Professional Documents
Culture Documents
)(1
التمسك ابألدب هو الذي يوصل املريد إىل مبتغاه ألنه ال يصل إىل حضرة الرب جل شأنه وهو
عاري من األدب.
واألدب هو من أهم املهمات ،وأكدها يف الطريقة وهو واجب على كل مريد ،لذا كان شيخنا
رضي هللا تعاىل عنه يقول ":إين لكثريا ما أهم بوضع مؤلف يف أدب الطريقة ".و هذا تنبيها منه
رضي هللا عنه أبن األدب هو روح الطريقة وأسسها .
وينقسم األدب يف الطريقة إىل ثالث أقسام :األدب مع هللا الذي هو األدب مع النفس ،واألدب مع
الشيخ ،واألدب مع اإلخوان يف الطريقة.
األدب مع هللا هو سلوك األنبياء والصاحلني وإذا كان التأدب مع أصحاب الفضل واجباً فإن من
أوجب الواجبات التأدب مع هللا سبحانه وتعاىل ومن صور التأدب مع هللا ما يلي:
.اإلخالص:
اإلخالص له سبحانه يف العمل قال هللا تعاىل (:فَمن َكا َن ي رجو لَِقاء ربِِه فَ ْلي عمل عمالً ص ِ
احلاً َوَال َ ََْ ْ ََ َ َْ ُ َ
ِ ِ ِ ِِ
َحداً ) الكهف 110 يُ ْش ِرْك بعبَ َادة َربه أ َ
عمل هلل عز وجل". يقول احلسن البصري رمحه هللا " :ال يزال العبد خبري إذا قال قال هلل وإذا عمل ِ
َ
.الشكر:
شكر نعمته عليك واالعرتاف هبا قال هللا تعاىلَ (:وَما بِ ُكم ِمن نِ ْع َم ٍة فَ ِم َن اّللِ ) النحل 88
يدنَّ ُك ْم َولَئِن َك َف ْرُُْت إِ َّن َع َذ ِاِب لَ َش ِدي ٌد ) إبراهيم 7
وقوله تعاىلَ ( :وإِ ْذ ََتَذَّ َن َربُّ ُك ْم لَئِن َش َك ْرُُْت ألَ ِز َ
.التعظيم :
اّللَ َح َّق قَ ْد ِرهِ) الزمر 67(وَما قَ َد ُروا َّ
تعظيمه وتوقريه وتعظيم شعائره قال هللا تعاىل َ
وقال تعاىل ( ما لَ ُك ْم َال تَ ْر ُجو َن َِّّللِ َوقَاراً ) نوح 103
وب ) احلج 32 اّللِ فَِإ ََّّنَا ِمن تَ ْقوى الْ ُقلُ ِ
ك َوَمن يُ َع ِظ ْم َش َعائَِر َّ ِ
َ وقال أيضاً ( َذل َ
.عدم التقول على هللا :
ِ ِ ِ ِ
ب َه َذا َحالَ ٌل ف أَلْسنَ تُ ُك ُم الْ َكذ َ
عدم القول على هللا بغري علم لقوله تعاىل ( َوالَ تَ ُقولُواْ ل َما تَص ُ
ب الَ يُ ْفلِ ُحو َن) النحل 116 ِ ِ وه َذا حرام لِت ْفرتواْ علَى اّللِ الْ َك ِذ ِ َّ ِ
ب إ َّن الذ َ
ين يَ ْف َرتُو َن َعلَى اّلل الْ َكذ َ َ َ َ َ َ ٌ َ َُ َ
.املراقبة:
استشعار مراقبة هللا لك يف السر والعالنية وأنه مطلع عليك وأنت يف ملكه وقبضته ( َويَ ْعلَ ُم َما
الص ُدوِر ) التغابن 4 ات ُّ اّلل علِيم بِ َذ ِ ِ ِ
تُسُّرو َن َوَما تُ ْعلنُو َن َو َُّ َ ٌ
.خشية هللا ورجاؤه:
اخلشية واخلوف منه ورجاؤه قال هللا تعاىل ( فَالَ ََتْ َش ْوُه ْم َوا ْخ َش ْوِِن ) البقرة 105
ِِ ِ
ني ) آل عمران 175 وه ْم َو َخافُون إِن ُكنتُم ُّم ْؤمن َ وقال سبحانه وتعاىل ( فَالَ ََتَافُ ُ
ك َكا َن ََْم ُذوراً ) اإلسراء 75 اب َربِ َوقال ( َويَ ْر ُجو َن َر ْمحَتَهُ َوََيَافُو َن َع َذابَهُ إِ َّن َع َذ َ
الـتـوبة:
وك التوبة واإلانبة إليه وطلب املغفرة منه قال هللا تعاىل ( َولَْو أَ ََّّنُْم إِذ ظَّلَ ُمواْ أَن ُف َس ُه ْم َج ُ
آؤ َ
ول لََو َج ُدواْ اّللَ تَ َّواابً َّرِحيماً ) النساء 64 الر ُس ُ
استَ ْغ َفَر ََلُُم َّ
استَ ْغ َف ُرواْ اّللَ َو ْ
فَ ْ
الــدعــاء واالنكسار بني يديه :
ِ دعاؤه والتضرع إليه واالنكسار بني يديه قال هللا تعاىل (وإِ َذا سأَلَ ِ ِ
ك عبَادي َع ِّن فَإِِن قَ ِر ٌ
يب َ َ َ
ان فَ ْليَ ْستَ ِجيبُواْ ِِل َولْيُ ْؤِمنُواْ ِِب لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْر ُش ُدو َن ) البقرة 186
َّاع إِذَا دع ِ
يب َد ْع َوةَ الد ِ َ َ أُج ُ
ِ
-االستسالم لشيخه وطاعته .وليس هذا من ابب االنقياد األعمى الذي يتخلى فيه املرء عن عقله
وعن شخصيته ولكنه من ابب التسليم لذوي االختصاص واخلربة كما يستسلم املريض لطبيبه
استسالما كليا ويتتبع نصائحه ،وهو يف هذه احلالة ال يعترب متخليا عن عقله وشخصيته بل على
العكس يعترب عاقال يف اختياره ألنه سلم نفسه لذوي االختصاص .
-عدم االعرتاض على شيخه يف طريقة ألن ذلك يقطع املدد الروحي الذي بينه وبني شيخه ولقصة
سيدان موسى مع العبد الصاحل أكثر من داللة يف هذا اجملال.
-أن يعتقد كمال شيخه ومتام أهليته للرتبية واإلرشاد حىت ال ينصرف قلبه إىل غريه ويتشتت توجهه
-أن حيب شيخه َمبة كبرية وذلك مبوافقته أمرا وَّنيا و إتباعه سرا وجهرا.
) 3األدب مع اإلخوان:
-حفظ حرمتهم غائبني أو حاضرين ،فال يغتاب أحدا منهم ،وال ينقص أحدا ألن حلومهم
مسمومة
-نصيحتهم بتعليم جاهلهم وإرشاد ضاَلم .
فشروط الناصح:
1أن تكون النصيحة سراً.
2أن تكون بلطف.
3أن تكون بال استعالء.
وشروط املنصوح:
1أن يقبل النصيحة.
2أن يشكر الناصح.
3أن يطبق النصيحة.
وهذه اآلداب كلها إمنا تطلب من املريد الصادق الذي يريد دخول حضرة هللا عز وجل ورسوله صلى
هللا عليه وسلم و هللا هو وِل التوفيق.
األدب يف الطريقة
)(2
اتفق املشايخ الكاملني و العارفني احملققني على أن األدب يف طريق أهل هللا تعاىل آكد كل أمر و
جامع لكل خري و بر ،و نصوا على أن من الزم سلوك سبيله يف مجيع ذلك وصل واتصل ،ومن
ٌ
حاد عن َّنجه انقطع و انفصل ،وذلك ألن الطريق آداب كلها ،لكل وقت أدب و لكل حال
أدب و لكل مقام أدب.
قال صلى هللا عليه و سلم " أدبين ريب فأحسن أتدييب مث أمرين مبكارم األخالق".
و من تعريفاته جاء يف "العوارف "" :األدب هتذيب الظاهر و الباطن ،فإذا هتذب ظاهر العبد و
ابطنه صار أديبا ".
قال الشيخ َمي الدين رضي هللا عنه ":األدب مجاع اخلري"...
ونقل يف "العوارف" عن عبد هللا ابن املبارك أنه قال" :األدب معرفة النفس ".
فإذا عرف العبد النفس صادف نور العرفان ومن عرف نفسه فقد عرف ربه . .
جاء يف "العوارف" لعبد هللا بن املبارك قال الشيخ َميي الدين النووي رمحه هللا تعاىل يف فتاويه ما
معناه" :من عرف نفسه ابلضعف واإلفتقار إىل هللا تعاىل والعبودية له عرف ربه ابلقوة والربوبية
والكمال املطلق والصفات العليا ".
وقال الشيخ اتج الدين بن عطاء هللا رمحه هللا تعاىل يف "لطائف املنن" :
مسعت شيخنا أاب العباس املرسي رضي هللا عنه يقول ":يف هذا احلديث أتويالن:
أحدمها :من عرف نفسه بذهلا وعجزها وفقرها عرف هللا بعزه وقدرته وغناه ،فتكون معرفة النفس
أوال ،مث معرفة هللا من بعد .
والثاين :من عرف نفسه فقد دل ذلك منه على أنه عرف هللا قبل ،فاألول حال السالكني ،والثاين
حال اجملذوبني .".
وقال الشيخ أبو طالب املكي رضي هللا عنه يف" قوت القلوب "" :معناه إذا عرفت صفات نفسك
يف معاملة اخللق وأنك تكره االعرتاض عليك يف أفعالك وأن يعاب عليك ما تصنع عرفت منه
تعامل به ".
ض بقضائه وعامله مبا حتب أن َ
فار َ
صفات خالقك ،وأنه يكره ذلك ْ ،
مث اعلم أن األدب قسمني :أدب الفقهاء وأدب الصوفية ،ويندرج األول منهما يف الثاىن ،فتصري
إىل قسم واحد حسبما أفصح به يف "جواهر املعاىن" ونص الكالم فيه ":واألدب عند الفقهاء
عبارة عن القيام مبا بعد الواجبات والسنن من الفضائل والرغائب املتعلقة أبحوال االنسان من نوم
ويقظة وأكل وشرب وذكر ودعاء وحنو ذلك .وعند الصوفية عبارة عن مجع خصال اخلريوأوصاف
الرب ،فهو وصف جامع لصفات جميدة وأخالق محيدة ،تناسب أوصاف العبودية وجالل الربوبية ،من
مجَعها كان أديبا متأداب مع هللا تعاىل ومع رسوله صلى هللا عليه و سلم ".
مث اعلم أن تبديل األخالق ممكن مقدور عليه ،خالفا ملن منع مستدال بظاهر قوله تعاىل { ال تبديل
فرغ ربك من أربع :اخلَلق و اخلُلق و الرزق و األجل ".احلديث .
خللق اهلل }وبظاهر حديث "َ :
واستدل من يقول أبن تبديل األخالق ممكن .هبذه اآلية {قد أفح من زكاها و قد خاب من دساها
}و قوله تعاىل { :اي أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم انرا }.و قد روي عن ابن عباس رضي
هللا عنهما يف تفسريها " :فقهوهم و أدبوهم " .ومما استدل به أيضا قوله صلى هللا عليه و سلم " :
حسنوا أخالقكم "و غريه من األحاديث اليت تدعو إىل حتسني األخالق .
و مدار الرتبية والتزكية يف طريقتنا احملمدية على إقامة الورد األصلي املعلوم الذي ال يصح الدخول
فيها بدونه ألحد من اخلصوص وال من العموم ،وكذا توابعه من األذكار املشمولة ابللزوم معه ،وهي
الوظيفة املعروفة وذكر اَليللة بعد عصر يوم اجلمعة ابحملافظة يف مجيع ذلك على الشروط املشروطة
واآلداب اليت هي بغاية احلسن .و آكد الشروط و أعظمها احملافظة على الصلوات اخلمس آبداهبا
على احلدود احملدودة َلا شرعا بقدر اإلمكان واسكمال شروطها وآداهبا ومتام مجيع ما َلا من األركان
،مث عمارة ما يقدر على عمارته من األوقات والساعات ابلصالة على النىب صلى هللا عليه و سلم
خصوصا بصالة الفاتح ملا أغلق اليت هى من أمسى الذخائر ،وأسىن البضاعات ،على طريق احملبة
والشكر واالعتماد على الفضل احملض الذي ليس املعول إال عليه يف بساط التحقيق من غري التزام
خلوة وال كثرة جماهدة وال غري ذلك مما اصطلح عليه يف الرتبية من بعد الصدر األول ،إذ هذه هي
طريقة سيدان رضي هللا عنه اليت سلكها وأمره ابلتسليك هبا سيد الوجود ومنبع اإلمداد واجلود صلى
هللا عليه و سلم .
وىف "جواهر املعاِن" أنه صلى هللا عليه و سلم بعدما أعلم سيدان رضي هللا عنه أبنه هو الواسطة بينه
وبني هللا تعاىل واملمد له و صرح له أبنه هو كفيله ومربيه دون غريه من مشايخ الطريق ،وأخربه أنه ال
منة لواحد منهم عليه ،ألن مجيع ما يصله من هللا تعاىل فعلى يده صلى هللا عليه و سلم وبوساطته
ومنه إليه قال له ىف وصيته اليت أوصاه هبا " :الزم هذه الطريقة من غري خلوة وال اعتزال عن الناس
حىت تصل مقامك الذي وعدت به وأنت على حالك من غري ضيق وال حرج وال كثرة جماهدة ".
و أشار إىل ذلك العالمة الشهري العارف الكبري سيدي عبيدة بن َممد الصغري مؤلف كتاب "ميزاب
الرمحة الرابنية " يف الميته اليت امتدح هبا سيدان أمحد التجاِن رضي هللا عنه فقال :
بال خلوة رىَّب و ربّوا خبلوة فشتان ما بني اليزيدين منهال
و مرادان من كون الرتبية يف هذه الطريقة خالية عن التزام اخللوة و االعتزال عن الناس و حنو ذلك مما
فيه تشديد على النفس و تضييق ،و على أن الرتبية فيها جارية على طريقة السلف الصاحل من
الصدر األول الىت هى الطريقة األصلية ،وهي طريقة الشكر والفرح ابملنعم سبحانه والرايضة القلبية ،
ال على الطرق األخرى اليت استنبطت واصطلح على التسليك هبا من بعد القرون الثالثة نظرا ملا
اقتضته العوارض ملا كثرت األهواء و تشعبت اآلراء ،وهي طريقة اجملاهدة و املكابدة و الرايضة ،
فاستعانوا بذلك على تطهري النفس و تزكيتها ليستنري القلب ،مع التحذير من الغلو ابخلروج عن حد
اإلتباع إىل حد االبتداع .
فالطريقة األوىل طريقة سري القلوب والثانية طريقة سري األبدان ،و يكفي أن الفتح يف األوىل هجومي
مل حيصل من السالك تشوف إليه خبالف الثانية.
ونرجع إىل مكانة األدب يف طريق أهل الكمال جاء يف احلديث عن معاذ رضي هللا عنه أنه قال:
قال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم ":حف اإلسالم مبكارم األخالق وحماسن اآلداب " ،.وقال
سيدان أنس بن مالك رضي هللا عنه " :األدب يف العمل عالمة قبول العمل ".
وقال عبد هللا بن املبارك رضي هللا عنه " :من هتاون ابألدب عوقب حبرمان السنن ،ومن
هتاون ابلسنن عوقب حبرمان الفرائض ،ومن هتاون ابلفرائض عوقب حبرمان املعرفة ".
وقال ذو النون املصري رضي هللا عنه ":إذا خرج املريد عن حد استعمال األدب فإنه يرجع
من حيث جاء" .
وأخريا ،فهذه كلها نصوص صرحية مفصحة بعلو مكانة األدب من الطريق ومسو قدره لدى
الفحول ،و أن مجيع األعمال الدينية املوصلة إىل احلضرة القدسية ،قلبية كانت أو بدنية قولية أو
فعلية ،ال يعترب شيء منها يف بساط التحقيق إال َمفوفا ابحملاسن األدبية واحملامد الصفاتية واملكارم
اخللقية.
مث إن حتلية العمل ابآلداب عاجال عالمة قبوله آجال ،وأن األدب كما حيتاج إليه املريد يف أحوال
بدايته ،يتوقف عليه املنتهي يف مقامات َّنايته.
األدب يف الطريقة
)(3
قال سيدان رضي هللا عنه " :األمور اليت تكون سببا لطرد املريد عن شيخه منها :األغراض ،ومنها
االعرتاض ابلقلب واللسان ،ومنها كزازة املريد من ظهور بشرية الشيخ أبمر ال يطابق املعرفة ،ومنها
سقوط ُح ْرَمتِ ِه من القلب.
ف إال هلل عز وجل ب وال يُ ْعَر ُ
ص َح ُفأما األغراض سواء كانت دنيوية أو أخروية وذلك أن الشيخ ال يُ ْ َّ
فإما أ ْن يواليه هلل تعاىل أب ْن يقول :هذا وِل هلل وأان أ َُوالِ ِيه
ال لشيء ،وهي يف أمرين ،يعّن الصحبة َّ :
وسُّر ذلك يف قوله صلى هللا عليه وسلم خمربا عن هللا « :من عادى ِل وليا فقد آذنته ابحلرب » هلل ِ ،
ويف طَيِ ِه « َمن واىل ِل وليا ألجل أنهُ وِل اصطفيته واَتذته وليا » ،وهذا هو السر األكرب اجلاذب
يعلم أن الشيخ ِمن عبيد احلضرة ويعلم ما ُيب للحضرة للمريد إىل حضرة هللا تعاىل .واألمر الثاِن ُ :
ص َحبُهُ لِيَ ُدلَّهُ على هللا وعلى ما ِ
من األدب وما يفسد املرء فيه من األوطار واأل ََرب ،فإذا َعل َم هذا يَ ْ
ب لغريمها خسر الدنيا واآلخرة .فإذا يقربه إليه .والصحبة يف هذين األمرين ال غري ،ومن ِ
صح َ َ
لغرض بل لكونه إِ ََلًا يستحق األلوهية والعبوديةفاعرف أن الرب سبحانه وتعاىل يُ ْعبَ ُد ال ٍ ْ فت هذاعر َ
من ذاته لِ َما هو عليه ِمن َمامد الصفات العلية واألمساء البهية ،وهذه هي العبادة العليا .وكذلك
ب ال لغرض بل لِتَ ْجلِبَهُ ُم َواالَتِِه إىل والية هللا تعاىل ،ويتعرف ِم َن اآلداب امل ْر ِضيَّة وماص َح ُالشيخ يُ ْ
َ
ني على العبد يف ِ
عبد يف حضرة هللا ،وكل ما كان من متابعة اَلوى ولو كان َممودا فهو َش ٌْ ني ال َيُش ُ
أقل قليل ألن املريد ت الشيوخ بقمع املريدين وزجرهم عن متابعة اَلوى يف ِ أمر ْ
حضرة هللا تعاىل ،ولذا َ
كافرا ابهلل صرحيُا ال تلوحيًا ،لكونه نصب نفسه إَلا وعصى أمر هللا وخالفه ،
يف وقت متابعة اَلوى ً
فهو يعبد غري هللا تعاىل على احلقيقة ،ليس من هللا يف شيء ،وإن قال ال إله إال هللا يف هذا احلال
ومن هذا القبيل خرج قوله صلى هللا عليه وسلم « :ما قال له لسان احلالَ :ك َذبت بل أنت مشرك ِ ،
َْ
حتت قبة السماء إله يُعبد من دون هللا أعظم من هوى متبع » .فإذا عرف املريد هذا فال يغضب
ضار ،
على الشيخ وال يتغري إذا مل يوافق هواه يف غرضه فإن الشيخ أعرف ابملصاحل وأدرى بوجوه امل َ
َ
فليعلم أن
والتلميذ جاهل بذلك ،فإذا طلب منه غرضا من أي فن كان ومل يساعده الشيخ عليه ْ
الشيخ َمنَ َعهُ منه ألجل مصلحته ودفع مفسدته ،فإذا عود نفسه التغري على الشيخ يف مثل هذا طُِرَد
عن حضرة هللا تعاىل وانقطع عن الشيخ ،فإذا غضب املريد على الشيخ بعد تغريه انقطع انقطاعا ال
رجوع له أصال.
صارم يقطع احلبل بني الشيخ ومريده .فال يعرتض شيئا
سيف ٌوأما االعرتاض ابلقلب أوابللسان فإنه ٌ
من أمور الشيخ ،فإ ْن مل توافق ما عنده من ظاهر العلم أو ابطنه فليعلم أن هناك دقائق بني الشيخ
وربه ال يدريها التلميذ والشيخ ُيري على منوال تلك الدقائق اليت بينه وبني ربه فإذا خالف صورة
ظاهر الشرع فليعلم أنه يف ابطن األمر ُيري على منوال الشرع من حيث ال يدريه اخللق.
وأما كزازة املريد من ظهور بشرية الشيخ :فإَّنا من َج ْهلِ ِه ابهلل تعاىل ومبراتبه اخللقية ،وذلك أن احلق
وح ْك ٍم ملْ َّ
يتجل به يف غريها من املراتب ، سبحانه وتعاىل جتلى يف كل مرتبة من مراتب خلقه أبمر ُ
ص يف نسب ب احلكمة اإلَلية واترة يكون صورته صورة نُ ْق ٍ وذلك التجلِي اترة يكون كماال يف نِس ِ
َ
احلكمة اإلَلية ،مث إن ذلك التجلِي ،وإ ْن كانت صورته صورة النقص يف نسب احلكمة اإلَلية ،فال
يد لتلك املرتبة عن ظهور التجلي فيها بصورة ذلك النقص ألن ذلك انشئ عن املشيئة الرابنية وكل ََِم َ
تَ َعلُّ َقات املشيئة يستحيل َحتَ ُّوَُلَا لغري ما تعل ْ
قت به ،فال بد لكل عارف من ظهور النقص يف ذاته ،مث
ص
إن ذلك النقص اترة يالبسه بصورة كمال للدقائق اليت بينه وبني ربه واترة يالبسه متعمدا أنه نُ ْق ٌ
يد للعبدوليس يف هذه املالبسة إال ُمعاينة احلُكْم اإلَلي الذي مقتضاه القهر والغَلَبَة حبيث أ ْن ال ََِم َ
عنه ،فإذا رأى املريد من شيخه بشريةً تقتضي النقص إما شرعيا وإما مما َُِي ُّل ابملروءة فليالحظ هذه
ِج الشيخ عن حضرة ربه وال يزحزحه عن َمل قربه وال َحيُطُّهُ
املعاِن اليت ذكرانها وليعلم أن ذلك ال َُيْر ُ
عن كمال أدبه ،فإذا عرف هذا فال يرفض شيخه لظهور البشرية ،وكل مريد يطلب مرتبة للحق
ص كان لسا ُن حاله ينادي :ال مطمع لك يف يتعلق هبا للقرب والوصول يريد أ ْن ال يظهر فيها نُ ْق ٌ
نقص ،فليس يظهر الكمال صورًة ومعىن ِ
وحساً دخول حضرة هللا تعاىل ألن كل املراتب ال بد َلا من ٍ
ً
بريئاً ِم َن النقص بكل وجه وبكل اعتبار إال يف ثالث مراتب فقط ال ما عداها ،وهي :الرسالة ملن
دخل حضرهتا ،والنبوة ملن دخل حضرهتا ،والقطبانية ملن دخل حضرهتا ،فإن هذه الثالثة ال صورة
للنقص فيها ،والباقي من املراتب يظهر فيه النقص يف الغالب ،وقد ال يظهر ،فإن هذه املراتب
الثالثة ،ولو ظهر للمرء فيها صورة نقص ،فذلك النقص هو غاية الكمال وإمنا يتنقصه املرء جبهله ،
واليه يشري صلى هللا عليه وسلم « :ما ابل أقوام يتنزهون عن الشيء أفعله فوهللا إِن ألعلمهم ابهلل
وأخشاهم له» .
وأما سقوط ُح ْرَمتِ ِه فهي أكرب قاطع عن هللا .وسقوط احلرمة هي عدم ظهور املباالة إذا أمره أو َّناه ،
ومن أكرب الشروط اجلامعة بني الشيخ ومريده هو أ ْن ال يشارك يف َمبته غريه وال يف تعظيمه وال يف ِ
االستمداد منه وال يف االنقطاع إليه بقلبه ،ويتأمل ذلك يف شريعة نبيه صلى هللا عليه وسلم ،فإن َمن
ساوى ُرتْ بَةَ نبيه صلى هللا عليه وسلم مع رتبة غريه من النبيني واملرسلني يف احملبة والتعظيم واالستمداد
واالنقطاع إليه ابلقلب والتشريع فهو عنوان على أنه ميوت كافرا إال أن تدركه عناية رابنية بِ َسْب ِق َمبة
عرفت هذا فليكن املريد مع شيخه كما هو مع نبيه صلى هللا عليه وسلم يف التعظيم واحملبة
إَلية ،فإذا َ
واالستمداد واالنقطاع إليه ابلقلب ،فال يعادل به غريه يف هذه األمور وال يشارك غريه.
ومن أكرب القواطع عن هللا أ ْن ينسب ما عنده من الفتح واألسرار لغري شيخه ألن تلك األنوار اإلَلية ِ
الواردة على العبد ابالسرار واألحوال واملعارف والعلوم والرتقي يف املقامات كل نور منها َِحي ُّن إىل مركزه
،وهي احلضرة اإلَلية اليت منها برز وفيها نشأ ،فلكل شيخ ِم ْن أهل هللا حضرةٌ ال يشرتك فيها مع
ِ
ب إىل غري تلك احلضرة من احلضرة اإلَلية نور أبم ٍر من األمور اليت ذكرانها ونُس َ غريه ،فإذا َوَرَد منها ٌ
ب احلكمة اإلَلية أن هللا قضى يف كتابه اغتاظ ذلك النور وطار ورجع إىل َمله ،وصورة ذلك يف نِس ِ
َ
باّلل ) ، (7فمن نَ َس َ وه ْم ِآلَ َابئِ ِه ْم ُه َو أَقْ َس ُ
ط ِعْن َد َِّ
بنسبة كل واحد إىل أبيه ،قال تعاىل ْ :ادعُ ُ
ب على هللا ،واحلضرة ال
نورا إىل غري َمله من احلضرة اإلَلية فقد أساء األدب يف حضرة احلق وَك َذ َ
ً
ب والعياذ ابهلل تعاىل .
حتتمل الكذب ،فلذا يُطَْرُد ويُ ْسلَ ُ
األدب يف الطريقة
)(4
يف إعالمهم أن الشيخ وهو الوِل الكامل يف قومه ،كالنيب يف أمته ،وأن مبايعته كمبايعة النيب صلى هللا
عليه وسلم لكونه انئبا عن النيب صلى هللا عليه وسلم.
قال شيخنا رضي هللا عنه وأرضاه وعنا به ،كما يف جواهر املعاِن:
ِ
ومن أكرب الشروط اجلامعة بني الشيخ ومريده ،أ ْن ال يشرك يف َمبته غريه ،وال يف تعظيمه وال يف
اإلستمداد منه وال يف اإلنقطاع إليه ،ويتأمل ذلك يف شريعة نبيه صلى هللا عليه وسلم ،فإن َمن
سوى رتبة نبيه َممدا صلى هللا عليه وسلم برتبة غريه من النبيني واملرسلني يف احملبة والتعظيم
واإلستمداد واإلنقطاع إليه ابلقلب والتشريع فهو عنوان على أن ميوت كافرا إال أن تدركه عناية رابنية
بسبق َمبة إَلية ،فإذا عرفت هذا فليكن املريد مع شيخه كما هو مع نبيه صلى هللا عليه وسلم يف
التعظيم واحملبة واإلستمداد واإلنقطاع إليه ابلقلب ،فال يعادل به غريه هذه األمور ،وال يشرك غريه به
.اه .
روى السهروردي بسنده أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال « :والذي نفس َممد بيده لئن شئت
ألقسمن لكم أن أحب عباد هللا إىل هللا الذين حيببون هللا إىل عباد هللا وحيببون عباد هللا إىل هللا
وميشون يف األرض ابلنصيحة » ،قال :وهذا الذي ذكره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هو رتبة
املشيخة والدعوة إىل هللا ألن الشيخ حيبب هللا تعاىل إىل عباده حقيقة وحيبب عباد هللا إىل هللا ،ورتبة
كون الشيخ
املشيخة من أعلى الرتب يف طريق الصوفية ،ونيابة النبوة يف الدعاء إىل هللا تعاىل .فأما ْ
حيبب عباد هللا تعاىل إىل هللا فألن الشيخ يسلك ابملريد إىل طريق اإلقتداء برسول هللا صلى هللا عليه
وم ْن صح اقتداؤه برسول هللا صلى هللا عليه وسلم واتباعه أحبه هللا تعاىل ،قال هللا تعاىل : وسلم َ ،
اّللُ ، (1) .ووجهه كونه حيبب هللا إىل عباده أنه يسلك قُ ْل إِ ْن ُكْن تُ ْم ُِحتبُّو َن َّ
اّللَ فَاتَّبِعُ ِوِن ُْحيبِْب ُك ُم َّ
ابملريد طريق التزكية والتحلية ،فإذا تزكت النفس اجنلت مرآة العبد ،وانعكس فيها أنوار العظمة ،
والح فيها مجال التوحيد ،فأحب العبد ربه ال َمالة .والشيخ من جنود هللا تعاىل يرشد به املريدين
ويهدي به الطالبني ،فعلى املشايخ وقار هللا ،وهبم يتأدب املريد ظاهرا وابطنا .قال هللا تعاىل :
وجعِلوا ِ ِِ أُولَئِ َّ ِ
اّللُ فَبِ ُه َد ُاه ُم اقْ تَده (2) . .فاملشايخ ملا اهتدوا أُهلوا لإلقتدار هبم ُ ،
ين َه َدى َّ
ك الذ َ َ
وس الشيخ نفوس املريدين كما كان يسوس نفسه من قبل ابلتأليف والنصح ، أئمة للمتقني ،فيَ ُس ُ
فبذلك يصري املريد كاجلزء من الشيخ كما أن الولد جزء من الوالد يف الوالدة الطبيعية ،وتصري هذه
الوالدة الثانية والد ًة معنوية كما ورد عن عيسى عليه السالم « :لن يلج ملكوت السماء من مل يولد
مرتني » ،ومن صرف اليقني على الكمال يصل َلذه الوالدة ،وهبذه الوالدة يستحق مرياث األنبياء ،
ومن مل ِ
يص ْله مرياث األنبياء ما ولد .
ومن شرط املريد أن ال يصحب ِم َن الشيوخ إال َمن تقع له حرمة يف قلبه ،وأن
وقال بعد كالم ِ :
يبايعه على املنشط واملكره .أه .
وقال يف ابب آداب الذكر اخلامس :أن يرى استمداده من شيخه هو استمداده من النيب صلى هللا
عليه وسلم ألنه انئبه .أه .
أخذ علينا العهد أن ال أنخذ العهد على فقري ابلسمع والطاعة لِ َما أنمره به من اخلري إال إن كنا نعلم
منه يقينا أنه ال ي َق ِدم علينا يف احملبة أحدا من اخللق مطلقا حىت أهله وولده وراثة نبوية ال استقالال .
قال :واعلم أنه لوال علم الرسول صلى هللا عليه وسلم أن لصحبة الناصح مدخال يف حصول اَلداية
واإلنقياد بسرعة دون بطئ ما قال « :ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من أهله وولده والناس
أمجعني » .ومن املعلوم أن مجيع الدعاة إىل هللا تعاىل من هذه األمة إمنا ُه ْم نواب له صلى هللا عليه
وسلم ،فلَ ُه ْم من األدب معهم واحملبة َلم حبكم اإلرث حنو ما كان له صلى هللا تعاىل عليه وسلم
وذلك ليحصل للمريد كمال اإلنقياد ،ويعتقد يف شيخه أنه أشفق عليه من نفسه كما أن النيب صلى
ني ِم ْن أَنْ ُف ِس ِه ْم (3) .وأما إذاِِ
َّيب أ َْوَىل ِابلْ ُم ْؤمن َ
هللا تعاىل عليه وسلم كذلك قال هللا تعاىل :النِ ُّ
علم الشيخ من املريد تقدمي أحد عليه يف احملبة نفض يده منه.
ومن كالم العارف ابهلل تعاىل سيدي عدى بن مسافر ،أحد أركان الطريق ،قدس هللا سره :إعلم
أنك ال تنتفع قَط ابلشيخ إال إن كان اعتقادك فيه فوق اعتقادك يف أمثاله ،وهناك ُيمعك يف
حضوره ،وحيفظك يف مغيبه ،ويهذبك أبخالقه ،ويؤيدك يف إطراقه ،وينور ابطنك إبشراقه ،وإذا
كان اعتقادك فيه ضعيفا مل تشهد منه شيئا من ذلك ،بل تنعكس ظلمة ابطنك فتشهد صفاته هي
صفاتك ،فال تنتفع منه بشيء ولو كان من أعلى األولياء .وقد ذكر سيدي علي بن وفا رمحه هللا
تعاىل يف كتابه املسمى ابلوصااي :إعلم أن قلوب الرجال أمثال اجلبال ،فكما أن اجلبال ال يزيلها عن
ال َهدًّا أَ ْن َد َع ْوا لِ َّلر ْمحَ ِن َولَ ًدا َوَما يَْن بَغِي
اجلِبَ ُ
أماكنها إال الشرك ابهلل كما قال عز وجل َ :وََِتُّر ْ
َّخ َذ َولَ ًدا ) ، (4فكذلك قلوب الرجال ،ال سيما الوِل ،ال يزيل قلبه إال الشرك لِ َّلر ْمح ِن أَ ْن ي ت ِ
َ َ
الواقع من تالمذته معه يف إشراك أحد معه يف احملبة ،ال يزيله إال ذلك ،ال تقصري يف اخلدمة وال غري
ذلك فافهم .
قال الشعراِن :مث ال َيفى عليك أن مجيع األشياخ إمنا طلبوا من املريد كثرة اإلجالل والتعظيم َلم ،
والرضا بكل ما يرونه ،مترينا له وطلبا لرتقيه ،إذ الشيخ كالسلم للرتقي ،يرتقى املريد ابألدب معه إىل
األدب مع هللا تعاىل ،فمن مل حيكم ابب األدب مع شيخه ال يشم رائحة األدب مع هللا تعاىل ،
فيستفيد املريد ابلرضا عن شيخه إذا حرمه دنيا كان يرتصد حصوَلا مثل الرضا عن احلق تعاىل إذا
حرمه رزقا أو وظيفة ،أو نزل عليه بالء ،أو أزال عنه نعمة .ومىت مل يرض حبرمان شيخه ال يصلح
له الرضا عن احلق تعاىل إذا حرمه شيئا كان حيبه ،ويستفيد بصربه على غضب شيخه وهجره له ،
وثباته حتت هجره وقطيعته ،اإلدمان على حتمل ذلك لو وقع من جانب احلق والعياذ ابهلل ،ويستفيد
مبراقبة شيخه له يف اخلدمة ،وعدم غفلته عنه ،وكثرة مالحظته له ،عدم الغفلة عن عبادة احلق جل
وعال وكثرة مالحظته ابلقلب وهكذا.
ت أَّنا تسمع لشيخها ما أيمرها به كما هو واقع
قال :وينبغي لك اي أخي أن متتحن نفسك إذا أد َع ْ
قلت
من أكثر املريدين ،فيقولون حنن أول من يطيعه ،مث إذا قال َلم شيخهم :طلق زوجتك اليت َ
أَّنا تشغلك عن هللا تعاىل ،وحتوجك إىل تناول احلرام والشبهات هو خري لك ،أو ائتنا بشطر مالك
لنفرقه على إخوانك هؤالء الفقراء ،أو أسقط حقك من سائر وظائفك من إمامة أو خطابة وتدريس
ووقادة ،وفراشة وآذان ،وخلوة وثياب وحنو ذلك ،ال يرضى ،بل يظهر على وجهه العبوسة حىت
يشهد ذلك منه مجيع احلاضرين ويفتضح ،ولو أنه أجاب شيخه لكان أوىل ،فإن األشياخ ال تغش
أبدا ،وماذا يفوت املريد إذا مسع لشيخه وصار احلق تعاىل عوضا له عن كل شيء ؟ وماذا حصل من
ابع جلوسه يف حضرة ربه عز وجل بقطعة دبغت ابلدم والبول ال تساوي يف السوق درمها وال بعضه
إذا قطعت ؟ فعلم أن كل من مل يعتقد يف شيخه أنه أشفق عليه من نفسه ،وأنه ال أيمر قَط برتك
شيء إال ليعطيه أنفس منه ،فمحبته نفاق ،وال ميكن للشيخ أن يطلعه على سر من األسرار اليت
يرتقى هو هبا ،فإن من مل يصلح ألن يكون َمال لألسرار املكتومة عند الفقهاء يصري كأنه ما
صاحبهم ،وكذلك إذا كان الشخص يصحب الشيخ أكثر من ثالثني سنة ال ينتفع بشيء من
أخالقه .
مث قال بعد كالم :وقد سئل الشيخ أبو السعود اجلارحي رمحه هللا تعاىل يوما عن شيء من أسرار
الفقراء فقال :وهللا ال آمنكم على إخراج ريح ،فكيف آمنكم على أسرار أهل الطريق ،وَلذا جتد
الشيخ أيمتن عشرة آالف نفس وأكثر ،ال يفلح منهم أحد بعده لعدم الصدق ،وهللا تعاىل أعلم.
األدب يف الطريقة
)(4
قال سيدي عمر الفويت رضي هللا عنه يف (الرماح) :يف إعالمهم أن الشيخ وهو الوِل الكامل...
ويف جواهر املعاِن :وسألته رضي هللا تعاىل عنه عن قوَلم رضي هللا تعاىل عنهم أن دائرة الوِل أوسع
من دائرة النيب صلى هللا عليه وسلم ،فأجاب رضي هللا تعاىل عنه بقوله :املراد ابلوِل أولياء هذه
األمة فقط ،واملراد منه َمن أ ُِمر ابلدعوة إىل هللا تعاىل من رجاَلم ،فَ ُه ْم الذين دوائرهم أوسع من دوائر
األنبياء ،واتساع الدوائر وضيقها ابعتبار الطوائف الذين يدعوَّنم إىل هللا تعاىل ،فكل رسول من
الرسل غري نبينا صلى هللا تعاىل عليه وسلم رسالته خاصة مبوطن أو جنس أو بلد ال يتعدى إىل غريه ،
ورسالة نبينا صلى هللا تعاىل عليه وسلم عامة يف سائر البلدان واألقطار ويف مجيع األجناس واألمم ويف
مجيع األعصار ،فاألولياء الداعون إىل هللا تعاىل ِمن أمته دعوهتم تعُم كعموم رسالة نبيهم صلى هللا
تعاىل عليه وسلم ،فال َتتص ببلد وال جنس وال أمة ،بل هي عامة كعموم رسالة نبيهم صلى هللا
عليه وسلم ،فهذا اتساع دائرة الوِل عن دائرة النيب .مث هذه الدعوة إىل هللا تعاىل يف حق األولياء هي
ملزومة َلم بطريق الشرع الظاهر لقوله صلى هللا عليه وسلم ُ »:م ُروا ابملعروف واَّنوا عن املنكر « ،
فمن َّنض إىل اخللق يدعوهم
لكن هذه الدعوة املذكورة هنا إمنا هي ابإلذن اخلاص كإذن الرسالة َ ،
ت كلمته يف مجيع القلوب ،ووقع اإلقبال من اخللق عليه
إىل هللا تعاىل ابإلذن اخلاص له من هللا َسَر ْ
ومن َّنض إىل دعوة
واالستجابة عنه ،ووقع امتثال أمره وَّنيه يف اخللق ،وحلى كالمه يف القلوب َ ،
اخللق إىل هللا تعاىل ابإلذن العام وليس له شيء من اإلذن اخلاص مل ينتفع بكالمه ،ومل يقع عليه
إقبال ،فإن لسان احلق يقول له بلسان احلال يف بساط احلقائق :ما أمرانك هبذا أو ما أنت له أبهل
فم ْن وقف هذا املوقف ابتُلِ َي حبظوظ نفسه من الرايسة والرايء والتصنع وليس
،بل إمنا أنت فضوِل َ .
من هللا يف شيء .قال ابن الفارض رضي هللا تعاىل عنه:
وقال شيخ الطريقة ،اجلامع بني الشريعة واحلقيقة ،املختار بن أمحد الكنيت:
وما قيل أنه ،يعّن املريد ،ال اختيار له إمنا ذلك يف األمور الدنيوية ،فال يدخل ما دخله بنفسه بل
يدخل ما دخله بربه وشيخه ،فيكون مع سؤاله مفوضا متأداب غري متكاسل وال متساهل ،ممتثال ألمر
الشيخ كائنا ما كان ،وإن رأى فيه العطب فإن فيه النجاة ،قال هللا تعاىل َوَما َكا َن لِ ُم ْؤِم ٍن َوَال ُم ْؤِمنَ ٍة
اخلََِريةُ ِم ْن أ َْم ِرِه ْم (5) .وقد ثبت وصح يف األثر أن الوِل اّللُ َوَر ُسولُهُ أ َْمًرا أَ ْن يَ ُكو َن ََلُُم ْ إِذَا قَ َ
ضى َّ
يف قومه كالنيب يف أمته ألَّنم ورثتهم وللوارث ما للمورث .قال اجلنيد :لوال أن هللا تبارك وتعاىل سرت
عن العامة حقائق األولياء َللكوا بعدم اإلتباع واالقتداء هبم ،ولكانوا عليهم حجة يوم القيامة ،لكن
هللا تعاىل بفضله ورمحته سرتهم هبذه الصورة البشرية فال يعرفهم إال َمن هو مثلهم أو َمن أراد هللا أن
ينفعه بربكاهتم فيطوي عنه الصورة البشرية ويشهد احلقيقة الرابنية ،فيدرك إدراكا قطعيا ال ظنيا وال
حسبانيا ،فينتعش مبشاهدته ،وتبقى مسافة امليسر إىل الدرجات العلية فتكون سرعتهم على قدر رقة
طباعهم وكثافتها ،وعلى قدر التجليات ومهة الشيخ وإقباله عليهم ،وال يكون إقباله عليهم إال بقدر
إقباَلم عليه ،قال ابن عطاء هللا :ال تطلب من الشيخ أن تكون بباله ،ولكن اطلب من نفسك أن
يكون الشيخ ببالك ،فبقدر ما يكون ببالك تكون بباله ،فذلك أول قَ َدٍم تضعه يف السلوك .فمنهم
من يرتقي يف ساعة ،ومنهم من يرتقي يف يوم ،ومنهم من يرتقي يف شهر ،ومنهم من ال يرتقي إال يف
سنة ،ومن ال يبلغ إال بعد أمد مديدَ ،يتص برمحته من يشاء ،فمنهم اجملذوب والسالك ،ومنهم
املطرود واَلالك .اه .
يشق على نفسه من طاعة قدوته عاقبة أمره للخري والربكة .الرابع :أن ال يؤثر نفسه على قدوته بشيء
من احلظوظ الدنيوية واألخروية ،بل يؤثره على نفسه جبميع ذلك ،أما األخروية ِ
فمن عنده جاء
أصلها ،وأما الدنيوية فهي يف جنب ما انله على يديه من أمر اآلخرة كشيء اتفه ال قيمة له ،ومن آثر
نفسه على قدوته بشيء من األشياء ،ولو حبياة ساعة بعده ،فَ َقد خبسه حقه ،ومل يوفه واجبهِ ،
ومن
توابع ذلك أن ال يكتم عليه شيئا ِمن أحواله الظاهرة والباطنة ،األخروية والدنيوية ،وإ ْن كتمه شيئا فقد
خانه .وعماد هذه الشروط كلها وذروة سنامها أن يكون القصد يف ذلك رضا هللا عز وجل ،قصدا
جمردا من مجيع الشوائب واألوهام ،وليعلم أن رضا هللا تعاىل يف رضا قدوته ،فلي ْلتمسه ما استطاع .وأما
التلميذ فيشرتط فيه شروط ،وترتتب له حقوق ،أما شروطه فأربعة ،األول :الْتزام عهد القدوة يف ربط
ومن ال عهد له ال تلميذ له .الثاِن :أن ُيعل
النفس للوفاء بوظائف السلوك جهده ووسع طاقتهَ ،
ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يرتك ،بصدق عزم ،وقوة جد ،وصحة قصد،
دنياه تبعا آلخرتهَ ،
وإخالص يقني ،ابتغاء مرضاة هللا تعاىل يف طلب خالصه من نفسه ،وطمعا يف الوصول إىل معرفة
ربه ،وقبيح مبَن أراد هللا وقصد املعرفة به أن يثّن عنانه لغريه .الثالث :أن حيصل عنده العلم اليقيّن
كمال للقدوة ،وكل ٍ
نقص لنفسه .الرابع :االقتصار على يضف كل ٍ يفرق به ما بني قدره وقدوته ،ف ْل ِ
قدوة واحدة ،وهل االنقياد للقدوة إال كاالنقياد إىل الطبيب ،وال شك أن العالج إذا اختلف،
ومن استند إىل قدوة فهو القيِم ابلسياسة يف َتديبه
واملعاانة إذا تباينت ،أن اخلالص من العلل متعذرَ ،
وهتذيبه ،وهو أدرى بذلك من غريه ،مع أن القدوة الكامل رمبا تعذر وجوده اليوم فضال عن أن يكون
مال
ومهما َ
منهم عدد .فإذا ظفر التلميذ بواحد منهم ف ْليعلم أنه قد ظفر مبراده فال يبغي به بدالَ ،
عن قدوته بظاهره وابطنه ،ولو حملة فإن ذلك وابال عليه ونقصاان له ،وأن َمبته ال تصفو ،وال يستعد
ابطنه لسراية حال القدوة .فإن التلميذ كلما أيقن بتفرد الشيخ ابملشيخة عرف فضله وقويت َمبته،
فعلَى قدر ُحسن ظنه به تكون َمبته ،وعلى قدر َمبته تكون
واحملبة هي الواسطة بني القدوة والتلميذَ ،
سراية حال الشيخ عنده .فاحملبة عالمة التعارف احلسى الداعي إىل التآلف املعنوي ،وابهلل تعاىل
التوفيق .وأما احلقوق املرتبة له فأربعة ،األول :أن يتعرض له القدوة أوال ابستجالب واستئالف وحسن
كالم ،حىت إذا رأى أن هللا عز وجل بعث إليه التلميذ مسرتشداً حبُسن ظن وصدق إرادة ،ضم عليه
ٍ
مسرتشد ساقه هللا تعاىل جناح التعليم واإلشفاق والنصيحة بكل شيء ينفعه يف رضا ربه .وكل تلميذ
إىل القدوة ف ْلرياجع القدوة النظر يف معناه وليكثر اللجأ إىل هللا تعاىل أن يتواله فيه ،ويف القول معه
حبسن هداية ،ومجيل سياسة ،مث ال يتكلم مع التلميذ إال وقلبه انظر إىل هللا تعاىل ،مستعينا به على
اَلداية لصواب القول والعمل .والثاِنُ :ح ْسن اخلُلق ،والصرب على وظائف التعليم ،وجفاء التلميذ،
اصِ ْرب
سمع عنده الناقص .قال هللا تعاىل لنبيه صلى هللا عليه وسلم َو ْ ومحل أخالقه ،فالكامل يُ َ
َّ ِ
ين يَ ْدعُو َن َرَّهبُْم ِابلْغَ َداةِ َوالْ َع ِش ِي يُِر ُ
يدو َن َو ْج َههُ ) ، (6والقدوة وارث النبوة يف ك َم َع الذ َ
نَ ْف َس َ
وظائف اَلداية .أه .
وقال السيد َممد بن الشيخ املختار الكنيت رمحهما هللا تعاىل ،جميبا عن سؤال السائل عن معىن قول
(من شرط املريد إذا دخل منزل شيخه أن ُيعل منزله مثل قربه ال حيدث نفسه ابخلروج منه ابن العرِب ِ
إىل أن ميوت):
مراده ،وهللا تعاىل أعلم ،أن احلق تعاىل ال يعامل ابلثنيا إذ العبد هبجرته ابئع لنفسه من ربهَ .ويَ ُد
ويده صلى هللا عليه وسلم انئبة عن ِ
يده الشيخ انئبة عن يَ ِد الرسول صلى هللا تعاىل عليه وسلم ُ ،
اّللِ فَ ْو َق أَيْ ِدي ِه ْم ) ، (7وقال تبيينا للبيعة وتنصيصا تعاىل .قال ،أخبارا عن البيعة ،يَ ُد َّ
اجلَنَّةَ ) ، (8فبني هللا تعاىل معىن ني أَنْ ُف َس ُه ْم َوأ َْم َوا ََلُْم ِأب َّ
َن ََلُُم ْ ِِ ِ عليها إِ َّن َّ
اّللَ ا ْش ََرتى م َن الْ ُم ْؤمن َ
انعقاد البيع ولزومه ،ومسى الثمن واملثمون ،واملشرتي والبائع ،فالثمن اجلنة واملثمون املؤمن وماله ،
واملشرتي احلق تعاىل ،والبائع املؤمنون ،فأكرم ببيعة دالَلا جربيل ،واملشرتي فيها اجلليل ،والبائع
عبده اجلميل ،وشاهداها ميكائيل وعزرائيل ،وكاتبها إسرافيل ،ووثيقة عهدها التنزيل ،والكفيل
عليها النيب الرسول .وال خفاء أن عقد البيع على ما يوجب احنالله مبا يناقض املقصود مفسد لعقد
البيع ،وأن تسليم املبيع واجب ،وما ال يصح تسليمه ال ينعقد عليه بيع ،واملريد ابئع لنفسه من ربه
،مسلم له على يد شيخه ،واملبيع إذا سلم إىل املشرتي وجب التخلي عنه وإسالمه إىل املشرتي
يفعل به ما بدا له ،فتحديث املريد نفسه ابخلروج من حتت يد الشيخ وكنف حضانته استقالة لبيعته
س الْ ُمطْ َمئِنَّةُ )، (9
نفسه إذ قد أخرب تعاىل عما َياطب به النفس املشرتاة بقوله َاي أَيَّتُ َها النَّ ْف ُ
اضيَةً َم ْر ِضيَّةً فَ ْاد ُخلِي ِيف ِعبَ ِادي
كرِِِ ِ ِِ
يعّن اليت سكنت عن النزوع واملنازعة ْ ،ارجعي إ َىل َرب َ
) (10الذين مل يستقيلوا بيعتهم ،ومل ينقضوا عقدهتم َ ،و ْاد ُخلِي َجن َِّيت (11) .وقد انعقد
إمجاع مشايخ الصوفية على وجوب االستسالم للشيخ ،واإلطراح بني يديه كالغسيل بني يدي
الغاسل ِ ،إذ الشيخ طبيب واملريد عليل ،ومهما حتكم العليل على الطبيب نفى عليه الطب ،
واخلروج من عند الشيخ رجوع من املريد أدراجه ،بل الشيخ هو املكلف بتسريح املريد مىت الح له
الئح الصالحية للفطام ،فإن الرضيع ومىت فطم قبل أوان الفطام تضرر غاية الضرر ،كما أنه إذا بلغ
أمد الفطام كان األصلح به الفطام ،وليس ذلك ابملوكل إىل الصيب ،وإمنا هو إىل أوليائه ونظرهم ،
فكذلك املريد مىت خرج بنفسه وفطمها عن الشيخ قبل أوان فطامها فق ْد عرضها للعطب ،وجعلها
نصب ابلعنا والنصب ،وقلما أفلح املريد إذا فُطم قبل أوان فطامه ،بل ومىت مات شيخه أو فصله
عنه عارض ،وكان له انئب أو خليفة ،تعني عليه مالزمته برغم ما كان عليه مع الشيخ ،ومىت مل
َيلف انئبا وال خليفة لزمه االنتقال إىل مرشد أو شيخ يتخذه يف بقية سريه ،وهللا تعاىل املوفق املسدد
،وهو حسبنا ونعم املعني املسعد اه .
)(5
ورد يف كتاب ( الدرة اخلريدة شرح الياقوتة الفريدة) لسيدي حممد فتحا بن عبد الواحد السوسي
النظيفي :
بعض اآلداب املطلوبة من اإلخوان :
جاء يف البغية :ال ريب ان حقوق الصحبة واالخوة و اداهبا من اعظم احلقوق ،و آكد اآلداب اذ هي
العصمة يف مدارج السري و السلوك اىل حضرة رب االرابب ،و خصوصا يف طريقتنا هذه االمحدية
التجانية لقول سيدان رضي هللا عنه :من ابتلي بتضييع حقوق االخوان ابتاله هللا تعاىل بتضييع احلقوق
اإلَلية.
قال تعاىل { :وما آاتكم الرسول فخذوه وما َّناكم عنه فانتهوا } احلشر( )10وقال أيضاً {:لقد
كان لكم يف رسول هللا أسوة حسنة}األحزاب21
من متسك هباتني اآليتني الشريفتني فقد حاز قصبة السبق يف اآلداب ،ومن حاد عنهما فهو ٍ
مبعزل
فائق. ٍ
وحبيب ٍ أخ ٍ
صادق ، عن ساحة اآلداب ،ومها القسطاس املستقيم واملنهج القومي لكل ٍ
وعن َممد بن أسلم رمحه هللا أنه قال :أصل اإلسالم يف هذه الفرائض ،وهذه الفرائض يف حرفني :
ما قال هللا ورسوله (:افعل ) ففعله فريضة ينبغي أن تفعل ،وما قاله هللا ورسوله ( :ال تفعل ) فرتكه
فريضة ينبغي أن ينتهى عنه اه .وما أبيح افعل ودع ما مل يبح.
ويف [عف] روي عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال ( :أدبّن رِب فأحسن َتدييب )
فاألدب هتذيب الظاهر والباطن ،فإذا هتذب ظاهر العبد وابطنه صار صوفياً أديباً ،وال يتكامل
لفظ آخ ٍر قال صلى هللا عليه وسلم ( :أدبّناألدب يف العبد إال بتكامل مكارم األخالق ،ويف ٍ
رِب فأحسن َتدييب مث أمرِن مبكارم األخالق فقال {:خذ العفو وأمر ابلعرف وأعرض عن اجلاهلني}
األعراف.99
قال يوسف بن احلسني :ابألدب يفهم العلم ،وابلعلم يصح العمل ،وابلعمل تنال احلكمة ،
وابحلكمة يقام الزهد ،وابلزهد ترتك الدنيا ،وبرتك الدنيا يرغب يف اآلخرة ،وابلرغبة يف اآلخرة تنال
الرتبة عند هللا تعاىل اه .
وعن ابن املبارك رمحه هللا :من هتاون ابألدب عوقب حبرمان السنن ،ومن هتاون ابلسنن عوقب
حبرمان الفرائض ،ومن هتاون ابلفرائض عوقب حبرمان املعرفة .وقال أيضاً :حنن إىل قليل من األدب
أحوج منا إىل كث ٍري من العلم .وفيه عنه رمحه هللا :قد أكثر الناس يف األدب ،وحنن نقول :هو معرفة
النفس .
وهذه إشارة منه إىل أن النفس هي منبع اجلهاالت ،وترك األدب من خمامرة اجلهل ،فإذا عرف
النفس صادف نور العرفان ,وقد ورد :من عرف نفسه فقد عرف ربه.
وفيه قال ابن عطاء هللا السكندري رمحه هللا :النفس جمبولة على سوء األدب والعبد مأمور مبالزمة
األدب ،والنفس جتري بطباعها يف ميدان املخالفة والعبد يردها جبهده إىل حسن املطالبة ،فمن
أعرض عن اجلهد فقد أطلق عنان النفس وغفل عن الرعاية مهما أعاَّنا فهو شريكها.
وقال اجلنيد رمحه هللا :من أعان نفسه على هواها فقد أشرك يف قتل نفسه ،ألن العبودية األدب ،
والطغيان سوء األدب اه .
وما أحسن قول بعضهم يف األدب :األدب أن يؤدب العبد ظاهره وابطنه ،أما ظاهره :فبالشريعة
أبن يتبع السنة قوالً وفعالً ،وأما ابطنه :فباحلقيقة أبن يرضى مبا يرد عليه من هللا ويتلقاه ابلقبول ،
ويرى أن الكل نعمة عليه من هللا تعاىل إما عاجلة وإما آجلة ،فالعاجلة بلوغ النفس َمبوهبا ومطلوهبا
عاجالً ،واآلجلة كأنواع املضار واملكاره فإنه يثاب عليها آجالً وحيفظ هبا عنه من خطيئاته ،فهي
نعمة هبذا االعتبار اه .
وصاحب هذا األدب هو املخصوص برؤية النعم يف طي النقم ،فريى نعم هللا تعاىل عليه ظاهرةً
وابطنةً اه .
ويف [عف] عن جاب ٍر بن مسرة رضي هللا عنهما قال :قال رسول هللا صلى اله عليه وسلم (:ألن
بصاع ) وروي عنه أيضاً عليه الصالة والسالم (:ما حنل
يؤدب الرجل ولده خري له من أن يتصدق ٍ
والد ولداً من ٍ
حنلة أفضل من ٍ
أدب حس ٍن ) وروت عائشة رضي هللا عنها عن رسول هللا صلى هللا عليه
وسلم (:حق الولد على الوالد :أن حيسن امسه وحيسن موضعه وحيسن أدبه) أي أن يعلمه اآلداب
الشرعية الواجبة واملندوبة وحيثه على مكارم األخالق ،أما حتسني املوضع أبن تكون أمه ذات دين
أصل ٍ
طيب ،وأن يكون موضع إقامته يسهل فيه حتصيل القرآن والعلم لكثرة القراء والعلماء . ومن ٍ