قد قلتم والذي نفسي بيده‪ ،‬كما قالت بنو‬
‫إسرائيل لموسى‪ { :‬اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة } (‪ )1‬وموسى غَّلظ على قومه وقال‪ِ { :‬إَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن (‪( } )138‬‬
‫‪ )2‬وخَّصهم بالجهل مع صالحهم وعلمهم بسبب هذه المقالة‪ ،‬ولهذا ال بد أن يغلظ عليه ولو كان جاهال حتى يرتدع‬
‫وينزجر‪.‬‬
‫هذه كلها فوائد تستفيدونها من هذه القصة‪ ،‬أن العالم المسلم المجتهد‪ ،‬بل العالم قد يقع في الشرك وهو ال يشعر‪،‬‬
‫فتفيد الحذر واالنتباه أن المسلم إذا تكلم بكلمة كفر عن جهٍل وهو ال يدري ثم تنَّبه وتاب من ساعته فإنه ال يضره‪،‬‬
‫وتفيد أيًض ا أنه يغلظ وينكر عليه بسبب عظم هذا األمر الذي تكلم به‪.‬‬
‫تغليظ النبي على الصحابة لطلبهم ذات أنواط‬
‫كما فعل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫إنهم لو فعلوا لكانوا مشركين‪ ،‬لو فعلوا ما طلبوا لكانوا مشركين‪ ،‬وال ينفعهم كونهم مع موسى‪ ،‬ومع علمهم‬
‫وصالحهم‪ ،‬وكذلك الصحابة كونهم مع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يجاهدون لو فعلوا الشرك لكفروا وهم‬
‫يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل ويجاهدون‪.‬‬
‫ثمانية أجوبة على أقوى شبه المشركين‬
‫ولهم شبهة أخرى‪...‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬

‫(‪)1/136‬‬

‫ممكن أن نسأل عن أجوبة هذه الشبهة قبل أن ندخل في هذه الشبهة‪ ،‬هذه الشبهة جديدة‪ ،‬أوال نريد تصوير الشبهة التي‬
‫أجاب المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬عنها بثمانية أجوبة‪ ،‬أي تصوير الشبهة‪ ،‬يقول‪ :‬نحن نشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ونؤمن بالبعث‪ ،‬ونصلي‪ ،‬ونصوم‪ ،‬فكيف تجعلوننا مشركين بسبب االلتجاء للصالحين ودعاءهم وتجعلوننا‬
‫مثل الكفار في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والكفار في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال يشهدون أن ال‬
‫إله إال اهلل‪ ،‬ويكذبون الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ويكذبون القرآن‪ ،‬ويقولون عنه سحر وشعر وكهانة‪ ،‬وال‬
‫يصلون‪ ،‬وال يصومون‪ ،‬ويكذبون بالبعث‪ ،‬فكيف تجعلوننا مثلهم‪ .‬ما هذه الشبهة ؟‪.‬‬
‫أجاب المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬على هذه الشبهة بثمانية أجوبة‪.‬‬
‫الجواب األول‪ :‬وخالصة هذه األجوبة أنه هناك جواًبا يجمعها كلها‪ ،‬وهو أنه من فعَل ناقًض ا من نواقِض اِإل سالم‪ ،‬انتقض‬
‫إسالمه ودينه مطلًق ا‪ ،‬وال ينفعه كونه يتلفظ بالشهادتين أو يقّر بالشهادتين‪ ،‬أو يصوم‪ ،‬أو يصلي‪ ،‬أو يزكي‪ ،‬إذا فعَل ناقًض ا‬
‫من نواقِض اإلسالم بطل إسالمه ودينه وتوحيده بإجماع المسلمين؛ ألن هذا الناقض ينقض توحيده وإسالمه‪ ،‬كما لو‬
‫تطّه ر اإلنسان وأحسن الطهارة وتوضأ وأحسن الوضوء ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح‪ ،‬بطلت الطهارة‪ ،‬وفسدت‬
‫الطهارة بالحدث؛ فالحدث يفسد الطهارة‪.‬‬
‫كذلك الناقض من نواقض اإلسالم يفسد التوحيد اإليمان‪ ،‬وهذا جواب يجمعها‪ ،‬وهو الجواب األول‪.‬‬

‫(‪)1/137‬‬

‫وكذلك من أبغض شيًئا مما جاء به الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ولم يؤمن بالبعض اآلخر‪ ،‬هذا الجواب أن يقول‪:‬‬
‫ال خالف بين أهل العلم أن من صَّدق الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في بعض ما جاء به‪ ،‬وكَّذ به في البعض اآلخر‬
‫كفر‪ ،‬فإذا صدق في وجوب التوحيد وكَّذ ب في وجوب الصالة كفر‪ ،‬وإذا صَّدق في وجوب التوحيد وصدق في‬
‫وجوب الصالة وكَّذ ب في وجوب الزكاة كفر‪ ،‬وإذا صَّدق في وجوب التوحيد والصالة والزكاة وكَّذ ب في وجوب‬
‫الصوم‪ ،‬كفر‪ ،‬وإذا صَّدق في جميع ما ذكر وكَّذ ب في اِإل يمان بالبعث كفر‪ ،‬وكذلك أيًض ا لو آمن ببعض ما جاء به‬
‫الرسول وكفر بالبعض اآلخر‪ ،‬أو آمن بما جاء به من التوحيد‪ ،‬لكنه لم يؤمن بما جاء به بوجوب الصالة أو وجوب‬
‫الزكاة أو وجوب الحج‪ ،‬هذا أمٌر مجمٌع عليه‪.‬‬
‫فكذلك إذا كنتم تشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وتصِّدقون الرسول ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وتصِّد ُقون القرآن‪ ،‬وتصدقون بالبعث‪ ،‬لكنكم لم تخلصوا العبادة هلل‪ ،‬وإَّنما أنكرتم وجوب‬
‫التوحيد هلل‪ ،‬واهلل ‪-‬تعالى‪ -‬أوجب على عباده أن يعبدوه كما نَّص في ذلك القرآن الكريم‪ ،‬وأن يخلصوا له الدين‬
‫{ َفاْد ُعوا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن } (‪ )1‬يعني‪ :‬العبادة { َو َما ُأِم ُر وا ِإاَّل ِلَيْع ُبُد وا الَّلَه ُمْخ ِلِص يَن َلُه الِّديَن ُح َنَف اَء } (‪.)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة غافر آية ‪.14 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة البينة آية ‪.5 :‬‬

‫(‪)1/138‬‬

‫الجواب الثاني‪ :‬يعني إذا كنتم تقُّر ون أنه إذا جحد وجوب الصالة كفر‪ ،‬أو جحد وجوب الزكاة كفر‪ ،‬أو جحد وجوب‬
‫الصوم كفر‪ ،‬أو جحد وجوب الحج كفر‪ ،‬وهذه في فروع الدين‪ ،‬أو جحد وجوب الحج كفر‪ ،‬وهذه في فروع الدين‬
‫أو جحد تحريم الزنا كفر‪ ،‬أو جحد تحريم الربا كفر‪ ،‬أو جحد تحريم الخمر كفر‪ ،‬فكيف ال يكفر إذا جحد وجوب‬
‫التوحيد وإخالص التوحيد هلل وإخالص الدين هلل ؟! سبحان اهلل ِلَّلِه إذا جحد فرًعا من فروع الدين وإذا جحد أصل‬
‫الدين وأساس المَّلة ال يكفر‪ ،‬فمن باب أولى إذا جحد التوحيد اإليمان‪ ،‬والتوحيد معناه أخلص الدين هلل‪ ،‬ومن دعا غير‬
‫اهلل‪ ،‬نذر لغير اهلل‪ ،‬وال أخلص التوحيد هلل وما أخلص العبادة‪.‬‬
‫الجواب الثالث‪ :‬إذا كان الذي رفَع شخًص ا إلى مرتبة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يكفر‪ ،‬فالذي يرفعه إلى مرتبة اهلل‬
‫المرتبة األعلى مرتبة جَّبار السماوات واألرض يكفر من باب أولى‪ ،‬إذا كان بنو حنيفة ما كفروا إال ألنهم رفعوا مسيلمة‬
‫إلى مرتبة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وإلى مقام النبَّو ة‪ ،‬فالذي يرفع أصحاب القبور أو يرفع شخًص ا إلى مقام الرب‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬مقام اإلله مقام جبار السماوات واألرض ويدعوه كما يدعو اهلل‪ ،‬ويذبح له كما يذبح هلل‪ ،‬وينذر له كما ينذر‬
‫هلل‪ ،‬يكون كفره من باب أولى‪.‬‬
‫األول أن العلماء اتفقوا على أن اإلنسان إذا فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم كفر‪ ،‬وإذا آمن ببعض ما جاء به الرسول ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ولم يؤمن بالبعض اآلخر أو صدق الرسول ببعض ما جاء به ولم يصدق بالبعض اآلخر‪ ،‬كفر‪.‬‬
‫والثاني من باب أولى أنه إذا جحد فرًعا من فروع اإلسالم مجمع على تحريمه أو على وجوبه‪ ،‬يكفر‪ .‬فالذي يجحد‬
‫أصل الدين وأساس المَّلة من باب أولى يكفر‪ ،‬هذا هو الفرق بينهما‪ ،‬هذا كفر كفًر ا باألولوية إذا كان الذي يجحد أصل‬
‫الدين من باب أولى‪.‬‬

‫(‪)1/139‬‬
‫أما األول هو التفريق بين ما جاء به الرسول واِإل يمان ببعض ما جاء به الرسول وعدم اِإل يمان بالبعض اآلخر‪ ،‬أو تصديق‬
‫الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في بعض ما جاء به وتكذيبه في بعض ما جاء به‪.‬‬
‫الجواب الرابع‪ :‬الغالة الذين غلوا في علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وقالوا‪ :‬أنت اِإل له حرقه وأقره الصحابة على ذلك‪ ،‬وهم‬
‫يصلون ويصومون ويتعلمون العلم من الصحابة‪ .‬لماذا ؟ ألنهم فعلوا ناقًض ا من نواقض اإلسالم‪ ،‬فكذلك الذي يرفع‬
‫صاحب القبر مقام اهلل‪ ،‬ويدعوه من دون اهلل‪ ،‬ويذبح له من دون اهلل‪ ،‬فقد رفعه إلى مقام األلوهية‪ ،‬فيكون كافًر ا‪ ،‬فما‬
‫الفرق بين هذا وذاك ؟ هل الصحابة يكِّف رون المسلمين ؟ ال‪ .‬وهل االعتقاد في علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ال يجوز‪،‬‬
‫واالعتقاد في المقبورين ودعائهم يجوز أن تصرف لهم العبادة ال يضر ؟ !‪.‬‬
‫الجواب الخامس‪ :‬أن الرافضة كفروا‪ ،‬من خالف األمة يصيبه من الكفر؛ ألنهم يبطنون الكفر ويظهرون اإلسالم ‪-‬‬
‫والعياذ باهلل‪ -‬وهم مع ذلك يصلون ويصومون ويصلون الجمعة والجماعة‪ ،‬ويؤذنون‪ ،‬فهذا رّد عليهم في قولهم‪ :‬نحن‬
‫نشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ونقيم الصالة‪ ،‬ونؤتي الزكاة‪ .‬إذا فعل اإلنسان ناقًض ا من نواقِض اإلسالم كفر‪ ،‬وال ينفعه ما‬
‫يقيمه من شعائر اِإل سالم أو يعتقده‪.‬‬
‫الجواب السادس‪ :‬قوله‪ :‬يحلفون باهلل ما قالوا‪ ،‬وقد قالوا كلمة الكفر‪ ،‬فأثبتوا الكفر بعد إسالمه‪ ،‬وكذلك الصحابة‬
‫الذين كانوا في غزوة تبوك الذين يتكلمون بكلمات يلمزون بها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والصحابة‪ ،‬قالوا‪ :‬أال‬
‫ترون مثل هؤالء أرغب بطوًنا وال أكذب ألسًنا وال أجبن عند اللقاء‪ ،‬فنزل القرآن بتكفيرهم‪ .‬قال‪ُ { :‬ق َأِبالَّلِه َآ اِتِه‬
‫َو َي‬ ‫ْل‬
‫َو َرُس وِلِه ُك ْنُتْم َتْس َتْه ِز ُئوَن (‪ )65‬اَل َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم } (‪.)1‬‬
‫فأثبت لهم الكفر بعد اإليمان‪ ،‬هذا هو الجواب السادس‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة التوبة آية ‪.66-65 :‬‬

‫(‪)1/140‬‬

‫الجواب السابع‪ :‬لو كان اِإل نسان ال يكفر حتى يجمع بين األمرين‪ :‬حتى يجمع بين التكذيب للرسول والتكذيب للقرآن‬
‫مع صرف العبادة لغير اهلل‪ ،‬لما كان هناك فائدة للباب الذي يذكره العلماء من أهل كل مذهب وهو قولهم‪ " :‬حكم‬
‫المرتد " وهو الذي يكفر بعد إسالمه‪ ،‬ثم ذكروا أشياء كثيرة حتى وصل بعضهم إلى مئات‪.‬‬
‫الجواب الثامن‪ :‬الذين نَّج اهم اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬مع موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وهم يرون إهالك اهلل لفرعون وقومه‪،‬‬
‫وهؤالء الذين قالوا لرسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬اجعل لنا ذات أنواط‪ ،‬كما لهم ذات أنواط‪ .‬فأخبر الرسول ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن مقالتهم كما قالت بني إسرائيل تماًم ا؛ ألن العبرة بالمعاني‪.‬‬
‫فوائد من قصة بني إسرائيل وذات أنواط‪:‬‬
‫والمؤلف يقول‪ :‬هذه قصة بني إسرائيل وقصة الصحابة‪ ،‬فيها فوائد‪ ،‬ما هي تلك الفوائد ؟ استنبط منها المؤلف ثالث‬
‫فوائد‪:‬‬
‫الفائدة األولى‪ :‬بأن المسلم المجتهد ‪ -‬بل العالم ‪ -‬قد يقع في شيٍء من الشرك وهو ال يشعر‪ ،‬فهذا يوجب الحذر‬
‫واالجتهاد والتعلم حتى ال يقع في شيٍء من الشرك وهو ال يشعر‪.‬‬
‫الفائدة الثانية‪ :‬التغليظ في اِإل نكار‪ .‬ولذا غَّلظ موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬على بني إسرائيل مع صالحهم قال‪ِ { :‬إَّنُك ْم َقْو ٌم‬
‫َتْجَه ُلوَن (‪ )1( } )138‬وصفهم بالجهل‪.‬‬
‫وغَّلظ النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على الصحابة الذين سألوه‪ ،‬فقال‪ " :‬قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو‬
‫إسرائيل لموسى { اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة } (‪." )2‬‬
‫قالوا‪ :‬نريد شجرة نتبرك بها‪ ،‬لكنه غَّلظ عليهم وجعل هذه المقالة مثل هذه المقالة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬

‫(‪)1/141‬‬

‫الفائدة الثالثة‪ :‬وهذه من مكائد الشيطان‪ ،‬وتوجب الحذر واالجتهاد‪ ،‬لكن هناك أيًض ا فائدة أخرى‪ ،‬وهي أن المسلم‬
‫المجتهد إذا تكلم بكلمة الكفر عن جهل ثم ُنِّبه في ساعته وتاب‪ ،‬فإنه ال يضره ذلك‪ ،‬ال يضره إذا تاب بساعته بسبب‬
‫جهله‪ ،‬لكن مع ذلك يغلظ عليه في اِإل نكار‪.‬‬
‫هذه الشبهة قد يستفيد منها أن المسلم إذا تكلم بكلمة ثم تاب في ساعته هذه‪ ،‬هذا من شبههم على هذه القصة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫إن بني إسرائيل ما كفروا والصحابة ما كفروا‪ ،‬والجواب‪ :‬أنهم ما فعلوا الكفر‪ ،‬ولو فعلوا لكفروا‪ ،‬وبنو إسرائيل ما‬
‫عبدوا آلهة‪ ،‬والصحابة ما تبركوا بشجرة ولو فعلوا لكفروا‪ ،‬ولكنهم ما فعلوا !‪.‬‬
‫يفيدنا أن المسلم الجاهل إذا تكلم بكلمة الكفر جاهال وهو ال يدري‪ ،‬ثم ُنِّبه من ساعته وتاب‪ ،‬فال يضره ذلك‪ ،‬وال‬
‫يكون كافًر ا‪.‬‬
‫أخرى‬
‫عتاب النبي ألسامة على قتل الموحد‬
‫يقولون‪ :‬إن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنكر على أسامة قتل من قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وقال‪ " :‬أقتلته بعدما قال ال إله‬
‫إال اهلل ؟ " وكذلك قوله‪ُ " :‬أِم ْر ُت َأْن ُأَقاِتَل الَّناَس َح َّتى َيُقوُلوا ال ِإَلَه ِإال اهلل " وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها‪.‬‬
‫ومراد هؤالء الجهلة أن من قالها ال يكفر‪ ،‬وال ُيقتل‪ ،‬ولو فعل ما فعل‪ ،‬فيقال لهؤالء المشركين الُج َّهال‪ :‬معلوم أن‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن أصحاب رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬قاتلوا بني حنيفة‪ ،‬وهم يشهدون أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ويصلون ويَّدعون اإلسالم‪.‬‬
‫هذه الشبهة خالصتها‪ :‬احتجاجهم بقصة أسامة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حينما قتل رجال عندما رفع السيف عليه من‬
‫المشركين‪ ،‬لما رفع السيف عليه قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬فقتله أسامة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حيث إنه قالها متعِّو ًذا‪ ،‬وأنه ما‬
‫قالها إال ليأمن من قتله‪ ،‬فقتله ولم يباِل ‪.‬‬

‫(‪)1/142‬‬
‫فالنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنكر على أسامة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وشَّدد عليه وغَّلظ وقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ " -‬أقتلته بعد ما قال ال إله إال اهلل ؟ قال‪ :‬يا رسول اهلل ِلَّلِه قالها متعِّو ًذا " قال‪ :‬رفعت عليه السيف فلما رفعت‬
‫عليه السيف قال‪ :‬ال إله إال اهلل إَّنما قالها متعِّو ًذا‪ ،‬ما قالها عن إيمان‪ .‬قال‪ " :‬أشققت عن قلبه ؟ كيف تفعل بال إله إال اهلل‬
‫إذا جاءت يوم القيامة " وفي لفظ آخر‪ " :‬اللهم إني أبرأ إليك فيما فعله أسامة "‪.‬‬
‫قال هذه الشبهة يقولون‪ :‬هذا دليل على أن من قال ال إله إال اهلل صار موِّح ًد ا‪ ،‬يعني ولو فعل الشرك يكف عنه‪ ،‬وكذلك‬
‫يستدلون بالحديث الصحيح كما ثبت في الصحيحين أَّن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ُ " :‬أمرُت أن أقاتل الناس‬
‫حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأني رسول اهلل‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مني أموالهم ودماءهم إال بحقها وحسابهم على‬
‫اهلل "‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذا دليل على أن اإلنسان إذا شهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل وجب الكف عنه؛ ألنه مسلم وال يضره‬
‫بعد ذلك شيء‪.‬‬

‫(‪)1/143‬‬

‫والجواب ‪ -‬كما ذكر المؤلف رحمه اهلل ‪ :-‬أن هناك فرق بين من دخل في اإلسالم جديًد ا وبين من كان مسلًم ا قبل‬
‫ذلك‪ ،‬ثم فعل ناقًض ا من نواقض اإلسالم‪ ،‬فالذي دخل في اِإل سالم من جديد إذا قال‪ :‬ال إله إال اهلل وجب الكف عنه‪ ،‬ثم‬
‫ينظر بعد ذلك إن استمر على اإلسالم‪ ،‬وفعل ما يدّل على إيمانه وإسالمه وفعل ما تقتضيه ال إله إال اهلل صار مسلًم ا‪ ،‬وإن‬
‫فعل ما يناقضها قتل بعد ذلك‪ ،‬لكن إذا قال‪ :‬ال إله إال اهلل وجب الكف عنه كأن يقول مشرك ال إله إال اهلل وجب الكف‬
‫عنه‪ .‬قال بعض العلماء‪ :‬كذلك لو أذن أو صلى فإن هذا دليل على إيمانه‪ ،‬وكذلك الحديث القدسي " حتى يشهدوا أن‬
‫ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل " إذا شهد وجب الكف عنه‪ ،‬ثم بعد ذلك ينظر إن استمر على قولها وفعل ما‬
‫يوجبها ويقتضيها فهو مسلم‪ ،‬وإن فعل ما يناقضها قتل؛ بدليل قوله تعالى‪ { :‬ا َأُّي ا اَّلِذ ي َآ ُنوا ِإَذا َض ُت ِفي ِبيِل الَّلِه‬
‫َر ْب ْم َس‬ ‫َي َه َن َم‬
‫ِل‬ ‫ِع ِه ِن ِث‬ ‫ِة‬ ‫ِم‬ ‫ِل‬
‫َفَتَبَّيُنوا َو اَل َتُقوُلوا َمْن َأْلَق ى ِإَلْيُك ُم الَّساَل َم َلْس َت ُمْؤ ًنا َتْبَتُغوَن َعَر َض اْلَحَيا الُّد ْنَيا َف ْنَد الَّل َمَغا ُم َك يَر ٌة َكَذ َك ُك ْنُتْم‬
‫ِم ْن َقْبُل َفَم َّن الَّلُه َعَلْيُك ْم َفَتَبَّيُنوا ِإن الَّلَه َك اَن ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َخ ِبيًر ا (‪.)1( } )94‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النساء آية ‪.94 :‬‬

‫(‪)1/144‬‬

‫ولو كانوا ال يقتلون بعد ذلك لما كان هناك فائدة في التنبيه‪ ،‬وكذلك الذين َه َّم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بغزوهم‬
‫في المصطلق لما جاءه المخبر الذي يقوُل إنهم منعوا الزكاة فأنزل اهلل قوله‪َ { :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن َآَمُنوا ِإْن َج ا ُك ْم َفاِس ٌق ِبَنَبٍإ‬
‫َء‬
‫َفَتَبَّيُنوا } (‪ )1‬أي‪ :‬انظروا إذا كان الخبر صحيحا فاقتلوهم‪ ،‬وإن كان الخبر غير صحيح كفوا عنهم‪ ،‬أما من كان يقول‬
‫ال إله إال اهلل في األول‪ ،‬ثم فعل ما يناقضها‪ ،‬هذا يدل على كفره إذا كان يقول ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‬
‫ويزكي ويصوم‪ ،‬ثم دعا غير اهلل‪ ،‬أو ذبح لغير اهلل‪ ،‬أو أنكر وجوب الصالة أو وجوب الصوم أو وجوب الزكاة والحج‪،‬‬
‫هذا كفر؛ ألَّنه فعل ما يناقض هذه الكلمة بدليل أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قاتل اليهود وهم يقولون ال إله إال‬
‫اهلل؛ ألنهم ينقضونها بعدم الشهادة للنبي بالشهادة‪.‬‬
‫وكذلك قاتل الصحابة بني حنيفة وهم يقولون ال إله إال اهلل ويصلون ويصومون؛ ألن إسالمهم انتقض باعترافهم بنبوة‬
‫مسيلمة‪.‬‬
‫وكذلك الخوارج الذين أمر أبو بكر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بقتالهم وهم يصلون ويصومون ويقولون النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬تحقرون صالتكم إلى صالتهم‪ ،‬حَّر قهم على بن أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وأصحابه بالنار‪.‬‬
‫لهذا فإن الشبهة التي ذكرها المؤلف الشيخ ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬شبهة عظيمة وهي من أقوى شبه المشركين‪ ،‬ولهذا اعتنى‬
‫بها المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬باإلجابة عليها وأجاب عليها بثمانية أجوبة‪ .‬فما هي الشبهة باختصار ؟‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الحجرات آية ‪.6 :‬‬

‫(‪)1/145‬‬

‫تصوير الشبهة‪ :‬يعني أنهم يريدون أن يبرروا ما هم عليه من الشرك من دعاء الصالحين والمقبورين والذبح لهم والنذر‬
‫لهم‪ ،‬يقولون‪ :‬نحن لسنا بمشركين‪ ،‬المشركون الذين يعبدون األصنام واألوثان‪ ،‬وال يشهدون أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وال‬
‫يشهدون أن محمًد ا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بل يكذبون الرسول‪ ،‬ويكذبون القرآن‪ ،‬يقولون‪ :‬هو سحر‬
‫وكهانة‪ ،‬ويكذبون بالبعث‪ ،‬وال يصلون وال يصومون؛ أما نحن فنشهد أن ال إله إال اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ونصدق‬
‫بالقرآن‪ ،‬ونصوم ونصلي ونصدق بالبعث‪ .‬هذه الشبهة‪.‬‬
‫الجواب األول من األجوبة الثمانية‪ :‬لقد أجمع العلماء واتفقوا على أن من صَّدق الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في‬
‫شيء وكَّذ به في شيء مما جاء به‪ ،‬فإنه يكفر باِإل جماع‪ ،‬فلو صَّدق في وجوب الصالة وكَّذ ب في وجوب الزكاة كفر‪،‬‬
‫أو صدق في وجوب التوحيد ووجوب الصالة والزكاة وكذب في وجوب الصوم‪ ،‬كفر‪.‬‬
‫كذلك من أبغض ما جاء به الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ولم يؤمن بالبعض اآلخر‪ ،‬كفر باِإل جماع‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫اْلِق ا ِة‬ ‫ِة‬ ‫ِخ ِف‬ ‫ِل ِم‬ ‫ِك‬ ‫ِم‬
‫{ َأَفُتْؤ ُنوَن ِبَبْع ِض اْل َتاِب َو َتْك ُفُر وَن ِبَبْع ٍض َفَم ا َجَز اُء َمْن َيْف َعُل َذ َك ْنُك ْم ِإاَّل ْز ٌي ي اْلَحَيا الُّد ْنَيا َو َيْو َم َي َم‬
‫ُيَر ُّدوَن ِإَلى َأَش ِّد اْلَعَذ اِب } (‪.)1‬‬
‫وأنتم آمنتم ببعض ما جاء به الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وكفرتم بالبعض اآلخر‪ ،‬ثم شهدتم أن ال إله إال اهلل وأن‬
‫محمًد ا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأقمتم الصالة‪ ،‬وآتيتم الزكاة‪ ،‬وصدقتم بالبعث‪ ،‬هذا حق‪ ،‬ولكنكم لم‬
‫تخلصوا التوحيد هلل‪ ،‬فأشركتم مع اهلل غيره‪ ،‬وأعظم ما جاء به رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬هو التوحيد‪ ،‬أنتم ما‬
‫عملتم بالتوحيد‪ ،‬فإذا لم ُتَو ِّح ُد وا اهلل ولم تخلصوا له العبادة‪ ،‬فإَّنكم تكونوا مشركين‪ ،‬وال ينفعكم كونكم آمنتم ببعض‬
‫ما جاء به رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وصدقتم ببعض ما جاء به‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة البقرة آية ‪.85 :‬‬

‫(‪)1/146‬‬
‫ال بد من التصديق بالجميع‪ ،‬والعمل بجميع ما جاء الشرع‪ ،‬فالشيء الذي لم تفعلوه هو أعظم شيء جاء به الرسول ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وهو التوحيد‪.‬‬
‫ما وَّح دتم اهلل وما أخلصتم له العبادة‪ ،‬حيث دعوتم معه غيره‪ ،‬وعبدتم معه غيره‪.‬‬
‫الجواب الثاني‪ :‬من أنكر فرًعا من فروع الدين مجمع على وجوبه أو تحريمه‪ ،‬أو أنكر وجوبه إذا كان مجمًعا على‬
‫وجوبه أو تحريمه إذا كان مجمًعا على تحريمه‪ ،‬هذا يكفر باِإل جماع‪.‬‬
‫مثال األول‪ :‬من أنكر وجوب الصالة‪ ،‬هذا أمٌر مجمٌع على وجوبه‪ ،‬أو أنكر وجوب الزكاة‪ .‬إذا أنكر وجوب الحج‪.‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬األمر الذي أجمع على تحريمه‪ ،‬تحريم الزنا‪ ،‬من أنكر تحريم الزنا وقال‪ :‬إن الزنا حالل‪ ،‬أو حَّلل الزنا أو‬
‫الخمر‪ ،‬كفر‪.‬‬
‫أي‪ :‬إذا كان الذي ينكر فرًعا من فروع الدين‪ ،‬يكفر‪ .‬فالذي ينكر أصل الدين وأساس الملة وهو التوحيد هلل‪ ،‬يكفر من‬
‫باب أولى‪.‬‬
‫الجواب الثالث‪ :‬إن الصحابة أجمعوا على قتال بني حنيفة وهم يشهدون لنبيه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بالرسالة؛ ألنهم‬
‫قالوا‪ :‬إن مسيلمة نبي‪ ،‬فرفعوا رجال إلى مرتبة النبَّو ة‪ .‬وأجمع الصحابة على قتالهم؛ فالذي يرفع شخًص ا إلى مرتبة‬
‫األلوهية ‪ -‬مرتبة اهلل ‪ -‬أعلى وأعظم كفًر ا منهم‪ ،‬فالذي يدعو الصالحين ويعبدهم من دون اهلل جعلهم آلهة مع اهلل‪،‬‬
‫وجعلهم في مرتبة األلوهية‪ ،‬مرتبة اهلل‪ ،‬واهلل هو المعبود بالحق‪ ،‬فإذا ُعِبَد مع اهلل‪ ،‬جعله في منزلة اهلل؛ ألنه ال يستحق‬
‫العبادة إال هو سبحانه‪.‬‬
‫الجواب الرابع‪ :‬الغالة الذي حرقهم علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في النار رفعوه إلى منزلة غلوا فيه‪ ،‬إذا كان الصحابة‬
‫أجمعوا على قتال من غال في علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ورفعه وجعله في مقام األلوهية‪ ،‬فكذلك أيًض ا من رفع المقبور‬
‫وجعله وغال فيه‪ ،‬وجعل فيه نوًعا من اِإل لهية إذا عرف أنه نوٌع من أنواع األلوهية‪ .‬كذلك يكون مشرًك ا ويستحق القتل‪،‬‬
‫أي‪ :‬إقامة الحد عليه‪ ،‬هذا بعد أن ُيستتاب‪ ،‬فإن تاب ال ُيقتل‪.‬‬

‫(‪)1/147‬‬

‫الجواب الخامس‪ :‬أن المسلمين اتفقوا على قتال العبيديين الروافض الذين حكموا مصر والمغرب؛ ألنهم يبطنون الكفر‬
‫ويظهرون اِإل سالم‪ ،‬فكيف بمن أعلن الشرك‪ ،‬ودعا غير اهلل‪ ،‬وذبح لغير اهلل‪.‬‬
‫الجواب السادس‪ :‬كان أصحاب الشبهة ال يرون أنه ال يكفر اإلنسان حتى يجمع بين أمرين‪ :‬بين الشرك‪ ،‬وبين‬
‫التكذيب‪ .‬لو كان كذلك لما كان هناك‪ ،‬ما كان فائدة في الباب الذي يبّو به العلماء في كل مذهب " باب حكم المرتد‬
‫"‪ ،‬وهو الذي يكفر بعد اإلسالم‪.‬‬
‫الجواب السابع‪ :‬قال تعالى‪َ { :‬يْح ِلُفوَن ِبالَّلِه َم ا َقاُلوا َو َلَق ْد َقاُلوا َك ِلَم َة اْلُكْف ِر َو َكَف ُر وا َبْع َد ِإْس اَل ِم ِه ْم } (‪ )1‬وكذلك‬
‫الصحابة الذين كانوا يجاهدون في غزو الروم‪ ،‬تكَّلُم وا كلمات قالوا‪ :‬ما رأينا مثل ما ترون هؤالء أرغُب بطوًنا وال‬
‫أكذب ألسًنا وال أجبن عن اللقاء على وجه المزح واللعب‪ ،‬وال أجبن عند اللقاء‪ ،‬يعنون الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬وأصحابه‪ ،‬فكَّف رهم اهلل وأنزل فيهم { ُقْل َأِبالَّلِه َو َآَياِتِه َو َرُس وِلِه ُك ْنُتْم َتْس َتْه ِز ُئوَن (‪ )65‬اَل َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد‬
‫ِإيَم اِنُك ْم } (‪ )2‬فسَّم اهم كفاًر ا بعد اِإل يمان‪.‬‬
‫الجواب الثامن‪ :‬إَّن الذين نَّج اهم اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬مع موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وهم بنو إسرائيل ‪ ،-‬مع صالحهم‬
‫وعلمهم لما قالوا لموسى ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ { :-‬اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا َلُه ْم َآِلَه ٌة } (‪.)3‬‬
‫فكيف تقولون اآلن نحن نشهد أن ال إله اهلل وأن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ونقيم الصالة‪ ،‬وال يضرنا كوننا نلتجئ إلى‬
‫الصالحين ؟‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة التوبة آية ‪.74 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة التوبة آية ‪.66-65 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬

‫(‪)1/148‬‬

‫هؤالء قوم موسى مع صالحهم وعلمهم ومحبتهم لنبيهم‪ ،‬لو فعلوا لكانوا كفاًر ا‪ .‬وكذلك أصحاب النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬الذين أسلموا حديًثا كما روى الحديث أبو واقد الليثي في غزوة حنين لما مُّر وا بالمشركين ولهم سدرة‬
‫يجلسون وينوطوا بها أسلحتهم‪ ،‬قالوا‪ " :‬اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط "‪ ،‬ثم زجرهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ .-‬فلو فعلوا ألشركوا مع كونهم مذعنين ومع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ومصدقين بالقرآن وبرسول‬
‫اهلل‪ ،‬فكيف تقولون‪ :‬نحن ال نصِّدق برسول والقرآن وال يغيرنا هذا ؟!‪.‬‬
‫لكن لهم شبهة حول هاتين القضيتين‪ .‬ما هي شبهاتهم؟ إن أصحاب موسى ما كفروا‪ ،‬وأصحاب النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ما كفروا‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أنهم لم يفعلوا الكفر‪ ،‬بل َلَّم ا زجرهم موسى انزجروا وامتنعوا‪ ،‬وكذلك أصحاب النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ولو فعلوه لكفروا‪.‬‬
‫وهذا يفيد مجموعة من الفوائد‪:‬‬
‫الفائدة األولى‪ :‬بأن المسلم المجتهد ‪ -‬بل العالم ‪ -‬قد يقع في شيء من الشرك وهو ال يشعر‪ ،‬فهذا يوجب الحذر‬
‫واالجتهاد والتعلم؛ حتى ال يقع في شيٍء من الشرك وهو ال يشعر‪.‬‬
‫الفائدة الثانية‪ :‬أنه يغلظ عليه في اِإل نكار‪ .‬ولهذا غَّلظ موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬على بني إسرائيل مع صالحهم قال‪:‬‬
‫{ ِإَّنُك ْم َقْو ٌم َتْجَه ُلوَن (‪ )1( } )138‬وصفهم بالجهل مع علمهم وصالحهم‪ .‬ونبّينا محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫غَّلظ على الصحابة الذين سألوه‪ ،‬فقال‪ " :‬قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى { اْجَعْل َلَنا ِإَلًه ا َك َم ا‬
‫َلُه ْم َآِلَه ٌة } (‪ " )2‬أي‪ :‬كما قال قوم موسى لموسى‪ ،‬فجعل مقالتهم مثل مقالتهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األعراف آية ‪.138 :‬‬

‫(‪)1/149‬‬
‫ثم ذكر المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬شبهة للمشركين في قصة أسامة‪ .‬وخالصتها‪ :‬أن يحكم عليه باِإل سالم‪ ،‬وال يضره أي‬
‫فعل يفعله بعد قول ال إله إال اهلل؛ ألن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬غَّلظ على أسامة َلَّم ا قتل رجال من المشركين‬
‫عندما قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ .‬وقال يا رسول اهلل ِلَّلِه إنه قالها تعُّو ًذا‪ ،‬والرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنكر عليه وقال‪" :‬‬
‫كيف تفعل بـ "ال إله إال اهلل " إذا جاءت يوم القيامة " (‪.)1‬‬
‫أظن في بعضها أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬تبَّر أ من فعله‪ ،‬وقال‪ " :‬اللهم إني أبرأ إليك مما فعله أسامة "‪.‬‬
‫وجاء هذا في قصة خالد بن الوليد ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لما قتل بني حنيفة‪ ،‬وقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬اللهم‬
‫إني أبرأ إليك مما فعله خالد " فقصة أسامة تدُّل على أن اِإل نسان إذا قال‪ :‬ال إله إال اهلل أنه يحكم بإسالمه‪ ،‬وال يضره ما‬
‫فعل بإذن اهلل‪.‬‬
‫والجواب على هذه الشبهة‪ :‬قالها تعوًذا اجتهد وظن أسامة أنه قالها تعّو ًذا‪ ،‬أو أنه لم يكن تكلمه بالشهادتين عن إيمان‬
‫وصدق‪ ،‬وإَّنَم ا لما رفع عليه السيف قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وظن أسامة أنه قالها متعوًذا‪.‬‬
‫هذا بالنسبة ألسامة‪ ،‬أما بالنسبة للحكم الشرعي في هذه المسألة‪ :‬أن من دخل في اِإل سالم جديًد ا‪ ،‬وقال‪ :‬ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫وكان ال يقولها قبل ذلك‪ ،‬فإنه ُيَك ُّف عنه إذا قالها‪ ،‬وتعصم دمه وماله‪ ،‬وينتظر بعد ذلك حتى ُيتبين أنه التزم بعد‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫وإذا لم يلتزم وفعَل ناقًض ا‪ُ ،‬قِتل‪ .‬وفرٌق بين من كان يقولها ومن كان ال يقولها؛ فإن اليهود كانوا يقولونها‪ ،‬وكذلك‬
‫المنافقين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬أخرجه البخاري في صحيحه مع فتح الباري ‪ ،‬حديث رقم ‪ . )1399( :‬ومسلم في صحيحه ‪ ،‬حديث رقم (‬
‫‪. )96‬‬

‫(‪)1/150‬‬

‫فالرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قاتل اليهود وهم يقولون " ال إله إال اهلل "‪ ،‬لكن إذا كان اِإل نسان ال يقولها قبل ذلك‬
‫ثم قالها‪ُ ،‬يكُّف عنه‪ ،‬وتعصم دمه وماله حتى ينظر بعد ذلك‪ ،‬فإذا التزم فالحمد هلل‪ ،‬وال ُيقاَتل؛ بدليل قول اهلل تعالى‪- :‬‬
‫ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِف‬ ‫ِذ‬
‫وإال لم يكن هناك فائدة من الَّتبُّين‪ -‬قال سبحانه‪َ { :‬يا َأُّيَه ا اَّل يَن َآَم ُنوا ِإَذا َض َر ْبُتْم ي َس ِبيِل الَّل َفَتَبَّيُنوا َو اَل َتُقوُلوا َمْن‬
‫ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِع ِه ِن ِث‬ ‫ِة‬ ‫ِم‬
‫َأْلَق ى ِإَلْيُك ُم الَّساَل َم َلْس َت ُمْؤ ًنا َتْبَتُغوَن َعَر َض اْلَحَيا الُّد ْنَيا َف ْنَد الَّل َمَغا ُم َك يَر ٌة َكَذ َك ُك ْنُتْم ْن َقْبُل َفَم َّن الَّلُه َعَلْيُك ْم‬
‫َفَتَبَّيُنوا ِإن الَّلَه َك اَن ِبَم ا َتْع َم ُلوَن َخ ِبيًر ا (‪.)1( } )94‬‬
‫ولو كانوا ال يقتلون بعد ذلك لما كان هناك فائدة في التنبيه‪َ { :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن َآَم ُنوا ِإْن َج اَءُك ْم َفاِس ٌق ِبَنَبٍإ َفَتَبَّيُنوا } (‪.)2‬‬
‫لو كان إذا قالها ُيترك‪ ،‬ما كان هناك فائدة للتبين‪ ،‬بل يتبين وُينتظر‪ ،‬فإذا التزم فالحمد هلل‪ ،‬وإذا لم يلتزم وفعَل ما‬
‫يناقضها فيقتل بعد ذلك‪ ،‬ويدُّل على ذلك ما في الصحيحين أيًض ا عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬أمرت أن‬
‫أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأني رسول اهلل‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحق‬
‫اإلسالم وحسابهم على اهلل " (‪)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النساء آية ‪.94 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة الحجرات آية ‪.6 :‬‬
‫(‪ - )3‬أخرجه البخاري في صحيحه ‪ ،‬حديث رقم (‪ -4269‬فتح) ‪ .‬ومسلم ‪ ،‬حديث (‪. ) 21 ، 20‬‬

‫(‪)1/151‬‬

‫ومعنى قول المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬ولهم شبهة أخرى"؛ ألن بني حنيفة فعلوا ناقًض ا من نواقض اإلسالم‪ ،‬وهو قولهم‪:‬‬
‫"إن مسيلمة نبي"‪ ،‬فانتقض إسالمهم‪ ،‬ونقضت الشهادتين عليهم‪ ،‬مثل‪ :‬لو توضأ اِإل نسان‪ ،‬فأحسن وضوءه وطهارته‪ ،‬ثم‬
‫أحدث وخرج منه ريح أو بول أو غائط‪ ،‬بطلت الطهارة‪ ،‬أي‪ :‬بطل الوضوء‪ .‬وكذلك إذا قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬وصلى‪ ،‬وصام‪ ،‬وقال‪ :‬إن هناك نبيا بعد محمد ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬انتقض إسالمه ودينه‪.‬‬
‫فبنو حنيفة يشهدون أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ويشهدون أن محمًد ا رسول اهلل‪ ،‬ويقيمون الصالة‪ ،‬ويصومون‪ ،‬ويؤذنون‪ ،‬لكن لما‬
‫قالوا‪ :‬إن مسيلمة نبي وشارك محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في النبوة‪ ،‬كفروا وانتقض إسالمهم‪ ،‬أي‪ :‬انتقض‬
‫توحيدهم وإيمانهم وبطل توحيدهم وإيمانهم‪.‬‬
‫تحريق علي لغالة الخوارج‬
‫وكذلك الذين حَّر قهم علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫كذلك الذين حَّر قهم علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬من الخوارج من الفئة الذين يصلون ويصومون‪ ،‬بل‬
‫يجتهدون في الصيام والصالة‪ ،‬وتعلموا العلم من الصحابة‪ ،‬لما اعتقدوا هذه العقيدة‪ ،‬وأنهم غلوا في علٍّي ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ -‬حتى أنهم رفعوه إلى مقام الرب‪ ،‬أي إلى مرتبة األلوهية‪ ،‬كفروا ونقضوا إسالمهم ودينهم‪ ،‬فقاتلهم الصحابة‬
‫وُح ِّر ُقوا بالنار‪.‬‬
‫تكفير منكر الفروع وترك منكر األصول‬
‫وهؤالء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن من جحد شيًئا من أركان اإلسالم كفر‬
‫وقتل ولو قالها‪ ،‬فكيف ال تنفعه إذا جحد شيًئا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه ؟‬

‫(‪)1/152‬‬

‫يقول‪ :‬إن هؤالء الذين أوردوا الشبهة من المشركين مقُّر ون بأن اإلنسان لو جحد الصالة ما نفعته " ال إله إال اهلل "‬
‫وانتقض إسالمه ودينه‪ ،‬وإذا جحد الزكاة كذلك‪ ،‬وإذا جحد الصوم كذلك‪ ،‬وإذا جحد البعث كذلك‪ ،‬كيف إذا جحد‬
‫فرًعا من فروع الدين ؟ ِلَّلِه أنه يكفر‪ ،‬وإذا جحد التوحيد ال يكفر ِلَّلِه ِلَّلِه ِلَّلِه هم جحدوا التوحيد‪.‬‬
‫ومعنى التوحيد‪ :‬هو إخالص العبادة هلل‪ ،‬إخالص الدين هلل‪ ،‬وإفراد اهلل بالعبادة‪ ،‬وهو أن يعبد اهلل وحده‪.‬‬
‫وهؤالء عبدوا اهلل وعبدوا غيره‪ ،‬أي عبدوا اهلل وجحدوا توحيد اهلل‪ ،‬فكيف يكفر اإلنسان إذا ‪.+++‬‬
‫الرد على شبهة عتاب النبي ألسامة‬
‫فأما حديث أسامة‪ ،‬فإنه قتل رجال اَّدَعى اإلسالم بسبب أنه ظن أنه ما اَّدعاه إال خوًفا على دمه وماله‪ ،‬والرجل إذا أظهر‬
‫اإلسالم وجب الكُّف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك‪ ،‬وأنزل اهلل تعالى في ذلك‪َ { :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن َآَم ُنوا ِإَذا َض َر ْبُتْم ِفي‬
‫َس ِبيِل الَّلِه َفَتَبَّيُنوا } (‪] )1‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪]94 :‬؛ أي‪َ :‬فَتَثَّبُتوا‪ ،‬فاآلية تدُّل على أنه يجب الكُّف عنه والتثبت‪ ،‬فإن‬
‫تبين منه بعد ذلك ما يخالف اإلسالم ُقِتل؛ لقوله تعالى‪َ { :‬فَتَبَّيُنوا } (‪ )2‬ولو كان ال يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت‬
‫معنى‪.‬‬
‫هذا ظاهر كلمة تكفيرهم‪ ،‬فقول تكفيرهم هو ألهل العلم‪ ،‬ولهذا قال‪ :‬لم تنفعهم ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫شبههم في أحاديث الكف عن الناطق بكلمة التوحيد‬
‫وكذلك الحديث اآلخر وأمثاله‪ ،‬معناه ما ذكرناه‪ ،‬وأن من أظهر التوحيد واإلسالم وجب الكف عنه‪ ،‬إال إن تبَّين منه ما‬
‫يناقض ذلك‪ ،‬والدليل على هذا أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الذي قال‪َ " :‬أَقَتْلَتُه َبْع َد َم ا قاَل ال إله إال اهلل ؟‬
‫"‪.‬‬
‫وقال‪ُ " :‬أِم ْر ُت َأْن ُأَقاِتَل الَّناَس َح َّتى َيُقوُلوا ال ِإَلَه ِإال الَّلَه "‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النساء آية ‪.94 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النساء آية ‪.94 :‬‬

‫(‪)1/153‬‬

‫هو الذي قال في الخوارج‪ " :‬أينما لقيتموهم فاقتلوهم‪ ،‬لئن أدركتهم ألقتلَّنهم قتل عاد "‪.‬‬
‫فظاهر كالم المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬تكفيرهم‪.‬‬
‫تكفير الخوارج مع شدة عبادتهم‬
‫مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليال‪ ،‬حتى أن الصحابة يحقرون صالتهم عندهم‪ ،‬وهم تعلموا العلم من الصحابة‪،‬‬
‫فلم تنفعهم " ال إله إال اهلل " وال كثرة العبادة‪ ،‬واِّدعاء اإلسالم َلَّم ا ظهر منهم مخالفة الشريعة ِلَّلِه‬
‫بم يقول‪ " :‬ال إله إال اهلل "‪ .‬قال المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬اليهود يقولون ال إله إال اهلل‪ ،‬وال تنفعهم‪ .‬والشبهة الثانية الزمة‬
‫لها‪ ،‬بعضهم يشهد أن محمًد ا رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حتى بعضهم يقول‪ :‬إنه نبي للعرب خاصة‪ .‬قاله‬
‫اليهود !‪.‬‬
‫شبهتهم في االستغاثة باألنبياء يوم القيامة‬
‫وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة‪ ،‬وكذلك أراد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن يغزو بني‬
‫المصطلق لما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة‪ ،‬حتى أنزل اهلل تعالى‪َ { :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذ يَن َآَم ُنوا ِإْن َج اَءُك ْم َفاِس ٌق ِبَنَبٍإ َفَتَبَّيُنوا َأْن‬
‫ُتِص يُبوا َقْو ًم ا ِبَجَه اَلٍة َفُتْص ِبُح وا َعَلى َم ا َفَعْلُتْم َناِدِم يَن (‪] )1( } )6‬سورة الحجرات‪ ،‬اآلية‪ ]6 :‬وكان الرجل كاذًبا عليهم‪،‬‬
‫فكل هذا يدل على أن مراد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في األحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه‪.‬‬
‫ولهم شبهة أخرى‪ :‬وهي ما ذكر النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬أَّن الناَس يوم القيامة يستغيثون بآدم‪ ،‬ثم بنوح‪ ،‬ثم‬
‫بإبراهيم‪ ،‬ثم بموسى‪ ،‬ثم بعيسى " فكلهم يعتذرون‪ ،‬حتى ينتهوا إلى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قالوا‪ :‬فهذا‬
‫يدُّل على أن االستغاثة بغير اهلل ليست شرًك ا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الحجرات آية ‪.6 :‬‬

‫(‪)1/154‬‬

‫فالجواب أن نقول‪ :‬سبحان من طبع على قلوب أعدائه‪ ،‬فإن االستغاثة بالمخلوق على ما يقدر عليه ال ننكرها كما قال‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬في قصة موسى‪َ { :‬فاْس َتَغاَثُه اَّلِذ ي ِم ْن ِش يَعِتِه َعَلى اَّلِذ ي ِم ْن َعُد ِّو ِه } (‪] )1‬سورة القصص‪ ،‬اآلية‪ ،]15 :‬وكما‬
‫يستغيث اإلنسان بأصحابه في الحرب وغيرها من األشياء التي يقدر عليها المخلوق‪ ،‬ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي‬
‫يفعلونها عند قبور األولياء‪ ،‬أو في غيبتهم في األشياء التي ال يقدر عليها إال اهلل‪ ،‬إذا ثبت ذلك فاالستغاثة باألنبياء يوم‬
‫القيامة يريدون منهم أن يدعوا اهلل أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف‪ ،‬فهذا جائز في الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كالمك‪ ،‬وتقول له‪ :‬ادع اهلل لي‪ ،‬كما كان أصحاب رسول اهلل‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يسألونه في حياته‪ ،‬وأما بعد موته فحاشا وكال أنهم سألوه ذلك عند قبره‪ ،‬بل أنكر السلف‬
‫الصالح على من قصد دعاء اهلل عند قبره‪ ،‬فكيف دعاؤه نفسه ؟ ِلَّلِه‬
‫هذه الشبهة خالصتها أنهم يستدلون على أن جواز االستغاثة ‪ -‬استغاثة العبادة ‪ -‬بسؤال الناس األنبياء يوم القيامة‪،‬‬
‫وطلبهم منهم أن يشفعوا لهم عند اهلل‪ ،‬فإَّن الناس إذا وقفوا بين يدي اهلل يوم القيامة‪ ،‬واشتَّد بهم الكرب‪ ،‬وَدَنْت الشمس‬
‫من الرءوس‪ ،‬حصل للناس شدة وكرب‪ ،‬فيموج الناس بعضهم في بعض‪ ،‬يستغيثون باألنبياء أن يشفعوا لهم عند اهلل ‪-‬‬
‫كما سبق ‪ ،-‬فآدم يعتذر‪ ،‬ثم نوح يعتذر‪ ،‬ثم إبراهيم يعتذر‪ ،‬ثم موسى يعتذر‪ ،‬ثم عيسى يعتذر‪ ،‬ثم يأتون النبي محمًد ا ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيقول‪ " :‬أنا لها " فيشفع عند اهلل بعد اِإل ذن له‪ ،‬وهذه تدُّل على أنه يجوز لِإل نسان أن يأتي عند‬
‫القبر ويقول‪ :‬يا فالن أغثني !‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة القصص آية ‪.15 :‬‬

‫(‪)1/155‬‬

‫المؤلف ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬يقول‪ :‬هناك فرق بين الحي القادر وبين الميت‪ ،‬الناس حينما يستغيثون باألنبياء يوم القيامة‬
‫يكونون أحياء أمامهم حاضرين يقدرون على الشفاعة‪ ،‬هذه ال ننكرها‪ ،‬االستغاثة بالحي الحاضر القادر‪ ،‬وكما في قول‬
‫اهلل تعالى‪َ { :‬فاْس َتَغاَثُه اَّلِذ ي ِم ْن ِش يَعِتِه َعَلى اَّلِذ ي ِم ْن َعُد ِّو ِه } (‪ )1‬وذلك في قصة موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬لما خرج‬
‫ووجد رجلين يقتتالن‪ ،‬أحدهما من شيعته بني إسرائيل‪ ،‬والثاني قبطي‪ ،‬فاستغاثه الذي من شيعته على القبطي‪ ،‬فأغاثه‪،‬‬
‫فضربه القبطي حتى قضى عليه‪ ،‬حي قادر هذا ما ينكر االستغاثة بالحي‪.‬‬
‫وكذلك الصحابة كانوا يأتون إلى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في حياته يريدون أن يشفع لهم‪ ،‬لكن المنكر استغاثة‬
‫العبادة‪ ،‬استغاثة الميت‪ ،‬أو االستغاثة بالغائب أو بالحي غير الغائب فيما ال يقدر عليه إال اهلل‪ ،‬فهذا ممنوع؛ ولهذا قال‬
‫المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬وأن الصحابة كانوا يستغيثون بالنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في حياته‪ ،‬أما بعد مماته فلم‬
‫يكونوا يستغيثون به ‪ -‬حاشا وكال ‪.-‬‬
‫على أنه أنكر كون اِإل نسان يأتي ويدعو اهلل عند القبر‪ ،‬ال تدعو عند القبر؛ اذهب إلى مكاٍن بعيٍد ‪ ،‬اذهب إلى المسجد‪،‬‬
‫فال تدعو اهلل عند القبر‪ ،‬فكيف بدعائه هو‪ ،‬فإذن المنكر استغاثة العبادة‪ ،‬استغاثة العبادة هي استغاثة الميت أو الغائب أو‬
‫الحي الحاضر الغير غائب‪.‬‬
‫أما االستغاثة بالحي الحاضر القادر ألسباب ظاهرة نراه يسمع كالمك ويقدر‪ ،‬مثل لو استغاث غريق بسَّباح قال‪ :‬أغثني‪،‬‬
‫يعرف أنه يسبح ويجيد السباحة‪ ،‬أو حريق استغاث بمن ينقذه‪ ،‬وهو يستطيع وحاضر أمامه يشاهده‪ ،‬هذا ال بأس به‪،‬‬
‫هناك فرق بين هذا وذاك‪.‬‬
‫شبهتهم في عرض جبريل العون على إبراهيم عليه السالم‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة القصص آية ‪.15 :‬‬

‫(‪)1/156‬‬

‫ولهم شبهة أخرى‪ :‬وهي قصة إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬لما ُأْلِق َي في النار‪ ،‬اعترض له جبريل في الهواء‪ ،‬فقال‪ :‬ألك‬
‫حاجة ؟ فقال إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ :-‬أما إليك فال‪ ،‬فقالوا‪ :‬فلو كانت االستغاثة شرًك ا‪ ،‬لم يعرضها على إبراهيم‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذا من جنس الشبهة األولى‪ ،‬فإن جبريل قد عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه‪ ،‬فإنه كما قال تعالى فيه‪:‬‬
‫{ َش ِد يُد اْلُقَو ى (‪] )1( } )5‬سورة النجم‪ ،‬اآلية ‪ ،]5‬فلو أِذ َن اهلل له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من األرض والجبال‬
‫ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل‪ ،‬ولو أمره أن يضع إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬في مكان بعيد عنهم لفعل‪ ،‬وهذا‬
‫كرجل غني له مال كثير‪ ،‬يرى رجال محتاًج ا‪ ،‬فيعرض عليه أن يقرضه أو يهب له شيًئا يقضي به حاجته‪ ،‬فيأبى ذلك‬
‫الرجل المحتاج أن يأخذ ويصبر إلى أن يأتيه اهلل برزق ال ِم َّنَة فيه ألحد‪ ،‬فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا‬
‫يفقهون؟ ِلَّلِه‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النجم آية ‪.5 :‬‬

‫(‪)1/157‬‬

‫وهذه الشبهة من جنس الشبهة السابقة‪ ،‬وهي أنهم يستدُّلون على جواز االستغاثة بالميت بقصة إبراهيم ‪ -‬عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ -‬لما ُأْلِق َي في النار؛ وذلك بسبب أن إبراهيم ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬أنكر على أبيه وقومه عبادة األصنام‬
‫واألوثان‪ ،‬فكَّس رها وما دعاهم إلى التوحيد وملكهم الطاغية نمرود في مقدمتهم‪ ،‬لكنهم أبوا واستكبروا وعاندوا‪،‬‬
‫فأصروا على القضاء على إبراهيم والتخلص منه‪ ،‬فجمعوا له حطًبا عظيًم ا‪ ،‬ثم َأَّج ُج وا ناًر ا‪ ،‬وألقوا إبراهيم ‪ -‬عليه السالم‬
‫‪ -‬في هذه النار‪ ،‬فلما ألقوه وهو في الهواء‪ ،‬وهو ساقط في النار ‪ -‬يعني وهو يلقونه في الجو وهو نازٌل على النار في‬
‫هذه المسافة ‪ -‬عرض له جبريل وهو ملقى في النار يهوي‪ ،‬اآلن يهوي في الجو إلى النار في طريقه في هوية إلى النار‪،‬‬
‫عرض له جبريل ‪ -‬عليه السالم‪ - ،‬فقال له‪ :‬هل لك حاجة ؟ هل تريد أساعدك‪ .‬قال إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬بقوة‬
‫توحيده وإيمانه وتعلقه باهلل "أما إليك فال‪ ،‬وأما إلى اهلل فَبَلى"‪.‬‬
‫أسرع فرج من اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬من إغاثة جبريل‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ُ { :‬قْلَنا َيا َناُر ُك وِني َبْر ًدا َو َس اَل ًم ا َعَلى ِإْبَر اِه يَم (‬
‫‪ )1( } )69‬وقال تعالى‪ِ { :‬إَّنَم ا َأْم ُر ُه ِإَذا َأَر اَد َش ْيًئا َأْن َيُقوَل َلُه ُك ْن َفَيُك وُن (‪.)2( } )82‬‬
‫فلما قال اهلل للنار‪ :‬كوني برًدا وسالًم ا على إبراهيم‪ ،‬صار الجو معتدال‪ ،‬جو النار صار معتدال‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬لو قال اهلل‪ :‬كوني برًد ا لمات إبراهيم من شدة البرد في النار‪ ،‬صار برًدا ثلًج ا فمات من شدة البرد‪ ،‬ولو‬
‫تركها على حالها لمات إبراهيم من شدة حرها‪ .‬فلما قال اهلل‪ :‬كوني برًدا وسالًم ا‪ ،‬فصار جو النار معتدال‪ ،‬ال حرا وال‬
‫باردا‪ ،‬وصار جًّو ا معتدال‪ .‬ما تذره النار ما يموت من شدة الحر‪ ،‬وال من شدة البرد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة األنبياء آية ‪.69 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة يس آية ‪.82 :‬‬

‫(‪)1/158‬‬

‫فلو قال اهلل‪ :‬كوني برًد ا لمات إبراهيم من شدة البرد مثل الثلج‪ ،‬ولو تركها على حالها لمات من شدة الحر‪ ،‬اهلل أسرع‬
‫إغاثة من إغاثة جبريل ‪-‬عليه السالم‪ ،-‬جبريل عرض عليه في الهواء‪ ،‬وقال له‪ :‬هل لك حاجة؟ قال‪ :‬إليك ال‪ ،‬ليس لي‬
‫حاجة‪ ،‬أما إليك فال‪ ،‬وأما إلى اهلل َفَبَلى‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬هذا دليل على جوار االستغاثة بالميت؛ ألن جبريل عرض على إبراهيم في الجو‪ ،‬عرض عليه اِإل غاثة ؟‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬أن االستغاثة بالحي الحاضر ال بأس بها‪ ،‬وجبريل حٌّي حاضر‪ ،‬قادر على العطاء‪ ،‬أعطاه اهلل قوة وقدرة؛ ألنه‬
‫كما قال اهلل‪َ { :‬ش ِد يُد اْلُقَو ى (‪ )1( } )5‬وله ستمائة جناح‪ ،‬كل جناح يمأل ما بين السماء واألرض‪ ،‬وقد اقتلع مدًنا‬
‫بأكملها‪ ،‬مدن قوم لوط اقتلعها بطرف جناح من أجنحته ووصلها إلى السماء‪ ،‬ثم نكسها عليهم بأمر اهلل‪ ،‬وهو حي‬
‫حاضر قادر لو أَم َر ه اهلل أن يحمل النار لحملها وألقاها في المشرق أو المغرب‪ ،‬ولو أذن اهلل له ألخذ إبراهيم وغَّيبه‬
‫عنهم في أي مكان من الدنيا‪ ،‬ولو أمره اهلل أن يرفع إبراهيم إلى السماء لرفعه‪.‬‬
‫إًذا هو حٌّي حاضٌر قادٌر ‪ ،‬هذا ال ينكر كونك تستغيث بحي حاضر قادر‪ ،‬ولكن إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬ما أراد أن يلتفت‬
‫للمخلوق أبًد ا مهما كان قادًر ا‪ ،‬ولو كان قادًر ا يريد أن يتعلق باهلل فقط‪ ،‬وال يتعلق بغيره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النجم آية ‪.5 :‬‬

‫(‪)1/159‬‬

‫وضرب المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬مثال لهذا‪ ،‬قال‪ :‬هذا مثل رجل غني وآخر فقير‪ ،‬واحد فقير ليس عنده شيء من المال‪،‬‬
‫قد يكون عليه ديون‪ ،‬فجاء رجل محسن غني قال‪ :‬تريد أن أقرضك ؟ أعطيك شيًئا من المال تنفق على أهلك وأوالدك‪،‬‬
‫وتقضي به دينك‪ .‬وهو محتاج فقير‪ ،‬لكن تعفف هذا الفقير‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬أنا ما أريد منك‪ ،‬وما أريد من المخلوق ولو كنت‬
‫محتاًج ا‪ ،‬اصبر‪ .‬فصبر حتى يأتيه اهلل برزق من عنده ال مَّنة فيه ألحٍد ‪ ،‬ولو كان هذا الغني محسًنا وعرض عليه قال‪:‬‬
‫صحيح أن أشرك على هذا‪ ،‬لكن ال أريد شيًئا له ال يريد إال من اهلل‪ ،‬يريد أن يأتيه شيء من اهلل‪ ،‬يأتي اهلل برزٍق ال مَّنة فيه‬
‫ألحد‪.‬‬
‫فكذلك جبريل حي حاضر قادر‪ ،‬ويجوز ِإل براهيم أن يستغيث به‪ ،‬لكنه أراد اإلغاثة من اهلل ال من أحٍد من المخلوقين‪،‬‬
‫هذا هو جواب الشبهة‪ ،‬هذا على فرض ثبوتها‪.‬‬
‫والمؤلف استند إليها على فرض ثبوت هذا الجواب‪ ،‬لكنهم استدلوا بها‪ ،‬هذا على صحته‪ ،‬أَّما إذا لم تصح ما فيه‬
‫إشكال‪ ،‬وهذا ال يضر‪.‬‬
‫ولنختم الجواب على هذه الشبهة باآلتي‪:‬‬
‫لقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬حسبي اهلل‬
‫َّلِذ‬ ‫ِق‬
‫ونعم الوكيل " قالها إبراهيم حين ُأْل َي في النار‪ ،‬وقالها محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حينما قالوا‪ { :‬ا يَن َقاَل َلُه ُم‬
‫الَّناُس ِإَّن الَّناَس َقْد َجَم ُعوا َلُك ْم َفاْخَش ْو ُه ْم َفَز اَدُه ْم ِإيَم اًنا َو َقاُلوا َحْس ُبَنا الَّلُه َو ِنْع َم اْلَو ِكيُل (‪.)1( } )173‬‬
‫فحسبنا اهلل‪ ،‬يعني‪ :‬كافينا اهلل‪ ،‬إبراهيم لما ُأْلِق ي قال‪ :‬حسبنا اهلل وهو نعم الوكيل‪ ،‬هذا ثابت في صحيح البخاري‪،‬‬
‫حديث‪ " :‬حسبنا اهلل " يعني‪ :‬كافينا اهلل‪ ،‬جاءت الكفاية من اهلل‪ ،‬الكفاية أسرع من لمح البصر‪ .‬قال اهلل‪ :‬ما هي كفاية اهلل‬
‫فقال اهلل‪ُ { :‬قْلَنا َيا َناُر ُك وِني َبْر ًدا َو َس اَل ًما َعَلى ِإْبَر اِه يَم (‪.)2( } )69‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة آل عمران آية ‪.173 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة األنبياء آية ‪.69 :‬‬

‫(‪)1/160‬‬

‫فكفاه اهلل شر هذه النار وشر األعداء " حسبنا اهلل ونعم الوكيل " يعني‪ :‬اهلل كافيني ونعم الوكيل‪ .‬كفاه اهلل‪.‬‬
‫إًذا‪ ،‬صدق في قوله‪ " :‬حسبنا اهلل ونعم الوكيل "‪ ،‬امتأل قلبه إيماًنا وخشية وكفاية باهلل ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫وقالها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بعد غزوة أحد لما ُأديل العدو على الصحابة‪ ،‬وجاء بعض الناس أن العدو سوف‬
‫يستئصل البقية الباقية من المسلمين‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬حسبنا اهلل ونعم الوكيل " فكفاه اهلل شر‬
‫أعدائه المشركين‪.‬‬
‫اإليمان قول وعمل واعتقاد‬
‫ولنختم الكالم ‪ -‬إن شاء اهلل تعالى ‪ -‬بمسألة عظيمة مهَّم ة جًد ا تفهم مما تقدم‪ ،‬ولكن نفرد لها الكالم لعظم شأنها‪،‬‬
‫ولكثرة الغلط فيها فنقول‪:‬‬
‫ال خالف على التوحيد ال بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل‪ ،‬فإن اختَّل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلًم ا‪ ،‬فإن‬
‫عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند ُكْف رعون وإبليس وأمثالهما‪ ،‬وهذا يغلط فيه كثير من الناس‪ ،‬يقولون‪ :‬هذا‬
‫حق‪ ،‬ونحن نفهم هذا‪ ،‬ونشهد أنه الحق‪ ،‬ولكن ال نقدر أن نفعله‪ ،‬وال يجوز عند أهل بلدنا إال من وافقهم‪ ،‬وغير ذلك‬
‫من األعذار‪ ،‬ولم يدر المسكين أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق‪ ،‬ولم يتركوه إال لشيء من األعذار‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫{ اْش َتَر ْو ا ِبَآَياِت الَّلِه َثَم ًنا َقِلياًل } (‪] )1‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪ ،]9 :‬وغير ذلك من اآليات‪ ،‬كقوله‪َ { :‬يْع ِر ُفوَنُه َك َم ا َيْع ِر ُفوَن‬
‫َأْبَناَءُه ْم } (‪] )2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪. [ 146 :‬‬
‫فإن عمل التوحيد عمال ظاهًر ا‪ ،‬وهو ال يفهمه‪ ،‬وال يعتقده بقلبه‪ ،‬فهو منافق‪ ،‬وهو شر من الكافر الخالص‪ِ { :‬إَّن‬
‫اْلُم َناِفِق يَن ِفي الَّد ْر ِك اَأْلْس َف ِل ِم َن الَّناِر } (‪] )3‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.]145 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة التوبة آية ‪.9 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة البقرة آية ‪.146 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة النساء آية ‪.145 :‬‬

‫(‪)1/161‬‬

‫هذه المسألة كما ذكر المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬مسألة عظيمة‪ ،‬ختم بها هذه الرسالة المفيدة القِّيمة‪ ،‬وهي‪ :‬أن اِإل يمان‬
‫واإلسالم والتوحيد ال بد فيه من القلب واللسان والعمل‪ ،‬وال بد أن يعمل اِإل نسان ويصدق بقلبه ولسانه وجوارحه‪ ،‬ال‬
‫بد من هذا‪ ،‬فإن ترَك شيًئا منها لم يكن مؤمًنا‪.‬‬
‫فإذا عرف اِإل نسان اِإل يمان والتوحيد بقلبه صدق‪ ،‬لكن لم يعمل بجوارحه صار إيمانه كإيمان فرعون وإبليس‪ ،‬ما ينفع‬
‫اِإل يمان !‪ .‬ال بد من إسالٍم يتحقق به اإليمان‪ ،‬وإال صاَر كإيمان فرعون وإبليس‪.‬‬
‫وإبليس معترٌف ‪ ،‬قابل أمر اهلل‪ ،‬بل اعترف باِإل يباء واالستكبار‪ ،‬ففي رفض العمل‪ ،‬وإن كان القلب معترف ومصدق وهو‬
‫ِم‬
‫معترف قال‪َ { :‬قاَل َر ِّب َفَأْنِظ ْر ِني ِإَلى َيْو ُيْبَعُثوَن (‪ )1( } )36‬وقال تعالى‪َ { :‬فَس َج ُد وا ِإاَّل ِإْبِليَس َأَبى َو اْسَتْك َبَر َو َك اَن‬
‫ِم َن اْلَك اِفِر يَن (‪ )2( } )34‬وكذلك فرعون وقومه رُّدوا على موسى وقومه‪َ { :‬فَق اُلوا َأُنْؤ ِم ُن ِلَبَش َر ْيِن ِم ْثِلَنا َو َقْو ُمُه َم ا َلَنا‬
‫َعاِبُد وَن (‪َ )47‬فَك َّذ ُبوُه َم ا َفَك اُنوا ِم َن اْلُم ْه َلِكيَن (‪.)3( } )48‬‬
‫إذا آمن بقلبه وصدق واعترف ولم يعمل بجوارحه‪ ،‬ما صَّح اِإل يمان؛ ألَّنه يكون ما تحقق إيمانه‪ ،‬ما عنده إسالم وال عمل‬
‫يتحقق به‪ ،‬واِإل يمان ال يصح إال بعمل يتحقق به‪ ،‬فإذا لم يعمل بجوارحه واَّدعى أنه مؤمن بقلبه‪ ،‬فال يكون مؤمًنا؛ ألَّن‬
‫إيمانه كإيمان فرعون وكإيمان إبليس‪ ،‬لم يحصل معه إسالم يتحقق به هذا اِإل يمان‪.‬‬
‫وكذلك العكس‪ ،‬إذا اَّدعى اِإل نسان أنه مؤمن‪ ،‬أو عمل بجوارحه‪ ،‬صلى‪ ،‬وصام‪ ،‬وزكى‪ ،‬وحّج ‪ ،‬لكنه لم يصدق في‬
‫الباطن‪ ،‬لم يعترف‪ ،‬لم يؤمن‪ ،‬صار إسالمه كإسالم المنافقين‪ ،‬ال يصح؛ ألن هذا اِإل سالم الظاهر كونه مستسلًم ا ومنقاًدا‬
‫في الظاهر‪ ،‬ال بد فيه من إيمان يصح بعد هذا اإلسالم‪ ،‬وإال صار كإسالم المنافقين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة الحجر آية ‪.36 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة البقرة آية ‪.34 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة المؤمنون آية ‪.48-47 :‬‬

‫(‪)1/162‬‬
‫فمن آمن بقلبه ولم يعمل بجوارحه ال يصح؛ ألن إيمانه كإيمان إبليس وفرعون‪ ،‬ومن عمل بجوارحه ولم يصدق بقلبه‪،‬‬
‫ال يصح؛ ألن إسالمه كإسالم المنافقين‪ ،‬فال بد في اِإل يمان من إسالم وعمٍل يتحقق به هذا اِإل يمان‪ ،‬وال بد في اإلسالم‬
‫من إيماٍن يصح به هذا اِإل سالم‪.‬‬
‫إًذا‪ ،‬ال بد أن يصدق اإلنسان بقلبه‪ ،‬ويعمل بجوارحه‪ ،‬حتى يتحقق هذا اِإل يمان‪ ،‬وإذا عمل بجوارحه‪ .‬إًذا ال بد فيه من‬
‫إيمان يصح به هذا العمل‪ ،‬وإال فال يصح‪.‬‬
‫وهذه مسألة كبيرة مهمة ‪ -‬كما قال المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يقول‪ :‬بعض الناس إذا عَّر فته بالحق ودعوته للعمل به‪،‬‬
‫قال‪ :‬أنا أدري‪ ،‬وأنا عارٌف أنه الحق‪ ،‬لكن ال أستطيع أن أعمل؛ ألن هذا ما يصح عند أهل بلدنا‪ ،‬وال يجوز هذا العمل‬
‫عند أهل بلدنا‪.‬‬
‫قال المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ :-‬لم يدِر هذا المسكين أن أئمة الكفر معترفون بقلوبهم‪ ،‬لكنهم لم يصلوا بجوارحهم‪،‬‬
‫فتخلف العمل لفرض في األغراض هناك عذر من األعذار‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪ { :‬اْش َتَر ْو ا ِبَآَياِت الَّلِه َثَم ًنا َقِلياًل َفَص ُّدوا‬
‫ِب ِلِه ِإ‬
‫َعْن َس ي َّنُه ْم َس اَء َما َك اُنوا َيْع َم ُلوَن (‪ )1( } )9‬اشتروا‪ :‬يعني اعتاضوا عن آيات اهلل ثمًنا قليال‪ ،‬والدنيا كلها ثمٌن قليٌل‬
‫إذا اعتاض عن آيات اهلل الدنيا كلها‪ ،‬صارت الدنيا كلها ثمًنا قليال‪ ،‬اعتاضوا عن آيات اهلل بالمال أو بالرئاسة أو بالجاه‬
‫أو بالمنصب‪ ...‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫وقال ‪-‬سبحانه‪ -‬في اليهود‪ { :‬اَّلِذ يَن َآَتْيَناُه ُم اْلِكَتاَب َيْع ِر ُفوَنُه َك َم ا َيْع ِر ُفوَن َأْبَناَءُه ْم } (‪ )2‬يعني‪ :‬يعرفون الرسول‪ .‬قال‪:‬‬
‫{ َفَلَّم ا َج اَءُه ْم َما َعَر ُفوا َكَف ُر وا ِبِه َفَلْعَنُة الَّلِه َعَلى اْلَك اِفِر يَن (‪.)3( } )89‬‬
‫كونهم يعرفون الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ويصدقونه أنه رسول اهلل حًق ا‪ ،‬فلم تنفعهم معرفتهم تلك‪ ،‬ألنهم ما‬
‫اتبعوا وال انقادوا‪ ،‬فما نفعهم هذا اِإل يمان‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة التوبة آية ‪.9 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة البقرة آية ‪.146 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة البقرة آية ‪.89 :‬‬

‫(‪)1/163‬‬

‫إًذا‪ ،‬ال بد من االنقياد والطاعة واالتباع‪ ،‬فكُّل من ترك العمل بالتوحيد واِإل يمان ال بد له من العذر‪ ،‬أما عذر من خوف‬
‫نقص الدنيا أو نقص المال أو نقص الجاه‪ ،‬يقول بعض الناس‪ :‬أنا أعلم أن هذا هو الحق‪ ،‬لكن أنا ال أستطيع أن أعمل به‪،‬‬
‫أي‪ :‬يأتي بعذر ما‪ .‬هذه مقالة الكَّف ار‪ :‬نعرف أن هذا هو الحق‪ ،‬لكن هناك عذر ما‪ ،‬فال نقدر أن نخالف عادات اآلباء‬
‫واألجداد‪ ،‬أو أنه يحصل عليه نقص في دنياه أو في جاهه‪.‬‬
‫فبدال من أن يكون سيًد ا مطاًعا في القبيلة‪ ،‬أو من تركه نَّز له عن مرتبته خاف من هذا‪ُ ،‬ش ًّح ا بمنصب‪ ،‬أو ُش ًّح ا بماله‪ ،‬أو‬
‫ُش ًّح ا بوطنه ؟ لم يفهم اِإل يمان وحقيقة التصديق‪ ،‬لم يفهمه أو لم يؤمن‪ ،‬ما آمن وال اعترف وال انقاد‪ ،‬مثل المنافقين‬
‫تماًم ا في زمن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كعبد اهلل بن ُأَبّي رئيس المنافقين‪ ،‬يصلي مع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬ويجاهد‪ ،‬وقد انخرط بالجيش يوم أحد‪ ،‬يصلي الجمعة والجماعة مع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لكن ليس عنده‬
‫إيمان‪ ،‬فما نفعه‪.‬‬
‫وكذلك إسالم المنافقين‪ ،‬إسالم بدون إيمان‪ ،‬إسالم في الظاهر‪ ،‬في الجوارح‪ ،‬لكنه في الباطن ليس بمؤمٍن وال منقاد‪ ،‬ما‬
‫ينفع اِإل سالم الظاهر الجوارح لِإل سالم‪.‬‬
‫فاألعمال التي يعملها اإلنسان بجوارحه ال بد فيها من إيمان يصح به هذا اإلسالم‪ ،‬كما أن اِإل يمان الباطن‪ .‬إًذا‪ ،‬فاِّدعاء‬
‫اِإل نسان أنه مؤمن في باطنه ولم يعمل‪ ،‬ما صح اِإل يمان‪ ،‬صار كإيمان فرعون وإبليس‪ ،‬فال بد في هذا اِإل يمان الباطني من‬
‫إسالم يتحقق به هذا اِإل يمان‪ ،‬وإال صار كإيمان إبليس وفرعون‪ .‬وقوله‪ :‬إني ال أستطيع أن أعمل ألجل كذا وألجل كذا‪،‬‬
‫ال يعفيه كل من ترك اِإل يمان له عذر من أعذار الدنيا‪ ،‬مشَّح ة بالحال‪ ،‬أو مشَّح ة بالوطن‪ ،‬أو مشَّح ة برئيسه أو الجاه‪،‬‬
‫فيخاف أن يضيع عليه المنصب‪ ،‬ويخاف أن ينقص ماله‪ ،‬أو يضيع ماله‪ .‬هذا ال يعفيه‪.‬‬
‫العذر بالجهل في أمور العقيدة‬

‫(‪)1/164‬‬

‫وهذه المسألة مسألة كبيرة طويلة َتَتَبَّين لك إذا تأَّملتها في ألسنة الناس‪.‬‬
‫كثير من الناس يقول‪ :‬أنا ما أقدر‪ ،‬أنا ال أستطيع‪ ،‬أنا أعرف هذا حٌق ‪ ،‬لكن ال ينفع العذر‪ ،‬ما أقدر أفعل‪ ،‬أي فيه موانع‪،‬‬
‫وال أعرف أن هذا الحق‪ .‬يقول كونك تعرفها ال يكفي‪ ،‬ما يعفيك حتى تعمل‪ ،‬اعرف واعمل‪ ،‬تؤمن وتحقق هذا اِإل يمان‪.‬‬
‫أما كونك ال تعرف أن هذا هو الحق لكن ما أستطيع العمل ما ينفع‪ ،‬ال بد من إيمان وعمل‪ ،‬معرفة وعمل‪ ،‬فإبليس‬
‫يعرف‪ ،‬وفرعون يعرف‪ ،‬لكن ما عملوا‪ ،‬فال نفعتهم هذه المعرفة‪.‬‬
‫ترك الحق من أجل األمور الدنيوية‬
‫ترى من يعرف الحق ويترك العمل به‪ ،‬لخوف نقص دنيا‪ ،‬أو جاه‪ ،‬أو مداراة‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬خوف نقص منصب‪ ،‬أو نقص مال‪ ،‬أو ألجل مداراة الناس حتى يداريهم‪ ،‬حتى ما يحصل بينه وبينهم خصومة أو‬
‫نزاع‪ ،‬حتى يكون موافًق ا لهم يداريهم‪ ،‬ما ينفع‪ ،‬ما يعفيه هذا‪.‬‬
‫العمل بالظاهر دون الباطل نفاق‬
‫وترى من يعمل به ظاهًر ا ال باطًنا‪...‬‬
‫كالمنافقين‪ ،‬يعملون في الظاهر‪ ،‬لكن في الباطن غير مصدق‪.‬‬
‫مداراة الناس في أمور العقيدة‬
‫فإذا سألته عما يعتقد فإذا هو ال يعرفه‪.‬‬
‫ال يعرفه‪ ،‬أو ال يستفاد‪ ،‬يقول‪ :‬أنا أعمل من أجل موافقة الناس‪ ،‬وال أعرف أن هذا العمل‪ ،‬ما أعترف به وال أوافق عليه‪،‬‬
‫لكن أعمل به مجاراة للناس ِلَّلِه هذا ما يعفيه‪ ،‬وهذا ما ينفعه‪ ،‬مداراة أو مداهنة‪ ،‬كليهما ال يجوز‪ :‬المداراة والمداهنة في‬
‫دين اهلل‪ ،‬خصوًص ا في هذا األمر‪.‬‬
‫أما المداراة في بعض المسائل‪ ،‬وهي عدم اِإل نكار على الفاسق أو العاصي خوًفا من شره في بعض األحيان‪ ،‬تؤجل إلى‬
‫وقت آخر‪ ،‬فال بأس بها‪ ،‬كما ثبت عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬دخل عليه رجل‪ ،‬فلما استأذن فأذن له " بئس‬
‫أخو العشيرة أو ابن العشيرة " ثم لما دخل أالن له الكالم‪ ،‬فقالت عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ :-‬إن أشر الناس من تركه‬
‫الناس اتقاء ُفحشه‪.‬‬
‫(‪)1/165‬‬

‫إذا كان صاحب شر ثم داريت ال بأس‪ ،‬أما المداهنة ال‪ ،‬معناها معاشرة الفاسق‪ ،‬معاشرة الناس وإقراره على المنكر‪،‬‬
‫وعدم اإلنكار عليه‪ ،‬هذا ال يجيز لك المداهنة‪.‬‬
‫ولهذا قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬لنبيه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ { -‬و ُّدوا َلْو ُتْد ِه ُن َفُيْد ِه ُنوَن (‪ )1( } )9‬يعني‪ :‬الكفار لو‬
‫تداهنهم في دين اهلل فيداهنون لك‪ ،‬خالف المداراة‪ ،‬مداراة جائزة‪ ،‬دفع شر الفاسق‪ ،‬وهي ِإالنة القول له‪ ،‬وعدم‬
‫اِإل غالظ له؛ مداراة له‪ ،‬أما المداهنة معناها‪ :‬إقرار الفاسق على منكره مداهنة له‪ ،‬وهذه مسألة‪ ،‬كذلك كون ترك العمل‬
‫من أجل المداراة ما يصلح مداراة أو مداهنة‪.‬‬
‫تكفير المستخفين بأمور العقيدة‬
‫ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب اهلل‪:‬‬
‫أولهما‪:‬‬
‫ما تقدم من قوله‪ { :‬اَل َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم } (‪] )2‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪ ،]66 :‬فإذا تحققت أن بعض‬
‫الصحابة الذين غزوا الروم مع الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزح‪،‬‬
‫تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر‪ ،‬أو يعمل به خوًفا من نقص ماٍل أو جاٍه‪ ،‬أو مداراًة ألحٍد ‪ ،‬أعظم ممن يتكلم بكلمٍة يمزح‬
‫بها‪.‬‬
‫وهذه المسألة مهمة‪ ،‬فيقول المؤلف‪ :‬تدَّبر هذه اآلية وهي قوله ‪-‬تعالى‪ -‬في الجماعة الذين تكَّلُم وا بهذه الكلمات في‬
‫ِذ‬ ‫ِلِه‬ ‫ِب ِه ِتِه‬
‫غزوة الروم‪ ،‬في غزوة تبوك عند غزو الروم‪ُ { :‬قْل َأ الَّل َو َآَيا َو َرُس و ُك ْنُتْم َتْس َتْه ِز ُئوَن (‪ )65‬اَل َتْعَت ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم‬
‫َبْع َد ِإيَم اِنُك ْم } (‪ )3‬فأثبت لهم الكفر بعد اِإل يمان؛ بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب‪ ،‬قالوا‪ :‬إن الصحابة‬
‫يأكلون كثيًر ا ويكذبون ويجبنون عند اللقاء‪ ،‬قالوا هذه الكلمة على وجه المزاح واللعب حتى يقطعوا الطريق‪ ،‬فلم‬
‫يعذرهم اهلل وكَّف رهم بعد إيمانهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة القلم آية ‪.9 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة التوبة آية ‪.66 :‬‬
‫(‪ - )3‬سورة التوبة آية ‪.66-65 :‬‬

‫(‪)1/166‬‬

‫إذا كان اِإل نسان يتكلم بكلمة الكفر على وجه المزح واللعب يكون كافًر ا وال يعذر‪ ،‬فكيف بالذي يتكلم بكلمة الكفر‬
‫من أجل خوف نقص مال‪ ،‬أو خوف من نقص جاه‪ ،‬أو مداراة ومداهنة؟! يكون كفره أعظم ِلَّلِه ِلَّلِه ِلَّلِه من باب أولى‬
‫يكون كافًر ا‪.‬‬
‫إذا كان الذي يتكلم بكلمة الكفر مازًح ا على وجه المزح واللعب يكفر‪ ،‬فالذي يتكلم بكلمة الكفر خوًفا من نقص مال‪،‬‬
‫أو خوًفا من نقص جاه‪ ،‬أو مداراة يكون كفره من باب أولى‪ .‬هذه مهمة‪ ،‬يقول المؤلف‪ :‬تدَّبر هذه اآلية‪.‬‬
‫عذر من كفر في حالة اإلكراه‬
‫واآلية الثانية‪:‬‬
‫ِب‬ ‫ِئ ِب ِن ِك‬ ‫ِب ِه ِم ِد ِنِه‬
‫قوله تعالى‪َ { :‬مْن َكَف َر الَّل ْن َبْع ِإيَم ا ِإاَّل َمْن ُأْك ِر َه َو َقْلُبُه ُمْطَم ٌّن اِإْل يَم ا َو َل ْن َمْن َش َرَح اْلُكْف ِر َص ْد ًر ا َفَعَلْيِه ْم‬
‫ِد‬ ‫ِخ ِة‬ ‫ِل‬ ‫ِظ‬ ‫ِم ِه‬
‫َغَض ٌب َن الَّل َو َلُه ْم َعَذ اٌب َع يٌم (‪َ )106‬ذ َك ِبَأَّنُه ُم اْسَتَح ُّبوا اْلَحَياَة الُّد ْنَيا َعَلى اَآْل َر َو َأن الَّلَه اَل َيْه ي اْلَق ْو َم‬
‫اْلَك اِفِر يَن (‪] )1( } )107‬سورة النحل‪ ،‬االيتان‪.]107 ،106 :‬‬
‫فلم يعذر اهلل من هؤالء إال من أكره‪ ،‬مع كون قلبه مطمئًنا باِإل يمان‪ ،‬وأما غير هذا‪ ،‬فقد كفر بعد إيمانه‪ ،‬سواء فعله‬
‫خوًفا‪ ،‬أو مداراًة‪ ،‬أو مشَّح ة بوطنه‪ ،‬أو أهله‪ ،‬أو عشيرته‪ ،‬أو ماله‪ ،‬أو فعل على وجه المزح‪ ،‬أو لغير ذلك من األغراض‬
‫إال الُم ْك َر ه‪.‬‬
‫واآلية تدُّل على هذا من جهتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬قوله‪ِ { :‬إاَّل َمْن ُأْك ِر َه } (‪ )2‬فلم يستثِن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬إال الُم ْك َر ه‪ ،‬ومعلوٌم أن اإلنسان ال يكره إال على العمل أو‬
‫الكالم‪ ،‬وأما عقيدة القلب فال ُيْك َر ه أحٌد عليها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النحل آية ‪.107-106 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النحل آية ‪.106 :‬‬

‫(‪)1/167‬‬

‫والثاني‪ :‬قوله تعالى‪َ { :‬ذِلَك ِبَأَّنُه ُم اْسَتَح ُّبوا اْلَحَياَة الُّد ْنَيا َعَلى اَآْلِخ َر ِة } (‪ )1‬فصَّر ح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن‬
‫بسبب االعتقاد أو الجهل‪ ،‬أو الُبغض للدين‪ ،‬أو محبة الكفر‪ ،‬وإَّنما سببه أن له في ذلك حًّظا من حظوظ الدنيا‪ ،‬فآثره‬
‫على الدين‪ ،‬واهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أعلم‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫هذه اآلية أيًض ا آية عظيمة كما قال المؤلف ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬يجب على المسلم أن يتدبرها‪ ،‬وهي قول اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬في‬
‫سورة النحل ] ‪َ { [ 107 ،106‬مْن َكَف َر ِبالَّلِه ِم ْن َبْع ِد ِإيَم اِنِه ِإاَّل َمْن ُأْك ِر َه َو َقْلُبُه ُمْطَم ِئٌّن ِباِإْل يَم اِن َو َلِكْن َمْن َش َرَح ِباْلُكْف ِر‬
‫َص ْد ًر ا َفَعَلْيِه ْم َغَض ٌب ِم َن الَّلِه َو َلُه ْم َعَذ اٌب َعِظ يٌم (‪َ )106‬ذِلَك ِبَأَّنُه ُم اْسَتَح ُّبوا اْلَحَياَة الُّد ْنَيا َعَلى اَآْلِخ َر ِة َو َأن الَّلَه اَل‬
‫َيْه ِد ي اْلَق ْو َم اْلَك اِفِر يَن (‪ )2( } )107‬وهي أن من كفر فإنه ال ُيعذر في الكفر إال في حالة واحدة‪ ،‬وهي حالة اِإل كراه‬
‫بشرط أن يكون قلبه مطمئًنا باِإل يمان‪ ،‬فإذا ُأكره بأن ُو ِض َع السيف على رقبته‪ ،‬وقيل له‪ :‬اكفر‪ ،‬وإال قتلتك‪ ،‬جاز له أن‬
‫يتكلم بكلمة الكفر أو يفعل الكفر‪ ،‬إذا هَّدده من هدده‪ ،‬إنسان أو سلطان أو ظالم‪ ،‬بأن يقول كلمة الكفر قادر على‬
‫التنفيذ‪ ،‬ثم تكلم بكلمة الكفر أو ِفْع ل كفر وقلبه مطمئن باِإل يمان‪ ،‬هذا معذور‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النحل آية ‪.107 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النحل آية ‪.107-106 :‬‬

‫(‪)1/168‬‬
‫وهذا الشرط " اإلكراه "‪ ،‬بشرط أن يكون قلبه مطمئًنا باِإل يمان‪ ،‬فإن انشرح صدره للكفر‪ ،‬كفر‪ .‬ولو أكره؟ نعم‪ ،‬لو‬
‫أكره‪ .‬لو ُأْك ِر ه ثم انشرح صدره للكفر‪َ ،‬كَف ر‪ ،‬لكن ال بد أن يكون ُمْك َر ًه ا ويكون قلبه مطمئًنا باِإل يمان‪ ،‬فهذا معذور‪ ،‬أما‬
‫غير المكره فال يكون معذوًر ا‪ ،‬إذا كان في حالة الِّس َعة ثم تكلم بكلمة الكفر‪ ،‬كفر‪ .‬إذا كان حال الخوف الخائف خائًف ا‬
‫لكن ما أكثره ال يكون مذعوًر ا إذا تكلم بكفر وفعل خائف فال يكون معذوًر ا‪ ،‬متى يكون معذوًر ا؟ في حالة اإلكراه‬
‫فقط‪ ،‬بشرط أن يكون قلبه مطمئًنا باِإل يمان‪ ،‬فإن لم يطمئن قلبه باِإل يمان وانشرح صدره للكفر‪ ،‬كفر‪ .‬حتى مع اِإل كراه‪،‬‬
‫واآلية تدُّل على هذا من وجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬قال‪ِ { :‬إاَّل َمْن ُأْك ِر َه } (‪ )1‬فلم يستثن إال المكره‪ ،‬فغير المكره ‪ -‬كالخائف وغير‬
‫الخائف ‪ -‬ال يكون معذوًر ا‪.‬‬
‫والحالة الثانية‪ :‬قوله تعالى‪َ { :‬و َلِكْن َمْن َش َرَح ِباْلُكْف ِر َص ْد ًر ا َفَعَلْيِه ْم َغَض ٌب ِم َن الَّلِه َو َلُه ْم َعَذ اٌب َعِظ يٌم (‪)2( } )106‬‬
‫فاألمر الثاني يقول‪ :‬أنهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة‪ ،‬يعني‪ :‬أن الذي حملهم على ذلك هو أن لهم حًّظا من‬
‫حظوظ الدنيا‪ ،‬فبَّين أن كفرهم ليس عن جهل‪ ،‬وال عن اعتقاد‪ ،‬وال عن بغض الدين‪ ،‬وإَّنما الذي حملهم على ذلك أن‬
‫لهم حًظا من حظوظ الدنيا‪ ،‬قال ذلك أنهم استحبوا الحياة الدنيا على اآلخرة‪ ،‬وأن اهلل ال يهدي القوم الكافرين‪.‬‬
‫األمر خطير‪ ،‬األمر جد خطير‪ ،‬كون اِإل نسان يتكلم كلمة الكفر أو يعمل الكفر‪ ،‬ال يكون معذوًر ا‪ ،‬حتى ولو كان خائًف ا‪،‬‬
‫ال يكون معذوًر ا في أي حالة من الحاالت‪ ،‬إال في حالة اِإل كراه‪ ،‬ومعلوم أن اِإل نسان ال يكره إال على الكالم أو على‬
‫العمل‪ ،‬لكن ال يكره على العقيدة في القلب؛ فعقيدة القلب ال يقدر عليها أحد إال اهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النحل آية ‪.106 :‬‬
‫(‪ - )2‬سورة النحل آية ‪.106 :‬‬

‫(‪)1/169‬‬

‫فإذا ُأكره وتكلم بكلمة الكفر‪ ،‬نعم يكره بلسان‪ ،‬أو يكره على العمل‪ ،‬يكره على عقيدة القلب‪ ،‬ال يقدر إال اهلل‪.‬‬
‫فإذا ُأكره وقلبه مطمئن باِإل يمان وشرح باِإل يمان‪ ،‬فالحمد هلل هذا ال يضّر ‪ ،‬أما إذا انشرح صدره بالكفر‪ ،‬كفر‪ ،‬حتى مع‬
‫اِإل كراه‪ ،‬فإذا تكلم بكلمة الكفر ال من أجل اِإل كراه‪ ،‬من أجل الُّش ح بأهله‪ ،‬أو الُّش ح بوطنه‪ ،‬أو الُّش ح بماله‪ ،‬أو الُّش ح‬
‫بعشيرته‪ ،‬كفر‪ ،‬وال يكون معذوًر ا؛ ألنه لم يأِت االستثناء إال في هذه السورة‪.‬‬
‫اإلكراه بشرط اطمئنان القلب‪ ،‬ال بد من األمرين مًعا‪ :‬اِإل كراه واطمئنان القلب‪ ،‬فإذا تخَّلف واحد منهما فقد كفر‪ ،‬إذا‬
‫أكره ولم يطمئن قلبه باِإل يمان كفر‪ ،‬إذا اطمأَّن قلبه باِإل يمان وتكلم بكلمة الكفر ال عن إكراه‪ ،‬قد كفر أيًض ا‪.‬‬
‫فاإلكراه قلنا إما يقال‪ :‬اكفر وإال قتلناك في الحال‪ ،‬أو يهدد بالقتل من إنسان قادر على التنفيذ‪ ،‬ويغلب على ظنه أنه‬
‫ينفذ‪ ،‬كأن يهدده سلطان‪ ،‬أو يهدده ظالم في مكان ما‪ ،‬ما عنده أحد يقول له‪ :‬اكفر أو اسجد لصنم وإال تكلم بكلمة‬
‫الكفر‪ ،‬وإال قتلناك؛ ألن هذا ُمْك َر ه تكلم أو فعل وقلبه مطمئن باِإل يمان ال يضره‪.‬‬
‫أما إذا كان حاله خائًف ا‪ ،‬ما وصل إلى حد اِإل كراه‪ ،‬فال ُيعفى هذا‪ ،‬وال يكون عذًر ا له‪ ،‬أو خائف من هذه إنسان في مكان‬
‫ما‪ ،‬قال له‪ :‬اكفر‪ ،‬وإال أخذُت ماَلك‪ ،‬فإذا كفرت تركت لك المال‪ ،‬ما ُيعفى هذا ما يكون له عذًر ا‪ ،‬يذهب المال وال‬
‫يكفر وال يتكلم‪.‬‬
‫هذه مسألة أخرى الكالم في الجواز‪ :‬هل يجوز أن يتكلم بكلمة الكفر‪ ،‬أو ال يجوز إذا ُأْك ِر ه؟ يجوز‪ ،‬لكن إذا اختار‬
‫عدم الكالم بكلمة الكفر ولو قتل‪ ،‬قال‪ :‬أنا ما أتكلم بكلمة الكفر ولو أكرهت‪ ،‬صبر‪ ،‬مثل ما جاء في الحديث‪ " :‬أفضل‬
‫الجهاد كلمُة حٍّق عند سلطاٍن جائر "‪.‬‬

‫(‪)1/170‬‬

‫واإلمام أحمد ‪ -‬رحمه اهلل تعالى ‪ -‬له رخصة‪ ،‬لكن ما أراد الرخصة‪ ،‬ولهذا ترخص قرائنه أمثاله من العلماء‪ ،‬لكن هو ما‬
‫أراد‪ ،‬خشي أن يضل كثيًر ا من الناس لما رآه الناس ينتظرون كالم اِإل مام أحمد معهم أقالم وأدوات ويريدون أن يكتبوا‪.‬‬
‫فاِإل مام أحمد خاف أن يضلهم‪ ،‬فصبر على الفتنة‪ ،‬وله رخصة‪ ،‬لكنه إذا قال اِإل نسان أنا ال أريد الرخصة‪ ،‬يريد أن يحمل‬
‫نفسه على الشدة‪ ،‬يتخير األمر األشد‪ ،‬فال بأس لو قال له اإلنسان‪ :‬اكفر وإال قتلناك‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬اقتلني وال أكفر‪ ،‬هذا ما‬
‫عمل بالرخصة‪ ،‬أخًذ ا باألمر األشد‪ ،‬وأجره على اهلل ‪-‬تعالى‪ ،-‬لكن هل يجوز له أن يترخص أو ال يجوز؟ يجوز أن‬
‫يترَّخص‪ ،‬فيترخص في هذه الحالة إذا ُأكره وقلبه مطمئن باِإل يمان‪ ،‬كما سمعت اهلل يقول‪ { :‬اَل َتْعَتِذ ُر وا َقْد َكَف ْر ُتْم َبْع َد‬
‫ِإيَم اِنُك ْم } (‪ )1‬أثبت لهم كفًر ا بعد اِإل يمان من أجل الكلمات التي مزحوا بها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬هذا في شرع من كان قبلنا‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬أنه َم َّر رجالن على قوٍم لهم صنم‪ ،‬أخذوا يقدمون له شيًئا‪ ،‬فأمر أحدهم فقال له‪ :‬قرب‪ .‬قال ما عندي شيء أقرب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬قرب ولو ذباًبا‪ ،‬ال مانع جاهز‪ ،‬لما قالوا‪ :‬قرب ذباًبا‪ ،‬قال‪ :‬إذا كان يرضيكم الذباب سهلة‪ ،‬ما عندهم ممانعة وغير‬
‫أنهم ما وصلوا على حد اِإل كراه‪ ،‬فظاهره هذا وال في شرع من كان قبلنا قد قال‪ :‬إنه ليس رخصة في اِإل كراه‪.‬‬
‫وثالًثا‪ :‬لو سلمنا أن هذا عام فنقول‪ :‬إن ظاهره ما وصل إلى حد اإلكراه؛ ألن هذا الذي قالوا قرب ما مانع ما فيه‬
‫ممانعة‪ ،‬ما حصل بينه وبينهم ممانعة تصل إلى حد اإلكراه‪ ،‬واألحناف غَّلطوا‪ ،‬يعني إذا غلط األحناف نحن ملزمون‬
‫بأغالطهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة التوبة آية ‪.66 :‬‬

‫(‪)1/171‬‬

‫األحناف ليسوا معصومين‪ ،‬غلطانين‪ ،‬غلطوا في هذا‪ ،‬دخلوا في ُمَس َّم ى اِإل يمان‪ ،‬وإن قال األحناف‪ :‬هل تريد أن تحتج‬
‫بقول على النصوص أو تريد أن تحتج على األحناف أيهم األهم ؟ كالم األحناف أو كالم النصوص؟ فالنصوص حجة‬
‫على األحناف وعلى غيرهم‪ ،‬األحناف غلطوا في هذا‪ ،‬لكن األحناف في هذا يقولون لكن ما نسميها إيمانا وال األعمال‬
‫واجبة الخالف في التسمية فقط‪ ،‬لكن غلطوا في هذا‪.‬‬
‫النصوص سمتها إيمانا‪ ،‬والواجب التأُّدب مع النصوص‪ ،‬فيجب على األحناف وغيرهم التأُّدب مع النصوص‪ ،‬ويسمونها‬
‫إيمانا‪ ،‬كما يسميها اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬إيمانا‪ ،‬لكن له آثار ما هي بالعظمى من جميع الوجوه‪.‬‬
‫األسئلة‬
‫س‪ :‬إذا كانت االستغاثة بالحي القادر جائزة‪ ،‬فلماذا أنكر رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على من قالوا‪ :‬نستغيث‬
‫برسول اهلل من هذا المنافق ؟‬
‫الجواب‪ :‬هذا األثر فيه بعض الضعف‪.‬‬
‫وثانًيا على فرض صحته؛ فمراد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من هذا‪ :‬الكمال وأنه كالجائر‪ ،‬ما كان يريد ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬حتى سّد الذريعة من باب سد الذرائع‪ ،‬قال إنه لم يكن من باب الكمال من باب سد الذرائع‪.‬‬
‫واالستغاثة بالحي القادر جائزة بنص القرآن من باب سد الذريعة؛ حتى ال يندرج بهم الحال إلى أن يستغيث االستغاثة‬
‫المنهي عنها‪ ،‬االستغاثة الشركية‪ ،‬مع أن الحديث فيه ضعف‪ ،‬وتكلموا فيه‪ ،‬ولكن على فرض صحته‪ ،‬فالمراد سد الذريعة‬
‫والكمال‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫س‪ :‬هل ُيَق ّر علي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على من فعله بتحريقهم بالنار ؟‬

‫(‪)1/172‬‬

‫الجواب‪ :‬هذا من باب االجتهاد من شدة حنقه وغيظه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬على التحريق بالنار كذلك الِّص ِّديق ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪ -‬ثبت أنه حرق جماعة من أهل الِّر َد ة‪ ،‬وكذلك خالد بن الوليد‪ ،‬ولكن الصواب أنه ال يجوز الحريق بالنار‪،‬‬
‫ويحتمل أن النص لم يبلغ علًّيا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وإال قد ثبت في صحيح البخاري أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫لما أمر بإحراق رجلين قال‪ " :‬لقيتم فالن وفالن فاحرقوهما بالنار " ثم قال لهم بعد ذلك‪ " :‬ال‪ ،‬إذا لقيتموهما‬
‫فاقتلوهما؛ فإنه ال يعذب بالنار إال رب النار "‪.‬‬
‫فدَّل ذلك على أنه ال يجوز الحريق بالنار‪ ،‬ولهذا قال ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬لما قيل‪ :‬إن علًّيا ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬حرق بالنار‪ ،‬قال‪ :‬لو كنت أنا مكانه لقتلت بالسيف لقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬ال يعذب بالنار إال رب‬
‫النار " هذا الحتمال أن النص خفي َعَلى علٍّي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ويحتمل أنه من شدة حنقه وغيظه عليهم بسبب غلوهم‬
‫فيه حَّر قهم بالنار‪ ،‬وإال فالصواب أن الحريق بالنار ال يجوز؛ ألن هذا من خصائص اهلل‪.‬‬
‫ومثل ذلك أيًض ا تحريق الحيوانات أو الدواب أو الناس إذا كان هناك بعض يحرقه ِبَج ْع ل ناموسية من الكهرباء‪ ،‬هذا‬
‫تعذيب بنار‪ ،‬ينبغي قتل الناموس بغير الكهرباء؛ ألن الكهرباء نار‪.‬‬
‫س‪ :‬إن الذي يقول كلمة الكفر وقلبه مطمئن باإليمان ولكن قالها خوًفا على عرضه أو أهله‪ ،‬فهل هذا يكفر ؟‬
‫الجواب‪ :‬لم يستثن اهلل إال المكره‪ ،‬ما استثنى اهلل إال بنص القرآن‪ِ { :‬إاَّل َمْن ُأْك ِر َه } (‪ )1‬أما الخائف فال يستثنى‪ ،‬ال بد‬
‫أن يصل إلى درجة اِإل كراه‪ .‬إذا كان مكرًه ا‪ ،‬وقلبه مطمئن باإليمان‪ ،‬هذا هو المعذور‪ ،‬وأما غيره فال ُيْع َذ ر‪.‬‬
‫فاِإل كراه بالقتل أو التهديد من قادر بقلب على الظن التنفيذ ظاهره أنه وصل إلى حد اإلكراه إذا عذب فهذا أكره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ - )1‬سورة النحل آية ‪.106 :‬‬

‫(‪)1/173‬‬
‫س‪ :‬هل يجوز للُم ْك َر ه أن يترَّخص بقول كلمة الكفر حتى ولو وصلت كلمة الكفر إلى سِّب اهلل ورسوله ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬؟‬
‫الجواب‪ :‬كلمة الكفر عاَّمة‪ ،‬ما دام ُأْك ِر ه وقلبه مطمئن باِإل يمان‪ ،‬فال يضره‪.‬‬

‫(‪)1/174‬‬

You might also like