You are on page 1of 18

‫ر‬

‫كتابي"التمهيديلشحيكتابيالتوحيد"ي‬ ‫الملخص في‬


‫للشيخيصالحيبنيعبديالعزيزيآليالشيخ‬

‫‪FITRA ANDRIANSYAH‬‬ ‫‪2022.03.2076‬‬

‫‪ULINNUHA ABDURROSYID‬‬ ‫‪2022.03.2056‬‬

‫قسم األحوال الشخصية‬

‫كلية اإلمام الشافعي للدراسة اإلسالمية‬

‫‪1‬‬
‫املقدمة‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل على إحسانه‪ ،‬والشكر له على توفيقه وامتنانه‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده‬

‫ال شريك له تعظيما لشأنه‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله الداعي إىل رضوانه‪ ،‬اللهم صلى عليه‬

‫وعلى آله وأصحابه وإخوانه‪.‬‬

‫اَّللَ َوَال تُ ْش ِرُكوا بِِه‬


‫[و ْاعبُ ُدوا ه‬
‫إن هللا أيمران أن نعبده وال نشرك به شيئا كما قال تعاىل َ‬
‫َشْي ئًا]النحل ‪ ٣٦‬و لقد بعث هللا يف كل أمة رسال ليبلغوا هذا الدين التوحيد و اجتناب عبادة‬

‫املخلوق إىل عبادة اخلالق وحده كما قال تعاىل [لََق ْد بَ َعثْ نَا ِيف ُك ِل أُهم ٍة َر ُس ًوال أ َِن ْاعبُ ُدوا ه‬
‫اَّللَ‬
‫و ِ‬
‫‪ ٣٦‬و هذ معروف عندان لكن هذ امللخص سنبحث ضد التوحيد آال‬ ‫النساء‬ ‫اجتَنبُوا الطهاغُ َ‬
‫وت ۖ ]‬ ‫َ ْ‬
‫وهو الشرك و أنواعه كي نعرف و جنتنب عنه من كتاب التمهيد لشرح كتاب التوحيد للشيخ‬

‫صاحل بن عبد العزيز آل الشيخ‪.‬‬

‫و نسأل هللا تعاىل الوفيق و السداد‬

‫كاتبان امللخص‬

‫فطرة أندراين شاهيو أويل النهى عبد الرشيد‬

‫‪2‬‬
‫ابب من الشرك لبس احللقة واخليط وحنومها لرفع البالء أو دفعه‬

‫هذا ابب شرع به الشيخ ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬يف بيان التوحيد ببيان ضده‪ .‬ومن املعلوم أن الشيء يُعرف‬

‫ويتميز بشيئني‪ :‬حبقيقته‪ ،‬وميعرفة ضده‬

‫‪.‬فإن التوحيد يُعرف حسنه مبعرفة قبح الشرك‬

‫وما يضاد التوحيد منه ما يضاد أصله‪ ،‬وهو الشرك األكرب الذي إذا أتى به املكلف فإنه ينقض‬

‫توحيده ويكون مشركاً شركاً أكرب خمرجاً من امللة ‪ ،‬فمثل هذا يُقال فيه ‪ :‬أنه قد أيت مبا ينايف التوحيد‪ ،‬أو ينايف‬

‫أصل التوحيد‪ .‬والثاين‪ :‬ما ينايف كمال التوحيد الواجب‪ ،‬وهو ما كان حاصال من جهة الشرك األصغر‪ ،‬فإنه‬

‫ينايف كماله الواجب‪ ،‬فإذا أتى بشيء منه‪ ،‬فقد انيف بذلك كمال التوحيد ؛ ألن كمال التوحيد إمنا يكون‬

‫ابلتخلص من أنواع الشرك مجيعاً‪ ،‬وكذلك الرايء فإنه من أفراد الشرك األصغر ‪ -‬أعين‪ :‬يسري الرايء‪ ،‬وهو ينا‬

‫يف كمال التوحيد‪ ،‬ومنها أشياء يقول العلماء عنها‪ :‬إهنا نوع شرك‪ ،‬فيعربون عن بعض املسائل من الشركيات‬

‫أبهنا نوع شرك‪ ،‬أو ‪ :‬نوع تشريك ‪ ،‬فصارت ألفاظهم ‪ -‬عندان يف هذا الباب أربعة‬

‫‪.‬األول‪ :‬الشرك األكرب‬

‫‪.‬الثاين‪ :‬الشرك األصغر‬

‫‪.‬الثالث‪ :‬الشرك اخلفي‬

‫‪3‬‬
‫الرابع‪ :‬قوهلم يف بعض املسائل فيها نوع شرك‪ ،‬أو نوع تشريك ‪ ،‬وذلك مثل ما سيأيت يف قوله ‪ -‬جل‬

‫اَّللِ ُثُه يُنكروهنا ) (النحل‪ ،)۱۸۳ :‬ويف حنو قوله ‪ :‬أيُ ْش ِرُكو َن َما َال ََيْلُ ُق َشْيئًا َوُه ْم‬
‫ت ه‬ ‫ِ‬
‫وعال ‪ ( : -‬يَ ْع ِرفُو َن ن ْع َم َ‬
‫) َُيلَ ُقو َن } (األعراف‪۱۹۱ :‬‬

‫قوله ‪ ( :‬ابب من الشرك لبس احللقة واخليط وحنومها )‪ :‬املقصود بقوله‪( :‬وحنومها) ما يكون حنو‬

‫احللقة واخليط مثل اخلرز والتمائم واحلديد‪ ،‬وحنو ذلك مما قد يلبس‪ ،‬ومثله أيضاً‪ -‬ما يعلق يف البيوت‪ ،‬أو يف‬

‫السيارات‪ ،‬أو يعلق على الصغار‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬مما فيه لبس‪ ،‬أو تعليق‪ ،‬فكل ذلك يدخل يف هذا الباب‪ ،‬وأنه‬

‫من الشرك‪ .‬و احللقة‪ :‬إما أن تكون من صفر يعين‪ :‬من حناس‪ ،‬وإما أن تكون من حديد‪ ،‬أو تكون من أي‬

‫معدن واخليط معروف‪ ،‬واملراد عقده يف اليد على وجه االعتقاد‪ ،‬وليس املراد خيطا بعينه والتوحيد يتميز‬

‫مبعرفته يف نفسه أي‪ :‬مبعرفة معناه وأفراده‪ ،‬ومبعرفة ضده ‪-‬أيضاً‬

‫(لرفع البالء أو دفعه)؛ ألن احلالتني موجوداتن فمنهم من يعلق احللق‪ ،‬واخليوط ‪ ،‬وحنومها قبل وقوع‬

‫البالء لدفعه‪ ،‬وال شك أن هذا أعظم املاً وذنباً من الذي يعلق هذه األشياء لرفع البالء بعد حصوله ؛ ألنه‬

‫يعتقد أن هذه األشياء اخلسيسة الوضيعة تدفع قدر هللا جل وعال‬

‫اَّللِ ) يدخل فيه كل من تُوجه إليه بشيء من أنواع العبادة‪،‬‬


‫ون ه‬ ‫يفقوله‪ ( :‬أَفَرهي تُم هما تَ ْدعو َن ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََْ‬
‫وذلك يفيدان يف معرفة وجه االستدالل من هذه اآليةييو حديث عن عمران بن احلصني له ان النيب رأى رجال‬

‫يف بده حلقة من صفر فقال‪« :‬ما هذه ؟ قال من الواهنة‪ ،‬فقال‪« :‬الزعها فإهنا ال تزيدك إال وهنا‪ ،‬فإنك لو‬

‫مت وهي عليك‪ ،‬ما أفلحت ابداً مناسبة احلديث للباب ظاهرة‪ ،‬وهي أنه عليه الصالة والسالم رأى رجالً يف‬

‫يده حلقة من صفر ‪ -‬وكان أهل اجلاهلية يعلقوهنا رجاء النفع أو دفع الضر‪ -‬فقال عليه الصالة والسالم ‪« :‬‬

‫ما هذه ؟ » ‪ ،‬فإن قيل ‪ :‬فما نوع االستفهام يف هذا احلديث؟ اجلواب أن من أهل العلم من قال‪ :‬إنه‬

‫استفهام إنكار‪ .‬ولكن املسؤول مل يفهم أنه إنكار‪ ،‬بل فهم أنه استفصال ‪ ،‬فلذلك أجاب ؛ فقال‪ :‬من‬
‫‪4‬‬
‫الواهنة‪ .‬وقال آخرون من أهل العلم ‪ :‬إنه حيتمل أن يكون استفهام استفصال أو استفهام إنكار ؛ وهلذا‬

‫أجاب املسؤول بقوله ‪ :‬من الواهنة واألظهر األول‪ ،‬يعين‪ :‬أنه يفيد اإلنكار الشديد‪ ،‬وإمنا كان هو األظهر من‬

‫حيث داللة السياق عليه ؛ وليس يف السياق ما يدل على أنه كان يقصد بسؤاله االستفصال عن السبب‬

‫» ‪.‬الذي من أجله لبس الرجل حلقة الصفر‪ ،‬كأن يكون قد لبسها للتحلي‪ ،‬أو ألي أمر آخر‬

‫ابب ما جاء يف الرقى والتمائم‬

‫يف الباب السابق قال اإلمام ‪ -‬رمحه هللا ‪ :‬ابب من الشرك لبس احللقة واخليط وقال هنا ‪ :‬ابب ما‬

‫جاء يف الرقى والتمائم ومل يقل ‪ :‬ابب من الشرك الرقى والتمائم‪ ،‬وذلك ألن الرقى منها ما هو جائز مشروع‪،‬‬

‫ومنها ما هو شرك ممنوع‪ ،‬والتمائم منها ما هو متفق عليه أنه شرك‪ ،‬ومنها ما قد اختلف الصحابة فيه هل هو‬

‫من الشرك أو ال ؟ ؛ هلذا عرب ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬بقوله‪« :‬ابب ما جاء يف الرقى والتمائم» وهذا من أدب‬

‫التصنيف العايل‪ .‬والرقى مجع رقية وهي معروفة‪ ،‬وقد كانت العرب تستعملها ‪ ،‬وحقيقتها ‪ :‬أهنا أدعية وألفاظ‬

‫تقال أو تتلى‪ُ ،‬ث يُنفث فيها‪ ،‬ومنها ما له أثر عضوي يف البدن‪ ،‬ومنها ما له أثر يف األرواح‪ ،‬ومنها ما هو‬

‫جائز مشروع ‪،‬‬

‫ومنها ما هو شرك ممنوع‪ .‬وثبت أنه ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪ -‬رقى نفسه‪ ،‬ورقى غريه‪ ،‬بل ثبت أنه‬

‫رقي ‪ -‬أيضاً ‪ -‬رقاه جربيل ‪ ،‬ورقته عائشة ‪ ،‬فهذا الباب ‪-‬ابب ما جاء يف الرقى والتمائم ‪ -‬معقود لبيان‬

‫حكم الرقى ‪ ،‬وقد رخص الشارع يف الرقى ما مل تكن شركاً‪ ،‬وهي الرقى اليت خلت من الشرك‪ .‬وقد سأل‬

‫بعض الصحابة النيب عليه الصالة والسالم عن حكم الرقى فقال ‪ :‬اعرضوا علي رقاكم‪ ،‬ال أبس ابلرقى ما مل‬

‫‪ :‬يكن فيه شرك» وقد قال العلماء‪ :‬الرقية جتوز بثالثة شروط جممع عليها‬

‫‪5‬‬
‫‪.‬األول‪ :‬أن تكون ابلقرآن‪ ،‬أو أبمساء هللا‪ ،‬أو بصفاته‬

‫‪.‬الثاين‪ :‬أن تكون ابلكالم العريب‪ ،‬أي بلسان عريب‪ ،‬معلوم املعىن‬

‫الثالث‪ :‬أن ال يعتقد أهنا تنفع بنفسها‪ ،‬بل بتقدير هللا ‪-‬عز وجل‪ ، -‬قال بعض العلماء‪ :‬يدخل يف‬

‫الشرط األول أيضا أن تكون مبا ثبت يف السنة ‪،‬وعلى هذا فيكون الشرط األول‪ :‬أن تكون من القرآن‪ ،‬أو‬

‫السنة‪ ،‬أو أبمساء هللا وبصفاته‪ ،‬فال تكون الرقى جائزة إال ابجتماع هذه الشروط الثالثة ‪ .‬فإذا ختلف الشرط‬

‫األول أو الثاين‪ :‬ففي جواز الرقية خالف بني أهل العلم‪ ،‬والشرط الثالث متفق عليه بينهم‪ ،‬وأما اشرتاط كوهنا‬

‫أبمساء هللا وصفاته أو ابلكتاب والسنة‪ ،‬أو أن تكون بلسان عريب مفهوم‪ ،‬فإن هذا خمتلف فيه كما تقدم‪،‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬يسوع أن تكون الرقية مبا يعلم معناه ويصح املعىن بلغة أخرى‪ ،‬وال يشرتط أن تكون ابلعربية‪،‬‬

‫وال يشرتط أن تكون من القرآن أو السنة‪ .‬وهذه مسائل فيها خالف وحبث‪ .‬وأما من جهة أتثري غري القرآن‬

‫على املرقي وما سبق من اخلالف فاملقصود أن الرقى اجلائزة ابإلمجاع هي ما اجتمعت فيها الشروط الثالثة‪،‬‬

‫وأما الرقى الشركية احملرمة فهي اليت فيها استعاذة‪ ،‬أو استغاثة بغري هللا ‪ ،‬أو كان فيها شيء من أمساء‬

‫الشياطني‪ ،‬أو اعتقد املرقي فيها أهنا تؤثر بنفسها وهي اليت قال عليه الصالة والسالم فيها‪ « :‬إن الرقى‬

‫والتمائم والتولة شرك»‪ .‬فاحلاصل من ذلك‪ :‬أن الرقى منها ما هو جائز مشروع‪ ،‬ومنها ما هو شركي ممنوع‪،‬‬

‫وقد علمت ضابط الرقى اجلائزة املشروعة‪ ،‬واحملرمة الشركية املمنوعة‪ .‬والتمائم‪ :‬مجع متيمة ‪ -‬وقد ذكر تفسريها‬

‫خمتصراً من قبل ‪ -‬وهي جتمع أنواعاً كثرية‪ ،‬فالتمائم جتمع كل ما يُعلق‪ ،‬أو يتخذ مما يراد منه تتميم أمر اخلري‬

‫‪-‬للعبد‪ ،‬أو دفع الضرر عنه ويعتقد فيه أنه سبب‪ .‬ومل جيعل هللا ‪-‬جل وعال‬

‫‪6‬‬
‫ذلك الشيء سبباً ال شرعاً وال قدراً ‪ .‬فالتميمة ‪ -‬إذا شيء يتخذ من جلد أو ورق ويكون فيه أذكار‬

‫وأدعية وتعوذات تعلق على الصدر‪ ،‬أو يف العضد‪ ،‬وقد تُتخذ التميمة من خرزات وحبال وحنو ذلك ‪ ،‬يعلق‬

‫على الصدر‪ ،‬وقد تكون التميمة ابختاذ شيء ُجيعل جلى ابب البيت‪ ،‬أو يف السيارة‪ ،‬أو أي مكان ما‪،‬‬

‫فاحلاصل أن التمائم جيمعها أهنا شيء يراد منه تتميم أمر اخلري‪ ،‬وتتميم أمر دفع الضر وذلك الشيء مل يؤذن‬

‫به ال شرعاً‪ ،‬وال قدراً‬

‫ابب من تربك بشجر أو حجر وحنومها‬

‫ابب من تربك بشجر او حجر وحنومها يعين ‪ :‬ما حكم هذا الفعل ؟ اجلواب ‪ :‬هو مشرك ‪ ،‬يعين ‪:‬‬

‫ابب من تربك بشجر أو حجر وحنومها فهو مشرك‪ .‬وقوله ‪ « :‬من تربك »‪ :‬التربك تفعل من الربكة‪ ،‬وهو طلب‬

‫الربكة ‪ .‬والربكة مأخوذة ‪ -‬من حيث االشتقاق ‪ -‬من مادة (بروك)‪ ،‬أو من كلمة (بركة)‪ ،‬أما اشتقاقها من‬

‫الربوك‪ :‬فربوك البعري يدل على مالزمته وثبوته يف ذلك املكان‪ ،‬وأما اشتقاقها من الربكة فالربكة هي‪ :‬جمتمع‬

‫املاء‪ ،‬وهي تدل على كثرة املاء يف هذا املوضع‪ ،‬وعلى لزومه له‪ ،‬وعلى ثباته فيه‪ .‬فيكون معىن الربكة ‪ -‬إذاً ‪-‬‬

‫‪ -‬كثرة الشيء الذي فيه اخلري‪ ،‬وثباته‪ ،‬ولزومه فالتربك هو طلب اخلري الكثري‪ ،‬وطلب ثباته ‪ ،‬وطلب لزومه‪،‬‬

‫فتربك ‪ ،‬يعين‪ :‬طلب الربكة ‪ .‬والنصوص يف القرآن والسنة دلت على أن الربكة من هللا جل وعال وأن هللا جل‬

‫وعال ‪ -‬هو الذي يبارك‪ ،‬وأنه ال أحد من اخللق يبارك أحداً‪ ،‬قال سبحانه و تَبَ َارَك اله ِذى نَهزَل الْ ُف ْرقَا َن َعلَى‬

‫َعْب ِدهِ ﴾ [الفرقان‪ )١ :‬يعين ‪َ :‬عظُم خري من نزل الفرقان على عبده‪ ،‬وكثر ‪ ،‬ودام ‪ ،‬وثبت‪ .‬وقال ‪ ( :‬تََربَ َك‬

‫ك ) امللك ‪ )١ :‬وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬وتَ َرْكنَا َعلَْي ِه َو َعلَى إِ ْس َح َق ) [الصافات‪ )١١٣ :‬وقال ‪( :‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫الهذي بِيَده الْ ُم ْل ُ‬

‫َو َج َعلَِين ُمبَ َارًكا ) [مرمي ‪ ]٣١ :‬فالذي يبارك هو هللا ‪ -‬جل وعال ‪ ، -‬فال جيوز للمخلوق أن يقول ‪ :‬ابركت‬

‫على الشيء‪ ،‬أو أابرك فعلكم ؛ ألن الربكة وكثرة اخلري ولزومه وثباته‪ ،‬إمنا ذلك من الذي بيده األمر وهو هللا‬

‫عز وجل‬

‫‪7‬‬
‫وقد دلت النصوص يف الكتاب والسنة على أن األشياء اليت أحل هللا ‪ -‬جل وعال ‪ -‬الربكة فيها قد‬

‫تكون أمكنة أو أزمنة ؛ وقد تكون خملوقات آدمية فهذان قسمان‪ :‬القسم األول ‪ :‬أن هللا ‪ -‬تعاىل ‪ -‬ابرك‬

‫بعض األماكن كبيت هللا احلرام وحول بيت املقدس‪ ،‬كما قال سبحانه‪ ﴿ :‬اله ِذي بََرْكنَا َح ْولَهُ ) اإلسراء‪،)۱ :‬‬

‫ومعىن كون األرض مباركة‪ :‬أن يكون فيها اخلري الكثري الالزم الدائم هلا ؛ ليكون ذلك أشجع يف أن يالزمها‬

‫أهلها الذين دعوا إليها‪ ،‬وهذا ال يعين أبداً ‪ -‬أن يتمسح أبرضها‪ ،‬أو أن يتمسح حبيطاهنا‪ ،‬ألن بركتها الزمة‬

‫ال تنتقل ابلذات ‪ .‬فربكة األماكن‪ ،‬أو بركة األرض‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬بركة الزمة ال تنتقل ابلذات‪ ،‬يعين أنك إذا ال‬

‫مست األرض‪ ،‬أو دفنت فيها‪ ،‬أو تربكت هبا‪ ،‬فإن بركتها ال تنتقل إليك ابلذات‪ ،‬وإمنا بركتها من جهة املعىن‬

‫فقط كذلك بيت هللا احلرام هو مبارك ال من جهة ذاته‪ ،‬يعين‪ :‬ليس كما يعتقد البعض أن من متسح به‬

‫انتقلت إليه الربكة‪ ،‬وإمنا هو مبارك من جهة املعىن يعين‪ :‬اجتمعت فيه الربكة اليت جعلها هللا يف هذه البنية‪،‬‬

‫من جهة تعلق القلوب هبا‪ ،‬وكثرة اخلري الذي يكون ملن أرادها ‪،‬وأانها وطاف هبا‪ ،‬وتعيد عندها‪ ،‬وكذلك‬

‫احلجر األسود‪ ،‬هو حجر مبارك‪ ،‬ولكن بركته ألجل العبادة‪ ،‬يعين ‪ ،‬أن من استلمه تعبداً مطعياً للنيب يف‬

‫استالمه له‪ ،‬ويف تقبيله فإنه يناله به بركة االتباع وقد قال عمر ملا قبل احلجر‪« :‬إين ألعلم أنك حجر ال تنفع‪،‬‬

‫وال تضر ) فقوله ‪ :‬ال تنفع وال تضر‪ ،‬يعين‪ :‬ال جيلب ملن قبله شيئا من النفع‪ ،‬وال يدفع عن أحد شيئاً من‬

‫الضر‪ ،‬وإمنا احلامل على التقبيل جمرد االنساء‪ ،‬تعبدا هللا‪ ،‬ولذلك قال‪ .. « :‬ولوال أين رأيت رسول هللا يقبلك‬

‫ما قبلتك » فهذا معىن الربكة اليت جعلت يف األمكنة ‪ .‬وأما معىن كون الزمان مباركاً ‪ -‬مثل شهر رمضان‪ ،‬أو‬

‫بعض أايم هللا الفاضلة فيعين‪ :‬أن من تعبد فيها‪ ،‬ورام اخلري فيها‪ ،‬فإنه ينال من كثرة الثواب ما ال يناله يف‬

‫غريها من األزمنة ‪ .‬والقسم الثاين‪ :‬الربكة املنوطة ببين آدم وهي الربكة اليت جعلها هللا ‪ -‬جل وعال يف املؤمنني‬

‫من الناس‪ ،‬وعلى رأسهم سادة املؤمنني‪ :‬من األنبياء والرسل‪ ،‬فهؤالء بركتهم بركة ذاتية‪ ،‬يعين أن أجسامهم‬

‫‪8‬‬
‫مباركة‪ ،‬فاهلل ‪ -‬جل وعال‪ -‬هو الذي جعل جسد آدم مباركاً‪ ،‬وجعل جسد إبراهيم عليه السالم مباركاً‪،‬‬

‫وجعل جسد نوح مباركاً‪ ،‬وهكذا جسد عيسى‪ ،‬وموسى عليهم مجيعاً الصالة والسالم جعل أجسادهم مجيعاً‬

‫‪ -‬مباركة مبعىن‪ :‬أنه لو تربك أحد من أقوامهم أبجسادهم إما ابلتمسح هبا ‪ ،‬أو أبخذ عرقها ‪ ،‬أو ابلتربك‬

‫ببعض أشعارهم‪ ،‬فهذا جائز ؛ ألن هللا جعل أجسادهم مباركة بركة متعدية وهكذا نبينا حممد بن عبد هللا هللا‬

‫جسده ‪ -‬أيضاً ‪ -‬جسد مبارك‬

‫ابب ما جاء يف الذبح لغري هللا من الوعيد وأنه شرك ابهلل جل وعال‬

‫قول الشيخ ‪ -‬رمحه هللا ‪ « -‬ابب ما جاء يف الذبح لغري هللا » ‪ .‬الذبح معروف‪ ،‬وهو‪ :‬إراقة الدم ‪.‬‬

‫وقوله ‪ « :‬لغري هللا » يعين‪ :‬متقرابً به إىل غري هللا‪ ،‬أي‪ :‬ذبح ألجل غري هللا‪ ،‬والذبح فيه شيئان مهمان ومها‬

‫‪:‬نكتة هذا الباب‪ ،‬وعقدته‬

‫األول‪ :‬الذبح ابسم هللا ‪ ،‬أو الذبح ابإلهالل ابسم ما ‪ .‬الثاين‪ :‬أن يذبح متقرابً ملا يريد أن يتقرب‬

‫إليه‪ ،‬فإذاً‪ُ :‬ث التسمية‪ ،‬وُث القصد‪ ،‬ومها شيئان أما التسمية فظاهر ‪ :‬أن ما ذكر عليه اسم هللا فإنه جائز كما‬

‫اَّللِ َعلَْي ِه إِن ُكنتُم بِ َشايَتِ ِه مؤمنني ) [األنعام‪ ]١١٨ :‬وأن ما مل يذكر اسم هللا‬
‫اس ُم ه‬ ‫ِ ِ‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬فَ ُكلُوا ممها ذُكَر ْ‬
‫عليه‪ ،‬فهذا الذي أهل لغري هللا ‪ ،‬يعين‪ :‬ذكر غري اسم هللا عليه ‪ ،‬فهذا ِممها أهل لغري هللا به كما يف قوله تعاىل‪:‬‬

‫اَّللِ ﴾ (البقرة ‪ )١٧٣ :‬وقوله‪َ ﴿ :‬وَما أ ُِه هل بِِه لِغَ ِْري ه‬


‫اَّللِ ) املائدة ‪3:‬‬ ‫﴿ َوَما أ ُِه هل بِِه لِغَ ِْري ه‬

‫ابب ال يذبح هلل مبكان يذبح فيه لغري هللا‬

‫يقال اإلمام ‪ -‬رمحه هللا ‪« : -‬ابب ال يذبح هللا مبكان يذبح فيه لغري هللا ‪ ...‬قوله « ال يذبح هللا »‬

‫هذا على جهة النفي املشتمل على النهي ؛ ألن من أساليب اللغة العربية أنه يُعدل عن التصريح ابلنهي إىل‬

‫التصريح ابلنفي ؛ ليدل داللة أبلغ على أن النفي والنهي معاً مقصودان‪ ،‬فكأنه ال يصح أن يقع أصالً ؛ وهلذا‬

‫‪9‬‬
‫أتى بصيغة النفي فقال‪ « :‬ابب ال يذبح هللا » ‪ .‬وقال بعض أهل العلم ُحيتمل أن تكون ( ال ) للنهي‪،‬‬

‫فيكون الفعل املضارع بعدها جمزوماً‪ ،‬أي‪« :‬ابب‪ :‬ال يذبح هللا مبكان يذبح فيه لغري هللا »‪ .‬وقوله‪« :‬هللا »‬

‫‪ .‬يعين أن تكون النسبكة‪ ،‬أو أن تكون الذبيحة مراداً هبا وجه هللا ‪ -‬جل وعال‬

‫ميكان يذبح فيه لغري هللا » و (الباء) هنا هلا معىن زائد على كلمة (يف) وهذا املعىن الزائد أهنا أفهمت‬

‫معىن الظرفية ومعىن اجملاورة مجيعاً ؛ ألن (الباء) تكون للمجاورة أيضاً كما تقول‪ :‬مررت يزيد‪ ،‬يعين ‪ ،‬ميكان‬

‫قريب من مكان زيد أو مبكان جماور ملكان زيد والظرفية ب (يف) تفيد أنه يف املكاننفسه‪ ،‬فاستعمال حرف‬

‫الباء) يفيد أنه جماور لذلك املكان‪ .‬وهذان املعنيان معاً مقصودان‪ ،‬وهو أنه ال يُذبح هللا مبجاورة املكان الذي‬

‫يُذبح فيه لغري هللا ‪ ،‬وال يف نفس املكان الذي يذبح فيه لغري هللا ؛ ألهنما هبذا يشرتكان مع الذين يذحبون لغري‬

‫هللا جل وعال‪.‬‬

‫ابب من الشرك النذر لغري هللا تعاىل‬

‫قوله ‪« :‬ابب من الشرك النذر لغري هللا تعاىل» (من) ها هنا تبعيضية‪ .‬قوله ‪« :‬من الشرك النذر » ‪:‬‬

‫النذر مبتدأ مؤخر‪ ،‬واخلرب قبله‪ ،‬وأصل اجلملة النذر لغري هللا كائن من الشرك ‪ .‬والشرك هنا‪ :‬املقصود به الشرك‬

‫‪.‬األكرب‬

‫وال شك أ هن النذر لغريا هللا شرك أكرب ابهلل جل وعال ‪ ، -‬ووجه كونه شركا ابهلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬أن‬

‫‪ .‬النذر هو‪ :‬إلزام املكلف نفسه بعبادة هللا ‪ -‬جل وعال‪ -‬إما مطلقا‪ ،‬وإما بقيد‪ ،‬فهذه حقيقة النذر‬

‫ومما يدل ‪ -‬أيضاً ‪ -‬على أ أن النذر عبادة‪ :‬أن هللا ‪ -‬جل وعال‪َ -‬م َد َح الذين يوفون ابلنذر فقال‪( :‬‬

‫يُوفُو َن ِابلنهذر َوََيَافُو َن يَ ْوًما َكا َن َشُّرهُ ُم ْستَ ِط ًريا ) اإلنسان ‪ ،‬ومدحه هلم يدل على أن الوفاء ابلنذر أمر حمبوب‬

‫‪10‬‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬وال يكون حمبواب إال وهو مشروع‪ ،‬وذلك يقتضي أن ه عب ادة م ن العبادات‪ ،‬بل إن الوفاء ابلنذر‬

‫‪ .‬واجب ؛ ألنه الزام بطاعة‪ ،‬وقد قال ‪ :‬من نذر أن يطيع هللا فليطعه‬

‫ومما يدل ‪ -‬أيضاً ‪ - -‬على كون النذر عبادة قوله‪َ ﴿ :‬وَما أَن َف ْقتُم ِمن نه َف َق ٍة أ َْو نَ َذ ْرُُت ِمن نه ْد ٍر فَإِ هن‬

‫اَّللَ يَ ْعلَ ُمهُ ﴾ [البقرة ‪ )٢٧٠ :‬ووجه الداللة‪ :‬حمبة هللا ‪ -‬جل وعال ‪ -‬لذلك الذي حصل منهم تعظيماً له‪-‬‬
‫ه‬

‫صَرفَهُ لغري هللا ‪ -‬جل وعال ‪ -‬كان‬


‫سبحانه وتعاىل ‪ -‬ابلنذر‪ .‬وإذا كان كذلك فإنه عبادة من العبادات فمن َ‬
‫مشركاً ابهلل ‪ -‬جل وعال‬

‫ابب من الشرك االستعاذة بغري هللا تعال‬

‫واالستعاذة‪ :‬استفعال‪ ،‬ومادة (استفعل) موضوعة يف الغالب للطلب فغالب جميء األلف والسني‬

‫والتاء للطلب ؛ فمعىن استعاذ‪ ،‬واستعان واستغاث‪ ،‬واستسقى‪ :‬طلب تلك األمور‪ ،‬وأتيت أحياانً للداللة على‬

‫اَّللُ ) [التغابن ‪ ]٦ :‬؛ ف (استغىن) ليس‬


‫استَغْ َىن ه‬
‫كثرة الوصف يف الفعل‪ ،‬كما يف قوله جل وعال ‪َ ﴿ :-‬و ْ‬
‫معناها طلب الغىن‪ ،‬وإمنا جاء ابلسني والتاء هنا للداللة على عظم االتصاف ابلوصف الذي اشتمل عليه‬

‫الفعل‪ ،‬وهو الغىن ‪ .‬و استعاذ) و (استغاث) و ( استعان ) ‪ ،‬وأشباه ذلك‪ ،‬فيها طلب‪ ،‬والطلب من أنواع‬

‫التوجه والدعاء‪ ،‬ألن الطلب ُّ‬


‫يدل على أن هناك من يُطلب منه واملطلوب منه ملا كان أرفع درجة من الطالب‬

‫كان الفعل املتوجه إليه يسمى دعاء ؛وهلذا فإن حقيقة االستعاذة لغةً‪ ،‬وداللتها شرعاً هي‪ :‬طلب العوذ‪ ،‬أو‬

‫طلب العياذ ؛ وهو الدعاء املشتمل على ذلك‪ ،‬واالستغاثة هي‪ :‬طلب الغوث وهو دعاء مشتمل على ذلك ‪.‬‬

‫وهكذا يف كل ما فيه طلب نقول‪ :‬إنه دعاء‪ ،‬وإذا كان دعاء فإنه يكون عبادة‪ ،‬والعبادة حق هللا وحده دون‬

‫من سواه‪ ،‬كما قام اإلمجاع على هذا‪ ،‬ودلت النصوص عليه ‪ ،‬كقوله ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬وأَ هن الْ َم َس ِج َد ِهَّللِ فَ َال‬

‫ك أهَال تَ ْعبُ ُدواْ إِهال إِ هايهُ ) اإلسراء ‪ )٢٣ :‬وكقوله ‪- :‬‬ ‫تَ ْدعوا مع هِ‬
‫ضى َربُّ َ‬
‫َح ًدا ) [اجلن‪ )١٨ :‬وكقوله‪َ ﴿ :‬وقَ َ‬
‫اَّلل أ َ‬ ‫ُ ََ‬

‫‪11‬‬
‫اَّللَ َوَال تُ ْش ِرُكوا بِِه َشْي ئًا ) (النساء ‪ ١٣٦‬إذا فكل فعل من األفعال‪ ،‬أو قول من األقوال‬
‫أيضاً ‪َ ﴿ :-‬و ْاعبُ ُدوا ه‬

‫فيه طلب يكون عبادة ؛ ألنه دعاء ؛ وكل طلب فهو دعاء ‪ .‬والطلب َيتلف نوعه ومسماه ابختالف‬

‫املطلوب منه‪ :‬فإذا كان الطلب من مقارن‪ :‬فيسمى التماساً‪ ،‬وإذا كان ممن هو دونك فيسمى أمراً‪ ،‬وإذا كان‬

‫ممن هو أعلى منك فيسمى دعاء ‪ .‬واملستعيد واملستغيث‪ ،‬ال شك أنه طالب من هو أعلى منه ‪ :‬احلاجته إليه‬

‫‪ :‬فلهذا يصح ) ان يكون كل دليل فيه ذكر إفراد هللا ‪ -‬جل وعال ابلدعاء أو ابلعبادة دليال على خصوص‬

‫هذه املسألة‪ ،‬وهي أن االستعادة عبادة من العبادات العظيمة‪ ،‬وإذ كانت كذلك فإن إفراد هللا هبا واجب‬

‫وقوله ‪ -‬هنا ‪ « :‬من الشرك االستعاذة بغري هللا » هذا الغري شامل لكل من يتوجه إليهم ابلعبادة‪،‬‬

‫ويشركوهنم مع هللا‪ ،‬ويدخل يف ذلك ‪ -‬ابألولية ‪ -‬ما كان املشركون اجلاهليون يتوجهون إليهم ابلعبادة من‬

‫‪.‬اجلن واملالئكة والرسل واألنبياء والصاحلني‪ ،‬واألشجار‪ ،‬واألحجار‪ ،‬وغري ذلك من معبوداهتم‬

‫لكن هل مقصوده بقوله‪« :‬ابب من الشرك االستعاذة بغري هللا » مشول هذا احلكم على فاعله‬

‫ابلشرك‪ ،‬لكل أنواع االستعاذة‪ ،‬ولو كان فيما يقدر عليه املخلوق؟ واجلواب ‪ :‬أن هذا فيه تفصيل‪ ،‬فمن‬

‫العلماء من يقول‪ :‬االستعادة ال تصلح إال ابهلل‪ ،‬وليس ُث استعادة مبخلوق فيما يقدر عليه ؛ ألن االستعادة‬

‫توجه القلب‪ ،‬واعتصامه‪ ،‬والتجاؤه‪ ،‬ورغبه ‪ ،‬وهذه املعاين مجيعاً ال تصلح إال هلل ‪ -‬جل وعال‬

‫ابب من الشرك أن يستغيث بغري هللا أو يدعو غريه‬

‫قوله ‪« :‬ابب من الشرك أن يستغيث بغري هللا أو يدعو غريه الشرك‪ :‬املراد به كما ذكران فيما سبق ‪-‬‬

‫‪ :‬الشرك األكرب‪ .‬قوله‪ « :‬أن يستغيث »‪ :‬يعين‪ :‬االستغاثة ؛ ألن ( أن) مع الفعل تُؤول ي (ابب) من الشرك‬

‫االستغاثة بغري هللا ) أو ( استغاثة بغريا هللا ) ‪ ،‬مبصدر‪ ،‬يعين‪ :‬وكذلك قوله ‪ « :‬يدعو» يؤول مبصدر ‪ ،‬يعين‬

‫من الشرك ‪ ( ،‬دعوة غريه ) ‪ ،‬أو (دعاء غريه)‪ .‬واالستغاثة ‪ -‬كما ذكران ‪ : -‬طلب ؛ والطلب نوع من أنواع‬

‫‪12‬‬
‫الدعاء ؛ وهلذا قال العلماء‪ :‬إن يف قوله « أو يدعو غريه » بعد قوله‪ « :‬أن يستغيث بغري هللا » عطفا للعام‬

‫على اخلاص‪ ،‬ومن املعلوم أن اخلاص قد يُعطف على العام‪ ،‬وأن العام قد يُعطف على اخلاص ‪ .‬وقوله‪ « :‬أن‬

‫يستغيث بغري هللا »‪ :‬هذا أحد أفراد الدعاء كما ذكران ألن االستغاثة طلب‪ ،‬والطلب دعاء‪.‬‬

‫وقوله‪ « :‬أو يدعو غريه ‪ :‬هذا لفظ عام يشمل االستغاثة‪ ،‬واالستعاذة‪ ،‬ويشمل أصنافاً كثرية من‬

‫‪ .‬أنواع الدعاء‬

‫قوله « أن يستغيث » االستغاثة هي‪ .‬طلب الغوث‪ ،‬والغوث حيصل ملن وقع يف شدة وكرب َيشى‬

‫معه املضرة الشديدة‪ ،‬أو اهلالك ؛ فيُقال‪ :‬أغاثه إذا فزع إليه ‪ ،‬وأعانه على كشف ما به ‪ ،‬وخلصه منه ؛ كما‬

‫استَ َعثَهُ اله ِذى ِمن ِش َيعتِ ِه َعلَى اله ِذي ِم ْن َع ُدقِ ِه ) [القصص ‪)١٥ :‬‬
‫قال‪ -‬جل وعال‪ -‬يف قصة موسى‪ ﴿ :‬فَ ْ‬
‫استَغَتَهُ اله ِذى ‪ِ ، .‬من ِش َيعتِ ِه ﴾ [القصص ‪ ]١٥ :‬يعين‪ :‬أن َم ْن كان من شيعة موسى طلب الغوث‬
‫فقوله‪﴿ :‬فَ ْ‬
‫‪ .‬من موسى على من كان عدواً هلما مجيعاً ‪ ،‬فاغاثه موسى عليه السالم‬

‫فاالستغاثة ‪ :‬طلب الغوث ؛ وطلب الغوث ال يصلح إال من هللا فيما ال يقدر عليه إال هللا جل‬

‫جالله ‪ -‬؛ ألن االستغاثة ميكن أن تُطلب من املخلوق فيما يقدر عليه‪ .‬لكن مىت تكون االستغاثة بغري هللا‬

‫شركاً أكرب؟ ضبطه بعض أهل العلم بقوهلم‪ :‬تكون شركاً أكرب‪ ،‬إذا استغاث ابملخلوق فيما ال يقدر عليه ذلك‬

‫املخلوق ‪ .‬وقال آخرون‪ :‬تكون شركاً أكرب‪ ،‬إذا استغاث ابملخلوق فيما ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬وهااتن العباراتن‬

‫خمتلفتان ‪ .‬واألصح منهما األخرية ؛ ألن املرء إذا استغاث ابملخلوق فيما ال يقدر عليه إال هللا ؛ وهو يعلم أن‬

‫هذا ال يقدر عليه إال هللا‪ :‬فهذا شرك أكرب ابهلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬ألن حقيقة األمر أنه ال يقدر عليه إال هللا‬

‫‪13‬‬
‫يأما قول من قال من أهل العلم إن االستغاثة شرك أكرب إذا استغاث ابملخلوق فيما ال يقدر عليه‪،‬‬

‫فإن هذا يَِرُد عليه‪ :‬أن مثت أشياء قد يكون املخلوق يف ظاهر األمر قادراً عليها‪ ،‬ولكنه يف احلقيقة ال يقدر‬

‫عليها‪ ،‬لكن هذا الضابط غري منضبط ؛ أل هن من وقع يف شدة‪ ،‬كغرق‪ -‬مثالً ‪ -‬وتوجه لرجل يراه أبن يغيثه‬

‫فقال خماطباً إايه أستغيث بك أستغيث بك ‪ ،‬أستغيث بك ‪ ،‬وذاك ال حيسن السباحة‪ ،‬وال حيسن اإلجناء من‬

‫الغرق فهذا يكون قد استغاث ابملخلوق فيما ال يقدر عليه املخلوق‪ ،‬فهل يكون شركاً أكرب ؟ ! ال يكون منه‬

‫؟ ألن اإلغاثة من الغرق وحنوه يصلح يف الغالب ‪ -‬أن يكون املخلوق قادراً عليها‪ ،‬فيكون الضابط الثاين هو‬

‫الصحيح ‪ ،‬وهو أن يقال‪ :‬االستغاثة بغري هللا شرك أكرب إذا كان قد استغاث ابملخلوق فيما ال يقدر عليه إال‬

‫هللا‪ ،‬أما إذا استغاث به فيما يقدر عليه غري هللا من املخلوقني‪ ،‬لكن هذا املخلوق املعني مل يقدر على هذا‬

‫الشيء املعني‪ :‬فإنه ال يكون شركاً ؛ ألنه ما اعتقد يف املخلوق شيئاً ال يصلح إال هللا ‪ -‬جل جالله ‪. -‬‬

‫فاالستغاثة بغري هللا إذا كانت فيما ال يقدر عليه إال هللا‪ ،‬فهي شرك أكرب وإذا كانت فيما يقدر عليه املخلوق‬

‫فهي جائزة ؛ كما حصل من صاحب موسى‪ ،‬إذ استغاث مبوسى عليه السالم‬

‫ابب الشفاعة‬

‫والشفاعة هي‪ :‬الن صاحب الطلب أصبح مسعا ‪ ،‬بعد أن كان فردا ‪ .‬الدعاء ‪ .‬وطلب الشفاعة هو‬

‫‪ :‬طلب الدعاء‪ ،‬فإذا قال قائل‪ :‬أستشفع برسول هللا ‪ ،‬فكأنه قال‪ :‬أطلب من الرسول هللا أن يدعو يل عند‬

‫هللا ‪ .‬فالشفاعة طلب ؛ فمن استشفع فقد طلب الشفاعة‪ .‬واخلالصة‪ :‬أن الشفاعة دعاء‪ ،‬وهي‪ :‬طلب‬

‫دعى مع ا هللا ‪ -‬جل وعال‬


‫الدعاء ‪ -‬أيضاً ‪ -‬وقد سبق أن قرران أن كل دليل ورد يف الشرع على إبطال أن يُ َ‬
‫إله آخر‪ ،‬فإنه يصلح أن يكون دليال على إبطال االستشفاع ابملوتى الذين غابوا عن دار التكليف ؛ ألن‬

‫حقيقة الشافع ‪ -‬كما تقدم آنفاً ‪ -‬أنه طالب ؛ وألن حقيقة املستشفع أنه طالب ‪ -‬أيضاً ‪ ، -‬فالشافع يف‬

‫ظن املستشفع يدعو ‪ ،‬واملستشفع يدعو من أراد منه الشفاعة‪ ،‬يعين‪ :‬إذا أتى آت إىل قرب نيب أو قرب ويل‪ ،‬أو‬

‫‪14‬‬
‫حنو ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬أستشفع بك‪ ،‬أو أسال الشفاعة‪ ،‬فمعناه أنه طلب منه‪ ،‬ودعا أن يدعو له ؛ فلهذا كان‬

‫صرفها ‪ ،‬أو التوجه هبا إىل غري هللا ‪ -‬جل وعال ‪ -‬شركاً أكرب؛ ألهنا يف احلقيقة دعوة لغري هللا ‪ ،‬وسؤال من‬

‫وحكم طلبها من األموات‪ ،‬وأن ذلك‬


‫هذا امليت‪ ،‬وتوجه ابلطلب والدعاء منه‪ .‬فإذا عرفت معىن الشفاعة‪ُ ،‬‬
‫شرك أكرب‪ :‬فاعلم أن األحياء الذين هم يف دار التكليف جيوز طلب الشفاعة منهم ؛ مبعىن‪ :‬أن يطلب منهم‬

‫الدعاء‪ ،‬لكن قد جياب دعاؤهم‪ ،‬وقد ال جياب‪ ،‬وهذا كما هو حاصل يف شفاعة الناس بعضهم لبعض‪،‬‬

‫ابلشفاعة احلسنة‪ ،‬أو ابلشفاعة السيئة‪ ،‬كما قال تعاىل ‪ ( :‬همن يَ ْش َف ْع َش َف َعةً َح َسنَةً ) [النساء ‪ ]٨٥ :‬وقال‪:‬‬

‫﴿ َوَمن يَ ْش َفع َش َف َعةً َسيِئَةُ ( النساء‪ ، ١٨٥ :‬فهذا حيصل لك ن م ن األحياء ؛ ألهنم يف دار تكليف‪،‬‬

‫ويقدرون على اإلجابة ‪ ،‬وقد أذن هللا يف طلب الشفاعة منهم ؛ وهلذا كان الصحابة يف عهد النيب رمبا أتى‬

‫بعضهم النيب عليه الصالة والسالم وطلب أن يشفع له ‪ ،‬يعين‪ :‬أن يدعو له ‪ .‬فمسألة الشفاعة من املسائل‬

‫اليت ختفى على كثريين مبا يف ذلك بعض أهل العلم ؛ ولذا وقع بعضهم يف أغالط يف مسألة طلب الشفاعة‬

‫من النيب عليه الصالة والسالم‪ ،‬فأوردوا قصصاً يف كتبهم فيها استشفاع ابلنيب دون إنكار‪ ،‬كما فعل النووي و‬

‫ابن قدامة يف املغين وغريمها ‪ .‬وهذا ال يعد خالفاً يف املسألة ؛ ألن هذا اخلالف راجع إىل عدم فهم حقيقة‬

‫هذا األمر‪ ،‬ومسألة الشفاعة مسألة فيها خفاء ؛ وهلذا يقول بعض أهل العلم من أئمة الدعوة رمحهم هللا‪ :‬إن‬

‫إقامة احلجة يف مسائل التوحيد ختتلف حبسب قوة الشبهة‪ ،‬فأقل الشبهات وروداً‪ ،‬وأيسر احلجج قدوماً على‬

‫املخالف هو فيما يتعلق أبصل دعوة غري هللا معه وابالستغاثة بغري هللا‪ ،‬والذبح لغريه‪ ،‬وحنو ذلك ‪ .‬ومن‬

‫أكثرها اشتباهاً ‪ -‬إال على احملقق من أهل العلم ‪ -‬مسألة الشفاعة؛ وهلذا فإن الشيخ ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬أتى هبذا‬

‫الباب‪ ،‬وقال‪ « :‬ابب الشفاعة » وبني لك مبا ساق من األدلة من الكتاب والسنة ‪ -‬أن الشفاعة اليت تنفع‬

‫ال تصح إال بشروط‪ ،‬وكذلك فإن هناك شفاعة منفية ‪ ،‬فليست كل الشفاعة مقبولة ‪ ،‬بل منها ما يقبل‪،‬‬

‫‪ .‬ومنها ماال يقبل ؛ فاملقبول منها له شروط وضوابط ‪ ،‬واملردود منها فلقيام أوصاف توجب ردها‬

‫‪15‬‬
‫وخالصة الباب‪ :‬أن تعلق أولئك ابلشفاعة عاد عليهم بعكس ما أرادوا ‪ ،‬فإهنم ملا تعلقوا ابلشفاعة‬

‫ُح ِرُموها ؛ ألهنم تعلقوا بشيء مل أيذن هللا ‪ -‬جل وعال‪ -‬به شرعاً ؛ حيث استخدموا الشفاعات الشركية‪،‬‬

‫وتوجهوا إىل غري هللا‪ ،‬وتعلقت قلوهبم هبذا الغري‪.‬‬

‫ابب ما جاء أن سبب كفر بين آدم وتركهم دينهم هو الغلو يف الصاحلي‬

‫واملقصود ب « الغلو يف الصاحلني » الذي هو سبب كفر بين آدم‪ ،‬وتركهم‪ ،‬دينهم الذي أمروا به أهنم‬

‫ب يف تعظيمهم حىت آل هبم األمر إىل الشرك ‪ .‬وقوله‪ « :‬الصاحلون » ‪ :‬يشمل كل من قام‬ ‫جتاوزوا احل هد ِ‬
‫الواج َ‬
‫َ‬
‫به هذا الوصف من األنبياء والرسل‪ ،‬واألولياء‪ ،‬من أي ٍ‬
‫أمة كانوا ‪ .‬وأصل كلمة ( الصاحلني) أهنا مجع (‬

‫الصاحل ) ‪ .‬والصاحل‪ :‬هو اسم من قام به الصالح‪ ،‬والصالح يف الكتاب والسنة اترة يكون مبعىن نفي الفساد‬

‫أي ما يقابل الفساد‪ ،‬واترة يكون مبعىن ما يقابل السيئات‪ ،‬فيقال صاحل مبعىن ليس بذي فساد‪ ،‬ويقال أيضاً‬

‫صاحل مبعىن ليس بسييء ‪ .‬والصاحلون هنا املراد هبم أهل الصالح يعين أهل الطاعة واإلخالص هللا ‪ -‬جل‬

‫وعال ‪ -‬الذين اجتنبوا الفساد واجتنبوا السيئات‪ ،‬وهم الذين اشرتكوا يف فعل الطاعات وترك احملرمات‪ ،‬أو‬

‫كانوا من السابقني ابخلريات‪ ،‬فاسم الصاحل يقع شرعاً على املقتصد‪ ،‬وعلى السابق ابخلريات ؛ فاملقتصد‬

‫صاحل والسابق ابخلريات‪ ،‬صاحل‪ ،‬وكل درجات عند هللا ‪ -‬جل وعال ‪ .‬والغلو يف الصاحلني » يعين‪ :‬جماوزة‬

‫احلد فيهم‪ ،‬لكن ما احلد الذي أذن به الشرع يف حق الصاحلني‪ ،‬حىت تعلم مىت يكون تعظيمهم جماوزة للحد‬

‫املعلوم ؟ اجلواب‪ :‬أهنم إذا كانوا من الرسل فباألخذ بشرائعهم‪ ،‬واتباعهم‪،‬واالقتداء هبم‪ ،‬مع احملبة واالحرتام‬

‫واملواالة‪ ،‬والنصرة‪ ،‬وغري ذلك من املعاين الداخلة يف احلد املأذون به يف حقهم ‪ .‬أما الغلو فيهم فهو جماوزة‬

‫ذلك احلد‪ ،‬وهو حبر ال ساحل له‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫هلك الذين تنطعوا فيما أيتون به يف أفعاهلم‪ ،‬أو أقواهلم‪ ،‬وهم الذين جاوزوا احلد يف ذلك‪ ،‬وابتغوا‬

‫علم شيء أو تكلفوا شيئاً‪ ،‬مل أيذن به هللا ؛ فزادوا عما أذن هلم ‪ ،‬فأتوا أبشياء‪ ،‬مل يُؤذن هلم فيها ‪ .‬والتنطع‪،‬‬

‫واإلطراء‪ ،‬والغلو‪ ،‬متقاربة املعىن جيمعها جماوزة احلد املشروع والغلو يشمل اإلطراء‪ ،‬ويشمل التنطع ؛ فكل‬

‫تنطع‪ ،‬وكل إطراء‪ :‬غلو‪ ،‬والغلو اسم جامع هلذه مجيعاً‪ ،‬فالشيخ رمحه هللا ‪ -‬يف هذا الباب ‪ -‬بني أن كفر بعي‬

‫‪،‬آدم وسبب تركهم دينهم ‪ :‬هو الغلو يف الصاحلني‪ ،‬أبن جاوزوا احلد فيهم‪ ،‬كما جاوز قوم نوح احلد يف‬

‫صاحليهم‪ ،‬فعكفوا على قبورهم‪ ،‬وأهلوها‪ ،‬فصارت آهلة‪ ،‬والنصارى غلت يف رسوهلم عيسى عليه السالم‪ ،‬ويف‬

‫احلواريني‪ ،‬ويف البطارقة‪ ،‬حىت جعلوهم آهلة مع هللا ‪ -‬جل وعال‪ -‬يستغيثون هبم‪ ،‬ويؤهلوهنم‪ ،‬ويسألوهنم‪،‬‬

‫ويعبدوهنم‪ ،‬وكذلك وقع الغلو يف هذه األمة من الذين جعلوا للنيب عليه الصالة والسالم نصيباً منخصائص‬

‫األلوهية‪ ،‬وهذا هو عني ما هنى عنه عليه الصالة والسالم بقوله‪ :‬ال تطروين كما أطرت النصارى املسيح بن‬

‫مرمي‪ ،‬إمنا أان عبد‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبدهللا ورسوله‬

‫ابب ما جاء من التغليظ فيمن عبد هللا عند قرب رجل صاحل فكيف إذا عبده‬

‫يف هذا الباب مع األبواب بعده بيان أن النيب كان حريصاً على هذه األمة‪ ،‬وأنه كان ابملؤمنني رؤوفاً‬

‫رحيماً‪ ،‬ومن متام حرصه على األمة أن حدرهم اكل وسيلة تصل هبم إىل الشرك‪ ،‬وسد مجيع الذرائع املوصلة‬

‫إىل ذلك‪ ،‬وغلظ يف ذلك ‪ ،‬وشدهد فيه ‪ ،‬وأبدى وأعاد ‪ ،‬حىت إنه بني ذلك ؛ خشية أن يفوت أتكيده وهو‬

‫يعاين سكرات املوت عليه الصالة والسالم فهذه األبواب يف بيان وسائل الشرك األكرب‪ ،‬وما ينبغي سده‬

‫ومنعه من الذرائع املوصل ة إليه ؛ رعاية ومحاية للتوحيد ؛ ألن النيب عليه الصالة والسالم ‪ .‬على من يفعلون‬

‫شيئاً من تلك الوسائل‪ ،‬أو الذرائع املوصلة إىل الشرك‪ .‬غلظ وهذا الباب يف بيان أحد الوسائل املوصلة إىل‬

‫الشرك‪ ،‬والذرائع اليت حيب منعها‪ .‬قوله ‪ -‬رمحه هللا ‪ « :‬ابب ما جاء من التغليظ فيمن عبد هللا عند قرب رجل‬

‫صاحل»‪ .‬صورة ذلك أن أييت آت إىل قرب رجل صاحل‪ ،‬يعلم صالحه كأن يكون من األنبياء واملرسلني‪ ،‬أو أن‬

‫‪17‬‬
‫يكون من صاحلي هذه األمة‪ ،‬أو صاحلي أمة غري هذه األمة فيتحرى ذلك املكان ؛ كي يعبد هللا وحده دون‬

‫ما سواه ؛ رجاء بركة هذه البقعة‪ .‬وقد راج هذا األمر عند الكثريين من الناس‪ ،‬والدمهاء‪ ،‬حيث اعتقدوا أن ما‬

‫حول قبور األنبياء والصاحلني من األمكنة والبقاع مبارك‪ ،‬وأن العبادة عندها ليست كالعبادة عند غريها‪.‬‬

‫والنيب عليه الصالة والسالم غلظ يف ذلك وهنى عنه ‪ ،‬مع أن املغلظ عليه مل يعبد إال هللا ‪ -‬جل وعال‪ ،-‬ومل‬

‫يعب د صاحب القرب‪ ،‬لكنه اختذ ذلك املكان رجاء بركته ‪ ،‬ورجاء تنزل الرمحات كما يقولون ‪ -‬ورجاء تنزل‬

‫النسمات‪ ،‬والفضل من هللا عليه‪ ،‬فاختاره ألجل بركته‪ ،‬ولكنه مل يعبد إال هللا ‪ -‬جل وعال‪ -‬ومع ذلك لعن‬

‫‪.‬النيب ذلك الصنف الذين يتخذون قبور أنبيائهم وصاحليهم مساجد‬

‫قوله‪ « :‬فيمن عبد هللا» يعين ‪ :‬أنه مل يشرك ابهلل‪ ،‬بل عبد هللا وحده ؛ أبن صلى هللا خملصاً ‪ ،‬أو دعا‬

‫هللا خملصاً ‪ ،‬أو تضرع واستغاث واستعاذ ابهلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬خملصاً لكنه حترى إيقاع هذه العبادات عند قرب‬

‫رجل صاحل ألجل الربكة‪ .‬والرجل الصاحل ‪ -‬كما سبق أن ذكران ‪ -‬هو املقتصد‪ :‬الذي أتى ابلواجبات ‪،‬‬

‫وابتعد عن احملرمات‪ ،‬أو السابق ابخلريات ‪ :‬وهو أعلى درجة‪ ،‬فالصاحلون من الرجال والنساء من اء مقامات‪:‬‬

‫ت عِ َ‬
‫ند هللا ) [آل عمران ‪ )١٦٣ :‬وبعض أهل العلم يعرب يف تعريف الرجل الصاحل بقوله‪ :‬الصاحل‬ ‫﴿ ُه ْم َد َر َج ْ‬

‫من عباد هللا‪ ،‬هو القائم حبقوق هللا ؛ القائم حبقوق عباده‪ ،‬وهذا تعبري صحيح ؛ وألن املقتصد قائم حبقوق هللا‬

‫‪ ،‬قائم حبقوق عباده أتى ابلواجبات‪ ،‬وانتهى عن احملرمات‪ .‬وأعظم منه درجة السابق ابخلريات‪ .‬فأهل السبق‬

‫ابخلريات من العباد ال جيوز أن تعظم قبورهم‪ ،‬وأن يغلى فيها بظن أن البقعة اليت حول قبورهم بقعة مباركة‪،‬‬

‫فإن هذا الفعل قد جاء فيه الوعيد الذي سيأيت يف هذا الباب وغلظ ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬فيه على‬

‫‪.‬فاعله‬

‫مت هذ البحث حبمد هللا تعاىل‬

‫و نسأل هللا تعاىل التوفيق و السداد‪.‬‬

‫‪18‬‬

You might also like