You are on page 1of 15

‫‪18‬‬

‫الدرس الثامن‬

‫‪‬‬

‫رب العاملني والصَّلة والسَّلم على عبد هللا ورسوله نبينا ُّممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫اْلمد هلل ِ‬
‫أ اما بعد‪:‬‬
‫يتوق النفي والتشبيه َّ‬
‫زل‬ ‫يقول اْلمام أبو جعفر الطحاوي رحه هللا تعاَل ِف ذكر عقيدته؛ قال‪ " :‬ومن مل َّ‬
‫ِ‬
‫بصفات الوحدانيِة‪ ،‬منعوت بنعوت ال َف ْردانية‪ ،‬ليس يف معناه‬ ‫موصوف‬
‫ٌ‬ ‫جل وعال‬ ‫ومل ي ِ‬
‫صب التنزيه؛ فإن ربَّنا َّ‬ ‫ُ‬
‫الست كسائر‬
‫أح ٌد من الربيِة‪ ،‬وتعاىل عن احلدود والغاايت واألركان واألعضاء واألدوات‪ .‬ال حتويه اجلهات ُّ‬
‫املبتدعات " ]‬

‫شرح الشيخ‪:‬‬

‫عبدهُ ورسوله صلى هللا‬


‫حمم ًدا ُ‬
‫رب العاملني‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن َّ‬
‫احلمد هلل ِ‬
‫وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

‫الصفات‬ ‫أما بعد؛ فإن املصنف اإلمام الطحاوي رمحه هللا تعاىل ملَّا ذكر العقيدة ‪ -‬عقيدة أهل السنة ‪ -‬يف ِ‬
‫وأن األصل إثباهتا هلل سبحانه وتعاىل واإلميان هبا وأن يسلِم فيها األمر للرسول صلوات هللا وسالمه عليه‪ ،‬وأنه‬
‫ال يثبت قدم اإلسالم إال على ظهر التسليم؛ أي للنيب عليه الصالة والسالم بتل ِقي ما جاء عنه ابلقبول والرضا‬
‫والتسليم وعدم االعرتاض على شيء من ذلك‪ ،‬ملا قرر ذلك رمحه هللا تعاىل وبيَّنه نبَّه هنا تنبيهاً أراد به أن حي ِِذر‬
‫وضل واحنرف عن سو ِاء السبيل‪ ،‬منبِِهاً أن‬ ‫زل َّ‬ ‫من منزلََق ْني خطريين وآفتني عظيمتني َمن وقع يف واحدةٍ منهما َّ‬
‫الواجب على كل مسلم أن يتوقَّى من هاتني اآلفتني وأن حيذر منهما أشد احلذر وّها‪ :‬آفة النفي وآفة التشبيه‪.‬‬

‫يتوق النفي والتشبيه " والتَّـ َوقِِي هو االجتناب واحلذر والبعد عن هذين األمرين‬
‫ولذا قال رمحه هللا‪ " :‬ومن مل َّ‬
‫أو هاتني اآلفتني‪ :‬النفي والتشبيه؛ النفي‪ :‬أي نفي صفات هللا وعدم إثباهتا كما هي طريقة املع ِطِلة ‪ -‬معطلة‬
‫ُ‬
‫يتوق النفي " أي مل يكن حذراً من نفي‬ ‫جل وعال‪ -‬الذين جيحدوهنا وال يؤمنون هبا‪ ،‬فـ " من مل َّ‬ ‫صفات هللا َّ‬
‫يتوق التشبيه " أي مل يكن حذراً من الوقوع يف التشبيه " فإنه ي ِزُّل " يقع يف الزلل‪.‬‬
‫صفات هللا‪ ،‬و " من مل َّ‬
‫الزلل يف ابب الصفات يـَْن َحى َمْنحيني‪ :‬إما منحى‬ ‫مهم للغاية ينبِِه املصنف هبذه الكلمة الوجيزة أن ِ‬
‫وهذا تنبيهٌ ِ‬
‫النفي أو منحى التشبيه‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪19‬‬
‫جر أصحابه إىل الوقوع فيه وهو املبالغة يف التنزيه‪ ،‬املبالغة يف تنزيه هللا تبارك وتعاىل‪،‬‬ ‫ومنحى النفي له سبب َّ‬
‫زعما منهم أهنم بذلك ِِ‬
‫ينزهون هللا‬ ‫جرهم ذلكم إىل نفي الصفات ً‬ ‫حد الشرع فيه َّ‬ ‫وتعد ْوا َّ‬
‫فلما ابلغوا يف التنزيه َّ‬
‫وتسبيحهم جحداً مثل ما قال بعض أهل العلم املتقدمني‪ " :‬انظر إىل‬ ‫ُ‬ ‫تبارك وتعاىل‪ ،‬فكان تنزيههم تعطيالً‬
‫جرهم إىل التعطيل ! " أي أن تسبيحهم وتنزيههم هلل تبارك وتعاىل ملا كان على غري جادة‬ ‫تسبيح املعتزلة كيف َّ‬
‫َّ‬
‫جرهم إىل تعطيل صفات هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫السنِة َّ‬
‫الصواب وعلى غري هدي الكتاب و ُّ‬
‫فجرهتم هذه‬
‫قابل هؤالء املشبهةُ الذين ابلغوا يف اإلثبات‪ ..‬أولئك ابلغوا يف التنزيه وهؤالء ابلغوا يف اإلثبات‪َّ ،‬‬
‫جرهم ذلك إىل تشبيه اخلالق‬
‫عما يقولون وسبحان هللا عما يصفون – ِ‬ ‫املبالغة إىل تشبيه اخلالق ‪ -‬تعاىل هللا ِ‬
‫أو متثيله سبحانه وتعاىل ابملخلوق‪ .‬أولئك ابلغوا يف التنزيه وهؤالء ابلغوا يف اإلثبات‪.‬‬

‫احلق قَو ٌام بني ذلك وعليه فإنه ميكن من هذه اجلملة املختصرة للمصنف رمحه هللا نعلم‬
‫احلق قَو ٌام بني ذلك‪ُّ ،‬‬
‫و ُّ‬
‫أن الطوائف يف ابب األمساء والصفات أو األقوال يف ابب األمساء والصفات من حيث اجلملة ترجع إىل ثالثة‬
‫أقوال أشار إليها هذه اإلشارة املختصرة‪:‬‬

‫■ القول األول قول النفاة الذين هم أهل التعطيل وجحد صفات الباري سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫■ والقول الثاين قول املشبهة الذين يُشبِِهون هللا – تعاىل عما يقولون ‪ -‬يشبهون صفاته بصفات املخلوقني‪.‬‬

‫وينزهون بال تعطيل‪،‬‬ ‫■والقول الثالث قول أهل احلق واالستقامة أهل السنة واجلماعة الذين يثبتون بال متثيل ِِ‬
‫فخرجوا هبذا التأصيل العظيم والتقعيد املتني من هاتني الضاللتني ضاللة النفاة وضاللة املمثلة‪ ،‬وكانوا من‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ ۖ‬
‫َ‬ ‫َي‬
‫ْ‬ ‫ل‬ ‫{‬ ‫له‬‫و‬ ‫ق‬ ‫فإن‬ ‫}‬‫َي‬
‫ُ‬
‫س ِميع الْب ِ‬
‫ص‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ۖ‬ ‫ء‬
‫ٌ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫دل عليه قوله تعاىل‪ { :‬لَيس َك ِمثْلِ ِ‬
‫ه‬ ‫ْ َ‬
‫احملقـقني ملا َّ‬
‫َي} ردٌّ على النفاة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫} ردٌّ على املمثلة وقوله { و ُهو ال ا ِ‬
‫يع الْبَص ُ‬ ‫سم ُ‬ ‫َ َ‬
‫وكلٌّ من النفي والتمثيل آفة خطرية جدا يف هذا الباب ‪-‬ابب الصفات‪ -‬جيب على كل مسلم ‪-‬كما نبه‬
‫يزل ولكي ال يض ِل‪ ،‬وإذا ض ِل‬
‫املصنف رمحه هللا تعاىل‪ -‬أن يتوقِى منهما وأن حيذر منهما أشد احلذر لكي ال ِ‬
‫مبني غايةٌ يف اخلطورة‪.‬‬
‫الل ٌ‬‫ضالل يف هذا الباب ض ٌ‬ ‫فال ِ‬

‫زل " أي زلَّت قدمه ِ‬


‫وتردى يف اهلَلَكة‪ ،‬ألن اخلطأ يف صفات هللا سبحانه‬ ‫قال‪ " :‬ومن مل َّ‬
‫يتوق النفي والتشبيه ِ‬
‫وتعاىل ليس كاخلطأ يف أي أمر آخر‪.‬‬
‫َصبحتُم ِمن ْ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِٰ‬
‫ين } فالقول اخلاطئ‬ ‫اْلَاس ِر َ‬ ‫وقد قال هللا عز وجل‪َ { :‬وذَل ُك ْم ظَنُّ ُك ُم الاذي ظَنَنتُم ب َربِ ُك ْم أ َْر َدا ُك ْم فَأ ْ َ ْ ِ َ‬
‫َصبحتُم ِمن ْ ِ‬
‫اْلَاس ِر َ‬
‫ين }‪.‬‬ ‫يف صفات هللا سبحانه و تعاىل يؤدي بصاحبه إىل اهللكة والردى { أ َْر َدا ُك ْم فَأ ْ َ ْ ِ َ‬
‫‪20‬‬

‫يتوق التشبيه يف هذا الباب‪ ،‬والزلل يف هذا الباب ليس كالزلل يف أي أمر آخر‬ ‫يتوق النفي ومن مل ِ‬ ‫إذن؛ من مل ِ‬
‫‪ ،‬ألن جيب أن نعلم أن اخلطأ يف هذا الباب ‪ -‬يف أمسائه وصفاته ‪ -‬ليس كاخلطأ يف أمساء زيد وعبيد‪ ..‬ليس‬
‫كاخلطأ يف أمساء زيد وعبيد من الناس‪ ..‬اخلطأ يف أمساء هللا وصفاته أمر عظيم { َوقَالُوا ااَّتَ َذ ا‬
‫اَّللُ َولَ ًدا ۗ } قال‬
‫ض َوََِّت ُّر ا ْجلِبَ ُ‬ ‫ِ‬
‫ال َه ًّدا * أَن‬ ‫ات يَتَ َفطاْر َن م ْنهُ َوتَن َش ُّق ْاْل َْر ُ‬
‫س َم َاو ُ‬ ‫جل شأنه { لاَق ْد ِجئْ تُ ْم َش ْي ئًا إِدًّا * تَ َك ُ‬
‫اد ال ا‬
‫َد َع ْوا لِل ار ْ ٰ‬
‫حَ ِن َولَ ًدا }‬

‫يتوق من هاتني اآلفتني؛ آفة‬ ‫فاخلطأ يف صفات هللا سبحانه وتعاىل ليس كاخلطأ يف أي اسم آخر‪ ،‬وهلذا من مل ِ‬
‫زل ومل يصب التنزيه " منبِِها رمحه هللا هبذه‬‫الزلل يف هذا الباب غاية يف اخلطورة‪ ،‬قال " ِ‬ ‫زل و ِ‬
‫النفي وآفة التشبيه ِ‬
‫عامة النفاة وأغلبهم إمنا كان نفيهم طلبًا للتنزيه‪ ،‬فنفوا صفات‬ ‫اجلملة أو هبذه الكلمة إىل أن بعض الطوائف بل ِ‬
‫ينزهوا هللا بزعمهم‪ ،‬فيقول رمحه هللا‪ :‬الذي ال يتوقَّى‬ ‫هللا سبحانه و تعاىل الثابتة يف الكتاب والسنة ألجل أن ِِ‬
‫يدعي‬ ‫النفي ال يصيب التنزيه؛ وهلذا قالوا العلماء رمحهم هللا‪ " :‬كل ممَُثِِ ٍل ُم َع ِطِ ٌل " أي ال ينزه هللا وإن كان َّ‬
‫أوال َّإمنا َعطَّل بسبب سوء ظنِِه أبمساء وصفات هللا الواردة فلم‬ ‫ينزه هللا‪ " ،‬كل ممَُثِِ ٍل ُم َع ِطِل " ألنه ًّ‬
‫ٌ‬
‫بتعطيله أنه ِِ‬
‫فجَّرهُ هذا الفهم اخلاطئ إىل التعطيل‪ ،‬فأوقعه تعطيله يف متثيل‬ ‫يفهم منها إال املعىن الذي يعهده يف املخلوق‪َ ،‬‬
‫حبسب تعطيله‪ ،‬أ َّما متثيل ابملعدومات أو املمتنعات أو املوجودات حبسب نوع التعطيل وهلذا كل معطل ممثل‬
‫كما أيضا أن املمثل مع ِطِل؛ الذي ميثل صفات هللا سبحانه وتعاىل بصفات املخلوقني هو أيضا معطل‪:‬‬

‫• أوال‪ :‬عطل آَيت الصفات مل يثبتها يف ضوء ما دلت عليه‪.‬‬


‫• واثنيا‪ :‬عطل هللا سبحانه وتعاَل عن كماله‬
‫• واثلثا‪ :‬عطل اآلَيت اليت فيها نفي التمثيل‪.‬‬
‫كل ّمثِِل مع ِطِل‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫فكل ُمعطِ ٍل ُّمثِ ٍل و ِ‬
‫منزها هلل‬‫يزل يف هذا الباب وال ينال تنزيها؛ ال ميكن أن يكون ِِ‬ ‫يتوق التشبيه ِ‬
‫يتوق النفي ومن مل ِ‬ ‫فإذن؛ من مل ِ‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ ۖ َو ُه َو‬ ‫َّ‬
‫جل شأنه إمنا يكون يف حدود ما دل عليه قوله تعاىل‪ { :‬ل َْي َ‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬فتنزيه هللا َّ‬
‫صَي} أبن نثبت له جل شأنُه صفات كماله ونعوت جالله على ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ال ا ِ‬
‫وجه يليق به سبحانه وتعاىل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يع الْبَ ُ‬
‫سم ُ‬
‫فإذا كان اإلثبات هبذه الصفة َسلِم العبد من اآلفتني؛ آفة النفي وآفة التمثيل‪.‬‬

‫جل وعال موصوف بصفات‬ ‫زل ومل يصب التنزيه‪ ،‬فإن ربنا َّ‬ ‫يتوق النفي والتشبيه َّ‬
‫قال رمحه هللا تعاىل‪ " :‬ومن مل َّ‬
‫أتم ْل كالمه رمحه هللا ! قال‪ " :‬فإن ربنا "‬
‫الوحدانية منعوت بنعوت الفردانيِة‪ ،‬ليس يف معناهُ أح ٌد من الربيِة " َّ‬
‫جل‬
‫الرب َّ‬ ‫جل وعال موصوف بصفات الوحدانية " ِ‬ ‫ملا ح ِذر رمحه هللا من النفي ومن التشبيه قال‪ " :‬فإن ربنا َّ‬
‫ِ‬
‫‪21‬‬
‫‪21‬‬
‫وع َال نفسه يف‬
‫جل َ‬‫ف هو َّ‬ ‫ص َ‬
‫موصوف هبا َو َ‬
‫ٌ‬ ‫جل شأنه‬
‫موصوف ابلصفات‪ ،‬وهذه الصفات اليت هو ِ‬ ‫ٌ‬ ‫شأنه‬
‫اجب يف هذه الصفات أن نؤمن هبا وأن نثبتها هلل‬ ‫ِ‬
‫كتابه ووصفه هبا رسوله صلى هللا عليه وسلم يف سنتِه الو ُ‬
‫جل وعال لنفسه وكما أثبتها له رسوله عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫سبحانه كما أثبتها ِ‬
‫موصوف بصفات الوحدانية " ومعىن قوله " بصفات الوحدانية " أي ابلصفات‬ ‫ٌ‬ ‫جل وعال‬
‫قال‪ " :‬فإن ربنا َّ‬
‫تفرَد هبا‪ .‬فال مثال هلل سبحانه وتعاىل يف شيء من صفاته { ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيءٌ ۖ } فهو ِِ‬
‫متفرٌد بصفات‬ ‫اليت َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ص َم ُد * َملْ يَل ْد َوَملْ يُولَ ْد * َوَملْ يَ ُكن لاهُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫َح ٌد } فهو‬ ‫َح ٌد * ا‬
‫اَّللُ ال ا‬ ‫وعال { قُ ْل ُه َو ا‬
‫اَّللُ أ َ‬ ‫جل َ‬‫الوحدانية‪ ،‬قال ِ‬
‫جل‬ ‫جل وعال ِِ‬
‫تفرد هبا‪ ،‬فال مثال له ِ‬ ‫موصوف بصفات الوحدانية؛ أي موصوف ابلصفات الكاملة اليت َّ‬ ‫ٌ‬ ‫متفرد‬ ‫َّ‬
‫وعال يف ٍ‬
‫شيء من صفاته‪.‬‬

‫منعوت بنعوت الفردانية " النعت هو‪ :‬الصفة‪ .‬والفردانية‪ :‬مبعىن ال ِوحدانية‪ .‬فهذا من ابب تنويع‬
‫ٌ‬ ‫وقوله‪" :‬‬
‫العبارة‪ ،‬وإال املعىن واحد‪ ،‬فالنعوت هي الصفات والفردانية هي الوحدانية‪.‬‬

‫َي أَِم ا‬
‫اَّللُ‬ ‫ب ُّمتَ َف ِِرقُو َن َخ ٌْ‬
‫جل وعال " الواحد " وهو اسم اثبت يف القرآن { أَأ َْرََب ٌ‬
‫والوحدانية مأخوذةٌ من امسه َّ‬
‫اار } ورد يف مواضع من كتاب هللا َّ‬ ‫ِ‬
‫جل شأنه‪.‬‬ ‫ال َْواح ُد الْ َقه ُ‬
‫جل وعال‪ ،‬ولكن ُخي َرب عنه؛‬ ‫معدودا يف أمسائه َّ‬
‫ً‬ ‫أما الفردانية من الفرد‪ ،‬والفرد ُخيَْربُ عن هللا تعاىل به لكن ليس‬
‫تفرد بصفات اجلالل والكمال ليس له شبيه وال مثال سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫يقال‪ :‬هللا الفرد‪ ،‬ومعىن الفرد‪ :‬أي امل ِِ‬
‫ُ‬
‫منعوت بنعوت الفردانية ليس يف معناه أح ٌد من الربيَّة "‬
‫ٌ‬ ‫موصوف بصفات الوحدانية‬‫ٌ‬ ‫فإذن؛ قوله رمحه هللا‪" :‬‬
‫تنويع يف العبارة‪.‬‬
‫تنويع يف العبارة‪ٌ ..‬‬
‫معىن واحد‪ ،‬وإمنا هو ٌ‬
‫هذا كله يؤدي إىل ً‬
‫ٍ‬
‫صفات وما كان له سبحانه وتعاىل من‬ ‫جل وعال من‬ ‫" ليس يف معناه أح ٌد من الربيِة " أي‪ :‬ما اتصف به َّ‬
‫ٍ‬
‫نعوت فهو ِِ‬
‫متفرٌد هبا وليس يف معىن صفاته " أح ٌد من الربيِة " أي املخلوقات‪.‬‬

‫َي} { َه ْل تَ ْعلَ ُم لَهُ‬ ‫ِ‬ ‫متفرد هبا ليس له مثيل { ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء ۖ و ُهو ال ا ِ‬
‫يع الْبَص ُ‬ ‫سم ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫جل وعال هو ٌ‬ ‫فصفاته َّ‬
‫ض ِربوا ِاِ‬ ‫ِ‬
‫ال ۚ }‪ ،‬فاهلل سبحانه‬ ‫َّلل ْاْل َْمثَ َ‬ ‫َح ٌد } { فَ ََّل تَ ْ ُ‬‫ََسيًّا } االستفهام هنا مبعىن النفي { َوَملْ يَ ُكن لاهُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫شيء من‬ ‫شيء من صفاته‪ ،‬ال مياثله أح ٌد يف ٍ‬ ‫وتعاىل ليس يف معناه أح ٌد من الربية‪ ،‬أي ال مياثله أحد يف ٍ‬
‫ِ‬
‫صفاته‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫مبعىن واحد أن الواجب إثبات صفات هللا سبحانه وتعاىل‬


‫تلخص من هذه اجلمل الثالث املرتادفات اليت هي ً‬ ‫َّ‬
‫جل وعال‬ ‫له جل وعال على الوجه الالئق به وهو أنه ِ‬
‫متوح ٌّد ِِ‬
‫متفرٌد بصفات الكمال ونعوت اجلالل ليس له ِ‬ ‫ِ‬
‫شبيهٌ وال مثيل‪.‬‬

‫تنزه " ‪..‬عن احلدود والغاايت واألركان واألعضاء واألدوات‪ ،‬ال‬


‫مث بعد ذلكم قال رمحه هللا " تعاىل‪ " ..‬أي‪َّ :‬‬
‫املبتدعات " " املبتدعات " أي املخلوقات‪.‬‬
‫ت كسائر َ‬ ‫ِ‬
‫الس ُّ‬
‫حتويه اجلهات ِ‬
‫هنا أراد املصنِِف الطحاوي رمحه هللا أن يبني خطأ املمثِِلة ألنه ملا ِقرر فيما سبق بطالن التمثيل وكذلك َّبني أن‬
‫َّ‬
‫متوح ٌد بصفات اجلالل متفرد بنعوت الكمال ليس يف معناه أح ٌد من املخلوقات ال شبيه‬ ‫ِ‬
‫هللا سبحانه وتعاىل ِ‬
‫يبطل قول املمثِِلة‪ ،‬فجاء هبذه العبارات اليت هي‬
‫يرد قول املمثلة و ِ‬ ‫له وال مثال ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ -‬فأراد أن ِ‬
‫تفصيل يف النفي‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وتقدس‪ ،‬فأراد بذلك أن ينفي هذه املعاين وأن ِِ‬
‫ينزه هللا سبحانه وتعاىل عنها‪،‬‬ ‫تنزهَ َّ‬
‫ومعىن قوله‪ " :‬تعاىل " أي َّ‬
‫ألهنا حسب السياق الذي ساقها فيه إمنا تكون على قاعدة املمثلة وعلى طريقة املمثلة‪ ،‬وأن إثبات هذه‬
‫وتوسع هبذا النفي؛ تعاىل عن كذا‬
‫األشياء نوعٌ من التمثيل‪ ،‬فأراد أن يبطل مقالة املمثلة فجاء هبذه األلفاظ َّ‬
‫وعن كذا وعن كذا ‪ ..‬إىل آخره‪ ،‬أراد بذلكم رمحه هللا أن ُيرَّد على املمثلة‪.‬‬

‫س َك ِمثْلِ ِه‬
‫وكان يسعه يف هذا املقام رمحه هللا أن يرتك هذا التفصيل يف النفي وأن يورد قول هللا تعاىل‪ { :‬ل َْي َ‬
‫َش ْيءٌ ۖ} كافية ووافية‪ ،‬وأنت ترى ذلك يف عامة كتب العقيدة ألهل السنِة يف مثل هذا املقام؛ ر ً‬
‫أسا يوردون‬
‫هذه اآلية وهي كافية ووافية يف إبطال مقالة املمثلة‪ ،‬وال حتتاج إىل هذا التفصيل الذي ذكره يف النفي‪ ..‬ال‬
‫حنتاج إىل كل هذا التفصيل‪ :‬ليس بكذا وليس بكذا وتنزه عن كذا‪ ...‬هذا التفصيل يف النفي سواءٌ اقتُصر فيه‬
‫على هذا العدد مما نفاه أو زيد عليه أبشياء أخرى كل هذا ال حنتاج إليه‪ ،‬وهلذا ال ترى هذا التفصيل يف النفي‬
‫إطالقا يف شيء من كتب العقيدة ألئمة السلف‪ ..‬ال تراه إطالقا يف شيء من كتب العقيدة ألئمة السلف‬
‫رمحهم هللا‪ ..‬إطالقًا التراه‪ ،‬وأيضا ال ترى هذه العبارات إطالقا يف عبارات الصحابة وألفاظ الصحابة وألفاظ‬
‫التابعني‪ ..‬ال ترى ذلك إطالقًا‪.‬‬

‫جادة‬
‫فإذن؛ هذا النفي الذي ذكره الطِحاوي رمحه هللا تعاىل ليس تقريره وإيراده‪ ،‬ليس على اجلادة‪ ،‬ليس على ِ‬
‫أهل السنة واجلماعة يف هذا الباب من جهات عديدة‪ ..‬من جهات عديدة‪:‬‬

‫تفصيل يف النفي وقاعدةُ أهل السنة واجلماعة يف الصفات املأخوذة من الكتاب‬ ‫ٌ‬ ‫● األمر األول‪ :‬أن هذا‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ ۖ }‪ ..‬على حد‬
‫والسنة‪ " :‬اإلمجال يف النفي والتفصيل يف اإلثبات " على حد قوله تعاىل { ل َْي َ‬
‫‪23‬‬
‫‪23‬‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعاىل‪ { :‬ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء ۖ و ُهو ال ا ِ‬
‫أبلغ يف‬
‫وفصل يف اإلثبات‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫َي } ؛ أ َ‬
‫مجل يف النفي َّ‬ ‫يع الْبَص ُ‬
‫سم ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ذم‪..‬‬ ‫ِ‬
‫صل فيه عن غري حاجة قد يتحول الكالم من مدح إىل ِ‬ ‫بلغ ما يكون‪ .‬والنفي إذا فُ ِ‬ ‫املدح والثناء والتنزيه؛ أ ُ‬
‫ويفصل يف اإلثبات‪..‬‬
‫األبلغ يف املدح والثناء أن جيمل يف النفي َّ‬
‫ذم‪ ،‬وهلذا كان ُ‬ ‫قد يتحول الكالم من مدح إىل ٍِ‬
‫ويفصل يف اإلثبات‪.‬‬ ‫أن جيمل يف النفي َّ‬
‫فإذن هذا التفصيل خمالف للقاعدة ‪-‬قاعدة أهل السنة واجلماعة ‪ -‬املستمدة من الكتاب والسنة‪ .‬هذا األمر‬
‫األول‪.‬‬

‫● األمر الثاين‪ :‬أن هذه األلفاظ اليت ذكرها يف مقام النفي ال وجود هلا إطالقًا عند السلف الصاحل ‪ -‬الصحابة‬
‫حرف واحد يف نفي هذه األلفاظ هبذا التفصيل‪ ،‬مل ينقل عنهم‪ ،‬وذلك‬ ‫احد منهم ٌ‬ ‫والتابعني‪ -‬ومل ينقل عن و ٍ‬
‫جادهتم يف الباب‪ " :‬التوقُّف على ما جاء يف الكتاب والسنة إ ً‬
‫ثباات ونفيًا "؛ ندور مع الكتاب والسنة أي‬ ‫أن َّ‬
‫إثباات ونفيًا؛ نثبت ما ثبت فيهما وننفي ما نفي فيهما‪.‬‬

‫وأمساء هللا جل وعال وصفاته توقيفيِة‪ ..‬أمساء هللا وصفاته سبحانه وتعاىل توقيفيَّة‪.‬‬

‫ظ أنشأها علماء الكالم وال يبعد أن تكون‬ ‫● األمر الثالث‪ :‬أن هذه األلفاظ اليت ذكرها رمحه هللا هي ألفا ٌ‬
‫ظ أنشأها‬ ‫دخلت على املصنِِف من جهة هؤالء‪ ..‬وال يبعد أن تكون دخلت عليه من جهة هؤالء فهذه ألفا ٌ‬
‫اض سيِِئة؛ جاءوا هبذا الكالم وهبذه األلفاظ حىت إذا ما استقرت لدى الناس اتَّكأوا‬
‫علماءُ الكالم وهلم فيها أغر ٌ‬
‫عليها يف نفي الصفات وأصبحت هي العمدة اليت ينفون هبا صفات الباري‪.‬‬

‫ويوحلُون يف جحدها هبذه‬ ‫ابرزا ظاهراً يف كتب املتكلمني؛ جتدهم جيحدون الصفات ِ‬ ‫وفعال أصبح هذا األمر ً‬
‫األلفاظ‪ :‬فمثال ينفون مثالً اليد والوجه وغريه من الصفات الذاتية مث يربرون هذا النفي؛ يقول‪ :‬لو أثبتنا هذه‬
‫الصفات لل ِزَم من ذلك إثبات األعضاء واألدوات‪ ..‬فأصبحت هذه الكلمات هي الدليل اآلن اليت يت ِِكئون‬
‫عليها يف نفي صفات هللا ويقولون‪ :‬لو أثبتنا العلو هلل سبحانه وتعاىل للزم من ذلك إثبات احلدود والغاايت‪،‬‬
‫ولو أثبتنا الصفات الفعلية االختيارية للزم من ذلك إثبات األعراض‪ ،‬وهكذا‪ ..‬فأصبحت هذه األلفاظ متكئًا‬
‫هلؤالء‪ ،‬ووجودها يف كتبهم وذيوعها وانتشارها بينهم‪.‬‬

‫فما احلاجة إىل أن تدرج أو تدخل يف كتاب ألحد من أهل السنة أو السائرين على سنن السلف وطريقهم‬
‫رمحهم هللا تعاىل؟‬
‫●األمر الرابع‪ :‬أن هذه األلفاظ لو أتملت فيها جتد َّأهنا فيها احتماالت؛ حتتمل ٍ‬
‫معان صحيحة وحتتمل أيضا‬
‫ٍ‬
‫معان ابطلة‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫واأللفاظ احملتملة إن أثبتَّها هكذا ابإلطالق قد تقع يف إثبات ما اشتملت عليه من ٍ‬
‫معان خاطئة وإذا نفيتَها‬ ‫ُ‬
‫هكذا ابإلطالق قد تكون أيضا يف ضمن نفيك قد نفيت ما أثبتته من ٍ‬
‫معان صحيحة‪.‬‬

‫ويفصل يف املر ِاد منها؛ مثل‪ :‬اآلن لفظ " اجلهة " وهي أحد‬‫األصل فيها أن توقف ومتنع َّ‬
‫ُ‬ ‫فاأللفاظ اجململة‪:‬‬
‫هذه األلفاظ اليت ذكرها‪ ،‬قبل أن ينفي أو يثبت يفصل فيه‪ ،‬يقال للباحث يف هذا اللفظ‪ :‬ماذا تريد؟ كذلك‬
‫مثال لفظة " احلدود " عندما يريد ينفي احلد‪ ،‬قبل أن ينفي يقال‪ :‬ماذا تريد ابحلد؟ ألن هذا اللفظ حمتمل‬
‫ٍ‬
‫ملعان؛ قد يكون املراد ابحل ِد املباينة؛ أن هللا سبحانه وتعاىل مست ٍو على عرشه ٌ‬
‫ابئن من خلقه‪ ،‬فاملعىن صحيح‬
‫إثبات‬ ‫ِ‬
‫صحيحا ؟ املعىن صحيح‪ .‬وقد يراد ابحل ِد معرفة الكيفية وال ُكْنه‪ ،‬وهلذا قالوا‪ :‬إن إثباتنا للصفات ُ‬
‫ً‬ ‫أو ليس‬
‫ٍ‬
‫وجود ال إثبات حتديد‪.‬‬

‫حمل إشكال‪ ،‬وإثباهتا هكذا ابإلطالق أيضا حمل‬ ‫ظ حتتمل ٍ‬


‫معان إن نفيتها هكذا ابإلطالق ُّ‬ ‫فإذن؛ هذه ألفا ٌ‬
‫إشكال‪.‬‬

‫وهلذا أهل العلم مل حيبِذوا هلذا اإلمام إيراده هلذه األلفاظ يف كتابه ولو يف مقام النفي‪ ،‬على أن كالمه رمحه هللا‬
‫حيمل على أحسن حممل وينظر يف املعاين الصحيحة اليت يدل عليها هذا النفي ألنه ‪ -‬مثل ما رأينا ‪ -‬يثبت‬
‫مر معنا‬
‫العلو وجيحدون صفات هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬بل َّ‬
‫الصفات وليس على طريقة املتكلمني الذين جيحدون ِ‬
‫جادة أهل السنة وطريقتهم‪ ،‬لكنه‬
‫وسيأيت أيضا عند املصنف رمحه هللا إثبات صفات هللا سبحانه وتعاىل على َّ‬
‫الرد على املمثلة‪.‬‬
‫دخلت عليه هذه األلفاظ وأراد هبا َّ‬

‫س َك ِمثْلِ ِه‬
‫قدمت يف بدء احلديث أنه كان يسعه يف هذا املقام‪ ،‬كان يسعه أن يكتفي بقوله تعاىل { ل َْي َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ ۖ } تغين عن ماذا ؟ " تعاىل عن احلدود والغاايت‬ ‫َي}؛ فقوله { ل َْي َ‬
‫ِ‬
‫يع الْبَص ُ‬
‫سم ُ‬
‫َشيء ۖ و ُهو ال ا ِ‬
‫ٌْ َ َ‬
‫س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ ۖ }‬
‫واألركان و‪....‬إخل " تغين‪ { .‬ل َْي َ‬
‫يفصل يف النفي فإىل مىت يفصل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يفصل يف نفي هذه األشياء إىل مىت يفصل فيها ؟ إذا أراد أن ِ‬ ‫مث إذا أراد أن ِ‬
‫اسع ِج ًّدا‪ ...‬فإىل‬ ‫مقام و ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يضا من يقول‪ :‬بقي كذا مل تنفه وبقي أيضا كذا مل ينفه‪ ...‬ألنه ٌ‬ ‫؟ ألن اآلن سيأيت أ ً‬
‫مىت ينفي ؟‬
‫ِ‬
‫مفصالً فيه مل تكن طريقته يف النفي طريقةَ القرآن الكرمي‪ ،‬ألن القرآن‬
‫فصل االنسان يف النفي واستمر ِ‬ ‫وإذا َّ‬
‫وتفصيل يف اإلثبات‪ ،‬وأييت التفصيل يف مواضع يسرية‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫تفصيل يف النفي وإَّمنا فيه إ ٌ‬
‫مجال يف النفي‬ ‫ٌ‬ ‫ليس فيه‬
‫أييت التفصيل يف النفي مواضع يسرية للحاجة مثل أن يضاف إىل هللا سبحانه وتعاىل من بعض أعداء دينه‬
‫ض َوَما‬ ‫سماو ِ‬
‫ات َو ْاْل َْر َ‬ ‫نفي ذلك‪ ،‬ودليل ذلك‪َ { :‬ولََق ْد َخلَ ْقنَا ال ا َ َ‬
‫وأعداءه سبحانه وتعاىل ما ال يليق به فيأيت ُ‬
‫‪25‬‬
‫‪25‬‬
‫ردا على اليهود ملا َّادعوا يف هللا سبحانه‬‫تفصيل يف النفي ًّ‬ ‫وب } هذا‬ ‫سنَا ِمن لُّغُ ٍ‬
‫بَ ْي نَ ُه َما ِِف ِست ِاة أَ اَيٍم َوَما َم ا‬
‫ٌ‬
‫ت أَيْ ِدي ِه ْم‬ ‫ود ي ُد اِ‬
‫اَّلل َمغْلُولَةٌ ۚ } قال هللا عز وجل { غُلا ْ‬ ‫ِ‬
‫يضا‪َ { :‬وقَالَت الْيَ ُه ُ َ‬ ‫وتعاىل الدعوة اجلائرة‪ ،‬مثل أ ً‬
‫ف يَ َشاءُ ۚ }‪ .‬وبينما جتد يف القرآن إمجال يف النفي وهذا هو‬ ‫ان يُ ِنف ُق َك ْي َ‬
‫ول ُِعنُوا ِِبَا قَالُوا بل ي َداهُ م ْبسوطَتَ ِ‬
‫َْ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫مفصالً‪.‬‬
‫اإلثبات َّ‬
‫األبلغ يف الثناء واملدح؛ أن يكون النفي ُجممال و ُ‬
‫حمتملة؛ حيتمل أن يراد ابحلد أنه سبحانه‬ ‫قوله رمحه هللا‪ " :‬تعاىل عن احلدود " هذه الكلمة " احلدود " كلمةٌ ِ‬
‫وتعاىل مبايِ ٌن للمخلوقات فوق عرشه اجمليد مباين ملخلوقاته ليس يف ذاته شيءٌ من خملوقاته وليس يف خملوقاته‬
‫شيءٌ من ذاته‪ ،‬فإذا كان املراد ابحلد هذا املعىن فهذا املعىن صحيح‪ ،‬وهلذا عبد هللا املبارك رمحه هللا ملا ُسئِل عن‬
‫االستواء " هللا مست ٍو على عرشه ؟ " قال‪ " :‬نعم " قال‪ :‬حب ِد ؟ قال‪ " :‬نعم " أراد حب ِِد املبايـَنَة‪ ..‬أراد ابحلد "‬
‫ُ‬
‫جل وعال‪.-‬‬‫ِ‬ ‫‪-‬‬ ‫اجمليد‬ ‫املبايَنة " أي أنه سبحانه وتعاىل مبايِ ٌن خللقه مست ٍو بذاته استواءً يليق جبالله على عرشه‬

‫وحيتمل احلد التحديد الذي هو التكييف‪ .‬فالتكييف ابطل ‪ -‬تعاىل عن احلدود ‪ -‬أي تعاىل عن أن يكيِِفه‬
‫أح ٌد من خلقه أو أن يبلغ كنهَ صفاته أح ٌد من خلقه‪ .‬واملصنف ُحيمل كالمه على هذا املعىن‪ ،‬حيم ُل كالمه‬
‫ونفيه للحدود على هذا املعىن ‪ -‬تعاىل عن احلدود – أي‪ :‬تعاىل عن احل ِد وأن تكيَّف صفاته سبحانه وتعاىل‬
‫العقول‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأن تبلغ كنهَ صفاته‬
‫وقوله‪ " :‬والغاايت " أي وتعاىل عن الغاايت‪ ،‬أيضا هذه لفظةٌ ِ‬
‫حمتملة؛ حتتمل أن يراد ابلغاية احلكمة؛ وأهل‬
‫الباطل من املتكلمني ينفون يف أفعال هللا سبحانه وتعاىل الغاايت أي احلكم‪ ،‬ويقولون‪ :‬أفعاله ليس ٍ‬
‫لغاية؛ أي‬
‫ليست حلكمة‪ .‬فتحتمل الغاايت هذا املعىن‪ ،‬وحتتمل الغاايت ٍ‬
‫معان أخرى‪.‬‬

‫فإذا كان املراد ابلغاية " احلكمة " فاحلكمة يف أفعال هللا سبحانه و تعاىل اثبتةٌ‪ ،‬وهو جل وعال إمنا يفعل عن‬
‫حكمة‪ ،‬ومن أمسائه تبارك وتعاىل " احلكيم "‪.‬‬

‫قال‪ " :‬تعاىل عن احلدود والغاايت واألركان واألعضاء واألدوات " " واألركان واألعضاء واألدوات " هذه من‬
‫ألفاظ املتكلمني كما أسلفت وكان وجود هذه األلفاظ عندهم مت َّكئا لنفي صفات هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأما‬
‫جل وعال على الوجه الالئق جبالله‬
‫أهل السنة واجلماعة ال ترى هذه األلفاظ يف كتبهم‪ ،‬ويثبتون صفات الباري َّ‬
‫وكماله وعظمته سبحانه وينزهونه عن مماثلة املخلوقات‪.‬‬

‫ويقال ماذا يراد هبذه األلفاظ ‪:‬األركان واألعضاء واألدوات ؟‬

‫وتنزه عن ذلك ‪،-‬‬


‫تقدس َّ‬ ‫منزه عن املثال ‪َّ -‬‬‫يشاهد ويعايَن يف املخلوقات فاهلل َّ‬
‫إن كان املراد هبذه األلفاظ ما َ‬
‫أما إن كان يُراد هبذه األلفاظ أن له يداً تليق به أو مسعاً يليق به أو وجهاً يليق به فهذه اثبتةٌ هلل سبحانه وتعاىل‬
‫‪26‬‬

‫ومسَّاها كثريٌ من املع ِطِلة أركان وأدوات وأعضاء ونـَ َف ْوها عن هللا سبحانه وتعاىل مبثل هذه األلفاظ‪ .‬فالوجه واليد‬
‫وغريها من صفات ربنا الذاتية الثابتة يف الكتاب والسنة نثبتها هلل عز وجل ونؤمن هبا كما وردت وإن نفاها‬
‫املعطلة مبثل هذه األمساء احملدثة‪.‬‬

‫الست‬
‫الست كسائر املبتَ َدعات " فـ " املبتدعات " أي املخلوقات‪ ،‬و " اجلهات ُّ‬
‫وقوله‪ " :‬ال حتويه اجلهات ُّ‬
‫جهات اعتبارية نسبية‬
‫ٌ‬ ‫الست هي‬
‫الشمال واألمام واخللف‪ ،‬فهذه اجلهات ُّ‬ ‫الفوق والتَّحت واليمني و ِِ‬
‫" اليت هي ُ‬
‫حترك؛‬
‫حق اجلميع وإمنا هي نسبية‪ .‬وهلذا الشخص الواحد ختتلف اجلهات يف حقه كلما ِ‬ ‫ليست شيئاً اثبتاً يف ِِ‬
‫كل ما حترك عن جهة إىل أخرى تغريت اجلهات يف حقه ومل تصبح اجلهات هي هي؛ ما كان مييناً أصبح‬
‫مشاالً وما كان أماماً أصبح وراءً‪ ..‬فهي جهات نسبية‪.‬‬

‫فصل يف اجلهات؛ ماذا يُراد به ؟‬


‫يف ابب النفي هنا عندما يُقال‪ " :‬تنزه عن اجلهات " يُ َّ‬

‫• إن كان املراد ابجلهة جهة وجوديَّة حتيطه َّ‬


‫جل وعال أو حتويه أو حنو ذلك‪ :‬فهذا ابطل الشك يف‬
‫بطالنه‪.‬‬
‫• وإن كان املراد ابجلهة ما وراء هذا العامل‪ :‬فاهلل جل وعال فوق عرشه‪.‬‬
‫علو هللا سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫واملبتدعة عندما جاءوا هبذه اللفظة ‪ -‬لفظة اجلهة ‪ -‬جاءوا هبا لينفوا من خالهلا َّ‬
‫َّ‬
‫فتيقـظ أهل السنة لذلك وتنبَّهوا هلذا الغرض‪ ،‬وهلذا ال ترى إطالقاً مثل هذه األلفاظ يف كتب أهل السنة‪ ..‬ال‬
‫تراها إطالقا يف كتب أهل السنة وإمنا أتيت يف كتب املتكلمني ومر ُادهم هبا نفي ِِ‬
‫علو هللا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫لكن املصنف أورد هذه األلفاظ ومل يورد ما أراده أولئك بدليل ما نراه من ٍ‬
‫إثبات لصفات هللا سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫فيُحمل إيراده هلذه األلفاظ‪ ،‬وإن كان اجلدير أال يوردها وال يذكرها يف كتابه‪ ،‬حىت إن بعض أهل العلم وهو‬
‫الشيخ حممد بن مانع يف تعليقاته على العقيدة الطحاوية قال‪ " :‬ما يبعد أن تكون مدسوسة يف كتابه " قال‬
‫" ما يبعد أن تكون مدسوسة " يقول‪ " :‬ولو قيل أهنا مدسوسة عليه وليست من كالمه مل يكن ذلك عندي‬
‫ببعيد إحساانً ِِ‬
‫للظن هبذا اإلمام "‪ .‬يقول‪ :‬قد تكون ُمدخلةً من بعض النساخ على كتابه‪.‬‬
‫حال؛ وإن كانت من كالمه فتُحمل على ما جاء مفصالً يف كتابه من ٍ‬ ‫أي ٍ‬
‫إثبات لصفات هللا سبحانه‬ ‫وعلى ِِ‬
‫الرد على املمثلة الذين ميثِلون صفات هللا سبحانه وتعاىل بصفات‬
‫وتعاىل‪ ،‬فيُقال‪ :‬إمنا أراد إبيراده هلذه األلفاظ َّ‬
‫املخلوقني ‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪27‬‬
‫مث بعد ذلكم انتقل رمحه هللا للكالم على املعراج وأيضاً احلوض وكذلك أمور متعلقة ابليوم اآلخر‪ ،‬ومما أخذه‬
‫العز رمحه هللا‪ ،‬مما أخذ عليه أن الكتاب مل أيت مرتِـبًا‪ ..‬أن كتابه مل‬
‫ُشراح هذا الكتاب عليه ومنهم ابن أيب ِ‬
‫ِ‬
‫أيت مرتَّباً؛ وهلذا جتد مثالً حبثًا يف الصفات مث ينتقل إىل الكالم عن اليوم اآلخر مث يعود إىل ما يتعلق ابإلميان‬
‫ابهلل‪ ...‬وهكذا جتد مباحث الكتاب مل ِ‬
‫أتت مرتبةً‪.‬‬

‫السجع وهذا ممن انتقد عليه فيه أبن أيب العز‬


‫هذا من انحية‪ ،‬من انحية أخرى أيضا أخذ عليه التوسع يف ِ‬
‫حمل كتب العقائد " ألن كتب‬ ‫مثل هذا السجع ِ‬ ‫احلنفي رمحه هللا يف شرحه له‪ ..‬التوسع‪ ..‬وقال‪ " :‬ليس ُ‬
‫العقائد بدل أن ينظر فيها إىل القوايف وسبك األلفاظ واإلتيان هبا مسجوعةً ينظر يف املعاين ِ‬
‫ذاهتا‪ ،‬ألن مراعاة‬ ‫ُ‬
‫بلفظة مسجوعة ألجله‬‫جير اإلنسان ‪ -‬وخاصة أنه يكتب يف العقيدة‪ -‬قد جير إىل معىن جاء ٍ‬ ‫السجع قد ُّ‬
‫ً‬
‫معىن خاطئ أو مدلول فاسد‪ ،‬وهلذا قال ابن أيب العز رمحه هللا تعاىل أن ليس‬ ‫فتكون هذه اللفظة تؤدي إىل ً‬
‫حمله كتب العقائد‪ ،‬ألن األلفاظ عندما حترر يف كتب العقائد ينبغي أن تكون دقيقة وال يُلتَفت إىل قضية هل‬
‫جاءت العبارة مسجوعةً أم ال بقدر ما يالحظ اإلنسان دقَّةَ املعاين ودقَّة األلفاظ يف داللتها على املقصود‬
‫كالم يقود اإلنسان إىل شيء من اخلطأ أو الزلل يف هذا الباب‪.‬‬‫والبعد عن أي لفظة حمتملة أو ٍ‬

‫ونكتفي هبذا القدر من كالم املصنف رمحه هللا تعاىل‪.‬‬

‫مجيعا مبا علَّ َمنا وأن يزيدان ً‬


‫علما وأن‬ ‫ونسأل هللا عز وجل أن يغفر لنا وله وجلميع علماء املسلمني وأن ينفعنا ً‬
‫مسيع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا‬ ‫جل وعال ُ‬
‫يصلح لنا شأننا كله وأال يكلنا إىل أنفسنا طرفة عني‪ ،‬إنه َّ‬
‫ونعم الوكيل‪.‬‬

‫وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على نبينا حممد وآله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫إن أمكن قراءة كالم الشيخ ابن مانع يف التعليق على " تعاىل عن احلدود "‬

‫الرد على املشبِِهة‪ ،‬ولكن هذه الكلمات جمهلة مبهمة وليست من‬ ‫[ قال رحه هللا تعاَل‪ُ " :‬مراده بذلك ُّ‬
‫الرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق وأوىل من ذكر ٍ‬
‫ألفاظ‬ ‫األلفاظ املتعارفة عند أهل السنة واجلماعة‪ ،‬و ُّ‬
‫َي} ردٌّ على املشبهة‬ ‫ِ‬ ‫توهم خالف الصواب‪ ،‬ففي قوله تعاىل‪ { :‬ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء ۖ و ُهو ال ا ِ‬
‫يع الْبَص ُ‬
‫سم ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬
‫واملعطلة‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫فال ينبغي لطالب احلق االلتفات إىل مثل هذه األلفاظ وال التعويل عليها فإن هللا سبحانه موصوف بصفات‬
‫الكمال منعوت بنعوت العظمة واجلالل‪] " .‬‬

‫تعليق الشيخ‪:‬‬

‫أتمل كالمه رمحه هللا‪ " :‬ال ينبغي لطالب احلق االلتفات إىل مثل هذه األلفاظ وال التعويل عليها " ألهنا كما‬
‫قدمت ألفاظ ليست موجودة أصال يف الكتاب والسنة وال يف عبارات السلف رمحهم هللا؛ الصحابة ومن اتبعهم‬ ‫ُ‬
‫ظ‬
‫إبحسان‪ ،‬وهم أحرص على اخلري وأ ْغ َريُ على صفات هللا سبحانه و تعاىل‪ ،‬وهي أيضا يف الوقت نفسه ألفا ٌ‬
‫ملعان؛ حمتملة ٍ‬
‫ملعان ملعىن حق ومعىن ابطل‪.‬‬ ‫حمتملة ٍ‬

‫وأمر آخر وهو أهنا موجودة أو إمنا نشأت ووجدت عند أهل الكالم الباطل وكان إجيادهم ملثل هذه األلفاظ‬
‫هلم فيه غرض أال وهو تعطيل الصفات هلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وكان يف ابدئ طرحهم للتعطيل جيدون صعوبة يف‬
‫تصور ‪ -‬اآلن الناس على الفطرة ويقرأون القرآن‪ ،‬وفيه‬ ‫تقبل الناس ملا يطرحونه من تعطيل لصفات هللا ألنه – َّ‬
‫استَ َو ٰى } ال ميكن أن يتقبلون من شخص‬‫ش ْ‬‫حَ ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬ ‫إثبات هلل { بل ي َداهُ م ْبسوطَتَ ِ‬
‫ان } { ال ار ْ ٰ‬ ‫صفات ٍ‬
‫َْ َ َ ُ‬
‫أيتيهم ويقول ليس هلل يدين‪ ،‬أو مل يستو على العرش‪ ،‬فاحتاج هؤالء املتكلمني أهل الباطل إىل خطوات تسبق‬
‫ذلك من أجل اقناع الناس ابلنفي‪ ،‬فجاؤوا هبذه األلفاظ اجململة وقرروا يف أوساط الناس نفيها زاعمني بذلك‬
‫تقررت ودرجت عند الناس جعلوها هي املتَّكأ لنفي صفات هللا‬‫ِ‬ ‫أهنم يريدون هبا تنزيه هللا سبحانه وتعاىل مث ملا‬
‫ُ‬
‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫فإذن ال ينبغي لطالب العلم أن ِِ‬
‫يعول على مثل هذه األلفاظ وال يلتفت إىل شيء منها‪ ..‬نعم‪.‬‬

‫[ " فهو سبحانه فوق خملوقاته مست ٍو على عرشه اجمليد بذاته ٌ‬
‫ابئن من خلقه ينزل كل ليلة إىل السماء الدنيا‬
‫نؤوله كما ال ِِ‬
‫نؤول اليد ابلقدرة والنزول بنزول أمره وغري ذلك‬ ‫وأييت يوم القيامة‪ ،‬وكل ذلك على حقيقته وال ِِ‬
‫من الصفات‪ ،‬بل نثبت ذلك إثبات وجود ال إثبات تكييف‪ .‬وما كان أغىن اإلمام املصنف عن مثل هذه‬
‫الكلمات اجململة امل ِوّهَة املخرتعة "‬
‫ُ ُ‬
‫تعليق الشيخ‪:‬‬

‫الحظ " ما كان أغىن اإلمام املصنف " يعين الطحاوي رمحه هللا " عن مثل هذه الكلمات اجململة املوّهة‬
‫املخرتعة‪".‬‬
‫‪29‬‬
‫‪29‬‬
‫معني حبيث إذا نفي مل تنصرف إىل غريه‪ ،‬فهي ألفاظ‬ ‫• جمملة‪ :‬ألهنا ليست واضحة يف الداللة على ً‬
‫معىن ِ‬
‫جمملة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫معىن اثبت‪ ،‬فهي أيضا‪:‬‬ ‫• وموّهة‪ :‬ألن نفيها كما أنه يدل على نفي ً‬
‫معىن ال يليق أيضا يدل على نفي ً‬
‫موّهة‪.‬‬
‫• وأمر اثلث‪ :‬خمرتعة‪ :‬أي ألفا ٌ‬
‫ظ حمدثة وإمنا وجدت يف كتب العقائد لدى أهل الكالم‪ ،‬أما السلف‬
‫رمحهم هللا من الصحابة والتابعني هلم إبحسان مل يكن هلذه األلفاظ وجود إطالقا يف كتبهم وهم أحرص‬
‫على التنزيه وأغري يف صفات هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫[ " ولو قيل إهنا مدسوسة عليه وليست من كالمه مل يكن ذلك عندي ببعيد إحساان للظن هبذا اإلمام‪] " .‬‬

‫تعليق الشيخ‪:‬‬

‫يعين مل جيزم وإمنا ذكره كاحتمال قال " لو قيل " فلو قيل ذلك يقول " ليس ببعيد " وقوله ليس ببعيد إحسان‬
‫ظن هبذا اإلمام ألن مثل هذا اإلمام األجدر به ومبقامه ومبكانته أال يورد مثل هذه األلفاظ‪ .‬فلو قيل اهنا‬
‫ِ‬
‫مدسوسة عليه يقول لقلت ليس ببعيد‪.‬‬

‫فإذن هو مل جيزم بكوهنا مدسوسة إمنا قال أهنا‪ :‬لو قيل مدسوسة لقلت هذا ليس ببعيد ملقام هذا اإلمام‪.‬‬

‫موجود عند بعض اإلخوة ‪ -‬نبَّه على أمر مهم أيضا أال‬
‫ٌ‬ ‫والشيخ عبد العزيز بن ابز رمحة هللا عليه ‪ -‬رمبا كالمه‬
‫وهو أنه ُحيمل كالمه رمحه هللا ‪ -‬هذا الذي هنا ‪ -‬على أحسن حممل‪ ،‬حيمل كالمه على احململ احلسن الذي‬
‫هو الرد على املمثلة‪ ،‬ال أن يفهم كالمه على مراد املتكلمني هبذه األلفاظ عندما يوردوهنا يف كتبهم‪.‬‬

‫ولعلنا أيضا نقف على كالم الشيخ رمحه هللا بعد إكمال كالم ابن مانع رمحه هللا‪.‬‬

‫مردود على قائله كائنا من كان‪ ،‬ومن قرأ ترمجة املصنف الطحاوي ال سيما‬
‫[ قال‪ " :‬وعلى كل حال فالباطل ٌ‬
‫ما يف [ لسان امليزان ] عرف أنه من أكابر العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي محلنا على إحسان الظن‬
‫فيه يف كثري من املواضع اليت فيها جمال لناقد‪] " .‬‬

‫تعليق الشيخ‪:‬‬
‫‪30‬‬

‫أيضا؛ هذا الذي يذكره رمحه هللا ‪ -‬الشيخ ابن مانع رمحه هللا ‪ -‬هذا فيه تربية لطالب العلم يف نقد كالم أهل‬
‫العلم‪ ،‬وال سيما األئمة األكابر الذين برزوا يف العلم والسنة واحلديث والعناية هبا‪ ،‬فإذا وجدت هفوات أو‬
‫زَّالت أو ألفاظ حمتملة يُتعامل معها مبثل هذه الطريقة‪ ..‬يُتعامل معها مبثل هذه الطريقة ومبا أيضا سنراه يف‬
‫كالم الشيخ عبد العزيز بن ابز‪.‬‬

‫[ " وقوله " وال حتويه اجلهات " دلت دالئل يف الكتاب والسنة على أن هللا سبحانه وتعاىل فوق خملوقاته‬
‫اهر فَ و َق ِعب ِ‬
‫ادهِ ۚ‬ ‫ِ‬ ‫مست ٍو على عرشه كما قال تعاىل { ال ار ْ ٰ‬
‫حَ ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫استَ َو ٰى } وقال تعاىل‪َ { :‬و ُه َو الْ َق ُ ْ َ‬
‫ش ْ‬
‫الست عدميَّة يف حقه ألن هللا تعاىل فوقها كما قال ابن القيم يف النونية‪:‬‬ ‫} فاجلهات ُّ‬
‫ِِف ح ِِق ِه ُهو فَ وقَ َها بِب ي ِ‬
‫ان‬‫َ َ ْ ََ‬ ‫ات ِبَ ْس ِرَها َع َد ِمياةٌ‬
‫ُك ُّل اجلِ َه ِ‬

‫ط ِبَالِ ِق ْاْلَ ْكو ِ‬


‫ان‪]" .‬‬ ‫ط وال ُُيَا ُ‬
‫ُ‬ ‫قَد ََب َن َع ْن َها ُكلا َها فَ ُه َو الْ ُم ِحي‬
‫َ‬

‫[ قال الشيخ عبد العزيز بن ابز رمحه هللا عن قوله ‪ -‬قول املصنف رمحه هللا ‪ " :-‬تعاىل عن احلدود والغاايت‬
‫الست كسائر املبتدعات " قال‪ " :‬هذا الكالم فيه إمجال قد يستغله‬
‫واألركان واألعضاء واألدوات واجلهات ِ‬
‫أهل التأويل واإلحلاد يف أمساء هللا وصفاته‪ ،‬وليس هلم بذلك حجة ألن مراده رمحه هللا تنزيه الباري سبحانه‬
‫وتعاىل عن مشاهبة املخلوقات‪ ،‬لكنه أتى بعبارة جمملة حتتاج إىل تفصيل حىت يزول االشتباه‪.‬‬

‫حدوده إال هو سبحانه‪ ،‬ألن اخللق ال‬ ‫َ‬ ‫فمراده ابحلدود يعين اليت يعلمها البشر‪ ،‬فهو ‪ -‬هللا تعاىل ‪ -‬ال يـَ َعلم‬
‫ني أَيْ ِدي ِه ْم َوَما َخ ْل َف ُه ْم َوَال ُُِييطُو َن بِ ِه ِعل ًْما }‬
‫علما كما قال سبحانه يف سورة طه‪ { :‬يَ ْعلَ ُم َما بَ ْ َ‬
‫حييطون به ً‬
‫"]‬

‫تعليق الشيخ‪:‬‬

‫إذن؛ املراد ابحلدود أي التحديد‪ ..‬املراد ابحلدود " تعاىل عن احلدود " أي أن ُحيَ ِد‪ ،‬فإثبات الصفات ليس‬
‫إثبات حتديد وإمنا إثبات وجود هلا مبعانيها اليت تليق جبالل هللا وكماله‪ .‬نعم‪..‬‬

‫[ " ومن قال من السلف إبثبات احلد يف االستواء أو غريه فمراده ح ِد يعلمه سبحانه وتعاىل وال يعلمه العباد"]‬

‫تعليق الشيخ‪:‬‬
‫‪31‬‬
‫‪31‬‬
‫مثل قول عبد هللا بن املبارك ‪ -‬نقلت كالمه ‪ -‬؛ قال‪ :‬حبد ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فمراد ابن املبارك حبد يعلمه هللا أي‬
‫إنه ابئ ٌن خللقه سبحانه وتعاىل مست ٍو على عرشه هذا‪ ،‬مراده بقوله " حب ٍِد "‪.‬‬

‫مكررة يف أتصيل االعتقاد‪ ،‬لكن يف املناظرة ويف إلزام اخلصم‬


‫وأيضا مثل هذه األلفاظ إذا وجدت ال تراها ابتداءً َّ‬
‫معىن واضح من سياق من أوردها من أئمة السلف‬ ‫رد‪ ،‬ويكون املراد هبا ً‬ ‫وحنو ذلك أتيت هذه األلفاظ يف مقام ِ‬
‫وعال‬
‫جل َ‬‫رمحهم هللا؛ فلما قال رمحه هللا " حب ٍِد " – أي عبد هللا بن املبارك ‪ -‬واضح مراده بذلك أي أنه ابئِ ٌن َّ‬
‫عن خلقه ليس يف ذاته شيء من صفات خملوقاته وال يف خملوقاته شيء من صفاته‪.‬‬

‫[ " وأما قوله " الغاايت واألركان واألعضاء واألدوات " فمراده رمحه هللا تنزيهه عن مشاهبة املخلوقات يف‬
‫حكمته وصفاته الذاتية من الوجه واليد والقدم حنو ذلك‪ ،‬فهو سبحانه موصوف بذلك لكن ليست صفاته‬
‫مثل صفات اخللق‪ ،‬وال يعلم كيفيته إال هو سبحانه‪.‬‬

‫وأهل البدع يطلقون مثل هذه األلفاظ لينفوا هبا الصفات بغري األلفاظ اليت تكلم هللا هبا وأثبتها لنفسه حىت ال‬
‫يفتضحوا‪] ".‬‬

‫تعليق الشيخ‪:‬‬

‫هذا سبب وجود هذه األلفاظ يف كتب أهل البدع؛ يعين أنشئوا هذه األلفاظ املخرتعة ونفوها لينفوا هبا‬
‫صفات هللا‪ .‬قال " حىت ال يفتضحوا " ألن لو أهنم ابتداءً جاءوا ونفوا االستواء واليد والوجه اىل آخره يفتضحون‬
‫عند اخلاص والعام وعند العامل والعامي‪ ،‬لكن جاءوا هبذه األلفاظ حىت ال يفتضحوا؛ قالوا‪ :‬ننفي اليد ألنه يلزم‬
‫منها كذا وأيتون هبذه األلفاظ اليت جعلوها متكئًا‪،‬‬

‫" وأهل البدع يطلقون مثل هذه األلفاظ لينفوا هبا الصفات بغري األلفاظ اليت تكلم هللا هبا وأثبتها لنفسه حىت‬
‫ال يفتضحوا "‬

‫" بغري األلفاظ اليت تكلم هللا هبا " األلفاظ اليت تكلم هللا هبا؛ االستواء‪ ،‬السمع‪ ،‬اليدان‪ ..‬إىل آخره‪ ،‬فلو‬
‫جاءوا إىل هذه األلفاظ ونفوها مباشرة؛ قالوا‪ :‬ليس مسيع وليس له يد ومل يستو على العرش افتضحوا‪.‬‬

‫فإذن؛ نفوا هذه الصفات لكن هبذه األلفاظ هم اخرتعوها جاءوا ابألركان واألعضاء ونفوها ويريدون بنفيها‬
‫نفي الصفات الثابتة يف الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪32‬‬

‫عرب الشيخ‪ ،‬فجاؤوا هبذه األلفاظ لتكون‬


‫فلو أهنم نفوا األلفاظ الثابتة للكتاب والسنة ابتداء الفتضحوا مثل ما ََّ‬
‫متكئًا هلم لنفي الصفات‪.‬‬

‫[ " وحىت ال يشنع عليهم أهل احلق‪] " .‬‬

‫" وحىت ال يشنع عليهم أهل احلق‪ " .‬جاءوا هبذه األلفاظ حىت ال يشنِع عليهم أهل احلق‪ ..‬نعم‪.‬‬

‫[ " واملؤلف الطحاوي رمحه هللا مل يقصد هذا املقصد لكونه من أهل السنة املثبتني لصفات هللا‪ ،‬وكالمه يف‬
‫هذه العقيدة يفسر بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا ويفسر مشتبهه مبحكمه " ]‬

‫تعليق الشيخ‪:‬‬

‫يفسر ابحملكم منه‪ ،‬ألن مثل هذا الكالم مشتبه حيتمل؛ يعين‬
‫مشتبهه مبحكمه " املشتبه من كالمه ِ‬
‫ُ‬ ‫" يفسر‬
‫أنت صاحب سنة إذا وجدت هذا املقطع ال تظن إال أنه صاحب كالم ‪ -‬على طريقة املتكلمني ‪-‬؛ لكن إذا‬
‫قرأت الكالم بتمامه وجدت أن الرجل يثبت الصفات‪ .‬إذن املعىن الذي يقصده املتكلمون مبثل هذه األلفاظ‬
‫اردا عليه ملا تراه يف كتابه من إثبات لصفات هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ليس و ً‬
‫يفسُر مشبه كالمه ابملحكم من كالمه‪ .‬نعم‪..‬‬
‫إذن؛ َّ‬
‫ُ‬

‫الست املخلوقة‪ ،‬وليس‬


‫الست كسائر املبتدعات " مراده‪ :‬اجلهات ِ‬
‫[ قال‪ " :‬وهكذا قوله‪ " :‬ال حتويه اجلهات ُّ‬
‫مراده نفي علو هللا واستوائه على عرشه ألن ذلك ليس داخال يف اجلهات الست بل هو فوق العامل وحميط به‪،‬‬
‫العلو‪ ،‬وأمجع أهل السنة واجلماعة من أصحاب‬ ‫وقد فطر هللا عباده على اإلميان ِِ‬
‫بعلوه سبحانه وأنه يف جهة ِ‬
‫النيب صلى هللا عليه وعلى آله وسلم وأتباعهم إبحسان على ذلك‪ ،‬واألدلة من الكتاب والسنة الصحيحة‬
‫املتواترة كلها تدل على أنه يف العلو سبحانه‪.‬‬

‫فتنبه هلذا األمر العظيم أيها القارئ الكرمي واعلم أنه احلق وما سواه ابطل وهللا ويل التوفيق‪] " .‬‬

‫تعليق الشيخ‪:‬‬

‫خريا‪.‬‬
‫نعم جزاهُ هللا ً‬

You might also like