You are on page 1of 1

‫فصل في اإلسراء والمعراج‬

‫قال الطحاوي رحمه هللا‪:‬‬


‫اء‪ ،‬ث ُ َّم ِإلَى‬ ‫ص ِه فِي ْاليَقَ َ‬
‫ظ ِة ِإلَى ال َّ‬
‫س َم ِ‬ ‫سلَّ َم‪َ ،‬و ُ‬
‫ع َر َج بِش َْخ ِ‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َوآ ِل ِه َو َ‬ ‫(و ْال ِم ْع َرا ُج َح ٌّق‪َ ،‬وقَدْ أُس ِْر َ‬
‫ي بِالنِبِي ِ َ‬ ‫َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه‬ ‫ذب ْالفُ َؤادُ َما َرأَى‪ ،‬فَ َ‬‫ْث شَا َء هللاُ ِمنَ ْالعُالَ‪َ ،‬وأَ ْك َر َمهُ هللاُ بِ َما شَا َء‪َ ،‬وأَ ْو َحى إِلَ ْي ِه َما أَ ْو َحى‪َ ،‬ما َك َ‬ ‫َحي ُ‬
‫اآلخ َرةِ َواألُولَى) (‪. )1‬‬ ‫سلَّ َم فِي ِ‬‫َوآ ِل ِه َو َ‬
‫الشرح‪ :‬المعرا ُج‪ :‬من العُروج؛ أي‪ :‬اآللة التي يُعرج فيها؛ أي‪ :‬يُصعد‪ ،‬وهو بمنزلة السُّلم‪ ،‬لكن ال يُعلم كيف‬
‫هو‪ ،‬وحكمه كحكم غيره من المغَيَّبات؛ نُؤمن به‪ ،‬وال نشتغل بكيفيته‪.‬‬
‫ع ِر َج بشخصه في اليقظة‪ .‬وإن اإلسراء كان مرةً واحدة ً بمكة بعد‬
‫وقد أسري بالنبي صلى هللا عليه وآله وسلم و ُ‬
‫البعثة قبل الهجرة بسنة‪.‬‬
‫أسري بجسده في اليقظة على الصحيح‪ ،‬من المسجد‬
‫َ‬ ‫وكان من حديث اإلسراء‪ :‬أنه صلى هللا عليه وآله وسلم‬
‫الحرام إلى المسجد األقصى؛ راكبًا على البراق‪ ،‬صحبه جبرائيل عليه السالم‪ ،‬فنزل هناك‪ ،‬وصلى باألنبياء‬
‫إما ًما‪ ،‬وربط البراق بحلقة باب المسجد‪.‬‬
‫عرج به إلى السماء الثانية‪ ،‬ثم إلى الثالثة والرابعة‬
‫ع ِر َج به من بيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا‪ ،‬ثم ُ‬
‫ثم ُ‬
‫حتى السابعة‪ ،‬ورأى هناك عددًا من األنبياء‪ ،‬ثم ُرفع إلى سدرة المنتهى‪ ،‬ثم رفع له البيت المعمور‪ ،‬فأوحى إلى‬
‫عبده ما أوحى‪ ،‬وفرض هللا عليه خمسين صالةً‪ ،‬فرجع حتى َّ‬
‫مر على موسى‪ ،‬فقال‪ :‬بِ َم ِأم ْرت؟ قال‪ :‬بخمسين‬
‫عشرا‪ ،‬ثم نزل حتى‬
‫ً‬ ‫ارجع إلى ربك؛ فاسأله التخفيف ألمتك‪ .‬فوضع عنه‬
‫ْ‬ ‫صالة‪ .‬فقال‪ :‬إن أمتك ال تطيق ذلك؛‬
‫أتى موسى‪ ،‬فأخبره‪ ،‬فقال‪ :‬ارجع إلى ربك؛ فاسأله التخفيف‪ ،‬فلم يزل يتردَّد بين موسى وبين هللا تبارك وتعالى‪،‬‬
‫سا‪ ،‬فأمره موسى بالرجوع‪ ،‬وسؤال التخفيف‪ ،‬فقال‪ :‬قد استحييتُ من ربي‪ ،‬ولكن أرضى وأسلم‪.‬‬
‫حتى جعلها خم ً‬
‫فل َّما نفذَ؛ نادى منادٍ‪ :‬قد أمضيت فريضتي‪ ،‬وخففتُ عن عبادي (‪. )1‬‬
‫وفي رؤيته صلى هللا عليه وآله وسلم ربَّه َّ‬
‫عز وج َّل اختالف‪ ،‬والصحيح أنه رآه بقلبه‪ ،‬ولم يره بعين رأسه‪.‬‬
‫س ْب َحانَ الَّذِي أَس َْرى ِب َع ْب ِد ِه لَ ْيالً ِمنَ ْال َمس ِْج ِد ْال َح َر ِام‬
‫ومما يدل على أن اإلسراء بجسده في اليقظة‪ :‬قوله تعالى‪ُ { :‬‬
‫صى} (‪ ، )1‬والعبد عبارة ٌ عن مجموع الجسد والروح؛ كما أن اإلنسان اسم لمجموع الجسد‬ ‫ِإلَى ْال َمس ِْج ِد األ َ ْق َ‬
‫والروح‪ ،‬هذا هو المعروف عند اإلطالق‪ ،‬وهو الصحيح‪ ،‬فيكون اإلسراء بهذا المجموع‪ ،‬وال يمتنع ذلك عقالً‪،‬‬
‫ولو جاز استبعاد صعود البشر؛ لجاز استبعاد نزول المالئكة‪ ،‬وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة‪ ،‬وهو كُفر‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما الحكمة في اإلسراء إلى بيت المقدس أوالً؟‬
‫إظهارا لصدق دعوى الرسول ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬المعراج حين سألَتْه‬
‫ً‬ ‫فالجواب ـ وهللا أعلم ـ‪ :‬أن ذلك كان‬
‫قريش عن نعت بيت المقدس‪ ،‬فنعته لهم‪ ،‬وأخبرهم عن عيرهم التي مر عليها في طريقه‪ ،‬ولو كان عروجه إلى‬
‫ٌ‬
‫السماء من مكة؛ لما حصل ذلك؛ إذ ال يمكن إطالعهم على ما في السماء لو أخبرهم عنه‪ ،‬وقد اطلعوا على بيت‬
‫المقدس‪ ،‬فأخبرهم بنعته‪.‬‬
‫العلو هلل تعالى من وجو ٍه لمن تدبَّره‪ ،‬وباهلل التوفيق‪ .‬اهـ‬
‫ِ‬ ‫وفي حديث المعراج دليل على ثبوت صفة‬

You might also like