Professional Documents
Culture Documents
من أعجب العجاب ,وأكبر اآليات الدالة على ق درة الملك الغالب
واضحا للعوام فوق ما يظن الظانون ,ثم
ً ستة أصول َبَّينَها اهلل تعالى بيانًا
بعد ه ذا غلط فيها كث ير من أذكي اء الع الم وعقالء ب ني آدم إال أقل
القليل.
الشــرح
كتابً ا :بسم اهلل نبت دئ .ما ي درى مباذا نبت دئ ,لكن بسم اهلل نق رأ أدل على
املراد.
قوله" :اهلل".
لفظ اجلاللة علم على الب اري -جل وعال ،-وهو االسم ال ذي تتبعه
َّاس ِم ْن
ِج الن َ
مجيع األمساء حىت إنه يف قوله تع اىل :كِت اب َأنزلْنَ اهُ ِإلَي َ ِ
ك لتُ ْخ ر َ ْ َ ٌ َ
اللَّ ِه الَّ ِذي لَ هُ َما فِي
ْح ِمي ِد ِ ِ ِ ِ
الظُّلُ َم ات ِإلَى النُّو ِر بِ ِإ ْذن َربِّ ِه ْم ِإلَى ص َراط ال َْع ِزي ِز ال َ
ض[ إبراهيم .]2-1:ال نقول :إن لفظ اجلاللة "اهلل" صفة. اَألر ِ ِ َّ ِ
الس َم َوات َو َما في ْ
تابعا تبعية النعت
بل نق ول :هي عطف بي ان .لئال يك ون لفظ اجلاللة ً
للمنعوت؛ ولهذا قال العلماء :أعرف املعارف لفظ "اهلل"؛ ألنه ال يدل على
أحد سوى اهلل .
قوله" :الرحمن".
الرحمن :اسم من األمساء املختصة باهلل ال يطلق على غريه.
ومعناه :املتصف بالرمحة الواسعة.
قوله" :الرحيم".
الرحيم :اسم يطلق على اهلل وعلى غريه.
ومعن اه :ذو الرمحة الواص لة ,ف الرحمن :ذو الرمحة الواس عة ,وال رحيم:
ذو الرمحة الواصلة ،فإذا مجعا صار املراد بالرحيم :املوصل رمحته إىل من يشاء
ب َم ْن يَ َش اءُ َو َي ْر َح ُم َم ْن يَ َش اءُ َوِإل َْي ِه ُت ْقلَبُ و َن
من عباده ,كما قال اهلل تعاىلُ :ي َع ِّذ ُ
[ العنكبوت .]21:والمراد بالرحمن :الواسع الرمحة.
5 شـرح األصـول الستة
قوله" :من أعجب العجاب ,وأكبر اآليات الدالة على قدرة الملك
الغالب ستة أصول….إلخ":
ش يخ اإلس الم حممد بن عبد الوه اب -رمحه اهلل تع اىل -له عناية بالرس ائل
املختصرة اليت يفهمها العامي وطالب العلم ,ومن هذه الرسائل هذه الرسالة
"ستة أصول عظيمة" وهي:
األصل األول :اإلخالص وبيان ضده وهو الشرك.
األصل الثاني :االجتماع يف الدين ,والنهي عن التفرق فيه.
األصل الثالث :السمع والطاعة لوالة األمر.
األصل الراب ع :بي ان العلم والعلم اء ,والفقه والفقه اء ،ومن تش به هِب م
وليس منهم.
األصل الخامس :بيان من هم أولياء اهلل.
األصل السادس :رد الشبهة اليت وضعها الشيطان يف ترك القرآن والسنة.
وهذه األصول أصول مهمة جديرة بالعناية ,وحنن نستعني باهلل تعاىل يف
يسر اهلل.
شرحها والتعليق عليها مبا َّ
شـرح األصـول الستة
36
5 شـرح األصـول الستة
األصـل األول
إخالص الدين هلل تعالى وحده ال شريك له ,وبيان ضده الذي هو
الش رك باهلل ,وك ون أك ثر الق رآن في بي ان ه ذا األصل من وج وه ش تى
بكالم يفهمه أبلد العام ة ,ثم لما ص ار على أك ثر األمة ما ص ار أظهر لهم
الش يطان اإلخالص في ص ورة تنقص الص الحين ،والتقص ير في حق وقهم,
وأظهر لهم الشرك باهلل في صورة محبة الصالحين وأتباعهم.
الشــرح
ول ِإال نُ ِ
وحي ِإل َْي ِه َأنَّهُ ال ِإلَهَ ِإال َأنَا فَا ْعب ُد ِ
ون[ األنبياء.]25: ك ِم ْن ر ُس ٍ
َق ْبلِ َ
ُ َ
وكما وضح اهلل ذلك يف كتاب ه ،كما ق ال املؤل ف" :من وج وه ش تى
بكالم يفهمه أبلد العامة" .فقد وض حه رس ول اهلل ،فقد ج اء -عليه
الصالة السالم -بتحقيق التوحيد وإخالصه وختليصه من كل شائبة ,وسد كل
طريق ميكن أن يوصل إىل ثلم ه ذا التوحيد أو إض عافه ,حىت إن رجالً ق ال
ندا ,بل ما شاء اهلل للنيب (( :ما شاء اهلل وشئت .فقال النيب :أجعلتني هلل ًّ
وحده))( .)1فأنكر النيب على هذا الرجل أن يق رن مشيئته مبشيئة اهلل تع اىل
حبرف يقتضي التسوية بينهما ,وجعل ذلك من اختاذ الند هلل .
أيض ا أن النيب ح َّرم احللف بغري اهلل ,وجعل ذلك من ومن ذلك ً
الشرك باهلل ,فقال(( :من حلف بغير اهلل فقد كفر أو أشرك))( .)2وذلك ألن
احللف بغري اهلل تعظيم للمحل وف به مبا ال يس تحقه إال اهلل ,وحينما ق دم
عليه وفد ،فقالوا(( :يا رسول اهلل ,يا خرينا وابن خرينا ,وسيدنا وابن سيدنا.
قال :يا أيها الناس قولوا بقولكم ،وال يستهوينكم الشيطان ,أنا محمد عبد
اهلل ورسوله ,ما أحب أن ترفعوني فوق م ْنزلتي التي أنزلني اهلل .)3())وقد
عقد املصنف -رمحه اهلل -لذلك بابًا يف "كتاب التوحيد" فقال" :باب ما جاء
(?) أخرجه البخاري يف "األدب املفرد" .)783( :وصححه العالمة األلباين -رمحه 1
وصححه العالمة األلباين -رمحه اهلل -يف صحيح أيب داود.)2787( :
(?) أخرجه البخاري يف "األدب املفرد" .)875( :وصححه العالمة األلباين -رمحه 3
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)129( :ومس لم يف ص حيحه(-152[ : 1
.])93
شـرح األصـول الستة
36
ومثل الري اء وهو خط ري ,ق ال فيه النيب -ص لى اهلل عليه وعلى آله
وس لم(( :-أخ وف ما أخ اف عليكم الش رك األص غر .فس ئل عن ه؟ فق ال:
الري اء))( .)2وقد يصل الري اء إىل الش رك األك رب .وقد مثَّل ابن القيم -رمحه
اهلل -للش رك األص غر بيسري الري اء ,وه ذا ي دل على أن كثري الري اء قد يصل
إىل الشرك األكرب.
وقد ذهب بعض أهل العلم إىل أن قوله تع اىلِ :إ َّن اللَّهَ ال َي ْغ ِف ُر َأ ْن
يُ ْش َر َك بِ ِه[ النس اء .]116:يشمل كل شرك ولو كان أصغر ,فالواجب احلذر
من الش رك مطل ًق ا؛ ف إن عاقبته وخيم ة ,ق ال تع اىل :إنَّهُ َم ْن يُ ْش ِر ْك بِاللَّ ِه َف َق ْد
َأنص ا ٍر [املائ دة .]72:ف إذا ح َّرم اللَّه علَي ِه الْجنَّةَ وم ْأواه النَّار وما لِلظَّالِ ِم ِ
ين م ْن َ
َ َ ََ َ ُ ُ ََ َ َ ُ َْ
ح رمت اجلنة على املش رك ل زم أن يك ون خال ًدا يف الن ار أب ًدا ,فاملش رك باهلل
خالدا ,وخسر الدنيا؛ ألنه قامت تعاىل قد خسر اآلخرة ال ريب؛ ألنه يف النار ً
عليه احلجة ،وجاءه النذير ,ولكنه خسر ,مل يستفد من الدنيا شيًئا ,قال اهلل
ك ُه َوين َخ ِس ُروا َأْن ُف َس ُه ْم َو َْأهلِي ِه ْم َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة َأال ذَلِ َ اس ِر َّ ِ
ِ
تعاىل :قُ ْل ِإ َّن الْ َخ َ
ين الذ َ
ين[ الزم ر .]15:فخسر نفسه؛ ألنه مل يس تفد منها ش يًئا، ِ
الْ ُخ ْس َرا ُن ال ُْمب ُ
وأوردها النار وبئس الورد املورود ،وخسر أهله؛ ألهَّن م إن كانوا مؤمنني فهم
يف اجلن ة ،فال يتمتع هِب م ،وإن ك انوا يف الن ار فك ذلك؛ ألنه كلما دخلت َُّأمة
لعنت أختها.
واعلم أن الش رك خفي ج دًّا ،وقد خافه خليل ال رمحن وإم ام احلنف اء,
اجنُْبنِي َوبَنِ َّي َأ ْن َن ْعبُ َد ْ
اَألص نَ َام[ إب راهيم .]35:وتأمل كما حكى اهلل عن هَ :و ْ
(?) صححه العالمة األلباين -رمحه اهلل -يف "السلسلة الصحيحة".)951( : 2
5 شـرح األصـول الستة
اجنُْبنِي .ومل يق ل" :وامنع ني" .ألن معىن "اجنب ني" :أي :اجعلين يف
قول هَ :و ْ
جانب عبادة ,واألصنام يف جانب ,وهذا أبلغ من "امنعني"؛ ألنه إذا كان يف
جانب وهي يف جانب كان أبعد.
وق ال ابن أبي مليكة" :أدركت ثالثني من أص حاب رس ول اهلل
كلهم خياف النفاق على نفسه"(.)1
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حلذيفة بن اليمان(( :أنشدك
باهلل هل مساين لك رسول اهلل مع من مسى من املنافقني)) .مع أن الرسول
بشره باجلنة ,ولكنه خاف أن يكون ذلك ملا ظهر لرسول اهلل من أفعاله يف
حياته ,فال يأمن النفاق إال منافق ,وال خياف النفاق إال مؤمن ,فعلى العبد أن
حيرص على اإلخالص ,وأن جياهد نفسه عليه.
ق ال بعض الس لف" :ما جاه دت نفسي على ش يء ما جاه دهُت ا على
اإلخالص".
فالشرك أمره صعب جدًّا ,ليس باهلني ,ولكن اهلل ييسر اإلخالص على
العبد ,وذلك بأن جيعل اهلل نصب عينيه ,فيقصد بعمله وجه اهلل.
5 شـرح األصـول الستة
األصل الثاني
أمر اهلل باالجتماع في الدين ،ونَهى عن التفرق فيه ،فبين اهلل هذا بيانًا
ش افيًا تفهمه الع وام ،ونَهانا أن نك ون كال ذين تفرق وا واختلف وا قبلنا
فهلك وا ،وذكر أنه أمر المس لمين باالجتم اع في ال دين ،ونَه اهم عن
الس نَّة من العجب العجاب في وضوحا ما وردت به ُّ
ً التفرق فيه ،ويزيده
ذلك ،ثم صار األمر إلى أن االفتراق في أصول الدين وفروعه هو العلم
والفقه في ال دين ،وص ار االجتم اع في ال دين ال يقوله إال زن ديق أو
مجنون.
الشرح
َّ ِ
ل ََعلَّ ُك ْم َت ْهتَ ُدو َن[ آل عم ران .]103-102:وق ال تع اىلَ :وال تَ ُكونُ وا َكالذ َ
ين
يم[ آل ِ ات َو ُْأولَِئ َ ِ ِ
اب َعظ ٌ ك ل َُه ْم َع َذ ٌ اء ُه ْم الَْبِّينَ ُ
َت َف َّرقُ وا َوا ْخَتلَ ُف وا م ْن َب ْع د َما َج َ
يح ُك ْم[ األنفال.]46: ب ِر ُ عمران .]105:وقال تعاىلَ :وال َتنَ َازعُوا َفَت ْف َشلُوا َوتَ ْذ َه َ
ت ِم ْن ُه ْم فِي َش ْي ٍء[ األنعام: َس َ ِ ِ َّ ِ
وقال تعالِ :إ َّن الذ َ
ين َف َّرقُوا د َين ُه ْم َو َك انُوا ش َي ًعا ل ْ
وحا َوالَّ ِذي َْأو َح ْينَا ِإل َْي َ ع لَ ُكم ِمن الدِّي ِن ما و َّ ِ
ك ص ى بِ ه نُ ً َ َ .]159وقال تعاىلَ :ش َر َ ْ
يه[ الشورى: صينَا بِ ِه ِإبر ِاهيم وموسى و ِعيسى َأ ْن َأقِيموا الدِّين وال َتَت َف َّرقُوا فِ ِ
ََ ُ َْ َ َ ُ َ َ َ َو َما َو َّ ْ
.]13
ففي ه ذه اآلي ات هَن ى اهلل تع اىل عن التف رق ،وبني عواقبه الوخيمة على
الفرد واجملتمع واألمة بأسرها.
الس نَّة على ه ذا األصل العظيم :فقد ق ال رس ول اهلل : وأما داللة ُّ
((المسلم أخو المسلم ،ال يظلمه ،وال يخذله ،وال يحقره ،التقوى هاهنا،
التق وى هاهنا -ويشري إىل ص دره -بحسب ام رئ من الشر أن يحقر أخ اه
المس لم ،كل المس لم على المس لم ح رام :دمه ،وعرضه ،وماله))( .)1ويف
رواي ة(( :ال تحاس دوا ،وال تباغض وا ،وال تجسس وا ،وال تحسس وا ،وال
تناجشوا ،وكونوا عباد اهلل إخوانًا))(.)2
ويق ول -عليه الص الة والس الم(( :-الم ؤمن للم ؤمن كالبني ان يشد
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)6951( :ومس لم يف ص حيحه(-32[ : 1
.])2564
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)6064( :ومس لم يف ص حيحه(-30[ : 2
.])2563
5 شـرح األصـول الستة
ضا))(.)1
بعضه بع ً
وقال -عليه الصالة والسالم -أليب أيوب (( :أال أدلك على تجارة؟
قال :بلى يا رسول اهلل .قال :تسعى في اإلصالح بين الناس إذا تفاسدوا،
وتقارب بينهم إذا تباعدوا)).
ويف مقابلة أمر النيب املؤم نني بالتح اب والت آلف وحمبة اخلري والتع اون
على الرب والتقوى وفعل األسباب اليت تقوي ذلك وتنميه يف مقابلة ذلك هَن ى
النيب عن كل ما ي وجب تف رق املس لمني وتباع دهم؛ وذلك ملا يف التف رق
والبغض اء من املفاسد العظيم ة ،ف التفرق هو ق رة عني ش ياطني اجلن واإلنس؛
ألن شياطني اإلنس واجلن ال يودون من أهل اإلسالم أن جيتمعوا على شيء،
فهم يري دون أن يتفرق وا؛ ألهَّن م يعلم ون أن التف رق تفتت للق وة اليت حتصل
بااللتزام واالجتاه إىل اهلل .
ف النيب حث على الت آلف والتح اب بقوله وفعل ه ،وهَن ى عن التف رق
واالختالف الذي يؤدي إىل تفريق الكلمة وذهاب الريح.
وأما عمل الص حابة :فقد وقع بينهم االختالف ،لكن مل حيصل به
التف رق وال الع داوة وال البغض اء ،فقد حصل اخلالف بينهم يف عهد رس ول
اهلل ورس ول اهلل بني أظه رهم ،فمن ذلك أن النيب ملا ف رغ من غ زوة
األح زاب ،وج اءه جربيل ي أمره أن خيرج إىل بين قريظة لنقض هم العه د ،ق ال
النيب ألص حابه(( :ال يص لين أحد منكم العصر إال في ب ني قريظة))(.)2
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)6026( :ومس لم يف ص حيحه(-30[ : 1
.])2563
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)946( :ومس لم يف ص حيحه(-69[ : 2
.])1770
شـرح األصـول الستة
36
فخرجوا من املدينة إىل بين قريظة ،وحان وقت صالة العصر ،فقال بعضهم:
ال نص لي إال يف بين قريظة ولو غ ابت الش مس؛ ألن النيب ق ال(( :ال يص لين
أحد منكم العصر إال في بني قريظة)) .فنقول :مسعنا وأطعنا.
ومنهم من ق ال :نص لي يف ال وقت؛ ألن رس ول اهلل أراد ب ذلك
املب ادرة واإلس راع إىل اخلروج ،ومل ي رد منا تأخري الصالة ،فبلغ ذلك النيب
أحدا منهم ومل يوخبه على ما فهم ،وهم بأنفسهم مل يتفرقوا من فلم يعنف ً
أجل اختالف الرأي يف فهم حديث رسول اهلل .
أما عمل الس لف الص الح :ف إن من أص ول أهل الس نة واجلماعة يف
صادرا عن اجتهاد ،وكان مما يسوغ املسائل اخلالفية أن ما كان اخلالف فيه ً
بعض ا باخلالف ،وال حيمل بعضهم على بعض فيه االجتهاد ،فإن بعضهم يعذر ً
حقدا ،وال عداوة ،وال بغضاء ،بل يعتقدون أهَّن م إخوة حىت وإن حصل بينهم ً
ه ذا اخلالف ،حىت إن الواحد منهم ليص لي خلف من ي رى أنه ليس على
وضوء ،ويرى اإلمام أنه على وضوء ،مثل أن يصلي خلف شخص أكل حلم
إب ل ،وه ذا اإلم ام ي رى أنه ال ينقض الوض وء ،واملأموم ي رى أنه ينقض
الوضوء ،فريى أن الصالة خلف ذلك اإلمام صحيحة ،وإن كان هو لو صالها
بنفسه لرأى أن صالته غري صحيحة.
كل ه ذا ألهَّن م ي رون أن اخلالف الناشئ عن اجته اد فيما يس وغ فيه
االجته اد ليس يف احلقيقة خبالف؛ ألن كل واحد من املختلفني قد اتبع ما
جيب عليه اتباعه من ال دليل ال ذي ال جيوز له الع دول عن ه ،فهم ي رون أن
اتباعا لل دليل هو يف احلقيقة قد وافقهم؛ ألهَّن م
أخ اهم إذا خ الفهم يف عمل ما ً
يدعون إىل اتباع الدليل أينما كان ،فإذا خالفهم موافقة لدليل عنده فهو يف
5 شـرح األصـول الستة
احلقيقة قد وافقهم؛ ألنه مَت َّش ى على ما ي دعون إليه ويه دون إليه من حتكيم
وسنَّة رسوله .كتاب اهلل تعاىل ُ
أما ما ال يس وغ فيه اخلالف فهو ما ك ان خمال ًفا ملا ك ان عليه الص حابة
والت ابعون ،كمس ائل العقائد اليت ضل فيها من ضل من الن اس ،ومل حيصل
فيها اخلالف إال بعد الق رون املفض لة -أي :مل ينتشر اخلالف إال بعد الق رون
ودا يف عهد الص حابة ،ولكن املفض لة ،-وإن ك ان بعض اخلالف فيها موج ً
ليعلم أننا إذا قلنا :قرن الصحابة .ليس املعىن أنه البد أن ميوت كل الصحابة،
بل الق رن ما وجد فيه معظم أهل ه ،ق ال ش يخ اإلس الم بن تيمية -رمحه اهلل:-
"إن القرن حيكم بانقضائه إذا انقرض أكثر أهله".
ف القرون املفض لة انقرض ت ،ومل يوجد فيها ه ذا اخلالف ال ذي انتشر
بع دهم يف العقائ د ،فمن خ الف ما ك ان عليه الص حابة والت ابعون فإنه علي ه،
وال يقبل خالفه.
أما املسائل اليت وجد فيها اخلالف يف عهد الصحابة ،وكان فيها مساغ
لالجته اد ،فالبد أن يك ون اخلالف فيها باقيً ا ،ق ال النيب (( :إذا حكم
الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ،وإن اجتهد فأخطأ فله أجر))( .)1فهذا
هو الضابط.
مجيعا أن يكون وا أمة واح دة ،وأن ال حيصل ف الواجب على املس لمني ً
بينهم تف رق وحتزب ،حبيث يتن احرون فيما بينهم بأس نة األلس ن ،ويتع ادون
ويتباغض ون من أجل اختالف يس وغ فيه االجته اد ،ف إهَّن م وإن اختلف وا فيما
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)7352( :ومس لم يف ص حيحه(-15[ : 1
.])1716
شـرح األصـول الستة
36
خيتلفون فيه فيما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم فإن هذا أمر فيه سعة وهلل
احلم د ،واملهم ائتالف القل وب واحتاد الكلم ة ،وال ريب أن أع داء املس لمني
حيب ون من املس لمني أن يتفرق وا س واءً ك انوا أع داءً يص رحون بالع داوة ،أو
أعداء يتظاهرون بالوالية للمسلمني أو لإلسالم ،وهم ليسوا كذلك.
5 شـرح األصـول الستة
األصل الثالث
الشرح
عب ادة بن الص امت ق ال(( :بايعنا رس ول اهلل على الس مع والطاعة يف
منش طنا ومكرهن ا ،وعس رنا ويس رنا ،وأث رة علين ا ،وأن ال نن ازع األمر أهله
بواحا عندكم من اهلل فيه برهان))(.)1
كفرا ً
قال :إال أن تروا ً
وق ال -عليه الص الة والس الم(( :-من رأى من أم يره ش يًئا فليص بر،
شبرا فمات فميتته جاهلية))(.)2
فإنه من فارق الجماعة ً
وقال (( :من خلع ي ًدا من الطاعة لقي اهلل يوم القيامة ال حجة له))(.)3
وقال(( :اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي))(.)4
وقال -عليه الصالة والسالم(( :-على المرء المسلم السمع والطاعة
فيما أحب وكره إال أن يؤمر بمعصية ،فإذا أمر بمعصية فال سمع وال طاعة))
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)7056( :ومس لم يف ص حيحه(-41[ : 1
.])1709
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)7054( :ومس لم يف ص حيحه(-55[ : 2
.])1849
(?) أخرجه مسلم يف صحيحه.])1851(-58[ : 3
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)7144( :ومس لم يف ص حيحه(-38[ : 5
.])1839
5 شـرح األصـول الستة
أمريا أو مِب ْنزلةدين اهلل ،وترك العمل به ،ورأى كل فرد من أفراد الرعية نفسه ً
األمري املنابذ لألمري.
مجيعا -رع اة ورعي ة -أن نق وم مِب ا أوجب اهلل علينا من ف الواجب علينا ً
التح اب ،والتع اون على الرب والتق وى ،واالجتم اع على املص احل؛ لنك ون من
الف ائزين ،وعلينا أن جنتمع على احلق ،ونتع اون علي ه ،وأن خنلص يف مجيع
إصالحا دينيًّا ودنيويًّاً أعمالنا ،وأن نسعى هلدف واحد هو إصالح هذه األمة
بق در ما ميكن ،ولن ميكن ذلك حىت تتفق كلمتن ا ،ون رتك املنازع ات بيننا
موجودا.
ً مقصودا ،وتعدم
ً واملعارضات اليت ال حتقق هدفًا ،بل رمبا تفوت
إن الكلمة إذا تف رقت ،والرعية إذا متردت ،دخلت األه واء والض غائن،
وصار كل واحد يسعى لتنفيذ كلمته ،وإن تبني أن احلق والعدل يف خالفها،
وخرجنا عن توجيه ات اهلل تع اىل حيث يق ول :ي ُّ َّ ِ
آمنُ وا َّات ُق وا اللَّهَ
ين َ
اَأي َها الذ ََ
ص ُموا بِ َح ْب ِل اللَّ ِه َج ِم ًيعا َوال ح َّق ُت َقاتِ ِه وال تَم وتُ َّن ِإال وَأْنتُم مس لِمو َن وا ْعتَ ِ
َ َ ُْْ ُ َ ُ َ
ِ ِ
ف َب ْي َن ُقلُ وبِ ُك ْم فَ ْ
َأص بَ ْحتُ ْم اء فَ َألَّ ََت َف َّرقُ وا َواذْ ُك ُروا ن ْع َم ةَ اللَّه َعلَْي ُك ْم ِإ ْذ ُك ْنتُ ْم َأ ْع َد ً
بِنِ ْع َمتِ ِه ِإ ْخ َوانًا َو ُك ْنتُ ْم َعلَى َش َفا ُح ْف َر ٍة ِم ْن النَّا ِر فََأْن َق َذ ُك ْم ِم ْن َها َك َذلِ َ
ك ُيَبيِّ ُن اللَّهُ لَ ُك ْم
آيَاتِِه ل ََعلَّ ُك ْم َت ْهتَ ُدو َن[ آل عمران.]103:
فإذا عرفت كل واحد ما له وما عليه ،وقام به على وفق احلكمة ،فإن
األمور العامة واخلاصة تسري على أحسن نظام وأكمله.
5 شـرح األصـول الستة
شـرح األصـول الستة
36
األصل الرابع
بي ان العلم والعلم اء ،والفقه والفقه اء ،وبي ان من تش به بِهم وليس
منهم ،وقد بيَّن اهلل ه ذا األصل في أول س ورة البق رة من قول ه :يَ ابَنِي
ُأوف بِ َع ْه ِد ُك ْم[ البقرة: ت علَي ُكم وَأوفُوا بِعه ِدي ِ ِ ِ ِ ِإ ِئ
َْ يل اذْ ُك ُروا ن ْع َمتي الَّتي َأْن َع ْم ُ َ ْ ْ َ ْ
ْس َرا َ
يل اذْ ُك ُروا نِ ْع َمتِي الَّتِي َأْن َع ْم ُ
ت َعلَْي ُك ْم َوَأنِّي فَ َّ
ضلْتُ ُك ْم ِ ِإ ِئ
.]40إلى قوله :يَابَني ْس َرا َ
الس نَّة في ه ذا وحا ما ص رحت به ُّ ِ
ين[ البق رة .]47:ويزي ده وض ً َعلَى ال َْع الَم َ
الكالم الكثير البين الواضح للعامي البليد ،ثم صار هذا أغرب األشياء،
وص ار العلم والفقه هو الب دع والض الالت ،وخي ار ما عن دهم لبس الحق
وم َد َحه ال يتف َّوه بالباطل ،وصار العلم ال ذي فرضه اهلل تع الى على الخلق َ
به إال زنديق أو مجنون ،وصار من أنكره وعاداه وص نَّف في التحذير منه
والنَّهي عنه هو الفقيه العالِم.
الشرح
َّ ِ
على رس وله من الكت اب واحلكم ة ،ق ال اهلل تع اىل :قُ ْل َه ْل يَ ْس تَ ِوي الذ َ
ين
اب[ الزم ر .]9:وقال النيب : ين ال َي ْعلَ ُم و َن ِإنَّ َما َيتَ َذ َّكر ُْأولُوا اَأللْبَ ِ َّ ِ
ُ َي ْعلَ ُم و َن َوالذ َ
((من ي رد اهلل به خ ًيرا يفقهه في ال دين))( .)1وق ال النيب (( :إن األنبي اء لم
درهم ا ،إنما ورثوا العلم ،فمن أخذه أخذ بحظ وافر))(.)2 دينارا وال ًيورثوا ً
ومن املعل وم أن ال ذي ورثه األنبي اء إمنا هو علم الش ريعة ،ومع ه ذا فنحن ال
ننكر أن يكون للعلوم األخرى فائدة ،ولكنها فائدة ذات حدين :إن أعانت
على طاعة اهلل ،وعلى نصر دين اهلل ،وانتفع هِب ا عب اد اهلل ك انت خ ًريا
ومصلحة ،وقد ذكر بعض أهل العلم أن تعلم الصناعات فرض كفاية ،وهذا
حمل نظر ونزاع.
وعلى كل حال فالعلم الذي ورد الثناء فيه وعلى طالبيه هو فقه كتاب
وس نَّة رس وله ،وما ع دا ذلك ف إن ك ان وس يلة إىل خري فهو خ ري ،وإن اهلل ُ
كان وسيلة إىل شر فهو شر ،وإن مل يكن وسيلة هلذا وهذا فهو ضياع وقت
ولغو.
والعلم له فضائل كثيرة:
منه ا :أن اهلل يرفع أهل العلم يف اآلخ رة ويف ال دنيا ،أما يف اآلخ رة ف إن
اهلل يرفعهم درجات حبسب ما قاموا به من الدعوة إىل اهلل والعمل مبا علموا،
ويف ال دنيا ي رفعهم اهلل بني عب اده حبسب ما ق اموا ب ه ،ق ال اهلل تع اىلَ :ي ْرفَع
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)71( :ومس لم يف ص حيحه(-175[ : 1
.])1923
(?) أخرجه الرتم ذي يف س ننه .)2691( :وأخرجه أبو داود .)3641( :أخرجه 2
ابن ماجه .)223( :وصححه العالمة األلباين يف "صحيح ابن ماجه".)182( :
شـرح األصـول الستة
36
اللَّهُ الَّ ِذين آمنُوا ِم ْن ُكم والَّ ِذين ُأوتُوا ال ِْعلْم َدرج ٍ
ات[ اجملادلة.]11: َ ََ َْ َ َ َ
ومنه ا :أنه إرث النيب ،كما ق ال النيب (( :إن األنبي اء لم يورث وا
درهما ،إنما ورثوا العلم ،فمن أخذه أخذ بحظ وافر))(.)1 دينارا وال ً ً
ومنها :أنه مما يبقى لإلنسان بعد مماته ،فقد ثبت يف احلديث أن النيب
ق ال(( :إذا م ات العبد انقطع عمله إال من ثالث :ص دقة جاري ة ،أو علم
ينتفع به ،أو ولد صالح))(.)2
ومنها :أن الرس ول مل ي رغب أح ًدا أن يغبط أح ًدا على ش يء من
النعم إال على نعمتني مها:
-1طلب العلم والعمل به.
-2الغين الذي جعل ماله خدمة لإلسالم.
فعن عبداهلل بن مسعود قال رسول اهلل (( :ال حسد إال في اثنتين:
رجل آت اه اهلل م االً فس لطه على هلكته في الح ق ،ورجل آت اه اهلل حكمة
فهو يقضي بِها ويعلمها))(.)3
ومنها :أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه ،وكيف
يعامل غريه ،فتكون مسريته يف ذلك على علم وبصرية.
ومنه ا :أن الع امل ن ور يهت دي به الن اس يف أم ور دينهم ودني اهم ،وال
(?) أخرجه البخ اري يف ص حيحه .)73( :ومس لم يف ص حيحه(-268[ : 3
.])716
5 شـرح األصـول الستة
خيفى على كثري من الن اس قصة الرجل ال ذي من بين إس رائيل قتل تس ًعا
عابدا هل له من توبة .فكأن العابد استعظم األمر نفسا ،فسأل رجالً ً وتسعني ً
فق ال :ال .فقتله الس ائل ف أمت به املائ ة ،مث ذهب إىل ع امل فس أله ف أخربه أن له
توب ة ،وأنه ال ش يء حيول بينه وبني التوب ة ،مث دله على بلد أهله ص احلون؛
ليخ رج إلي ه ،فخ رج فأت اه املوت يف أثن اء الطري ق ،والقصة مش هورة ف انظر
الفرق بني العامل واجلاهل.
إذا ت بني ذلك فالبد من معرفة من هم العلم اء حقًّا -هم الرب انيون
الذين يربون الناس على شريعة رهِّب م -حىت يتميز هؤالء الربانيون عمن تشبه
هِب م وليس منهم ،يتش به هِب م يف املظهر واملنظر واملق ال والفع ال ،لكنه ليس
منهم يف النصيحة للخلق وإرادة احلق ،فخيار ما عنده أن يلبس احلق بالباطل،
ويصوغه بعبارات مزخرفة ،حيسبه الظمآن ماء حىت إذا جاءه مل جيده شيًئا،
بل هو الب دع والض الالت ال ذي يظنه بعض الن اس هو العلم والفق ه ،وأن ما
سواه ال يتفوه به إال زنديق أو جمنون.
ه ذا معىن كالم املؤلف -رمحه اهلل -وكأنه يشري إىل أئمة أهل الب دع
الس نَّة مبا هم بريئ ون من ه؛ ليص دوا الن اس عن املض لني ،ال ذين يلم زون أهل ُّ
األخذ منهم ،وهذا إرث الذين طغوا من قبلهم ،وكذبوا الرسل ،كما قال اهلل
ول ِإال قَ الُوا َس ِاح ٌر َْأو َم ْجنُ و ٌن
ك َما َأتَى الَّ ِذين ِم ْن َق ْبلِ ِهم ِم ْن ر ُس ٍ
ْ َ َ تع اىلَ :ك َذلِ َ
اص ْوا بِ ِه بَ ْل ُه ْم َق ْو ٌم طَاغُو َن[ الذاريات.]53:
[الذاريات .]52:قال اهلل تعاىلَ :أَت َو َ
شـرح األصـول الستة
36
5 شـرح األصـول الستة
األصل الخامس
بيان اهلل سبحانه ألولياء اهلل ،وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بِهم من
أع داء اهلل المن افقين والفج ار ،ويكفي في ه ذا آية من س ورة آل عم ران
ِ
حبِ ْب ُكم اللَّهُ[ آل عم ران]31: وهي قول ه :قُ ْل ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُحبُّو َن اللَّهَ فَ اتَّبِعُونِي يُ ْ
آمنُ وا َم ْن َي ْرتَ َّد ِم ْن ُك ْم
ين َ
اآلية .وآية في سورة المائدة ،وهي قوله :ي ُّ َّ ِ
اَأي َها الذ ََ
ف يَ ْأتِي اللَّهُ بَِق ْوٍم يُ ِحُّب ُه ْم َويُ ِحبُّونَ هُ[ املائ دة ]54:اآلية .وآية في َع ْن ِدينِ ِه فَ َس ْو َ
اء اللَّ ِه ال َخ ْو ٌ ِ
ف َعلَْي ِه ْم َوال ُه ْم يَ ْح َزنُ و َن ي ونس ،وهي قول هَ :أال ِإ َّن َْأوليَ َ
آمنُ وا َو َك انُوا َيَّت ُق و َن[ ي ونس .]63-62:ثم ص ار األمر عند أك ثر من َّ ِ
ين َ الذ َ
ي دعي العلم ،وأنه من ه داة الخلق وحف اظ الش رع إلى أن األولي اء البد
فيهم من ت رك اتب اع الرسل ومن تبعهم ،فليس منهم والبد من ت رك
الجه اد ،فمن جاهد فليس منهم ،والبد من ت رك اإليْ َم ان والتق وى ،فمن
تعهد باإليْم ان والتق وى فليس منهم ،يا ربنا نس ألك العفو والعافية إنك
سميع الدعاء.
الشرح
ف يَْأتِي اللَُّه بَِق ْوٍم يُ ِحُّبُه ْم َويُ ِحبُّونَ ُه[ املائدة ]54:اآليتني .فوصفهم بأوصاف هي
فَ َسْو َ
عالمة احملبة ومثراهُت ا:
الوصف األول :أهَّنم أذلة على املؤمنني فال حياربوهَن م ،وال يقفون ضدهم،
وال ينابذوهَن م.
الوصف الث اني :أهَّن م أع زة على الك افرين -أي :أقوي اء عليهم غ البون
هلم.-
الوصف الثالث :أهَّن م جياهدون يف سبيل اهلل -أي :يبذلون اجلهد يف قتال
أعداء اهلل؛ لتكون كلمة اهلل هي العليا.-
الوصف الراب ع :أهَّن م ال خيافون يف اهلل لومة الئم- .أي :إذا المهم أحد
على ما قاموا به من دين اهلل مل خيافوا لومته ،ومل مينعهم ذلك من القيام بدين اهلل
.-
اء اللَّ ِه ال َخ ْو ٌ ِ
ف َعلَْي ِه ْم َوال اآلية الثالثة :قوله تعاىل يف يونسَ :أال ِإ َّن َْأوليَ َ
آمنُوا َو َكانُوا َيَّت ُقو َن[ يونس .]63-62:فبني اهلل تعاىل أن َّ ِ
ين َ
الذ َ ُه ْم يَ ْح َزنُو َن
أولياء اهلل تعاىل هم الذين اتصفوا هِب ذين الوصفني :اإلمْيَان ،والتقوى .فاإلمْيَان
ب القلب ،والتق وى ب اجلوارح ،فمن ادعى الوالية ومل يتصف هِب ذين الوص فني
فهو كاذب.
مث إن الشيخ -رمحه اهلل -بني أن األمر صار على العكس عند أكثر من
ي دعي العلم ،وأنه من ه داة اخللق وحف اظ الش رع ،ف الويل عن ده من ال يتبع
الرسل ،وال جياهد يف سبيل اهلل ،وال يؤمن به ،وال يتقيه.
وحيسن بنا أن ننقل هنا ما كتبه ش يخ اإلس الم بن تيمية -رمحه اهلل
شـرح األصـول الستة
36
تع اىل -يف رس الته" :الفرق ان بين أولي اء ال رحمن وأولي اء الش يطان" ونس وق ما
تيسر منها:
وس نَّة رس وله أن هلل أولي اء من
ق ال -رمحه اهلل" :-وقد بني يف كتابه ُ
الناس ،وللشيطان أولياء ،ففرق بني أولياء الرمحن وأولياء الشيطان ،فقال تعاىلَ :أال
ل َُه ْم آمنُوا َو َك انُوا َيَّتُق و َن
ين َ
َّ ِ
الذ َ ِإ َّن َْأولَِي َاء اللَِّه ال َخْو ٌ
ف َعَلْي ِه ْم َوال ُه ْم يَ ْحَزنُو َن
ات اللَِّه َذلِ َك ُه َو اْلَف ْو ُز الَْع ِظ ُيم اآلخ رِة ال َتْب ِديل لِ َكِلم ِِ ِ الْب ْش رى ِفي ال ِ
َ َ ْحَي اة ال ُّدْنَيا َوفي َ َ ُ َ
اس َتِع ْذ بِاللَِّه
ت اْلُق ْرآ َن فَ ْ [يونس .]64-62 :وذكر أولياء الشيطان ،فقال تعاىل :فَِإ َذا َق َرْأ َ
آمنُ وا َو َعَلى َربِِّه ْم َيَتَو َّكلُ و َن ين َ
َّ ِ
س لَ ُه ُس ْلطَا ٌن َعَلى الذ َ نَُّه لَْي َ
ِإ ان ال َّر ِج ِيم ِمن َّ
الش ْيطَ ِ
ِإنََّما ُسْلطَانُُه َعَلى الَّ ِذ َين َيَتَولَّْونَُه َوالَّ ِذ َين ُه ْم بِِه ُم ْش ِر ُكو َن[ النحل.]100-98:
فيجب أن يفرق بني هؤالء وهؤالء كما فرق اهلل ورسوله بينهما ،فأولياء
اهلل هم املؤمن ون املتق ون ...وهم ال ذين آمن وا به ووال وه ،ف أحبوا ما حيب،
وأبغضوا ما يبغض ،ورضوا مبا يرضى ،وسخطوا مبا يسخط ،وأمروا مبا يأمر،
وهَن وا عما هَن ى ،وأعطوا من حيب أن يعطى ،ومنعوا من حيب أن مينع..
وظاهرا ،ومن ً باطنا
فال يكون وليًّا هلل إال من آمن به ،ومبا جاء به ،واتبعه ً
ادعى حمبة اهلل وواليته وهو مل يتبعه -أي :الرسول -فليس من أولياء اهلل ،بل من
خالفه كان من أعداء اهلل وأولياء الشيطان ،قال تعاىل :قُ ْل ِإ ْن ُكْنتُ ْم تُ ِحبُّو َن اللََّه
فَاتَِّب ُعونِي يُ ْحِبْب ُكم اللَُّه[ آل عمران.]31:
فالن اس متفاض لون يف والية اهلل حبسب تفاض لهم يف اإلمْيَان والتق وى،
وك ذلك يتفاض لون يف ع داوة اهلل حبسب تفاض لهم يف الكفر والنف اق ..وأولي اء
اهلل على طبق تني :س ابقون مقرب ون ،وأص حاب ميني مقتص دون ،ذك رهم اهلل يف
5 شـرح األصـول الستة
ع دة مواضع من كتابه العزيز يف أول س ورة الواقعة وآخره ا ،ويف اإلنس ان،
عظيما ،وأولياء
ال ً واملطففني ،ويف سورة فاطر ....واجلنة درجات متفاضلة تفاض ً
اهلل املؤمنون املتقون يف تلك الدرجات حبسب إمْيَاهِن م وتقواهم.
فمن مل يتق رب إىل اهلل ،ال يفعل احلس نات ،وال ي رتك الس يئات ،مل يكن
من أولي اء اهلل ،فال جيوز ألحد أن يعتقد أنه ويل هلل ،الس يما أن تك ون حمجته
على ذلك إما مكاش فة مسعها من ه ،أو ن وع من تص رف ...فال جيوز ألحد أن
يستدل مبجرد ذلك على كون الشخص وليًّا هلل وإن مل يعلم منه ما ينقص والية
اهلل ،فكيف إذا علم منه ما يناقض والية اهلل؟! مثل أن يعلم أنه ال يعتقد وجوب
اهرا ،بل يعتقد أنه يتبع الش رع الظ اهر دون احلقيقة اتب اع النيب ً
باطنا وظ ً
الباطن ة ،أو يعتقد أن ألولي اء اهلل طريًقا إىل اهلل غري طريق األنبي اء -عليهم
الس الم ...-فعلى ه ذا فمن أظهر الوالية وهو ال ي ؤدي الف رائض ،وال جيتنب
احملارم ،بل قد ي أيت مبا ين اقض ذلك مل يكن ألحد أن يق ول :ه ذا ويل هلل...
وليس ألولياء اهلل شيء يتميزون به عن الناس يف الظاهر من األمور املباحات...
معصوما ال يغلط وال خيطئ ،بل جيوزً وليس من شرط ويل اهلل أن يكون
أن خيفى عليه بعض علم الش ريعة ،وجيوز أن يش تبه عليه بعض أم ور ال دين...
وهلذا ملا ك ان ويل اهلل جيوز أن يغلط مل جيب على الن اس اإلمْيَان جبميع ما يقوله
من هو ويل هلل؛ لئال يك ون نبيًّا ...بل جيب أن يع رض ذلك مجيعه على ما ج اء
به حممد ،ف إن وافقه قبل ه ،وإن خالفه مل يقبل ه ،وإن مل يعلم أموافق هو أم
خمالف؟ توقف فيه.
والناس في هذا الباب ثالثة أصناف :طرفان ،ووسط.
شـرح األصـول الستة
36
وكال األم رين خط أ ...وهلذا جتد أن ه ؤالء ي ذكرون أن للمش ركني وأهل
الكت اب نص راء يعين وهَن م على قت ال املس لمني ،وأهَّن م من أولي اء اهلل ،وأولئك
يكذبون أن يكون معهم من له خرق عادة.
والصواب القول الثالث :وهو أن معهم من ينصرهم من جنسهم ،ال
من أولياء اهلل .
وفيما نقل كفاية إن ش اء اهلل تع اىل ،ومن أراد املزيد فل ريجع إىل
األصل ،واهلل املوفق.
شـرح األصـول الستة
36
األصل السادس
والس نَّة واتب اع رد الش بهة ال تي وض عها الش يطان في ت رك الق رآن ُّ
والس نَّة ال يعرفهما اآلراء واأله واء المتفرقة المختلف ة ،وهي أن الق رآن ُّ
إال المجتهد المطلق ،والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا أوصافًا لعلها
ال توجد تامة في أبي بكر وعم ر ،ف إن لم يكن اإلنس ان ك ذلك فليع رض
حتما ال شك وال إشكال فيه ،ومن طلب الهدى منهما فهو: ضا ًعنهما فر ً
إما زن ديق ،وإما مجن ون؛ ألجل ص عوبة فهمهم ا ،فس بحان اهلل وبحم ده
درا ،خل ًقا وأم ًرا في رد ه ذه الش بهة رعا وق ً كم بين اهلل س بحانه ش ً
الملعونة من وج وه ش تى بلغت إلى حد الض روريات العامة ،ولكن أك ثر
الناس ال يعلمون :لََق ْد َح َّق الْ َق ْو ُل َعلَى َأ ْكثَ ِر ِه ْم َف ُه ْم ال ُيْؤ ِمنُ و َن ِإنَّا َج َعلْنَا فِي
َو َج َعلْنَا ِم ْن َب ْي ِن َأيْ ِدي ِه ْم َس دًّا َأ ْعنَ اقِ ِهم َأ ْغالال فَ ِهي ِإلَى اَأل ْذقَ ِ
ان َف ُه ْم ُم ْق َم ُح و َن َ ْ
ِ ِ ِ
اه ْم َف ُه ْم ال ُي ْبص ُرو َن َو َس َواءٌ َعلَْي ِه ْم َأَأن َذ ْرَت ُه ْم َْأم ل ْ
َم َوم ْن َخلْف ِه ْم َس دًّا فََأ ْغ َش ْينَ ُ
ب َفبَ ِّش ْرهُالر ْح َم َن بِ الْغَْي ِ الذ ْك َر َو َخ ِش َي َّ ِإنَّما تُ ِ
نذ ُر َم ْن َّاتبَ َع ِّ َ نذ ْر ُه ْم ال ُيْؤ ِمنُ و َن
تُ ِ
ِ ٍ
َأج ٍر َك ِر ٍيم[ يس.]11-7: بِ َم ْغف َرة َو ْ
آخ ره والحمد هلل رب الع المين ،وص لى اهلل على س يدنا محم د،
كثيرا إلى يوم الدين.
تسليما ً
ً وعلى آله وصحبه وسلم
الشرح
5 شـرح األصـول الستة