You are on page 1of 3

‫بسم هّٰللا الرّ حمن الرّ حيم‬

‫رسالة في تنزيه هّللا سبحانه وتعالى‬ ‫ٌ‬

‫الحمد هّٰلل المبدئ المعيد‪ ،‬الف َّعال لما يريد‪ ،‬ذي العرش المجيد‪ ،‬والبطش الشديد‪ ،‬الهادي صفو َة العبيد إلى المنهج الرشيد‪،‬‬
‫والمسلك السديد‪ ،‬المن ِع م عليهم ـ بعد شهادة التوحيد ـ بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد‪ ،‬السالك بهم إلى اتباع‬
‫رسوله المصطفى صلى هّٰللا عليه وسلم واقتفاء آثار صحبه األكرمين المكرَّ مين بالتأييد والتسديد‪ ،‬المتجلي لهم في ذاته‬
‫وأفعاله بمحاسن أوصافه التي ال يدركها إال من ألقى السمع وهو شهيد‪ ،‬المعرِّ ف إياهم أنه في ذاته واحد ال شريك له‪َ ،‬فرْ ٌد‬
‫ص َم ٌد ال ضِ َّد له‪ ،‬منفرد ال ِن َّد له‪ ،‬وأنه واحد قديم ال أول له‪ ،‬أزليٌّ ال بداية له‪ ،‬مستمر الوجود ال آخر له‪ ،‬أبديٌّ‬ ‫ال مثيل له‪َ ،‬‬
‫ضى عليه باالنقضاء‬ ‫ال نهاية له‪ ،‬قيُّوم ال انقطاع له‪ ،‬دائم ال انصرام له‪ ،‬لم يزل وال يزال موصوفا ً بنعوت الجالل‪ ،‬ال يُق َ‬
‫واالنفصال‪ ،‬بتصرُّ م اآلبا ِد وانقراض اآلجال‪ ،‬بل ﴿ه َُو اَألوَّ ُل َواآل ِخ ُر َو َّ‬
‫الظا ِه ُر َو ْالبَاطِ نُ َوه َُو ِب ُك ِّل َشيْ ٍء َعلِيم﴾ [الحديد‪.]3 :‬‬
‫مصور‪ ،‬وال جوهر محدود مق َّد ر‪ ،‬وأنه ال يماثل األجسام‪ ،‬ال في التقدير وال في قبول‬ ‫َّ‬ ‫وأنه تبارك وتعالى ليس بجسم‬
‫بع َرض‪ ،‬وال ت ِحلُّه األعراض‪ ،‬بل ال يماثل موجوداً‪ ،‬وال يماثله‬‫االنقسام‪ ،‬وأنه ليس بجوهر‪ ،‬وال ت ِحلُّه الجواهر‪ ،‬وال َ‬
‫ْس َكم ِْثلِ ِه َشيْ ءٌ﴾ [الشورى‪ ] 11 :‬وال هو مثل شيء‪ .‬وأنه ال يحده المقدار‪ ،‬وال تحويه األقطار‪ ،‬وال تحيط به‬
‫موجود‪﴿ ،‬لَي َ‬
‫الجهات‪،‬ـ وال تكتنفه األرضون وال السموات‪.‬‬
‫منزها ً عن المما َّسةـ واالستقرار‪ ،‬والتمكن‬
‫مستو على العرش على الوجه الذي قاله‪ ،‬وبالمعنى الذي أراده‪ ،‬استواء َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وأنه‬
‫والحلول واالنتقال‪ ،‬ال يحمله العرش‪ ،‬بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته‪ ،‬ومقهورون في قبضته‪ .‬وهو فوق العرش‬
‫والسماء‪ ،‬وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى‪ ،‬فوقيَّة ال تزيده قربا ً إلى العرش والسماء‪،‬ـ كما ال تزيده بعداً عن األرض‬
‫والثرى‪ ،‬بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء‪ ،‬كما أنه رفيع الدرجات عن األرض والثرى‪ .‬وهو مع ذلك قريب من‬
‫قرب األجسام‪،‬‬
‫َ‬ ‫﴿وه َُو َعلَى ُك ِّل َشيْ ٍء َش ِهيد﴾ [سبأ‪ ،]47 :‬إذ ال يماثل قربه‬
‫كل موجود‪ ،‬وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد‪َ ،‬‬
‫كما ال تماثل ذاته ذاتَ األجسام‪ ،‬وأنه ال يح ُّل في شيء‪ ،‬وال يح ُّل فيه شيء‪ ،‬تعالى عن أن يحويه مكان‪ ،‬كما تقدَّس عن أن‬
‫يحد َّه زمان‪ ،‬بل كان قبل أن يخلق الزمان والمكان‪ ،‬وهو اآلن على ما عليه كان‪ .‬وأنه بائن عن خلقه بصفاته‪ ،‬ليس في ذاته‬
‫سواه‪ ،‬وال في سواه ذاته‪ ،‬وأنه مق َّد س عن التغير واالنتقال‪ ،‬ال تحله الحوادث‪ ،‬وال تعتريه العوارض‪ ،‬بل ال يزال في نعوت‬
‫جالله منزها ً عن الزوال‪ ،‬وفي صفات كماله مستغنيا ً عن زيادة االستكمال‪ .‬وأنه في ذاته معلوم الوجود بالعقول‪ ،‬مرئي‬
‫الذات باألبصار‪ ،‬نعمة منه ولطفا ً باألبرار في دار القرار‪ ،‬وإتماما ً منه للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم‪( .‬إحياء علوم الدين)‬
‫ك عنها ممكن‪ ،‬إذ‬‫فم ّم ا يستحيل في حقه تعالى أن يكون في جهة من الجهات الست المخلوقة والتي تحيط بالمخلوق‪ ،‬وال ينف ُّ‬
‫ال يُتصوَّ ر مخلوق من غير أن يكون في جه ٍة ما‪ ،‬ولم يقع ذكر الجهة في حقه تعالى في كتاب‪ ،‬وال في سنة‪ ،‬وال في لفظ‬
‫صحابي أو تابعي‪ ،‬وال في كالم أحد ممن تكلَّم في ذات هّٰللا تعالى وصفاته من الفِرق سوى أقحاح المجسِّمة‪ ،‬كما ذكر ذلك‬
‫العالمة الكوثري في المقاالت‪.‬‬
‫ْس َكم ِْثلِ ِه َشيْ ءٌ﴾‪ ،‬وأنه‬ ‫وأمو ُر العقائد عند المسلمين معتمدةٌ على األدلة القطعية التي توافرت على أنه ـ تبارك وتعالى ـ ﴿لَي َ‬
‫متجزئاً‪ ،‬وال مر َّكباً‪ ،‬وال محتاجا ً ألحد‪ ،‬وال مفتقراً إلى مكان‪ ،‬وال زمان‪ ،‬وال حااًّل‬ ‫ِّ‬ ‫ليس بجسم وال في حيِّز‪ ،‬وأنه ليس‬
‫هّٰللا‬ ‫ْ‬
‫﴿و ُ ه َُو‬ ‫ْس َكمِثلِ ِه َشيْ ءٌ﴾‪ .‬وقوله تعالى‪َ :‬‬ ‫فيهما‪ ،‬وقد جاء القرآن الكريم بهذا في محكماته الدالَّة عليه‪ .‬كما في قوله تعالى‪﴿ :‬لَي َ‬
‫ْال َغنِيُّ ْال َحمِيد﴾ [فاطر‪ .]15 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬قُ ْل ه َُو هّٰللا َأ َحد * هّٰللا ال َّ‬
‫ص َمد * لَ ْم َيل ِْد َولَ ْم يُولَد * َولَ ْم َي ُكن لَّ ُه ُكفُ ًوا َأ َحد﴾‬
‫[اإلخالص]‪.‬‬
‫فقوله‪﴿ :‬أحد﴾ يدل على نفي الجسمية والشريك‪ ،‬ألن الجسم أقلُّه أن يكون مر َّكبا ً من جوهرين‪ ،‬وهذا ينافي الوحدة‪ ،‬وكونه‬
‫إلها ً يقتضي كونه غن ّيا ً عن ك ِّل ما سواه‪ ،‬والصَّمد هو السيِّد الغنيُّ عن ك ِّل ما سواه‪ ،‬المحتاج إليه ك ُّل ما عداه‪ ،‬ولو كان‬
‫جسما ً أو مختصا ً بحيِّز أو جهة لكان محتاجاً‪ ،‬فال يكون صمداً على اإلطالق‪.‬‬
‫وغير هذه النصوص كثير في الكتاب والسنة‪ ،‬وك ُّل ما جاء من نصوص تخالف بظاهرها لتلك القطعيات المُحْ َكماتـ فهو‬
‫من المتشابهاتـ التي ال يجوز اتباعها‪ ،‬كذلك يقتضي الواجب أن ينظر إلى القرآن الكريم كلِّه‪ ،‬فتبنى العقيدة من مجموع ما‬
‫ْس َكم ِْثلِ ِه َشيْ ءٌ﴾ قرائن تنزيه تمنع من أن تجري آيات‬
‫جاء فيه‪ ،‬وقد نزل يص ِّدق بعضه بعضاً‪ ،‬وعليه فآياتـ التنزيه مثل‪﴿ :‬لَي َ‬
‫أخرى على ظاهرها الموهم للتشبيه‪.‬‬
‫وإن سأل سائل فقال‪ :‬ما الذي دعى إلى إطالق هذه األلفاظ الموهمة مع االستغناء عنها؟‬
‫فقد أجاب اإلمام الغزالي رحمه هّٰللا تعال‬

‫ى‪ :‬بأن الرسول صلى هّٰللا عليه وسلم ما جمع هذه الكلمات دفعة واحدة‪ ،‬بل جمعهاـ المشبِّهة‪ ،‬ولجمعها من اإليهام والتلبيس‬
‫على األفهام ما ليس آلحادها متفرقة‪ ،‬إنها كلماتـ لهج بها جميع عمره‪ ،‬وفي أوقات متباعدة‪ ،‬وما ذكر كلمة منها إال مع‬
‫قرائن وإشارات يزول معها إيهام التشبيه‪ ،‬وأعظم القرائن في زوال اإليهام المعرفة السابقة بتقديس هّٰللا عن قبول الظواهر‪،‬‬
‫والتقديس ذخيرة راسخة في النفس‪ ،‬مقارنة لك ِّل ما يُسمع‪ ،‬لينمحق معه اإليهام انمحاقاً‪ .‬ومثاله‪ :‬أن سمى (الكعبة) بيت هّٰللا ‪،‬‬
‫وإطالقه يوهم الصبيان أن الكعبة وطنه ومقام له سبحانه‪ ،‬ولو سئل المشبِّهة القائلون بالجهة‪ :‬ل َم أطلق هذه التسمية‬
‫الموهمة؟ ألجابوا‪ :‬إنما هي موهمة لمن ال دراية له‪ ،‬وإنما اإلضافة للتشريف‪ ،‬وقرينة اعتقادهم بالجهة مانعة من اعتماد‬
‫ظاهر التسمية‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬فإن ك َّل خطاب توجَّ ه به الرسول صلى هّٰللا عليه وسلم توجَّ ه به إلى قوم سبقوا إلى علم التقديس ونفي التشبيه‪،‬‬
‫منزه عن الجسميةـ وعوارضها‪ ،‬وهذا قرينة قطعية مزيلة لإليهام‪( .‬انظر‪ :‬إلجام العوام ص‪239‬ـ‪.)240‬‬ ‫وأنه سبحانه َّ‬

‫وفي حديث عمران بن حصين رضي هّٰللا عنه أنه قال‪ :‬يا رسول هّٰللا ‪ ،‬أخبرنا عن أول هذا األمر‪ .‬فقال‪( :‬كان هّٰللا ولم يكن‬
‫شيء غيره) رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد سئل علي رضي هّٰللا عنه‪ :‬أين كان هّٰللا قبل خلق السماوات واألرض؟ فقال‪( :‬أين) سؤال عن المكان‪ ،‬وكان هّٰللا وال‬
‫مكان‪ ،‬وهو اليوم على ما كان‪( .‬انظر روح البيان‪ ،‬إسماعيل حقي)‪.‬‬
‫َّ‬
‫يتوق النفي والتشبيه ز َّل ولم يصب التنزيه‪ ،‬فإنَّ ربنا ج َّل‬ ‫وقال اإلمام الطحاوي رحمه هّٰللا في العقيدة الطحاوية‪( :‬ومن لم‬
‫وعال موصوف بصفات الوحدانية‪ ،‬منعوت بنعوت الفردانية‪ ،‬ليس في معناه أحد من البرية‪ ،‬وتعالى عن الحدود والغايات‪،‬‬
‫الست كسائر المبتدعات)‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫واألركان واألعضاء واألدوات‪ ،‬ال تحويه الجهات‬
‫الطيِّبُ ‪( :﴾...‬وقال ابن‬ ‫وقال الحافظ ابن حجر رحمه هّٰللا تعالى في شرحه عند الكالم على قوله تعالى‪ِ﴿ :‬إلَ ْي ِه َيصْ َع ُد ْال َكلِ ُم َّ‬
‫هّٰللا‬
‫الجهْميَّة والم َُجسِّمةـ في تعلُّقهما بهذا الظواهر‪ ،‬وقد تقرَّ ر أن تعالى ليس‬ ‫بطال‪ :‬غرض البخاري في هذا الباب الر ُّد على َ‬
‫بجسم‪ ،‬فال يحتاج إلى مكان ليستقرَّ فيه‪ ،‬فقد كان وال مكان‪ ،‬وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف)‪.‬‬
‫ُوسى َو ْال َخضِ ر مِنْ ْال َف َواِئد َأنَّ هّٰللا َي ْف َعل فِي م ُْلكه َما ي ُِريد‪َ ،‬و َيحْ ُكم فِي َخ ْلقه ِب َما َي َشاء ِممَّا َي ْن َفع َأ ْو‬ ‫(وفِي قِصَّة م َ‬ ‫وقال أيضاً‪َ :‬‬
‫ار‬ ‫سْ‬‫َأل‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حْ‬ ‫َأل‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض ّر‪َ ،‬فال َم ْدخل لِل َعق ِل فِي ف َعاله َوال ُم َع َ‬
‫َ‬
‫َر ِ‬ ‫ضا َوالت لِيم‪ ،‬فِإنَّ ِإد َراك ال ُعقول‬ ‫ضة كا ِمهِ‪َ ،‬بل َي ِجب َعلى الخلق الرِّ َ‬ ‫ار َ‬ ‫َي ُ‬
‫ُ‬ ‫َأ‬
‫ْف‪َ ،‬ك َما ال َي َت َوجَّ ه َعلَ ْي ِه فِي وُ جُوده ي َْن َو َحيْث)‪( .‬فتح الباري‪ ،‬كتاب العلم‪،‬‬ ‫ُوبيَّة َقاصِ ر‪َ ،‬فال َي َت َوجَّ ه َعلَى ح ُْكمه لِ َم َوال َكي َ‬‫ب‬
‫الرُّ ِ‬
‫باب ما يستحب للعالم إذا سئل‪.)...‬‬
‫ويقول عند شرحه لقوله صلى هّٰللا عليه وسلم‪( :‬ينزل ربنا إلى السماءـ الدنيا)‪( :‬استد َّل به من أثبت الجهة وقال‪ :‬هي جهة‬
‫العلو‪ ،‬وأنكر ذلك الجمهور‪ ،‬ألنه يفضي إلى التحيُّز‪ ،‬تعالى هّٰللا عن ذلك)‪.‬‬
‫(وال َي ْل َزم مِنْ َك ْو ِن ِج َه َتي ال ُعلُوّ َوالسُّفل‬ ‫ويقول الحافظ في الفتح أيضا ً في كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب التكبير إذا عال شرفاً‪َ :‬‬
‫هّٰللا‬
‫َ‬
‫ك مِنْ ِج َهة الحِسِّ ‪َ ،‬ولِذلِ َ‬
‫ك َو َر َد‬ ‫صف ِبالعُلُوِّ ‪َ ،‬ألنَّ َوصْ فه ِبالعُلُوِّ مِنْ ِج َه ِة ال َمعْ َنى‪َ ،‬والمُسْ َتحِي ُل َك ْونُ ذلِ َ‬
‫َ‬ ‫م َُحال َعلَى َأنْ ال يُو َ‬
‫ان َق ْد َأ َحا َط ِب ُك ِّل َشيْ ء عِ ْلمًا َج َّل َو َع َّز)‪.‬‬
‫العالِي َوال َعلِيُّ َوال ُم َت َعالِي‪َ ،‬ولَ ْم َي ِرد ضِ ُّد َذل َِك‪َ ،‬وِإنْ َك َ‬
‫فِي صِ َفته َ‬
‫ت َمعْ َنى ال ُعلُوّ‬ ‫َّك ِب َظ َواهِر َأ َحادِيث ال َباب َمنْ َز َع َم َأنَّ َ‬
‫الح َّق ُسب َْحانه َو َت َعالَى فِي ِج َهة ال ُعلُوّ ‪َ ،‬و َق ْد َذ َكرْ ُ‬ ‫وقال أيضاً‪َ :‬‬
‫(و َق ْد َت َمس َ‬
‫فِي َح ّقه َج َّل َو َعال فِي ال َباب الَّذِي َقبْله)‪.‬‬
‫وقد قال في الباب الذي قبله‪َ ( :‬قا َل ال َكرْ َمانِيُّ ‪َ :‬ق ْوله‪" :‬فِي ال َّس َماء"ـ َظاهِره غَ يْر م َُراد‪ِ ،‬إذ هّٰللا ُم َن َّزهٌ َعن ال ُحلُول فِي ال َم َكان‪ ،‬لَكِنْ‬
‫اب غَ يْره َعن اَأل ْل َفاظ‬ ‫ص َفات‪َ ،‬و ِب َنحْ ِو َه َذا َأ َج َ‬ ‫الذات َوال ِّ‬‫ار ًة ِإلَى ُعلُوِّ َّ‬ ‫ف مِنْ َغيْر َها َأ َ‬
‫ضا َف َها ِإلَ ْي ِه ِإ َش َ‬ ‫ت ِج َه ُة ال ُعلُوِّ َأ ْش َر َ‬ ‫لَمَّا َكا َن ْ‬
‫الز َمان َوال ِجسْ م َوال َعدَد َوال َم ْن ِزلَة َوال َقهْر‪َ ،‬فاَأْل َّول‪:‬‬
‫اردَة مِن ال َف ْو ِقيَّة َو َنحْ و َها‪َ ،‬قا َل الرَّ اغِ ب‪َ " :‬ف ْوق" يُسْ َتعْ َمل فِي ال َم َكان َو َّ‬ ‫الو ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ار ال ُعلوّ ‪َ ،‬و ُي َق ِابل ُه َتحْ ت‪َ ،‬نحْ و‪﴿ :‬ق ْل ه َُو ال َقادِر َعلى نْ َيب َْعث َعل ْيك ْم َعذابا مِنْ َف ْوقك ْم ْو مِنْ َتحْ ت رْ ُجلِك ْم﴾ [األنعام‪.]65 :‬‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫اعْ‬ ‫ِب‬
‫ِ‬
‫صعُود َوااِل ْنحِدَ ار‪َ ،‬نحْ و‪ِ﴿ :‬إ ْذ َجاُؤ و ُك ْم مِنْ َف ْوقِ ُك ْم َومِنْ َأسْ َف َل ِم ْن ُك ْم﴾ [األحزاب‪.]10 :‬‬ ‫ار ال ُّ‬ ‫الثانِي‪ِ :‬باعْ ِت َب ِ‬ ‫َو َّ‬

‫الثالِث‪ :‬فِي ال َعدَد َنحْ و‪َ ﴿ :‬فِإنْ ُكنَّ ن َِسا ًء َف ْوق ْاث َن َتي ِ‬
‫ْن﴾ [النساء‪.]11 :‬‬ ‫َو َّ‬

‫الرَّ ِابع‪ :‬فِي ال ِك َبر‬

‫ُوض ًة َف َما َف ْو َق َها﴾ [البقرة‪.]26 :‬‬


‫َوالصِّغَ ر‪َ ،‬ك َق ْولِهِ‪َ ﴿ :‬بع َ‬
‫ض َد َر َجاتٍ﴾ [الزخرف‪َ ،]32 :‬أو اُأل ْخ َر ِويَّة‬
‫ض ُه ْم َف ْوقَ َبعْ ٍ‬ ‫ار ال َفضِ يلَة ال ُّد ْن َي ِويَّة‪َ ،‬نحْ و‪َ :‬‬
‫﴿و َر َفعْ َنا َبعْ َ‬ ‫الخامِس‪َ :‬ي َقع َت َ‬
‫ارة ِباعْ ِت َب ِ‬ ‫َو َ‬
‫ِين ا َّتقُوا َف ْو َق ُه ْم َي ْو َم القِ َيا َمة﴾ [البقرة‪.]212 :‬‬ ‫َّ‬
‫﴿واَلذ َ‬ ‫َنحْ و‪َ :‬‬
‫ون َربّه ْم مِنْ َف ْوق ِِه ْم﴾ [النحل‪ِ ]50 :‬ا ْن َت َهى ُملَ َّخصًا)‪.‬‬
‫﴿وه َُو ال َقاهِر َف ْوق عِ َبا ِدهِ﴾ [األنعام‪ ]18 :‬ـ ﴿ َي َخافُ َ‬
‫َوالسَّادِس‪َ :‬نحْ و َق ْوله‪َ :‬‬
‫﴿وه َُو ْال َعلِيُّ ْال َعظِ يم﴾ [البقرة‪( :]255 :‬العلي‪ :‬يراد به علو القدر‬ ‫هّٰللا‬
‫وقال اإلمام القرطبي رحمه في تفسير قوله تعالى‪َ :‬‬
‫منزه عن التحيُّز)‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫هّٰللا‬ ‫علو المكان‪ ،‬ألن‬ ‫والمنزلة‪ ،‬ال ُّ‬
‫وعن قوله تعالى‪َ﴿ :‬أَأمِن ُتم مَّن فِي ال َّس َماء﴾ـ [الملك‪ .]16 :‬قال القرطبي رحمه هّٰللا تعالى‪ ... :‬والمراد بها توقيره وتنزيهه ج َّل‬
‫وعال عن السُّفل وال َّتحت‪ ،‬ووصفه بالعلوِّ والعظمة‪ ،‬ال باألماكن والجهاتـ والحدود؛ ألنها صفات األجسام‪ .‬وإنما ُترفع‬
‫األيدي بالدعاء إلى السماءـ ألن السماءـ مهبط الوحي‪ ،‬ومنزل القطر‪ ،‬ومح ُّل القدس‪ ،‬ومعدن المطهَّرين من المالئكة‪ ،‬وإليها‬
‫ترفع أعمال العباد‪ ،‬وفوقها عرشه وجنته‪ ،‬كما جعل هّٰللا الكعبة قبلة للدعاء والصالة‪ ،‬وألنه خلق األمكنة وهو غير محتاج‬
‫إليها‪ ،‬وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان‪ ،‬وال مكان له وال زمان‪ ،‬وهو اآلن على ما عليه كان‪.‬‬
‫وقال العالمة الفخر الرازي رحمه هّٰللا في تفسيره‪( :‬المشبِّهة احتجُّ وا بقوله تعالى‪َ ﴿ :‬بل رَّ َف َع ُه هّٰللا ِإلَ ْيهِ﴾ [النساء‪ ]158 :‬في‬
‫﴿وِإلَى هّٰللا ُترْ َج ُع اُألمُور﴾‬ ‫هّٰللا‬
‫إثبات الجهة‪ .‬والجواب‪ :‬المراد الرفع إلى موضع ال يجرى فيه حكم غير تعالى‪ ،‬كقوله تعالى‪َ :‬‬
‫﴿و َمن َي ْخرُجْ مِن َب ْي ِت ِه مُها ِجراً ِإلَى هّٰللا َو َرسُولِهِ﴾ [النساء‪ ،]100 :‬وكانت الهجرة في ذلك‬ ‫[البقرة‪ ،]210 :‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫الوقت إلى المدينة المنورة‪ ،‬وقال إبراهيم عليه السالم‪ِ﴿ :‬إ ّني َذا ِهبٌ إلى َربّي﴾ [الصافات‪.)]99 :‬‬
‫علو‪ ،‬وال بخلقه لألرض‬ ‫إنّ وقفة تدبُّر أمام الحديث (كان هّٰللا ولم يكن شيء غيره) تري أنه لم يتج َّدد بخلقه للسماوات ٌّ‬
‫هّٰللا‬
‫نزول‪ ،‬وال بخلقه للعرش استواء‪ ،‬وإنما عن تجلِّي أسمائه وصفاته نشأت أعداد مخلوقاته‪ ...‬وقد قال تعالى‪َ :‬‬
‫﴿سب ِِّح اسْ َم‬
‫ك اَألعْ لَى * الَّذِي َخلَقَ َف َسوَّ ى﴾ [األعلى‪1 :‬ـ‪ ،]2‬فوصفه باألعلى حال اتصافه بالخلق د َّل على أن علوَّ ه مح َّقق قبل الخلق‪،‬‬ ‫َر ِّب َ‬
‫ْ‬
‫ات َمط ِوي ٌ‬
‫َّات ِب َيمِي ِن ِه ُسب َْحا َن ُه‬ ‫َّماو ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َأل‬ ‫هّٰللا‬
‫ْضت ُه َي ْو َم القِ َيا َم ِة َوالس َ‬ ‫َح َّق َق ْد ِر ِه َوا رْ ضُ َجمِيعًا َقب َ‬ ‫﴿و َما َقدَ رُوا‬ ‫وقد قال سبحانه وتعالى‪َ :‬‬
‫َو َت َعالَى َعمَّا ُي ْش ِر ُكون﴾ [الزمر‪ ،] 67 :‬فوصف نفسه آخر اآلية بالعلوِّ والتنزيه‪ ،‬بعد ذكر قبضه األرض وطيِّه للسماء‪.‬‬
‫(انظر‪ :‬عون المريد بشرح جوهرة التوحيد في عقيدة أهل السنة والجماعة)‪.‬‬
‫وقال القرطبي‪ ...( :‬ثم إضافة العرش إلى هّٰللا تعالى كإضافة البيت‪ ،‬وليس البيت للسكنى‪ ،‬فكذلك العرش)‪.‬‬
‫والخالصة‪ :‬أن من لم يصرف لف َظ المتشابه ـ آية كان أو حديثا ً ـ عن ظاهره الموهم للتشبيه أو المحال‪ ،‬أو من فسَّره تفسيراً‬
‫بعيداً عن الحجة والبرهان‪ ،‬قائما ً على الزيغ والبهتان‪ ،‬فقد ض َّل وكان ممن ي َّتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة‪ .‬أما من‬
‫يصرف المتشابه عن ظاهره بالحجة القاطعة ـ ال طلبا ً للفتنة‪ ،‬ولكن منعا ً لها‪ ،‬وتثبيتا ً للناس على المعروف من دينهم‪ ،‬ور ّداً‬
‫وخلَفُها‪،‬‬ ‫لهم إلى مُحْ َكمات الكتاب القاطعة ـ فأولئك هم هادون مهديُّون حقاً‪ ،‬وعلى ذلك درج سلف هذه األمة الكريمة‪َ ،‬‬
‫وأئمتها‪ ،‬وعلماؤها‪ ،‬ومن المزالق تفسي ُر النص على ظاهره وعلى حقيقته اللغوية‪ ،‬وإنكار المجاز في اللغة‪ ،‬ومن فعل ذلك‬
‫وقع في نسبة الجهة والتحيُّز إلى هّٰللا تعالى‪( .‬انظر‪ :‬عون المريد)‪.‬‬
‫وقد أوضح هّٰللا تعالى في كتابه الكريم بصريح العبارة ضرور َة اتباع المؤمن للنصوص المُحْ َكمةـ في كتابه‪ ،‬وبناء عقيدته‬
‫في هّٰللا بموجبها‪ ،‬ووضع النصوص المتشابهةـ من ورائها‪ ،‬من حيث فهمهاـ والوقوف على المعنى المراد منها‪ ،‬وشدَّد النكير‬
‫على من يتجاهل النصوص المحكمةـ النيرة القاطعة ل َي ْل َحقَ العبارة المتشابهة الغامضة ويفسِّرها كما يشاء‪ ،‬وذلك في قوله‬
‫ِين في قُلُ ِ‬
‫وب ِه ْم َز ْي ٌغ‬ ‫ب َوُأ َخ ُر ُم َت َش ِاب َه ٌـ‬
‫ات َفَأ َّماـ الَّذ َ‬ ‫ات هُنَّ ُأ ُّم ْال ِك َتا ِ‬ ‫ْك ْال ِك َت َ‬
‫اب ِم ْن ُه آ َي ٌ‬
‫ات مُّحْ َك َم ٌ‬ ‫نز َل َعلَي َ‬‫ِي َأ َ‬ ‫عز وجل‪﴿ :‬ه َُو الَّذ َ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫هّٰللا‬ ‫َّ‬ ‫ْأ‬ ‫ْأ‬ ‫ْ‬
‫ُون َما َت َشا َب َه ِم ْن ُه ا ْب ِتغَ اء الفِتن ِة َوا ْب ِتغَ اء ت ِويلِ ِه َو َما َيعْ ل ُم ت ِويل ُه ِإال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ون آ َمنا ِب ِه ك ٌّل مِّنْ عِ ن ِد‬‫ون فِي العِل ِم َيقول َ‬ ‫َوالرَّ اسِ خ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َف َي َّت ِبع َ‬
‫َر ِّب َنا َو َما َيذ َّك ُر ِإالَّ ْولُو ْا األل َباب﴾ [آل عمران‪( .]7 :‬انظر‪ :‬كبرى اليقينيات الكونية)‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُأ‬ ‫َّ‬

‫اللهم اهدنا وسددنا برحمتك ياأرحم الراحمين‬


‫اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك‬
‫اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك يا ذا الجالل واإلكرام‬
‫{ َر َّب َنا اَل ُت ِز ْغ قُلُو َب َنا َبعْ دَ‬

‫ك َأنتَ ْال َوهَّابُ }‬ ‫ِإ ْذ َهدَ ْي َت َنا َو َهبْ لَ َنا مِن لَّد َ‬
‫ُنك َرحْ َم ًة ۚ ِإ َّن َ‬
‫وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل‬
‫وصلى هّٰللا على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬والحمد هّٰلل رب العالمين‪.‬‬
‫**‬
‫محمد عبدهللا رجو‬

You might also like