You are on page 1of 10

‫كشف التباريح‬

‫في بيان صالة التراويح‬

‫تأليف العالم العالمة الكياىي‬


‫أبي الفضل بن عبد الشكور السنوري‬
‫الطوباني رحمو اهلل تعالى آمين‬

‫رفع ابن الدماكي غفر اهلل لو‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫قوما من ظلمات الجهل‪ ،‬وجعلهم من‬ ‫القوي المتين‪ ،‬الذي أخرج ً‬
‫ّ‬ ‫الحمد هلل الحق المبين‪،‬‬
‫المهتدين‪ ،‬وترك آخرين في مهامة الضالالت‪ ،‬وجعلهم من الغاوين‪ .‬والصالة والسالم على سيدنا‬
‫محمد إمام المتقين‪ ،‬وأفضل الشافين‪ .‬وعلى آلو وأصحابو أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فهذه رسالة سميتها "كشف التباريح في بيان صالة التراويح"‪ .‬والذي حملني‬
‫على تأليفها أني سمعت أن طائفة من الناس قالوا‪ :‬إن فعل صالة التراويح عشرين ركعة بدعة‬
‫مذمومة‪ ،‬خارجة عن السنة‪ ،‬وإن الصواب فعلها ثماني ركعات‪ ،‬معلّال بأنو فعل النبي صلى اهلل عليو‬
‫وسلم‪ .‬فلما سمع الناس ىذه المقالة‪ ،‬كثر التسائل بينهم عن ىذه‪ ،‬وأوقعت كثيرا منهم في الدىشة‬
‫والحيرة‪ ،‬وكادوا يزيغون عن طريق السلف الصالحين الخيرة‪ ،‬لما كانوا في غفلة وتفريط عن تفتيش‬
‫أدلة األحكام في ىذه األزمان المتأخرة‪ ،‬وكانوا في رقدة عن ترقية الهمم إلى معرفة األدلة‬
‫الردى وحفر الهالك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس دراك من قبل أن يتردوا في مهاوى َ‬
‫المتكاثرة‪ ،‬فناجتني نفسي أن دراك َ‬
‫فأجبتها مستعينا باهلل‪ ،‬ومعتمدا عليو‪ ،‬وىو حسب كل من استند إليو‪ ،‬فأقول مستمدا مما لديو‪:‬‬

‫{الباب األول‪ :‬في األخبار الواردة في صالة التراويح}‬


‫قام َرَمضا َن‬
‫{م ْن َ‬
‫منها ما رواه أبو ىريرة رضي اهلل عنو عن النبي صلى اهلل عليو وسلم أنو قال‪َ :‬‬
‫ساباً غُ ِف َر لوُ ما تَق ّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِو}‪ .‬رواه الشيخان وأبو داود وابن ماجو ومالك في‬ ‫إيماناً ْ ِ‬
‫واحت َ‬
‫الموطاء‪.‬‬
‫ات لَْيػلَ ٍة‬
‫صلَّى ذَ َ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اللَّوُ َعلَْيو َو َسلَّ َم َ‬
‫َن رس َ ِ‬
‫ول اللَّو َ‬ ‫ومنها ما روتو عائشو رضي اهلل عنها‪{ :‬أ َّ َ ُ‬
‫اجتَ َمعُوا ِم ْن اللَّْيػلَ ِة الثَّالِثَِة‬ ‫ِِ‬
‫صلى م ْن الْ َقابلَة فَ َكثُػ َر الن ُ‬
‫َّاس‪ ،‬ثُ َّم ْ‬
‫فِي الْمس ِج ِد فَصلَّى بِص َالتِِو نَاس‪ ،‬ثُ َّم َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ت الَّ ِذي‬ ‫ال‪ :‬قَ ْد َرأَيْ ُ‬ ‫َصبَ َح قَ َ‬‫صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم‪ ،‬فَػلَ َّما أ ْ‬ ‫الرابِع ِة فَػلَم ي ْخرج إِلَي ِهم رس ُ ِ‬
‫ول اللَّو َ‬ ‫أ َْو َّ َ ْ َ ُ ْ ْ ْ َ ُ‬
‫ضا َن}‪.‬‬ ‫ك فِي َرَم َ‬ ‫ض َعلَْي ُك ْم‪َ ،‬وذَلِ َ‬‫ت أَ ْن تُػ ْف َر َ‬ ‫وج إِلَْي ُك ْم إِالَّ أَنِّي َخ ِش ْي ُ‬ ‫صنَػ ْعتُ ْم‪َ ،‬ولَ ْم يَ ْمنَػ ْعنِي ِم ْن ال ُ‬
‫ْخ ُر ِ‬ ‫َ‬
‫رواه البخاري ومسلم وأبو داود‪.‬‬
‫ج لَْيػلَةً ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اللَّوُ َعلَْيو َو َسلَّ َم َخ َر َ‬
‫َن رس َ ِ‬
‫ول اللَّو َ‬ ‫ومنها ما روتو عائشو رضي اهلل عنها‪{ :‬أ َّ َ ُ‬
‫اجتَ َم َع أَ ْكثَػ ُر ِم ْنػ ُه ْم‬
‫َّاس فَػتَ َح َّدثُوا فَ ْ‬
‫َصبَ َح الن ُ‬ ‫ص َالتِِو فَأ ْ‬‫ال بِ َ‬‫صلَّى ِر َج ٌ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى في ال َْم ْسجد َو َ‬
‫ِ‬
‫َج ْوؼ اللَّْي ِل فَ َ‬
‫ول اللَّ ِو‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ج َر ُس ُ‬ ‫َّاس فَػتَ َح َّدثُوا فَ َكثُػ َر أ َْى ُل ال َْم ْسجد م ْن اللَّْيػلَة الثَّالثَة فَ َخ َر َ‬ ‫َصبَ َح الن ُ‬ ‫صلَّ ْوا َم َعوُ فَأ ْ‬
‫صلَّى فَ َ‬‫فَ َ‬
‫الرابِ َعةُ َع َج َز ال َْم ْس ِج ُد َع ْن أ َْىلِ ِو َحتَّى‬ ‫ت اللَّْيػلَةُ َّ‬ ‫ص َالتِِو فَػلَ َّما َكانَ ْ‬‫صلَّ ْوا بِ َ‬
‫صلَّى فَ َ‬
‫ِ‬
‫صلَّى اللَّوُ َعلَْيو َو َسلَّ َم فَ َ‬
‫َ‬
‫ف َعلَ َّي‬ ‫ال أ ََّما بَػ ْع ُد فَِإنَّوُ لَ ْم يَ ْخ َ‬
‫ش َّه َد ثُ َّم قَ َ‬ ‫ضى الْ َف ْج َر أَقػْبَ َل َعلَى الن ِ‬
‫َّاس فَػتَ َ‬ ‫ص َالةِ ُّ‬
‫الص ْب ِح فَػلَ َّما قَ َ‬ ‫َخر ِ‬
‫جل َ‬ ‫ََ‬
‫ض َعلَْي ُك ْم فَػتَػ ْع ِج ُزوا َع ْنػ َها}‪ .‬رواه البخاري‬ ‫َم َكانُ ُك ْم َولَ ِكنِّي َخ ِش ُ‬
‫يت أَ ْن تُػ ْفتَػ َر َ‬
‫ؼ‬ ‫ول اللّ ِو صلى اهلل عليو وسلم َخرج ِمن جو ِ‬ ‫ومنها ما روتو عائشو رضي اهلل عنها‪{ :‬أَ ّن َر ُس َ‬
‫َ َ ْ َْ‬
‫اجتَ َم َع أَ ْكثَػ ُر‬
‫ك‪ ،‬فَ ْ‬ ‫اس يَػتَ َح ّدثُو َن بِ َذلِ َ‬ ‫َصبَ َح النّ ُ‬ ‫صالَتِِو‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫ال بِ َ‬ ‫صلّ َى ِر َج ٌ‬ ‫ِِ‬
‫صلّ َى في ال َْم ْسجد‪ ،‬فَ َ‬
‫ِ‬
‫اللّْي ِل فَ َ‬
‫ِم ْنػهم‪ ،‬فَ َخرج رس ُ ِ‬
‫صالَتِِو‪ ،‬فَأ ْ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫اس‬
‫َصبَ َح النّ ُ‬ ‫صلّ ْوا بِ َ‬ ‫ول اللّو صلى اهلل عليو وسلم في اللّْيػلَة الثّانيَة‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫ُْ‬
‫صالَتِِو‪ .‬فَػلَما َكانَ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت اللّْيػلَةُ‬ ‫ّ‬ ‫صلّ ْوا بِ َ‬ ‫ج فَ َ‬ ‫يَ ْذ ُك ُرو َن ذَلك‪ ،‬فَ َكثُػ ُر أ َْى ُل ال َْم ْسجد م َن اللّْيػلَةَ الثّالثَة‪ ،‬فَ َخ َر َ‬
‫ال‬‫ول اللّ ِو صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬فَطَِف َق ِر َج ٌ‬ ‫الرابِ َعةُ َع َج َز ال َْم ْس ِج ُد َع ْن أ َْىلِ ِو‪ ،‬فَػلَ ْم يَ ْخ ُر ْج إِلَْي ِه ْم َر ُس ُ‬
‫ّ‬
‫ول اللّ ِو صلى اهلل عليو وسلم حتّى َخرج لِصالَةِ‬ ‫الصالَ َة‪ ،‬فَػلَ ْم يَ ْخ ُر ْج إِلَْي ِه ْم َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫م ْنػ ُه ْم يَػ ُقولُو َن‪ّ :‬‬
‫ف َعلَ ّي‬ ‫ال‪" :‬أ َّما بَػ ْع ُد‪ .‬فَِإنّوُ لَ ْم يَ ْخ َ‬ ‫ش ّه َد‪ ،‬فَػ َق َ‬ ‫ض َى الْ َف ْج َر أَقػْبَ َل َعلَ َى النّاسِ ‪ ،‬ثُ ّم تَ َ‬ ‫الْ َف ْج ِر‪ .‬فَػلَ ّما قَ َ‬
‫صالَةُ اللّْي ِل‪ ،‬فَػتَػ ْع ِج ُزوا َع ْنػ َها"}‪ .‬رواه مسلم‬ ‫ض َعلَْي ُك ْم َ‬ ‫َشأْنُ ُك ُم اللّْيػلَةَ‪َ ،‬ولَكِنّي َخ ِش ُ‬
‫يت أَ ْن تُػ ْف َر َ‬
‫ب في‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم يُػ َرغّ ُ‬ ‫ومنها ما رواه أبو ىريرة رضي اهلل عنو قال‪{ :‬كا َن ُ‬
‫ساباً غُ ِف َر لوُ ما تَق ّد َم ِم ْن‬ ‫َ ْ َ ََ‬
‫قي ِام رمضا َن ِمن غَي ِر أ ْن يأْمرُىم بِع ِز ٍ‬
‫يمة ويقول‪" :‬من قام رمضا َن إيماناً ْ ِ‬
‫واحت َ‬ ‫َ َُ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ََ‬
‫ك في ِخالفَ ِة‬ ‫األمر َك َذلِ َ‬
‫ك‪ .‬ثُ ّم كا َن ُ‬ ‫واألم ُر علَى ذلِ َ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم ْ‬ ‫ذَنْبِ ِو"‪ .‬فَػتُ ِوفّ َي َ‬
‫وص ْدراً ِم ْن ِخالفَ ِة عُ َمر}‪ .‬رواه الشيخان وأبو داود‪ .‬وفي ىذا القدر كفاية‪.‬‬ ‫أبي بَ ْك ٍر َ‬

‫{الباب الثاني‪ :‬في كيفية صالة التراويح}‬


‫ساباً‬ ‫روى البخاري في صحيحو عن أبي ىريرة رضي اهلل عنو قال‪{ :‬من قام رمضا َن إيماناً ْ ِ‬
‫واحت َ‬ ‫َ ْ َ ََ‬
‫واألم ُر علَى‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم ْ‬ ‫غُ ِف َر لوُ ما تَق ّد َم ِم ْن َذنْبِ ِو}‪ .‬قال ابن شهاب‪{ :‬فَػتُ ِوفّ َي َ‬
‫وص ْدراً ِم ْن ِخالفَ ِة عُ َمر رضي اهلل عنهما}‪ .‬قال‬ ‫ِ ِ‬ ‫األمر َعلَى َذلِ َ‬
‫ك في خالفَة أبي بَ ْك ٍر َ‬ ‫ك‪ .‬ثُ ّم كا َن ُ‬ ‫ذلِ َ‬
‫القسطالّني‪ :‬يعني على ترك الجماعة في التراوبح إىػ‪.‬‬
‫ومالك في الموطاء عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنو قال‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫وروى البخاري في صحيحو‬
‫َّاس أ َْوَزاعٌ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ضي اللَّوُ َع ْنوُ لَْيػلَةً فِي َرَم َ ِ‬ ‫ت مع عُمر بْ ِن ال َ َّ ِ ِ‬
‫ضا َن إلَى ال َْم ْسجد فَإذَا الن ُ‬ ‫ْخطاب َر َ‬ ‫{خ َر ْج ُ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫صالَتِِو‬ ‫متَػ َف ِّرقُو َن [أي جماعات متفرقون إىػ قسطالني] يصلِّي َّ ِ ِ ِ‬
‫صلِّي بِ َ‬ ‫صلِّي َّ‬
‫الر ُج ُل فَػيُ َ‬ ‫الر ُج ُل لنَػ ْفسو َويُ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬
‫ت ى ُؤالَِء علَى قَا ِر ٍئ و ِ‬
‫اح ٍد لَ َكا َن أ َْمثَ َل‪ .‬ثُ َّم َع َزَم‪ ،‬فَ َج َم َع ُه ْم َعلَى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال عُ َم ُر‪ :‬إِنِّي أ ََرى لَ ْو َج َم ْع ُ َ‬
‫ط‪ ،‬فَػ َق َ‬
‫الرْى ُ‬
‫َّ‬
‫ال عُ َم ُر‪ :‬نِ ْع َم الْبِ ْد َعةُ‬‫صلالَةِ قَا ِرئِ ِه ْم‪ .‬قَ َ‬‫صلُّو َن بِ َ‬ ‫ت َم َعوُ لَْيػلَةً أُ ْخ َرى َوالن ُ‬
‫َّاس يُ َ‬ ‫أُبَ ِّي بْ ِن َك ْع ٍ‬
‫ب‪ ،‬ثُ َّم َخ َر ْج ُ‬
‫ِ َّ‬ ‫َى ِذهِ‪ ،‬والَّتِي يػنَامو َن َع ْنػ َها أَفْ َ ِ ِ‬
‫ض ُل م ْن الَّتي يَػ ُق ُ‬
‫ومو َن أ ََّولَو}‪.‬‬ ‫ومو َن‪ ،‬يُ ِري ُد آخ َر الل ْي ِل‪َ ،‬وَكا َن الن ُ‬
‫َّاس يَػ ُق ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫صلَّى جماعةً بعد‬ ‫لت ىذين الحديثين عرفت أن ظاىرىما يدل على أن التراويح ال تُ َ‬ ‫تأم َ‬
‫وإذا ّ‬
‫تلك الليالي األربع في زمن النبي صلى اهلل عليو وسلم إلى أن جمعهم عمر على إمام واحد‪.‬‬
‫ولذا ذىب بعض العلماء المتقدمين إلى أن فعلها فرادى في البيت أفضل‪ ،‬لكونو عليو الصالة‬
‫صدر من خالفة عمر‪ .‬وقد اعترؼ‬
‫والسالم واظب على ذلك‪ ،‬وتوفي واألمر على ذلك حتى مضى ٌ‬
‫عمر رضي اهلل عنو بأنها [أي الجماعة في التراويح] مفضولة كما مر‪ .‬وبهذا قال مالك وأبو‬
‫يوسف وبعض الشافعية‪ .‬وذىب آخرون إلى أن األفضل فيها أن تُػ ْف َعل في المسجد جماعةً‪ ،‬لكونو‬
‫صلى اهلل عليو وسلم صلى معو ناس في تلك الليالي وأقرىم على ذلك‪ ،‬وإنما تركو لمعنًى قد أمن‬
‫بوفاتو صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬وىو خشية اإلفتراض‪ .‬وبهذا قال الشافعي وجمهور أصحابو وأبو‬
‫حنيفة وأحمد وبعض المالكية‪.‬‬
‫وزا َذا َن‬
‫بن ِِ غَ َفلَةَ َ‬
‫وس َويْد ْ‬
‫وقد روى ابن أبي َش ْيبة فعلو عن علي وابن مسعود وأُبَ ِّي بن كعب ُ‬
‫ي‪ .‬واستمر عليو عمل الصحابة وسائ ِر المسلمين‪ ،‬وصار من الشعائر الظاىرة كصالة‬ ‫وأبي البَ ْختَ ِر ِّ‬
‫العيد‪.‬‬
‫وأما قول عمر رضي اهلل عنو‪{ :‬والَّتِي يػنَامو َن َع ْنػ َها أَفْ َ ِ ِ‬
‫ض ُل م ْن الَّتي يَػ ُق ُ‬
‫ومو َن} فليس فيو ترجيح‬ ‫َ َ ُ‬
‫اإلنفراد‪ ،‬وال ترجيح فعلها في البيت‪ ،‬وإنما فيو ترجيح آخر الليل على أولو كما صرح بو الراوى‬
‫صلَّى جماعةً في المسجد بإمام‬ ‫ِ‬
‫بقولو‪{ :‬يُ ِري ُد آخ َر اللَّْي ِل}‪ .‬ثم لقائل أن يقول‪ :‬إن المراد بأنها ال تُ َ‬
‫واحد‪ ،‬وإنما فعلها الناس جماعات بأئمة كثيرة‪ ،‬كما أشار إليو الحديث المتقدم ذكره بقولو‪{ :‬فَِإذَا‬
‫َّاس أ َْوَزاعٌ ُمتَػ َف ِّرقُو َن}‪ ،‬ويؤيد ما رواه أبو داود في سننو عن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪َ { :‬كا َن‬ ‫الن ُ‬
‫ت‬‫ض َربْ ُ‬ ‫ول اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬فَ َ‬ ‫الم ْس ِج ِد في َرَم َ‬
‫ضا َن أ َْوَزاعاً‪ ،‬فأ ََم َرنِي َر ُس ُ‬ ‫صلّو َن في َ‬ ‫اس يُ َ‬
‫النّ ُ‬
‫قال ‪ -‬تَػ ْعنِي ‪ -‬النّ َّ‬ ‫ص ِة قالَ ْ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بي صلى اهلل عليو وسلم‪ :‬أَيّػ َها‬ ‫ت فيو‪َ :‬‬ ‫صلّى َعلَْيو‪ .‬بِ َهذه الْق ّ‬ ‫لَوُ َحصيراً فَ َ‬
‫ت لَْيػلَتِي َى ِذهِ بِ َح ْم ِد اهلل غَافِالً‪َ ،‬والَ َخ ِف َي َعلَ ّي َم َكانُ ُك ْم}‪ ،‬و ما رواه أبو داود‬ ‫اس أما َواهلل َما بِ ُّ‬‫النّ ُ‬
‫ول اهلل صلى اهلل عليو وسلم فِإذَا أُنَ ٌ‬
‫اس‬ ‫ج َر ُس ُ‬
‫{خ َر َ‬
‫في سننو أيضا عن أبي ىريرة رضي اهلل عنو قال‪َ :‬‬
‫س َم َع ُه ْم قُػ ْرآ ُن َوأُبَ ّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضا َن يصلّو َن في نَ ِ‬
‫احيَ ِة ال َْم ْس ِج ِد‪ ،‬فَػ َق َ‬
‫اس لَْي َ‬
‫يل‪َ :‬ى ُؤالَء نَ ٌ‬
‫ال‪َ :‬ما َى ُؤالَء ؟ فَق َ‬ ‫في َرَم َ ُ َ‬
‫صنَػعُوا}‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َصابُوا َون ْع َم َما َ‬ ‫بي صلى اهلل عليو وسلم‪ :‬أ َ‬ ‫صالَتِِو‪ ،‬فَػ َق َ‬
‫ال النّ ّ‬ ‫صلّو َن بِ َ‬ ‫صلّي َو ُى ْم يُ َ‬
‫ب يُ َ‬‫بن َك ْع ٍ‬
‫ُ‬
‫بالقوي‪ ،‬مسلم بن خالد ضعيف إىػ‪ .‬وقال شارح اإلحياء‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قال أبو داود‪ :‬ليس ىذا الحديث‬
‫والشافعي يوثّقو إىػ‪.‬‬
‫عرفت‬
‫َ‬ ‫ففي ىذين الحديثين إثبات الجماعة في التراويح وإبطال قول من زعم أنها محدثة‪.‬فإذا‬
‫ت ِِ الْبِ ْد َعةُ َى ِذهِ} إنما ىو جمع الناس‬
‫ذلك فالذي سماه عمر رضي اهلل عنو بدعةً بقولو‪{ :‬نِ ْع َم ْ‬
‫على إمام واحد في المسجد‪ ،‬ال الجماعة في التراويح‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫{الباب الثالث‪ :‬في عدد ركعات التراويح}‬


‫إذا نظرنا في األحاديث الواردة في صالة التراويح التي منها ما قدمناه في البابين األول‬
‫والثاني وتأملناىا حق التأمل لم نجد فيها نصا على عدد ركعاتها إال ما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي‬
‫ضا َن‬ ‫صلِّي فِ ْي َرَم َ‬ ‫النبي صلى اهلل عليو وسلم يُ َ‬ ‫في سننو عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪{ :‬كا َن ُّ‬
‫صلَّى اهلل َعلَْي ِو َو َسلَّ َم فِ ْي‬ ‫ِ‬
‫{صلَّى بِنَا َر ُس ْو ُل اهلل َ‬ ‫بِع ْش ِريْ َن َرْك َعةً َوال ِوتْ ِر}‪ .‬وما رواه ابن حبان عن جابر‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ان رَكع ٍ‬ ‫ِ‬
‫ج إِلَْيػنَا َحتَّى‬ ‫الم ْسجد َوَر َج ْونَا أَ ْن يَ ْخ ُر َ‬ ‫اجتَ َم ْعنَا ف ْي َ‬‫ت ال َقابِلةُ ْ‬ ‫فلما كانَ ْ‬
‫ات ثُ َّم أ َْوتَػ َر‪َّ ،‬‬ ‫ضا َن ثَ َم َ َ‬ ‫َرَم َ‬
‫َصبَ ْحنَا‪ ،‬ثُ َّم َد َخلْنَا فَػ ُقلْنَا‪ :‬يا َر ُس ْو َل اهلل} الحديث ‪ .‬وما رواه البخاري وغيره عن عائشة رضي اهلل‬ ‫أْ‬
‫صالَةُ َر ُس ْوِل اللَّ ِو‬ ‫ت َ‬ ‫ف َكانَ ْ‬ ‫شةَ ر ِ‬
‫ض َي اللَّوُ َع ْنػ َها‪َ :‬ك ْي َ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َم ِن َسأ ََل َعائ َ َ‬ ‫َن أَبَا َسلَ َمةَ بْ َن َع ْب ِد َّ‬ ‫عنها‪{ :‬أ َّ‬
‫ضا َن َوغَْي ِرهِ َعلَى إِ ْح َدى َع ْش َرةَ َرْك َعةً‪،‬‬ ‫ت‪َ :‬ما َكا َن يَ ِزي ُد فِي َرَم َ‬ ‫ضا َن ؟‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫صلَّى اللَّوُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم فِي َرَم َ‬ ‫َ‬
‫ْت‪ :‬يا رس َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اللَّو أَتَػنَ ُ‬
‫ام قَػ ْب َل أَ ْن‬ ‫صلِّي ثَالَثًا‪ .‬فَػ ُقل ُ َ َ ُ‬ ‫س ْل َع ْن ُح ْسن ِه َّن َوطُول ِه َّن ‪ ،‬ثُ َّم يُ َ‬ ‫يُ َ ِّ‬
‫صلي أ َْربَػ ًعا‪ ،‬فَالَ تَ َ‬
‫ام قَػلْبِ ْي}‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال‪ :‬يَا َعائِ َ‬
‫تُوتَِر ؟‪ .‬قَ َ‬
‫شةُ إِ َّن َع ْيػنَ َّي تَػنَ َامان َوالَ يَػنَ ُ‬
‫فهذه األحاديث األربعة على تعارضها ال تخلو عن مقال في إسناد بعضها وعن احتمال في‬
‫البعض اآلخر‪ .‬وإذا تعارضت األدلة تساقطت ووجب العدول إلى غيرىا‪ .‬وكذا إذا طرأ اإلحتمال‬
‫ِ‬
‫اإلجمال وسقط بها اإلستدالل‪.‬‬ ‫ثوب‬
‫على وقائع األحوال كساىا َ‬
‫فإذا عرفت ذلك فاعلم أن حديث ابن عباس المذكور ضعفو البيهقي وغيره‪ ،‬وأنو مع ضعفو‬
‫معارض باألحاديث الثرثة المذكورة‪ ،‬فال تقوم بو الحجة‪ .‬و أما حديث جابر رضي اهلل عنو فإن‬
‫َ‬
‫كانت القصة فقد احتمل أن جابرا ممن جاء في الليلة الثانية‪ ،‬فلذا اقتصر على وصف ليلتين كاا‬
‫قالو الزقاني في شرح الموطاء‪ ،‬واحتمل أن جابرا رضي اهلل عنو جاء إلى المسجد ولم يبق من‬
‫صالتو صلى اهلل عليو وسلم إالّ ثمان ركعات‪ ،‬فأخبر عما أدركو ورآه‪ ،‬مع أنو لم ينف الزائد عليها‪،‬‬
‫بل ولو نفاه أيضا لم تقم بو الحجة لذلك اإلحتمال كما نفى أنس رضي اهلل عنو رفْػ َعو صلى اهلل‬
‫عليو وسلم يديو في الدعاء إال في اإلستسقاء‪ ،‬مع أن غيره روى عنو صلى اهلل عليو وسلم رفع‬
‫اليدين في غير اإلستسقاء‪ ،‬كرفعو صلى اهلل عليو وسلم يديو عند الدعاء ببدر وغير ذلك‪ ،‬وكما‬
‫أنكرت عائشة رضي اهلل عنها أن النبي صلى اهلل عليو وسلم بال قائما‪ ،‬مع أن غيرىا روى عنو‬
‫صلى اهلل عليو وسلم‪ :‬أنو أتى سباطة ٍ‬
‫قوم فبال قائما كما رواه الشيخان‪ ،‬فلم تقم الحجة بنفي أنس‬ ‫ُ َ‬
‫وال بإنكار عائشة رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫وأما حديث عائشة المتقدم ذكره فمحمول على الوتر‪ ،‬بدليل حديث البخاري عن عُ ْرَوةَ عن‬
‫صلِّي إِ ْح َدى َع ْش َرةَ َرْك َعةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َن رس َ ِ‬
‫صلَّى اللَّوُ َعلَْيو َو َسلَّ َم يُ َ‬ ‫ول اللَّو َ‬ ‫عائشةَ رضي اهلل عنها أنها أخبرتو‪{ :‬أ َّ َ ُ‬
‫ين آيَةً قَػ ْب َل أَ ْن يَػ ْرفَ َع َرأْ َسوُ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َح ُد ُك ْم َخ ْمس َ‬ ‫الس ْج َدةَ ِم ْن ذَلِ َ‬
‫ك قَ ْد َر َما يَػ ْق َرأُ أ َ‬ ‫ص َالتَوُ‪ ،‬يَ ْس ُج ُد َّ‬
‫ْك َ‬ ‫ت تِل َ‬ ‫َكانَ ْ‬
‫صالَةِ}‪،‬‬ ‫ادي لِل َّ‬ ‫ضطَ ِجع َعلَى ِش ِّق ِو األَيم ِن حتَّى يأْتِيوُ الْمنَ ِ‬
‫َْ َ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫صالَة الْ َف ْج ِر‪ ،‬ثُ َّم يَ ْ ُ‬ ‫َويَػ ْرَك ُع َرْك َعتَػ ْي ِن قَػ ْب َل َ‬
‫ول اللّ ِو صلى اهلل‬ ‫زوج النبي صلى اهلل عليو وسلم ‪{ :‬أَ ّن َر ُس َ‬ ‫وحديث الموطاء عن عُ ْرَو َة عن عائشةَ ِ‬
‫ضطَ َج َع َعلَ َى ِش ّق ِو‬ ‫غا ْ‬ ‫عليو وسلم يصلّي ِمن اللي ِل إِح َدى ع ْشرَة رْكعةً‪ ،‬يوتِر ِم ْنػها بِو ِ‬
‫اح َدةٍ‪ ،‬فَِإ َذا فَػ َر َ‬ ‫َ ْ ْ َ َ َ ََ ُ ُ َ َ‬ ‫َُ‬
‫األَيْ َم ِن}‪ .‬وبهذا اللفظ أيضا أبو داود ‪.‬‬
‫ومع ىذا اإلحتمال عارضو أحاديث أخر‪ ،‬فمنها ما رواه أبو داود عن القاسم بن محمد عن‬
‫ول اهلل صلى اهلل عليو وسلم يصلّي ِمن اللّْي ِل َع ْشر رَكع ٍ‬
‫ات‬ ‫عائشةَ رضي اهلل عنها قالت‪{ :‬كا َن َر ُس ُ‬
‫َ ََ‬ ‫َُ‬
‫ث َع ْش َرةَ َرْك َعة} ‪.‬‬
‫ك ثَالَ َ‬ ‫س ْج َدةٍ َويَ ْس ُج ُد َس ْج َدتَ ِي الْ َف ْج ِر فَ َذلِ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َويُوت ُر ب َ‬
‫ول اهلل صلى اهلل عليو‬ ‫ومنها ما رواه أبو داود أيضا عن عائشةَ رضي اهلل عنها قالت‪َ { :‬كا َن َر ُس ُ‬
‫س حتى‬ ‫س فِي َش ْي ٍء ِم َن ال َ‬
‫ْخ ْم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث َع ْش َرةَ َرْك َعةً يُوتُِر ِم ْنػ َها بِ َخ ْم ٍ‬
‫س ال يَ ْجل ُ‬ ‫صلّي ِم َن اللّْي ِل ثَالَ َ‬ ‫وسلم يُ َ‬
‫سلّ َم}‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س في االَخ َرة فَػيُ َ‬ ‫يَجل َ‬
‫ومنها ما رواه الشيخان وأبو داود ومالك في الموطاء وابن ماجو عن ابن عباس رضي اهلل‬
‫ت فِي‬ ‫ضطَ َج ْع ُ‬ ‫قال‪ :‬فَا ْ‬‫بي صلى اهلل عليو وسلم َو ِى َي َخالَتَوُ‪َ .‬‬ ‫عنهما‪{ :‬أَنّو ب َ ِ‬
‫ات ع ْن َد َم ْي ُمونَةَ َزْو ِج النّ ّ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ادةِ َوا ْ‬
‫ول اهلل صلى‬ ‫ول اهلل صلى اهلل عليو وسلم َوأَ ْىلُوُ في طُول َها‪ ،‬فَػنَ َ‬
‫ام َر ُس ُ‬ ‫ضطَ َج َع َر ُس ُ‬ ‫ض الْ ِو َس َ‬‫َع ْر ِ‬
‫ول اهلل صلى اهلل‬ ‫ظ َر ُس ُ‬‫استَػ ْيػ َق َ‬
‫يل ْ‬ ‫يل أ َْو بَػ ْع َدهُ بَِقلِ ٍ‬‫ف اللّْي ُل أ َْو قَػ ْبػلَوُ بَِقلِ ٍ‬‫ص َ‬ ‫اهلل عليو وسلم َحتّى إِ َذا انْػتَ َ‬
‫ْخواتِم ِم ْن ُسورةِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫آل‬ ‫َ‬ ‫س ُح النّػ ْوَم َع ْن َو ْج ِهو بيَده‪ ،‬ثُ ّم قَػ َرأَ ال َْع ْش َر االَيات ال َ َ َ‬ ‫س يَ ْم َ‬ ‫عليو وسلم فَ َجلَ َ‬
‫ت‬‫قال َع ْب ُداهلل‪ :‬فَػ ُق ْم ُ‬
‫صلّي‪َ .‬‬ ‫عمرا َن ثُم قام إِلَى َش ٍّن معلّ َق ٍة فَػتػو ّ ِ‬
‫ام يُ َ‬
‫وءهُ‪ ،‬ثُ ّم قَ َ‬ ‫ض َ‬‫س َن ُو ُ‬ ‫َح َ‬
‫ضأَ م ْنػ َها فأ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َُ‬ ‫َْ ّ َ‬
‫ت إِلَى َج ْنبِ ِو‪ ،‬فَػ َو َ‬ ‫فَصنػع ُ ِ‬
‫ول اهلل صلى اهلل عليو وسلم يَ َدهُ‬ ‫ض َع َر ُس ُ‬ ‫ت فَػ ُق ْم ُ‬ ‫صنَ َع‪ ،‬ثُ ّم ذَ َى ْب ُ‬‫ت مثْ َل َما َ‬ ‫ََ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم َرْك َعتَػ ْي ِن‪ّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫صلّى َرْك َعتَػ ْي ِن‪ ،‬ثُ ّم َرْك َعتَػ ْي ِن‪ ،‬ثُ ّم َرْك َعتَػ ْي ِن‪ّ ،‬‬‫الْيُ ْمنَى َعلَى َرأْسي‪ ،‬فَأَ َخ َذ بِأُذُني يَػ ْفتلُ َها‪ ،‬فَ َ‬
‫قال الْ َقعنبِي‪ِ :‬س ّ ِ‬
‫ام‬
‫الم َؤذّ ُن‪ ،‬فَػ َق َ‬ ‫اءهُ ُ‬ ‫ضطَ َج َع َحتى َج َ‬ ‫ثم ا ْ‬‫ثم أ َْوتَػ َر‪ّ ،‬‬ ‫ت م َرا ٍر‪ّ ،‬‬ ‫ثم َرْك َعتَػ ْينِ ‪ّ َ ْ َ .‬‬ ‫َرْك َعتَػ ْي ِن‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫الص ْب َح}‪ .‬وىذا اللفظ ألبي داود‪.‬‬ ‫صلّى ّ‬ ‫ج فَ َ‬ ‫صلّى َرْك َعتَػ ْي ِن َخفي َفتَػ ْي ِن‪ّ ،‬‬
‫ثم َخ َر َ‬ ‫فَ َ‬
‫ْج َهنِ ّي أَنّوُ َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ومنها ما رواه مالك في الموطاء ومسلم وأصحاب السنن عن زيد بن خالد ال ُ‬
‫صالَةَ ر ُس ِ‬
‫ام‬
‫ت َعتَبَتَوُ أ َْو فُ ْسطَاطَوُ فَػ َق َ‬ ‫قال‪ :‬فَػتَػ َو ّس ْد ُ‬
‫ول اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪َ ،‬‬ ‫{أل َْرُم َق ّن اللَّْيػلَةَ َ َ‬
‫صلّى َرْك َعتَػ ْي ِن‪َ ،‬و ُى َما‬ ‫صلَّى َرْك َعتَػ ْي ِن طَ ِويلَتَػ ْي ِن طويلَتَػ ْين طويلَتَػ ْين‪ ،‬ثُ ّم َ‬ ‫ول اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬فَ َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫صلّى َرْك َعتَػ ْي ِن َو ُى َما ُدو َن اللّتَػ ْي ِن‬‫صلّى َرْك َعتَػ ْي ِن َو ُى َما ُدو َن اللّتَػ ْي ِن قَػ ْبػلَ ُه َما‪ ،‬ثُ ّم َ‬ ‫ُدو َن اللّتَػ ْي ِن قَػ ْبػلَ ُه َما‪ ،‬ثُ ّم َ‬
‫ث َع ْش َرةَ َرْك َعةً}‪.‬‬ ‫ْك ثَالَ َ‬ ‫صلّى َرْك َعتَػ ْي ِن َو ُى َما ُدو َن اللّتَػ ْي ِن قَػ ْبػلَ ُه َما‪ ،‬ثُ ّم أ َْوتَػ َر‪ ،‬فَتِل َ‬
‫قَػ ْبػلَ ُه َما‪ ،‬ثُ ّم َ‬
‫{ما‬
‫ولو ذىبنا نع ّدد األحاديث المعارضة لحديث عائشة رضي اهلل عنها المتقدم ذكره‪ ،‬وىو‪َ :‬‬
‫صلَّ ْى اهللُ َعلَْي ِو َو َسلَّ َم يَ ِزيْ ُد} إلخ‪ .‬لطال بنا الكالم‪ ،‬وفيما ذكرناه كفاية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َكا َن َر ُس ْو ُل اهلل َ‬
‫ولما كانت تلك األحاديث متعارضة ومحتملة للتأويل لم يقم بها الحجة في إثبات ركعات‬
‫التراويح لتساقطها‪ ،‬فعدلنا عن اإلستدالل بها إلى الدليل القاطع‪ ،‬وىو اإلجماع‪ ،‬وىو إجماع‬
‫المسلمين في زمن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنو على فعلها عشرين ركعة‪ .‬روى البيهقي بإسناد‬
‫صحيح عن السائب بن يزيد رضي اهلل عنو قال‪{ :‬كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي‬
‫اهلل عنو في شهر رمضان بعشرين ركعة}‪ .‬وروى مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان‪ ،‬قال‪{ :‬كان‬
‫الناس يقومون في زمان عمر رضي اهلل عنو بثالث وعشرين ركعة}‪ ،‬يعنى أنهم صلوا التراويح‬
‫عشرين ركعة‪ ،‬ثم أوتروا بثالث‪ .‬وروى البيهقي بإسناد صحيح‪{ :‬أنهم كانوا يقومون على عهد عمر‬
‫وعلي بمثلو} فصار إجماعا‪ .‬وقال ابن الهمام‪ :‬كونها عشرين ركعة‬
‫عشرين ركعة وعلى عهد عثمان ٍّ‬
‫سنة الخافاء الراشدين إىػ‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كذلك علمنا أن الذين صلوا التراويح اليوم ثمان ركعات مخالفون لإلجماع‪،‬‬
‫ومخالف اإلجماع إن كان في أمر معلوم من الدين بالضرورة فهو كافر‪ ،‬وإال فهو فاسق‪ ،‬وىم‬
‫مخالفون أيضا لسنة الخلفاء الراشدين‪ ،‬ومن خالغ سنة الخلفاء الراشدين فقد خالف النبي صلى‬
‫ين ِم ْن بَػ ْع ِد ْي} رواه أبو‬ ‫ِ‬ ‫ْخلَ َف ِاء ِ ِ‬
‫سنّتِي َو ُسنّ ِة ال ُ‬ ‫ِ‬
‫الم ْهديّ َ‬
‫ين ُ‬‫الراشد َ‬
‫ّ‬ ‫اهلل عليو وسلم‪ ،‬ألنو قال‪{ :‬فَػ َعلَْيكم ب ُ‬
‫داود والترمذي‪.‬‬
‫ت الْبِ ْد َعةُ َى ِذهِ} إذ‬‫[مسألة]‪ :‬إذا قال قائل‪ :‬إن عمر رضي اهلل عنو مخطئ في قولو‪{ :‬نِ ْع َم ْ‬
‫ضالَلَةٌ} رواه أبو‬‫{وُك ُّل بِ ْد َع ٍة َ‬
‫كيف مدح فعال ىو بدعة‪ ،‬وقد قال رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم‪َ :‬‬
‫داود والترمذي‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن لفظ البدعة لو استعماالن‪ ،‬األول أن يستعمل إسما لكل ما أحدثو محدث لم‬
‫غيره‪ .‬وىذا ال يحكم بأن جميعو ضاللة‪ ،‬ألن ما أحدثو المحدث إما أن يكون من غير‬
‫يسبقو فيو ُ‬
‫أمر الدين وإما أن يكون من أمر الدين‪ .‬فإن كان من غير أمر الدين ولم يكن منتهكا لحرمات اهلل‬
‫ورسولو صلى اهلل عليو وسلم فليس ضاللةً‪ ،‬كاتّخاذ المن ِ‬
‫اخ ِل واألُ ْشنان والموائد وركوب ال َد َّراجات‬‫ََ‬
‫والسيّارات وغير ذلك‪ .‬وإن كان من أمر الدين‪ ،‬فإما أن يكون مصادما لقواعد الدين ْأوال‪،‬‬
‫عام من‬‫ضال‪ .‬وغير المصادم ّإما أن يكون فيو إذ ٌن ٌ‬
‫فالمصادم لقواعد الدين ىو الضاللة‪ ،‬وفاعلو ّ‬
‫الشارع ْأوالَ‪ ،‬فالثاني داخل في البدعة المذمومة‪ ،‬واألول ّإما أن يتوقف عليو واجب أو مندوب أو‬
‫حس ٌن‪ .‬واإلستعمال الثاني أن‬ ‫مباح ْأوالَ‪ ،‬فاألول واجب والثاني مندوب والثالث مباح والرابع َ‬
‫يُ ْستَػ ْع َمل إسما لما أُحدث بعد النبي صلى اهلل عليو وسلم باسم الدين وخالف الكتاب والسنة أو‬
‫صادم قاعدة من قواعد الشريعة‪ .‬وىذا ىو المراد بقولو صلى اهلل عليو وسلم‪ُ { :‬ك ُّل بِ ْد َع ٍة َ‬
‫ضالَلَةٌ}‪.‬‬
‫فالحاصل أن قولو صلى اهلل عليو وسلم المذكور ليس على عمومو‪ ،‬بل ىو عام مخصوص‪.‬‬
‫ت الْبِ ْد َعةُ َى ِذهِ}‪ :‬وصفها‬ ‫قال الزرقاني في شرح الموطاء عند قول عمر رضي اهلل عنو {نِ ْع َم ْ‬
‫بنعمت‪ ،‬ألن أصل ما فعلو سنة وإنما البدعة المذمومة خالؼ السنة‪ .‬وقال ابن عمر في صالة‬ ‫ْ‬
‫ضو ِ‬ ‫ِ‬ ‫{وَرْىبَانِيَّةً ابْػتَ َدعُ َ‬ ‫الضحى‪{ :‬نِ ْعم ْ ِ‬
‫ان‬ ‫اىا َعلَْي ِه ْم إَِّال ابْتغَ َ‬
‫اء ِر ْ َ‬ ‫وىا َما َكتَْبػنَ َ‬ ‫ت الْب ْد َعةُ}‪ ،‬وقال تعالى‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫اللَّو}‪ .‬وأما ابتداع األشياء من عمل الدنيا فمباح‪ .‬قال ابن عبد البر‪ :‬وىذا تصريح منو بأنو أول من‬
‫جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد‪ ،‬ألن البدعة ما ابتدأ بفعلها المبتدع ولم يتقدمو غيره‪،‬‬
‫عمر‪ ،‬وتابعو الصحابة والناس إلى َىلُ َّم َج َّرا‪ ،‬وىذا يبين صحة القول بالرأي واإلجتهاد‬
‫فابتدعو ُ‬
‫س ّن لها اإلجتماع وال كان في زمن الصديق‪.‬‬
‫إنتهى‪ .‬فسماىا بدعةً ألنو صلى اهلل عليو وسلم لم يَ ُ‬
‫وىي لغة ما أحدث على عير مثال سبق‪ .‬وتطلق شرعا على مقابل السنة‪ ،‬وىي ما لم يكن في‬
‫عهده صلى اهلل عليو وسلم‪ .‬ثم تنقسم إلى األقسام الخمسة‪ .‬وحديث { ُك ُّل بِ ْد َع ٍة َ‬
‫ضالَلَةٌ} عام‬
‫ت الْبِ ْد َعةُ}‪ ،‬وىي كلمة تجمع المحاسن كلها كما أن‬ ‫مخصوص‪ ،‬وقد رغّب فيها عمر بقولو‪{ :‬نِ ْع َم ْ‬
‫بئس تجمع المساوي كلها‪ ،‬وقد قال صلى اهلل عليو وسلم‪{ :‬اقتَ ُد ْوا باللَ َذيْ ِن ِم ْن بَػ ْع ِدي‪ ،‬أَبِي بَ ْك ٍر‬
‫َوعُ َم َر}‪ .‬وإذا أجمع الصحابة على ذلك مع عمر زال عنو اسم البدعة‪ .‬انتهى ما قالو الزرقاني‪.‬‬
‫فإذا كان رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم أمرنا باإلقتداء بأبي بكر وعمر رضي اهلل عنهما كنا‬
‫مطيعا لرسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم باإلقتداء بهما‪ ،‬ومن خالفهما فقد خالف رسول اهلل صلى‬
‫{و َعظَنا‬ ‫ِ‬
‫اهلل عليو وسلم‪ .‬وروى أبو داود والترمذي عن الع ْرباض بن ساريةَ رضي اهلل عنو أنو قال‪َ :‬‬
‫ت منها العُيُػ ْو ُن‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا‬ ‫ب‪ ،‬و َذ َرفَ ْ‬ ‫رسول اللّو صلى اللّو عليو وسلم موعظةً و ِجلَ ْ ِ‬
‫ت م ْنػ َها ال ُقلُ ْو ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اع ِة‪َ ،‬وإ ْن َّ‬
‫تأم َر‬ ‫الس ْم ِع َوالطَّ َ‬ ‫ُوصي ُك ْم بِتَػ ْق َوى اللَّ ِو‪َ ،‬و َّ‬
‫ال‪" :‬أ ِ‬ ‫صنَا‪ ،‬قَ َ‬‫ِِّع فأو ِ‬
‫ْ‬ ‫َر ُس ْو َل اللّو كأنها َم ْو ِعظةُ ُم َود ٍ‬
‫اشدي َن‬ ‫الخلَ َف ِاء َّ‬
‫الر ِ‬ ‫بسنَّتِي َو ُسن َِّة ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سيَػ َرى ا ْختالفاً َكثيراً‪ ،‬فَػ َع ْلي ُكم ُ‬
‫علَي ُكم عب ٌد‪ ،‬وإنَّو من يعِ ِ‬
‫ش م ْن ُك ْم فَ َ‬ ‫َ ْ ْ َْ َ ُ َ ْ َ ْ‬
‫فإن ُك َّل ُم ْح َدثٍَة بِ ْد َعةٌ‪َ ،‬وُك ُّل بِ ْد َع ٍة‬
‫ثات األ ُُموِر‪َّ ،‬‬ ‫َّواج ِذ‪ ،‬وإيَّا ُكم وم ْح َد ِ‬
‫َ ْ َُ‬
‫الم ْه ِديِّين‪َ ،‬عضُّوا َعلَْيها بالن ِ‬
‫َ َ‬
‫ضاللَةٌ"}‪.‬‬
‫َ‬
‫إذا قال قائل‪ :‬إنما أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم باإلقتداء بأبي بكر وعمر رضي اهلل‬
‫عنهما وكذا بالخلفاء الراشدين فيما لم يخالفوا فيو السنة فلم يأمرنا باإلقتداء بهم فيو‪.‬‬
‫قلنا لو‪ :‬قل لي إ ّن رسول اهلل صلى اهلل عليو وسلم حين قال ذلك القول قالو عن جهل أو‬
‫قلت قوالً يجب تطهير الفم عنو‪ .‬وإن قال عهن ٍ‬
‫علم‪ ،‬قلنا‬ ‫علم ؟‪ .‬فإن قال عن جهل‪ ،‬قلنا لو‪ :‬قد َ‬‫ٍ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل ععليو وسلم أن أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما وغيرىما من الخلفاء‬
‫أعلم ُ‬
‫لو‪َ :‬‬
‫الراشدين سيخالفون بعده سنتو فال يقتدى بهم في الدين ؟‪ ،‬أم علم أنهم ال يخالفون بعده سنتو‬
‫غاش‬
‫فيقتدى بهم في الدين ؟ ‪ .‬فإن قال باألول‪ ،‬قلنا لو‪ :‬لزمك أن تعتقد أنو صلى اهلل عليو وسلم ٌّ‬
‫ألمتو‪ ،‬إذ أمر باقتداء من ال يقتدى بو‪ .‬وإن قال بالثاني‪ ،‬قلنا لو‪ :‬لما منعتنا من طاعة الرسول صلى‬
‫اهلل عليو وسلم باقتدائهم ؟‪ .‬فإن قال‪ :‬تقتدى بهم فيما لم يخالفوا فيو السنة‪ ،‬قلنا لو‪ :‬لزمك أن‬
‫تسويهم بغيرىم‪ .‬فما فائدة تخصيصهم بالذكر في الحديثين المذكورين ؟‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبالجملة عرفنا مما تقدم أن الذي خطأ عمر رضي اهلل عنو ىو المخطئ على أن الذي سماه‬
‫نفس فعل التراويح وال فعلها عشرين ركعة وال الجماعة فيها‪ ،‬وإنما ىو‬ ‫عمر بدعةً ليس ىو َ‬
‫ئ على تسمية عمر رضي اهلل عنو مبتدعا‬ ‫متجر ٌ‬
‫تجرأ ّ‬‫اإلجتماع على إمام واحد كما تقدم‪ .‬فإن ّ‬
‫ش ُّ‬
‫ك عاقل في أنو ىو المبتدع‪ .‬وبهده اللوائح من الكشف والبيان‬ ‫بمعنى أنو مخالف للسنة فال يَ ُ‬
‫عرفنا سقوط قول القائل‪ :‬إن فعل التراويح عشرين ركعة بدعة مذمومة‪ ،‬وإن السنة فعلها ثمان‬
‫ركعات‪ ،‬وإنو ليس في محلو‪ ،‬وإن قائلو زائغ عن طريق الحق والصواب‪.‬‬
‫من اهلل عليو بالتوفيق والهداية‪ ،‬ولكن من لم يرد اهلل صالحو تعبت‬ ‫وفي ىذا القدر كفاية لمن ّ‬
‫يل‪ .‬تمت الرسالة بعون اهلل وتوفيقو في ليلة الثالثاء‪،‬‬‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫وح ْسبُػنَا اللوُ َون ْع َم ال َْوك ُ‬
‫فيو األقاويل‪ ،‬ولذا قلنا‪َ :‬‬
‫وىو اليوم الرابع والعشرون من شهر رمضان المبارك سنة ‪ 2831‬من الهجرة النبوية‪ ،‬على صاحبها‬
‫وأتم التسليم‪ ،‬بقلم مؤلفها الفقير إلى مغفرة ربو الغفور أبي الفضل بن عبد الشكور‬
‫أفضل الصالة ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ي الطوباني ‪.‬غفر اهلل لو ولوالديو ولجميع المسلمين آمين‪.‬‬ ‫السنُػ ْوِر ّ‬

You might also like