Professional Documents
Culture Documents
الدرس الثامن
رب العاملني والصَّلة والسَّلم على عبد هللا ورسوله نبينا ُّممد وعلى آله وصحبه أمجعني.
اْلمد هلل ِ
أ اما بعد:
يتوق النفي والتشبيه َّ
زل يقول اْلمام أبو جعفر الطحاوي رحه هللا تعاَل ِف ذكر عقيدته؛ قال " :ومن مل َّ
ِ
بصفات الوحدانيِة ،منعوت بنعوت ال َف ْردانية ،ليس يف معناه موصوف
ٌ جل وعال ومل ي ِ
صب التنزيه؛ فإن ربَّنا َّ ُ
الست كسائر
أح ٌد من الربيِة ،وتعاىل عن احلدود والغاايت واألركان واألعضاء واألدوات .ال حتويه اجلهات ُّ
املبتدعات " ]
شرح الشيخ:
الصفات أما بعد؛ فإن املصنف اإلمام الطحاوي رمحه هللا تعاىل ملَّا ذكر العقيدة -عقيدة أهل السنة -يف ِ
وأن األصل إثباهتا هلل سبحانه وتعاىل واإلميان هبا وأن يسلِم فيها األمر للرسول صلوات هللا وسالمه عليه ،وأنه
ال يثبت قدم اإلسالم إال على ظهر التسليم؛ أي للنيب عليه الصالة والسالم بتل ِقي ما جاء عنه ابلقبول والرضا
والتسليم وعدم االعرتاض على شيء من ذلك ،ملا قرر ذلك رمحه هللا تعاىل وبيَّنه نبَّه هنا تنبيهاً أراد به أن حي ِِذر
وضل واحنرف عن سو ِاء السبيل ،منبِِهاً أن زل َّ من منزلََق ْني خطريين وآفتني عظيمتني َمن وقع يف واحدةٍ منهما َّ
الواجب على كل مسلم أن يتوقَّى من هاتني اآلفتني وأن حيذر منهما أشد احلذر وّها :آفة النفي وآفة التشبيه.
يتوق النفي والتشبيه " والتَّـ َوقِِي هو االجتناب واحلذر والبعد عن هذين األمرين
ولذا قال رمحه هللا " :ومن مل َّ
أو هاتني اآلفتني :النفي والتشبيه؛ النفي :أي نفي صفات هللا وعدم إثباهتا كما هي طريقة املع ِطِلة -معطلة
ُ
يتوق النفي " أي مل يكن حذراً من نفي جل وعال -الذين جيحدوهنا وال يؤمنون هبا ،فـ " من مل َّ صفات هللا َّ
يتوق التشبيه " أي مل يكن حذراً من الوقوع يف التشبيه " فإنه ي ِزُّل " يقع يف الزلل.
صفات هللا ،و " من مل َّ
الزلل يف ابب الصفات يـَْن َحى َمْنحيني :إما منحى مهم للغاية ينبِِه املصنف هبذه الكلمة الوجيزة أن ِ
وهذا تنبيهٌ ِ
النفي أو منحى التشبيه.
19
19
جر أصحابه إىل الوقوع فيه وهو املبالغة يف التنزيه ،املبالغة يف تنزيه هللا تبارك وتعاىل، ومنحى النفي له سبب َّ
زعما منهم أهنم بذلك ِِ
ينزهون هللا جرهم ذلكم إىل نفي الصفات ً حد الشرع فيه َّ وتعد ْوا َّ
فلما ابلغوا يف التنزيه َّ
وتسبيحهم جحداً مثل ما قال بعض أهل العلم املتقدمني " :انظر إىل ُ تبارك وتعاىل ،فكان تنزيههم تعطيالً
جرهم إىل التعطيل ! " أي أن تسبيحهم وتنزيههم هلل تبارك وتعاىل ملا كان على غري جادة تسبيح املعتزلة كيف َّ
َّ
جرهم إىل تعطيل صفات هللا سبحانه وتعاىل. السنِة َّ
الصواب وعلى غري هدي الكتاب و ُّ
فجرهتم هذه
قابل هؤالء املشبهةُ الذين ابلغوا يف اإلثبات ..أولئك ابلغوا يف التنزيه وهؤالء ابلغوا يف اإلثباتَّ ،
جرهم ذلك إىل تشبيه اخلالق
عما يقولون وسبحان هللا عما يصفون – ِ املبالغة إىل تشبيه اخلالق -تعاىل هللا ِ
أو متثيله سبحانه وتعاىل ابملخلوق .أولئك ابلغوا يف التنزيه وهؤالء ابلغوا يف اإلثبات.
احلق قَو ٌام بني ذلك وعليه فإنه ميكن من هذه اجلملة املختصرة للمصنف رمحه هللا نعلم
احلق قَو ٌام بني ذلكُّ ،
و ُّ
أن الطوائف يف ابب األمساء والصفات أو األقوال يف ابب األمساء والصفات من حيث اجلملة ترجع إىل ثالثة
أقوال أشار إليها هذه اإلشارة املختصرة:
■ القول األول قول النفاة الذين هم أهل التعطيل وجحد صفات الباري سبحانه وتعاىل.
■ والقول الثاين قول املشبهة الذين يُشبِِهون هللا – تعاىل عما يقولون -يشبهون صفاته بصفات املخلوقني.
وينزهون بال تعطيل، ■والقول الثالث قول أهل احلق واالستقامة أهل السنة واجلماعة الذين يثبتون بال متثيل ِِ
فخرجوا هبذا التأصيل العظيم والتقعيد املتني من هاتني الضاللتني ضاللة النفاة وضاللة املمثلة ،وكانوا من
س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ ۖ
َ َي
ْ ل { لهو ق فإن }َي
ُ
س ِميع الْب ِ
ص َ ُ ا ال و
َ ه
ُ و
َ ۖ ء
ٌ ي
ْ ش
َ دل عليه قوله تعاىل { :لَيس َك ِمثْلِ ِ
ه ْ َ
احملقـقني ملا َّ
َي} ردٌّ على النفاة. ِ } ردٌّ على املمثلة وقوله { و ُهو ال ا ِ
يع الْبَص ُ سم ُ َ َ
وكلٌّ من النفي والتمثيل آفة خطرية جدا يف هذا الباب -ابب الصفات -جيب على كل مسلم -كما نبه
يزل ولكي ال يض ِل ،وإذا ض ِل
املصنف رمحه هللا تعاىل -أن يتوقِى منهما وأن حيذر منهما أشد احلذر لكي ال ِ
مبني غايةٌ يف اخلطورة.
الل ٌضالل يف هذا الباب ض ٌ فال ِ
يتوق التشبيه يف هذا الباب ،والزلل يف هذا الباب ليس كالزلل يف أي أمر آخر يتوق النفي ومن مل ِ إذن؛ من مل ِ
،ألن جيب أن نعلم أن اخلطأ يف هذا الباب -يف أمسائه وصفاته -ليس كاخلطأ يف أمساء زيد وعبيد ..ليس
كاخلطأ يف أمساء زيد وعبيد من الناس ..اخلطأ يف أمساء هللا وصفاته أمر عظيم { َوقَالُوا ااَّتَ َذ ا
اَّللُ َولَ ًدا ۗ } قال
ض َوََِّت ُّر ا ْجلِبَ ُ ِ
ال َه ًّدا * أَن ات يَتَ َفطاْر َن م ْنهُ َوتَن َش ُّق ْاْل َْر ُ
س َم َاو ُ جل شأنه { لاَق ْد ِجئْ تُ ْم َش ْي ئًا إِدًّا * تَ َك ُ
اد ال ا
َد َع ْوا لِل ار ْ ٰ
حَ ِن َولَ ًدا }
يتوق من هاتني اآلفتني؛ آفة فاخلطأ يف صفات هللا سبحانه وتعاىل ليس كاخلطأ يف أي اسم آخر ،وهلذا من مل ِ
زل ومل يصب التنزيه " منبِِها رمحه هللا هبذهالزلل يف هذا الباب غاية يف اخلطورة ،قال " ِ زل و ِ
النفي وآفة التشبيه ِ
عامة النفاة وأغلبهم إمنا كان نفيهم طلبًا للتنزيه ،فنفوا صفات اجلملة أو هبذه الكلمة إىل أن بعض الطوائف بل ِ
ينزهوا هللا بزعمهم ،فيقول رمحه هللا :الذي ال يتوقَّى هللا سبحانه و تعاىل الثابتة يف الكتاب والسنة ألجل أن ِِ
يدعي النفي ال يصيب التنزيه؛ وهلذا قالوا العلماء رمحهم هللا " :كل ممَُثِِ ٍل ُم َع ِطِ ٌل " أي ال ينزه هللا وإن كان َّ
أوال َّإمنا َعطَّل بسبب سوء ظنِِه أبمساء وصفات هللا الواردة فلم ينزه هللا " ،كل ممَُثِِ ٍل ُم َع ِطِل " ألنه ًّ
ٌ
بتعطيله أنه ِِ
فجَّرهُ هذا الفهم اخلاطئ إىل التعطيل ،فأوقعه تعطيله يف متثيل يفهم منها إال املعىن الذي يعهده يف املخلوقَ ،
حبسب تعطيله ،أ َّما متثيل ابملعدومات أو املمتنعات أو املوجودات حبسب نوع التعطيل وهلذا كل معطل ممثل
كما أيضا أن املمثل مع ِطِل؛ الذي ميثل صفات هللا سبحانه وتعاىل بصفات املخلوقني هو أيضا معطل:
جل وعال موصوف بصفات زل ومل يصب التنزيه ،فإن ربنا َّ يتوق النفي والتشبيه َّ
قال رمحه هللا تعاىل " :ومن مل َّ
أتم ْل كالمه رمحه هللا ! قال " :فإن ربنا "
الوحدانية منعوت بنعوت الفردانيِة ،ليس يف معناهُ أح ٌد من الربيِة " َّ
جل
الرب َّ جل وعال موصوف بصفات الوحدانية " ِ ملا ح ِذر رمحه هللا من النفي ومن التشبيه قال " :فإن ربنا َّ
ِ
21
21
وع َال نفسه يف
جل َف هو َّ ص َ
موصوف هبا َو َ
ٌ جل شأنه
موصوف ابلصفات ،وهذه الصفات اليت هو ِ ٌ شأنه
اجب يف هذه الصفات أن نؤمن هبا وأن نثبتها هلل ِ
كتابه ووصفه هبا رسوله صلى هللا عليه وسلم يف سنتِه الو ُ
جل وعال لنفسه وكما أثبتها له رسوله عليه الصالة والسالم.
سبحانه كما أثبتها ِ
موصوف بصفات الوحدانية " ومعىن قوله " بصفات الوحدانية " أي ابلصفات ٌ جل وعال
قال " :فإن ربنا َّ
تفرَد هبا .فال مثال هلل سبحانه وتعاىل يف شيء من صفاته { ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيءٌ ۖ } فهو ِِ
متفرٌد بصفات اليت َّ
ْ َ
ِ
ص َم ُد * َملْ يَل ْد َوَملْ يُولَ ْد * َوَملْ يَ ُكن لاهُ ُك ُف ًوا أ َ
َح ٌد } فهو َح ٌد * ا
اَّللُ ال ا وعال { قُ ْل ُه َو ا
اَّللُ أ َ جل َالوحدانية ،قال ِ
جل جل وعال ِِ
تفرد هبا ،فال مثال له ِ موصوف بصفات الوحدانية؛ أي موصوف ابلصفات الكاملة اليت َّ ٌ متفرد َّ
وعال يف ٍ
شيء من صفاته.
منعوت بنعوت الفردانية " النعت هو :الصفة .والفردانية :مبعىن ال ِوحدانية .فهذا من ابب تنويع
ٌ وقوله" :
العبارة ،وإال املعىن واحد ،فالنعوت هي الصفات والفردانية هي الوحدانية.
َي أَِم ا
اَّللُ ب ُّمتَ َف ِِرقُو َن َخ ٌْ
جل وعال " الواحد " وهو اسم اثبت يف القرآن { أَأ َْرََب ٌ
والوحدانية مأخوذةٌ من امسه َّ
اار } ورد يف مواضع من كتاب هللا َّ ِ
جل شأنه. ال َْواح ُد الْ َقه ُ
جل وعال ،ولكن ُخي َرب عنه؛ معدودا يف أمسائه َّ
ً أما الفردانية من الفرد ،والفرد ُخيَْربُ عن هللا تعاىل به لكن ليس
تفرد بصفات اجلالل والكمال ليس له شبيه وال مثال سبحانه وتعاىل. يقال :هللا الفرد ،ومعىن الفرد :أي امل ِِ
ُ
منعوت بنعوت الفردانية ليس يف معناه أح ٌد من الربيَّة "
ٌ موصوف بصفات الوحدانيةٌ فإذن؛ قوله رمحه هللا" :
تنويع يف العبارة.
تنويع يف العبارةٌ ..
معىن واحد ،وإمنا هو ٌ
هذا كله يؤدي إىل ً
ٍ
صفات وما كان له سبحانه وتعاىل من جل وعال من " ليس يف معناه أح ٌد من الربيِة " أي :ما اتصف به َّ
ٍ
نعوت فهو ِِ
متفرٌد هبا وليس يف معىن صفاته " أح ٌد من الربيِة " أي املخلوقات.
َي} { َه ْل تَ ْعلَ ُم لَهُ ِ متفرد هبا ليس له مثيل { ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء ۖ و ُهو ال ا ِ
يع الْبَص ُ سم ُ ٌْ َ َ َ جل وعال هو ٌ فصفاته َّ
ض ِربوا ِاِ ِ
ال ۚ } ،فاهلل سبحانه َّلل ْاْل َْمثَ َ َح ٌد } { فَ ََّل تَ ْ ََُسيًّا } االستفهام هنا مبعىن النفي { َوَملْ يَ ُكن لاهُ ُك ُف ًوا أ َ
شيء من شيء من صفاته ،ال مياثله أح ٌد يف ٍ وتعاىل ليس يف معناه أح ٌد من الربية ،أي ال مياثله أحد يف ٍ
ِ
صفاته.
22
س َك ِمثْلِ ِه
وكان يسعه يف هذا املقام رمحه هللا أن يرتك هذا التفصيل يف النفي وأن يورد قول هللا تعاىل { :ل َْي َ
َش ْيءٌ ۖ} كافية ووافية ،وأنت ترى ذلك يف عامة كتب العقيدة ألهل السنِة يف مثل هذا املقام؛ ر ً
أسا يوردون
هذه اآلية وهي كافية ووافية يف إبطال مقالة املمثلة ،وال حتتاج إىل هذا التفصيل الذي ذكره يف النفي ..ال
حنتاج إىل كل هذا التفصيل :ليس بكذا وليس بكذا وتنزه عن كذا ...هذا التفصيل يف النفي سواءٌ اقتُصر فيه
على هذا العدد مما نفاه أو زيد عليه أبشياء أخرى كل هذا ال حنتاج إليه ،وهلذا ال ترى هذا التفصيل يف النفي
إطالقا يف شيء من كتب العقيدة ألئمة السلف ..ال تراه إطالقا يف شيء من كتب العقيدة ألئمة السلف
رمحهم هللا ..إطالقًا التراه ،وأيضا ال ترى هذه العبارات إطالقا يف عبارات الصحابة وألفاظ الصحابة وألفاظ
التابعني ..ال ترى ذلك إطالقًا.
جادة
فإذن؛ هذا النفي الذي ذكره الطِحاوي رمحه هللا تعاىل ليس تقريره وإيراده ،ليس على اجلادة ،ليس على ِ
أهل السنة واجلماعة يف هذا الباب من جهات عديدة ..من جهات عديدة:
تفصيل يف النفي وقاعدةُ أهل السنة واجلماعة يف الصفات املأخوذة من الكتاب ٌ ● األمر األول :أن هذا
س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ ۖ } ..على حد
والسنة " :اإلمجال يف النفي والتفصيل يف اإلثبات " على حد قوله تعاىل { ل َْي َ
23
23 ِ قوله تعاىل { :ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء ۖ و ُهو ال ا ِ
أبلغ يف
وفصل يف اإلثبات ،وهذا ُ َي } ؛ أ َ
مجل يف النفي َّ يع الْبَص ُ
سم ُ ٌْ َ َ َ
ذم.. ِ
صل فيه عن غري حاجة قد يتحول الكالم من مدح إىل ِ بلغ ما يكون .والنفي إذا فُ ِ املدح والثناء والتنزيه؛ أ ُ
ويفصل يف اإلثبات..
األبلغ يف املدح والثناء أن جيمل يف النفي َّ
ذم ،وهلذا كان ُ قد يتحول الكالم من مدح إىل ٍِ
ويفصل يف اإلثبات. أن جيمل يف النفي َّ
فإذن هذا التفصيل خمالف للقاعدة -قاعدة أهل السنة واجلماعة -املستمدة من الكتاب والسنة .هذا األمر
األول.
● األمر الثاين :أن هذه األلفاظ اليت ذكرها يف مقام النفي ال وجود هلا إطالقًا عند السلف الصاحل -الصحابة
حرف واحد يف نفي هذه األلفاظ هبذا التفصيل ،مل ينقل عنهم ،وذلك احد منهم ٌ والتابعني -ومل ينقل عن و ٍ
جادهتم يف الباب " :التوقُّف على ما جاء يف الكتاب والسنة إ ً
ثباات ونفيًا "؛ ندور مع الكتاب والسنة أي أن َّ
إثباات ونفيًا؛ نثبت ما ثبت فيهما وننفي ما نفي فيهما.
وأمساء هللا جل وعال وصفاته توقيفيِة ..أمساء هللا وصفاته سبحانه وتعاىل توقيفيَّة.
ظ أنشأها علماء الكالم وال يبعد أن تكون ● األمر الثالث :أن هذه األلفاظ اليت ذكرها رمحه هللا هي ألفا ٌ
ظ أنشأها دخلت على املصنِِف من جهة هؤالء ..وال يبعد أن تكون دخلت عليه من جهة هؤالء فهذه ألفا ٌ
اض سيِِئة؛ جاءوا هبذا الكالم وهبذه األلفاظ حىت إذا ما استقرت لدى الناس اتَّكأوا
علماءُ الكالم وهلم فيها أغر ٌ
عليها يف نفي الصفات وأصبحت هي العمدة اليت ينفون هبا صفات الباري.
ويوحلُون يف جحدها هبذه ابرزا ظاهراً يف كتب املتكلمني؛ جتدهم جيحدون الصفات ِ وفعال أصبح هذا األمر ً
األلفاظ :فمثال ينفون مثالً اليد والوجه وغريه من الصفات الذاتية مث يربرون هذا النفي؛ يقول :لو أثبتنا هذه
الصفات لل ِزَم من ذلك إثبات األعضاء واألدوات ..فأصبحت هذه الكلمات هي الدليل اآلن اليت يت ِِكئون
عليها يف نفي صفات هللا ويقولون :لو أثبتنا العلو هلل سبحانه وتعاىل للزم من ذلك إثبات احلدود والغاايت،
ولو أثبتنا الصفات الفعلية االختيارية للزم من ذلك إثبات األعراض ،وهكذا ..فأصبحت هذه األلفاظ متكئًا
هلؤالء ،ووجودها يف كتبهم وذيوعها وانتشارها بينهم.
فما احلاجة إىل أن تدرج أو تدخل يف كتاب ألحد من أهل السنة أو السائرين على سنن السلف وطريقهم
رمحهم هللا تعاىل؟
●األمر الرابع :أن هذه األلفاظ لو أتملت فيها جتد َّأهنا فيها احتماالت؛ حتتمل ٍ
معان صحيحة وحتتمل أيضا
ٍ
معان ابطلة.
24
واأللفاظ احملتملة إن أثبتَّها هكذا ابإلطالق قد تقع يف إثبات ما اشتملت عليه من ٍ
معان خاطئة وإذا نفيتَها ُ
هكذا ابإلطالق قد تكون أيضا يف ضمن نفيك قد نفيت ما أثبتته من ٍ
معان صحيحة.
ويفصل يف املر ِاد منها؛ مثل :اآلن لفظ " اجلهة " وهي أحداألصل فيها أن توقف ومتنع َّ
ُ فاأللفاظ اجململة:
هذه األلفاظ اليت ذكرها ،قبل أن ينفي أو يثبت يفصل فيه ،يقال للباحث يف هذا اللفظ :ماذا تريد؟ كذلك
مثال لفظة " احلدود " عندما يريد ينفي احلد ،قبل أن ينفي يقال :ماذا تريد ابحلد؟ ألن هذا اللفظ حمتمل
ٍ
ملعان؛ قد يكون املراد ابحل ِد املباينة؛ أن هللا سبحانه وتعاىل مست ٍو على عرشه ٌ
ابئن من خلقه ،فاملعىن صحيح
إثبات ِ
صحيحا ؟ املعىن صحيح .وقد يراد ابحل ِد معرفة الكيفية وال ُكْنه ،وهلذا قالوا :إن إثباتنا للصفات ُ
ً أو ليس
ٍ
وجود ال إثبات حتديد.
وهلذا أهل العلم مل حيبِذوا هلذا اإلمام إيراده هلذه األلفاظ يف كتابه ولو يف مقام النفي ،على أن كالمه رمحه هللا
حيمل على أحسن حممل وينظر يف املعاين الصحيحة اليت يدل عليها هذا النفي ألنه -مثل ما رأينا -يثبت
مر معنا
العلو وجيحدون صفات هللا سبحانه وتعاىل ،بل َّ
الصفات وليس على طريقة املتكلمني الذين جيحدون ِ
جادة أهل السنة وطريقتهم ،لكنه
وسيأيت أيضا عند املصنف رمحه هللا إثبات صفات هللا سبحانه وتعاىل على َّ
الرد على املمثلة.
دخلت عليه هذه األلفاظ وأراد هبا َّ
س َك ِمثْلِ ِه
قدمت يف بدء احلديث أنه كان يسعه يف هذا املقام ،كان يسعه أن يكتفي بقوله تعاىل { ل َْي َ
ِ
ُ وقد
س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ ۖ } تغين عن ماذا ؟ " تعاىل عن احلدود والغاايت َي}؛ فقوله { ل َْي َ
ِ
يع الْبَص ُ
سم ُ
َشيء ۖ و ُهو ال ا ِ
ٌْ َ َ
س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ ۖ }
واألركان و....إخل " تغين { .ل َْي َ
يفصل يف النفي فإىل مىت يفصل ِ ِ
يفصل يف نفي هذه األشياء إىل مىت يفصل فيها ؟ إذا أراد أن ِ مث إذا أراد أن ِ
اسع ِج ًّدا ...فإىل مقام و ٌ
ِ ِ
يضا من يقول :بقي كذا مل تنفه وبقي أيضا كذا مل ينفه ...ألنه ٌ ؟ ألن اآلن سيأيت أ ً
مىت ينفي ؟
ِ
مفصالً فيه مل تكن طريقته يف النفي طريقةَ القرآن الكرمي ،ألن القرآن
فصل االنسان يف النفي واستمر ِ وإذا َّ
وتفصيل يف اإلثبات ،وأييت التفصيل يف مواضع يسرية..
ٌ تفصيل يف النفي وإَّمنا فيه إ ٌ
مجال يف النفي ٌ ليس فيه
أييت التفصيل يف النفي مواضع يسرية للحاجة مثل أن يضاف إىل هللا سبحانه وتعاىل من بعض أعداء دينه
ض َوَما سماو ِ
ات َو ْاْل َْر َ نفي ذلك ،ودليل ذلكَ { :ولََق ْد َخلَ ْقنَا ال ا َ َ
وأعداءه سبحانه وتعاىل ما ال يليق به فيأيت ُ
25
25
ردا على اليهود ملا َّادعوا يف هللا سبحانهتفصيل يف النفي ًّ وب } هذا سنَا ِمن لُّغُ ٍ
بَ ْي نَ ُه َما ِِف ِست ِاة أَ اَيٍم َوَما َم ا
ٌ
ت أَيْ ِدي ِه ْم ود ي ُد اِ
اَّلل َمغْلُولَةٌ ۚ } قال هللا عز وجل { غُلا ْ ِ
يضاَ { :وقَالَت الْيَ ُه ُ َ وتعاىل الدعوة اجلائرة ،مثل أ ً
ف يَ َشاءُ ۚ } .وبينما جتد يف القرآن إمجال يف النفي وهذا هو ان يُ ِنف ُق َك ْي َ
ول ُِعنُوا ِِبَا قَالُوا بل ي َداهُ م ْبسوطَتَ ِ
َْ َ َ ُ َ
مفصالً.
اإلثبات َّ
األبلغ يف الثناء واملدح؛ أن يكون النفي ُجممال و ُ
حمتملة؛ حيتمل أن يراد ابحلد أنه سبحانه قوله رمحه هللا " :تعاىل عن احلدود " هذه الكلمة " احلدود " كلمةٌ ِ
وتعاىل مبايِ ٌن للمخلوقات فوق عرشه اجمليد مباين ملخلوقاته ليس يف ذاته شيءٌ من خملوقاته وليس يف خملوقاته
شيءٌ من ذاته ،فإذا كان املراد ابحلد هذا املعىن فهذا املعىن صحيح ،وهلذا عبد هللا املبارك رمحه هللا ملا ُسئِل عن
االستواء " هللا مست ٍو على عرشه ؟ " قال " :نعم " قال :حب ِد ؟ قال " :نعم " أراد حب ِِد املبايـَنَة ..أراد ابحلد "
ُ
جل وعال.-ِ - اجمليد املبايَنة " أي أنه سبحانه وتعاىل مبايِ ٌن خللقه مست ٍو بذاته استواءً يليق جبالله على عرشه
وحيتمل احلد التحديد الذي هو التكييف .فالتكييف ابطل -تعاىل عن احلدود -أي تعاىل عن أن يكيِِفه
أح ٌد من خلقه أو أن يبلغ كنهَ صفاته أح ٌد من خلقه .واملصنف ُحيمل كالمه على هذا املعىن ،حيم ُل كالمه
ونفيه للحدود على هذا املعىن -تعاىل عن احلدود – أي :تعاىل عن احل ِد وأن تكيَّف صفاته سبحانه وتعاىل
العقول.
ُ وأن تبلغ كنهَ صفاته
وقوله " :والغاايت " أي وتعاىل عن الغاايت ،أيضا هذه لفظةٌ ِ
حمتملة؛ حتتمل أن يراد ابلغاية احلكمة؛ وأهل
الباطل من املتكلمني ينفون يف أفعال هللا سبحانه وتعاىل الغاايت أي احلكم ،ويقولون :أفعاله ليس ٍ
لغاية؛ أي
ليست حلكمة .فتحتمل الغاايت هذا املعىن ،وحتتمل الغاايت ٍ
معان أخرى.
فإذا كان املراد ابلغاية " احلكمة " فاحلكمة يف أفعال هللا سبحانه و تعاىل اثبتةٌ ،وهو جل وعال إمنا يفعل عن
حكمة ،ومن أمسائه تبارك وتعاىل " احلكيم ".
قال " :تعاىل عن احلدود والغاايت واألركان واألعضاء واألدوات " " واألركان واألعضاء واألدوات " هذه من
ألفاظ املتكلمني كما أسلفت وكان وجود هذه األلفاظ عندهم مت َّكئا لنفي صفات هللا سبحانه وتعاىل ،وأما
جل وعال على الوجه الالئق جبالله
أهل السنة واجلماعة ال ترى هذه األلفاظ يف كتبهم ،ويثبتون صفات الباري َّ
وكماله وعظمته سبحانه وينزهونه عن مماثلة املخلوقات.
ومسَّاها كثريٌ من املع ِطِلة أركان وأدوات وأعضاء ونـَ َف ْوها عن هللا سبحانه وتعاىل مبثل هذه األلفاظ .فالوجه واليد
وغريها من صفات ربنا الذاتية الثابتة يف الكتاب والسنة نثبتها هلل عز وجل ونؤمن هبا كما وردت وإن نفاها
املعطلة مبثل هذه األمساء احملدثة.
الست
الست كسائر املبتَ َدعات " فـ " املبتدعات " أي املخلوقات ،و " اجلهات ُّ
وقوله " :ال حتويه اجلهات ُّ
جهات اعتبارية نسبية
ٌ الست هي
الشمال واألمام واخللف ،فهذه اجلهات ُّ الفوق والتَّحت واليمني و ِِ
" اليت هي ُ
حترك؛
حق اجلميع وإمنا هي نسبية .وهلذا الشخص الواحد ختتلف اجلهات يف حقه كلما ِ ليست شيئاً اثبتاً يف ِِ
كل ما حترك عن جهة إىل أخرى تغريت اجلهات يف حقه ومل تصبح اجلهات هي هي؛ ما كان مييناً أصبح
مشاالً وما كان أماماً أصبح وراءً ..فهي جهات نسبية.
وهللا أعلم وصلى هللا وسلم على نبينا حممد وآله وصحبه أمجعني.
إن أمكن قراءة كالم الشيخ ابن مانع يف التعليق على " تعاىل عن احلدود "
الرد على املشبِِهة ،ولكن هذه الكلمات جمهلة مبهمة وليست من [ قال رحه هللا تعاَلُ " :مراده بذلك ُّ
الرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق وأوىل من ذكر ٍ
ألفاظ األلفاظ املتعارفة عند أهل السنة واجلماعة ،و ُّ
َي} ردٌّ على املشبهة ِ توهم خالف الصواب ،ففي قوله تعاىل { :ل َْيس َك ِمثْلِ ِه َشيء ۖ و ُهو ال ا ِ
يع الْبَص ُ
سم ُ ٌْ َ َ َ
واملعطلة.
28
فال ينبغي لطالب احلق االلتفات إىل مثل هذه األلفاظ وال التعويل عليها فإن هللا سبحانه موصوف بصفات
الكمال منعوت بنعوت العظمة واجلالل] " .
تعليق الشيخ:
أتمل كالمه رمحه هللا " :ال ينبغي لطالب احلق االلتفات إىل مثل هذه األلفاظ وال التعويل عليها " ألهنا كما
قدمت ألفاظ ليست موجودة أصال يف الكتاب والسنة وال يف عبارات السلف رمحهم هللا؛ الصحابة ومن اتبعهم ُ
ظ
إبحسان ،وهم أحرص على اخلري وأ ْغ َريُ على صفات هللا سبحانه و تعاىل ،وهي أيضا يف الوقت نفسه ألفا ٌ
ملعان؛ حمتملة ٍ
ملعان ملعىن حق ومعىن ابطل. حمتملة ٍ
وأمر آخر وهو أهنا موجودة أو إمنا نشأت ووجدت عند أهل الكالم الباطل وكان إجيادهم ملثل هذه األلفاظ
هلم فيه غرض أال وهو تعطيل الصفات هلل سبحانه وتعاىل ،وكان يف ابدئ طرحهم للتعطيل جيدون صعوبة يف
تصور -اآلن الناس على الفطرة ويقرأون القرآن ،وفيه تقبل الناس ملا يطرحونه من تعطيل لصفات هللا ألنه – َّ
استَ َو ٰى } ال ميكن أن يتقبلون من شخصش ْحَ ُن َعلَى ال َْع ْر ِ إثبات هلل { بل ي َداهُ م ْبسوطَتَ ِ
ان } { ال ار ْ ٰ صفات ٍ
َْ َ َ ُ
أيتيهم ويقول ليس هلل يدين ،أو مل يستو على العرش ،فاحتاج هؤالء املتكلمني أهل الباطل إىل خطوات تسبق
ذلك من أجل اقناع الناس ابلنفي ،فجاؤوا هبذه األلفاظ اجململة وقرروا يف أوساط الناس نفيها زاعمني بذلك
تقررت ودرجت عند الناس جعلوها هي املتَّكأ لنفي صفات هللاِ أهنم يريدون هبا تنزيه هللا سبحانه وتعاىل مث ملا
ُ
سبحانه وتعاىل.
فإذن ال ينبغي لطالب العلم أن ِِ
يعول على مثل هذه األلفاظ وال يلتفت إىل شيء منها ..نعم.
[ " فهو سبحانه فوق خملوقاته مست ٍو على عرشه اجمليد بذاته ٌ
ابئن من خلقه ينزل كل ليلة إىل السماء الدنيا
نؤوله كما ال ِِ
نؤول اليد ابلقدرة والنزول بنزول أمره وغري ذلك وأييت يوم القيامة ،وكل ذلك على حقيقته وال ِِ
من الصفات ،بل نثبت ذلك إثبات وجود ال إثبات تكييف .وما كان أغىن اإلمام املصنف عن مثل هذه
الكلمات اجململة امل ِوّهَة املخرتعة "
ُ ُ
تعليق الشيخ:
الحظ " ما كان أغىن اإلمام املصنف " يعين الطحاوي رمحه هللا " عن مثل هذه الكلمات اجململة املوّهة
املخرتعة".
29
29
معني حبيث إذا نفي مل تنصرف إىل غريه ،فهي ألفاظ • جمملة :ألهنا ليست واضحة يف الداللة على ً
معىن ِ
جمملة.
ُّ ُّ
معىن اثبت ،فهي أيضا: • وموّهة :ألن نفيها كما أنه يدل على نفي ً
معىن ال يليق أيضا يدل على نفي ً
موّهة.
• وأمر اثلث :خمرتعة :أي ألفا ٌ
ظ حمدثة وإمنا وجدت يف كتب العقائد لدى أهل الكالم ،أما السلف
رمحهم هللا من الصحابة والتابعني هلم إبحسان مل يكن هلذه األلفاظ وجود إطالقا يف كتبهم وهم أحرص
على التنزيه وأغري يف صفات هللا سبحانه وتعاىل.
[ " ولو قيل إهنا مدسوسة عليه وليست من كالمه مل يكن ذلك عندي ببعيد إحساان للظن هبذا اإلمام] " .
تعليق الشيخ:
يعين مل جيزم وإمنا ذكره كاحتمال قال " لو قيل " فلو قيل ذلك يقول " ليس ببعيد " وقوله ليس ببعيد إحسان
ظن هبذا اإلمام ألن مثل هذا اإلمام األجدر به ومبقامه ومبكانته أال يورد مثل هذه األلفاظ .فلو قيل اهنا
ِ
مدسوسة عليه يقول لقلت ليس ببعيد.
فإذن هو مل جيزم بكوهنا مدسوسة إمنا قال أهنا :لو قيل مدسوسة لقلت هذا ليس ببعيد ملقام هذا اإلمام.
موجود عند بعض اإلخوة -نبَّه على أمر مهم أيضا أال
ٌ والشيخ عبد العزيز بن ابز رمحة هللا عليه -رمبا كالمه
وهو أنه ُحيمل كالمه رمحه هللا -هذا الذي هنا -على أحسن حممل ،حيمل كالمه على احململ احلسن الذي
هو الرد على املمثلة ،ال أن يفهم كالمه على مراد املتكلمني هبذه األلفاظ عندما يوردوهنا يف كتبهم.
ولعلنا أيضا نقف على كالم الشيخ رمحه هللا بعد إكمال كالم ابن مانع رمحه هللا.
مردود على قائله كائنا من كان ،ومن قرأ ترمجة املصنف الطحاوي ال سيما
[ قال " :وعلى كل حال فالباطل ٌ
ما يف [ لسان امليزان ] عرف أنه من أكابر العلماء وأعاظم الرجال وهذا هو الذي محلنا على إحسان الظن
فيه يف كثري من املواضع اليت فيها جمال لناقد] " .
تعليق الشيخ:
30
أيضا؛ هذا الذي يذكره رمحه هللا -الشيخ ابن مانع رمحه هللا -هذا فيه تربية لطالب العلم يف نقد كالم أهل
العلم ،وال سيما األئمة األكابر الذين برزوا يف العلم والسنة واحلديث والعناية هبا ،فإذا وجدت هفوات أو
زَّالت أو ألفاظ حمتملة يُتعامل معها مبثل هذه الطريقة ..يُتعامل معها مبثل هذه الطريقة ومبا أيضا سنراه يف
كالم الشيخ عبد العزيز بن ابز.
[ " وقوله " وال حتويه اجلهات " دلت دالئل يف الكتاب والسنة على أن هللا سبحانه وتعاىل فوق خملوقاته
اهر فَ و َق ِعب ِ
ادهِ ۚ ِ مست ٍو على عرشه كما قال تعاىل { ال ار ْ ٰ
حَ ُن َعلَى ال َْع ْر ِ
استَ َو ٰى } وقال تعاىلَ { :و ُه َو الْ َق ُ ْ َ
ش ْ
الست عدميَّة يف حقه ألن هللا تعاىل فوقها كما قال ابن القيم يف النونية: } فاجلهات ُّ
ِِف ح ِِق ِه ُهو فَ وقَ َها بِب ي ِ
انَ َ ْ ََ ات ِبَ ْس ِرَها َع َد ِمياةٌ
ُك ُّل اجلِ َه ِ
[ قال الشيخ عبد العزيز بن ابز رمحه هللا عن قوله -قول املصنف رمحه هللا " :-تعاىل عن احلدود والغاايت
الست كسائر املبتدعات " قال " :هذا الكالم فيه إمجال قد يستغله
واألركان واألعضاء واألدوات واجلهات ِ
أهل التأويل واإلحلاد يف أمساء هللا وصفاته ،وليس هلم بذلك حجة ألن مراده رمحه هللا تنزيه الباري سبحانه
وتعاىل عن مشاهبة املخلوقات ،لكنه أتى بعبارة جمملة حتتاج إىل تفصيل حىت يزول االشتباه.
حدوده إال هو سبحانه ،ألن اخللق ال َ فمراده ابحلدود يعين اليت يعلمها البشر ،فهو -هللا تعاىل -ال يـَ َعلم
ني أَيْ ِدي ِه ْم َوَما َخ ْل َف ُه ْم َوَال ُُِييطُو َن بِ ِه ِعل ًْما }
علما كما قال سبحانه يف سورة طه { :يَ ْعلَ ُم َما بَ ْ َ
حييطون به ً
"]
تعليق الشيخ:
إذن؛ املراد ابحلدود أي التحديد ..املراد ابحلدود " تعاىل عن احلدود " أي أن ُحيَ ِد ،فإثبات الصفات ليس
إثبات حتديد وإمنا إثبات وجود هلا مبعانيها اليت تليق جبالل هللا وكماله .نعم..
[ " ومن قال من السلف إبثبات احلد يف االستواء أو غريه فمراده ح ِد يعلمه سبحانه وتعاىل وال يعلمه العباد"]
تعليق الشيخ:
31
31
مثل قول عبد هللا بن املبارك -نقلت كالمه -؛ قال :حبد ؟ قال :نعم .فمراد ابن املبارك حبد يعلمه هللا أي
إنه ابئ ٌن خللقه سبحانه وتعاىل مست ٍو على عرشه هذا ،مراده بقوله " حب ٍِد ".
[ " وأما قوله " الغاايت واألركان واألعضاء واألدوات " فمراده رمحه هللا تنزيهه عن مشاهبة املخلوقات يف
حكمته وصفاته الذاتية من الوجه واليد والقدم حنو ذلك ،فهو سبحانه موصوف بذلك لكن ليست صفاته
مثل صفات اخللق ،وال يعلم كيفيته إال هو سبحانه.
وأهل البدع يطلقون مثل هذه األلفاظ لينفوا هبا الصفات بغري األلفاظ اليت تكلم هللا هبا وأثبتها لنفسه حىت ال
يفتضحوا] ".
تعليق الشيخ:
هذا سبب وجود هذه األلفاظ يف كتب أهل البدع؛ يعين أنشئوا هذه األلفاظ املخرتعة ونفوها لينفوا هبا
صفات هللا .قال " حىت ال يفتضحوا " ألن لو أهنم ابتداءً جاءوا ونفوا االستواء واليد والوجه اىل آخره يفتضحون
عند اخلاص والعام وعند العامل والعامي ،لكن جاءوا هبذه األلفاظ حىت ال يفتضحوا؛ قالوا :ننفي اليد ألنه يلزم
منها كذا وأيتون هبذه األلفاظ اليت جعلوها متكئًا،
" وأهل البدع يطلقون مثل هذه األلفاظ لينفوا هبا الصفات بغري األلفاظ اليت تكلم هللا هبا وأثبتها لنفسه حىت
ال يفتضحوا "
" بغري األلفاظ اليت تكلم هللا هبا " األلفاظ اليت تكلم هللا هبا؛ االستواء ،السمع ،اليدان ..إىل آخره ،فلو
جاءوا إىل هذه األلفاظ ونفوها مباشرة؛ قالوا :ليس مسيع وليس له يد ومل يستو على العرش افتضحوا.
فإذن؛ نفوا هذه الصفات لكن هبذه األلفاظ هم اخرتعوها جاءوا ابألركان واألعضاء ونفوها ويريدون بنفيها
نفي الصفات الثابتة يف الكتاب والسنة.
32
" وحىت ال يشنع عليهم أهل احلق " .جاءوا هبذه األلفاظ حىت ال يشنِع عليهم أهل احلق ..نعم.
[ " واملؤلف الطحاوي رمحه هللا مل يقصد هذا املقصد لكونه من أهل السنة املثبتني لصفات هللا ،وكالمه يف
هذه العقيدة يفسر بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا ويفسر مشتبهه مبحكمه " ]
تعليق الشيخ:
يفسر ابحملكم منه ،ألن مثل هذا الكالم مشتبه حيتمل؛ يعين
مشتبهه مبحكمه " املشتبه من كالمه ِ
ُ " يفسر
أنت صاحب سنة إذا وجدت هذا املقطع ال تظن إال أنه صاحب كالم -على طريقة املتكلمني -؛ لكن إذا
قرأت الكالم بتمامه وجدت أن الرجل يثبت الصفات .إذن املعىن الذي يقصده املتكلمون مبثل هذه األلفاظ
اردا عليه ملا تراه يف كتابه من إثبات لصفات هللا سبحانه وتعاىل.
ليس و ً
يفسُر مشبه كالمه ابملحكم من كالمه .نعم..
إذن؛ َّ
ُ
فتنبه هلذا األمر العظيم أيها القارئ الكرمي واعلم أنه احلق وما سواه ابطل وهللا ويل التوفيق] " .
تعليق الشيخ:
خريا.
نعم جزاهُ هللا ً