Professional Documents
Culture Documents
ومن الشبهات التي يثيرونها ليردُّوا األدلَّةَ الكثيرة التي تدين شيخهم ومق َّد َ
سهم أن
يقول قائلهم لمن يخاطبه ويورد الحجج والبراهين عليه :أن غالب السلفيين معه،
وتعالى معي إلى العاصمة لتنظر كثرة الوافدين عليه ،والمقبلين على مجلسه؛
والجواب على هذه الشبهة الواهية الضعيفة من وجوه:
▪الوجه األول:
أن العبرة بالحجج واألدلة ال باألتباع والكثرة؛ ألن الكثرة في الغالب مذمومة في
شريعة اإلسالم ،غير محمودة في دين النبي عليه الصالة والسالم ،كما جاء في كثير
من آيات الكتاب العزيز:
شكُ ُ
ور" سورة سبأ من -قال هللا تعالى ":ا ْع َملُوا آ َل َد ُاوو َد شُ ْك ًرا َوقَ ِلي ٌل ِم ْن ِعبَاد َ
ِي ال َّ
اآلية .13
ض ِإ َّال الَّذِينَ آ َمنُوا
علَى بَ ْع ٍ يرا ِمنَ ْال ُخلَ َ
طاءِ لَيَ ْب ِغي بَ ْع ُ
ض ُه ْم َ -وقال هللا تعالىَ ":و ِإ َّن َكثِ ً
ت َوقَ ِلي ٌل َما هُ ْم" سورة ص من اآلية .24 ع ِملُوا ال َّ
صا ِل َحا ِ َو َ
َّللا ِإ ْن يَت َّ ِب ُعونَ ُضلُّوكَ َ
ع ْن َ
س ِبي ِل َّ ِ ضي ِ -وقال هللا تعالىَ ":و ِإ ْن ت ُ ِط ْع أ َ ْكث َ َر َم ْن فِي ْاأل َ ْر ِ
صونَ ( ")116سورة األنعام. ِإ َّال َّ
الظ َّن َو ِإ ْن هُ ْم ِإ َّال يَ ْخ ُر ُ
اس اس ِفي َهذَا ْالقُ ْر ِ
آن ِم ْن كُ ِل َمث َ ٍل فَأ َ َبى أ َ ْكث َ ُر النَّ ِ ص َّر ْفنَا ِللنَّ ِ
-وقال هللا تعالىَ ":ولَقَ ْد َ
ورا ( ")89سورة اإلسراء. ِإ َّال كُفُ ً
ولقد وصف هللا جل وعال الكثرة بأوصاف متعددة منها أنهم ال يسمعون وال يعقلون
وال يعلمون:
ب أ َ َّن أ َ ْكث َ َرهُ ْم يَ ْس َمعُونَ أ َ ْو يَ ْع ِقلُونَ إِ ْن هُ ْم إِ َّال ك َْاأل َ ْنعَ ِام بَ ْل هُ ْم -قال هللا تعالى ":أ َ ْم تَحْ َ
س ُ
يال ( ")44سورة الفرقان. سبِ ً أَ َ
ض ُّل َ
ض أ َ َال إِ َّن َو ْع َد َّ ِ
َّللا َح ٌّق َولَ ِك َّن ت َو ْاأل َ ْر ِ
اوا ِ
س َم َ -وقال هللا تعالى ":أ َ َال إِ َّن ِ َّ ِ
ّلِل َما فِي ال َّ
أ َ ْكث َ َرهُ ْم َال يَ ْعلَ ُمونَ ( ")55سورة يونس.
عانَا ث ُ َّم ِإذَا خ ََّو ْلنَاهُ نِ ْع َمةً ِمنَّا قَا َل ِإنَّ َما أُوتِيتُهُ س ِْ
اإل ْن َ
سانَ ض ٌُّر َد َ -وقال تعالى":فَإِذَا َم َّ
ِي فِتْنَةٌ َولَ ِك َّن أ َ ْكث َ َرهُ ْم َال يَ ْعلَ ُمونَ ( ")49سورة الزمر. علَى ِع ْل ٍم بَ ْل ه َ
َ
ض ْ
ت ع ِن النَّ ِبي ِ -صلى هللا عليه وسلم -قَالَ ":ع ُِر َ َّاس َ عب ٍ وفي صحيح مسلم عن اب ِْن َ
ي لَي َ
ْس الر ُجالَ ِن َوالنَّ ِب َّالر ُج ُل َو َّ ي َو َم َعهُ َّ الر َه ْيطُ َوالنَّ ِب َّ
ي َو َم َعهُ ُّ ي األ ُ َم ُم فَ َرأَيْتُ النَّ ِب َّعلَ َّ
َ
سى -صلى هللا ُ
ظنَ ْنتُ أنَّ ُه ْم أ َّمتِي فَ ِقي َل ِلي َهذَا ُمو َ َ ع ِظي ٌم فَ َس َوا ٌد َ َ
َم َعهُ أ َح ٌد ِإ ْذ ُرفِ َع ِلي َ
ع ِظي ٌم فَ ِقي َل ِلي ا ْنظُ ْر س َوا ٌد َ ظ ْرتُ فَإِذَا َ ق .فَنَ َ عليه وسلمَ -وقَ ْو ُمهُ َولَ ِك ِن ا ْنظُ ْر ِإلَى األُفُ ِ
س ْب ُعونَ أ َ ْلفًا يَ ْد ُخلُونَ ع ِظي ٌم فَ ِقي َل ِلي َه ِذ ِه أ ُ َّمتُكَ َو َم َع ُه ْم َ ق اآلخ َِر .فَإِذَا َ
س َوا ٌد َ ِإلَى األُفُ ِ
ب". عذَا ٍ
ب َوالَ َ سا ٍْال َجنَّةَ ِبغَي ِْر ِح َ
واآليات في هذا كثيرة متعددة تذم الكثرة وتمدح القلة ،فاحتجاجكم بالكثرة حول
شيخكم ال ينفعه وال ينفعكم ،وبخاصة واألدلة تدينه ،وتثبت األخطاء الشنيعة عليه،
يوضحه:
▪الوجه الثاني:
أن العبرة في شريعة اإلسالم باألدلة الشرعية والحجج المرعية فمن كانت الحجة
معه والبرهان يؤيده فهو المحق ولو كان واحدا ،فضال عن جماعة متعددة ،ومن
كانت الحجة تدينه والبرهان يخالفه فهو المبطل ولو كان معه الناس جميعا والخلق
قاطبة ،فالعبرة في معرفة المحق من المبطل األدلة والبراهين ال كثرة المعتنقين
والمتبعين ،وانظر في واقع الناس تتيقن من هذا الكالم ،وتعلم أن االحتجاج بالكثرة
من قلة العقل والفقه في الدين ،أليس الكفار هم أكثر أهل األرض اليوم؟ ،ثم في أهل
اإلسالم أليس الطوائف الضالة والفرق المنحرفة أكثر بكثير من أهل الحق حيث
أخبر ا لنبي صلى هللا عليه وسلم أن أهل الحق طائفة واحدة ضمن ثالث وسبعين
طائفة؟.
▪الوجه الثالث:
أن الكثرة تكون محمودة إذا كانت في جانب الطائفة المنصورة والفرقة الناجية،
ويُعرفون -مع األدلَّة -بالنظر إلى علماء األمة من أهل الحديث واألثر ،وأهل الفقه
والنظر؛ فهم عالمةُ أهل الحق فحيثما وجدتَّهم فالحق –إن شاء هللا -معهم؛ وبخاصة
عند إجماعهم واتفاقهم ،ومما فُسر به حديث الطائفة المنصورة كما هو معروف
ومشهور :أنهم أهل الحديث ،وأهل العلم واآلثار؛ كما قال أحمد بن سنان الثقة
الحافظ روى الخطيب عن أبي حاتم قال :سمعت أحمد بن سنان وذكر حديث " ال
تزال طائفة من أمتي على الحق " فقال :هم أهل العلم وأصحاب اآلثار" ذكره اإلمام
األلباني في الصحيحة ج 1ص 539كما ذكر غيرها من اآلثار ،ومن المعلوم في
فتنة الجزائر هذه األخيرة أن العلماء على خالف الدكتور ،ولم يوافقه واحد -فيما
أعلم -على ما أحدثه من فتاوى شاذة ،بل منهم من أنكر عليه ،ورد قوله ،وبين
بطالن ما يفتي به وينشره وينصره ،بل منهم من وصفه بالسرورية والنحلة
التكفيرية ،فكيف يُترك قول هؤالء العلماء الذين فُ ِسر الحديث بهم ،ويُحت ُّج بالغوغاء
والدهماء ممن قال فيهم علي بن أبي طالب رضي هللا عنه كما في نصيحته لكميل
س ِبي ِل النَّ َجاةَِ ،و َه َم ٌج علَى َ يَ ،و ُمت َ َع ِل ٌم َاس ث َ َالثَةٌ :فَ َعا ِل ٌم َربَّانِ ٌّ
بن زياد المشهورة ":النَّ ُ
ور ْال ِع ْل ِمَ ،ولَ ْم يَ ْل َجئُوا ِإلَى
َضيئُوا ِبنُ ِ يح لَ ْم يَ ْست ِق يَ ِميلُونَ َم َع كُ ِل ِر ٍ عاعٌ أَتْبَاعُ كُ ِل نَا ِع ٍ ِر َ
ق" قال اإلمام ابن القيم رحمه هللا في شرحه لهذا األثر في كتابه القيم ُر ْك ٍن َوثِي ٍ
"مفتاح دار السعادة" ج 1صَ ":]4[355وقَوله ":النَّاس ث َ َالثَة فعالم رباني ومتعلم
س ِبيل الن َجاة وهمج رعاع" َهذَا ت َ ْق ِسيم خَاص للنَّاس َوه َُو ْال َوا ِقع؛ فَإِن ال َعبْد ِإ َّما أن على َ
يكون قد حصل َك َماله من ْالعلم َو ْال َع َمل أو ال ،فاألول ْال َعالم الربانيَ ،والثَّانِي إما أن
تكون نَفسه متحركة فِي طلب ذَ ِلك ْال َك َمال ساعية فِي ِإد َْراكه أو ال؛ َوالثَّانِي ه َُو
اصل َوالثَّانِي ه َُو س ِبيل الن َجاة ،الثَّا ِلث َوه َُو الهمج الرعاج ،فاألول ه َُو ْال َو ِ المتعلم على َ
الطا ِلب َوالثَّا ِلث ه َُو المحروم" وقال أيضا في ج 1صْ ":]5[360-358القسم الثَّا ِلث: َّ
عاعٌ ،وال َه َم ُج من النَّاسَ :ح ْمقاؤُهم عالم َو َال متعلم ،بل َه َم ٌج َر َ المحروم المعرض فَ َال َ
ير كالبعوض يسْقطُ على َو َج َهلَت ُ ُهم ،وأصله من ال َه َمج جمع َه َم َجة َوه َُو ذُ َبابٌ َ
ص ِغ ٌ
اب وأعي ِنها ،فَشبَّه َه َم َج النَّاس ِب ِه ،وال َه َم ُج أيضا مصدر قَا َل ُو ُجو ِه ْالغَن َِم َوالد ََّو ِ
الراجز:
عتُودًا ا َ ْو َبذَ ْج قد َهلَكت جارتنا من ال َه َم ْج َ ...و ِإ ْن ت َ ُج ْع ت َأْكُ ْل َ
وال َه َم ُج هُنَا مصدر َو َم ْعنَاهُ سوء الت َّ ْد ِبير فِي أَمر ْال َمعيشَة.
َام ُج" ِمثْ ُل "لَ ْي ٌل َال ِيلٌ".
َوقَ ْوله ْم " َه ْم ٌج ه ِ
اس ال َح ْمقَى الَّذين ال يعتد بهم.
عاعُ ِمنَ النَّ ِ
والر َ
َّ
س َوا ٌء دعاهم إلى هدى َوقَوله ":أَتبَاع كُ ِل ناعق" أَي :من َ
صا َح ِب ِه ْم ودعاهم تبعوهَ ،
اطل فهم مستجيبون
أحق ه َُو أم بَ ِ ْأو إلى ضالل ،فإنهم َال علم لَ ُهم ِبالَّذِي يُ ْد َ
ع ْونَ إليه ٌّ
لدعوته.
أضر ْالخلق على األديان؛ فَإِنَّ ُهم األكثرون عددا األقلون ِع ْند هللا قدرا، ِ َو َهؤ َُالء من
وهم حطب كل فتْنَة؛ بهم توقد ويشب ضرامها ،فَإِنَّ َها يَ ْعت َِزلُ َها أولو الدين ،ويتوالها
عاع.
الر َ
الهمج َّ
فتذهب َم َعه أيْنَ
ُ الرا ِعيَوسُ ِمي داعيهم :ناعقًا؛ ت َ ْشبِيها لَ ُهم باألنعام الَّتِي ينعق ب َها َّ
عا ًء َونِ َدا ًءذهب؛ قَا َل ت َ َعالَىَ ":و َمث َ ُل الَّذِينَ َكف َُروا َك َمث َ ِل الَّذِي يَ ْن ِع ُق بِ َما َال يَ ْس َم ُع ِإ َّال ُد َ
َ
ي فَ ُه ْم َال يَ ْع ِقلُونَ ( ")171سورة البقرة. ص ٌّم بُ ْك ٌم عُ ْم ٌُ
ْس لَ ُهمع َد ِم علمه ْم ،وظلمة قُلُوبهم ،فَلَي َ َو َهذَا الَّذِي َوصفهم ِب ِه أمير ْال ُمؤمنِينَ ه َُو من َ
س َواء. اطل ،بل ْالكل ِع ْندهم َ يفرقون ب َها بَين ْالحق َو ْالبَ ِ نور َو َال بصيرة ٌ ِ ٌ
عنهُ ":يميلون َم َع كل ريح" َوفِي ِر َوا َيةَ ":م َع كل صائح" شبه َوقَوله رضي هللا َ
يميل
ض ِعيفَ ،وشبه األهوية واآلراء بالرياح ،والغصن ِ عُقُوله ْم الضعيفة بالغصن ال َّ
ت ،وعقول َهؤ َُالءِ تميل َم َع كل هوى وكل َداعَ ،ولَو كَانَت عقوال ْث َمالَ ْ
َم َع الريح َحي ُ
يرة الَّتِي ال تتالعب ب َها ِ
الريَاح". َاملَة كَانَت كالشجرة ْال َك ِب َك ِ
ومن عجائب ما عليه هؤالء أنهم يحتجون بكثرة األتباع فإذا احتججت عليهم
بالعلماء ،وأنه ليس مع شيخهم واحد منهم ،قال لك :العبرة ليست بالكثرة ،وهذه من
ي في كل أحوالهم ،فلذلك ال يرون الحقيقة الماثلة المضحكات المبكيات؛ فهم عُ ْم ٌ
سهم ،فال األدلة تدعمه ،وال واحد من العلماءأمامهم ،وأن ال شيء يُ َؤيِ ُد شيخهم ومق َّد َ
وقف معه وأيده.
ووهللا إن كالم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي هللا عنه لينطبق حقيقة
عليهم ،وانظر إلى شرح اإلمام ابن القيم رحمه هللا تجده وكأنه يتحدث عن هؤالء
الذين يناصرون الدكتور ويتعصبون له:
عالم َو َال متعلم ،فغالبهم وأكثرهم من الجهلة والحمقى
فوصفهم بأنهم همج رعاع :فَ َال َ
الَّذين ال يعتد بهم ،وحتى المتعلم منهم فهم مقلدة كما هو معروف عنهم ومشهور من
تصرفاتهم بل ومن كالمهم.
س َواء دعاهم إلى صاح بهم ودعاهم تبعوه َ كما وصفهم بأنهم اتبَاع كل ناعق أَي من َ
اطل فهم هدى ْأو إلى ضالل ،فإنهم َال علم لَ ُهم بِالَّذِي يُدعونَ إليه أحق ه َُو أم بَ ِ
مستجيبون لدعوته؛ َو َهذَا الَّذِي َوصفهم بِ ِه أمير ْال ُمؤمنِينَ ه َُو من عدم علمه ْم وظلمة
اطل بل ْالكل ِع ْندهم ْس لَ ُهم نور َو َال بصيرة يفرقون ب َها بَين ْالحق َو ْالبَ ِ
قُلُوبهم فَلَي َ
س َواء.
َ
كما وصفهم بالعقول الضعيفة ولذلك فهي تميل مع األهواء واآلراء وتستجيب لكل
داع ولو كانت عقولهم كاملة ما تالعب بهم الجهلة وقادهم المقلدة وهم يرون العلماء
على خالف قولهم واألدلة تدمغ باطل مقدسهم.
يتبع ..
من مقال :الرد المفرد على شبهات الصعافقة الجدد -الجزء األول-
▪األخ الفاضل :عبد الصمد سليمان وفقه هللا