Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيد المرسلين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
فقد ظهرت جماعة يسمون »حزب التحرير« يحّرفون دين ال وينشرون الباطيل ويثيرون
الخلفات التي ل معنى لها .وقد أسس هذا الحزب رجل يسمى تقي الدين النبهاني ادعى الجتهاد
وخاض في الدين بجهل ،فوقع في التحريف والتكذيب لكتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم،
وخرق الجماع في مسائل من أصول الدين وفروعه.
س في الدين ويحرفه ويفتري على ال ورسوله واجب فقد قمنا بنشر هذا
وبما أن التحذير ممن يد ّ
الكتاب الذي يبين فيه مؤلفه بعض فساد هذا الحزب.
هو تقي الدين بن إبراهيم النبهاني ،ولد بقرية إجزم بقضاء حيفا بفلسطين سنة 1327هـ ـ 1909ر.
غادر بلده بعد نكبة 1948ر فاستقر ببيروت ،وأنشأ عام 1952ر حزب التحرير الذي دعا بزعمه
لقيام الدولة السلمية التي يراها هو ،وأخذ يبث دعوته وأفكاره المنحرفة كما سيمر في هذا الكتاب
ل بين الردن وسورية ولبنان ،فانخدع به من ل علم عنده فتابعوه على سوء معتقده وءارائهمتنق ً
التي شذ بها عن سائر المة.
ومؤلفاته التي دّون فيها أفكاره تدل على أنه لم يكن على منهج أهل السنة والجماعة ،وهذا ل يخفى
على ذي عينين لمن طالع هذا الكتيب الذي فيه بيان حقيقة هذا الحزب بإحالة ما ننقله عن رئيسهم
إلى كتبه حتى يكون القارئ على بينة ،وال ولي التوفيق.
الحمد ل رب العالمين ،والصلة والسلم على سيد المرسلين محمد ،وعلى ءاله وصحبه الطيبين
الطاهرين وبعد:
فإنه ظهرت جماعة من الناس يسمون »حزب التحرير« يحّرفون دين ال ،وينشرون الباطيل،
ويثيرون الخلفات التي ل معنى لها .وقد أسس هذا الحزب رجل يسمى تقي الدين النبهاني ادعى
الجتهاد وخاض في الدين بجهل ،فوقع في التحريف والتكذيب لكتاب ال وسنة رسوله صلى ال
عليه وسلم ،وخرق الجماع في مسائل من أصول الدين وفروعه.
فقياًما مّنا بالواجب الذي افترضه ال علينا وهو المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ونصح
المسلمين وتحذيرهم من هذا الحزب وأقواله كتبنا هذه الوراق على وجه الختصار ذاكرين أقوالهم
ومفندين ءاراءهم ،محتجين عليهم بالكتاب والسنة وإجماع المة وأقوال العلماء فإن التحذير من أهل
س في
الضلل أمر واجب ،فكما أن التحذير ممن يغش المسلمين في السلع واجب ،فالتحذير ممن يد ّ
ن منُكم أّمٌة
الدين ويحرفه ويفتري على ال ورسوله واجب من باب أولى ،قال ال تعالى} :ولتُك ْ
ن عن المنكِر{ ]سورة ءال عمران ،[104/وقال أبو ف وينَهو َ
ن بالمعرو ِ
ن إلى الخيِر ويأمرو َ
يدعو َ
علي الدقاق» :الساكت عن الحق شيطان أخرس«.
يقول زعيمهم تقي الدين النبهاني في كتابه المسمى الشخصية السلمية) ( ما نصه» :وهذه الفعال
ـ أي أفعال النسان ـ ل دخل لها بالقضاء ول دخل للقضاء بها ،لن النسان هو الذي قام بها بإرادته
واختياره ،وعلى ذلك فإن الفعال الختيارية ل تدخل تحت القضاء« اهـ ،ويقول في نفس الكتاب) (
ما نصه» :فتعليق المثوبة أو العقوبة بالهدى والضلل يدل على أن الهداية والضلل هما من فعل
النسان وليسا من ال« ا.هـ ،وكذا يذكر في كتابه المسمى بـ» :نظام السلم«) (.
الرد:
هذا الكلم مخالف للقرءان والحديث وصريح العقل .فأما القرءان فقد قال ال تعالى} :وخَلقَ كلّ
ل خلقكم وما تعملون{ ]سورة الصافات،[96/ شىٍء فقّدَره تقديًرا{ ]سورة الفرقان ،[2/وقال}:وا ُ
ل شىٍء خلقناه بقَدر{ ]سورة القمر ،[49/والشىء هنا شامل لكل ما يدخل في الوجود من وقال}:إّنا ك ّ
أجسام وحركات العباد وسكونهم ،ما كان منها اختيارّيا وما كان منها اضطرارّيا ،والفعال
الختيارية أكثر بكثير من غير الختيارية .فلو كان كل فعل اختياري من العباد بخلق العبد لكان ما
يخلقه العبد من أعماله أكثر مما يخلقه ال من أعمال العباد ،والشىء معناه في اللغة الموجود ،وهذه
العمال أعمال النسان الختيارية موجودة.
فثبت أن قول النبهاني هو رّد للنصوص القرءانية والحديثّية ،قال ال تعالى}:فمن يهدي من أض ّ
ل
ل بها من تشآُء{ضّ
ل فتنُتك ت ِ
ل{ ]سورة الروم ،[29/وقال تعالى إخباًرا عن موسى }:إن هي إ ّ ا ُ
ل يهدي من يشآُء{ ]سورة نا َ
ت ولك ّ]سورة العراف ،[155/وقال تعالى }:إّنك ل تهدي من أحببْ َ
ل بها َمن تشآُء
ضّ
القصص ،[56/أي ل يخلق الهتداء في قلوب العباد إل ال .وفي قوله تعالى ُ}:ت ِ
وتهدي من تشآُء{ تصريح ظاهر بأن ال هو الذي يخلق الهتداء في قلوب من شاء أن يهديهم،
ل بها من تشآُء{ إل أنضّوالضللة في قلوب من شاء أن يضلهم ،ول معنى في اللغة لقوله تعالى }:ت ِ
ال يخلق الضللة في قلب من يشاء ،وأنه يخلق الهتداء في قلب من يشاء هو أي ال ،لن الضمير
ل{ وقوله }:تشآُء{ ل مرجع له إل إلى ال ،ول يحتمل إرجاعه إلى العبد .فما ذهب ضّ
في قوله ُ}:ت ِ
إليه حزب التحرير معارضٌة ظاهرة لكتاب ال.
ل{ ]سورة البقرة ،[102/أي إل بمشيئته ،لن نا ِ حٍد ِإلّ ِبِإْذ ِ
ن َأ َ
ن ِبِه ِم ْ
ضآّري َ
وقال تعالىَ}:وَما ُهم ِب َ
الذن هنا ل يصح تفسيره بالمر لن ال ل يأمر بالفحشاء ،فتعين تفسيره هنا بالمشيئة ،والسحر من
الفعال الختيارية.
ك ُق ْ
ل عنِد َ
ن ِ سّيَئٌة َيُقوُلوْا َهِذِه ِم ْ
صْبُهْم َل َوِإن ُت ِعنِد ا ِ ن ِ سَنٌة َيُقوُلوْا َهِذِه ِم ْ
حَ
صْبُهْم َ
وقال تعالى َ}:وِإن ُت ِ
حيل بينهم وبين ما يشتهون{ ]سورة سبأ،[54/ ل{ ]سورة النساء ،[78/وقال }:و ِ عنِد ا ِ ن ِ ل ّم ُْك ّ
ل ُيِريُد َأن ُيْغِوَيُكْم{ ]سورة النعام [34/وقال َ}:كَذِلكَ َزّيّنا نا ُ وقال ] {}:سورة هود[ ،وقال ِ}:إن َكا َ
صاِرِهْمعَلى َأْب َسْمِعِهْم َو َعَلى َ عَلى قُُلوِبهْم َو َ
ل َ خَتَم ا ُ عَمَلُهْم{ ]سورة البقرة ،[108/وقالَ } : ل ُأّمٍة َ ِلُك ّ
عَلْيَها ِبُكْفِرِهْم{ ]سورة يونس ،[155/وقال َ}:وَما َكا َ
ن ل َطَبَع ا ُ ل َشاَوٌة{ ]سورة النساء [7/وقال َ}:ب ْ غَ ِ
ل َر ّ
ب شاء ا ُ ل َأن َي َ
ن ِإ ّشآُءو َ ل{ ]سورة التكوير ،[100/وقال َ}:وَما َت َ نا ِ ن ِإلّ ِبِإْذ ِ
س َأن ُتْؤِم َ ِلَنْف ٍ
س ُهَداَها{ ]سورة السجدة [13/وقال : ل َنْف ٍ
شْئَنا لَتْيَنا ُك ّن{ ]سورة السجدة ،[29/وقالَ}:وَلْو ِ اْلَعاَلِمي َ
ن َوَزّيَنُه ِفي ُقُلوِبُكْم{ ]سورة الحجرات ،[7/إلى سائر ما ورد في كتاب ال عّز ليَما َب ِإَلْيُكُم ا ِ
حّب َ}َ
ل هو المعطي بمّنه وفضله من يشاء من عبيده اليمان وهو ل في هذا المعنى من أن ال عّز وج ّ وج ّ
محببه إليه ومزّينه في قلبه وهاديه إلى الصراط المستقيم ،وأن ال ختم على قلوب بعض عباده ،وأن
أحًدا ل يستطيع أن يعمل غير ما كتب له ،وأنه ل يملك لنفسه وغيره نفًعا ول ضّرا إل ما شاء ال،
ل ثناؤه وإرادته ،وأنه ل يقع لبشر قول ول عمل ول نية إل وأن أفعال العباد كلها تقع بمشيئة ال ج ّ
بمشيئته تعالى وإرادته.
وأما مخالفته للحديث فقد روى مسلم في صحيحه والبيهقي وغيرهما) ( أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال »:كل شىء بقدر حتى العجز والكيس« ،والعجز :البلدة ،والكيس :الذكاء ،وقال
صلى ال عليه وسلم »:إن ال صانع كل صانع وصنعته« رواه الحاكم من حديث حذيفة) (،
وقال »:القدرية مجوس هذه المة إن مرضوا فل تعودوهم ،وإن ماتوا فل تشهدوهم« رواه أبو
داود) ( في سننه والبيهقي في كتابه القدر) ( ،وقال صلى ال عليه وسلم »:ستة لعنتهم ولعنهم ال
ث) (.
وكل نبي مجاب :الزائد في كتاب ال ،والمكذب بقدر ال «...الحدي َ
ضا الحديث الذي أخرجه ابن جرير الطبري في كتابه تهذيب الثار وصححه) ( وهو قوله وخالف أي ً
عليه الصلة والسلم »:صنفان من أمتي ل نصيب لهما في السلم :القدرية ،والمرجئة« ،فهذا
الحديث صريح في تكفير أهل القدر القائلين بأن العبد هو الذي يخلق أعماله بإرادته وتقديره كهذه
الفرقة ،فهم بهذه المقالة جردوا أنفسهم من السلم وانسلخوا منه كما تنسلخ الحية من جلدها.
ضا حديث مسلم) ( عن أبي السود الدؤلي قال :قال لي عمران بن الحصين :أرأيتَ ما وخالف أي ً
يعمل الناس اليوم ويكدحون أشىء ُقضي عليهم ومضى عليهم من َقدٍر قد سبق أو فيما ُيستقبلون به
مما أتاهم به نبّيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت :بل شىء ُقضي عليهم ومضى عليهم ،قال :فقال :أفل
ق ال وِملك يده فل ُيسأل عما ت :كل شىء خل ُ عا شديًدا وقل ُ
ت من ذلك فز ً
يكون ظلًما؟ ،قال :ففزع ُ
ك إل لحزَر عقلك ،إن رجلين من يفعل وهم يسئلون ،فقال لي :يرحمك ال إني لم ُأرد بما سألُت َ
ُمَزْيَنة أتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون
فيه أشىء قضي عليهم ومضى فيهم من قدٍر قد سبق أو فيما ُيستقبلون به مما أتاهم به نبّيهم وثبتت
ل:
ق ذلك في كتاب ال عّز وج ّ الحجة عليهم؟ فقال»:ل بل شىء ُقضي عليهم ومضى فيهم« ،وتصدي ُ
س وما سّواها * فألهمها ُفجوَرها وتقواها{ ]سورة الشمس [8.7/اهـ. }ونف ٍ
وأما مخالفته لصريح العقل فهو أنه يلزم من قولهم المذكور أن يكون ال مغلوًبا مقهوًرا لنه يكون
العبد على ذلك خالًقا لهذه المعاصي على رغم إرادة ال ،وال ل يكون إل غالًبا قال ال تعالى }:وا ُ
ل
ب على أمِره{ ]سورة يوسف.[21/ غال ٌ
وعلى حسب زعمهم فإنه يجري في ملكه تعالى شىء بغير مشيئته وهذا مما ل يصح ،فإنه ل يجري
في الُملك طرفُة عين ول لفتُة ناظر إل بقضاء ال وقدره وقدرته ومشيئته ،ول فرق بين ما كان
خيًرا أو شّرا ،ل ُيسأل عما يفعل وهم يسألون.
ل أن يكون وجود قسم منها بفعل ال ووجود قسم ءاخر بفعل غيره ،كما تقول المعتزلة
فل يصح عق ً
الذين خالفوا أهل الحق.
قال المام أبو حنيفة في الوصية»:والعبد مع أعماله وإقراره ومعرفته مخلوق ،فإذا كان الفاعل
مخلوًقا فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة« ،وقال المام الحسن البصري »:من كّذب بالقدر فقد كفر«
اهـ.
وروي عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه قال »:إن كلم القدرية كفر« ،وعن عمر بن عبد
العزيز والمام مالك بن أنس والوزاعي رضي ال عنهم »انهم يستتابون فإن تابوا وإل ُقتلوا«.
وروى عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه) ( قال :أخبرنا معمر ،عن الزهري قال» :بلغني أنهم
وجدوا في مقام إبراهيم ثلثة صفوح في كل صفح منها كتاب ،وفي الصفح الول :أنا ال ذو بّكة
حَفْفُتها بسبعة أملك حّفا ،وباركت لهلها في اللحم واللبن ،وفي
ت الشمس ،و َصْغ ُ
صغتها يوم ُ
ُ
الصفح الثاني :أنا ال ذو بّكة خلقت الرحم وشققت لها اسًما من اسمي ،فمن وصلها وصلته ومن
قطعها بتّته ،وفي الثالث :أنا ال ذو بّكة خلقت الخير والشر فطوبى لمن كان الخير على يديه ،وويل
لمن كان الشر على يديه«.
سا يقولون :إن الشر ليس ل قال لبن عباس :إن نا ً وعن معمر ،عن ابن طاوس ،عن أبيه أن رج ً
ل َما
شاء ا ُ
شَرُكوْا َلْو َ
ن َأ ْ
ل اّلِذي َ
سَيُقو ُ
بقدر ،فقال ابن عباس :فبيننا وبين أهل القدر هذه الية َ }:
ن{ ]سورة النعام.[149.148/ جَمِعي َ
شاء َلَهَداُكْم َأ ْ
شَرْكَنا{ حتى قولهَ} :فَلْو َ
َأ ْ
وأشد من هذا اعتقادهم الذي هو اعتقاد القدرية المعتزلة أن العبد يخلق أفعاله الختيارية وليس ال
يخلقها ،وهذا كفر صريح وشرك بال تعالى.
كان في الماضي رجل يقال له غيلن الدمشقي كان في أيام عمر بن عبد العزيز فاستدعاه عمر بن
عبد العزيز لنه بلغه أنه يقول بقول المعتزلة فأنكر غيلن أنه يقول ذلك أمام عمر ،ثم لما مات عمر
واستخلف يزيد بن عبد الملك ثم استخلف هشام أظهر غيلن ذلك العتقاد فاستدعاه الخليفة هشام
فقال غيلن :أقلني يا أمير المؤمنين ،فقال :ل أقالني ال إن َأقلتك ،فقال غيلن :إًذا اجمعني بمن
يجادلني فإن غلبني فهذا رأسي وإن غلبته افعل به مثل ذلك ،فقال الخليفةَ :من لهذا القدري؟ ،فقيل
له :الوزاعي ،وكان الوزاعي في بيروت والخليفة في دمشق ،فاستدعي الوزاعي إلى دمشق،
ولما ناظره الوزاعي فغلبه قال الوزاعي عنه :كافر ورب الكعبة يا أمير المؤمنين ،فأخذه الخليفة
هشام فقطع يديه ورجليه وعّلقه على باب دمشق ،ذكر ذلك الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ،ثم
إنه صح الحديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال» :صنفان من أمتي ليس لهما نصيب
في السلم المرجئة والقدرية« حديث صحيح صححه الحافظ الفقيه المجتهد المطلق محمد بن جرير
الطبري في كتابه تهذيب الثار ،فيؤخذ من قوله صلى ال عليه وسلم »:صنفان من أمتي ليس لهما
نصيب في السلم« أن هذه العقيدة عقيدة كفر وأن اعتقاد أن العبد يخلق أفعاله الختيارية ضد
ىٍء{ ]سورة الرعد [16/والشىء يشمل الجسام ش ْ
ل َ
ق ُك ّ
خاِل ُ
ل َ
لا ُ
ءايات من القرءان كقوله تعالى }ُق ِ
صاَرهُْم{
ب َأْفِئَدَتُهْم َوَأْب َ
على اختلف أشكالها والحركات والنوايا والخواطر ،وقوله تعالى }َوُنَقّل ُ
]سورة النعام [110/هذه الية دلت على أن ال هو الخالق لعمال القلوب وتقلب البصار ،فهؤلء
التحريرية عُموا وقلدوا الذين قال عنهم الرسول ليس لهم نصيب في السلم ،ثم ثبت عن مالك
رضي ال عنه أنه سئل عن نكاح القدرية أي نكاح المعتزلة فقال»:ولعبد مؤمن خير من مشرك«
أي ل يصح التزوج منهم ،اعتبر مالك المعتزلة مشركين لنهم أشركوا العبد مع ال لن ال تعالى
هو الخالق أي الُمخرج لكل شىء من العدم إلى الوجود ،فالمعتزلة أشركوا بال بقولهم العبد يخلق
أعماله الختيارية من العدم إلى الوجود ،وهذا أي البراز من العدم إلى الوجود هو معنى الخلق
المراد في ءايات كثيرة روى ذلك عن مالك من ل يحصى ،روى ذلك الحافظ المام المجتهد ابن
المنذر في كتابه الوسط وكتاب الشراف ول ينفعهم قولهم إن العبد يخلق أفعاله بقدرة أعطاه ال
إياها ،وقال المام المحدث الفقيه عبد القادر بن طاهر التميمي البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق:
»المعتزلة مشركون« أي لنهم أشركوا العبد مع ال في صفة الخلق أي إبراز المعدوم من العدم
إلى الوجود ،فأجسام الخلق وحركاتهم وسكناتهم كانت معدومة ثم ال تعالى هو أخرجها من العدم
إلى الوجود ،فالمعتزلة ومن تبعهم من التحريرية جعلوا إبراز العباد وحركاتهم الختيارية للعباد
قالوا ال يبرز من العدم إلى الوجود الجسام والحركات الغير اختيارية ،أما الحركات الختيارية
نحن نبرزها ،وهذا إشراك بال تعالى.
سِكي َوَمحَْيا َ
ي لِتي َوُن ُ
صَن َ
ل ِإ ّ
ويكفي في إبطال قولهم ءايتان من كتاب ال ،الولى قوله تعالىُ} :ق ْ
ك َلُه )] {(163سورة النعام[ ذكر ال في هذه الية الصلة شِري َ
ن ) (162لَ َ
ب اْلَعاَلِمي َ
ل َر ّ
َوَمَماِتي ِ
والنسك وهما من الفعال الختيارية وذكر المحيا والممات وهما ليسا من الفعال الختيارية فجعل
ل خلًقا له ل شريك له في ذلك ،ومعنى الية :قل يا محمد إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي كّ
مخلوق ل ل شريك له في ذلك .فخالفت التحريرية تبًعا للمعتزلة فقالوا إن كل الفعال الختيارية
العبد يخلقها وهو مالكها.
صىس ومن غيره مّمن عصاه من َلُدن أن ُيع َ ض في خلقه بمشيئة منه ،قد علم من إبلي َ وعلُم ال ما ٍ
ال إلى أن تقوم الساعة المعصية وخلقُهم لها وعِلَم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها ،وكلّ يعم ُ
ل
عِلَم منه ل يعدو واحٌد منهم قدر ال ومشيئته وال الفاعل لما ق له وصائٌر إلى ما قضى عليه و َ خِل َ
لما ُ
شاء لعباده الذين عصوه الجنة والطاعة وأن العباَد شاءوا يريد الَفّعال لما يشاء ،وَمن زعم أن ال َ
ن مشيئة ال فأ ّ
ي ظ ِم ْ
لنفسهم الشّر والمعصية فعِملوا على مشيئتهم فقد زعم أن مشيئة العباِد أغَل ُ
حملت ِم َ
ن عَم أن الِزنا ليس بَقَدٍر قيل له أنت رأيت هذه المرأَة َ افتراٍء أكبُر على ال من هذا ،وَمن َز َ
الزنا وجاءت بولدها شاء ال أن ُيخلق هذا الولد وهل مضى في ساِبق علِمه ،فإن قال ل ،فقد زعم
ب الخمر وأكل مال الحرام ليس عَم أن السرقة وشر َ حا وَمن َز َ صرا ًك ُأن مَع ال خاِلًقا وهذا الشر ُ
ح قول المجوسية: صرا ُ ق غيره وهذا ُ ل ِرز َن قادٌر على أن يأك َ بقضاٍء وَقَدٍر فقد زعم أن هذا النسا َ
ن ال ل الّنفس ليس بَقَدٍر ِم َ ن الوجه الذي أكَلُه ،وَمن زعم أن قْت َ ل ِم َل ِرْزَقه ،وقضى ال أن يأك َ ل أك َ
بْ
ي كفر أوضح من هذا ،بل ذلك بقضاء ال ومشيئته في خلقه جِله وأ ّ ت بغير أ َ
ل ما َ
ن المقتو َ
فقد زعم أ ّ
ق الذي َيفعل ما يريُد ،ومن أَقّر بالعلم وتدبيره فيهم وما جرى من سابق علمه فيهم ،وهو الَعْدل الح ّ
لِزَمه القراُر بالقدر والمشيئة على الغضب والرضا« اهـ.
ق أفعاَلُه
ل المعتزلِة بأن العبَد يخُل ُ
الدليل العقلي على فساِد قو ِ
ت نسبٌة
ن نسَبَتها إلى الممكنا ِ
ك ،فإ ّ
ك وإرادتَُه كذل َ
ك أن قدرَة ال عاّمٌة وعلَمُه كذل َ
ل على ذل َ
ن الدلي ِ
وبيا ُ
واحدٌة.
ث إمكاُنُه وحدوُثُه.
ج إلى القادِر من حي ُ
ن إنما احتا َ
ن وجوَد الممك ِ
فإ ّ
ت من الجهلِك الصفا ِ ض تل َ
ت َلَلِزَم اتصاُفُه تعالى بنقي ِ
ض الممكنا ِصت صفاُتُه هذه ببع ِ ص َ
فلو تخ ّ
صص بذا ِ
ت خ ّ
ق الُم َ
صصا وتعّل َ خ ّ
صها ُم َ
ص ُ ضى تخ ّل ،ولقت َ ص عليِه ُمحا ٌص والنق ُ ك نق ٌوالعجِز وذل َ
ت عموُم صفاِتِه.ل ،فإًذا ثب َك محا ٌ ب الوجوِد وصفاِتِه وذل َالواج ِ
وقد قال شارح إحياء علوم الدين المام الفقيه المحّدث اللغوي محمد مرتضى الزبيدي) ( » :لم
يتوقف علماء ما وراء النهر من أصحابنا ـ يعني الماتريدية ـ في تكفير المعتزلة« اهـ .وقال الزاهد
الصّفار من أكابر الحنفية» :يجب إكفار القدري ـ أي المعتزلي ـ في قوله :إن العبد يخلق أفعال
نفسه ،وفي قوله :إن ال لم يشأ وقوع الشر« اهـ.
ضا تكفيرهم المام شيخ السلم البلقيني ،ورّد عليهم المام المتولي في كتابه الغنية في
وممن نقل أي ً
العقيدة وهما من أكابر أصحاب الوجوه من الشافعية ،والمام أبو الحسن شيث بن إبراهيم المالكي،
وكذلك المام ابن الّتلمساني المالكي في كتابه شرح لمع الدلة لمام الحرمين وغيرهم ،ولم يصح
عن إمام مجتهد كالشافعي وغيره القول بترك تكفير هذا الصنف من المعتزلة.
فبعد هذا ل يلتفت إلى ما يخالفه ول يغتّر بعدم تكفير بعض المتأخرين لهم ،فقد نقل الستاذ أبو
منصور التميمي في كتابه التذكرة البغدادية وكتابه تفسير السماء والصفات تكفيرهم عن الئمة
فقال) (» :أصحابنا أجمعوا على تكفير المعتزلة«) ( .وقوله» :أصحابنا« يعني به الشاعرة
والشافعية لنه رأس كبير في الشاعرة الشافعية ،وهو إماٌم مقّدم في النقل معروف بذلك بين الفقهاء
والصوليين والمؤرخين الذين أّلفوا في الِفرق ،فمن أراد مزيد التأكد فليطالع كتبه هذه ،فل ُيدافع
نقله بكلم بعض المتأخرين.
وما يذكر من العبارات التي تفهم ترك تكفيرهم عن بعض المشاهير كالنووي فقد يؤول بأن مراده
من لم تثبت عليه قضية معينة تقتضي كفَره من مسائلهم ،لن منهم من ينتسب إليهم ول يقول بجميع
ي والمأمون العباسي ،فإن بشًرا كان موافقهم في القول بخلق القرءان وكّفرهم مقالتهم كبشر المريس ّ
في القول بخلق الفعال؛ فل يحكم على جميع من انتسب إلى العتزال بحكم واحد ويحكم على كل
فرد منهم بكونه ضال ،فالذين ل يعتقدون من العتزال أصوله الكفرية إنما ينتسبون إليهم ويعتقدون
بعض المسائل الخرى كعدم رؤية المؤمنين لربهم في الخرة فهؤلء الذين لم يكّفرهم من تحاشى
تكفيرهم .ومن أراد المزيد فليراجع الكتب التي أّلفت في الِفرق لبيان مقالتهم وأقوال العلماء فيهم.
وكذلك قول المام أحمد في المعتصم »يا أميَر المؤمنين« فإن المعتصم والمأمون لم يثبت عنهما
القول بخلق العبد لفعله كما تقول المعتزلة إنما وافقا المعتزلة في القول بخلق القرءان ،ول يعني
المعتصم والمأمون أنه ليس ل كلم إل هذا اللفظ المنزل الذي هو مخلوق ل كما تعتقد المعتزلة،
إنما وافقاهم في القول بمخلوقية اللفظ ففرق بينهما وبين المعتزلة لن المعتزلة نفوا الكلم القائم
بذات ال وقالوا ليس ل كلم إل الكلم الذي يخلقه في غيره كالشجرة التي كان عندها موسى ،فحكم
المعتزلة الذين نفوا الكلم القائم بذات ال غير حكم من قال بمخلوقية اللفظ المنزل ،ول يستطيع أحد
أن يثبت عن الخليفتين أنهما تلفظا بنفي الكلم الذاتي عن ال ،فالتسوية بينهما وبين المعتزلة جهل
بالحقيقة كما ادعى البوطي في بعض كلمه حيث إنه احتج بقول المام أحمد للمعتصم »يا أمير
ل للمام ما لم يقله ،ول يستطيع أن يثبت عن أحمد أنه قال
المؤمنين« بأن أحمد لم يكّفرهم وهذا تقوي ٌ
عن المعتصم أنه كان يقول بما تقول المعتزلة أنه ليس ل كلم إل ما يخلقه في غيره ،ودون ذلك
خرق القتاد.
وقد أنكر الحافظ البلقيني في حواشي الروضة قول صاحب الروضة بصحة القدوة بهم في الصلة
قال) (» :وقول الشافعي رضي ال عنه» :أقبل شهادة أهل الهواء إل الخطابية« محمول على من
ل لذلك بقوله لحفص الفرد لما جادله في مسئلة لم تثبت فيهم قضية معينة تقتضي تكفيرهم ،واستد ّ
القول بخلق القرءان فأفحمه الشافعي» :لقد كفرت بال العظيم« .ورّد البلقيني تأويل قول الشافعي
هذا بكفران النعمة فقال في حاشيته على روضة الطالبين ما نصه) ( » :قوله ـ يعني النووي ـ:
وأطلق القفال وكثيرون من الصحاب القول بجواز القتداء بأهل البدع ،وأنهم ل يكفرون ،قال
صاحب الُعدة :هو ظاهر مذهب الشافعي رضي ال عنه ،زاد ـ أي النووي ـ هذا الذي قاله القّفال
وصاحب العدة هو الصحيح أو الصواب ،فقد قال الشافعي :أقبل شهادة أهل الهواء إل الخطابية
لنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم ،ولم يزل السلف والخلف على الصلة خلف المعتزلة
وغيرهم« .قال البلقيني» :فائدة :الصحيح أو الصواب خلف ما قال المصنف ـ يعني النووي ـ
وقول المام الشافعي رضي ال عنه محمول على من ذكر عنه أنه من أهل الهواء ولم يثبت عليه
صا على تكفير من قال بخلق القرءان، صا خا ّقضية معينة تقتضي كفره ،وهذا نص عام ،وقد نص ن ّ
والقول بالخاص هو المقّدم ،وأّما الصلة خلف المعتزلة فهو محمول على ما قدمته من أنه لم يثبت
عند المقتدين بهم ما يكفرهم« .ثم قال البلقيني» :قوله ـ يعني النووي ـ وقد تأّول البيهقي وغيره من
أصحابنا المحققين ما جاء عن الشافعي وغيره من العلماء من تكفير القائل بخلق القرءان على
كفران النعم ل كفران الخروج عن المّلة« .قال البلقيني» :فائدة :هذا التأويل ل يصح لن الذي أفتى
الشافعي رضي ال عنه بكفره بذلك هو حفص الفرد ،وقد قال :أراد الشافعي ضرب عنقي ،وهذا هو
ق وبه الفتوى خلف ما قال المصّنف«.اهـ. الذي فهمه أصحابه الكبار وهو الح ّ
ويرد تأويل من أّول عبارة الشافعي المذكورة في حق حفصٍ بكفران النعمة ل كفران الجحود ما
ي صاحب الشافعي أن الشافعيّ ثبت عن عبد الرحمــن بن أبي حاتم عن ربيعة بن سليمان المراد ّ
ت بال العظيم.صا كما أنه هو الراوي لقول الشافعي لقد كفر َ
كّفره أي حف ً
فل يجوز الترّدد في تكفير المعتزلة القائلين بأن ال كان قادًرا على خلق حركات العباد وسكونهم ثم
لما أعطاهم القدرة عليها صار عاجًزا عنها ،حكى ذلك غير واحد من الكابر منهم المام أبو
منصور الماتريدي ،والمام أبو منصور البغدادي ،والمام أبو سعيد المتولي ،والفقيه المالكي شيث
ابن إبراهيم ،وإمام الحرمين وغيرهم كما تقدم ،فكيف يسوغ ترك تكفيرهم بعد هذا الذي هو صريح
في نسبة العجز إلى ال.
قال الزركشي في تشنيف المسامع ما نصه) (» :وقد نص الشافعي على قبول شهادة أهل الهواء،
وهو محمول على ما إذا لم يؤد إلى التكفير ،وإل فل عبرة به«.اهـ .وهذا يؤكد ما قاله البلقيني في
حواشي روضة الطالبين بأن مراد الشافعي بقوله أقبل شهادة أهل الهواء إل الخطابية من لم تثبت
ل ،وإن
بحقه قضية تقتضي تكفيره منهم ،يعني كقولهم إن العبد يخلق أفعال نفسه الختيارية استقل ً
ال كان قادًرا على خلقها قبل أن يعطيهم القدرة فلما أعطاهم صار عاجًزا.
أما حديث النبي صلى ال عليه وسلم المشهور »:القدرية مجوس هذه المة«) ( .فمعناه أّمة الدعوة،
وأّمة الدعوة تشمل الكافرين والمؤمنين ،لن لفظ أمتي ونحوه يحمل على من اتبعه في بعض
المواضع ،وفي بعض المواضع يطلق على من توجهت إليه دعوته فمنهم من ءامن ومنهم من
أبى«.
ومن جملة ضللهم ما يقول زعيمهم في نفس الكتاب المذكور) ( ونصه» :إل أن هذه العصمة
للنبياء والرسل ،وإنما تكون بعد أن يصبح نبّيا أو رسول بالوحي إليه ،أما قبل النبوة والرسالة فإنه
يجوز عليهم ما يجوز على سائر البشر ،لن العصمة هي للنبوة والرسالة« اهـ.
الرد:
اتفق أهل الحق على أنه يجب للنبياء الصدق والمانة والفطانة ،فُعلم من هذا أن ال تعالى ل يختار
لهذا المنصب إل من هو سالم من الرذالة والخيانة والسفاهة والكذب والبلدة ،فمن كانت له سوابق
من هذا القبيل ل يصلح للنبوة ولو تخلى منها بعد.
وتجب للنبياء العصمة من الكفر والكبائر وصغائر الخسة والدناءة ،وتجوز عليهم ما سوى ذلك من
الصغائر التي ليس فيها خسة ،وهذا قول أكثر العلماء كما نقله غير واحد وعليه المام أبو الحسن
الشعري رضي ال عنه.
ومن جملة ضللهم قولهم إن مجلس الشورى له حق أن يعزل الخليفة بسبب أو بدون سبب ،وقد
نشر ذلك في منشور لهم وزع في دمشق منذ أكثر من عشرين سنة ،وهو مما ألفه بعض أتباع تقي
الدين النبهاني.
ويقولون في كتابهم المسمى »دستور حزب التحرير«) ( في المور التي يتغير بها حال الخليفة
فيخرج بها عن كونه خليفة ،ويجب عندئذ عزله في الحال» :الفسق فسًقا ظاهًرا«.
ويقول النبهاني في كتابه المسمى »نظام السلم«) ( ما نصه» :وإن خالف الشرع أو عجز عن
ل« اهـ.
القيام بشؤون الدولة وجب عزله حا ً
الرد:
هذا الكلم مخالف لحاديث تؤكد أمر الخليفة ،يخالف قوله صلى ال عليه وسلم» :من كره من
أميره شيًئا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبًرا فمات عليه إل مات ميتة
جاهلية« ـ رواه مسلم) ( ـ ،ويخالف الحديث الصحيح المشهور الذي يأمر بعدم الخروج على الخليفة
حا« رواه البخاري
إل من أجل الكفر وفيه» :وأن ل ننازع المر أهله إل أن تروا كفًرا بوا ً
حا« أي ظاهًرا.
ومسلم) ( ،ومعنى »بوا ً
قال النووي في شرح هذا الحديث ما نصه) (» :ومعنى الحديث ل تنازعوا ولة المور في
وليتهم ،ول تعترضوا عليهم إل أن تروا منهم منكًرا محقًقا تعلمونه من قواعد السلم ،فإذا رأيتم
ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم .وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين
وإن كانوا فسقة ظالمين ،وقد تظاهرت الحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه ل ينعزل
السلطان بالفسق« اهـ.
وهؤلء التحريرية جعلوا الخليفة ملعبة كالكرة بين أيدي اللعبين ،فالخليفة ل ُيقلع بالمعصية لكن ل
يطاع فيها ،ففي صحيح مسلم) ( أن عبد ال بن عمرو بن العاص قال له عبد الرحمن بن عبد رب
الكعبة» :إن ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ،وأن نقتل أنفسنا ـ أي بعضنا
ن تجارًة عن تراض منكم{ ضا ـ وال تعالى يقول }:ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكو َ
بع ً
]سورة النساء ،[29/ويقول }:ول تقتلوا أنفسكم{ ]سورة النساء .[29/فسكت عبد ال بن عمرو ثم
قال» :أطعه في طاعة ال ،واعصه في معصية ال«.
فالخليفة إن كان يأمر بالخير والشر مهما فسق ل يرفع عليه سلح لن الفتنة التي تتسبب عن خلعه
أعظم من معصيته.
حزب التحرير يزعم أن من مات من غير َبْيَعة لخليفة مات ميتة جاهلية
ومن أباطيلهم قولهم :إن من مات من غير َبْيَعة لخليفة مات ميتة جاهلية) ( ،فإنهم يذكرون في
كتابهم المسمى بالخلفة) ( ما نصه» :فالنبي صلى ال عليه وسلم فرض على كل مسلم أن تكون
في عنقه بيعة ،ووصف من يموت وليس في عنقه بيعة بأنه مات ميتة جاهلية« اهـ.
ويذكرون في نفس الكتاب) ( ما نصه» :فالمسلمون جميًعا ءاثمون إثًما كبيًرا في قعودهم عن إقامة
خليفة للمسلمين ،فإن أجمعوا على هذا القعود كان الثم على كل فرد منهم في جميع أقطار
المعمورة« اهـ ،ويذكرون في موضع ءاخر) ( منه» :والمدة التي يمهل فيها المسلمون لقامة خليفة
هي ليلتان ،فل يحل أن يبيت ليلتين وليس في عنقه بيعة« ،ويقولون) ( ...» :وإذا خل المسلمون
من خليفة ثلثة أيام أثموا جميًعا حتى يقيموا خليفة« اهـ.
ويقولون في كتاب ءاخر ما نصه) ( »:والمسلمون في لبنان كما في سائر بلد المسلمين ءاثمون
عند ال إذا لم يعملوا على إعادة السلم للحياة ونصب خليفة واحد يجمع أمرهم« اهـ.
الرد:
هذه العبارات من جملة تحريفهم للكلم عن مواضعه فإن هذا الحديث رواه مسلم) ( عن ابن عمر
بهذا اللفظ »من خلع يًدا من طاعة لقي ال يوم القيامة ل حجة له ،ومن مات وليس في عنقه بيعة
مات ميتة جاهلية« ،فهم يذكرون منه للناس الجملة الخيرة فيكررون »من مات وليس في عنقه
بيعة مات ميتة جاهلية« مع إيهامهم أن ذلك لمن لم يتكلم معهم في أمر الخليفة كما هم يتكلمون
بألسنتهم.
ومعنى الحديث ليس كما يزعمون إنما المعنى أن من تمرد على الخليفة واستمر على ذلك إلى
الممات تكون ِميَتُتُه ميتة جاهلية ،كما يدل على ذلك حديث مسلم) ( عن ابن عباس عن النبي صلى
ال عليه وسلم» :من كره من أميره شيًئا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان
شبًرا فمات عليه إل مات ميتة جاهلية«.
فقوله»:فمات عليه« صريح في أن الذي يموت ميتة جاهلية هو الذي يأتيه الموت وهو متمرد على
ضا حديث أبي هريرة أنه عليه الصلة والسلم قال» :من خرج من الطاعة السلطان ،ويدل عليه أي ً
وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية« رواه مسلم) (.
ضا حديث البخاري) ( ومسلم) ( عن حذيفة بن اليمان قال فيه رسول ال صلى ال ويدل على ذلك أي ً
عليه وسلم بعد وصف الدعاة إلى أبواب جهنم» :فالزموا جماعة المسلمين وإمامهم« ،قال حذيفة:
فإن لم تكن لهم جماعة ول إمام؟ قال» :فاعتزل تلك الفرق كّلها« ،لم يقل رسول ال صلى ال عليه
وسلم فإًذا أنتم تموتون ميتة جاهلية.
ثم ما يدعيه حزب التحرير فيه حرج ،فالرعايا المسلمون اليوم عاجزون عن نصب خليفة وال
سا إل ُوسعها{ ]سورة البقرة ،[286/فهم ضربوا بحديث البخاري
ل نف ً
فا ُ
تعالى يقول }:ل يكّل ُ
عرض الحائط وتشبثوا بحديث مسلم بغير محله. ومسلم ُ
فتبين بطلن قولهم وتمويههم ،وغرضهم التشويش على المسلمين حتى يتبعوهم ويبايعوا زعيمهم
تقي الدين النبهاني الذي ادعى الخلفة وبايعه جماعته على ذلك .وقد قسم البلد ـ على زعمه ـ بين
أولده الثلثة ،أحدهم سماه أمير العراق ،والثاني أمير بلد الشام ،والخير أمير مصر ،وسمى
زوجته »أم المؤمنين« ـ على زعمه ـ .والن بعد موته نصبوا خليفة وهو موجود في الدانمرك أقام
الحد على من زنى منهم.
بيان حكم نصب الخليفة على المسلمين وحكم من يخرج على الخليفة مع وجوده وحكم من يموت في
زمن ليس فيه خليفة
أما المسئلة الولى وهي نصب الخليفة :فقد اتفق علماء المسلمين على وجوب نصب الخليفة ،ثم
الخليفة تثبت خلفته بمبايعة أهل الحل والعقد من المسلمين أي أفاضل المسلمين من أهل العلم
والتقوى ،فقد قامت أول خلفة في المة المحمدية خلفة أبي بكر رضي ال عنه بمبايعة عمر
رضي ال عنه ،ثم تتابع المسلمون الذين بالمدينة على بيعته ،فثبتت خلفته على رقبة كل مسلم ممن
كانوا ذلك الوقت بالمدينة ومن كانوا في غيرها ،فصار حراًما على كل مسلم أن يخرج على أبي
ي إمارة ،ثم جاءت خلفة عمر رضي ال عنه بكر ويتخلى عن إمارته بأن يقول ليس لك عل ّ
باستخلف أبي بكر له في المدينة المنورة ،فوافق من كان من المهاجرين والنصار بالمدينة على
نصب عمر خليفة ،فثبتت خلفته على رقبة كل مسلم على وجه الرض من كان حاضًرا بالمدينة
ومن لم يكن ،ثم قامت خلفة عثمان رضي ال عنه بنصب عدد من المهاجرين والنصار ممن
كانوا بالمدينة له كما أمرهم عمر بذلك فثبتت بيعته على رقبة كل مسلم ،فخرج عليه أناس من غير
الصحابة فنازعوه ،ثم قامت خلفة علي رضي ال عنه بمبايعة المهاجرين والنصار الذين كانوا
بالمدينة له فصارت بيعته ثابتة على كل مسلم ممن حضر المدينة ومن كان غائًبا ،فصار الخروج
عليه ذنًبا كبيًرا.
أما الحالة الثانية :حكم الخروج على الخليفة :فقد اتفق أهل العلم أهل الحق على أن الخروج على
ضا عند
الخليفة حرام من الكبائر بالجماع إذا كان الخليفة راشًدا كهؤلء الربع ،وعلى الفاسق أي ً
الجمهور ،فكان الخروج على أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي ال عنهم ذنًبا كبيًرا ،وكان
ضوا بخلفته حتى أّدى المر خرج على عثمان أناس ليس فيهم أحد من الصحابة فنازعوه ولم ير َ
بهم إلى أن قتلوه ،ثم حصل الخروج على علي في ثلث مواقع ،الوقعة الولى كانت بالبصرة كان
فيها بعض الصحابة طلحة والزبير وعائشة ثم طلحة والزبير انصرفا من المعركة لن علّيا ذّكَر كل
واحد منهما حديًثا كان قاله الرسول في شأن علي ،وكانا تائبين لم يدركهما الموت إل بعد التوبة ،أما
عائشة رضي ال عنها فقد تابت وندمت ندًما كبيًرا على وقوفها في معسكر الخارجين على علي،
فهؤلء الثلثة لم يموتوا إل بعد أن عادوا إلى طاعة علي وهؤلء الثلثة من المبشرين بالجنة فذنبهم
مغفور.
وقد وردت أحاديث صحيحة في عظم ذنب من خرج على الخليفة منها حديث ابن حبان» :من خرج
من الطاعة وفارق الجماعة فقد خلع ربقة السلم من عنقه حتى يراجع«) ( وهو حديث صحيح بل
خلف ،رواه عدد من المحدثين في تصانيفهم كالحافظ الخطيب البغدادي في كتابه »الفقيه
والمتفقه«) ( ،وحديث» :من خلع يًدا من طاعة لقي ال ل حجة له يوم القيامة ومن مات وليس في
عنقه بيعة مات ميتًة جاهلية« ،ورواه مسلم) ( بهذا اللفظ.
ضا معاوية وأناس من أهل الشام لنه كان والًيا أيام وكان ممن خرج على علي رضي ال عنه أي ً
عمر وعثمان على الشام ،وكان خروجه بغير حجة شرعية فإن علّيا كان خليفة راشًدا ،بل من شدة
رغبة معاوية في الملك والرئاسة كما وصفه بذلك سيدنا علي رضي ال عنه فكان قتال الذين قاتلوه
ي الحافظ ابن حجر في في البصرة والذين قاتلوه مع معاوية في صفين ظلًما كبيًرا ذكر ذلك عن عل ّ
سّدد وكتاب الحافظ سعيد ابن منصور فكان كتابه »المطالب العالية«) ( ونقل ذلك عن مسند ُم َ
الخروج على علي كالخروج على أبي بكر وعمر وعثمان لنه ل يجوز الخروج على الخليفة إل أن
يحصل منه كفر صريح ،ولم يكن خروج معاوية على علي وقتاله له عن اجتهاد إنما كان حّبا في
الملك وليس كاجتهاد المجتهدين في الحكام كاختلف أبي بكر وعلي في حكم مسئلة الجد والخوة
فإن أبا بكر اجتهد فقال الجد مثل الب فل ترث إخوة الميت معه واجتهد سيدنا علي فقال الجد
والخوة كغصنين من شجرة فيشتركان في الرث ،وهذا الجتهاد هو الذي ورد في
الحديث) ( »:إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد« ،وهكذا اختلف
ل.
المام مالك والمام الشافعي ،فهذا الجتهاد هو الجتهاد الذي هو مأمور به لمن كان أه ً
وأما حكم من يموت وهو خارج على الخليفة أي قبل أن يعود إلى طاعة المام فهؤلء ينطبق عليهم
حديث البخاري ومسلم) ( »:من كره من أميره شيًئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبًرا فمات
على ذلك مات ميتة جاهلية« ،وهذا معنى الجزء الخير من حديث مسلم المذكور أي قوله صلى ال
عليه وسلم »:ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية« ،ومعنى مات ميتة جاهلية أي مات
وحالته كميتة عباد الوثان أي شبيهة بهم وليس معناه أنه كافر ،وإنما معناه أن من خرج على
السلطان يكون عاصًيا معصية كبيرة ،فإذا تبين هذا تبين فساد قول حزب التحرير إن من يموت في
هذا الزمن ولم يبايع خليفة يموت ميتة جاهلية ،فكلمهم هذا يشمل من مات في هذا الزمن وقبل هذا
منذ انقطعت الخلفة وهذا شطط كبير وظلم عظيم وهذا تحريف منهم للحديث بل حال من يموت في
هذا الزمن يعلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي ال عنه الذي رواه البخاري وهذا ينطبق على
الحالة الثالثة وفيه أن حذيفة قال :فإن أدركني زمان ليس فيه إمام ول جماعة؟ فقال الرسول صلى
ض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت ال عليه وسلم »:اعتزل تلك الفرق كلها ولو أن َتَع ّ
على ذلك«) ( .هذا الحديث وحديث مسلم عن ابن عمر الذي فيه» :ومن مات وليس في عنقه بيعة
مات ميتة جاهلية« ،كلهما صحيح لكن حديث حذيفة هذا أقوى لن البخاري أسانيده أصح من
أسانيد مسلم كما هو المعروف عند المحدثين ،فواجب على من ينتسب إلى حزب التحرير أن
ت ولم
يرجعوا عن هذا وليتأملوا في حديث حذيفة لن الرسول عليه السلم لم يقل له فأنت إن ِم ّ
تبايع خليفة تكون ميتتك ميتة جاهلية بل أرشدُه إلى ترك التحزب لتلك الفرق أي ل تقاتل مع فرقٍة
ضد فرقة أخرى وهذا كالقتال الذي حصل في الماضي بين المغرب وموريتانيا فالحديث ينهى عن
التحزب لحدى الفرقتين دون الخرى بقتال الخرى معها ،وهذا أمر ظاهر كالشمس.
والعجب كيف التبس هذا المر على حزب التحرير حتى صاروا يرددون بين الناس الجزء الخير
من حديث مسلم المذكور» :من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية« مع حذفهم للواو
ليوهموا الناس أن هذا القدر هو الحديث كله أوهموا الناس أن الحديث هنا أوله ،وهذا يعني أنهم
تائهون عن تحصيل العلم الشرعي.
أما حاصل مسئلة الخلفة فإن نصبها واجب فمن تقاعس عن إقامتها مع القدرة فهو عاص ومن قال
إننا نستطيع في هذا العصر فليرنا أثر هذا القول.
ولم يزل حزب التحرير منذ نحو أربعين سنة يلهج بذلك ويكثر ذكر ذلك على مسامع الناس ولم
يقدروا على نصبها بل هم عاجزون كغيرهم ،وأما أهميتها فهو أمر ظاهر وكتب العلماء في العقيدة
والفقه طافحة بذلك ،وليست الخلفة من أركان السلم واليمان بل أركان السلم الخمسة التي
ذكرها الرسول صلى ال عليه وسلم لجبريل) ( حين جاءه بصورة رجل ل يعرفه أحد من الذين
كانوا مع الرسول في ذلك المسجد فسأله عن السلم قال :يا محمد أخبرني عن السلم ،فقال »:أن
تشهد أن ل إله إل ال وأن محمًدا رسول ال وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج
ل« ،ثم قال :أخبرني عن اليمان ،قال» :اليمان أن تؤمن بال وملئكته البيت إن استطعت إليه سبي ً
وكتبه ورسله واليوم الخر وتؤمن بالقدر خيره وشره« ،فلم يدخل الرسول الخلفة في أركان
السلم ول في أركان اليمان .فل يصح فل يجوز أن يقال ل إسلم بل خلفة ،وكيف يجوز ذلك
طهور شطر اليمان« الحديث ،رواه مسلم) ( ،فما وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم» :ال ّ
أجهل من يقول ذلك وما أشد تجرئه على الفتراء على الدين فهؤلء تجدهم ل يهتمون بتعلم وتعليم
أحكام الطهور الذي أكده الرسول هذا التأكيد حيث سماه نصف اليمان فقصارى القول في هذا إنه
تائه عن الحق وعن الدين.
ملحظة :من أراد أن يطلع على هذه الحاديث فليراجع صحيح البخاري) ( ،وهاكم أيها المطالعون
نص حديث حذيفة في رواية البخاري من كتاب البخاري:
حدثنا محمد بن المثنى ،حدثنا الوليد بن مسلم ،حدثنا ابن جابر ،حدثني ُبسر بن عبيد ال الحضرمي
أنه سمع أبا إدريس الخولني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول :كان الناس يسألون رسول ال صلى
ال عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت :يا رسول ال إنا كنا في
جاهلية وشر فجاءنا ال بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال» :نعم« قلت :وهل بعد ذلك
خُنه؟ قال» :قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم خن« ،قلت :وما َد َ
الشر من خير؟ قال» :نعم وفيه َد َ
وتنكر« ،قلت :فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال »:نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه
فيها« ،قلت :يا رسول ال صفهم لنا ،قال» :هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا« ،قلت :فما تأمرني إن
أدركني ذلك؟ قال »:تلزم جماعة المسلمين وإمامهم« ،قلت :فإن لم يكن لهم جماعة ول إمام؟
قال »:فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن َتَعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك«
اهـ.
وفي كتاب الفتن) ( عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم قال »:من كره من أميره شيًئا
فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبًرا مات ميتة جاهلية« حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد
عن الجعد أبي عثمان حدثني أبو عثمان العطاردي قال :سمعت ابن عباس رضي ال عنهما عن
النبي صلى ال عليه وسلم قال »:من رأى من أميره شيًئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق
ضا وهو منالجماعة شبًرا فمات إل مات ميتة جاهلية« ،وحديث ابن عباس هذا رواه مسلم أي ً
الحاديث المتفق عليها من البخاري ومسلم ،ومعناه ظاهر أن الذي يموت ميتة جاهلية هو الذي
يكون في وقت الخليفة ثم يتمرد عليه ويموت وهو مخالف للخليفة وفي معناه حديث ابن حبان
وهو »:من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فقد خلع ربقة السلم من عنقه حتى يراجع« فتبين
حّرفوا حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ووضعوه على غير محله ،وعلى بهذا أن التحريرية َ
قولهم كل من مات منذ انقطعت الخلفة إلى يومنا هذا فميتته ميتة جاهلية فقد جعلوا المسلمين الذين
ماتوا منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا كالجاهلية عباد الوثان ،فأعظم بهذه ِفريًة.
وهذه الفرقة كأنها تنقض دين ال شيًئا فشيًئا وحسبنا ال ونعم الوكيل ،فمن أراد الرشاد والرجوع
إلى السلم منهم فليتبرأ من هذه العتقادات وليتشهد حتى يدخل في السلم من جديد وهذا الكلم
ينصب على من اعتقد منهم هذه العقائد وأما من انتسب إليهم انتساًبا ولم يعتقدها فل نكفره ولكن
نحذره من الثبات معهم.
ومن أباطيلهم قولهم في بعض مناشيرهم التي نشروها في طرابلس منذ أكثر من خمس عشرة سنة
تقريًبا إنه ل يحرم المشي بقصد الزنى بامرأة أو الفجور بغلم ،وإنما المعصية في التطبيق بالفعل.
الرد:
في هذا الكلم مخالفة للجماع ،وللحديث ُ»:كتب على ابن ءادم نصيبه من الزنى مدرك ذلك ل
محالة ،فالعينان زناهما النظر ،والذنان زناهما الستماع ،واللسان زناه الكلم ،واليد زناها البطش،
والرجل زناها الخطا« رواه البخاري ومسلم وغيرهما) (.
وقد ذكر النووي في شرحه على مسلم) ( كون المشي للزنى حراًما ،واللمس حراًما بدليل الحديث
المذكور.
حزب التحرير يبيح تقبيل ولمس الرجل للمرأة الجنبية التي ل تحل له
ومن جملة أباطيلهم قولهم بجواز تقبيل الرجل للمرأة الجنبية ،وكذا الغمز والمشي ونحو ذلك فإنهم
ذكروا ذلك في منشور لهم على شكل جواب وسؤال) ( وهذا نصه» :ما حكم القبلة بشهوة مع
الدليل؟ الجواب ... :قد فهم من مجموع الجوبة المذكورة أن القبلة بشهوة مباحة وليست حراًما...
لذلك نصارح الناس بأن التقبيل من حيث هو تقبيل ليس بحرام لنه مباح لدخوله تحت عمومات
الدلة المبيحة لفعال النسان العادية ،فالمشي والغمز والمص وتحريك النف والتقبيل وزم الشفتين
إلى غير ذلك من الفعال التي تدخل تحت عمومات الدلة ...فالصورة العادية ليست حراًما ،بل هي
من المباحات ،ولكن الدولة تمنع تداولها ...وتقبيل رجل لمرأة في الشارع سواء كان بشهوة أم بغير
شهوة فإن الدولة تمنعه في الحياة العامة...
فالدولة في الحياة العامة قد تمنع المباحات ..فمن الرجال من يلمس ثوب المرأة بشهوة ،ومنهم من
ينظر إلى حذائها بشهوة ،ويسمع صوتها من الراديو بشهوة ،وتتحرك فيه غريزة الجنس على وجه
يحرك ذكره من سماع صوتها مباشرة ،أو من الغناء ،أو من قراءة إعلنات الدعاية أو من وصول
رسالة منها ،أو نقل له منها مع غيرها ...فهذه أفعال بشهوة كلها تتعلق بالمرأة ،وهي مباحة لدخولها
تحت أدلة الباحة «...اهـ.
ل كان أو امرأة ،أو صافح ويذكرون في منشور ءاخر) ( ما نصه» :ومن قّبل قادًما من سفر رج ً
ل كان أو امرأة ،ولم يقم بهذا العمل من أجل الوصول إلى الزنى أو اللواط فإن هذا التقبيل
ءاخر رج ً
ليس حراًما ،ولذلك كانا حللين« اهـ.
ضا بجواز مصافحة الرجل للمرأة الجنبية زاعمين أن الرسول صافح بدليل حديث أم وقالوا أي ً
عطية في المبايعة المروي في البخاري» :قالت :فقبضت امرأة منا يدها« فإن غيرها لم تقبض
يدها ،وقالوا :البيعة تكون مصافحة باليد أو كتابة ول فرق بين الرجال والنساء ،فإن لهن أن
يصافحن الخليفة بالبيعة كما يصافحه الرجال«) ( اهـ.
وقالوا في منشور لهم) ( عنوانه »حكم السلم في مصافحة الرجل للمرأة الجنبية« بعد كلم
طويل ما نصه» :وإذا أمعنا النظر في الحاديث التي فهم منها بعض الفقهاء تحريم المصافحة نجد
أنها ل تتضمن تحريًما أو نهًيا« اهـ.
وختموا هذا المنشور بقولهم» :وما يصدق على المصافحة يصدق على القبلة« اهـ.
الرد:
روى ابن حبان) ( عن ُأميمة بنت ُرَقْيَقة ،وإسحاق ابن راهويه بسند جيد عن أسماء بنت يزيد
عا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال »:إني ل أصافح النساء« قال الحافظ ابن حجر بعد مرفو ً
إيراده للحديث) ( »:وفي الحديث أن كلم الجنبية مباح سماعه ،وأن صوتها ليس بعورة ،ومنع
لمس بشرة الجنبية بل ضرورة« اهـ.
ن ُيشر َ
ن صا في مس الجلد للجلد ،وإنما معناه ك ّ
أما حديث أم عطية الذي ورد في البخاري) ( فليس ن ّ
بأيديهن عند المبايعة بل مماسة فتعين تأويله توفيًقا بين الحديثين الثابتين ،ولنه يتعين الجمع بين
الحديثين إذا كان كل واحد منهما ثابًتا.
ث عنثم إنه قد ورد في صحيح البخاري) ( في نفس الباب الذي ورد فيه حديث أم عطية حدي ٌ
عائشة رضي ال عنها قالت» :كان النبي صلى ال عليه وسلم يبايع النساء بالكلم بهذه الية }:ل
يشركن بال شيًئا{ ]سورة الممتحنة [12/قالت :وما مست يد رسول ال صلى ال عليه وسلم يَد
امرأة إل امرأًة يملكها« ،فلو كان معنى المبايعة المصافحة كما زعموا لكان في كلمها تناقض.
قال ابن منظور في لسان العرب) (» :وبايعه عليه مبايعة :عاهده ،وفي الحديث» :أل تبايعوني
عا
على السلم« ،هو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة« اهـ ،فليست المبايعة من شرطها لغة ول شر ً
س الجلد للجلد ،فالمبايعة تصدق على المبايعة بل مس ولكن للتأكيد بايع الصحابة النبي صلى الم ّ
عليه وسلم في بيعة الرضوان بالخذ باليد ،وقد تكون المبايعة بالكتابة.
ضا
ومما يرّد كذبهم بأن غير أم عطية مدت يدها للرسول فصافحته في المبايعة حديث البخاري أي ً
من قول عائشة) ( »:ل وال ما مست يُده يَد امرأٍة قط في المبايعة ،ما يبايعهن إل بقوله :قد بايعُت ِ
ك
ضا يقال لهم :أين في حديث أم عطية النص على أن غيرها قد صافح النبي فهذا على ذلك« ،وأي ً
وهم منهم وافتراء.
ضا على تحريم المصافحة ومس الجنبية بل حائل حديث» :لن يطعن أحُدكم بحديدة في ويدل أي ً
ل له« ،رواه الطبراني) ( في »المعجم الكبير« وحسنه
رأسه خير له من أن يمس امرأة ل تح ّ
الحافظ ابن حجر ونور الدين الهيثمي والمنذري وغيرهم.
ثم المس في الحديث معناه الجس باليد ونحوها ليس الجماع كما زعمت التحريرية ،وراوي الحديث
معقل بن َيسار فهم من الحديث خلف ما تدعيه التحريرية كما نقل ذلك عنه ابن أبي شيبة في
مصنفه.
فتبين أن التحريرية افتروا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكذبوا عائشة رضي ال عنها،
وحرفوا اللغة العربية ،وأباحوا ما حرمه رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ومما يدل على جهلهم أنهم ادعوا أن حديث الطبراني في تحريم مصافحة الجنبية من قبيل خبر
الحاد ول يعمل به في الحكام ،فنرد عليهم بما ذكره الخطيب البغدادي في كتاب »الفقيه
والمتفقه«) ( من جواز العمل بحديث الحاد ،وقرر الصوليون أنه حجة في سائر أمور الدين ولم
يخالف في ذلك باشتراط التواتر إمام من الئمة إل المدي وكلمه ل حجة فيه ،فظهر بل خفاء
مكابرة حزب التحرير للحقيقة.
ثم ما يروى من أن النبي كانت تقوده أمة سوداء في أحياء المدينة ويقولون :في هذا الحديث حجة
على جواز مصافحة المرأة بل حائل.
يقال لهم :هذا الحديث ليس فيه النص على أنها كانت تأخذ بيده مصافحة بل حائل ،وليس هناك دليل
على أنها كانت في حد مشتهاة ،ومع هذا ل يجوز إلغاء الحديث الصريح الذي في مسلم) (» :واليد
زناها البطش« من أجل ذلك الحديث الذي يدخله الحتمال وهذا خلف قاعدة الصوليين والمحدثين
أنه إن تعارض حديثان ثابتان إسناًدا في الظاهر يجب الجمع بينهما ما أمكن ،فإن لم يمكن فإن
خا ،وإل ُذهب إلى الترجيح .فلو ذهبنا إلى الترجيح كان هذا
خا والمتقدم منسو ً
عرف المتأخر كان ناس ً
ُ
الحديث أي حديث مسلم هو المعمول به لن عليه إجماع الئمة ،فإن المذاهب الربعة يحرمون
المس بل حائل بشهوة وبدون شهوة ،فالحديث الذي يوافق عمل الكثر عند المحدثين والصوليين
حا على الذي يخالفه ،فكيف بالذي عليه عمل الجميع؟! يكون راج ً
وانظر أيها القارئ إلى فساد قولهم إنه ل يحرم المشي للزنى ول تحرم قبلة الرجل للمرأة الجنبية
وبالعكس ،وكذا الغمز والمص ولمس ثوب المرأة بشهوة ،وعدوا كل ذلك من المباحات ،أليس هذا
الكلم مخالًفا لحديث الطبراني المذكور؟ ،ومخالًفا لحديث مسلم) ( ُ»:كتب على ابن ءادم نصيبه من
الزنى مدرك ذلك ل محالة ،فالعينان زناهما النظر ،والذنان زناهما الستماع ،واللسان زناه الكلم،
ب يهوى ويتمنى وُيصّدق ذلك الفرج ويكذبه« ،وفي خطا ،والقل ُ
واليد زناها البطش ،والرجل زناها ال ُ
رواية لبي داود) (» :واليدان تزنيان فزناهما البطش ،والرجلن تزنيان فزناهما المشي ،والفم
يزني فزناه الُقبل« ،والُقبل جمع ُقبلة ،وفي رواية عند ابن حبان) (» :واليد زناؤها اللمس«.
وما فعلوه يكفي كفًرا لن رد النصوص كفر كما قال النسفي وغيره .فكيف يصح لهم دعوى السلم
مع معارضته؟ وإنما المسلم من سّلم ل ورسوله ولم يرد نصّ القرءان ول نص الحديث.
نقول لهم ِبيُنوا عن دعوى السلم ـ أي ابتعدوا ـ لنكم لستم من أهله فقد رددتم النصوص.
فالتحريرية يحرفون شرع ال بتحليلهم مصافحة الرجال للنساء الجنبيات غير المحارم وتقبيلهن
عند الوداع ،وقد خالفوا في هذا الجماع وأحاديث صحيحة كما تقدم ذلك ،أما الجماع فإن
المجتهدين الربعة وغيرهم وأتباعهم من المة يحرمون مصافحة الجنبيات مع اختلفهم في نقض
ست يد رسول ال امرأة ل تحل ضا فإن التحريرية خالفوا حديث عائشة» :ما َم ّالوضوء وعدمه ،وأي ً
له قط« رواه البخاري) ( ،وحديث َمْعِقل بن يسار رضي ال عنه عن رسول ال صلى ال عليه
س امرأة ل تحل له« رواه الطبراني) ( وسلم »:لن يطعن أحدكم بحديدة في رأسه خير له من أن َيَم ّ
وحسنه الحافظ ابن حجر ،فهذه الحاديث فيها التصريح بحرمة مس المرأة الجنبية.
وأما استدلل التحريرية بحديث أم عطية جاءنا عمر بن الخطاب فقال :أنا رسول رسول ال إليكم
للمبايعة فمد عمر يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت فبايعناه فليس فيه ذكر
المصافحة وإنما فيه ذكر مد اليد من عمر ومنهن فيحمل على أنه كان المد منهن للشارة للمبايعة،
ل ل يعارض الصحيح على أن الجماع ومن القواعد المقررة عند الصوليين والفقهاء أن المحتِم َ
ف وحَدُه فكيف إذا انضمت إليه هذه الحاديث الصحيحة الصريحة فبعد هذا ل يبقى للمخالف إل كا ٍ
المكابرُة والعناد.
ومثل هذه الفتراءات كثيرة في كتب حزب التحرير فهم يّدعون أن النسان »متى أصبح قادًرا على
الستنباط فإنه حينئذ يكون مجتهًدا ،ولذلك فإن الستنباط أو الجتهاد ممكن لجميع الناس ،وميسر
لجميع الناس ول سيما بعد أن أصبح بين أيدي الناس كتب في اللغة العربية والشرع السلمي«،
وهذا نص عبارتهم بحروفها) (.
الرد:
في هذا الكلم فتح لباب الفتوى بغير علم ،ألم يعلموا أن المجتهد هو من علم ما يتعلق بالحكام من
الكتاب والسنة ،وعرف الخاص والعام والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ،
وعرف من السنة المتواتر والحاد والمرسل والمتصل وعدالة الرواة وجرحهم ،وعرف أقاويل
عا وغيره ،وعرف القياس جلّيه وخفّيه وصحيحه وفاسده، الصحابة فمن بعدهم من المجتهدين إجما ً
وعرف لسان العرب الذي نزل به القرءان ،وعرف أصول العتقاد ،ويشترط أن يكون عدل قوي
ظا ليات الحكام وأحاديث الحكام. القريحة ،حاف ً
ثم إن المجتهد يشهد له أهل العلم بذلك ولم يشهد أحد من العلماء المعتبرين لتقي الدين النبهاني بذلك
ول بأقل من ذلك مرتبة ،وأّنى يكون مثل هذا الرجل مجتهًدا.
ضر ال امرأويكفي في رد مقالتهم هذه الحديث المتفق على تصحيحه بل هو من المتواتر) (» :ن ّ
سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها ،فرب حامل فقه ليس بفقيه ،ورب حامل فقه إلى من هو أفقه
منه« ،فقوله عليه السلم» :فرب حامل فقه ليس بفقيه« معناه أن منكم من ليس له حظ من الحديث
الذي يسمعه مني أن يفهم ما فيه من الحكام ،إنما حظه أن يبلغه لغيره ،فذلك الغير قد يكون ممن له
حظ في الستنباط والجتهاد ،فقد قسم الرسول أصحابه إلى قسمين جعل قسًما ل حظ لهم في
الستنباط والجتهاد ،فجعل هذا الصنف الكثر ،وجعل قسًما منهم مجرد رواة ُيسمعون الغير ما
سمعوه منه صلى ال عليه وسلم.
فمن نظر بعين التأمل إلى تصرفات هذه الفرقة لعلم أنها تدعو المسلمين إلى الفوضى والتهور.
وما ذهبت إليه هذه الفرقة التحريرية هو دعوة إلى الفوضى في أمور الدين ،فكيف تصلح الفوضى
ي:
في أمور الدين وهي ل تصلح في أمور الدنيا ،قال الفوُه الود ّ
اهـ.
فهرس المصادر
أ ـ المصادر المخطوطة:
ب ـ المصادر المطبوعة:
ـ الحسان بترتيب صحيح ابن حبان ،لبن بلبان ،دار الكتب العلمية ـ بيروت.
ـ التفكير ،تقي الدين النبهاني ،من منشورات حزب التحرير ـ 1393هـ ـ 1973ر.
ـ تكملة معجم المؤلفين ،محمد خير رمضان ،دار ابن حزم ـ بيروت.
ـ تهذيب الثار ،ابن جرير الطبري ،القاهرة.
ـ الدولة السلمية ،تقي الدين النبهاني ،من منشورات حزب التحرير1372 ،هـ ـ 1953ر.
ـ الشخصية السلمية ،تقي الدين النبهاني ،من منشورات حزب التحرير 1372هـ ـ 1953ر.
ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،ابن حجر العسقلني ،دار المعرفة ـ بيروت.
ـ مذكرة من حزب التحرير ،من منشورات حزب التحرير ،رجب 1405هـ /نيسان 1985ر.
ـ المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ،ابن حجر العسقلني ،دار المعرفة ـ بيروت.
* مقدمة
ق أفعاَلُه
ل المعتزلِة بأن العبَد يخُل ُ
ـ الدليل العقلي على فساِد قو ِ
ـ حزب التحرير يزعم أن من مات من غير َبْيَعة لخليفة مات ميتة جاهلية
ـ بيان حكم نصب الخليفة على المسلمين وحكم من يخرج على الخليفة مع وجوده وحكم من يموت
في زمن ليس فيه خليفة
ـ حزب التحرير يبيح تقبيل ولمس الرجل للمرأة الجنبية التي ل تحل له
ـ فهرس المصادر
ـ فهرس المواضيع