You are on page 1of 26

‫األدب يف الطريقة‬

‫)‪(1‬‬

‫التمسك ابألدب هو الذي يوصل املريد إىل مبتغاه ألنه ال يصل إىل حضرة الرب جل شأنه وهو‬
‫عاري من األدب‪.‬‬
‫واألدب هو من أهم املهمات ‪ ،‬وأكدها يف الطريقة وهو واجب على كل مريد ‪ ،‬لذا كان شيخنا‬
‫رضي هللا تعاىل عنه يقول ‪ ":‬إين لكثريا ما أهم بوضع مؤلف يف أدب الطريقة‪ ".‬و هذا تنبيها منه‬
‫رضي هللا عنه أبن األدب هو روح الطريقة وأسسها ‪.‬‬

‫وينقسم األدب يف الطريقة إىل ثالث أقسام‪ :‬األدب مع هللا الذي هو األدب مع النفس‪ ،‬واألدب مع‬
‫الشيخ‪ ،‬واألدب مع اإلخوان يف الطريقة‪.‬‬

‫‪ )1‬األدب مع هللا ‪:‬‬

‫األدب مع هللا هو سلوك األنبياء والصاحلني وإذا كان التأدب مع أصحاب الفضل واجباً فإن من‬
‫أوجب الواجبات التأدب مع هللا سبحانه وتعاىل ومن صور التأدب مع هللا ما يلي‪:‬‬

‫‪ .‬اإلخالص‪:‬‬
‫اإلخالص له سبحانه يف العمل قال هللا تعاىل‪ (:‬فَمن َكا َن ي رجو لَِقاء ربِِه فَ ْلي عمل عمالً ص ِ‬
‫احلاً َوَال‬ ‫َ ََْ ْ ََ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫َحداً ) الكهف ‪110‬‬ ‫يُ ْش ِرْك بعبَ َادة َربه أ َ‬
‫عمل هلل عز وجل‪".‬‬ ‫يقول احلسن البصري رمحه هللا ‪ " :‬ال يزال العبد خبري إذا قال قال هلل وإذا عمل ِ‬
‫َ‬
‫‪ .‬الشكر‪:‬‬
‫شكر نعمته عليك واالعرتاف هبا قال هللا تعاىل‪َ (:‬وَما بِ ُكم ِمن نِ ْع َم ٍة فَ ِم َن اّللِ ) النحل ‪88‬‬
‫يدنَّ ُك ْم َولَئِن َك َف ْرُُْت إِ َّن َع َذ ِاِب لَ َش ِدي ٌد ) إبراهيم ‪7‬‬
‫وقوله تعاىل‪َ ( :‬وإِ ْذ ََتَذَّ َن َربُّ ُك ْم لَئِن َش َك ْرُُْت ألَ ِز َ‬
‫‪ .‬التعظيم ‪:‬‬
‫اّللَ َح َّق قَ ْد ِرهِ) الزمر ‪67‬‬‫(وَما قَ َد ُروا َّ‬
‫تعظيمه وتوقريه وتعظيم شعائره قال هللا تعاىل َ‬
‫وقال تعاىل ( ما لَ ُك ْم َال تَ ْر ُجو َن َِّّللِ َوقَاراً ) نوح ‪103‬‬
‫وب ) احلج ‪32‬‬ ‫اّللِ فَِإ ََّّنَا ِمن تَ ْقوى الْ ُقلُ ِ‬
‫ك َوَمن يُ َع ِظ ْم َش َعائَِر َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وقال أيضاً ( َذل َ‬
‫‪ .‬عدم التقول على هللا ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َه َذا َحالَ ٌل‬ ‫ف أَلْسنَ تُ ُك ُم الْ َكذ َ‬
‫عدم القول على هللا بغري علم لقوله تعاىل ( َوالَ تَ ُقولُواْ ل َما تَص ُ‬
‫ب الَ يُ ْفلِ ُحو َن) النحل ‪116‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫وه َذا حرام لِت ْفرتواْ علَى اّللِ الْ َك ِذ ِ َّ ِ‬
‫ب إ َّن الذ َ‬
‫ين يَ ْف َرتُو َن َعلَى اّلل الْ َكذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ٌ َ َُ َ‬
‫‪ .‬املراقبة‪:‬‬
‫استشعار مراقبة هللا لك يف السر والعالنية وأنه مطلع عليك وأنت يف ملكه وقبضته ( َويَ ْعلَ ُم َما‬
‫الص ُدوِر ) التغابن ‪4‬‬ ‫ات ُّ‬ ‫اّلل علِيم بِ َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تُسُّرو َن َوَما تُ ْعلنُو َن َو َُّ َ ٌ‬
‫‪ .‬خشية هللا ورجاؤه‪:‬‬
‫اخلشية واخلوف منه ورجاؤه قال هللا تعاىل ( فَالَ ََتْ َش ْوُه ْم َوا ْخ َش ْوِِن ) البقرة ‪105‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني ) آل عمران ‪175‬‬ ‫وه ْم َو َخافُون إِن ُكنتُم ُّم ْؤمن َ‬ ‫وقال سبحانه وتعاىل ( فَالَ ََتَافُ ُ‬
‫ك َكا َن ََْم ُذوراً ) اإلسراء ‪75‬‬ ‫اب َربِ َ‬‫وقال ( َويَ ْر ُجو َن َر ْمحَتَهُ َوََيَافُو َن َع َذابَهُ إِ َّن َع َذ َ‬
‫الـتـوبة‪:‬‬
‫وك‬ ‫التوبة واإلانبة إليه وطلب املغفرة منه قال هللا تعاىل ( َولَْو أَ ََّّنُْم إِذ ظَّلَ ُمواْ أَن ُف َس ُه ْم َج ُ‬
‫آؤ َ‬
‫ول لََو َج ُدواْ اّللَ تَ َّواابً َّرِحيماً ) النساء ‪64‬‬ ‫الر ُس ُ‬
‫استَ ْغ َفَر ََلُُم َّ‬
‫استَ ْغ َف ُرواْ اّللَ َو ْ‬
‫فَ ْ‬
‫الــدعــاء واالنكسار بني يديه ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫دعاؤه والتضرع إليه واالنكسار بني يديه قال هللا تعاىل (وإِ َذا سأَلَ ِ ِ‬
‫ك عبَادي َع ِّن فَإِِن قَ ِر ٌ‬
‫يب‬ ‫َ َ َ‬
‫ان فَ ْليَ ْستَ ِجيبُواْ ِِل َولْيُ ْؤِمنُواْ ِِب لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْر ُش ُدو َن ) البقرة ‪186‬‬
‫َّاع إِذَا دع ِ‬
‫يب َد ْع َوةَ الد ِ َ َ‬ ‫أُج ُ‬
‫ِ‬

‫ض أَإِلَهٌ َّمع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫السوءَ َوَُْي َعلُ ُك ْم ُخلَ َفاء ْاأل َْر ِ‬
‫ف ُّ‬‫ضطََّر إِذَا َد َعاهُ َويَكْش ُ‬ ‫يب الْ ُم ْ‬‫وقوله عز وجل ( أ ََّمن ُُي ُ‬
‫اّللِ قَلِيالً َّما تَ َذ َّك ُرو َن ) النمل ‪62‬‬
‫َّ‬

‫‪ )2‬األدب مع الشيخ ‪:‬‬


‫وهي نوعان ‪ :‬آداب ابطنة وآداب ظاهرة‬

‫‪ .‬فاآلداب الباطنة هي ‪:‬‬

‫‪-‬االستسالم لشيخه وطاعته‪ .‬وليس هذا من ابب االنقياد األعمى الذي يتخلى فيه املرء عن عقله‬
‫وعن شخصيته ولكنه من ابب التسليم لذوي االختصاص واخلربة كما يستسلم املريض لطبيبه‬
‫استسالما كليا ويتتبع نصائحه ‪ ،‬وهو يف هذه احلالة ال يعترب متخليا عن عقله وشخصيته بل على‬
‫العكس يعترب عاقال يف اختياره ألنه سلم نفسه لذوي االختصاص ‪.‬‬
‫‪-‬عدم االعرتاض على شيخه يف طريقة ألن ذلك يقطع املدد الروحي الذي بينه وبني شيخه ولقصة‬
‫سيدان موسى مع العبد الصاحل أكثر من داللة يف هذا اجملال‪.‬‬
‫‪-‬أن يعتقد كمال شيخه ومتام أهليته للرتبية واإلرشاد حىت ال ينصرف قلبه إىل غريه ويتشتت توجهه‬

‫‪-‬أن يكون صادقا يف صحبة شيخه منزها طلبه عن كل األغراض واملقاصد‪.‬‬


‫‪-‬أن يعظم شيخه وحيفظ حرمته حاضرا وغائبا‪.‬‬

‫‪-‬أن حيب شيخه َمبة كبرية وذلك مبوافقته أمرا وَّنيا و إتباعه سرا وجهرا‪.‬‬

‫أما اآلداب الظاهرة فهي ‪:‬‬

‫‪-‬أن يلتزم السكينة والوقار يف جملسه‪.‬‬


‫‪-‬أن يبادر إىل خدمته بقدر اإلمكان‪.‬‬
‫‪-‬أن يزوره بقدر املستطاع‪.‬‬
‫‪-‬الصرب على مواقفه الرتبوية كجفوته وإعراضه ‪ ،‬واليت يقصد هبا َتليص املريد من رعوانته النفسية‪.‬‬
‫‪-‬أن ال ينقل للناس من كالم الشيخ إال بقدر أفهامهم وعقوَلم حىت ال يسيء إىل نفسه وإىل شيخه‪.‬‬

‫‪ ) 3‬األدب مع اإلخوان‪:‬‬

‫‪ -‬حفظ حرمتهم غائبني أو حاضرين ‪ ،‬فال يغتاب أحدا منهم ‪ ،‬وال ينقص أحدا ألن حلومهم‬
‫مسمومة‬
‫‪-‬نصيحتهم بتعليم جاهلهم وإرشاد ضاَلم ‪.‬‬

‫وللنصيحة شروط ينبغي التزامها‪ ،‬وهي ثالثة للناصح‪ ،‬وثالثة للمنصوح‪.‬‬

‫فشروط الناصح‪:‬‬
‫‪ 1‬أن تكون النصيحة سراً‪.‬‬
‫‪ 2‬أن تكون بلطف‪.‬‬
‫‪ 3‬أن تكون بال استعالء‪.‬‬

‫وشروط املنصوح‪:‬‬
‫‪ 1‬أن يقبل النصيحة‪.‬‬
‫‪ 2‬أن يشكر الناصح‪.‬‬
‫‪ 3‬أن يطبق النصيحة‪.‬‬

‫‪ -‬التواضع َلم وخدمتهم بقدر اإلمكان إذ سيد القوم خادمهم ‪.‬‬


‫‪ -‬حسن الظن هبم وعدم االشتغال بعيوهبم وإيكال أمرهم إىل هللا ‪.‬‬
‫‪ -‬قبول عذرهم إذا اعتذروا ‪.‬‬
‫‪ -‬إصالح ذات بينهم إذا اختلفوا واختصموا ‪.‬‬
‫‪ -‬الدفاع عنهم إذا أوذوا أو انتهكت حرماهتم ‪.‬‬
‫‪ -‬أن ال يطلب الرائسة عليهم والتقدم عليهم ألن طالب الوالية ال يوىل‪.‬‬

‫وهذه اآلداب كلها إمنا تطلب من املريد الصادق الذي يريد دخول حضرة هللا عز وجل ورسوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم و هللا هو وِل التوفيق‪.‬‬
‫األدب يف الطريقة‬

‫)‪(2‬‬

‫قال سيدي العرِب بن السايح رضي هللا عنه يف بغية املستفيد‬

‫اتفق املشايخ الكاملني و العارفني احملققني على أن األدب يف طريق أهل هللا تعاىل آكد كل أمر و‬
‫جامع لكل خري و بر ‪ ،‬و نصوا على أن من الزم سلوك سبيله يف مجيع ذلك وصل واتصل ‪ ،‬ومن‬
‫ٌ‬
‫حاد عن َّنجه انقطع و انفصل ‪ ،‬وذلك ألن الطريق آداب كلها ‪ ،‬لكل وقت أدب و لكل حال‬
‫أدب و لكل مقام أدب‪.‬‬

‫قال صلى هللا عليه و سلم " أدبين ريب فأحسن أتدييب مث أمرين مبكارم األخالق‪".‬‬
‫و من تعريفاته جاء يف "العوارف "‪" :‬األدب هتذيب الظاهر و الباطن ‪ ،‬فإذا هتذب ظاهر العبد و‬
‫ابطنه صار أديبا "‪.‬‬
‫قال الشيخ َمي الدين رضي هللا عنه "‪:‬األدب مجاع اخلري"‪...‬‬
‫ونقل يف "العوارف" عن عبد هللا ابن املبارك أنه قال" ‪:‬األدب معرفة النفس "‪.‬‬
‫فإذا عرف العبد النفس صادف نور العرفان ومن عرف نفسه فقد عرف ربه ‪. .‬‬
‫جاء يف "العوارف" لعبد هللا بن املبارك قال الشيخ َميي الدين النووي رمحه هللا تعاىل يف فتاويه ما‬
‫معناه" ‪ :‬من عرف نفسه ابلضعف واإلفتقار إىل هللا تعاىل والعبودية له عرف ربه ابلقوة والربوبية‬
‫والكمال املطلق والصفات العليا "‪.‬‬
‫وقال الشيخ اتج الدين بن عطاء هللا رمحه هللا تعاىل يف "لطائف املنن‪" :‬‬
‫مسعت شيخنا أاب العباس املرسي رضي هللا عنه يقول‪ ":‬يف هذا احلديث أتويالن‪:‬‬
‫أحدمها ‪ :‬من عرف نفسه بذهلا وعجزها وفقرها عرف هللا بعزه وقدرته وغناه ‪ ،‬فتكون معرفة النفس‬
‫أوال‪ ،‬مث معرفة هللا من بعد ‪.‬‬
‫والثاين ‪:‬من عرف نفسه فقد دل ذلك منه على أنه عرف هللا قبل ‪ ،‬فاألول حال السالكني‪ ،‬والثاين‬
‫حال اجملذوبني ‪.".‬‬
‫وقال الشيخ أبو طالب املكي رضي هللا عنه يف" قوت القلوب "‪" :‬معناه إذا عرفت صفات نفسك‬
‫يف معاملة اخللق وأنك تكره االعرتاض عليك يف أفعالك وأن يعاب عليك ما تصنع عرفت منه‬
‫تعامل به "‪.‬‬
‫ض بقضائه وعامله مبا حتب أن َ‬
‫فار َ‬
‫صفات خالقك‪ ،‬وأنه يكره ذلك ‪ْ ،‬‬

‫وقال ابن عطاء‪:‬‬


‫"األدب الوقوف مع املستحسنات"‪.‬‬
‫قيل له‪ " :‬ما معىن ذلك؟ "‬
‫قال‪ ":‬أن تعامل هللا سرا وعالنية ابألدب‪ ،‬فإن كنت كذلك كنت أديبا وإن كنت أعجميا‪.‬‬
‫مث أنشد ‪:‬‬
‫وان سكتت جاءت بكل مليح"‪.".‬‬ ‫إذا نطقت جاءت بكل مليحة‬
‫وما أحسن قول بعضهم ىف األدب"‪:‬‬
‫األدب أن يؤدب العبد ظاهره وابطنه ‪ ،‬أما ظاهره فبالشريعة أبن يتبع السنة‪ ،‬قوال وفعال‪ ،‬وأما ابطنه‬
‫فباحلقيقة أبن يرضى مبا يرد عليه من هللا ويتلقاه ابلقبول‪ ،‬ويرى أن الكل نعمة عليه من هللا تعاىل ‪،‬‬
‫إما عاجلة وإما آجلة‪ ،‬فالعاجلة بلوغ النفس حمبوهبا عاجال‪ ،‬واآلجلة كأنواع املضار و املكاره‪ ،‬فإنه‬
‫يثاب عليها آجال وحيط هبا عنه من خطيئاته‪ ،‬فهي نعمة هبذا االعتبار ‪ ،‬وصاحب هذا األدب هو‬
‫طي النقم‪ ،‬فريى نعم هللا تعاىل عليه ظاهرة وابطنة ‪.".‬‬
‫املخصوص برؤية النعم يف ّ‬
‫قال العارف ابهلل سيدي عبد الرمحان بن َممد الفاسي رضي هللا عنه يف حاشيته على شرح الشيخ أِب‬
‫عبد هللا السنوسي لعقيدته الصغرى ما نصه"‪:‬‬
‫قال ابن عباس يف تفسري قوله تعاىل ‪{:‬وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة و ابطنة} كل ما يتلذذ به الربااي‬
‫نعمة ظاهرة‪ ،‬وما شق عليهم من البالاي نعمة ابطنة"‪.‬‬

‫مث اعلم أن األدب قسمني‪ :‬أدب الفقهاء وأدب الصوفية‪ ،‬ويندرج األول منهما يف الثاىن ‪ ،‬فتصري‬
‫إىل قسم واحد حسبما أفصح به يف "جواهر املعاىن" ونص الكالم فيه "‪:‬واألدب عند الفقهاء‬
‫عبارة عن القيام مبا بعد الواجبات والسنن من الفضائل والرغائب املتعلقة أبحوال االنسان من نوم‬
‫ويقظة وأكل وشرب وذكر ودعاء وحنو ذلك‪ .‬وعند الصوفية عبارة عن مجع خصال اخلريوأوصاف‬
‫الرب‪ ،‬فهو وصف جامع لصفات جميدة وأخالق محيدة‪ ،‬تناسب أوصاف العبودية وجالل الربوبية‪ ،‬من‬
‫مجَعها كان أديبا متأداب مع هللا تعاىل ومع رسوله صلى هللا عليه و سلم "‪.‬‬

‫مث اعلم أن تبديل األخالق ممكن مقدور عليه‪ ،‬خالفا ملن منع مستدال بظاهر قوله تعاىل { ال تبديل‬
‫فرغ ربك من أربع ‪:‬اخلَلق و اخلُلق و الرزق و األجل "‪.‬احلديث ‪.‬‬
‫خللق اهلل }وبظاهر حديث "‪َ :‬‬
‫واستدل من يقول أبن تبديل األخالق ممكن ‪ .‬هبذه اآلية {قد أفح من زكاها و قد خاب من دساها‬
‫}و قوله تعاىل { ‪:‬اي أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم انرا ‪}.‬و قد روي عن ابن عباس رضي‬
‫هللا عنهما يف تفسريها " ‪:‬فقهوهم و أدبوهم "‪ .‬ومما استدل به أيضا قوله صلى هللا عليه و سلم " ‪:‬‬
‫حسنوا أخالقكم "و غريه من األحاديث اليت تدعو إىل حتسني األخالق ‪.‬‬

‫و مدار الرتبية والتزكية يف طريقتنا احملمدية على إقامة الورد األصلي املعلوم الذي ال يصح الدخول‬
‫فيها بدونه ألحد من اخلصوص وال من العموم ‪ ،‬وكذا توابعه من األذكار املشمولة ابللزوم معه ‪ ،‬وهي‬
‫الوظيفة املعروفة وذكر اَليللة بعد عصر يوم اجلمعة ابحملافظة يف مجيع ذلك على الشروط املشروطة‬
‫واآلداب اليت هي بغاية احلسن ‪ .‬و آكد الشروط و أعظمها احملافظة على الصلوات اخلمس آبداهبا‬
‫على احلدود احملدودة َلا شرعا بقدر اإلمكان واسكمال شروطها وآداهبا ومتام مجيع ما َلا من األركان‬
‫‪ ،‬مث عمارة ما يقدر على عمارته من األوقات والساعات ابلصالة على النىب صلى هللا عليه و سلم‬
‫خصوصا بصالة الفاتح ملا أغلق اليت هى من أمسى الذخائر‪ ،‬وأسىن البضاعات ‪ ،‬على طريق احملبة‬
‫والشكر واالعتماد على الفضل احملض الذي ليس املعول إال عليه يف بساط التحقيق من غري التزام‬
‫خلوة وال كثرة جماهدة وال غري ذلك مما اصطلح عليه يف الرتبية من بعد الصدر األول ‪ ،‬إذ هذه هي‬
‫طريقة سيدان رضي هللا عنه اليت سلكها وأمره ابلتسليك هبا سيد الوجود ومنبع اإلمداد واجلود صلى‬
‫هللا عليه و سلم ‪.‬‬
‫وىف "جواهر املعاِن" أنه صلى هللا عليه و سلم بعدما أعلم سيدان رضي هللا عنه أبنه هو الواسطة بينه‬
‫وبني هللا تعاىل واملمد له و صرح له أبنه هو كفيله ومربيه دون غريه من مشايخ الطريق‪ ،‬وأخربه أنه ال‬
‫منة لواحد منهم عليه‪ ،‬ألن مجيع ما يصله من هللا تعاىل فعلى يده صلى هللا عليه و سلم وبوساطته‬
‫ومنه إليه قال له ىف وصيته اليت أوصاه هبا "‪ :‬الزم هذه الطريقة من غري خلوة وال اعتزال عن الناس‬
‫حىت تصل مقامك الذي وعدت به وأنت على حالك من غري ضيق وال حرج وال كثرة جماهدة "‪.‬‬
‫و أشار إىل ذلك العالمة الشهري العارف الكبري سيدي عبيدة بن َممد الصغري مؤلف كتاب "ميزاب‬
‫الرمحة الرابنية " يف الميته اليت امتدح هبا سيدان أمحد التجاِن رضي هللا عنه فقال ‪:‬‬
‫بال خلوة رىَّب و ربّوا خبلوة فشتان ما بني اليزيدين منهال‬
‫و مرادان من كون الرتبية يف هذه الطريقة خالية عن التزام اخللوة و االعتزال عن الناس و حنو ذلك مما‬
‫فيه تشديد على النفس و تضييق ‪ ،‬و على أن الرتبية فيها جارية على طريقة السلف الصاحل من‬
‫الصدر األول الىت هى الطريقة األصلية ‪ ،‬وهي طريقة الشكر والفرح ابملنعم سبحانه والرايضة القلبية ‪،‬‬
‫ال على الطرق األخرى اليت استنبطت واصطلح على التسليك هبا من بعد القرون الثالثة نظرا ملا‬
‫اقتضته العوارض ملا كثرت األهواء و تشعبت اآلراء ‪ ،‬وهي طريقة اجملاهدة و املكابدة و الرايضة ‪،‬‬
‫فاستعانوا بذلك على تطهري النفس و تزكيتها ليستنري القلب ‪ ،‬مع التحذير من الغلو ابخلروج عن حد‬
‫اإلتباع إىل حد االبتداع ‪.‬‬
‫فالطريقة األوىل طريقة سري القلوب والثانية طريقة سري األبدان ‪ ،‬و يكفي أن الفتح يف األوىل هجومي‬
‫مل حيصل من السالك تشوف إليه خبالف الثانية‪.‬‬
‫ونرجع إىل مكانة األدب يف طريق أهل الكمال جاء يف احلديث عن معاذ رضي هللا عنه أنه قال‪:‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم "‪:‬حف اإلسالم مبكارم األخالق وحماسن اآلداب "‪ ،.‬وقال‬
‫سيدان أنس بن مالك رضي هللا عنه "‪ :‬األدب يف العمل عالمة قبول العمل "‪.‬‬
‫وقال عبد هللا بن املبارك رضي هللا عنه " ‪ :‬من هتاون ابألدب عوقب حبرمان السنن‪ ،‬ومن‬
‫هتاون ابلسنن عوقب حبرمان الفرائض‪ ،‬ومن هتاون ابلفرائض عوقب حبرمان املعرفة "‪.‬‬
‫وقال ذو النون املصري رضي هللا عنه "‪:‬إذا خرج املريد عن حد استعمال األدب فإنه يرجع‬
‫من حيث جاء" ‪.‬‬
‫وأخريا ‪ ،‬فهذه كلها نصوص صرحية مفصحة بعلو مكانة األدب من الطريق ومسو قدره لدى‬
‫الفحول ‪ ،‬و أن مجيع األعمال الدينية املوصلة إىل احلضرة القدسية‪ ،‬قلبية كانت أو بدنية قولية أو‬
‫فعلية ‪ ،‬ال يعترب شيء منها يف بساط التحقيق إال َمفوفا ابحملاسن األدبية واحملامد الصفاتية واملكارم‬
‫اخللقية‪.‬‬
‫مث إن حتلية العمل ابآلداب عاجال عالمة قبوله آجال‪ ،‬وأن األدب كما حيتاج إليه املريد يف أحوال‬
‫بدايته‪ ،‬يتوقف عليه املنتهي يف مقامات َّنايته‪.‬‬
‫األدب يف الطريقة‬

‫)‪(3‬‬

‫قال سيدان رضي هللا عنه ‪ " :‬األمور اليت تكون سببا لطرد املريد عن شيخه منها ‪ :‬األغراض ‪ ،‬ومنها‬
‫االعرتاض ابلقلب واللسان ‪ ،‬ومنها كزازة املريد من ظهور بشرية الشيخ أبمر ال يطابق املعرفة ‪ ،‬ومنها‬
‫سقوط ُح ْرَمتِ ِه من القلب‪.‬‬
‫ف إال هلل عز وجل‬ ‫ب وال يُ ْعَر ُ‬
‫ص َح ُ‬‫فأما األغراض سواء كانت دنيوية أو أخروية وذلك أن الشيخ ال يُ ْ‬ ‫َّ‬
‫فإما أ ْن يواليه هلل تعاىل أب ْن يقول‪ :‬هذا وِل هلل وأان أ َُوالِ ِيه‬
‫ال لشيء ‪ ،‬وهي يف أمرين ‪ ،‬يعّن الصحبة ‪َّ :‬‬
‫وسُّر ذلك يف قوله صلى هللا عليه وسلم خمربا عن هللا « ‪ :‬من عادى ِل وليا فقد آذنته ابحلرب »‬ ‫هلل ‪ِ ،‬‬
‫ويف طَيِ ِه « َمن واىل ِل وليا ألجل أنهُ وِل اصطفيته واَتذته وليا » ‪ ،‬وهذا هو السر األكرب اجلاذب‬
‫يعلم أن الشيخ ِمن عبيد احلضرة ويعلم ما ُيب للحضرة‬ ‫للمريد إىل حضرة هللا تعاىل ‪ .‬واألمر الثاِن ‪ُ :‬‬
‫ص َحبُهُ لِيَ ُدلَّهُ على هللا وعلى ما‬ ‫ِ‬
‫من األدب وما يفسد املرء فيه من األوطار واأل ََرب ‪ ،‬فإذا َعل َم هذا يَ ْ‬
‫ب لغريمها خسر الدنيا واآلخرة ‪ .‬فإذا‬ ‫يقربه إليه ‪ .‬والصحبة يف هذين األمرين ال غري ‪ ،‬ومن ِ‬
‫صح َ‬ ‫َ‬
‫لغرض بل لكونه إِ ََلًا يستحق األلوهية والعبودية‬‫فاعرف أن الرب سبحانه وتعاىل يُ ْعبَ ُد ال ٍ‬ ‫ْ‬ ‫فت هذا‬‫عر َ‬
‫من ذاته لِ َما هو عليه ِمن َمامد الصفات العلية واألمساء البهية ‪ ،‬وهذه هي العبادة العليا ‪ .‬وكذلك‬
‫ب ال لغرض بل لِتَ ْجلِبَهُ ُم َواالَتِِه إىل والية هللا تعاىل ‪ ،‬ويتعرف ِم َن اآلداب امل ْر ِضيَّة وما‬‫ص َح ُ‬‫الشيخ يُ ْ‬
‫َ‬
‫ني على العبد يف‬ ‫ِ‬
‫عبد يف حضرة هللا ‪ ،‬وكل ما كان من متابعة اَلوى ولو كان َممودا فهو َش ٌْ‬ ‫ني ال َ‬‫يُش ُ‬
‫أقل قليل ألن املريد‬ ‫ت الشيوخ بقمع املريدين وزجرهم عن متابعة اَلوى يف ِ‬ ‫أمر ْ‬
‫حضرة هللا تعاىل ‪ ،‬ولذا َ‬
‫كافرا ابهلل صرحيُا ال تلوحيًا ‪ ،‬لكونه نصب نفسه إَلا وعصى أمر هللا وخالفه ‪،‬‬
‫يف وقت متابعة اَلوى ً‬
‫فهو يعبد غري هللا تعاىل على احلقيقة ‪ ،‬ليس من هللا يف شيء ‪ ،‬وإن قال ال إله إال هللا يف هذا احلال‬
‫ومن هذا القبيل خرج قوله صلى هللا عليه وسلم « ‪ :‬ما‬ ‫قال له لسان احلال‪َ :‬ك َذبت بل أنت مشرك ‪ِ ،‬‬
‫َْ‬
‫حتت قبة السماء إله يُعبد من دون هللا أعظم من هوى متبع ‪ » .‬فإذا عرف املريد هذا فال يغضب‬
‫ضار ‪،‬‬
‫على الشيخ وال يتغري إذا مل يوافق هواه يف غرضه فإن الشيخ أعرف ابملصاحل وأدرى بوجوه امل َ‬
‫َ‬
‫فليعلم أن‬
‫والتلميذ جاهل بذلك ‪ ،‬فإذا طلب منه غرضا من أي فن كان ومل يساعده الشيخ عليه ْ‬
‫الشيخ َمنَ َعهُ منه ألجل مصلحته ودفع مفسدته ‪ ،‬فإذا عود نفسه التغري على الشيخ يف مثل هذا طُِرَد‬
‫عن حضرة هللا تعاىل وانقطع عن الشيخ ‪ ،‬فإذا غضب املريد على الشيخ بعد تغريه انقطع انقطاعا ال‬
‫رجوع له أصال‪.‬‬
‫صارم يقطع احلبل بني الشيخ ومريده ‪ .‬فال يعرتض شيئا‬
‫سيف ٌ‬‫وأما االعرتاض ابلقلب أوابللسان فإنه ٌ‬
‫من أمور الشيخ ‪ ،‬فإ ْن مل توافق ما عنده من ظاهر العلم أو ابطنه فليعلم أن هناك دقائق بني الشيخ‬
‫وربه ال يدريها التلميذ والشيخ ُيري على منوال تلك الدقائق اليت بينه وبني ربه فإذا خالف صورة‬
‫ظاهر الشرع فليعلم أنه يف ابطن األمر ُيري على منوال الشرع من حيث ال يدريه اخللق‪.‬‬
‫وأما كزازة املريد من ظهور بشرية الشيخ ‪ :‬فإَّنا من َج ْهلِ ِه ابهلل تعاىل ومبراتبه اخللقية ‪ ،‬وذلك أن احلق‬
‫وح ْك ٍم ملْ َّ‬
‫يتجل به يف غريها من املراتب ‪،‬‬ ‫سبحانه وتعاىل جتلى يف كل مرتبة من مراتب خلقه أبمر ُ‬
‫ص يف نسب‬ ‫ب احلكمة اإلَلية واترة يكون صورته صورة نُ ْق ٍ‬ ‫وذلك التجلِي اترة يكون كماال يف نِس ِ‬
‫َ‬
‫احلكمة اإلَلية ‪ ،‬مث إن ذلك التجلِي ‪ ،‬وإ ْن كانت صورته صورة النقص يف نسب احلكمة اإلَلية ‪ ،‬فال‬
‫يد لتلك املرتبة عن ظهور التجلي فيها بصورة ذلك النقص ألن ذلك انشئ عن املشيئة الرابنية وكل‬ ‫ََِم َ‬
‫تَ َعلُّ َقات املشيئة يستحيل َحتَ ُّوَُلَا لغري ما تعل ْ‬
‫قت به ‪ ،‬فال بد لكل عارف من ظهور النقص يف ذاته ‪ ،‬مث‬
‫ص‬
‫إن ذلك النقص اترة يالبسه بصورة كمال للدقائق اليت بينه وبني ربه واترة يالبسه متعمدا أنه نُ ْق ٌ‬
‫يد للعبد‬‫وليس يف هذه املالبسة إال ُمعاينة احلُكْم اإلَلي الذي مقتضاه القهر والغَلَبَة حبيث أ ْن ال ََِم َ‬
‫عنه ‪ ،‬فإذا رأى املريد من شيخه بشريةً تقتضي النقص إما شرعيا وإما مما َُِي ُّل ابملروءة فليالحظ هذه‬

‫ِج الشيخ عن حضرة ربه وال يزحزحه عن َمل قربه وال َحيُطُّهُ‬
‫املعاِن اليت ذكرانها وليعلم أن ذلك ال َُيْر ُ‬
‫عن كمال أدبه ‪ ،‬فإذا عرف هذا فال يرفض شيخه لظهور البشرية ‪ ،‬وكل مريد يطلب مرتبة للحق‬
‫ص كان لسا ُن حاله ينادي ‪ :‬ال مطمع لك يف‬ ‫يتعلق هبا للقرب والوصول يريد أ ْن ال يظهر فيها نُ ْق ٌ‬
‫نقص ‪ ،‬فليس يظهر الكمال صورًة ومعىن ِ‬
‫وحساً‬ ‫دخول حضرة هللا تعاىل ألن كل املراتب ال بد َلا من ٍ‬
‫ً‬
‫بريئاً ِم َن النقص بكل وجه وبكل اعتبار إال يف ثالث مراتب فقط ال ما عداها ‪ ،‬وهي ‪ :‬الرسالة ملن‬
‫دخل حضرهتا ‪ ،‬والنبوة ملن دخل حضرهتا ‪ ،‬والقطبانية ملن دخل حضرهتا ‪ ،‬فإن هذه الثالثة ال صورة‬
‫للنقص فيها ‪ ،‬والباقي من املراتب يظهر فيه النقص يف الغالب ‪ ،‬وقد ال يظهر ‪ ،‬فإن هذه املراتب‬
‫الثالثة ‪ ،‬ولو ظهر للمرء فيها صورة نقص ‪ ،‬فذلك النقص هو غاية الكمال وإمنا يتنقصه املرء جبهله ‪،‬‬
‫واليه يشري صلى هللا عليه وسلم « ‪ :‬ما ابل أقوام يتنزهون عن الشيء أفعله فوهللا إِن ألعلمهم ابهلل‬
‫وأخشاهم له‪» .‬‬
‫وأما سقوط ُح ْرَمتِ ِه فهي أكرب قاطع عن هللا ‪ .‬وسقوط احلرمة هي عدم ظهور املباالة إذا أمره أو َّناه ‪،‬‬
‫ومن أكرب الشروط اجلامعة بني الشيخ ومريده هو أ ْن ال يشارك يف َمبته غريه وال يف تعظيمه وال يف‬ ‫ِ‬
‫االستمداد منه وال يف االنقطاع إليه بقلبه ‪ ،‬ويتأمل ذلك يف شريعة نبيه صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن َمن‬
‫ساوى ُرتْ بَةَ نبيه صلى هللا عليه وسلم مع رتبة غريه من النبيني واملرسلني يف احملبة والتعظيم واالستمداد‬
‫واالنقطاع إليه ابلقلب والتشريع فهو عنوان على أنه ميوت كافرا إال أن تدركه عناية رابنية بِ َسْب ِق َمبة‬
‫عرفت هذا فليكن املريد مع شيخه كما هو مع نبيه صلى هللا عليه وسلم يف التعظيم واحملبة‬
‫إَلية ‪ ،‬فإذا َ‬
‫واالستمداد واالنقطاع إليه ابلقلب ‪ ،‬فال يعادل به غريه يف هذه األمور وال يشارك غريه‪.‬‬
‫ومن أكرب القواطع عن هللا أ ْن ينسب ما عنده من الفتح واألسرار لغري شيخه ألن تلك األنوار اإلَلية‬ ‫ِ‬
‫الواردة على العبد ابالسرار واألحوال واملعارف والعلوم والرتقي يف املقامات كل نور منها َِحي ُّن إىل مركزه‬
‫‪ ،‬وهي احلضرة اإلَلية اليت منها برز وفيها نشأ ‪ ،‬فلكل شيخ ِم ْن أهل هللا حضرةٌ ال يشرتك فيها مع‬
‫ِ‬
‫ب إىل غري تلك احلضرة من احلضرة اإلَلية‬ ‫نور أبم ٍر من األمور اليت ذكرانها ونُس َ‬ ‫غريه ‪ ،‬فإذا َوَرَد منها ٌ‬
‫ب احلكمة اإلَلية أن هللا قضى يف كتابه‬ ‫اغتاظ ذلك النور وطار ورجع إىل َمله ‪ ،‬وصورة ذلك يف نِس ِ‬
‫َ‬
‫ب‬‫اّلل )‪ ، (7‬فمن نَ َس َ‬ ‫وه ْم ِآلَ َابئِ ِه ْم ُه َو أَقْ َس ُ‬
‫ط ِعْن َد َِّ‬
‫بنسبة كل واحد إىل أبيه ‪ ،‬قال تعاىل ‪ْ :‬ادعُ ُ‬
‫ب على هللا ‪ ،‬واحلضرة ال‬
‫نورا إىل غري َمله من احلضرة اإلَلية فقد أساء األدب يف حضرة احلق وَك َذ َ‬
‫ً‬
‫ب والعياذ ابهلل تعاىل ‪.‬‬
‫حتتمل الكذب ‪ ،‬فلذا يُطَْرُد ويُ ْسلَ ُ‬
‫األدب يف الطريقة‬

‫)‪(4‬‬

‫ورد يف كتاب الرماح لسيدي عمر الفويت رضي هللا عنه‪:‬‬

‫يف إعالمهم أن الشيخ وهو الوِل الكامل يف قومه‪ ،‬كالنيب يف أمته‪ ،‬وأن مبايعته كمبايعة النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم لكونه انئبا عن النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫قال شيخنا رضي هللا عنه وأرضاه وعنا به‪ ،‬كما يف جواهر املعاِن‪:‬‬

‫ِ‬
‫ومن أكرب الشروط اجلامعة بني الشيخ ومريده ‪ ،‬أ ْن ال يشرك يف َمبته غريه ‪ ،‬وال يف تعظيمه وال يف‬
‫اإلستمداد منه وال يف اإلنقطاع إليه ‪ ،‬ويتأمل ذلك يف شريعة نبيه صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فإن َمن‬
‫سوى رتبة نبيه َممدا صلى هللا عليه وسلم برتبة غريه من النبيني واملرسلني يف احملبة والتعظيم‬
‫واإلستمداد واإلنقطاع إليه ابلقلب والتشريع فهو عنوان على أن ميوت كافرا إال أن تدركه عناية رابنية‬
‫بسبق َمبة إَلية ‪ ،‬فإذا عرفت هذا فليكن املريد مع شيخه كما هو مع نبيه صلى هللا عليه وسلم يف‬
‫التعظيم واحملبة واإلستمداد واإلنقطاع إليه ابلقلب ‪ ،‬فال يعادل به غريه هذه األمور ‪ ،‬وال يشرك غريه به‬
‫‪ .‬اه ‪.‬‬

‫وقال يف اخلالصة املرضية‪:‬‬

‫روى السهروردي بسنده أن النيب صلى هللا عليه وسلم قال « ‪ :‬والذي نفس َممد بيده لئن شئت‬
‫ألقسمن لكم أن أحب عباد هللا إىل هللا الذين حيببون هللا إىل عباد هللا وحيببون عباد هللا إىل هللا‬
‫وميشون يف األرض ابلنصيحة »‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا الذي ذكره رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هو رتبة‬
‫املشيخة والدعوة إىل هللا ألن الشيخ حيبب هللا تعاىل إىل عباده حقيقة وحيبب عباد هللا إىل هللا ‪ ،‬ورتبة‬
‫كون الشيخ‬
‫املشيخة من أعلى الرتب يف طريق الصوفية ‪ ،‬ونيابة النبوة يف الدعاء إىل هللا تعاىل ‪ .‬فأما ْ‬
‫حيبب عباد هللا تعاىل إىل هللا فألن الشيخ يسلك ابملريد إىل طريق اإلقتداء برسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وم ْن صح اقتداؤه برسول هللا صلى هللا عليه وسلم واتباعه أحبه هللا تعاىل ‪ ،‬قال هللا تعاىل ‪:‬‬ ‫وسلم ‪َ ،‬‬
‫اّللُ ‪ ، (1) .‬ووجهه كونه حيبب هللا إىل عباده أنه يسلك‬ ‫قُ ْل إِ ْن ُكْن تُ ْم ُِحتبُّو َن َّ‬
‫اّللَ فَاتَّبِعُ ِوِن ُْحيبِْب ُك ُم َّ‬
‫ابملريد طريق التزكية والتحلية ‪ ،‬فإذا تزكت النفس اجنلت مرآة العبد ‪ ،‬وانعكس فيها أنوار العظمة ‪،‬‬
‫والح فيها مجال التوحيد ‪ ،‬فأحب العبد ربه ال َمالة ‪ .‬والشيخ من جنود هللا تعاىل يرشد به املريدين‬
‫ويهدي به الطالبني ‪ ،‬فعلى املشايخ وقار هللا ‪ ،‬وهبم يتأدب املريد ظاهرا وابطنا ‪ .‬قال هللا تعاىل ‪:‬‬
‫وجعِلوا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫أُولَئِ َّ ِ‬
‫اّللُ فَبِ ُه َد ُاه ُم اقْ تَده ‪ (2) . .‬فاملشايخ ملا اهتدوا أُهلوا لإلقتدار هبم ‪ُ ،‬‬
‫ين َه َدى َّ‬
‫ك الذ َ‬ ‫َ‬
‫وس الشيخ نفوس املريدين كما كان يسوس نفسه من قبل ابلتأليف والنصح ‪،‬‬ ‫أئمة للمتقني ‪ ،‬فيَ ُس ُ‬
‫فبذلك يصري املريد كاجلزء من الشيخ كما أن الولد جزء من الوالد يف الوالدة الطبيعية ‪ ،‬وتصري هذه‬
‫الوالدة الثانية والد ًة معنوية كما ورد عن عيسى عليه السالم « ‪ :‬لن يلج ملكوت السماء من مل يولد‬
‫مرتني » ‪ ،‬ومن صرف اليقني على الكمال يصل َلذه الوالدة ‪ ،‬وهبذه الوالدة يستحق مرياث األنبياء ‪،‬‬
‫ومن مل ِ‬
‫يص ْله مرياث األنبياء ما ولد ‪.‬‬
‫ومن شرط املريد أن ال يصحب ِم َن الشيوخ إال َمن تقع له حرمة يف قلبه ‪ ،‬وأن‬
‫وقال بعد كالم ‪ِ :‬‬
‫يبايعه على املنشط واملكره ‪ .‬أه ‪.‬‬
‫وقال يف ابب آداب الذكر اخلامس ‪ :‬أن يرى استمداده من شيخه هو استمداده من النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم ألنه انئبه ‪ .‬أه ‪.‬‬

‫ويف البحر املورود للشعراِن‪:‬‬

‫أخذ علينا العهد أن ال أنخذ العهد على فقري ابلسمع والطاعة لِ َما أنمره به من اخلري إال إن كنا نعلم‬
‫منه يقينا أنه ال ي َق ِدم علينا يف احملبة أحدا من اخللق مطلقا حىت أهله وولده وراثة نبوية ال استقالال ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬واعلم أنه لوال علم الرسول صلى هللا عليه وسلم أن لصحبة الناصح مدخال يف حصول اَلداية‬
‫واإلنقياد بسرعة دون بطئ ما قال « ‪ :‬ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من أهله وولده والناس‬
‫أمجعني ‪ » .‬ومن املعلوم أن مجيع الدعاة إىل هللا تعاىل من هذه األمة إمنا ُه ْم نواب له صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فلَ ُه ْم من األدب معهم واحملبة َلم حبكم اإلرث حنو ما كان له صلى هللا تعاىل عليه وسلم‬
‫وذلك ليحصل للمريد كمال اإلنقياد ‪ ،‬ويعتقد يف شيخه أنه أشفق عليه من نفسه كما أن النيب صلى‬
‫ني ِم ْن أَنْ ُف ِس ِه ْم ‪ (3) .‬وأما إذا‬‫ِِ‬
‫َّيب أ َْوَىل ِابلْ ُم ْؤمن َ‬
‫هللا تعاىل عليه وسلم كذلك قال هللا تعاىل ‪ :‬النِ ُّ‬
‫علم الشيخ من املريد تقدمي أحد عليه يف احملبة نفض يده منه‪.‬‬
‫ومن كالم العارف ابهلل تعاىل سيدي عدى بن مسافر ‪ ،‬أحد أركان الطريق ‪ ،‬قدس هللا سره ‪ :‬إعلم‬
‫أنك ال تنتفع قَط ابلشيخ إال إن كان اعتقادك فيه فوق اعتقادك يف أمثاله ‪ ،‬وهناك ُيمعك يف‬
‫حضوره ‪ ،‬وحيفظك يف مغيبه ‪ ،‬ويهذبك أبخالقه ‪ ،‬ويؤيدك يف إطراقه ‪ ،‬وينور ابطنك إبشراقه ‪ ،‬وإذا‬
‫كان اعتقادك فيه ضعيفا مل تشهد منه شيئا من ذلك ‪ ،‬بل تنعكس ظلمة ابطنك فتشهد صفاته هي‬
‫صفاتك ‪ ،‬فال تنتفع منه بشيء ولو كان من أعلى األولياء ‪ .‬وقد ذكر سيدي علي بن وفا رمحه هللا‬
‫تعاىل يف كتابه املسمى ابلوصااي ‪ :‬إعلم أن قلوب الرجال أمثال اجلبال ‪ ،‬فكما أن اجلبال ال يزيلها عن‬
‫ال َهدًّا أَ ْن َد َع ْوا لِ َّلر ْمحَ ِن َولَ ًدا َوَما يَْن بَغِي‬
‫اجلِبَ ُ‬
‫أماكنها إال الشرك ابهلل كما قال عز وجل ‪َ :‬وََِتُّر ْ‬
‫َّخ َذ َولَ ًدا )‪ ، (4‬فكذلك قلوب الرجال ‪ ،‬ال سيما الوِل ‪ ،‬ال يزيل قلبه إال الشرك‬ ‫لِ َّلر ْمح ِن أَ ْن ي ت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الواقع من تالمذته معه يف إشراك أحد معه يف احملبة ‪ ،‬ال يزيله إال ذلك ‪ ،‬ال تقصري يف اخلدمة وال غري‬
‫ذلك فافهم ‪.‬‬
‫قال الشعراِن ‪ :‬مث ال َيفى عليك أن مجيع األشياخ إمنا طلبوا من املريد كثرة اإلجالل والتعظيم َلم ‪،‬‬
‫والرضا بكل ما يرونه ‪ ،‬مترينا له وطلبا لرتقيه ‪ ،‬إذ الشيخ كالسلم للرتقي ‪ ،‬يرتقى املريد ابألدب معه إىل‬
‫األدب مع هللا تعاىل ‪ ،‬فمن مل حيكم ابب األدب مع شيخه ال يشم رائحة األدب مع هللا تعاىل ‪،‬‬
‫فيستفيد املريد ابلرضا عن شيخه إذا حرمه دنيا كان يرتصد حصوَلا مثل الرضا عن احلق تعاىل إذا‬
‫حرمه رزقا أو وظيفة ‪ ،‬أو نزل عليه بالء ‪ ،‬أو أزال عنه نعمة ‪ .‬ومىت مل يرض حبرمان شيخه ال يصلح‬
‫له الرضا عن احلق تعاىل إذا حرمه شيئا كان حيبه ‪ ،‬ويستفيد بصربه على غضب شيخه وهجره له ‪،‬‬
‫وثباته حتت هجره وقطيعته ‪ ،‬اإلدمان على حتمل ذلك لو وقع من جانب احلق والعياذ ابهلل ‪ ،‬ويستفيد‬
‫مبراقبة شيخه له يف اخلدمة ‪ ،‬وعدم غفلته عنه ‪ ،‬وكثرة مالحظته له ‪ ،‬عدم الغفلة عن عبادة احلق جل‬
‫وعال وكثرة مالحظته ابلقلب وهكذا‪.‬‬
‫ت أَّنا تسمع لشيخها ما أيمرها به كما هو واقع‬
‫قال ‪ :‬وينبغي لك اي أخي أن متتحن نفسك إذا أد َع ْ‬
‫قلت‬
‫من أكثر املريدين ‪ ،‬فيقولون حنن أول من يطيعه ‪ ،‬مث إذا قال َلم شيخهم ‪ :‬طلق زوجتك اليت َ‬
‫أَّنا تشغلك عن هللا تعاىل ‪ ،‬وحتوجك إىل تناول احلرام والشبهات هو خري لك ‪ ،‬أو ائتنا بشطر مالك‬
‫لنفرقه على إخوانك هؤالء الفقراء ‪ ،‬أو أسقط حقك من سائر وظائفك من إمامة أو خطابة وتدريس‬
‫ووقادة ‪ ،‬وفراشة وآذان ‪ ،‬وخلوة وثياب وحنو ذلك ‪ ،‬ال يرضى ‪ ،‬بل يظهر على وجهه العبوسة حىت‬
‫يشهد ذلك منه مجيع احلاضرين ويفتضح ‪ ،‬ولو أنه أجاب شيخه لكان أوىل ‪ ،‬فإن األشياخ ال تغش‬
‫أبدا ‪ ،‬وماذا يفوت املريد إذا مسع لشيخه وصار احلق تعاىل عوضا له عن كل شيء ؟ وماذا حصل من‬
‫ابع جلوسه يف حضرة ربه عز وجل بقطعة دبغت ابلدم والبول ال تساوي يف السوق درمها وال بعضه‬
‫إذا قطعت ؟ فعلم أن كل من مل يعتقد يف شيخه أنه أشفق عليه من نفسه ‪ ،‬وأنه ال أيمر قَط برتك‬
‫شيء إال ليعطيه أنفس منه ‪ ،‬فمحبته نفاق ‪ ،‬وال ميكن للشيخ أن يطلعه على سر من األسرار اليت‬
‫يرتقى هو هبا ‪ ،‬فإن من مل يصلح ألن يكون َمال لألسرار املكتومة عند الفقهاء يصري كأنه ما‬
‫صاحبهم ‪ ،‬وكذلك إذا كان الشخص يصحب الشيخ أكثر من ثالثني سنة ال ينتفع بشيء من‬
‫أخالقه ‪.‬‬
‫مث قال بعد كالم ‪ :‬وقد سئل الشيخ أبو السعود اجلارحي رمحه هللا تعاىل يوما عن شيء من أسرار‬
‫الفقراء فقال ‪ :‬وهللا ال آمنكم على إخراج ريح ‪ ،‬فكيف آمنكم على أسرار أهل الطريق ‪ ،‬وَلذا جتد‬
‫الشيخ أيمتن عشرة آالف نفس وأكثر ‪ ،‬ال يفلح منهم أحد بعده لعدم الصدق ‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪.‬‬
‫األدب يف الطريقة‬

‫)‪(4‬‬

‫قال سيدي عمر الفويت رضي هللا عنه يف (الرماح)‪ :‬يف إعالمهم أن الشيخ وهو الوِل الكامل‪...‬‬

‫ويف جواهر املعاِن‪ :‬وسألته رضي هللا تعاىل عنه عن قوَلم رضي هللا تعاىل عنهم أن دائرة الوِل أوسع‬
‫من دائرة النيب صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فأجاب رضي هللا تعاىل عنه بقوله ‪ :‬املراد ابلوِل أولياء هذه‬
‫األمة فقط ‪ ،‬واملراد منه َمن أ ُِمر ابلدعوة إىل هللا تعاىل من رجاَلم ‪ ،‬فَ ُه ْم الذين دوائرهم أوسع من دوائر‬
‫األنبياء ‪ ،‬واتساع الدوائر وضيقها ابعتبار الطوائف الذين يدعوَّنم إىل هللا تعاىل ‪ ،‬فكل رسول من‬
‫الرسل غري نبينا صلى هللا تعاىل عليه وسلم رسالته خاصة مبوطن أو جنس أو بلد ال يتعدى إىل غريه ‪،‬‬
‫ورسالة نبينا صلى هللا تعاىل عليه وسلم عامة يف سائر البلدان واألقطار ويف مجيع األجناس واألمم ويف‬
‫مجيع األعصار ‪ ،‬فاألولياء الداعون إىل هللا تعاىل ِمن أمته دعوهتم تعُم كعموم رسالة نبيهم صلى هللا‬
‫تعاىل عليه وسلم ‪ ،‬فال َتتص ببلد وال جنس وال أمة ‪ ،‬بل هي عامة كعموم رسالة نبيهم صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فهذا اتساع دائرة الوِل عن دائرة النيب ‪ .‬مث هذه الدعوة إىل هللا تعاىل يف حق األولياء هي‬
‫ملزومة َلم بطريق الشرع الظاهر لقوله صلى هللا عليه وسلم ‪ُ »:‬م ُروا ابملعروف واَّنوا عن املنكر « ‪،‬‬
‫فمن َّنض إىل اخللق يدعوهم‬
‫لكن هذه الدعوة املذكورة هنا إمنا هي ابإلذن اخلاص كإذن الرسالة ‪َ ،‬‬
‫ت كلمته يف مجيع القلوب ‪ ،‬ووقع اإلقبال من اخللق عليه‬
‫إىل هللا تعاىل ابإلذن اخلاص له من هللا َسَر ْ‬
‫ومن َّنض إىل دعوة‬
‫واالستجابة عنه ‪ ،‬ووقع امتثال أمره وَّنيه يف اخللق ‪ ،‬وحلى كالمه يف القلوب ‪َ ،‬‬
‫اخللق إىل هللا تعاىل ابإلذن العام وليس له شيء من اإلذن اخلاص مل ينتفع بكالمه ‪ ،‬ومل يقع عليه‬
‫إقبال ‪ ،‬فإن لسان احلق يقول له بلسان احلال يف بساط احلقائق ‪ :‬ما أمرانك هبذا أو ما أنت له أبهل‬
‫فم ْن وقف هذا املوقف ابتُلِ َي حبظوظ نفسه من الرايسة والرايء والتصنع وليس‬
‫‪ ،‬بل إمنا أنت فضوِل ‪َ .‬‬
‫من هللا يف شيء‪ .‬قال ابن الفارض رضي هللا تعاىل عنه‪:‬‬

‫إىل احلق ِمنا قام ابلرسلية‬ ‫ومن دعا‬ ‫ِ‬


‫فعالمنا منهم نيب َ‬
‫ِ‬
‫ت لديهم أشارته ‪.‬‬ ‫قال ابن عطاء هللا ‪َ :‬من أُذن له يف التعبري فُ ِه ْ‬
‫مت يف مسامع اخللق عبارتُه وحلَ ْ‬
‫ومن ادعى اإلذن اخلاص من هللا تعاىل وهو كاذب‪ ،‬وانبسط للخلق ابلدعوة فإنه ميوت كافرا إال أن‬
‫َ‬
‫يتوب‪ ،‬نسأل هللا تعاىل السالمة والعافية جباه النيب وآله أه ‪.‬‬

‫وقال شيخ الطريقة‪ ،‬اجلامع بني الشريعة واحلقيقة‪ ،‬املختار بن أمحد الكنيت‪:‬‬

‫وما قيل أنه‪ ،‬يعّن املريد‪ ،‬ال اختيار له إمنا ذلك يف األمور الدنيوية‪ ،‬فال يدخل ما دخله بنفسه بل‬
‫يدخل ما دخله بربه وشيخه‪ ،‬فيكون مع سؤاله مفوضا متأداب غري متكاسل وال متساهل‪ ،‬ممتثال ألمر‬
‫الشيخ كائنا ما كان‪ ،‬وإن رأى فيه العطب فإن فيه النجاة‪ ،‬قال هللا تعاىل َوَما َكا َن لِ ُم ْؤِم ٍن َوَال ُم ْؤِمنَ ٍة‬
‫اخلََِريةُ ِم ْن أ َْم ِرِه ْم ‪ (5) .‬وقد ثبت وصح يف األثر أن الوِل‬ ‫اّللُ َوَر ُسولُهُ أ َْمًرا أَ ْن يَ ُكو َن ََلُُم ْ‬ ‫إِذَا قَ َ‬
‫ضى َّ‬
‫يف قومه كالنيب يف أمته ألَّنم ورثتهم وللوارث ما للمورث ‪ .‬قال اجلنيد ‪ :‬لوال أن هللا تبارك وتعاىل سرت‬
‫عن العامة حقائق األولياء َللكوا بعدم اإلتباع واالقتداء هبم ‪ ،‬ولكانوا عليهم حجة يوم القيامة ‪ ،‬لكن‬
‫هللا تعاىل بفضله ورمحته سرتهم هبذه الصورة البشرية فال يعرفهم إال َمن هو مثلهم أو َمن أراد هللا أن‬
‫ينفعه بربكاهتم فيطوي عنه الصورة البشرية ويشهد احلقيقة الرابنية ‪ ،‬فيدرك إدراكا قطعيا ال ظنيا وال‬
‫حسبانيا ‪ ،‬فينتعش مبشاهدته ‪ ،‬وتبقى مسافة امليسر إىل الدرجات العلية فتكون سرعتهم على قدر رقة‬
‫طباعهم وكثافتها ‪ ،‬وعلى قدر التجليات ومهة الشيخ وإقباله عليهم ‪ ،‬وال يكون إقباله عليهم إال بقدر‬
‫إقباَلم عليه ‪ ،‬قال ابن عطاء هللا ‪ :‬ال تطلب من الشيخ أن تكون بباله ‪ ،‬ولكن اطلب من نفسك أن‬
‫يكون الشيخ ببالك ‪ ،‬فبقدر ما يكون ببالك تكون بباله ‪ ،‬فذلك أول قَ َدٍم تضعه يف السلوك ‪ .‬فمنهم‬
‫من يرتقي يف ساعة‪ ،‬ومنهم من يرتقي يف يوم‪ ،‬ومنهم من يرتقي يف شهر‪ ،‬ومنهم من ال يرتقي إال يف‬
‫سنة‪ ،‬ومن ال يبلغ إال بعد أمد مديد‪َ ،‬يتص برمحته من يشاء‪ ،‬فمنهم اجملذوب والسالك‪ ،‬ومنهم‬
‫املطرود واَلالك‪ .‬اه ‪.‬‬

‫وقال يف بغية السالك‪:‬‬


‫وأما احلقوق املرتبة للقدوة فأربعة‪ ،‬األول‪ :‬احملافظة على توقريه وتعظيمه‪ ،‬فالتزام األدب معه يف مجيع‬
‫احلركات والسكنات‪ ،‬فال يوقع عليه الكالم حبضرته‪ ،‬وال يتكلم حبضرته إال عن إذنه‪ ،‬وال يتصرف يف‬
‫شيء إال أبمره ومشورته‪ ،‬وال يرفع صوته يف َمله وال يسرتسل يف الكالم‪ ،‬وأَ ْن يتلمح إشارته فليعمل‬
‫حبسبها‪ .‬الثاِن‪ :‬حسن الظن ابلقدوة يف القليل والكثري‪ ،‬واخلطري واحلقري‪ ،‬واحلركات والسكنات فيما‬
‫ومن حس ِن الظن ابلقدوة أن ال يوقر غريه فينظره بعني النقص عن مر ِ‬
‫تبة سواه‪.‬‬ ‫علِم أو أ ِ‬
‫ُشكل‪ِ ،‬‬
‫ُْ‬ ‫ُ‬
‫عزم وطيب نفس ومسارعة‪ ،‬وليعلم التلميذ أن الذي‬‫الثالث ‪:‬الْتزام طاعته يف كل مكروه وَمبوب‪ ،‬بقوةِ ٍ‬

‫يشق على نفسه من طاعة قدوته عاقبة أمره للخري والربكة‪ .‬الرابع‪ :‬أن ال يؤثر نفسه على قدوته بشيء‬
‫من احلظوظ الدنيوية واألخروية‪ ،‬بل يؤثره على نفسه جبميع ذلك‪ ،‬أما األخروية ِ‬
‫فمن عنده جاء‬
‫أصلها‪ ،‬وأما الدنيوية فهي يف جنب ما انله على يديه من أمر اآلخرة كشيء اتفه ال قيمة له‪ ،‬ومن آثر‬
‫نفسه على قدوته بشيء من األشياء‪ ،‬ولو حبياة ساعة بعده‪ ،‬فَ َقد خبسه حقه‪ ،‬ومل يوفه واجبه‪ِ ،‬‬
‫ومن‬
‫توابع ذلك أن ال يكتم عليه شيئا ِمن أحواله الظاهرة والباطنة‪ ،‬األخروية والدنيوية‪ ،‬وإ ْن كتمه شيئا فقد‬
‫خانه‪ .‬وعماد هذه الشروط كلها وذروة سنامها أن يكون القصد يف ذلك رضا هللا عز وجل‪ ،‬قصدا‬
‫جمردا من مجيع الشوائب واألوهام‪ ،‬وليعلم أن رضا هللا تعاىل يف رضا قدوته‪ ،‬فلي ْلتمسه ما استطاع‪ .‬وأما‬
‫التلميذ فيشرتط فيه شروط‪ ،‬وترتتب له حقوق‪ ،‬أما شروطه فأربعة‪ ،‬األول‪ :‬الْتزام عهد القدوة يف ربط‬
‫ومن ال عهد له ال تلميذ له‪ .‬الثاِن‪ :‬أن ُيعل‬
‫النفس للوفاء بوظائف السلوك جهده ووسع طاقته‪َ ،‬‬
‫ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يرتك‪ ،‬بصدق عزم‪ ،‬وقوة جد‪ ،‬وصحة قصد‪،‬‬
‫دنياه تبعا آلخرته‪َ ،‬‬
‫وإخالص يقني‪ ،‬ابتغاء مرضاة هللا تعاىل يف طلب خالصه من نفسه‪ ،‬وطمعا يف الوصول إىل معرفة‬
‫ربه‪ ،‬وقبيح مبَن أراد هللا وقصد املعرفة به أن يثّن عنانه لغريه ‪.‬الثالث‪ :‬أن حيصل عنده العلم اليقيّن‬
‫كمال للقدوة‪ ،‬وكل ٍ‬
‫نقص لنفسه‪ .‬الرابع‪ :‬االقتصار على‬ ‫يضف كل ٍ‬ ‫يفرق به ما بني قدره وقدوته‪ ،‬ف ْل ِ‬
‫قدوة واحدة‪ ،‬وهل االنقياد للقدوة إال كاالنقياد إىل الطبيب‪ ،‬وال شك أن العالج إذا اختلف‪،‬‬
‫ومن استند إىل قدوة فهو القيِم ابلسياسة يف َتديبه‬
‫واملعاانة إذا تباينت‪ ،‬أن اخلالص من العلل متعذر‪َ ،‬‬
‫وهتذيبه‪ ،‬وهو أدرى بذلك من غريه‪ ،‬مع أن القدوة الكامل رمبا تعذر وجوده اليوم فضال عن أن يكون‬
‫مال‬
‫ومهما َ‬
‫منهم عدد ‪ .‬فإذا ظفر التلميذ بواحد منهم ف ْليعلم أنه قد ظفر مبراده فال يبغي به بدال‪َ ،‬‬
‫عن قدوته بظاهره وابطنه‪ ،‬ولو حملة فإن ذلك وابال عليه ونقصاان له‪ ،‬وأن َمبته ال تصفو‪ ،‬وال يستعد‬
‫ابطنه لسراية حال القدوة‪ .‬فإن التلميذ كلما أيقن بتفرد الشيخ ابملشيخة عرف فضله وقويت َمبته‪،‬‬
‫فعلَى قدر ُحسن ظنه به تكون َمبته‪ ،‬وعلى قدر َمبته تكون‬
‫واحملبة هي الواسطة بني القدوة والتلميذ‪َ ،‬‬
‫سراية حال الشيخ عنده ‪.‬فاحملبة عالمة التعارف احلسى الداعي إىل التآلف املعنوي‪ ،‬وابهلل تعاىل‬
‫التوفيق‪ .‬وأما احلقوق املرتبة له فأربعة‪ ،‬األول‪ :‬أن يتعرض له القدوة أوال ابستجالب واستئالف وحسن‬
‫كالم‪ ،‬حىت إذا رأى أن هللا عز وجل بعث إليه التلميذ مسرتشداً حبُسن ظن وصدق إرادة‪ ،‬ضم عليه‬
‫ٍ‬
‫مسرتشد ساقه هللا تعاىل‬ ‫جناح التعليم واإلشفاق والنصيحة بكل شيء ينفعه يف رضا ربه‪ .‬وكل تلميذ‬
‫إىل القدوة ف ْلرياجع القدوة النظر يف معناه وليكثر اللجأ إىل هللا تعاىل أن يتواله فيه‪ ،‬ويف القول معه‬
‫حبسن هداية‪ ،‬ومجيل سياسة‪ ،‬مث ال يتكلم مع التلميذ إال وقلبه انظر إىل هللا تعاىل‪ ،‬مستعينا به على‬
‫اَلداية لصواب القول والعمل‪ .‬والثاِن‪ُ :‬ح ْسن اخلُلق‪ ،‬والصرب على وظائف التعليم‪ ،‬وجفاء التلميذ‪،‬‬
‫اصِ ْرب‬
‫سمع عنده الناقص‪ .‬قال هللا تعاىل لنبيه صلى هللا عليه وسلم َو ْ‬ ‫ومحل أخالقه‪ ،‬فالكامل يُ َ‬
‫َّ ِ‬
‫ين يَ ْدعُو َن َرَّهبُْم ِابلْغَ َداةِ َوالْ َع ِش ِي يُِر ُ‬
‫يدو َن َو ْج َههُ )‪ ، (6‬والقدوة وارث النبوة يف‬ ‫ك َم َع الذ َ‬
‫نَ ْف َس َ‬
‫وظائف اَلداية ‪ .‬أه ‪.‬‬

‫وقال السيد َممد بن الشيخ املختار الكنيت رمحهما هللا تعاىل‪ ،‬جميبا عن سؤال السائل عن معىن قول‬
‫(من شرط املريد إذا دخل منزل شيخه أن ُيعل منزله مثل قربه ال حيدث نفسه ابخلروج منه‬ ‫ابن العرِب ِ‬
‫إىل أن ميوت)‪:‬‬

‫مراده‪ ،‬وهللا تعاىل أعلم‪ ،‬أن احلق تعاىل ال يعامل ابلثنيا إذ العبد هبجرته ابئع لنفسه من ربه‪َ .‬ويَ ُد‬
‫ويده صلى هللا عليه وسلم انئبة عن ِ‬
‫يده‬ ‫الشيخ انئبة عن يَ ِد الرسول صلى هللا تعاىل عليه وسلم ‪ُ ،‬‬
‫اّللِ فَ ْو َق أَيْ ِدي ِه ْم )‪ ، (7‬وقال تبيينا للبيعة وتنصيصا‬ ‫تعاىل ‪ .‬قال ‪ ،‬أخبارا عن البيعة ‪ ،‬يَ ُد َّ‬
‫اجلَنَّةَ )‪ ، (8‬فبني هللا تعاىل معىن‬ ‫ني أَنْ ُف َس ُه ْم َوأ َْم َوا ََلُْم ِأب َّ‬
‫َن ََلُُم ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫عليها إِ َّن َّ‬
‫اّللَ ا ْش ََرتى م َن الْ ُم ْؤمن َ‬
‫انعقاد البيع ولزومه ‪ ،‬ومسى الثمن واملثمون ‪ ،‬واملشرتي والبائع ‪ ،‬فالثمن اجلنة واملثمون املؤمن وماله ‪،‬‬
‫واملشرتي احلق تعاىل ‪ ،‬والبائع املؤمنون ‪ ،‬فأكرم ببيعة دالَلا جربيل ‪ ،‬واملشرتي فيها اجلليل ‪ ،‬والبائع‬
‫عبده اجلميل ‪ ،‬وشاهداها ميكائيل وعزرائيل ‪ ،‬وكاتبها إسرافيل ‪ ،‬ووثيقة عهدها التنزيل ‪ ،‬والكفيل‬
‫عليها النيب الرسول ‪ .‬وال خفاء أن عقد البيع على ما يوجب احنالله مبا يناقض املقصود مفسد لعقد‬
‫البيع ‪ ،‬وأن تسليم املبيع واجب ‪ ،‬وما ال يصح تسليمه ال ينعقد عليه بيع ‪ ،‬واملريد ابئع لنفسه من ربه‬
‫‪ ،‬مسلم له على يد شيخه ‪ ،‬واملبيع إذا سلم إىل املشرتي وجب التخلي عنه وإسالمه إىل املشرتي‬
‫يفعل به ما بدا له ‪ ،‬فتحديث املريد نفسه ابخلروج من حتت يد الشيخ وكنف حضانته استقالة لبيعته‬
‫س الْ ُمطْ َمئِنَّةُ )‪، (9‬‬
‫نفسه إذ قد أخرب تعاىل عما َياطب به النفس املشرتاة بقوله َاي أَيَّتُ َها النَّ ْف ُ‬
‫اضيَةً َم ْر ِضيَّةً فَ ْاد ُخلِي ِيف ِعبَ ِادي‬
‫كرِ‬‫ِِ ِ ِِ‬
‫يعّن اليت سكنت عن النزوع واملنازعة ‪ْ ،‬ارجعي إ َىل َرب َ‬
‫)‪ (10‬الذين مل يستقيلوا بيعتهم ‪ ،‬ومل ينقضوا عقدهتم ‪َ ،‬و ْاد ُخلِي َجن َِّيت ‪ (11) .‬وقد انعقد‬
‫إمجاع مشايخ الصوفية على وجوب االستسالم للشيخ ‪ ،‬واإلطراح بني يديه كالغسيل بني يدي‬
‫الغاسل ‪ِ ،‬إذ الشيخ طبيب واملريد عليل ‪ ،‬ومهما حتكم العليل على الطبيب نفى عليه الطب ‪،‬‬
‫واخلروج من عند الشيخ رجوع من املريد أدراجه ‪ ،‬بل الشيخ هو املكلف بتسريح املريد مىت الح له‬
‫الئح الصالحية للفطام ‪ ،‬فإن الرضيع ومىت فطم قبل أوان الفطام تضرر غاية الضرر ‪ ،‬كما أنه إذا بلغ‬
‫أمد الفطام كان األصلح به الفطام ‪ ،‬وليس ذلك ابملوكل إىل الصيب ‪ ،‬وإمنا هو إىل أوليائه ونظرهم ‪،‬‬
‫فكذلك املريد مىت خرج بنفسه وفطمها عن الشيخ قبل أوان فطامها فق ْد عرضها للعطب ‪ ،‬وجعلها‬
‫نصب ابلعنا والنصب ‪ ،‬وقلما أفلح املريد إذا فُطم قبل أوان فطامه ‪ ،‬بل ومىت مات شيخه أو فصله‬
‫عنه عارض ‪ ،‬وكان له انئب أو خليفة ‪ ،‬تعني عليه مالزمته برغم ما كان عليه مع الشيخ ‪ ،‬ومىت مل‬
‫َيلف انئبا وال خليفة لزمه االنتقال إىل مرشد أو شيخ يتخذه يف بقية سريه ‪ ،‬وهللا تعاىل املوفق املسدد‬
‫‪ ،‬وهو حسبنا ونعم املعني املسعد اه ‪.‬‬

‫وهللا تعاىل املوفق ِمبَنِ ِه للصواب‪ ،‬وإليه سبحانه ا ملرجع واملآب‪.‬‬


‫األدب يف الطريقة‬

‫)‪(5‬‬

‫ورد يف كتاب ( الدرة اخلريدة شرح الياقوتة الفريدة) لسيدي حممد فتحا بن عبد الواحد السوسي‬
‫النظيفي ‪:‬‬
‫بعض اآلداب املطلوبة من اإلخوان ‪:‬‬

‫جاء يف البغية‪ :‬ال ريب ان حقوق الصحبة واالخوة و اداهبا من اعظم احلقوق‪ ،‬و آكد اآلداب اذ هي‬
‫العصمة يف مدارج السري و السلوك اىل حضرة رب االرابب‪ ،‬و خصوصا يف طريقتنا هذه االمحدية‬
‫التجانية لقول سيدان رضي هللا عنه‪ :‬من ابتلي بتضييع حقوق االخوان ابتاله هللا تعاىل بتضييع احلقوق‬
‫اإلَلية‪.‬‬

‫قال تعاىل ‪ { :‬وما آاتكم الرسول فخذوه وما َّناكم عنه فانتهوا } احلشر(‪ )10‬وقال أيضاً ‪ {:‬لقد‬
‫كان لكم يف رسول هللا أسوة حسنة}األحزاب‪21‬‬
‫من متسك هباتني اآليتني الشريفتني فقد حاز قصبة السبق يف اآلداب ‪ ،‬ومن حاد عنهما فهو ٍ‬
‫مبعزل‬
‫فائق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وحبيب ٍ‬ ‫أخ ٍ‬
‫صادق ‪،‬‬ ‫عن ساحة اآلداب ‪ ،‬ومها القسطاس املستقيم واملنهج القومي لكل ٍ‬
‫وعن َممد بن أسلم رمحه هللا أنه قال ‪ :‬أصل اإلسالم يف هذه الفرائض ‪ ،‬وهذه الفرائض يف حرفني ‪:‬‬
‫ما قال هللا ورسوله‪ (:‬افعل ) ففعله فريضة ينبغي أن تفعل ‪ ،‬وما قاله هللا ورسوله ‪ ( :‬ال تفعل ) فرتكه‬
‫فريضة ينبغي أن ينتهى عنه اه ‪ .‬وما أبيح افعل ودع ما مل يبح‪.‬‬
‫ويف [عف] روي عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬أدبّن رِب فأحسن َتدييب )‬
‫فاألدب هتذيب الظاهر والباطن ‪ ،‬فإذا هتذب ظاهر العبد وابطنه صار صوفياً أديباً ‪ ،‬وال يتكامل‬
‫لفظ آخ ٍر قال صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬أدبّن‬‫األدب يف العبد إال بتكامل مكارم األخالق ‪ ،‬ويف ٍ‬
‫رِب فأحسن َتدييب مث أمرِن مبكارم األخالق فقال ‪ {:‬خذ العفو وأمر ابلعرف وأعرض عن اجلاهلني}‬
‫األعراف‪.99‬‬
‫قال يوسف بن احلسني ‪ :‬ابألدب يفهم العلم ‪ ،‬وابلعلم يصح العمل ‪ ،‬وابلعمل تنال احلكمة ‪،‬‬
‫وابحلكمة يقام الزهد ‪ ،‬وابلزهد ترتك الدنيا ‪ ،‬وبرتك الدنيا يرغب يف اآلخرة ‪ ،‬وابلرغبة يف اآلخرة تنال‬
‫الرتبة عند هللا تعاىل اه ‪.‬‬
‫وعن ابن املبارك رمحه هللا ‪ :‬من هتاون ابألدب عوقب حبرمان السنن ‪ ،‬ومن هتاون ابلسنن عوقب‬
‫حبرمان الفرائض ‪ ،‬ومن هتاون ابلفرائض عوقب حبرمان املعرفة ‪ .‬وقال أيضاً‪ :‬حنن إىل قليل من األدب‬
‫أحوج منا إىل كث ٍري من العلم‪ .‬وفيه عنه رمحه هللا ‪ :‬قد أكثر الناس يف األدب ‪ ،‬وحنن نقول ‪ :‬هو معرفة‬
‫النفس ‪.‬‬
‫وهذه إشارة منه إىل أن النفس هي منبع اجلهاالت ‪ ،‬وترك األدب من خمامرة اجلهل ‪ ،‬فإذا عرف‬
‫النفس صادف نور العرفان ‪ ,‬وقد ورد ‪ :‬من عرف نفسه فقد عرف ربه‪.‬‬
‫وفيه قال ابن عطاء هللا السكندري رمحه هللا ‪ :‬النفس جمبولة على سوء األدب والعبد مأمور مبالزمة‬
‫األدب ‪ ،‬والنفس جتري بطباعها يف ميدان املخالفة والعبد يردها جبهده إىل حسن املطالبة ‪ ،‬فمن‬
‫أعرض عن اجلهد فقد أطلق عنان النفس وغفل عن الرعاية مهما أعاَّنا فهو شريكها‪.‬‬
‫وقال اجلنيد رمحه هللا ‪ :‬من أعان نفسه على هواها فقد أشرك يف قتل نفسه ‪ ،‬ألن العبودية األدب ‪،‬‬
‫والطغيان سوء األدب اه ‪.‬‬
‫وما أحسن قول بعضهم يف األدب ‪ :‬األدب أن يؤدب العبد ظاهره وابطنه ‪ ،‬أما ظاهره ‪ :‬فبالشريعة‬
‫أبن يتبع السنة قوالً وفعالً ‪ ،‬وأما ابطنه ‪ :‬فباحلقيقة أبن يرضى مبا يرد عليه من هللا ويتلقاه ابلقبول ‪،‬‬
‫ويرى أن الكل نعمة عليه من هللا تعاىل إما عاجلة وإما آجلة ‪ ،‬فالعاجلة بلوغ النفس َمبوهبا ومطلوهبا‬
‫عاجالً ‪ ،‬واآلجلة كأنواع املضار واملكاره فإنه يثاب عليها آجالً وحيفظ هبا عنه من خطيئاته ‪ ،‬فهي‬
‫نعمة هبذا االعتبار اه ‪.‬‬
‫وصاحب هذا األدب هو املخصوص برؤية النعم يف طي النقم ‪ ،‬فريى نعم هللا تعاىل عليه ظاهرةً‬
‫وابطنةً اه ‪.‬‬
‫ويف [عف] عن جاب ٍر بن مسرة رضي هللا عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى اله عليه وسلم ‪ (:‬ألن‬
‫بصاع ) وروي عنه أيضاً عليه الصالة والسالم‪ (:‬ما حنل‬
‫يؤدب الرجل ولده خري له من أن يتصدق ٍ‬
‫والد ولداً من ٍ‬
‫حنلة أفضل من ٍ‬
‫أدب حس ٍن ) وروت عائشة رضي هللا عنها عن رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ (:‬حق الولد على الوالد ‪ :‬أن حيسن امسه وحيسن موضعه وحيسن أدبه) أي أن يعلمه اآلداب‬
‫الشرعية الواجبة واملندوبة وحيثه على مكارم األخالق‪ ،‬أما حتسني املوضع أبن تكون أمه ذات دين‬
‫أصل ٍ‬
‫طيب‪ ،‬وأن يكون موضع إقامته يسهل فيه حتصيل القرآن والعلم لكثرة القراء والعلماء ‪.‬‬ ‫ومن ٍ‬

‫املصافحة عند اللقاء‪:‬‬


‫ومن اآلداب املطلوبة بني اإلخوان إذا حصل اللقاء بينهم أن يتصافحوا ‪ ،‬وقد سئل أبو ذر رضي هللا‬
‫عنه ‪ :‬هل كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يصافحكم ؟ قال ‪ :‬ما لقيته قط إال صافحّن ‪ .‬وبعث‬
‫إِل ذات ٍ‬
‫يوم ومل أكن يف أهلي‪ ،‬فلما جئت أخربت أنه أرسل إِل‪ ،‬فأتيته وهو على سريره فالتزمّن‪،‬‬
‫وكانت تلك أجود وأجود‪.‬‬
‫وعن أنس رضي هللا عنه ‪ ( :‬إن املؤمن إذا لقي املؤمن فسلم عليه وأخذ بيده يصافحه ‪ ،‬تناثرت‬
‫خطاايمها كما يتناثر ورق الشجر ) وروى الطرباِن‪ ( :‬إن املسلمني إذا التقيا وتصافحا وضحك كل‬
‫واحد منهما يف وجه صاحبه ال يفعالن ذلك إال هلل ‪ ،‬مل يتفرقا حىت يغفر َلما ) ويف [جص] ‪(:‬كان‬
‫رضي هللا عنه إذا لقي أصحابه مل يصافحهم حىت يسلم عليهم) أي فيندب تقدمي السالم على‬
‫املصافحة ‪ .‬وفيه‪( :‬كان إذا لقيه أحد من أصحابه فقام معه مل ينصرف عنه حىت يكون الرجل هو‬
‫الذي ينصرف عنه‪ ،‬وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده انوله إايها فلم ينزع يده منه حىت يكون‬
‫الرجل هو الذي ينزع يده منه‪ ،‬وإذا لقي أحداً من أصحابه فتناول أذنه انوله إايها مث مل ينزعها عنه‬
‫حىت يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه )‬
‫وعن أنس بن مالك قال كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا صافح رجال مل ينزع يده من يده حىت‬
‫يكون الرجل هو الذي ينزع يده من يده‪.‬‬
‫وقد قال بعض الصحابة ‪ :‬أيضم أحدان أخاه إذا لقيه؟ فقال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ال‪ ،‬فقال‬
‫أيعانقه ويقبله؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬فقال أيصافحه ويسلم عليه؟ فقال‪ :‬نعم " وذكر احلديث ‪.‬‬
‫وأما االحنناء كالركوع فمنهي عنه ‪ ،‬وإن قصد تعظيمه كتعظيم هللا فهو كفر اه ‪ .‬وثبت أن سيدان أاب‬
‫الفيض رضي هللا عنه وعنا به آمني قال ملن قبل األرض بني يديه‪ :‬كفرت قل ‪ :‬أشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وأشهد أن َممداً رسول هللا ‪ .‬وأمره بتجديد النكاح‪ ،‬ألن نكاحه فسخ بذلك ألنه ردة والعياذ ابهلل‪.‬‬
‫وأنه قال مثل ذلك المرأةٍ قبلت األرض بني يديه‪.‬‬
‫ويف [خل] وينبغي له ‪ :‬أي للعامل أن مينع ما أحدثوه من املصافحة بعد صالة الصبح وبعد صالة‬
‫العصر وبعد صالة اجلمعة ‪ ،‬بل زاد بعضهم يف هذا الوقت فعل ذلك بعد الصلوات اخلمس وذلك‬
‫كله من البدع ‪ .‬وموضع املصافحة يف الشرع إمنا هو عند لقاء املسلم ألخيه ال يف أدابر الصلوات‬
‫اخلمس‪ ،‬وذلك كله من البدع فحيث وضعها الشرع نضعها فينهى عن ذلك ويزجر فاعله ملا أتى من‬
‫خالف السنة‪ .‬انظره‬
‫وَمل النهي والزجر إن ظن اإلفادة ومل يرتتب على ذلك مفسدة أعظم وإال ترك النهي والزجر ففي‬
‫احلديث ‪ (:‬إذا رأيتم األمر ال تستطيعون تغيريه فاصربوا حىت يكون هللا هو الذي يغريه) اه قال تعاىل ‪:‬‬
‫(ال يكلف هللا نفساً إال وسعها)‪.‬‬

You might also like