You are on page 1of 5

‫تزكية النفس‬

‫(( شأن ا ِإلخالص يف العبادة ))‬


‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ ،-‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده‬
‫َّ ْ ْ َ‬ ‫َْ ْ‬
‫ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حمم ًدا عبده ورسوله وبعد‪ :‬قال ربنا تبارك وتعاىل‪َ :‬والعصرِۙ ‪ ١‬إن الإن َسان‬
‫َ َ َ َ ْ َّ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َََ َ‬ ‫ّٰ ٰ‬ ‫َّ َّ ْ َ ٰ َ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫َ ْ ُ ْ‬
‫لفي خسرِۙ ‪ ٢‬إلا الذين امنوا وعملوا الصلحت وتواصوا بالحق ەِۙ وتواصوا بالصبر ࣖ ‪٣‬‬

‫فأان أيها احلاضرون واحلاضرات رمحكم هللا أقوم بني أيديكم أوصي نفسي وإايكم أمجعني عن شأن اإلخالص‬
‫يف العبادة‬
‫فإِ ّن أعظم األصول املهمة يف دين ا ِإلسالم حتقيق ا ِإلخالص هلل تعاىل يف مجيع العبادات‪ ،‬قال بعض العلماء‪:‬‬
‫ا ِإلخالص هو أال تطلب على عملك شاه ًدا غري هللا تعاىل‪ ،‬وال جما ٍز سواه‪.1‬‬
‫قال أبو عثمان سعيد النيسابوري‪ :‬صدق اإلخالص نسيان رؤية اخللق لدوام النظر إىل اخلالق‪ ،‬واإلخالص‪:‬‬
‫أن تريد بقلبك وعملك وفعلك رضا هللا تعاىل خوفًا من سخط هللا كأنك تراه حبقيقة عملك أبنه يراك حىت‬
‫يذهب الرايء عن قلبك‪ ،‬مث تذكر منّة هللا عليك إذ وفقك لذلك العمل حىت يذهب العجب من قلبك‬
‫وتستعمل الرفق يف عملك حىت تذهب العجلة من قلبك‪.‬‬
‫يء إِالَّ زانَه وما نُِزع ِمن ش ٍ‬
‫الرفق ِيف ش ٍ‬
‫يء إالَّ َشانَهُ»‪.2‬‬ ‫َ ُ ََ َ َ‬ ‫«ما ُجعِ َل ِّ ُ َ‬ ‫وقال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪َ :-‬‬
‫يرد عليك عملك‬ ‫والعجلة اتّباع اهلوى‪ ،‬والرفق اتّباع السنة‪ ،‬فإذا فرغت من عملك وجل قلبك خوفًا من هللا أن ّ‬
‫وُبُْم َوِجلَةٌ أَ ََّّنُْم إِ َىل َرُّبِِ ْم َر ِاجعُو َن} [املؤمنون‪،]60 :‬‬ ‫ِ‬
‫فال يقبله منك‪ .‬قال هللا تعاىل‪َ { :‬والَّذ َ‬
‫ين يُ ْؤتُو َن َما آَتَ ْوا َوقُلُ ُ‬
‫خملصا يف عمله إن شاء هللا‪.3‬‬ ‫ومن مجع هذه اخلصال األربعة كان ً‬
‫واعلموا رمحكم هللا مجيعا أن ا ِإلخالص هو حقيقة ال ِّدين‪ ،‬ومفتاح دعوة الرسل عليهم السالم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُحنَ َفاءَ} [البينة‪.]5 :‬‬ ‫ني لَهُ ال ّد َ‬ ‫{وَما أُم ُروا إِالَّ ليَ ْعبُ ُدوا هللاَ خمُْلص َ‬ ‫قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ت َواحلَيَاةَ لِيَ ْب لَُوُك ْم‬ ‫ِ‬
‫صا لَهُ د ِيِن} [الزمر‪ ،]14 :‬وقال سبحانه‪{ :‬الَّذي َخلَ َق املَْو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬قُ ِل هللاَ أ َْعبُ ُد خمُْل ً‬
‫ور} [امللك‪.]2 :‬‬ ‫الع ِز ُيز الغَ ُف ُ‬
‫َح َس ُن َع َمالً َو ُه َو َ‬
‫أَيُّ ُك ْم أ ْ‬

‫‪ 1‬نضرة النعيم في مكارم أخالق الرسول الكريم ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪.)124 /2( -‬‬
‫‪ 2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2594‬‬
‫‪ ) 3‬البيهقي في شعب اإليمان رقم (‪ )6475‬طبعة الشؤون اإلسالمية بدولة قطر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫صواًب مل يقبل‪،‬‬
‫خالصا ومل يكن ً‬
‫س ُن عَ َمالً}‪ :‬أخلصه وأصوبه‪ ،‬وقال‪ :‬إن العمل إذا كان ً‬
‫َح َ‬
‫قال الفضيل‪{ :‬أ ْ‬
‫صواًب‪ .‬واخلالص‪ :‬ما كان هلل‪ ،‬والصواب‪ :‬ما‬
‫خالصا ً‬
‫ً‬ ‫خالصا مل يقبل‪ ،‬حىت يكون‬
‫ً‬ ‫صواًب ومل يكن‬
‫وإذا كان ً‬
‫السنَّة‪.4‬‬
‫كان على ُّ‬
‫ك وما و َّ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫{شرع لَ ُكم ِمن ال ِّدي ِن ما و َّ ِ‬
‫وسى‬
‫يم َوُم َ‬ ‫ص ْي نَا به إِبْ َراه َ‬ ‫وحا َوالَّذي أ َْو َح ْي نَا إِل َْي َ َ َ َ‬ ‫صى بِه نُ ً‬ ‫َ َ‬ ‫وقال سبحانه‪َ ْ َ َ َ :‬‬
‫وه ْم إِلَْي ِه هللاُ ََْيتَِِب إِلَْي ِه َم ْن يَ َشاءُ َويَ ْه ِدي‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َوالَ تَتَ َف َّرقُوا فيه َك َُُب َعلَى املُ ْش ِرك َ‬
‫ني َما تَ ْدعُ ُ‬ ‫يموا ال ّد َ‬
‫يسى أَ ْن أَق ُ‬
‫َوع َ‬
‫يب} [الشورى‪.]13 :‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫إلَْيه َم ْن يُن ُ‬
‫قال أبو العالية‪« :‬وصاهم ًب ِإلخالص يف عبادته»‪ ،‬وا ِإلخالص أعظم أعمال القلوب‪.‬‬
‫أتمل الشريعة يف مصادرها ومواردها‪ ،‬علم ارتباط أعمال اجلوارح‬
‫قال ابن القيم ‪ -‬رمحه هللا تعاىل ‪« :-‬ومن ّ‬
‫أبعمال القلوب‪ ،‬وأَّنا ال تنفع بدوَّنا‪ ،‬وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال اجلوارح‪ ،‬وهل مييز‬
‫املؤمن عن املنافق إال مبا يف قلب كل واحد من األعمال اليت ميزت بينهما؟ وعبودية القلب أعظم من عبودية‬
‫اجلوارح‪ ،‬وأكثر وأدوم‪ ،‬فهي واجبة يف كل وقت»‪.5‬‬
‫ذم هللا سبحانه أحبار أهل الكتاب‪ ،‬ولو نفع العمل بغري إخالص‬
‫ضا‪ :‬لو نفع العلم بال عمل ملا ّ‬
‫وقال أي ً‬
‫ملا ذم املنافقي‪.6‬‬
‫وعلموا أيها احملرتمون األحباء األعزاء رمحكم هللا أن ا ِإلخالص شرط لقبول العمل‪ ،‬فإن العمل ال يُقبل‬
‫إال بشرطي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يكون العمل مواف ًقا ملا شرعه هللا يف كتابه‪ ،‬أو بيَّنه رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬؛ فعن‬
‫س ِمْنهُ فَ ُه َو‬ ‫َح َد َ ِ ِ‬
‫ث يف أ َْمرَان َه َذا َما لَْي َ‬ ‫«م ْن أ ْ‬
‫عائشة رضي هللا عنها‪ :‬أن النِب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ :‬‬
‫َردٌّ»‪.7‬‬
‫خالصا لوجه هللا تعاىل‪.‬‬
‫ً‬ ‫اثنيًا‪ :‬أن يكون العمل‬

‫‪ )4‬مدارج السالكين (‪.)69 /2‬‬

‫‪ 5‬بدائع الفوائد (‪ )330 /3‬نقالً عن كتاب اإلخالص والشرك األصغر ص‪.5 :‬‬
‫‪ 6‬الفوائد ص‪.66 :‬‬
‫‪ 7‬صحيح البخاري برقم (‪ ،)2697‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1718‬واللفظ له‪ ،‬طبعة بيت األفكار الدولية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وروى البخاري ومسلم يف صحيحيهما من حديث عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ :-‬أن النيب ‪ -‬صلى‬
‫ت ِه ْجَرتُهُ إِ َىل هللا َوَر ُسولِِه‬ ‫ِ‬ ‫َعم ُ ِ ِ‬
‫ال ِِبلنّيَّات َوإََِّّنَا ل ُك ِّل ْام ِر ٍئ َما نَ َوى‪ ،‬فَ َم ْن َكانَ ْ‬ ‫ِ‬
‫هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬إََّّنَا األ ْ َ‬
‫اجَر إِلَْي ِه»‪.8‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَ ِهجرتُه إِ َىل هللا ورسولِِه‪ ،‬ومن َكانَ ِ‬
‫ت ه ْجَرتُهُ ل ُدنْيَا يُصيبُ َها‪ ،‬أَ ِو ْامَرأَة يَتَ َزَّو ُج َها‪ ،‬فَ ِه ْجَرتُهُ إِ َىل َما َه َ‬ ‫ََ ُ َ َ ْ ْ‬ ‫َْ ُ‬
‫اح ٌد فَ َم ْن َكا َن يَْر ُجوا لَِقاءَ َربِِّه‬
‫َل أَََّّنَا إِ َهل ُكم إِلَه و ِ‬
‫ُ ْ ٌَ‬ ‫وحى إِ ََّ‬ ‫ِ‬
‫ومصداق ذلك قوله تعاىل‪{ :‬قُ ْل إََِّّنَا أ ََان بَ َشٌر مثْلُ ُك ْم يُ َ‬
‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫فَلْي عمل عمالً ِ‬
‫َح ًدا} [الكهف‪.]110 :‬‬ ‫صاحلًا َوالَ يُ ْش ِرْك بعبَ َادة َربّه أ َ‬
‫ََْ ْ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين‬‫ني لَهُ ال ّد َ‬ ‫واعلموا رمحكم هللا أن ا ِإلخالص هو األساس يف قبول الدعاء‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬فَ ْادعُوا هللاَ خمُْلص َ‬
‫َولَ ْو َك ِرهَ ال َكافُِرو َن} [غافر‪.]14 :‬‬

‫وفقدان ا ِإلخالص سبب لرد العمل‪ .‬لقد روى اإمام مسلم يف صحيحه من حديث أيب هريرة ‪ -‬رضي هللا‬
‫استُ ْش ِه َد‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫عنه ‪ :-‬أن النِب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬إِ َّن أ ََّو َل الن ِ‬
‫ضى يَ ْوَم الْقيَ َامة َعلَْيه‪َ :‬ر ُج ٌل ْ‬ ‫َّاس يُ ْق َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬ك َذبْ َ‬ ‫ت‪ .‬قَ َ‬ ‫استُ ْش ِه ْد ُ‬ ‫يك َح َّىت ْ‬ ‫ْت فِ َ‬ ‫ال‪ :‬قَاتَل ُ‬ ‫ْت فِ َيها؟ قَ َ‬ ‫ال‪ :‬فَ َما َع ِمل َ‬‫فَأُِِتَ بِِه فَ َع َّرفَهُ نِ َع َمهُ فَ َع َرفَ َها‪ ،‬قَ َ‬
‫ب َعلَى َو ْج ِه ِه َح َّىت أُل ِْق َي ِيف النَّا ِر‪َ ،‬وَر ُج ٌل‬ ‫ال‪ :‬ج ِريء‪ ،‬فَ َق ْد قِيل‪ُ .‬مثَّ أ ُِمر بِ ِه فَ ِ‬ ‫َولَكِن َ‬
‫سح َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْت ألَ ْن يُ َق َ َ ٌ‬ ‫َّك قَاتَل َ‬
‫ال‪ :‬تَعلَّم ُ ِ‬ ‫ال‪ :‬فَما َع ِمل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْم‬‫ت الْعل َ‬ ‫يها؟ قَ َ َ ْ‬ ‫ْت ف َ‬ ‫ْم َو َعلَّ َمهُ َوقَ َرأَ الْ ُق ْرآ َن‪ ،‬فَأُِِتَ بِه فَ َع َّرفَهُ ن َع َمهُ فَ َع َرفَ َها‪ ،‬قَ َ َ‬ ‫تَ َعلَّ َم الْعل َ‬
‫ال‪ُ :‬ه َو‬ ‫ات الْ ُق ْرآ َن لِيُ َق َ‬‫ال‪َ :‬ع ِاملٌ‪َ ،‬وقَ َر َ‬ ‫ْم لِيُ َق َ‬ ‫َّك تَعلَّم َ ِ‬
‫ت الْعل َ‬
‫ال‪َ :‬ك َذب َ ِ‬
‫ت‪َ ،‬ولَكن َ َ ْ‬ ‫يك الْ ُق ْرآ َن‪ .‬قَ َ ْ‬ ‫ات فِ َ‬ ‫َو َعلَّ ْمتُهُ َوقَ َر ُ‬
‫ب َعلَى َو ْج ِه ِه َح َّىت أُل ِْق َي ِيف النَّا ِر‪َ .‬وَر ُج ٌل َو َّس َع هللاُ َعلَْي ِه َوأَ ْعطَاهُ ِم ْن‬ ‫سح َ‬
‫ئ‪ .‬فَ َق ْد قِيل‪ُ ،‬مثَّ أ ُِمر بِ ِه فَ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قَا ِر ٌ‬
‫ب‬ ‫يل ُُِت ُّ‬ ‫ت ِم ْن َسبِ ٍ‬ ‫يها؟ قَال‪َ :‬ما تَ َرْك ُ‬ ‫ال‪ :‬فَما عَ ِمل َ ِ‬
‫ْت ف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اف الْم ِ ِ ِ‬
‫ال ُكلّه‪ ،‬فَأُِِتَ بِه فَ َع َّرفَهُ ن َع َمهُ فَ َع َرفَ َها‪ .‬قَ َ َ‬ ‫َ‬
‫أَصنَ ِ‬
‫ْ‬
‫يل‪ُ ،‬مثَّ أ ُِم َر بِ ِه‬ ‫ِ‬
‫ال‪ُ :‬ه َو َج َوا ٌد‪ .‬فَ َق ْد ق َ‬ ‫ْت لِيُ َق َ‬ ‫َّك فَ َعل َ‬ ‫ت‪َ ،‬ولَكِن َ‬ ‫ال‪َ :‬ك َذبْ َ‬
‫َك‪ .‬قَ َ‬ ‫يها ل َ‬ ‫أَ ْن ي نْ َف َق فِيها إِالَّ أَنْ َف ْق ُ ِ‬
‫تفَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ ‪9‬‬
‫ب َعلَى َو ْج ِه ِه‪ُ ،‬مثَّ أُل ِْق َي ِيف النَّار»‬ ‫سح َ‬
‫فَ ِ‬
‫ُ‬
‫{م ْن َكا َن يُ ِري ُد احلَيَاةَ‬ ‫وملا بلغ هذا احلديث معاوية بكى بكاءً شدي ًدا‪ ،‬فلما أفاق قال‪ :‬صدق هللا ورسوله‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ف إِلَي ِهم أَ ْعما ََلُم فِيها و ُهم فِيها الَ ي ب َخسو َن * أُولَئِ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫س ََلُ ْم ِيف اآلَخ َرة إِالَّ الن ُ‬
‫َّار‬ ‫ين ل َْي َ‬‫ك الَّذ َ‬ ‫الدُّنْيَا َو ِزينَ تَ َها نُ َو ّ ْ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ ْ ُ‬
‫يها َوًَب ِط ٌل َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن}‪[ 10‬هود‪.]16 - 15 :‬‬ ‫ِ‬
‫صنَ عُوا ف َ‬ ‫ط َما َ‬ ‫َو َحبِ َ‬
‫َن َر ُجالً َجاءَ إِ َىل‬ ‫ِ‬
‫ي ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ :-‬أ َّ‬ ‫وسى األَ ْش َع ِر ِّ‬ ‫روى البخاري ومسلم يف صحيحيهما من حديث أَِيب ُم َ‬
‫الر ُج ُل يُ َقاتِ ُل لِل ِّذ ْك ِر‪َ ،‬و َّ‬
‫الر ُج ُل يُ َقاتِ ُل‬ ‫الر ُج ُل يُ َقاتِ ُل لِْل َم ْغنَِم‪َ ،‬و َّ‬
‫ول هللا‪َّ ،‬‬ ‫ال‪َ :‬اي َر ُس َ‬‫َِّب ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬فَ َق َ‬ ‫النِ ِّ‬

‫‪ 8‬صحيح البخاري برقم (‪ ،)1‬وصحيح مسلم برقم (‪1907‬‬


‫‪ 9‬صحيح مسلم برقم (‪)1905‬‬
‫‪ 10‬صحيح ابن حبان برقم (‪.)409‬‬

‫‪3‬‬
‫«م ْن قَاتَ َل لِتَ ُكو َن َكلِ َمةُ هللاِ ِه َي‬
‫ول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪َ :-‬‬
‫ال رس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ل َُُيى َم َكانُهُ‪ ،‬فَ َم ْن ِيف َسبِ ِيل هللا؟ فَ َق َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫الْعُْليَا‪ ،‬فَ ْه َو ِيف َسبِ ِيل هللاِ»‪.11‬‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َِّب ‪ -‬صلى هللا‬ ‫وروى النسائي يف سننه من حديث أَيب أ َُم َامةَ الْبَاهل ِّي ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ :-‬أَن َر ُجالً َجاءَ إ َىل النِ ِّ‬
‫ول هللاِ ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬ ‫َجَر َوال ِّذ ْكَر َما لَهُ؟ فَ َق َ‬
‫ال َر ُس ُ‬ ‫س األ ْ‬
‫ِ‬
‫ت َر ُجالً َغَزا يَْلتَم ُ‬ ‫ال‪ :‬أ ََرأَيْ َ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فَ َق َ‬
‫ول هللاِ ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪« :-‬الَ َش ْيءَ لَهُ»‪ُُ .‬ثَّ‬ ‫ول لَهُ َر ُس ُ‬ ‫ث م َّر ٍ‬
‫ات َويَ ُق ُ‬ ‫َع َاد َها ثَالَ َ َ‬ ‫‪« :‬الَ َش ْيءَ لَهُ»‪ .‬فَأ َ‬
‫صا َوابْتُغِ َي بِِه َو ْج ُههُ»‪.12‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪« :‬إِ َّن هللاَ الَ يَ ْقبَ ُل م َن الْ َع َم ِل إِالَّ َما َكا َن لَهُ َخال ً‬
‫قَ َ‬
‫وهاكم أقوال األئمة يف شأن اإلخالص فتأملوها رمحكم هللا ‪...‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا‪ :‬ومن كان له ورد مشروع من صالة الضحى أو قيام ليل أو غري‬
‫ذلك فإنه يصليه حيث كان وال ينبغي له أن يدع ورده املشروع ألجل كونه بي الناس إذا علم هللا من قلبه‬
‫سرا هلل مع اجتهاده يف سالمته من الرايء ومفسدات اإلخالص‪.13‬‬
‫أنه يفعله ًّ‬
‫وقيل لسهل التسرتي‪ :‬أي شيء أشد على النفس؟ قال‪ :‬ا ِإلخالص؛ ألنه ليس َلا فيه نصيب‪.14‬‬
‫علي‪.‬‬
‫علي من نييت‪ ،‬إهنا تتقلب َّ‬
‫وقال سفيان الثوري‪ :‬ما عاجلت شيئًا أشد َّ‬
‫وقال سليمان ال ّداراين‪ :‬إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرايء‪.‬‬
‫وقال بعض السلف‪ :‬من سلم له من عمره حلظة خالصة لوجه هللا‪ ،‬جنا وذلك لعزة ا ِإلخالص‪ ،‬وعسر تنقية‬
‫القلب من هذه الشوائب؛ فإن اخلالص هو الذي ال ًبعث له إال طلب القرب من هللا تعاىل‪.15‬‬

‫وهاكم اخلالصة مما ذكران فاتبهوا رمحكم هللا‪ :‬إن اإلخالص هلل تعاىل وإرادة وجهه رأس مال العبد ومالك‬
‫أمره‪ ،‬وقوام حياته الطيبة‪ ،‬وأصل سعادته وفالحه ونعيمه‪ ،‬وقرة عينه‪ ،‬ولذلك ُخلق وبه أُمر‪ ،‬وبذلك‬
‫أُرسلت الرسل‪ ،‬وأُنزلت الكتب‪ ،‬وال صالح للقلب وال نعيم َّإال أبن تكون رغبته إىل هللا عز وجل وحده‪،‬‬
‫فيكون هو وحده مرغوبه ومطلوبه ومراده‪ ،‬ومن كان كذلك كفاه هللا كل ٍّ‬
‫مهم‪ ،‬وتواله يف مجيع أموره‪ ،‬ودفع‬

‫‪ 11‬صحيح البخاري برقم (‪ ،)2810‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1904‬‬


‫‪ 12‬سنن النسائي برقم (‪ ،)31740‬وقال النووي‪ :‬إسناده جيد "الترغيب والترهيب" (‪.)61 /1‬‬
‫‪ 13‬الفتاوى (‪.)263 /2‬‬
‫‪ 14‬مدارج السالكين (‪.)69 /2‬‬
‫‪ 15‬انظر‪" :‬اإلخالص طريق الخالص" ألخينا الشيخ عبدالهادي وهبي ص‪.176 :‬‬

‫‪4‬‬
‫عنه ما ال يستطيع دفعه عن نفسه‪ ،‬ووقاه وقاية الوليد‪ ،‬وصانه من مجيع اآلفات‪ .‬ومن كان هلل كان هللا له‪،‬‬
‫حيث ال يكون لنفسه‪.16‬‬

‫نفعين هللا وإايكم مجيعا ‪ ...‬فها هي الكلمات أستطيع ذكرها بي أيديكم فمن وجد فيها شيئا خيالف‬
‫الكتاب والسنة فعليه حق النصيحة‪" :‬وهللا يف عون العبد ما كان العبد يف عون أخيه"‪ .‬واحلمد هلل رب‬
‫العاملي‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا حممد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أمجعي‪ .‬والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‬

‫‪ 16‬روضة المحبين البن القيم ص‪ ،408 :‬بتصرف‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like